المغرب في حلى المغرب
كتاب الرَّوْضَة النرجسية فِي حلي المملكة
البلنسية
(2/293)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الثَّانِي من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب
شَرق الأندلس وَهُوَ كتاب الرَّوْضَة النرجسية فِي حلى المملكة
البلنسية
هِيَ بَين مملكة مرسية ومملكة طرطوشة وَقد حصلت لِلنَّصَارَى فِي هَذِه
الْمدَّة أَعَادَهَا الله لِلْإِسْلَامِ وينقسم كتابها إِلَى كتاب
الألحان المنسية فِي حلى حَضْرَة بلنسية كتاب الْحلَّة السندسية فِي
حلى الرصافة البلنسية كتاب الخصر الأهيف فِي حلى قَرْيَة الْمنصف كتاب
الْوَرق المرنة فِي حلى قَرْيَة بطرنة كتاب الْمِنَّة فِي حلى قَرْيَة
بنة كتاب الْحَال المغبوطة فِي حلى حصن متيطة كتاب الْكَوَاكِب الزهر
فِي حلى جَزِيرَة شقر
(2/295)
كتاب السحر المسطر ف يحلى حصن مربيطر كتاب
المراعي العازبة فِي حلى كورة شاطبة كتاب حصن البونت كتاب حنين السانية
فِي حلى أَعمال دانية
الْجَمِيع أحد عشر كتابا وَمِنْهَا كِتَابَانِ ينقسمان إِلَى غَيرهمَا
وهما كتاب كورة شاطبة وَكتاب أَعمال دانية وستقف على ذَلِك هُنَالك
(2/296)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الأول من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب مملكة
بلنسية وَهُوَ كتاب الألحان المنسية فِي حلى حَضْرَة بلنسية
المنصة
هِيَ عروس
من المسهب مُطيب الأندلس ومطمح الْأَعْين والأنفس قد خصها الله
بِأَحْسَن مَكَان وحفها بالأنهار والجنان فَلَا ترى إِلَّا مياهاً
تتفرع وَلَا تسمع إِلَّا أطياراً تسجع وَلَا تستنشق إِلَّا أزهاراً
تنفح وَمَا أجلت لحظا بهَا فِي شئ إِلَّا قلت هَذَا أَمْلَح وَلها
الْبحيرَة الَّتِي تزيد فِي ضِيَاء بلنسية صحو الشَّمْس عَلَيْهَا
وَيُقَال إِن ضوء بلنسية يزِيد على ضوء سَائِر بِلَاد الأندلس وُجُوهًا
صقيل أبدا لَا ترى فِيهِ مَا يكدر خاطراً وَلَا بصراً لِأَن الجنات
والأنهار أحدقت بهَا فَلم يثر بأرجائها تُرَاب من سير الأرجل وهبوب
الرِّيَاح فيكدر جوها وهواؤها حسن لتم 4 كنها من الإقليم الرَّابِع
وَأَخذهَا
(2/297)
من كل حسن بِنَصِيب وَلها الْبَحْر على
الْقرب وَالْبر المتسع وَحَيْثُ خرجت من جهاتها لَا تلقى إِلَّا منازه
ومسارح وَمن أبدعها وأشهرها الرصافة ومنية ابْن أبي عَامر
وَهِي مَدِينَة متمكنة الحضارة جليلة الْقدر
وَمن كتاب الرَّازِيّ مَنَافِعهَا لأَهْلهَا عَظِيمَة وَلمن انتجعها من
