الفتنة ووقعة الجمل
خلافة علي بن أبي
طالب
الدولة بلا خليفة
...
الدولة بلا خليفة:
بقيت المدينة1 بعد قتل عثمان رضي الله عنه خمسة أيام وأميرها الغافقي
ابن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه يأتي المصريون
عليا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان2 المدينة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم
ومن مقالتهم مرة بعد مرة ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا
إليه حيث هو رسلا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم ويطلب البصريون طلحة فإذا
لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا مجتمعين على قتل
عثمان مختلفين فيمن يهوون فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر
على أول من أجابهم وقالوا: لا نولي احدا من هؤلاء الثلاثة فبعثوا إلى
سعد بن أبي وقاص وقالوا: إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فاقدم
نبايعك فبعث إليهم إني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على:
لا تخلطن خبيثات بطيبة ... واخلع ثيابك منها وانج عريانا
ثم إنهم أتوا ابن عمر عبد الله فقال: وا أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر
فقال:
__________
1- عن محمد بن عبد الله بن سواد بن نويرة, وطلحة بن الأعلم, وأبي
حارثة, وأبي عثمان, ط 4 – 432.
2- أي بساتين المدينة.
(1/91)
إن لهذا الأمر انتقاما والله لا أتعرض له
فالتمسوا غيري. فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم وكانوا
إذا لقوا طلحة أبى وقال1:
ومن عجب الأيام والدهر أنني ... بقيت وحيدا لا أمر ولا أحلي
فيقولون: إنك لتوعدنا فيقومون فيتركونه فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى
وقال:
متى أنت عن دار بفيحان راحل ... وباحتها تخنو عليك الكتائب
فيقولون: إنك لتوعدنا فإذا لقوا عليا وأرادوه أبى وقال:
لو أن قومي طاوعتني سراتهم ... أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
فيقولون: إنك لتوعدنا فيقومون ويتركونه
[و] لما كان يوم الخميس2 على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه
جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له
ووجدوا بني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب وهرب الوليد وسعيد إلى
مكة في أول من خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع فلما
__________
1 - عن سهل بن يوسف, عن القاسم بن محمد.
2 - عن أبي حارثة وأبي عثمان, ط 4 – 433.
(1/92)
اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر:
أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة, وأمركم عابر1 على الأمة فانظروا
رجلا تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به
راضون.
__________
1 - ابن الأثير "جائز".
(1/93)
المبايعة لعلي:
فقالوا لهم2: دونكم يا اهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم
تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا فغشي الناس عليا
فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى3
فقال علي: دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون امرا له وجوه وله الوان
لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول فقالوا: ننشدك الله ألا ترى ما
نرى! ألا ترى الإسلام! ألا ترى الفتنة! الا تخاف الله! فقال قد أجبتكم
لما ارى واعلموا ان أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا
كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ثم افترقوا على ذلك
واتعدوا الغد.
وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا: إن دخل طلحة والزبير فقد استقامت فبعث
البصريون إلى الزبير بصريا وقالوا: إحذر لا تحاده - وكان رسولهم حكيم
ابن جبلة العبدي في نفر - فجاؤوا به يحدونه بالسيف وإلى طلحة كوفيا
وقالوا له: إحذر لا تحاده فبعثوا الأشتر في نفر فجاؤوا به يحدونه
بالسيف وأهل الكوفة وأهل البصرة شامتون بصاحبهم وأهل مصر فرحون بما
اجتمع عليه أهل المدينة وقد خشع أهل الكوفة وأهل البصرة أن صاروا
أتباعا
__________
2 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 434.
3 - ابن الأثير والنويري "بين القرى".
(1/93)
لأهل مصر وحشوة فيهم وازدادوا بذلك على
طلحة والزبير غيظا فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء
علي حتى صعد المنبر فقال يا أيها الناس - عن ملأ وإذن - إن هذا امركم
ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم
قعدت لكم وإلا فلا اجد على أحد فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس
وجاء القوم بطلحة فقالوا: بايع فقال: إني إنما أبايع كرها فبايع - وكان
به شلل - أول الناس, وفي الناس رجل يعتاف1 فنظر من بعيد فلما رأى طلحة
أول من بايع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون اول يد بايعت امير المؤمنين
يد شلاء لا يتم هذا الأمر! ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك وبايع - وفي
الزبير اختلاف - ثم جيء بقوم كانوا قد تخلفوا فقالوا: نبايع على إقامة
كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم ثم قام العامة
فبايعوا.
__________
1- يعتاف: يتكهن.
(1/94)
مبايعة طلحة والزبير:
لما قتل عثمان2 رضي الله عنه واجتمع الناس على علي ذهب الأشتر فجاء
بطلحة فقال له: دعني أنظر إلى ما يصنع الناس فلم يدعه وجاء به يتله تلا
عنيفا3 فصعد المنبر فبايع.
__________
2- عن أبي زهير الأزدي, عن عبد الرحمن بن جندب, عن أبيه, ط 4 – 435.
