المغرب في حلى المغرب

244 - أَبُو الْحسن بن مُحَمَّد بن الْجد
نبه ابْن بسام على أَصله وذاته وَأَن معاقرة الدنان غضت مِنْهُ وَقد اسْتَكْتَبَهُ ابْن عمار لما ملك مرسية
وَمِمَّا أنْشدهُ من شعره قَوْله ... فطولك فِي إرعاء سَمعك سَاعَة ... لتسمع مَا شطت بِهِ عَنْك أزمان
وراجع وَلَو فِي صفحة المَاء راقماً ... وطالع فيكفيني من الطرس عنوان ...
وَوَصفه الحجاري بحب الغلمان

(1/340)


245 - أَبُو الْقَاسِم بن الْجد
مُحَمَّد بن عبد الله
من الذَّخِيرَة قريع وقتنا ووحيد عصرنا وَأثْنى عَلَيْهِ ذاتاً وأصلاً وَذكر أَن أهل لبلة ولوه خطة الشورى وَكَانَ قد تقلد وزارة الراضي بن الْمُعْتَمد بن عباد وَأورد من نثره ونظمه مَا هُوَ مندمج فِيمَا نورده
وَمن = كتاب القلائد راصع ثدي الْمَعَالِي المتواضع العالي آيَة الإعجاز فِي الصُّدُور والأعجاز جمع طبع الْعرَاق وصنعة الْحجاز وأقطع استعارته جَانِبي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَأنْشد من شعره قَوْله ... أما ونسيم الرَّوْض طَابَ بِهِ فجر ... وهب لَهُ من كل زاهرة نشر
تحامى لَهُ عَن سره زهر الرِّبَا ... وَلم يدر أَن السِّرّ فِي طيه نشر
فَفِي كل سهب من أَحَادِيث طيبه ... تمائم لم يعلق بحاملها وزر
لقد فغمتني من ثنائك نفحة ... ينافسني فِي طيب أنفاسها الزهر
تضوع مِنْهَا العنبر الْورْد فانثنت ... وَقد أوهمتني أَن منزلهَا الشحر
سرى الْكبر فِي نَفسِي بهَا ولربما ... تجانف عَن مسرى ضرائبها الْكبر ...

(1/341)


.. وشيب بهَا معنى من الراح مطرباً ... فخيل لي أَن ارتياحي بهَا سكر
أَبَا عَامر أنصف أَخَاك فَإِنَّهُ ... وَإِيَّاك فِي مَحْض الْهوى المَاء وَالْخمر
أمثلك يَبْغِي فِي سمائي كوكباً ... وَفِي جوك الشَّمْس المنيرة والبدر
ويلتمس الْحَصْبَاء فِي ثغب الْحَصَى ... وَمن بحرك الْفَيَّاض يسْتَخْرج الدّرّ ...

وَمن نثره مرْحَبًا أَيهَا الْبر الفاتح وَالرَّوْض النافح فَمَا أحسن تولجك وأعطر تأرجك لقد فتحت للمخاطبة بَابا طالما كنت لَهُ هياباً وَرفعت حِجَابا ترك قلبِي وجابا وَمَا زلت أحوم عَلَيْهَا شرعة فَلَا أسيغ مِنْهَا جرعة
246 - أَبُو عَامر أَحْمد بن عبد الله بن الْجد
من سمط الجمان بدر تطلع فِي سَمَاء الْجَلالَة وغصن تفرع فِي أرومة الشّرف والأصالة لم يدنس ثوب شبيبته براح وَلَا أنْفق أَيَّام غرارته فِي لَهو وَلَا أفراح
وَأنْشد من شعره قَوْله ... لله لَيْلَة مشتاق ظَفرت بهَا ... قطعتها بوصال اللثم والقبل
نعمت فِيهَا بأوتار تعللني ... أحلى من الْأَمْن أَو أُمْنِية الْغَزل
وأكؤس نتعاطاها على مقة ... حَتَّى الصَّباح فيا للأنس والجذل
أحبب إِلَيّ بهَا إِذْ كلهَا سحر ... صممت فِيهَا عَن العذال والعذل ...

