العبر في خبر من غبر، من سنة 611 إلى 620

سنة إحدى عشرة وست مائة
فيها توفي أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن مسند العراق عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابذي ثم البغدادي.
سمع سنة ثلاثين وخمس مائة وبعدها من قاضي المرستان وإسماعيل بن السمرقندي فمن بعدهما.
وحصل الأصول الكثيرة وجمع وخرج مع الثقة والجلالة.
توفي في شوال.
وعلي بن المفضل بن علي الإمام الحافظ المفتي شرف الدين أبو الحسن اللخمي المقدسي ثم الإسكندراني الفقيه المالكي.
ولد سنة أربع وأربعين وتفقه على أبي طالب صالح ابن بنت معافى وأبي طاهر بن عوف وأكثر إلى الغاية عن السلفي والموجودين وسكن في أواخر عمره بمصر ودرس بالصاحبية وصنف التصانيف توفي في غرة شعبان.
وأبو بكر محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي المأموني ابن الحلاوي شيخ الحنابلة في زمانه ببغداد.
وكان علامة صالحًا ورعًا كبير القر.
عاش ثمانين سنة.
وحدث عن أبي الفتح الكروخي وابن ناصر.
وتوفي في رمضان.
وعليه تفقه الشيخ المجد جد شيخنا ابن تيمية

(3/155)


سنة اثنتي عشرة وست مائة
612- فيها ثارت الكرج وبدعوا بأذربيجان، وقتلوا وسبوا وأسروا نحو المئة ألف
وفيها سار الملك المسعود أقسيس ابن السلطان الملك الكامل من الديار المصرية عندما بلغه موت صاحب اليمن سيف الإسلام فاستولى على إقليم اليمن بلا حرب.
وفيها استولى خوارزم شاه علاء الدين على غزنة وهرب ملكها ألذر إلى بهاور.
ثم جمع وحشد والتقى صاحب دهلة شمس الدين الدزمش فقتل الدز.
وفيها انهزم منكلي الذي غلب على همذان والري وإصبهان ثم قتل.
وفيها توفي ابن الدبيقي أبو العباس أحمد بن بحيى بن بركة البزاز ببغداد وله بضع وستون سنة.
روى عن قاضي المرستان وابن زريق القزاز وجماعة.
وهو ضعيف ألحق اسمه في أماكن.
توفي في ربيع الآخر.
ضعفه غير واحد.
وسليمان بن محمد بن علي الموصلي الفقيه أبو الفضل الصوفي.
ولد سنة ثمان وعشرين وسمع من إسماعيل بن السمرقندي ويحيى بن الطراح وطائفة.
توفي في ربيع الأول.
وأبو محمد بن حوط الله الحافظ عبد الله بن سليمان بن داود الأنصاري الأندلسي ولد سنة تسع وأربعين وخمس مائة وسمع من أبي الحسن بن هذيل وأبي القاسم بن حبيش وأبي بكر بن الجد وخلق كثير.
وكان موصوفًا بالإتقان حافظًا لأسماء الرجال.
صنف كتابًا في تسمية شيوخ البخارى ومسلم

(3/156)


وأبي داود والترمذي والنسائي ولم يتمه.
وكان إمامًا في العربية والترسل
والشعر.
ولي قضاء أشبيلية وقرطبة.
وأدب أولاد المنصور صاحب المغرب بمراكش.
توفي في ربيع الأول.
وعبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن طليب أبو علي الحربي.
روى عن عبد الله بن أحمد بن يوسف.
توفي في ذي الحجة.
وابن منينا أبو محمد عبد العزيز بن مصال بن غنيمة البغدادي الأشناني آخر من حدث بالعراق عن قاضي المرستان.
وسمع من جماعة.
توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.
والحافظ عبد القادر الرهاوي أبو محمد الحنبلي.
كان مملوكًا لبعض أهل الموصل فأعتقه.
وحبب إليه فن الحديث فسمع الكثير وصنف وجمع وله الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد.
وهو أمر ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدث لخراب البلاد.
سمع بإصبهان من مسعود الثقفي وطبقته وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وأبي مهراة زرعة والمقدسي بن عبد الجليل بن أبي سعد آخر أصحاب بيبي الهرثمية وبمرو ونيسابور وسجستان وبغداد ودمشق ومصر.
قال ابن خليل: كان حافظًا ثبتًا كثير التصنيف ختم به الحديث.
وقال أبو شامة: كان صالحًا مهيبًا زاهدًا خشن العيش ورعًا ناسكًا.
قلت: توفي في جمادى الأولى وله ست وسبعون سنة.

(3/157)


وأبو الحسن بن الصبوغ القدوة العارف علي بن حميد الصعيدي كان صاحب أحوال ومقامات.
وأبو عبد الله بن البناء الشيخ نور الدين محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع البغدادي الصوفي.
صحب الشيخ أبا النجيب السهروردي وسمع من ابن ناصر وابن الزاغوني وطائفة.
وكتب سماعاته.
حدث بالعراق والحجاز ومصر والشام.
واستقر بالسميساطية إلى أن توفي في ذي القعدة عن ست وسبعين سنة.
وابن الجلالجلي كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي المبارك البغدادي التاجر الكبير.
سمع من هبة الله بن شريك الحاسب وغيره.
وتوفي ببيت المقدس في رمضان.
والوجيه بن الدهان أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي الضرير النحوي.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة وسمع ببغداد من أبي زرعة ولزم الكمال عبد الرحمان الأنباري مدة وأبا محمد بن الخشاب وبرع في العربية ودرس النحو بالنظامية وكان حنبليًا فتحول حنفيًا.
وقيل تحول أيضًا شافعيًا.
وفيه أبيات سائرة.
توفي في شعبان ببغداد.
وموسى بن سعيد أبو القاسم الهاشمي البغدادي بن الصيقل.
سمع من إسماعيل