النَّاس بَين الْبر وَالْبَحْر وَالزَّرْع والضرع وتعرف بِمَدِينَة
التُّرَاب وفيهَا يَقُول شاعرها الَّذِي لَهَا أَن تَفْخَر بِهِ بملء
فِيهَا ابْن غَالب أَبُو عبد الله الرصافي ... خَلِيْلَيَّ مَا
لِلْبِيدِ قد عبقت نشرا ... وَمَا لرءوس الرَّكْبِ قَدْ رُنِّحَتْ
سُكْرَا
هَلْ المِسْكُ مَفْتُوقَاً بمدرجة الصِّبَا ... أم القَوْمُ أَجْرُوا
مِنْ بَلَنْسِيَةِ ذِكْرَا
خَلِيْلَيَّ عُوْجَا بِي عَلَيْهَا فَإِنَّهُ ... حَدِيث كَبَرْدِ
المَاءِ فِي الكَبِدِ الحَرَّا
قِفَا غَيْرَ مأمورين ولتصديا بهَا ... على ثِقَةٍ لِلْغَيْثِ
فَاسْتَقِيَا القَطْرَا
بِجِسْرِ مَعَانٍ وَالرَّصَافَةِ إِنَّه ... على القطران يَسْقِى
الرَّصَافَةَ وَالجِسْرَا
بِلادِي التِي رِيشَتْ قُوَيْدِمَتِي بِهَا ... فُرَيْخَاً وَآَوَتْنِي
قَرَارَتُهَا وَكْرَا
مَبَادِيَ لَيْنِ الْعَيْش فِي ريق الصِّبَا ... أَبى اللهُ أَنْ
أَنْسَى لَهَا أَبَدَاً ذِكْرَا
أَكُلَّ مَكَان رَاح فِي الأَرْض مسْقطًا ... لرأس الفَتَى يَهْوَاه
مَا عَاشَ مُضْطَرَّا
وَلا مِثْلِ مدحو من الْمسك تربة ... تملى الصَّبَا فِيها حَقِيبَتُهَا
عِطْرَا
نَبَاتٌ كَأَنَّ الخَدَّ يحمل نوره ... تخال لُجَيْنَاً فِي أَعَالِيهِ
أَوْ تِبْرَا
وَمَاءٍ كَتَرْصِيعِ المجرة جللت ... نواحيه الأَزْهَارُ فَاشْتَبَكَتْ
زُهْرَا
أَنِيقٍ كَرَيْعَانِ الحَيَاةِ التِي حَلَتْ ... طَلِيقٍ كَرَيَّاِن
الشَبَابِ الذِي مَرَّا
بَلَنْسِيَةٌ تِلْكَ الزَّبَرْجَدَةُ التِي ... تَسِيلُ عَلَيْهَا
كُلُّ لُؤْلُؤَةٍ نَهرا ...
(2/298)
.. كَأَن عروسا أبدع الله حسنها ... فصير
من شرخ الشَّبَاب لَهَا عمرا
توبد فِيهَا شعشعابية الضُّحَى ... إِذا ضَاحَكَ الشَّمْسُ
البُحَيْرَةَ وَالنَّهْرَا
تُزَاحِمُ أَنْفَاسُ الرِّيَاحِ بزهرها ... نجوما فَلا شَيْطَانَ
يَقْرُبُهَا ذُعْرَا
هِيَ الدُّرَّةُ البَيْضَاءُ من حَيْثُ جِئْتهَا ... أَضَاءَت وَمَنْ
لِلْدُرِّ أَنْ يُشْبِهَ البَدْرَا ...
التَّاج
ملكهَا فِي مُدَّة مُلُوك الطوائف خادمان من الموَالِي العامرية وهما
مبارك ومظفر وَكَانَ من الْعَجَائِب اشتراكهما فِي الْملك حَتَّى
إنَّهُمَا لم يمتازا إِلَّا فِي الْحرم خَاصَّة وَلَا تنافس بَينهمَا
وَفِيهِمَا يَقُول ابْن دراج شَاعِر الأندلس من قصيدة ... وَأَظْفَرْتُ
آَمَالِي بِقَصْدِ مُظَفَّرٍ ... وَبُوْرِكَ لِي فِي حُسْنِ رَأْيٍ
مُبَارَكِ ...