(1/342)


وَقَوله ... ظلمتني بهجرها ثمَّ قَالَت ... أَنْت مني بِكُل هجر حقيق
حِين لم تكْتم الْهوى قلت كلا ... إِن عهدي فِي كتم مَا بِي وثيق
لَيْسَ إِلَّا قَتْلَى أردْت وَإِلَّا ... كَيفَ يُبْدِي هَوَاك صب شفيق ...

247 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى بن الْجد
جلّ قدره فِي إشبيلية وَكَانَ يعرف بِالْحَافِظِ لكَونه كَانَ أعجوبة فِي سرعَة مَا يحفظه وَبلغ بِهِ الْعلم إِلَى مرتبَة علية بِحَيْثُ أَن كَانَ أَبُو يُوسُف بن عبد الْمُؤمن ينزل لَهُ عَن فرسه إِذا خرج للقائه وَلم يشْتَهر بالشعر وَإِنَّمَا اشْتهر بِحِفْظ الْمَذْهَب الْمَالِكِي والْحَدِيث وَكَانَ بَينه وَبَين بني عَظِيمَة عدواة فَقَالَ فيهم ... وَاعجَبا كَيفَ لَان قلبِي ... من بعد مَا قسوة عظيمه
صيرني الْحبّ بعد عَقْلِي ... كأنني من بني عظيمه ...

وعقبه فِي إشبيلية إِلَى الْآن فِي نِهَايَة من النباهة

(1/343)


وَمن = كتاب نُجُوم السَّمَاء فِي حلى الْعلمَاء
248 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عِيَاض اللبلي
كَانَ نحوياً أديباً مصدرا للإقراء فِي قرطبة فِي صدر دولة بني عبد الْمُؤمن وَله المقامة الْمَشْهُورَة بالدوحية ترجمت عَن لطافته ومعرفته وانطباعه
أَولهَا قَالَ ميزَان الأشواق ومعيار المحبين والعشاق
نبت بِي معاهد الأحباب فِي ريعان الشَّبَاب لقينة أذكت نيرانها وَأَلْقَتْ بمسقط الرَّأْس جِرَانهَا فامتطيت اللَّيْل طرفا ومزقت السنان طرفا وَجعلت أَمسَح الأَرْض نجداً ووهداً وأستطعم الآمال صاباً وشهداً كالعنز لَا يسْتَقرّ بمنزل وَلَا وجد عَن رحْلَة بمعزل أصعد من خصور القيعان إِلَى روادف الرعان وأنحدر من متون الهضاب إِلَى بطُون اليباب حَتَّى عجمتني أَنْيَاب النوائب وتقاذفت بِي صُدُور الْمَشَارِق إِلَى أعجاز المغارب وَقد حللت من الاغتراب بَين الذرْوَة وَالْغَارِب وَكنت أكلف بالبلدة الْحَمْرَاء كلف الكمي بالصعدة السمراء وأحن إِلَى جوارها حنين النَّاقة إِلَى حوارها للَّذي اشْتهر من حسنها وطيبها وخصبها واختيالها فِي حلل شربهَا وعصبها فهداني إِلَيْهَا حادي الاغتراب وتطاوحت بِي إِلَيْهَا طوائح الِاضْطِرَاب وَلَا أمل إِلَّا اعتلاق خل ظريف والإصغا إِلَى نبأ طريف
وَأنْشد فِيهَا ... عربد بالهجر والعتاب ... نشوان من خمرة الشَّبَاب ...

(1/344)


.. طفا على رِيقه حباب ... فاحتجب الْخمر بالحباب
أنْكرت إِلَّا سقام طرف ... وَأي سيف بِلَا ذُبَاب
إِن أَنا لاحظته توارى ... من دمعة الْعين فِي حجاب
أبصرته جدولاً وورقاً ... من دمع عَيْني وانتحابي
لم تستبق سلوة وَحب ... إِلَّا وطرف السلو كابي ...