(3/158)


ابن السمر قندي وأبي الفضل الأرموي.
وكان صدرًا معظمًا.
ولي حجابة باب النوبى ثم نقابة الكوفة.
توفي في جمادى الأولى.
ويحيى بن ياقوت البغدادي الفراش المجاور بمكة.
روى عن إسماعيل ابن السمرقندي وعبد الجبار بن توبة وجماعة توفي في جمادى الآخرة
سنة ثلاث عشرة وست مائة
قال ابن الأثير: فيها قد وقع بالبصرة برد قيل إن أصغره كالنارنجة الكبيرة وأكبره ما يستحى الإنسان أن يذكره.
قلت: أرض العراق قد وقع فيها مثل هذا البرد مرات عديدة ذكرته في أماكنه من تاريخي الكبير.
وفيها توفي العلامة تاج الدين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي المقرئ النحوي اللغوي شيخ القراء والنجاة بالشام ومسند العصر.
ولد سنة عشرين وخمس مائة وأكمل القراءات العشرة.
وله عشرة أعوام.
وهذا مالا أعلمه تهيأ لأحد سواه.
اعتنى به سبط الخياط فأقرأه.
وحرص عليه وجهزه إلى أبي القاسم هبة الله ابن الطير فقرأ عليه بست روايات وإلى أبي منصور بن خيرون وأبي بكر خطيب المحول وأبي الفضل بن المهتدي بالله فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة وسمع من ابن الطبر وقاضي المرستان وأبي منصور القزاز وخلق.
وأتقن العربية على جماعة وقال الشعر الجيد ونال الجاه والوافر.
فإن الملك المعظم كان مديمًا للاشتغال عليه.
وكان ينزل إليه من القلعة.
توفي في سادس شوال ونزل

(3/159)


الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر والقاضي آخر من سمع من بي محمد الجوهري والجوهري آخر من روى عن القطيعي والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة.
وعبد الرحمان بن علي الزهري الإشبيلي أبو محمد مسند الأندلس في زمانه.
روى صحيح البخاري سماعًا عن أبي الحسن شريح وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة.
وهذا شيء لاأعلمه وقع لأحد بالأندلس.
توفي في آخر العام.
والملك الظاهر غازي صاحب حلب ولد السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب.
ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمس مائة.
وحدث عن عبد الله بن بري وجماعة.
وكان بديع الحسن كامل الملاحة ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي.
فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل ويوهم عمه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه.
وكان سمحًا جوادًا.
تزوج بابنتي عمه.
توفي في العشرين من جمادى الآخرة بالإسهال.
وتسلطن بعده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام.
وكاسر الملك العادل لأجل بنتيه أم الطفل.
والجاجرمي مؤلف الكفاية في الفقه الإمام معين الدين أبو حامد محمد ابن إبراهيم السهلي الشافعي.
وله طريقة في الخلاف.
وجاجرم بليدة بين نيسابور وجرجان جاء منها إلى نيسابور ودرس بها ومات كهلًا في رجب.
والعزيز محمد ابن الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحافظ أبو الفتح.
ولد سنة ست وستين وخمس ورحل إلى بغداد

(3/160)


وهو مراهق.
فسمع من ابن شاتيل وطبقته وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمان بن أبي العجائز وطائفة.
وكتب الكثير.
وعني بالحديث ورحل إلى إصبهان وغيرها.
وكان موصوفًا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم.
قال الضياء: كان حافظًا فقيهًا ذا فنون وصفة بالمروءة التامة والديانة المتيتة.
توفي في تاسع عشر شوال.
سنة أربع عشرة وست مائة.
فيها سار خوارزم شاه في أربع مائة ألف راكب إلى أن وصل همذان قاصدًا بغداد ليتملكها ويحكم على الناصر لدين الله.
فاستعد له الناصر وفرق الأموال والسلاح وراسله مع السهروردي فلم يلتفت عليه فحكى قال: دخلت إليه في خيمة عظيمة لم أر مثل دهليزها وهو من أطلس والأطناب حرير وفي الخدمة ملوك العجم وما وراء النهر.
وهو شاب له شعرات قاعد على تخت وعليه قباء يساوي خمسة دراهم.
وعلى رأسه قلنسوة جلد تساوي درهمًا.
فسلمت فما رد ولا أمرني بالجلوس.
فخطبت وذكرت فضل بني العباس وأطنبت في وصف الخليفة.
والترجمان يخبره.
فقال: قل له: هذا الذي تصفه ماهو في بغداد بل أنا أجيء وأقيم
خليفة هكذا.
ثم ردنا بلا جواب.
واتفق ان نزل همذان ثلج عظيم أهلك خيلهم.
وركب هو يومًا فعثر به فرسه فتطير وقلت الأقوات على جيوشه.
ولطف الله فردوا.
وفيها تخربت الفرنج على الملك العادل ونزلوا على عين جالوت وهوببيسان فأحرقها.
وتقهقر إلى عجلون ثم إلى الفوار.
فقطعت الفرنج الشريعة وتبعته وبيتوا اليزك وعاثوا في البلاد وتهيأ أهل دمشق للحصار واستحث العادل ملوك النواحي على النجدة وتأخر إلى مرج الصفر.
فرحعت الفرنج بالسبي والغنائم إلى نحو عكا وكانوا خمسة عشر ألفًا عليهم الهنكر

(3/161)


