المحن
ذكر مَا امتحن بِهِ الفضيل بن نزوان
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيد قَالَ
حَدثنِي مُحَمَّد بن رُزَيْنٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى
قَالَ لَمَّا أَرَادَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُف أَن يقتل الفضيل بن
نزوان قَالَ لَهُ أَلَمْ أَسْتَعْمِلْكَ قَالَ بَلِ اسْتَعْبَدْتَنِي
قَالَ أَلَمْ أُكْرِمْكَ قَالَ بَلْ أَهَنْتَنِي قَالَ لأَجْلِدَنَّكَ
قَالَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَلا فَسَادٍ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِذًا
أُخَاصِمُكَ قَالَ الْحُكْمُ يَوْمَئِذٍ لغيرك قَالَ لَا تذوق ألما
قَالَ إِذًا أَسْبِقُكَ إِلَيْهِ
(1/429)
ذِكْرُ سَبَبِ ضَرْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنَا أَبُو السّميْدَعِ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ التَّنُوخِيُّ قَالَ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ
ظَبْيَانَ إِلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ
فَقَالَ يَا بِشْرُ كَمْ رَائِع مِنَ الْمُلُوكِ وَلُوا مِثْلَ الَّذِي
وَلِيتَ ثُمَّ دُعُوا فَأَجَابُوا فَاتَّقِ اللَّهَ فِي عِبَادِهِ
وَأَحْسِنِ السِّيرَةَ فِي بِلادِهِ فَإِنَّكَ إِلا تَفْعَلْ تَكُنْ
فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَاد كَبِير قَالَ فَأمر بِهِ فَجرد وَضرب
أَسْوَاطًا فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى هَلَكَ فَجَعَلَتِ
ابْنَتُهُ تَبْكِيهِ وَتَقُولُ
(وَرَاحَ أَبُو كِنَانَةَ نَحْوَ بِشْرٍ ... فَحمَّ لَهُ بِمَصْرَعِهِ
الْتِهَابُ)
(أَبِي أَن قَالَ رَبُّكَ فَاحْذَرْنَهُ ... فَعِنْدَ اللَّهِ يَا
بِشْرُ الثَّوَابُ)
(فَلا يَغْرُرْكَ مُلْكَكَ كُلُّ مُلْكٍ ... يَكُونُ لَهُ معَادٌ
وَانْقِلابُ)
(فَعَزَّ لِقَوْلِهِ ودعى رِجَالا ... يَقْضُونَ الأُمُورَ وَهُمْ
غِضَابُ)
(فَأَهْوَوْا بِالسِّيَاطِ فجردوه ... فَيَا لَكَ مُسْتَغِيثًا لَوْ
يُجَابُ)
(فَأُقْسِمُ لَوْ رِيَاح حِينَ يَدْعُو ... قَرِيبًا أَوْ إِيَاس أَوْ
رياب)
(لطمنهم ململمة (1)
ترى فِيهَا الْقوَانسُ وَالْحِرَابُ)
(وَلَكِنَّ الْمَنَايَا غَالِبَاتٌ ... لِكُلِّ بني أَبٍ مِنْهَا
شَرَابُ)
(1/430)
(إِذَا مَا كَانَ طَالِبُ كُلِّ ذحلٍ ...
رَهِينَ الرمس يعلوه التُّرَاب)
(فقد ظلّ الْقَتِيلُ وَصَارَ وَترًا ... طَوَالَ الدَّهْرِ مَا نَعبَ
الْغُرَابُ)
(إِلَّا يَا بِشْرُ قَدْ أَهْوَيْت ركْنِي ... بفقد أَب وَقد هتك
الْحجاب)
(وَكَانَ ذخيرتي إِذْ كَانَ حَيًّا ... فَأَيْنَ الْيَوْمَ يَا بِشْرُ
الذِّهَابُ) // الْبَحْر الوافر //
(1/431)
ذِكْرُ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَضَرْبِ
مَالِكٍ لَهُ
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْبَغْدَادِيُّ قَالَ سَأَلْتُ هِشَامَ بْنَ عَمَّارٍ مِنْ أَيْنَ
قُلْتَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَقْرَأُ
عَلَيْهِ صَحْبَهُ وَقل مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَدَّثَنِي عَنْ
مَالِكٍ قَالَ نَعَمْ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ حَبِيبٌ فَلَمَّا أَنْ
فَرَغَ حبيب قلت لَهُ حَدثنِي فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَعْرَابِيٌّ
أَنْتَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْ فَقُلْتُ لَهُ سَمِعت يقْرَأ عَلَيْك فَلم
تقل حَدَّثَنَا قَالَ فَأَمَرَ السُّودَانَ الْوُقُوفَ عَلَى رَأْسِهِ
فحملوني وضربوني ثَمَانِي عَشْرَةَ درَّةً فَبَكَيْتُ فَلَمَّا رَآنِي
أَبْكِي حَدَّثَنِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَسَأَلْتُهُ عَنِ
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَة فَمن هَهُنَا قُلْتُ حَدَّثَنِي مَالِكُ
بْنُ أَنَسٍ
(1/432)
ذِكْرُ اسْتِخْفَاءِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ وَمَا امْتُحِنَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ
قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ
كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ لَمَّا اخْتَفَى سُفْيَانُ إِذْ بَلَغَهُ أَنَّهُ
عِنْدَ رَجُلٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ
وَلِحْيَتَهُ فَاجْتَمَعْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي ثُمَّ أَتَيْنَاهُ
فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ هَؤُلاءِ الأَشْقِيَاءَ
الَّذِينَ صَارَتْ أُمُورُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَيْهِمْ (1) فَقَالَ
يَا سُلَيْمَانُ لَقَدْ وَقَعَ بِقَلْبِي أَنْ آتيه وتحرجت أَن لَا
آتِيَهُ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ آتِيَهُ قَالَ ثُمَّ قَامَ فَاغْتَسَلَ
