المغرب في حلى المغرب

عُلَمَاء الحَدِيث
45 - أَبُو عَبَّاس أَحْمد بن قَاسم ... جعله الحجاري من رُؤَسَاء الْمُحدثين ورءوس المتفننين مشاركا فِي لعلوم الْقَدِيمَة والحديثة قَالَ ابْن بسام وَهُوَ فَتى وقتنا بِحَضْرَة قرطبة مقلة عين الْعَصْر وَأثْنى على نظمه ونثره وَأخْبر أَنه نظر فِي التعاليم وبرع على ضغر سنة وَبَينهمَا مُخَاطبَة واجتماع وَأنْشد لَهُ ... لهج النَّاس بالقبيح وهاموا ... فَالْزَمْ الْبَيْت واغلق الأبوابا
وَإِذا مَا خرجت تطلب رزقا ... فَأكْثر الصمت واضمم الأثوابا ...

(1/109)


.. فكثير مِمَّن تجَالس تلقى ... من عُيُوب الورى لَدَيْهِ عيابا
وَإِذا مَا سَأَلته عَن جميل ... فيهم لم تَجِد لَدَيْهِ جَوَابا
لقى النَّاس قبلنَا عرة الدَّهْر ... وَلم نلق مِنْهُ إِلَّا الذباني ...

وَقَوله ... خُذْهَا كَمَا اعتدلت أنابيب القنا ... فكري الثِّقَات لَهَا وذهني النَّار

46 - أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان
اخبرني وَالِده صَحبه وَكَانَ يَقُول إِنَّه من أعظم من رَآهُ من الْعلمَاء وَالَّذِي غلب عَلَيْهِ علم الحَدِيث وَله مُشَاركَة فِي الْأَدَب
وَمن شعره وَقد اصغى إِلَى غناء ... لَا تلحني إِن غذوت ذَا طرب ... لما ثناني للأنس غريد
طوراً جليد وَتارَة طرب ... كالعود مِنْهُ الزَّوْرَاء وَالْعود ...

وَمَات فِي الْمِائَة السَّابِعَة

(1/110)


عُلَمَاء النَّحْو
47 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحي بن زَكَرِيَّا القلفاط الْقُرْطُبِيّ
جعله الحجاري من نحاة قرطبة المعروفين بالإقراء وَجُمْلَة الشُّعَرَاء الْمَشْهُورين بالهجاء وترقت أذاته إِلَى أَن هجا عبد الله المرواني سُلْطَان الأندلس بِشعر مِنْهُ ... مَا يرتجى الْعَاقِل فِي مُدَّة ... الرجل فِيهَا مَوضِع الرَّأْس ...

ووفد على إِبْرَاهِيم بن حجاج ملك اشبيلية فأنشده قصيدة ذمّ فِيهَا أهل بَلْدَة فَأَبْغضهُ لذَلِك
قَالَ ابْن حَيَّان فَانْصَرف إِلَى قرطبة وابتدأ بِهِجَاء ابْن حجاج فَقَالَ شعره الَّذِي فِيهِ ... أبغي نوال الأكرمين مَعًا وَلَا ... أبغي نوال البومة البكماء ...

فَبلغ الشّعْر ابْن حجاج فَأرْسل إِلَيْهِ من قَالَ لَهُ وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره لَئِن لم تكف عَمَّا أخذت فِيهِ لآمرن من يَأْخُذ رَأسك فَوق فراشك فارتاع وكف
48 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون الْعَبدَرِي الْقُرْطُبِيّ
كَانَ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن سعيد يجالسه كثيرا ويخبر عَن تبحره

(1/111)


فِي النَّحْو وَله شرح الْجمل وَشرح المقامات وعظمت مَنْزِلَته عِنْد الْمَنْصُور وَكَانَ لَهُ ملح وَشعر مليح كَقَوْلِه ... تقحمت جاحم حر الضلوع ... كَمَا خضت بَحر دموع الحدق
أَكنت الْخَلِيل أَكنت الكليم ... أمنت الْحَرِيق أمنت الْغَرق ...

وَقَوله ... طرفِي وحقك يرْعَى الن ... جوم نجماً فنجما
مردداً فَكَأَنِّي ... أفك مِنْهَا معمى ...