وفيها توفي أبو الخطاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي الإمام.
ولد سنة سبع وثلاثين وأكثر عن جده أبي حفص بن واجب وابن هذيل وابن قزمان صاحب ابن الطلاع وطائفة وأجاز له أبو بكر ابن العربي.
قال ابن الأبار: هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس وكان متفننًا ضابطًا نحويًا عالي الإسناد ورعًا قانتًا.
له عناية كاملة بصناعة الحديث.
ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة.
ومعظم روايتي عنه.
توفي في رجب.
والشيخ العماد أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي أخو الحافظ عبد الغني.
ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وجاهر سنة إحدى وخمسين وخمس مائة مع أقاربه.
وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة.
وببغداد من شهدة وصالح ابن الرحلة وبالموصل من
خطيبها وحفظ الخرقي والغريب للعزيزي.
وألقى الدروس وناظر واشتغل.
وقد قرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي.
وكان متصديًا لقراءة القرآن والفقه ورعًا تقيًا متواضعًا سمحًا مفضالًا صوامًا قوامًا صاحب أحوال وكرامات موصوفًا بطول الصلاة.
قال الشيخ الموفق: مافارقته إلا أن يسافر فما عرفت أنه عصي الله معصية.
توفي الشيخ العماد رضي الله عنه فجأة في سابع عشر ذي القعدة.
وعبد الله بن عبد الجبار العثماني أبو محمد الاسكندراني التاجر الكارمي

(3/162)


المحدث.
سمع من السلفي فأكثر وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة.
وابن الحرستاني قاضي القضاة جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الربعي الشافعي ولد سنة عشرين وخمس مائة وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة وجمال الإسلام وطاهر بن سهل الأسفراييني والكبار.
وحدث وأفتى وبرع في المذهب وانتهى إليه علو الإسناد.
وكان صالحًا عابدًا من قضاة العدل.
توفي في رابع ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة.
وعلي بن محمدبن علي الموصلي أبو الحسن أخو سليمان.
سمع من الحسين سبط الخياط وأبي البدر الكرخي وجماعة.
توفي في جمادى الآخرة.
وابن جبير الكناني الإمام الرئيس أبو الحسين محم بن جبير البلنسي نزيل شاطبة.
ولد سنة أربعين وخمس مائة وسمع من أبيه وعلي بن أبي العيش المقرئ وأجاز له أبو الوليد بن الدباغ وحج وحدث في طريقه.
قال الأبار: عني بالآداب فبلغ فيها الغاية وتقدم في صناعة النظم والنثر ونال بذلك دنيا عريضة.
ثم زهد ورحل مرتين إلى الشرق وفي الثالثة توفي بالاسكندرية في شعبان.
وأبو عبد الله بن سعادة الشاطبي المعمر محمد بن عبد العزيز بن سعادة.
أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس والقراءات عن ابن هذيل وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران وسمع من ابن النعمة وابن عاشر وأبي

(3/163)


عبيد الله محمد بن يوسف بن سعادة.
أكثر عنه ابن الأبار.
وكان مولده سنة ست عشرة وخمس مائة أو قبل ذلك.
وتوفي يشاطبة في شوال وكان مجودًا للقراءات.
سنة خمس عشرة وستمائة
فيها نازلت الفرنج دمياط فجهز العادل جيشًا نجدة لولده الكامل.
وفيها كسر الملك الأشرف موسى ملك الروم كيكاوس ثم أخذ عسكره وعسكر حلب ودخل بلاد الفرنج ليشغلهم بأنفسهم عن دمياط.
فأقبل صاحب الروم إلى أعمال حلب وأخذ رعبان وتل باشر فقصده الملك الأشرف وقدم بين يديه العرب فكسبوا الروم وهزموهم.
وأخذت الفرنج برج السلسلة من دمياط وكان قفل ديار مصر.
وهو في وسط النيل فكان يمد منه سلسلة على وجه النيل إلى دمياط وأخرى إلى برج آخر فلا تمكن المراكب أن تعبر من البحر في النيل.
وفيها التقى الملك المعظم الفرنج فكسرهم.
وقتل خلق وأسر مائة فارس ولكنه نمقت إلى الناس بإدارة المكوس والحانات بدمشق واعتذر لما عنفوه بقلة المال.
ثم سار وخرب بانياس وتبنين.
وقد كانت قفلًا للشام.
وزعم أنه خربها خوفًا من استيلاء الفرنج.
وكذلك كان قد أنشأ قلعة منيعة على الطور من أعوام فأخربها وعجز عن حفظ ذلك لاحتياجه إلى المال والرجال.
ثم سار الكامل والتقى الفرنج فهزمهم ببر دمياط.
وفيها توفي صاحب مصر والشام العادل وصاحب الروم وصاحب الموصل.

(3/164)


وفيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي وعلي البخاري بتقدمة مستطرفة إلى خوارزم شاه ويطلب منه المسالمة والهدنة.
فاستمال خوارزم شاه محمودًا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا.
وأعطاه معضدة جوهر وقرر معه أن يكون عينًا للمسلمين.
ثم قال له:
أصدقني أيملك جنكزخان طمغاج الصين قال: نعم فما ترى قال: الهدنة.
فأجاب وسر جنكزخان بإجابته.
واستقر الحال إلى أن جاء من بلاده تجار إلى ماوراء النهر وعليها خال خوارزم شاه.
فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرهًا منه.
ثم كاتب خوارزمشاه يقول: إنهم تتار في زي التجار.
وقصدهم يجسوا البلاد.
ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه يقول: إن كان مافعله خالك بأمره فسلمه إلينا وإن كان بأمرك فالغدر قبيح وستشاهد ما تعرفني به.
فندم خوارزم شاه وتجلد.
وأمر بالرسل فقتلوا ليقضي الله أمرًا كان مفعولا.
فيالها حركة عظيمة الشؤم أجرت كل قطرة بحرًا من الدماء.
وفيها توفي محدث بغداد ابو العباس البندنيجي أحمد بن أحمد بن كرم الحافظ المعدل ولد سنة إحدى واربعين وسمع من أبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت فمن بعدهما.
وعني بالحديث وفنونه.
وكان من أطيب الناس قراءة للحديث.
وهو الذي أظهر إجازة الناصر لدين الله من أبي الحسين عبد الحق وطبقته.
ولكنه كان ضعيفًا لأمور.
توفي في رمضان.
والشمس العطار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي الصيدلاني نزيل دمشق.
ولد سنة ست وأربعين وسمع الناس منه صحيح البخاري غير مرة.
وكان ثقة توفي في شعبان.
وصاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدين أبو الفتح مسعود ابن