وَمن أُخْرَى ... تقاذفت الْأَيَّام بِي وسط لجة ... من الهجر لَا يُبْدِي لَهَا الْوَصْل ساحلا
لَعَلَّ الرِّضَا يدني من الْقَمَر السها ... ويجمعنا غُصْنَيْنِ غضا وذابلا ...

(1/345)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الثَّانِي عشر
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا = كتاب المملكة الإشبيلية
وَهُوَ كتاب الْحلَّة المعجبة فِي حلى كورة أونبة
من الكور البحرية الغربية
يَنْقَسِم كتابها إِلَى كتاب الْأَصْوَات المطربة فِي حلى مَدِينَة أونبة كتاب عهد الصُّحْبَة فِي حلى مَدِينَة ولبة كتاب الترقيش فِي حلى جَزِيرَة شلطيش كتاب المقلة الساجية فِي حلى قَرْيَة الزاوية

(1/346)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الأول
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا = كتاب الْحلَّة المعجبة فِي حلى كورة أونبة
وَهُوَ = كتاب الْأَصْوَات المطربة فِي حلى مَدِينَة أونبة
هِيَ حَالية
الْبسَاط
غرب من مَدِينَة لبلة إِلَى جِهَة الْبَحْر وَهِي قَاعِدَة عَملهَا
الْعِصَابَة
توارث إمارتها البكريون وَرَئِيسهمْ الْمَشْهُور أَبُو زيد عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ وَمِنْه أَخذهَا المعتضد بن عباد وَلحق هُوَ بقرطبة
السلك
249 - أَبُو عبيد الله بن صَاحب أونبة أبي زيد
عبد الْعَزِيز الْبكْرِيّ
من الذَّخِيرَة كَانَ بأفقنا آخر عُلَمَاء الجزيرة بِالزَّمَانِ وأجلهم فِي البراعة

(1/347)


وَالْإِحْسَان كَأَن الْعَرَب استخلفته على لسانها أَو الْأَيَّام ولته زِمَام حدثانها وَأثْنى على سلفه وَوَصفه بمعاقرة الراح وَأنْشد لَهُ ... خليلي إِنِّي قد طربت إِلَى الكاس ... وتقت إِلَى شم البنفسج والأس
فقوما معي نَلْهُو ونستمع الْغِنَا ... ونسرق هَذَا الْيَوْم سرا من النَّاس ...

وَمن القلائد عَالم الأوان ومصنفه ومقرط الْبَيَان ومشنفه بتواليف كَأَنَّهَا الخرائد وتصانيف أبهى من القلائد حلى بهَا من الزَّمَان عاطلاً وَأرْسل بهَا غمام الْإِحْسَان هاطلاً ووضعها فِي فنون مُخْتَلفَة وأنواع وأقطعها مَا شَاءَ من إتقان وإبداع وَأما الْأَدَب فَهُوَ كَانَ منتهاه وَمحل سهاه وقطب مَدَاره وفلك تَمَامه وإبداره وَكَانَ كل ملك من مُلُوك الأندلس يتهاداه تهادي الْمقل للكرى والآذان للبشرى وَأنْشد لَهُ فِي خطّ ابْن مقلة ... خطّ ابْن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لَو بدلت مقلا ...