توفّي فِي الْمِائَة السَّادِسَة وَله رِسَالَة إِلَى مَحْبُوب يستدعيه
فبا الله إِلَّا مَا لقِيت الرَّسُول بِوَجْه يدل على الْقبُول وتفضلت بِأَن تصل قبل رُجُوعه إِلَيْنَا وتخالفه من طَرِيق مُخْتَصر حَتَّى تطلع قبله علينا هُنَالك كُنَّا نخر للفضائل سجدا وَلَا نزال نوالي شكرك وذكرك أبدا
عُلَمَاء اللُّغَة
49 - أَبُو عبد الْملك عُثْمَان بن الْمثنى الْقَيْسِي الْقُرْطُبِيّ
وَصفه ابْن حَيَّان بِمَعْرِِفَة اللُّغَة والتجويد فِي الشّعْر وَذكر أَنه رَحل وَلَقي أَبَا تَمام الطَّائِي وَأخذ عَنهُ شعره وَلَقي ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره وَكَانَ شجاعاً مكثراً للغزو فِي الثغور وأدب أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن بن الحكم سُلْطَان الاندلس

(1/112)


وَولد فِي صدر دولة هِشَام الرِّضَا فَأدْرك أَرْبَعَة سلاطين من المروانية آخِرهم مُحَمَّد وَفِيه يَقُول ... وَلَو لم اكن ادركت ملك مُحَمَّد ... وزمانه لحسبتي لم أخلق ...

وزاره بعض إخوانه فِي مكتبه بقصر الْخلَافَة وَهُوَ يعلم ولدا الامير مُحَمَّد جميل الصُّورَة فَقَالَ هَل كَيفَ حالك مَعَ هَذَا الرشأ فَقَالَ لَا أَزَال أشْرب خمر عَيْنَيْهِ فَلَا أروى وَهُوَ يسقينها دَائِما وَأَنْشَأَ يَقُول ... صناعَة عَيْني السهاد وانما ... صناعَة عينه الخلابة وَالسحر
وَلَو بِفنَاء الدَّهْر أَرْجُو نواله ... إِذا لَوَدِدْنَا أَنه فنى الدَّهْر ...

وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ عَن أَربع وَتِسْعين سنة وَجعله الحجاري أحد أَئِمَّة النُّحَاة اللغويين
50 - أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بكر بن سَابق الكلَاعِي وَقيل الْبكْرِيّ الْمَعْرُوف بالنذل
من تَارِيخ ابْن حَيَّان أَن مُؤمن بن سعيد لقبه بذلك وَكَانَ مؤدباً بالنحو عَالما بِاللِّسَانِ مبرزاً فِي الشّعْر ادبيا بليغاً
أدب أَوْلَاد الْأَمِير عبد الرَّحْمَن بن الحكم وَكَانَ يحب الغلمان وَهُوَ الْقَائِل من قصيدة فِي الْأَمِير الْمَذْكُور ... أيرجو الْمُشْركُونَ لَهُم بَقَاء ... وَقد عزم الْأَمِير على الْجِهَاد ...

وَمن لطيف شعره قَوْله ... إِذا لم يكن لي من ضميرك شَافِع ... إِلَيْك فَإِنِّي لَيْسَ لي مِنْك نَاصِر ...

(1/113)


.. ألان لداود الْحَدِيد بقدرة ... مليك على تليين قَلْبك قَادر
صبرت ومالى بالتصبر طَاقَة ... فياليت قلبِي مثل قَلْبك صابر
وفارقتني فالدار غير بعيدَة ... وأوحش شَيْء أَن يُفَارق حَاضر ...

وَله من شعر ... وَمَا ضمني يَوْمًا وَإِيَّاك مجْلِس ... من الدَّهْر إِلَّا وَهُوَ لي مِنْك غَائِط
وَإِنِّي لأغني النَّاس عَن كل مجْلِس ... يلاحظني فِيهِ على الكره لاحظ ...