وَاشْتَدَّ أَمرهمَا وحرصهما فِي الجباية وأضرا بِالنَّاسِ فاستغاثوا
إِلَى الله فَهَلَك مبارك متردياً عَن فرسه وَضعف مظفر بعده فَأخْرجهُ
أهل بلنسية فانزوى بشاطبة فأسند أهل بلنسية أَمرهم إِلَى
(2/299)
549 - الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن
النَّاصِر بن الْمَنْصُور ابْن أبي عَامر
وَصفه صَاحب الذَّخِيرَة بِأَنَّهُ كَانَ من أوصل النَّاس لرحمه
وأحفظهم لِقَرَابَتِهِ بَعثه الله رَحْمَة للمجتثين من أهل بَيته وخاطب
الْمَأْمُون الْقَاسِم بن حمود الَّذِي خطب لَهُ بالخلافة فِي قرطبة
وَبعث لَهُ بهدية فولاه على مَا بِيَدِهِ وامتدت دولته فِي نعْمَة
مُتَّصِلَة ودامت إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين
وَأَرْبَعمِائَة وَولي بعده
550 - ابْنه المظفر عبد الْملك
ودبر دولته أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز الْكَاتِب ثمَّ جرت ببلنسية
خطوب وَقبل عَلَيْهَا ابْن ذى النُّون الَّذِي أخرجه النَّصَارَى من
طليطلة وحصرها النَّصَارَى حَتَّى دخلوها وعاثوا فِيهَا أَشد العيث
واستنقذها مِنْهُم مزدلي وابناه عبد الْوَاحِد وَعبد الله من مُلُوك
الملثمين وَلما ثارت الْفِتْنَة على الملثمين انحاز إِلَيْهَا عبد الله
بن غانية فَأخْرجهُ مِنْهَا رئيسها أَبُو عبد الْملك مَرْوَان بن عبد
الله
(2/300)
ابْن عبد الْعَزِيز إِلَى أَن قَامَ
عَلَيْهِ جند بلنسية فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَبَايَعُوا لِابْنِ عِيَاض ملك مرسية وَحمل ابْن عبد الْعَزِيز إِلَى
المرية وَبهَا ابْن مَيْمُون صَاحب الْبَحْر فرفعه فِي شيني إِلَى
جَزِيرَة ميورقة وَهِي حِينَئِذٍ لعبد الله بن غانية خَصمه الَّذِي
أخرجه من بلنسية فسجنه فِي بَيت ذكر ذَلِك ابْن اليسع ثمَّ تخلص
فَكَانَ فِي حَضْرَة مراكش
أمْلى عَليّ وَالِدي فِي شَأْنه ملكٌ لم يَرث الْإِمَارَة عَن كَلَالَة
وَبدر لم يطلع بِغَيْر هَالة إِذْ كَانَت تقدّمت ببلنسية رياسة جده أبي
بكر بن عبد الْعَزِيز وَأَوَى مِنْهُ أَهلهَا فِي تِلْكَ الخطوب إِلَى
حرز حريز فَظن النَّاس أَن التيتل فِي الْمخبر مثل الْأسد فقلدوه
تِلْكَ القلادة فذب عَن نظامها واجتهد فَهزمَ جموع الملثمين وَأخرج عَن
بِلَاده أَمِيرهمْ عبد الله بن غانية وطلع على تِلْكَ الظُّلم كالصبح
الْمُبين إِلَّا أَنه صَادف فِي شَرق الأندلس الْأَمِير أَبَا مُحَمَّد
بن عِيَاض أَسد الحروب وقطب الخطوب رجل الثغر شهرة وشجاعة قدالقى
جَمِيع تِلْكَ الْبِلَاد لَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة فهوت قُلُوب أهل
بلنسية إِلَيْهِ ورام ابْن عبد العزيزصرفهم عَن ذَلِك فثاروا عَلَيْهِ
فخضعت أقلامه للسيوف ودارت عَلَيْهِ منَّة الْفِتَن صروف فَلم ير
إِلَّا الْفِرَار قَائِلا لَيْسَ على زأر الْأسد قَرَار فَجَاءَت بِهِ