وَمن رِسَالَة وَله الْمِنَّة فِي ظلام كَانَ أعزه الله صبحة ومستبهم غَدا شَرحه
250 - أَبُو الْحسن حكم بن مُحَمَّد غُلَام أبي عبيد الْبكْرِيّ
من الذَّخِيرَة أَبُو الْحسن فِي وقتنا بَحر من بحور الْكَلَام قذف بدر النظام فقلده أَعْنَاق الْأَيَّام أحسن من أطواق الْحمام وَذكر أَنه من شعراء الدولة العبادية وزهد بعْدهَا فِي الشّعْر وَهُوَ مولى البكريين وَأنْشد لَهُ مَا يبين الْغَرَض مِنْهُ فِيمَا اخترته مِنْهُ

(1/348)


من = كتاب القلائد ذُو الخاطر الجائش الْبَارِي لنبل المحاسن الرائش الَّذِي اخترع وَولد وقلد الأوان من إحسانه مَا قلد طلع فِي سَمَاء الدولة العبادية نجماً وَصَارَ لمسترق سَمعهَا رجماً وَكَانَ لَهُ فِيهَا مقَام مَحْمُود وتوقد لَا يشوبه خمود ثمَّ استوفى طلقه وَلبس الْعُمر حَتَّى أخلقه فصحب الدولة المرابطية بُرْهَة من الزَّمَان لَا يألو نحرها تَقْلِيد لآلئ وفرائد جمان وَأنْشد من شعره قَوْله ... أرقني بعْدك البعاد ... فناظري كحله سهاد
يَا غَائِبا وَهُوَ فِي فُؤَادِي ... إِن كَانَ لي بعده فؤاد
الله يدْرِي وَأَنت تَدْرِي ... أَن اعتقادي لَك اعْتِقَاد
تذكر والحادثات بله ... لَيْسَ لَهَا ألسن حداد
وَنحن فِي مكتب الْمَعَالِي ... يصْبغ أفواهنا المداد
يسدل ستر الصِّبَا علينا ... والأمن من تحتنا مهاد
لَا نتهدي لما خلقنَا ... نجهل مَا الْكَوْن وَالْفساد
تكلؤنا من حفاظ بكر ... لواحظ مَا لَهَا رقاد
وهمة ناصت الثريا ... تقود صعباً وَلَا تقاد
أذمة بَيْننَا لعمري ... يحفظها السَّيِّد الْجواد
حسب العدا مِنْك مَا رَأَوْهُ ... لَا وريت للعدا زناد
لم يعلم الصائدون مِنْهُم ... أَنَّك عنقاء لَا تصاد
وَأَن فِي راحتيك سَعْدا ... تندق من دونه الصعاد ...

(1/349)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الثَّانِي
وَهُوَ = كتاب عهد الصُّحْبَة فِي حلى مَدِينَة ولبة
من عمل أونبة ينْسب إِلَيْهَا
251 - ذُو الوزارتين أَبُو بكر مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن القصيرة الولبي
من الذَّخِيرَة هُوَ فِي وقتنا جُمْهُور البراعة وقدوة أهل الصِّنَاعَة نَشأ فِي دولة المعتضد واعتنى بِهِ أَبُو الْوَلِيد بن زيدون فقدمه عِنْده ثمَّ تقدم عِنْد المعتضد وصيره سفيراً بَينه وَبَين يُوسُف بن تاشفين إِلَى أَن نكب مَعَ الْمُعْتَمد ثمَّ اشْتَمَل عَلَيْهِ أَمِير الملثمين
وَمن القلائد غرَّة فِي جبين الْملك ودرة لَا تصلح إِلَّا لذَلِك السلك باهت بِهِ الْأَيَّام وتاهت فِي يَمِينه الأقلام واشتملت عَلَيْهِ الدول اشْتِمَال

(1/350)