51 - أَبُو عُثْمَان سعيد بن الْفرج الْمَعْرُوف بالرشاش مولى بني أُميَّة الْقُرْطُبِيّ اللّغَوِيّ
من تَارِيخ ابْن حَيَّان أَنه كَانَ من آدب النَّاس فِي زَمَانه وأقومهم على لِسَان الْعَرَب وأحفظهم للغة وأعلمهم بالشعر وَحكى عَنهُ أَنه كَانَ يحفظ أَرْبَعَة آلَاف أرجوزة وَكَانَ شَدِيد التقعير فِي كَلَامه وَقد ضرب بِهِ الْمثل فِي الفصاحة فِي الأندلس كَمَا ضرب ببكر الْكِنَانِي رسيله وَلما لحقته سِعَايَة عِنْد نصر خصى الْأَمِير عبد الرَّحْمَن وَأمر بضربه جعل يستغيث وَيَقُول تَحَنن عَليّ أَبَا الْفَتْح سَيِّدي شيخ كَبِير يفن أبق عَليّ وَلَا تسط بِي ورحل إِلَى الْمشرق وَحج وَدخل بَغْدَاد وروى عَن الأكابر وقفل فسكن مصر ثمَّ القيروان إِلَى أَن بلغه أَن عبد الرَّحْمَن ولي سلطنة الأندلس وَكَانَت بَينهمَا وصلَة فوفد عَلَيْهِ فرعاه وقربه وَأكْثر الرشاش مدحه وَله يَقُول ... أَصبَحت لَا أحسد إِلَّا امْرَءًا ... ينَال من قربك مَا أحرمهُ ...

(1/114)


وَذكره مُعَاوِيَة بن هِشَام وَعبادَة والحجاري وَوَصفه بالتندير وَهُوَ الْقَائِل فِي ابْن الشمر ... إِنَّنِي أكره الهجاء وَلَك ... ن إِلَى الله فِي هجائك قربه ...

52 - أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن سراج
من الذَّخِيرَة أَن جده سراج بن قُرَّة الْكلابِي صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأصَاب سلفه سباء صيرهم فِي موَالِي بني أُميَّة وَأثْنى على عظم بَيتهمْ بقرطبة وأفرط فِي تَعْظِيم أبي مَرْوَان هَذَا وَقَالَ فِي وَصفه محيي علم اللِّسَان بِجَزِيرَة الأندلس قَالَ وَلم ير مثله قبله وَلَا يرى بعده وَالله أعلم ولد لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة أَرْبَعمِائَة وَتُوفِّي لَيْلَة الْجُمُعَة لثمان خلون من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعين ورثاه جمَاعَة مِنْهُم ابْن عبدون وَأنْشد لَهُ ابْن بسام ... جدرت فَقَالُوا بهَا عِلّة ... ستقبح بعد بآثارها ... أَلا إِنَّهَا رَوْضَة نورت فزادت جمالا بأنوارها ...
وَأَطْنَبَ فِي وَصفه صَاحب القلائد وَقَالَ

(1/115)


أودى فطويت المعارف وتقلص ظلها الوارف إِلَّا أَنه كَانَ يضجر عِنْد السُّؤَال فَمَا يكَاد يُفِيد ويتفجر غيظاً على الطَّالِب حَتَّى يتبلد وَلَا يَسْتَفِيد وَأنْشد لَهُ من قصيدة فِي مدح المظفر بن جهور ... أما هَوَاك فَفِي أعز مَكَان ... كم صارم من دونه وَسنَان
وَبنى حروب لم تزل تغذوهم ... حَتَّى الْفِطَام ثديها بلبان
فِي كل أَرض يضْربُونَ قبابهم ... لَا يمْنَعُونَ تخير الأوطان
أَو مَا ترى أوتادها قصد القنا ... وحبالهن ذوائب الفرسان ...