3- يتله تلا عنيفا: يدفعه دفعا شديدا.
(1/94)
[و] جاء حكيم بن جبلة بالزبير حتى بايع1
فكان الزبير يقول: جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللج2 على عنقي.
وبايع الناس كلهم3.
(1/95)
أول خطبة لعلي رضي
الله عنه:
[بويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة وكانت أول خطبة خطبها4 بعد
أن حمد الله وأثنى عليه أن قال:]
إن الله عز وجل أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا بالخير
ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة إن الله حرم
حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص
والتوحيد المسلمين والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق لا
يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادروا امر العامة وخاصة أحدكم الموت فإن
الناس أمامكم وإن ما من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر
الناس اخراهم إتقوا الله عباده في عباده وبلاده إنكم مسؤولون حتى عن
البقاع والبهائم أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا
به وإذا رأيتم الشر فدعوه {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ
مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} .
__________
4 - عن سليمان بن أبي المغيرة, عن علي بن الحسين, ط 4 – 436.
(1/95)
ولما فرغ علي من خطبته وهو على المنبر قال
المصريون:
خذها واحذرا أبا حسن1 ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن
وإنما الشعر:
خذها إليك واحذرا أبا حسن
فقال علي مجيبا:
إني عجزت عجزة ما أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر
[وفي رواية أخرى] 2:
ولما أراد علي الذهاب إلى بيته قالت السبئية:
خذها إليك واحذرا أبا حسن ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن
صولة أقوام كأسداد السفن ... بمشرفيات كغدران اللبن
ونطعن الملك بلين كالشطن ... حتى يمرن على غير عنن
فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما منوا حين غمزوهم
ورجعوا إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى ... 3
__________
1- هكذا غير موزون.
2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 436.
3- يوجد نقص في الأصل.
(1/96)
إني عجزت عجزة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها
وأستمر
أرفع من ذيلي ما كنت أجر ... وأجمع الأمر الشتيت المنتشر
إن لم يشاغبني العجول المنتصر ... أو يتركوني والسلاح يبتدر
(1/97)
مطالب طلحة والزبير:
واجتمع إلى علي, بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا: يا
علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد إشتركوا في دم هذا
الرجل وأحلوا بأنفسهم فقال لهم: يا اخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون
ولكني كيف اصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم
عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون
موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا قال: فلا والله لا أرى إلا
رأيا ترونه إن شاء الله إن هذا الأمر أمر جاهلية وإن لهؤلاء القوم مادة
وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا إن
الناس من هذا الامر إن حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا
ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها
وتؤخذ الحقوق فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا.
واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج على حال وإنما هيجه على ذلك هرب
بني أمية وتفرق القوم وبعضهم يقول: والله لئن ازداد الأمر لا قدرنا على
انتصار من هؤلاء الأشرار لترك هذا إلى ما قال علي أمثل.
(1/97)
وبعضهم يقول: نقضي الذي علينا ولا نؤخره
ووالله إن عليا لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه إلا سيكون على قريش
أشد من غيره فذكر ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم
وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم وأنه ليس له من سلطانهم إلا ذلك
والأجر من الله عز وجل عليه ونادى: برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى
مواليه فتذامرت السبئية والأعراب وقالوا: لنا غدا مثلها ولا نستطيع
نحتج فيهم بشيء.
[و] خرج علي في اليوم الثالث1 على الناس فقال: يا أيها الناس أخرجوا
عنكم الأعراب وقال: يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم فأبت السبئية
وأطاعهم الأعراب ودخل على بيته ودخل عليه طلحة والزبير وعدة من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دونكم ثأركم فاقتلوه فقالوا: عشوا2 عن
ذلك قال: هم والله بعد اليوم اعشى وآبى وقال:
لو أن قومي طاوعتني سراتهم ... أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
وقال طلحة: دعني فلآت البصرة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل فقال: حتى أنظر
في ذلك وقال الزبير: دعني آتي الكوفة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل فقال:
حتى أنظر في ذلك وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه فقال: إن
لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحرز به ما في
__________
1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 438.
2 - عشوا: أعرضوا.
(1/98)
غد وإن الضياع اليوم تضيع به ما في غد أقرر
معاوية على عمله واقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى
إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت قال: حتى أنظر.
فخرج من عنده وعاد إليه من الغد فقال: إني اشرت عليك بالأمس برأي وإن
الرأي أن تعاجلهم بالنزوع فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك ثم خرج
وتلقاه ابن عباس خارجا وهو داخل فلما انتهى إلى علي قال: رأيت المغيرة
خرج من عندك ففيم جاءك؟ قال: جاءني أمس بذية وذية وجاءني اليوم بذية
وذية فقال: اما امس فقد نصحك وأما اليوم فقد غشك قال: فما الرأي؟ قال:
كان الرأي ان تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك فتأتي مكة فتدخل دارك
وتغلق عليك بابك فإن كانت العرب جائلة مضطربة في اثرك لا تجد غيرك فاما
اليوم فإن في بني أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر
ويشبهون على الناس ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ولا تقدر على ما
يريدون ولا يقدرون عليه ولو صارت الأمور إليهم حتى يصيروا في ذلك اموت
لحقوقهم وأترك لها إلا ما يعجلون من الشبهة.