الكمام على النُّور وانسربت إِلَيْهِ الْأَمَانِي انسراب الْغَمَام إِلَى الْغَوْر
فَمن نثره قَوْله وافتني أَطَالَ الله بَقَاءَك أحرف كَأَنَّهَا الوشم فِي الخدود تميس فِي حلل إبداعها وَإنَّك لسابق الحلبة لَا يدْرك غبارك فِي مضمارها وَلَا يُضَاف سرارك إِلَى إبدارها وَمَا أَنْت فِي أهل البلاغة إِلَّا نُكْتَة فلكها ومعجزة تشرف الدول بتملكها وَمَا كَانَ أخلقك بِملك يدنيك وَملك يقتنيك وَلكنهَا الحظوظ لَا تعتمد من تتجمل بِهِ وتتشرف وَلَا تقف إِلَّا على من توقف وَلَو أنفقت بِحَسب الرتب لما ضربت عَلَيْهِ إِلَّا قبابها وَلَا عطفت عَلَيْك إِلَّا أثوابها وَأما مَا عرضته فَلَا أرى إِنْفَاذه قواما وَلَا أرى لَك أَن تتْرك عُيُون رَأْيك نياما وَلَو كَفَفْت عَن هَذَا الْخلق وانصرفت عَن تِلْكَ الطّرق لَكَانَ الْأَلْيَق بك والأذهب مَعَ حسن مذهبك

(1/351)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الثَّالِث
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا = كتاب كورة أونبة
هُوَ = كتاب الترقيش فِي حلى جزير شلطيش
جَزِيرَة فِي الْبَحْر الْمُحِيط فِيهَا مَدِينَة صَغِيرَة حَصِينَة مِنْهَا
252 - الْفَقِيه الْكتاب أَبُو بكر
مُحَمَّد بن يحيى الشلطيشي الْمَعْرُوف بِابْن الْقَابِلَة
من السمط ذُو المنزع اللَّطِيف والتلون الظريف وسالك مهيع ابْن العريف وملبس سوقة الْمعَانِي حلل اللَّفْظ الشريف كَانَ حِين تهدل غصون آدابه وترفل أَيَّام شبابه فِي ذيول أرابه يندى مَجْلِسه بقطر الْأَدَب الغض ويفري الفرى لِسَانه وَعَيناهُ لَا يبرح مغرزها من الأَرْض عنوان مَا أوردهُ من نثره
من رِسَالَة كتب بهَا إِلَى يحيى بن غانية
أما بعد فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس ليذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا لَعَلَّهُم يرجعُونَ}

(1/352)


إِنَّه قد عَمت الرزايا والمصائب وشملت الْفِتَن الْمَشَارِق والمغارب وَهلك فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ الله الشَّاب والشائب وعادت زاهرات الامصار مومحشة خرائب وعامرات الأقطار مقفرة سباسب بِمَا كسبت أَيدي النَّاس وَلَوْلَا حلم الله وإمهاله ليتوب اليه عبيده وَيرجع عَمَّا يكرههُ إِلَى مَا يُريدهُ لَكَانَ الإبلاس ولرفع من الرَّحْمَة المساس
وَمن أُخْرَى
الْحَمد لله عَالم السِّرّ والعلن وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله شَارِع الْفَرْض وَالسّنَن وَرَضي الله عَن الصَّحَابَة الَّذين شاهدوا من النُّبُوَّة أعلامها وصاحبوا كَيْفَمَا تقلبت أَيَّامهَا والتزموا من غير أَن يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً أَحْكَامهَا وَعَن التَّابِعين وتابعيهم الْمُحْسِنِينَ الَّذين نالوا من الْولَايَة حَالهَا ومقامها وإيجادها فنَاء وَبَقَاء وإعدامها وإثباتها على فلك واصطلامها

(1/353)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الرَّابِع
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب كورة أونبة
وَهُوَ = كتاب المقلة الساجية فِي حلى قَرْيَة الزاوية
ذكر الحجاري إِنَّهَا من أَعمال أونبة نسب إِلَيْهَا بَنو حزم
253 - الْوَزير الْعَالم الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن الْوَزير
أبي عمر أَحْمد بن سعيد بن حزم الفاسي مولى بني أُميَّة
من الذَّخِيرَة كَانَ كالبحر لَا تكف غواربه وَلَا يرْوى شَاربه وكالبدر لَا تجحد دلائله وَلَا يُمكن نائله وَقَالَ ابْن حَيَّان فِي المتين كَانَ حَامِل فنون من حَدِيث وَفقه وجدل وَنسب وَمَا يتَعَلَّق بأذيال الْأَدَب مَعَ الْمُشَاركَة فِي كثير من أَنْوَاع التعاليم الْقَدِيمَة من الْمنطق والفلسفة لَهُ فِي بعض تِلْكَ الْفُنُون كتب كَثِيرَة غير أَنه لم يخل فِيهَا من غلط وَسقط لجراءته فِي التسور على الْفُنُون لَا سِيمَا الْمنطق فَإِنَّهُم زَعَمُوا أَنه زل هُنَالك