وَجعله الحجاري أصمعي الأندلس وَأخْبر أَن صَاحب سفط اللآلي أثنى عَلَيْهِ وعَلى بَيته وَذكر أَن عبد الْملك بن أبي الْوَلِيد بن جهور عَتبه فِي كَونه جَاءَ لزيارته وَأَبُو مَرْوَان لَا يزوره فَقَالَ أعزّك الله أَنْت إِذا زرتني قَالَ النَّاس امير زار عَالما تَعْظِيمًا للْعلم واقتباساً مِنْهُ وَأَنا إِذا زرتك قيل عَالم زار أَمِيرا للطمع فِي دُنْيَاهُ وَالرَّغْبَة فِي رفده وَلَا يصون علمه فتعجبوا من جَوَابه
53 - ابْنه أَبُو الْحُسَيْن سراج بن أبي مَرْوَان بن سراج
من الذَّخِيرَة اسْم وَافق مُسَمَّاهُ وَلَفظ طابق مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ سراج علم وأدب وبحر لُغَة ولسان الْعَرَب وَإِلَيْهِ فِي وقتنا هَذَا بِحَضْرَة قرطبة تشد الأقتاب وتنصي الركاب وَأثْنى على نظمه ونثره وَأنْشد لَهُ قَوْله

(1/116)


.. لما تبوأ من فُؤَادِي منزلا ... وغذا يُسَلط مقلتيه عَلَيْهِ
ناديته مسترحماً من لوعة ... أفضت بأسرار الضلوع إِلَيْهِ
رفقا بمنزلك الَّذِي تحتله ... يَا من يخرب بَيته بيدَيْهِ ...

عُلَمَاء التَّارِيخ
54 - ابْن حَيَّان
ثلب أَبَا الحزم فَقَالَ الله لقد صدق وَإِنِّي وَالله مَا أصلح لهَذَا الْأَمر وَلَكِن مكْرها لَزِمته وَحلف عبد الْملك بن جهور أَن يسفك دَمه فَأحْضرهُ أَبوهُ أَبُو الْوَلِيد وَقَالَ وَالله لَئِن طَرَأَ على ابْن حَيَّان أَمر لَا آخذن أحدا فِيهِ سواك أَتُرِيدُ أَن يضْرب بِنَا الْمثل فِي سَائِر الْبلدَانِ بِأَنا قتلنَا شيخ الْأَدَب والمؤرخين ببلدنا تَحت كنفنا مَعَ أَن ملموك الْبِلَاد القاصية تداريه وتهاديه وَأنْشد لَهُ نظماً وَقَالَ سُبْحَانَ من جعله إِذا نثر فِي السَّمَاء وَإِذا نظم تَحت تخوم المَاء
55 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الصفار الْأَعْمَى الزَّمن الْقُرْطُبِيّ
من بني الصفار المنتمين إِلَى بني مغيث مولى بني أُميَّة وَهُوَ بَيت عَظِيم

(1/117)


بقرطبة وَكَانَ هَذَا الشيح باقعة قد أَخذ نَفسه بالوقوع فِي الْأَعْرَاض مَأْخَذ ابْن حَيَّان على مَا تقدم وَتركته بتونس فنعي إِلَى سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَلم أر أعجب من شَأْنه فَإِنَّهُ كَانَ أعمى معطل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ شنيع الْخلقَة لَا يزَال لعابه يسيل وَوَجهه يَهْتَز وَإِذا جاذبيه اهداب الاداب رَأَيْت مِنْهُ بحرا زاجرا وَكَانَ آيَة فِي الْحساب والفرائض مقدما على أَعْرَاض الْمُلُوك وَالْوُجُوه وحسبك أَنه لما قَالَ أَبُو زيد الفازازي كَاتب الْمَأْمُون بن الْمَنْصُور ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن قصيدته الَّتِي أَولهَا الحزم والعزم منسوبان للْعَرَب وَكَانَ أنصاره عرب جشم قَالَ ابْن الصفار فِي مناقضتها قصيدته الَّتِي مِنْهَا فِي ذكر الْمَأْمُون عَم يحيى بن النَّاصِر ومخاصمة على الْخلَافَة ... وَإِن ينازعك فِي الْمَنْصُور ذُو نسب ... فنجل نوح ثوى فِي قسْمَة العطب ...
وَإِن يقل أَنا عَم فَالْجَوَاب لَهُ ... عَم النَّبِي بر شكّ أَبُو لَهب ...