المقادر إِلَى أَن حصلته فِي يَدعُوهُ عبد الله بن غانية فسجنه فِي
جَزِيرَة ميروقة إِلَى أَن يسر الله سراحه على أَيدي الْمُوَحِّدين
فَحل بمراكش تَحت نعْمَة ضا فية ملحوظا بِعَين الرِّعَايَة متفقدا من
الْأَمر الْعَزِيز بأجزل جراية
أَخْبرنِي أحد الأدباء الْأَعْيَان مِمَّن كَانَ يمازحة ويركن إِلَيْهِ
أَنه كَانَ دَائِم الْحَسْرَة على كَونه لم يطلّ ملكه وَكَانَ انجعافه
مرّة وَأَنه كَانَ يستريح فِي ذَلِك بِمَا ينظمه قَالَ وَمِمَّا
أنشدنيه لنَفسِهِ من ذَلِك قَوْله
(2/301)
.. عَلِمْتُ بِأَنَّ الدَّائِرَاتِ
تَدُوْرُ ... وَقَدْ كُسِفَتْ مِنَّا هُنَاكَ بُدُوْرُ
وَنَادَى مُنَادِي البَيْنِ فِيْنَا تَرَحَّلُوا ... فَطَارَ فُؤَادٌ
لِلْفِرَاقِ صَبُوْرُ
وَنُثِّرَ سِلْكٌ طَالَ فِي المللك نَظْمُهُ ... كَذَا كُلُّ نَظْمٍ
بِالزَمَانِ نَثِيْرُ
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَكَانَتْ بِأَسْرِهَا ... تُصِيْخُ لِمَا
نُومِي بِهِ وَنُشِيْرُ
نَهَضْنَا بِهَا مَا دَامَ فِي السعد نجمنا ... فَلَمَّا هَوَى جَارَتْ
وَلَيْسَ مُجِيْرُ
فَلا يَنْسَ تَسْلِيْمَ السماطين مسمعي ... بِحَيْثُ القَنَا
وَالمُرْهَفَاتُ سُطُوْرُ
وَحَيْثُ بَنُوْ الآَمَالِ تَكْرَعُ كَالقَطَا ... وَقَدْ زَخَرَتْ
لِلْمَكْرُمَاتِ بُحُوْرُ
وَقَدْ قَامَتِ المُدَّاحُ تَنْثُرُ نَظْمَهَا ... وَدَارَتْ عَلَيْنَا
لِلْثَنَاءِ خُمُوْرُ
وَللهِ يَوْمٌ قَدْ نَهَضْتُ بِصَدْرِهِ ... وَحَوْلِي مِنْ صِيْدِ
الكُمَاةِ صُقُوْرُ
أَثَارَ بِهِ رَكْضُ الفَوَارِسِ قَسْطَلاً ... يُرَصِّعُهُ
لِلْبَاتِرَاتِ قَتِيْرُ
وَقَدْ جَالَ جَرَّارُ الذُيُوْلِ مُمَاصِعٌ ... وَطَارَ إِلَى نَهْبِ
النُّفُوْسِ مُغِيْرُ
وَقد صمت الاسماع اذ طاشت النهى ... وحامت عَلَى مَا عُوِّدَتْهُ
طُيُوْرُ
وَأُصْدِرَتِ الرَّايَاتُ حُمْرَاً كَأَنَّهَا ... صُدُوْرُ حِسَانٍ
مَسَّهُنَّ عَبِيْرُ
أَلا بِأَبِي ذَاكَ الزَّمَانُ الذِي قَضَى ... وَتَعْسَاً لِدَهْرٍ
جَاءَ وَهُوَ عَثُوْرُ
تُصَابِحُنَا فِيْهِ الرَّزَايَا فَتَارَةً ... تُصِمُّ صِمَاخَاً أَوْ
تُجِيْشُ صُدُوْرُ
لَقَدْ أَسْخَنَ المِقْدَارُ طرفِي بعده ... وَكم قَرَّ بِالآَمَالِ
وَهُوَ قَرِيْرُ
أَيَا مُهْدِيَاً نَحْوِي التَّحِيَّة عَن نوى ... تسائلني إِنَّ
الزَّمَانَ خَبِيْرُ
فَسَلْهُ عَنِ المَاضِيْنَ قَبْلِي فَإِنَّهُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ
لَا يَزَالُ يَجُوْرُ
فَلَو ابصرت عَيْنَاك همى حالكا ... وشهب الدَّيَاجِي فِي السَّمَاءِ
تُنِيْرُ
وَمِنْ أَدْمُعِي زَهْرٌ تَنَاثَرَ غُصْنُهُ ... بِنَكْبَاءَ
يُزْجِيْهَا جَوَىً وَزَفِيْرُ
لأَنْشَدْتَ من طول التفجع والاسى ... وَقد قَصُرَتْ عَنِّي مُنَىً
وَقُصُوْرُ ...
(2/302)
.. غَرِيْبٌ بِأَرْضِ المَغْرِبَيْنِ
أَسِيْرٌ ... سَيَبْكِي عَلَيْهِ مِنْبَرٌ وَسَرِيْرُ ...