(1/354)


وضل فِي سلوك تِلْكَ المسالك وَخَالف أرسططاليس وَاضعه مُخَالفَة من لم يفهم غَرَضه وَلَا ارتاض فِي كتبه وَمَال أَولا بِهِ النّظر فِي الْفِقْه إِلَى رَأْي الشَّافِعِي وناضل عَن مذْهبه وانحرف عَمَّا سواهُ حَتَّى وسم بِهِ وَنسب إِلَيْهِ فاستهدف بذلك لكثير من الْفُقَهَاء وعيب بالشذوذ ثمَّ عدل فِي الآخر إِلَى قَول أَصْحَاب الظَّاهِر مَذْهَب دَاوُد بن عَليّ وَمن اتبعهُ من فُقَهَاء الْأَمْصَار فنقحه ونهجه وجادل عَنهُ وَوضع الْكتب فِي بَسطه وَثَبت عَلَيْهِ إِلَى أَن مضى لسبيله رَحمَه الله وَكَانَ يُجَادِل عَن علمه هَذَا من خَالفه على استرسال فِي طباعة ومذل بأسراره واستناد إِلَى الْعَهْد الَّذِي أَخذه الله على الْعلمَاء من عباده {لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} فَلم يَك يلطف بِمَا عِنْده بتعريض وَلَا يزفه بتدريج بل يصك بِهِ معارضه صك الجندل وينشقه أخر من الْخَرْدَل فَطَفِقَ الْمُلُوك يقصونه عَن قربهم ويسيرونه عَن بِلَادهمْ إِلَى أَن انْتَهوا بِهِ مُنْقَطع أَثَره بقرية بَلَده من بادية لبلة وَبهَا توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَكَانَ متشيعاً فِي بني أُميَّة منحرفاً عَمَّن سواهُم من قُرَيْش وَادّعى أَنه من الْفرس وَهُوَ خامل الْأُبُوَّة من عجم لبلة وَصله من ابْن عَمه أبي الْمُغيرَة رِسَالَة فِيهَا مَا أوجب أَن جاوبه بِهَذِهِ
سَمِعت وأطعت لقَوْل الله تَعَالَى {وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} وَأسْلمت وانقدت لقَوْل نبيه عَلَيْهِ السَّلَام صل من قَطعك واعف عَمَّن ظلمك ورضيت بقول الْحُكَمَاء كَفاك انتصاراً مِمَّن تعرض لأذاك إعراضك عَنهُ وَأَقُول

(1/355)


.. تَبْغِ سَوَاء امْرَءًا يَبْتَغِي ... سبابك إِن هَوَاك السباب
فَإِنِّي أَبيت طلاب السفاه ... وصنت محلى عَمَّا يعاب
وَقل مَا بدالك من بعد ذَا ... فَإِن سكوتي عَنهُ خطاب ...

وَأَقُول ... كفاني بِذكر النَّاس لي ومآثري ... وَمَالك فيهم يَا ابْن عمي ذَاكر
عدوي وأشياعي كثير كَذَاك من ... غَدا وَهُوَ نفاع المساعي وضائر
أَنِّي وَإِن آذيتني وعققتني ... لمحتمل مَا جَاءَنِي مِنْك صابر ...