(3/165)


السلطان نور الدين آرسلان شاه بن مسعود الأتابكي.
ولد سنة تسعين وخمس مائة وتملك بعد أبيه وله سبع عشرة سنة.
وكان موصوفًا بالملاحة والعدل والسماحة.
قيل إنه سم.
ومات في ربيع ىلآخر وله خمس وعشرون سنة.
وعظم على الرعية فقده.
وولي بعده بعهد منه ولده نور الدين إرسلان شاه.
ويسمى أيضًا عليًا وله عشر سنين.
فمات في أواخر السنة أيضًا.
وزينب الشعرية الحرة أم المؤيد بنت أبي القاسم عبد الرحمان بن الحسن بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري الصوفي.
ولدت سنة أربع وعشرين وسمعت من ابن الفراوي عبد الله لا من أبيه ومن زاهر الشحامي وعبد المنعم بن القشيري وطائفة.
توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال.
وأبو القاسم بن الدامغاني قاضي القضاة عبد الله بن الحسين بن أحمد ابن علي ابن قاضي القضاة ابي عبد الله الدامغاني الفقيه العلامة عماد الدين.
سمع من تجني الوهبانية وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وست مائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة توفي في ذي القعدة.
والقاضي شرف الدين بن الزكي القرشي أبوطالب عبد الله بن زيد القضاة عبد الرحمان بن سلطان بن يحيى بن علي الدمشقي الشافعي.
ناب في الحكم عن ابن عمه القاضي محيي الدين ثم عن ابنه زكي الدين الطاهر.
ودرس بالشامية الكبيرة وهوأول من درس بالرواحية توفي في شعبان.
وصاحب الروم الملك الغالب عز الدين كيكاوس بن

(3/166)


كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي سلطان قونية وأقصرا وملطية وأخو السلطان علاء الدين كيقباذ.
كان ظلومًا غشومًا سفاكًا للدماء.
قيل: إنه مات فجأة مخمورًا فأخرجوا أخاه علاء الدين وملكوه بعده.
وذلك في شوال.
وأبو الفتوح البكري فخر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عمروك القرشي التيمي النيسابوري الصوفي.
ولد سنة ثمان عشرة وخمس مائة ولو سمع في صغره لصار مسند عصره.
وقد سمع من أبي الأسعد القشيري وغيره وبالاسكندرية مع ابنه محمد من السلفي.
وحدث بأماكن.
توفي في جمادى الآخرة.
والركن العميدي صاحب الجست أبو حامد محمد بن محمد بن السمرقندي الحنفي.
أخذ عن الرضي النيسابوري وبرع في الخلاف الجدل وصنف الطريقة المشهورة وكتاب شرح الإرشاد توفي في جمادى الآخرة ببخارى.
والسلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي.
ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها ونشأ في خدمة نور الدين مع أبيه.
وكان أخوه صلاح الدين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه.
ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده.
ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك وسلطن ابنه الكامل على الديار المصرية وابنه المعظم على الشام وابنه الأشرف على الجزيرة وابنه الأوحد على على خلاط وابن ابنه المسعود على اليمن وكان ملكًا جليلًا سعيدًا طويل العمر عميق الفكر بعيد الغور جماعًا للمال ذا حلم

(3/167)


وسؤدد.
وبر كثير وكان يضرب به المثل بكثرة أكله وله نصيب من صوم وصلاة.
ولم يكن محببًا إلى الرعية لمجيئه بعد الدولتين النورية والصلاحية.
وقد حدث عن السلفي وخلف سبعة عشر ابنًا تسلطن منهم الكامل والمعظم والأشرف والصالح وشهاب الدين غازي صاحب ميافارقين.
وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة.
سنة ست عشرة وست مائة
فيها تحركت التتار.
فخارت قوى السلطان خوارزم شاه وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر وانجفل الناس بخوارزم وأمرت أمه بقتل من كان محبوسًا من الملوك بخوارزم وكانوا يضعة عشر نفسًا.
ثم سارت بالخزائن إلى قلعة ايلال بمازندران ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفًا وتقوضت أيامه.
وفي أول العام خرب الملك المعظم سور بيت المقدس عجزًا وخوفًا من الفرنج أن تملكه فتشتت أهله وتعثروا وكان هو مع أخيه الكامل في كشف الفرنج عن دمياط وتم لهم وللمسلمين حروب وقتال كثير وجرت أمور يطول شرحها.
وجدت الفرنج في محاصرة دمياط وعملوا عليهم خندقًا كبيرًا وثبت أهل البلد ثباتًا لم يسمع بمثله وكثر فيهم القتل والجراح والموت وعدمت الأقوات ثم سلموها بالأمانفس شعبان وطار عقل الفرنج وتسارعوا إليها من كل فج عميق وشرعوا في تحصينها وأصبحت دار هجرتهم وترجوا بها أخذ ديار مصرية.
وأشرف الإسلام على خطة خسف اقبلت التتار من المشرق والفرنج من المغرب.
وعزم لمصريون على الجلاء فثبتهم الكامل إلى أن سار إليه أخوه الأشرف كما يأتي.
وفيها توفي أحمد بن سليمان بن الأصفر أبو العباس الخريبي روى

(3/168)