وشاعت القصيدة وَبَلغت الْمَأْمُون فحرص على قَتله فَلَمَّا كبس مَدِينَة فاس وفر أَمَامه مِنْهَا يحيى بن النَّاصِر وَكَانَ ابْن الصفار فِي خدمته اختفى عِنْد عَجُوز فِي خوص على قَارِعَة الطَّرِيق وَقَامَت بِحَالهِ لما رَأَتْهُ عَلَيْهِ من الْأَعْذَار الْمُوجبَة للصدقة وَأمر الْمَأْمُون المنادين فِي الْأَسْوَاق بالبحث عَنهُ وتحذير من كتمه بإراقة الدَّم وَالْإِحْسَان لمن اظهره واذكيت الْعُيُون عَلَيْهِ فستره الله إِلَى أَن سكنت تِلْكَ النائرة وَلحق بإفريقية فَأحْسن إِلَيْهِ سلطانها أَبُو زَكَرِيَّا بن عبد الْوَاحِد واجرى عَلَيْهِ مشاهر وجالسه إِلَى أَن كرهه لما شَاهده من كَثْرَة وُقُوعه فِي الْأَحْيَاء والأموات فحجبه عَن مَجْلِسه وَلم يقطع الْإِحْسَان عَنهُ

(1/118)


وسايرته يَوْمًا فأنشدني لنَفسِهِ قَوْله ... لَا تحسب النَّاس سَوَاء مَتى ... مَا اشتبهوا فَالنَّاس أطوار
وَانْظُر إِلَى الْأَحْجَار فِي بَعْضهَا ... مَاء وَبَعض ضمنه نَار ...

وَقَوله ... يَا طالعاً فِي جفوني ... غَائِبا فِي ضلوعي
بالغت فِي السخط ظلما ... وَمَا رحمت خضوعي
إِذا نَوَيْت انْقِطَاعًا ... فاعمل حِسَاب الرُّجُوع ...

وَمن نثره لَا يَتَهَلَّل عِنْد سُؤَاله وَلَا يَأْخُذ رائده من أدبه وَلَا مَاله أَيهَا الغبي المتعثر فِي ذيول جَهله وجاهه الاشوس الطّرف من غير حول الرافع أَنفه دون شمم الساري إِلَى العلياء سرى الْعين الَّذِي لَا يظفر مِنْهُ قاصده المخدوع بِغَيْر التَّعَب والمين وعض الْيَدَيْنِ من دلك على وَمن هداك الي مَتى استعدعيتني إِلَى ربعك وتكلف من التجمل لحضور الْفُضَلَاء مَا لَيْسَ فِي طبعك وَمنا الْعجب مِنْك حِين رغبت عَن كنيف فِي تلطيخ بِطيب بل الْعجب مِمَّن كَانَ فِي طيب فجَاء يتلطخ بكنيف وَكَأَنِّي بك فِي مَنْزِلك العامر بالحرمان الغامر من الْفضل وَالْإِحْسَان وَقد قعدت فِي بهوه ونفخت شخصك الضئيل فِي زهوه وَمِنْه ذُو اللِّحْيَة الطَّوِيلَة والجثة الضئيلة الْوَسخ الأثواب العرى من الْآدَاب الْمُرْسل لِسَانه فِي كل عرض الْآخِذ فِي كل قَبِيح بالطول وَالْعرض
وَمِنْه ثمَّ قلت لي ابدأ بِمذهب أبي حنيفَة أَو بِمذهب امرىء الْقَيْس فكدت وَالله أضرط ضحكاً وَلَا أَخَاف فِي تبعة الْأَدَب دركاً فَاتق الله بستر نَفسك وَلَا تكن فِي غدك أَجْهَل مِنْك فِي أمسك

(1/119)


56 - الأديب أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق الزُّهْرِيّ الْقُرْطُبِيّ
من حفاظ مؤرخي الأندلس وأدبائها جالسته كثيرا فِي إشبيلية ومالقة وَكَانَ وَالِدي يُكرمهُ لحفظه وَالَّذِي فِي ذكري الْآن من شعره قَوْله من قصيدة فِي ذمّ بني هود حِين خلعوا عَن إشبيلية ... كَأَنَّمَا الرَّايَة السَّوْدَاء قد نعبت ... لَهُم غراباً ببين الْأَهْل وَالْولد
مَاتَ الْهدى تحتهَا من فرط رَوْعَته ... فأظهر الدَّهْر مِنْهَا لبسة الكمد ...

عُلَمَاء الفلسفة