وَقَالَ قصيدة مِنْهَا ... أَنا الشَّمْس فِي جو الْعُلُوم منيرة ... وَلَكِن عيبي أَن مطلعي الغرب
وَلَو انني من جَانب الشرق طالع ... اجد على مَا ضَاعَ من علمي النهب ...

وَله على مذْهبه ... وَذي عذل فِيمَن سباني حسنه ... يُطِيل ملامي فِي الْهوى وَيَقُول
أَمن أجل وَجه لَا حل تَرَ غَيره ... وَلم تدر كَيفَ الْجِسْم أَنْت عليل
فَقلت لَهُ أسرفت فِي اللوم فاتئد ... فعندي رد لَو أَشَاء طَوِيل
ألم تَرَ أَنِّي ظاهري وأنني ... على مَا أرى حَتَّى يقوم دَلِيل ...

وَله ... يَقُول أخي شجاك رحيل جسمي ... وقلبي عنْدكُمْ أبدا مُقيم ...

(1/356)


فَقلت لَهُ المعاين مطمئن ... لذا سَأَلَ المعاينة الكليم ...

وَله فِي غُلَام ناحل ... وَإِن غصناً أبدا لَا تَزُول ... عَلَيْهِ شمس لحر بالذبول ...

254 - ابْن عَمه أَبُو الْمُغيرَة عبد الْوَهَّاب
ابْن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن حزم
من الذَّخِيرَة لحق بِبِلَاد الثغر وَقد اعتلت طبقته فِي النّظم والنثر وَكتب عَن عدَّة من الْمُلُوك ونال حظاً عريضاً من دنياهم إِلَّا أَنه اعتبط شَابًّا بعد أَن ألف عدَّة تواليف وَشَجر الْأَمر بَينه وَبَين ابْن عَمه أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم وَجَرت بَينهمَا هَنَات ظهر فِيهَا أَبُو الْمُغيرَة وبكته حَتَّى أسكته
جَوَاب أبي الْمُغيرَة للرسالة الْمُتَقَدّمَة
قَرَأت هَذِه الرقعة العاقة فحين استوعبتها أنشدتني ... نحنح زيد وسعل ... لما رأى وَقع الأسل ...

فَأَرَدْت قطعهَا وَترك الْمُرَاجَعَة عَنْهَا فَقَالَت لي نفس قد عرفت مَكَانهَا بِاللَّه لَا قطعتها إِلَّا يَده فَأثْبت على ظهرهَا مَا يكون سَببا إِلَى صونها وَقلت ... نعقت وَلم تدر كَيفَ الْجَواب ... وأخطأت حَتَّى أَتَاك الصَّوَاب
وأجريت وَحدك فِي حلبة ... نأت عَنْك فِيهَا الْجِيَاد العراب
وَبت من الْجَهْل مستنبحاً ... لغير قرى فأتتك الذئاب ...

(1/357)


= كتاب الفردوس فِي حلى مملكة بطليوس

(1/359)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الثَّالِث
من الْكتب الَّتِي يحتوي عَلَيْهَا = غرب الأندلس
وَهُوَ = كتاب الفردوس فِي حلى مملكة بطليوس
مملكة جليلة فِي شمال الأندلس وَقد استولى عَلَيْهَا النَّصَارَى وكتابها يَنْقَسِم إِلَى كتاب الْأَمْثَال الشاردة فِي حلى مَدِينَة ماردة كتاب نزع الْقوس فِي حلى مَدِينَة بطليوس كتاب نغم المغردين فِي حلى حصن مدلين كتاب الْجنَّة فِي حلى حصن قلنة كتاب الرَّوْضَة المزهرة فِي حلى مَدِينَة يابره كتاب وشي الْحلَّة فِي حلى مَدِينَة ترجلة = كتاب حسن الغانية فِي حلى حصن جلمانية

(1/360)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الأول
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا = كتاب المملكة البطليوسية
وَهُوَ كتاب الْأَمْثَال الشاردة فِي حلى مَدِينَة ماردة