عن أحمد بن علي بن الأشقر وابن الطلابة.
توفي في ذي الحج.
وأحمد بن محمد بن سيدهم أبو الفضل الأنصاري الدمشقي الجابي المعروف بابن الهراس.
سمع من نصر الله المصيصي وغيره.
توفي في شعبان.
وابن ملاعب زين الدين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي وكيل القضاة.
روى عن الأرموي وابن ناصر وطائفة.
وبعض سماعاته في الخامسة.
توفي في جمادى الآخرة بدمشق.
وريحان بن تيكان بن موسك الحربي الضرير.
مات في صفر وله بضع وتسعون سنة.
روى عن أحمد بن الطلاية والمبارك بن أحمد الكندي.
وست الشام الخاتون أخت الملك العادل.
توفيت في ذي القعدة ودفنت بتربتها التي بمدرستها الشامية.
رحمها الله تعالى.
وأبو منصور بن الرزاز سعيد بن محمد ابن العلامة المفتي سعيد بن محمد ابن عمر البغدادي.
روى البخاري عن أبي الوقت وحضر ابا الفضل الأرموي.
وأبو البقاء العلامة محب الدين عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء العكبري ثم الأزجي الضرير الحنبلي النحوي الفرضي.
صاحب التصانيف.
قرأ القراءات على ابن عساكر البطائحي وتأدب على ابن الخشاب وتفقه على أبي يعلى الصغير وروى عن ابن الطي وطائفة.
وحاز قصب السبق في العربية

(3/169)


وتخرج به خلق.
ذهب بصره في صغره بالجدري.
وكان دينًا ثقة.
توفي في ربيع الآخر.
وابن شاش العلامة جلال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاش بن نزار الجذامي السعدي المصري شيخ المالكية وصاحب كتاب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة.
كان من كبار الأئمة العاملين.
حج في آخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات مجاهدًا في سبيل الله في حدود رجب.
وعبد الرحمان بن محمد بن علي بن يعيش الصدر أبو الفرج الأنباري أخو أبي الحسن علي.
روى عن عبد الوهاب الأنماطي وغيره.
وعمر تسعين سنة.
توفي في شعبان.
وعبد العزيز بن أحمد بن مسعود ابن الناقد أبو محمد البغدادي المقرئ الصالح.
قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وغيره وسمع من أبي سعد البغدادي والأرموي.
توفي في شوال.
والافتخار الهاشمي أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل العباسي البلخي ثم الحلبي الحنفي.
إمام المذهب بحلب.
سمع بما وراء النهر من القاضي عمر بن علي المحمودي وأبي شجاع البسطامي وجماعة.
وبرع في المذهب وناظر وصنف وشرح الجامع الكبير وتخرج به الأصحاب وعاش ثمانين سنة توفي في جمادى الآخرة.
وعلي بن القاسم ابن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر عماد الدين

(3/170)


أبو القاسم ولد سنة إحدى وثمانين وسمع من أبيه وعبد الرحمان بن الخرقي وإسماعيل الجنزوري.
ورحل إلى خراسان فكان آخر من رحل إليها من المحدثين.
وأكثر عن المؤيد الطوسي ونحوه.
وكان صدوقًا ذكيًا فهمًا حافظًا مجدًا في الطلب إلا أنه كان تشيع.
وقد خرجت عليه الحرامية في قفوله من خراسان فجرحوه.
وأدركه الموت ببغداد في جمادى الأولى.
وصاحب سنجار الملك المنصور قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر.
تملك سنجار مدة.
حاصره الملك العادل ايامًا ثم رحل عنه بأمر الخليفة.
توفي في صفر.
وتملك بعده ولده عماد الدين شاهنشاه أشهرًا ومات قبله أخوه عمر وتملك بعده مديدة ثم سلم سنجار إلى الأشرف ثم مات.
سنة سبع عشرة وست مائة
فيها قصد الموصل الملك مظفر الدين صاحب إربل.
فالتقاه بدر الدين لولو وكسره.
وأفلت ونازل مظفر الدين الموصل.
فنجدها الأشرف ثم وقع الصلح.
وفي رجب وقعة البرلس بين الكامل والفرنج وكانت فتحًا عزيزًا.
قتل من الملاعين عشرة آلاف وانهوموا إلى دمياط.
وفيها حج بالعراقيين أقباش مملوك الخليفة.
وكان من أحسن أهل زمانه.
استراه الناصر بخمسة
آلاف دينار.
وكان معه تقليد بمكة لحسن بن قتادة لموت أبيه في وسط العام.
فجاءه بعرفات راجح فقال: أنا أكبر ولد قتادة فولني.
فتوهم حسن أنه معزول.
فأغلق مكة فركب أقباش ليسكن الفتنة وقال: ما قصدي قتال.
فثار به أولئك العبيد الأشرار وحملوا.
فانهزم أصحابه.
فتقدم عبد فعرقب فرسه.
فوقع فذبحوه وعلقوا رأسه.
وأرادوا نهب العراقيين.
فقام

(3/171)