وقال المغيرة: نصحته والله فلما لم يقبل غششته وخرج المغيرة حتى لحق
بمكة.
(1/99)
أخبار عمال علي:
[ولما دخلت سنة ست وثلاثين] بعث علي عماله على الامصار1 فبعث
__________
1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 442.
(1/99)
عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب
على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد
على مصر وسهل بن حنيف على الشام.
فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا: من أنت؟ قال:
أمير قالوا: على أي شيء؟ قال: على الشام قالوا: إن كان عثمان بعثك
فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع قال: أو ما سمعتم بالذي كان قالوا:
بلى فرجع إلى علي.
واما قيس بن سعيد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل فقالوا: من أنت؟
قال: من فالة عثمان فأنا أطلب من آوي إليه وأنتصر به قالوا: من أنت؟
قال: قيس بن سعد قالوا: امض فمضى حتى دخل مصر فافترق أهل مصر فرقا فرقة
دخلت في الجماعة وكانوا معه وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا وقالوا: إن
قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على جديلتنا حتى نحرك أو نصيب
حاجاتنا وفرقة قالوا: نحن مع علي ما لم يقد إخواننا وهم في ذلك مع
الجماعة وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك.
وأما عثمان بن حنيف فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك
لابن عامر رأي ولا حزم ولا استقلال بحرب وافترق الناس بها فاتبعت فرقة
القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة قالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة
فنصنع كما صنعوا.
وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان بزبالة لقيه طلحة بن خويلد وقد كان حين
بلغهم خبر عثمان خرج يدعوا إلى الطلب بدمه ويقول لهفي على أمر لم
يسبقني ولم أدركه.
(1/100)
يا ليتني فيها جذع ... أكر فيها وأضع
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة فطلع
عليه عمارة قادما على الكوفة فقال له: إرجع فإن القوم لا يريدون
بأميرهم بدلا وإن أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة وهو يقول: إحذر الخطر ما
يماسك الشر خير من شر منه.
فرجع إلى علي بالخبر. وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من لدن اعتاصت
عليه الأمور إلى أن مات وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى
ابن أمية كل شيء من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى
مكة فقدمها بالمال ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشام وأتته الاخبار
ورجع من رجع دعا علي طلحة والزبير فقال: إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا
قوم وإن الامر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته وإنها فتنة كالنار كلما
سعرت إزدادت واستنارت فقالا له: فأذن لنا أن نخرج من المدينة فإما أن
نكابر وإما أن تدعنا فقال: سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدا فآخر
الدواء الكي.
(1/101)
كتابة علي إلى أبي
موسى ومعاوية:
وكتب [علي] إلى معاوية وإلى أبي موسى وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل
الكوفة وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي بالذي قد كان ومن
بين ذلك حتى كأن عليا على المواجهة من أمر أهل الكوفة وكان رسول علي
إلى أبي موسى معبد الأسلمي.
(1/101)
وكان رسول امير المؤمنين إلى معاوية سبرة
الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلما
تنجز جوابه لم يزد على قوله:
أدم إدامة حصن أو خذا بيدي ... حربا ضروسا تشب الجزل والضرما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداع واللمما
أعيا المسود بها والسيدون فلم ... يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات حتى إذا كان
الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثم أحد
بني رواحة يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه: من معاوية إلى
علي فقال إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم اوصاه بما يقول
وسرح رسول علي وخرجا فقدما المدينة في ربيع الاول لغرته فلما دخلا
المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره وخرج الناس ينظرون إليه فتفرقوا
إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض ومضى حتى يدخل على علي فدفع
إليه الطومار ففض خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة فقال للرسول: ما ورائك؟
قال: آمن أنا؟ قال: نعم إن الرسل آمنة لا تقتل قال: ورائي أني تركت
قوما لا يرضون إلا بالقود قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك وتركت ستين ألف
شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق فقال: مني
يطلبون دم عثمان؟ ألست موتورا كتره عثمان؟ اللهم إني أبرأ إليك من دم
عثمان نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله,
(1/102)
فإنه إذا أراد أمرا أصابه أخرج قال: وأنا
آمن؟ قال: وأنت آمن. فخرج العبسي وصاحت السبئية قالوا: هذا الكلب هذا
وافد الكلاب اقتلوه! فنادى: يا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل إني أحلف
بالله جل إسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحولة
والركاب! وتعاووا عليه ومنعنه مضر وجعلوا يقولون له: أسكت فيقول: لقد
حل بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم فوالله ما أمسوا حتى
عرف الذل فيهم.
(1/103)
|