فصل وتداولت على بلنسية وُلَاة ابْن مرذنيش ثمَّ وُلَاة بني عبد
الْمُؤمن إِلَى أَن ثار ابْن هود فِي الأندلس فثار ببلنسية قَائِد
اعنتها
551 - زيان بن يُوسُف بن مرذنيش
وَأخرج مِنْهَا أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي حَفْص بن
عبد الْمُؤمن ورامها ابْن هود فَلم يقدر عَلَيْهَا الى ان مَاتَ
بحسرتهاوبعده حصرها النَّصَارَى فَخرج مِنْهَا الْمُسلمُونَ على صلح
وَآل الْأَمر بزيان أَنه الْآن عِنْد سُلْطَان إفريقية فِي نعْمَة
وكرامة
السلك
الوزراء
552 - ذُو الوزارتين ابو عَامر بن الْفَرح
وَزِير الْمَأْمُون بن ذى النُّون ملك طليطلة ثمَّ وَزِير ابْن ابْنه
الْقَادِر من الذَّخِيرَة من بَيت رياسة وعترة نفاسة مَا مِنْهُم
إِلَّا من تحدى بالإمارة وتردى بالوزراة فطلع فِي آفَاق الدول ونهض
بَين الْخَيل والخول
(2/303)
ووقفت على نُسْخَة من القلائد فَوجدت
فِيهَا من ذكر أبي عَامر هَذَا مَا وجدته فِي الذَّخِيرَة سَوَاء
وَمن المسهب بَنو الْفرج من اعيان بلنسية الَّذين توارثوا الْحسب وجلوا
عَن أَن يُحِيط بهم نظم من الشّعْر أَو نثر من الْخطب مَا مِنْهُم
إِلَّا من تهادته الْمُلُوك وطلع بآفاقهم طُلُوع الشَّمْس عِنْد الدلوك
وَكَانَ أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز يقصدهم لِمَكَانِهِمْ من بَلَده
ويخفي لَهُم مَا أظهره بعد من حسده فتصدى لَهُم بالموبقات وأخرجهم عَن
بلنسية فَتَفَرَّقُوا على حواضر مُلُوك الطوائف وكل صَادف محلا قَابلا
وَصَارَ أَبُو عَامر وزيراً لِلْمَأْمُونِ بن ذى النُّون وَمن شعره
قَوْله فِي أبي عبد الرَّحْمَن بن طَاهِر صَاحب مرسية ... قَدْ
رَأَيْنَا مِنْكَ الذِي قَدْ سَمِعْنَا ... فَغَدَا الخُبْرُ عَاضِدَ
الأَخْبَارِ
اذ وردنا لديك بحرا نميرا ... وارتقينا حَيْثُ النُّجُوْمُ الدَّرَارِي
وَلَكَمْ مَجْلِسٍ لَدَيْكَ انْصَرَفْنَا ... عَنْهُ مِثْلَ الصَّبَا
عَنِ الأَزْهَارِ ...
قَالَ وَله فِي التوشيح طَريقَة حَسَنَة
553 - ذُو الوزارتين أَبُو الْقَاسِم بن فرج كَاتب أبي مُحَمَّد بن
الْقَاسِم صَاحب البونت
من المسهب أَنه من هَذَا الْبَيْت الْمَذْكُور وَأَبُو الْقَاسِم مقلة
إنسانه وَفَارِس ميدانه وَهُوَ أشعر بني الْفرج طرا وَلذَلِك اشْتَمَل
عَلَيْهِ ابْن الْقَاسِم
(2/304)
الْمَذْكُور لحبه فِي الشّعْر ومعرفته بِهِ
مَعَ مَا فِيهِ من الْخلال الْمُوجبَة لعلو الْمنزلَة وَمَا زَالَ يحمد
اختباره إِلَى أَن قَلّدهُ الوزارة فاستقل بأعبائها وطلع بَدْرًا فِي
آفَاق سمائها وَمَا يسْتَدلّ بِهِ على طبقته فِي الشّعْر قَوْله ...
تَأمل لجفن اللَّيْل بالبرق أرمدا ... تألم حَتَّى أَسْبَلَ القَطْرَ
بَاكِيَا
وَأَحْسَبُهُ إِذْ بِنْتَ عني فَأَصْبَحت ... جفوني قَرْحَى
بِالدُّمُوْعِ حَكَانِيَا ...
وَقَوله ... الرَّاحُ لَا تَحْجِبُوْا عَنِّي مُحَيَّاهَا ... بَيَّا
الإِلَهُ مَغَانِيْهَا وَحَيَّاهَا
مَا أَصبَحت مهجتي كالروض ميتَة
إِلَّا هَفَا بَارِقٌ مِنْهَا فَأَحْيَاهَا
طُوْبَى لِمَنْ طَلَعَتْ شمسا بمجلسه ... وبالنجوم مِنَ النُّدْمَانِ
حَلاَّهَا ...