في القضية أمير الشاميين المعتمد والي دمشق ورد معه ركب العراق.
وأما التتار فإنهم أخذوا في آخر عام ستة عشر بخارىوقتلوا وما أبقوا.
ثم عبروا نهر جيحون واستولوا على خراسان قتلًا وسببًا وتخريبًا وإبادة إلى حدود العراق بعد أن هزموا جيوش خوارزم شاه ومزقوهم.
ثم عطفوا إلى قزوين فاستباحوها وحاصروا تبريز وبها ابن البهلوان.
فبذل لهم أموالًا وتحفًا.
فرحلوا عنه ليشنوا على الساحل.
فوصلوا إلى موغان وحاربوا الكرج وهزموهم في ذي القعدة من سنة سبع عشرة.
ثم ساروا إلى مراغة وأخذوها بالسيف ثم كروا نحو إربل فاجتمع لحربهم عسكر العراق والموصل مع صاحب إربل فهابوهم وعرجوا إلى همذان فحاربهم أهلها أشد محاربة في العام المقبل وأخذوها بالسيف وأحرقوها ثم نزلوا على بيلقان وأخذوها بالسيف وقتلوا بلا استثناء.
ثم حاربوا الكرج أيضًا وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفًا ثم سلكوا طرقًا وعرة في جبال دربند شروان وانبثوا من تلك الأراضي وبها اللان واللكز وطوائف من الترك وفيهم قليل مسلمون.
فتجمعوا والتقوا.
فكانت الدبرة على اللان.
ثم بيتوا القفجاق فملكوها وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وست مائة.
ولما تمكن الطاغية جنكزخان وعتا وتمرد وأباد وأذل العرب والعجم قسم عساكره وجهز كل فرقة إلى ناحية من الأرض ثم عادت إليه أكثر عساكره إلى سمرقند.
فلا يقال كم أباد هؤلاء من بلد وإنما يقال كم بقي.
وكان خوارزم شاه محمد بطلًا مقدامًا هجامًا وعسكره أو شابًا ليس لهم ديوان ولا إقطاع بل يعيشون من النهب والغارات.
وهم تركي كافر أو مسلم جاهل لم يعرفوا تعبئة

(3/172)


العسكر في المصاف ولم يدمنوا إلا على المهاجمة ولا لهم زرديات ولا عدد جند.
ثم إنه كان يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها ولم يكن فيه سيء منالمداراة ولا التؤدة لالجنده ولالعدوه.
وتحرش بالتتار وهم يغضبون على من يرضيهم فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم.
فخرجوا عليهوهم بنوا أب وأولوا كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع فلم يمكن أن يقف مثل خوارزم شاه بين أيديهم.
ولكل أجل كتاب.
فطووا الأرض وكلت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما بسطنا أخبارهموشرحنا ما تم للإسلام وأهله في التاريخ الكبير.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها توفي زكي الدين الطاهر قاضي القضاة ولد قاضي القضاةمحيي الدين محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين علي ابن قاضي القضاة المنتجب محمد بن يحيى اقرشي الدمشقي.
ولي قبل ابن الحرستاني ثم بعده.
وكان ذا هيبة وحشمة وسطوة.
وكان الملك المعظم يكرهه.
فاتفق أن زكي الدين طالب جابي العزيزية بالحساب.
فأساء الأدب عليه.
فأمر بضربه بين يديه.
فوجد المعظم سبيلًا إلى أذيته وبعث إليه بخلعة أمير قباء وكلوته وألزمه بلبسها في مجلس حكمه.
ففعل.
ثم قام فدخل ولزم بيته ومات كمدًا.
يقال إنه رمى قطعًا من كبده.
ومات في صفر كهلًا وندم المعظم.
والشيخ عبد الله اليونيني وهو ابن عثمان بن جعفر الزاهد الكبير أسد الشام.
وكان شيخًا مهيبًا طوالًا حاد الحال تام الشجاعة أمارًا بالمعروف نهاء عن المنكر كثير الجهاد دائم الذكر عظيم الشأن منقطع القرين صاحب مجاهدات وكرامات كان الأمجد صاحب بعلبك يزوره.
وكان يهينه ويقول: يا

(3/173)


مجيد أنت تظلم وتفعل.
وهو يعتذر إليه.
وقيل كان قوسه ثمانين رطلًا.
وما كان يبالي بالرجال قلوا أو كثروا وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي: شفيعي إليكم طول شواقي إليكم وكل كريم للشفيع قبول وعذري إليكم أنني في هواكم أسير ومأسور الغرام ذليل فإن تقبلوا عذري فأهلًا ومرحبا وإن لم تجيبوا فالمحب حمول سأصبر لا عنكم ولكن عليكم عسى لي إلى ذاك الجناب وصول وأبو المظفر ابن السمعاني فخر الدين عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن الحافظ أبي بكر محمد ابن الإمام أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي الشافعي الفقيه المحدث مسند خراسان.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمس مائة وروى كتبًا كبارًا صحيح البخاري ومسند الحافظ أبي عوانة وسنن أبي داود وجامع أبي عيسى وتاريخ الفسوي ومسند الهيثم بن كليب.
سمع من وجيه الشحامي وأبي تمام أحمد بن محمد بن المختار وأبي سعد الأسعد القشيري وخلق.
رحله أبوه إليهم بمرو ونيسابور وهراة وبخاري وسمرقند.
ثم خرج له أبوه معجمًا في ثمانية عشر جزءًا.
وكان مفتيًا عارفًا بالمذهب.
عدم في دخول التتار بمرو في آخر العام.
وقتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى العلوي الحسني صاحب مكة أبو عزيز.
وعاش أكثر من ثمانين سنة.
وخوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين.
كان ملكًا جليلًا أصيلًا عالي الهمة واسع الممالك كثير الحروب ذا ظلم وجبروت وغور

(3/174)