ثُمَّ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ غَسِيلَيْنِ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ طِيبٍ لَهُ
وَقَالَ اتْبَعْنِي يَا سُلَيْمَانُ وَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ
رَبْوَةً فَإِنْ يَكُنْ مِنَ الْفَاسِقِ شَيْءٌ تَوَلَّيْتَنِي وَإِنْ
يُعَافِنِي اللَّهُ فتسأل عَن ذَلِك قَالَ فَخرج وَخرجت أتلوه حَتَّى
انْتَهَى إِلَى بَابِ السّدَّةِ وَجَلَسْتُ مُتَبَاعِدًا أَنْتَظِرُ
مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ قَالَ فَقَالَ لِحُجَّابِهِ يَا هَؤُلاءِ
قُومُوا فَقُولُوا لِهَذَا هَذَا سُفْيَانُ بِالْبَابِ فَابْتَدُروا
فَمَا لَبِثَ أَنْ أَدْخَلُوهُ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ وَهُوَ مُبْتَسِمٌ فَأَتَيْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ أخْبرك
لَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ضربت الْبسَاط برجلي حَتَّى غبر عَلَيَّ
فَجَلَسْتُ فَقَالَ حَاجِبُهُ لِمَ تَجْلِسُ وَمَا أَمَرَكَ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ اسْكُتْ يَا هامان وَالْبَيْت
ممتليء فَقَالَ أَشِيرُوا فِيهِ بِرَأْيِكُمْ فَقَالُوا تَرَكَ مِثْلَ
هَذِه جُرْأَةً اقْتُلْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ
فَتَبَسَّمْتُ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ وَاللَّهِ لَيَقُولَنَّ
لَكُمْ
(1/433)
مَا يسؤكم يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا
الَّذِي أَضْحَكَكَ فَقُلْتُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ وُزَرَاءُ
فِرْعَوْنَ لِفِرْعَوْنَ أَنْصَحَ مِنْ وُزَرَائِكَ لَكَ قَالَ لَهُمْ
فِرْعَوْن فِي أَمر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَاذَا تأمرون {قَالُوا
أرجه وأخاه وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين} وَهَؤُلاءِ قَالُوا لَكَ
اقْتُلْ قَالَ صَدَقْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلْ مِنْ حَاجَةٍ
قُلْتُ مَا لِي وَلَكَ مَا تُرِيدُ مِنِّي أَتُرِيدُ أَنْ أجِيبَكَ
إِلَى مَا تُرِيدُ وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا فَرَّقْتَ
بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَانِي وَمَنَعْتَنِي مَسْجِدِي وَاللَّهُ
حَسِيبُكَ وَمُسَائِلُكَ عَمَّا تَصْنَعُ قَالَ انْطَلِقْ يَا أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ فِي حِفْظِ اللَّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ إِنِّي
حَسبْتُ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ تَوَارَى بَعْدَ ذَلِكَ
وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ عَن عَبْدِ اللَّهِ بن
مُحَمَّد الْعَنْبَرِيِّ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَاتَ
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَغَسلَهُ لَيْلا ثُمَّ أَتَى
بِهِ الْمَقْبَرَةَ وَكَتَبَ بِطَاقَةً وَجَعَلَهَا عَلَى النَّعشِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ عُبَيْدٍ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ رَأَيْت قبر سُفْيَان
الثَّوْريّ بِالْبَصْرَةِ مَكْتُوب عَلَيْهِ هَذَا قَبْرُ سُفْيَانَ
بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيِّ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى
وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَإِنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مُتَوَارٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَقَدْ تَنَقَّلَ فِي الْبِلادِ مُتَوَارِيًا
وَقَدْ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ بِشْرٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ بِمَكَّةَ وَهُوَ بِهَا مُتَوَارٍ حَتَّى دَقَّ الْبَابَ
دَاقٌّ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَخَرَجْتُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَجُلٌ
عَلَيْهِ زِيُّ الْمُلُوكِ وَهَيْئَةُ النُّسَّاكِ فَرَجَعْتُ إِلَى
سُفْيَانَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَدْخِلْ هَذَا الإِفْرِيقِيَّ
يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَنْعمَ الْقَاضِي
(1/434)
وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سُحْنُونٍ قَالَ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يُكْنَى أَبَا
عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قَوْمٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو هَمدَان أَنَّهُ
مَاتَ مُسْتَخْفِيًا بِالْكُوفَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَة
(1/435)
|