ودهاء.
تسلطن بعد والده علاء الدين تكش فدانت له الملوك وذلت له الأمم وأباد أمة الخطا واستولى على بلادهم إلى أن قهر بخروجالتتار الطمغاجية عسكر جنكزخان.
واندفع قدامهم وأتاه أمر الله من حيث لم يحتسب فما وصل إلى الري إلا وطلائعهم على رأسه.
فانهزم إلى برجين وقد مسه النصب فأدركوه وما تركوه يبلع ريقه فتحامل إلى همذان ثم إلى مازندران وقعقعة سلاحهم قد ملأت مسامعه.
فنزل ببحيرة هناك ثم مرض بالإسهال وطلب الدواء فأعوزه الخبر ومات.
فقيل إنه حمل في البحر إلى دهستان.
وأما ابنه جلال الدين فتقاذفت به البلاد ثم رمته الهند إلىكرمان.
وقيل بلغ عدد جيشه ثلاث مائة ألف وقيل أكثر من ذلك.
وصدر الدين شيخ الشيوخ أبو الحسن محمد ابن شيخ الشيوخ عماد الدين عمر بن علي الجويني.
برع في مذهب الشافعي وسمع من يحيى الثقفي ودرس وافتى وزوجه شيخه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الإخوة الأمراء الأربعة.
ثم ولي بمصر تدريس الشافعي ومشهد الحسين.
وبعثه الكامل رسولًا يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج.
فأدركه الموت بالموصل.
أجاز له أبو الوقت وجماعة.
وكان كبير القدر وصاحب حماة الملك المنصور محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
سمع من أبي الطاهر بن عوف وجمع تاريخًا على السنين في مجلدات.
وقد تملك حماة بعده ولده الناصر قلج أرسلان فأخذها منه الكامل وسجنه ثم أعطاه لأخيه الملك المظفر.

(3/175)


والمؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضي الدين أبو الحسن الطوسي المقرئ مسند خراسان.
ولد سنة أربع وعشرين وسمع صحيح مسلم من الفراوي وصحيح البخاري من جماعة وعدة كتب وأجزاء.
وانتهى إليه علو الإسناد بنيسابور ورحل إليه من الأقطار.
توفي ليلة الجمعة العشرين من شوال رحمه الله.
وناصر بن مهدي الوزير نصير الدين العجمي.
قدم من مازندران سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة فوزر للخليفة الناصر سنتين ثم قبض عليه سنة أربع وست مائة.
وعاش إلى هذا الوقت.
توفي في جمادى الأولى.
سنة ثمان عشرة وست مائة
استهلت والدنيا تغلي بالتتار وتجمع إلى السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه فل عساكره والتقى تولي خان بن جنكزخان.
فانكسر تولي خان وأسر خلق من التتار وقتل آخرون ولله الحمد فقامت قيامة جنكزخان واشتد غضبه إذ لم يهزم له جيش قبلها.
فجمع جيشه وسار بهم إلى ناحية السند.
فالتقاه جلال الدين في شوال من السنة فانهزم جيشه وثبت هو وطائفة.
ثم حمل بنفسه على قلب جنكزخان وكسره وولي جنكزخان منهزمًا.
وكادت الدائرة تدور عليه لولا كمين له عشرة آلاف خرجوا على المسلمين.
فطحنت الميمنة وأسر ولد السلطان جلال الدين.
فتبدد نظامه وتقهقر إلى حافة السند.
وأما بغداد فانزعج أهلها وقنت المسلمون وتأهب وفيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل وسار معه عسكر الشام.
وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل فنزلوا على

(3/176)


ترعة فبثق المسلمون عليها النيل فلم يبق لهم وصول إلى دمياط.
وجاء الأصطول فأخذوا مراكب الفرنج وكانوا مائة كند وثمان مائة فارس فيهم صاحب عكا وخلق من الرجالة.
فلما عاينوا الخذلان بعثوا يطلبون الصلح ويسلمون دمياط إلى الكامل.
فأجابهم ثم جاءه أخواه بالعساكر في رجب.
فعمل سماطًا عظيمًا وأحضر ملوك الفرنج وأنعم عليهم ووقف في خدمته المعظم والأشرف.
وكان يومًا مشهودًا.
وقام راجح الحلي فأنشد قصيدة منها: ونادى لسان الكون فيالأرض رافعًا عقيرته في الخفافين منوشدا أعباد عيسى إن عيسى وحزبه وموسى جميعًا ينصران محمدا وأشار إلى الإخوة الثلاثة.
وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة نجم الدين أبو الجناب أحمد بن عمر ابن محمد الخيوقي الصوفي المحدث شيخ خوارزم.
ويقال له نجم الدين الكبري.
وخيوق من قرى خوارزم.
كان صاحب حديث وسنة وزهد وورع.
له عظمة في النفوس وجاه عظيم.
رحل في الحديث وسمع بهمذان من الحافظ أبي العلاء وبالسكندرية من السلفي وعني بمذهب الشافعي وبالتفسير.
وله تفسير في اثني عشر مجلدًا.
ولما نزلت التتار على خوارزم في هذه السنة خرج لقتالهم في خلق فاستشهدوا على باب البلد.
وعبد المعز بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهروي البزاز ثم الصوفي مسند العصر.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة.
وسمع من غنيم الجرجاني وزاهر الشحامي وطبقتهما.
وله مشيخة في جزء.
روى شيئًا كثيرًا.
واستشهد في دخول التتار هراة.
في ربيع الأول.
وهو آخر من كان بينه وبين

(3/177)


النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبعة أنفس ثقات.
والقاسم ابن المفتي أبي سعد عبد الله بن عمر أبو بكر بن الصفار النيسابوري الشافعي الفقيه.
روى عن جده العلامة عمر بن أحمد الصفار ووجيه الشحامي وأبي الأسعد القشيري وطائفة.
وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة.
استشهد في دخول التتار نيسابور في صفر.
والشهاب محمد بن خلف بن راجح الإمام أبو عبد الله المقدسي الحنبلي الفقيه المناظر.
رحل إلى السلفي فأكثر عنه وإلى شهدة وطبقتها فأكثر عنهم.
وأخذ الخلاف عن ابن المني.
وكان بحاثًا مفحمًا للخصوم ذا حظ من صلاح الدين وأوراد وسلامة صدر وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
نسخ الكثير.
ومات في صفر عن ثمان وستين سنة.
ومحمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني المحدث أبو عبد الله الدمشقي.
دين صالح ورع.
روى عن أحمد بن حمزة الموازيني وابن كليب وخليل الرازي وطبقتهم.
توفي بالمدينة النبوية في المحرم كهلًا.
وفيها توفي موسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلي أبو نصر.
روى عن أبيه وابن ناصر وسعيد بن البنا وأبي الوقت.
وسكن دمشق.
وكان عريًا من العلم.
توفي في أول جمادى الآخرى عن ثمانين سنة.
وهبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس السديد أبو محمد الدمشقي.
سمعه أبوه من نصر الله المصيصي وابن البن وجماعة.
وكان كثير التلاوة.
توفي في جمادى الأولى.

(3/178)


سنة تسع عشر وست مائة
فيها توفي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني المالكي.
روى عن السلفي وجماعة.
وهومن بيت قضاء وحشمة.
توفي في جمادى الآخرة.
وابن الأنماطي الحافظ تقي الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي.
روى عن البوصيري ومن بعده ورحل إلى الشام والعراق وكتب الكثير وحصل
وثابت بن مشرف أبو سعد الأزجي البناء المعمار.
روى عن ابن ناصر والكروخي وطبقتهما فأكثر.
وحدث بدمشق وحلب.
وتوفي في ذي الحجة.
والشيخ علي بن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحب الشيخ عبد القادر.
سيد زاهد عابد رباني متاله بعيد الصيت.
توفي في ذي القعدة.
ومسمار بن عمر بن محمد بن العويس أبو بكر البغدادي النيار نزيل الموصل.
روى عن أبي الفضل الأرموي وابن ناصر وجماعة.
وحدث بالكثير.
وكان دينًا خيرًا يقرىء القرآن.
توفي بالموصل في شعبان.
وأبو الفتوح بن الحصري الحافظ برهان الدين نصر بن أبي الفرج محمد ابن علي البغدادي الحنبلي المقرئ.
قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وأقرأها.
وحدث عن أبي بكر بن الزاغوني وأبي طالب العلوي وخلق كثير.

(3/179)


وكان يفهم الحديث.
وجاور بمكة وتعبد ثم خرج إلى اليمن فأدركه أجله بالمهجم في أول السنة.
وقيل في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة.
والشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القنيي والقنية قرية من نواحي ماردين وهذا شيخ الطائفة اليونيسية أولى الشطح وقلة العقل وكثرة الجهل.
أبعد الله شرهم.
وكان رحمه الله صاحب حال وكشف يحكى عنه كرامات.
سنة عشرين وست مائة
فيها كانت الملحمة البرى بين التتار الذين جاوزوا الدربند وبين القفجاق والروس.
وثبت الجمعان أيامًا ثم انتصرت التتار وغسلوا اولئك بالسيف.
وفيها توفي أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النقيب رأس الشيعة بحلب.
وعزهم وجاههم وعالمهم.
كان عارفًا بالقراءات والعربية والأخبار والفقه على رأي القوم.
وكان متعينًا للوزارة أنقذ رسولًا إلى العراق وغيرها.
اندكت الشيعة بموته.
والحسين بن يحيى بن أبي الرداد المصري ويسمى أيضًا محمدًا.
كان آخر من روى بنفس مصر عن رفاعة الخلعيات.
توفي في ذي القعدة.
والشيخ موفق الدين المقدسي أحد الأئمة الأعلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي صاحب التصانيف.
ولد بجماعيل سنة إحدى

(3/180)


وأربعين وخمس مائة.
وهاجر مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين وحفظ القرآن وتفقه ثم ارتحل إلى بغداد فأدرك الشيخ عبد القادر وسمع منه ومن هبة الله الدقاق وابن البطي وطبقتهم.
وتفقه على ابن المني حتى فاق على الأقران وحاز قصب السبق وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله.
وكان مع تبحره في العلوم وتفننه ورعًا زاهدًا ربانيًا عليه هيبة ووقار وفيه حلم وتؤده.
وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل.
وكان يفحم الخصوم بالحجج والبراهين ولا يتحرج ولاينزعج وخصمه يصيح ويحترق.
قال الحافظ الضياء: كان تام القامة أبيض مشرق الوجه أدعج العينين كأن النور يخرج من وجهه لحسنه واسع الجبين طويل اللحية قائم الأنف مقرون الحاجبين لطيف اليدين نحيف الجسم إلى أن قال: رأيت الإمام أحمد في النوم فقال: ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي.
وسمعت أبا عمرو بن الصلاح المفتي يقول: ما رأيت مثل الشيخ الموفق.
وسمعت شيخنا أبا بكر بن غنيمة المفتي ببغداد يقول: ماأعرف أحدًا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق.
قلت: جمع له الضياء ترجمة في جزئين.
ثم قال: توفي يوم عيد الفطر.
والشيخ فخر الدين ابن عساكر شيخ الشافعية بالشام أبو منصور عبد الرحمان بن محمد بن الحسن بن هبة الله.
ولد سنة خمسين وخمس مائة وسمع من عميه الصائن والحافظ أبي القاسم وحسان الزيات وطائفة.
وبرع في المذهب على القطب النيسابوري وتزوج بابنته ودرس بالجاروخية ثم بالصلاحية بالقدس ثم بالتقوية وكان يقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرًا.
وكان لا يمل الشخص من رؤيته لحسن سمته واقتصاده في لباسه ولطفه ونور وجهه وكثرة ذكره لله.

(3/181)


عرض عليه المعظم القضاء فامتنع وأشار بتولية ابن الحرستاني فولي.
وكان له مصنفات في الفقه لم تنشر.
توفي في رجب وله سبعون سنة.
وصاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب ابن يوسف بن محمد يعقوب ابن يوسف بن عبد المؤمن القيسي.
لم يكن في آل عبد المؤمن أحسن منه ولا أفصح ولا أشغف باللذات.
ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه ومات شابًا لم يعقب.
مات في شوال أو ذي القعدة.