554 - الْوَزير أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن جرج وَزِير ابْن عمار لما ثار
بمرسية
من الذَّخِيرَة كَانَ أَبُو جَعْفَر فِي وقته أحد الْأَعْلَام وفرسان
الْكَلَام وَحل عِنْد مُلُوك الطوائف بأفقنا من الدول مَحل الشَّمْس من
الْحمل فحملها على كَاهِله وَصرف أعنتها بَين أنامله حسن شارة وكرم
إِشَارَة وعلو همة وَظُهُور نعْمَة وَله رسائل مطبوعة ومنازع فِي
الْأَدَب بديعة وَمن نثره قَوْله يُخَاطب ابْن طَاهِر لما خلع عَن ملك
مرسية ثمَّ خلص من يَد ابْن عباد
مَا أعجب الْأَيَّام أعقب الله مِنْهَا السَّلامَة وَالسَّلَام فِيمَا
يقْضِي وَكَيف يمْضِي تتعاقب بتلوين وتتراءى بَين تقبيح وتحسين فَهِيَ
تعتب وتعتب وتعتذر كَمَا تذنب وتصدع وتشعب كَمَا تَجِد وتلعب وَإِن
صنيعها
(2/305)
عندنَا فِيك وَإِن كَانَ ألأم فقد أخمد
الدَّهْر مَا أوقد وَعَاد غيث على مَا أفسد وَإِن يكن حمى الله ذراك
وحزس علاك كشف إِلَيْك صفحة اعتداء وتخطى إِلَيْك بقدم أَعدَاء فقد
تراجع يمشي على استحياء متنصلا مِمَّا اقْتَرَف متأسفاعلى مَا سلف
وَعند مثلك للقدر التَّسْلِيم فَأَنت الْخَبِير الْعَلِيم أَنه مَا
اخْتلف اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا بِنَقْض وإمرار وَلَا دَار الْفلك
الْمدَار إِلَّا لأمر وَاخْتِيَار كنت فِي الأَرْض من أَسْنَى مطالعها
مشرق الْأَنْوَار فَلَا غرو أَن يدركك مَا يدْرك الْقَمَر من الأفول
حينا والسرار فقد يخسف الْبَدْر ثمَّ يعاوده الإضاءة والنور وَالْحَمْد
لله الَّذِي أخرجك من ظلمائك الغماء خُرُوج السَّيْف من الْجلاء والبدر
بعد الانجلاء نقي الأثواب من تِلْكَ الطخياء وَمن نظمه قَوْله ...
سَارُوا فودعهم طرفِي وأودعهم ... قلبِي فَمَا بَعِدُوْا عَنِّي وَلا
قَرِبُوْا
هُمُ الشُّمُوْسُ فَفِي عَيْني إِذا طلعوا ... فِي القَادِمِيْنَ وَفِي
قَلْبِي إِذَا غَرَبُوْا ...
وَقَوله فِي رثاء ابْن عمار ... قَدْ طَالَمَا عُمِّرَ المَرْءُ ابْنَ
عَمَّارِ ... مُمْتَدَحَاً بِأَمَانِيٍ وَأَخْطَارِ
يُمْلَى لَهُ وَيُمَلِّي كُلَّ مَا وَطَرٍ ... وَلِلْمَقَادِيْرِ
فِيْهِ أَيُّ أَوْطَارِ
اسْتَدْرَجَتْهُ لِمَا قَدْ أَدْرَجَتْهُ بِهِ ... حَتَّى أَتَى
لِمَنَايَاهُ بِمِقْدَارِ
مَكَارِهٌ خَفِيَتْ عَنْهُ مَصَادِرُهَا ... وَالحَيْنُ مَا بَيْنَ
إِيْرَادٍ وَإِصْدَارِ ...
(2/306)
.. مستوزر لم يؤل مِنْهَا إِلَى وزر ...
وَكم تَحَمَّلَ مِنْ أَعْبَاءِ أَوْزَارِ
تَأْتِي الأُمُوْرُ إِذَا أقبلن مشكلة ... لَكِن تَفَاسِيْرَهَا
تُغْرِي بِإِدْبَارِ ...
الْكتاب
555 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن أَحْمد
من المسهب من أَعْيَان كُتّاب بَلَنْسية رفيع الهمة غير مُنْخَرِق
الحُرْمة لَهُ أَخْلَاق تأْبى لَهُ من كل خدمَة ونظمه ونثره غير
مناهزين وَأورد لَهُ مَا فِي كتاب القلائد
وَمن الْكتاب الْمَذْكُور كَاتب مجيد وفاضل مجيد انخفض عَن ارْتِفَاع
ونفض يَده عَن الإنتفاع فَلم يلمح فِي سَمَاء وَلم يرد وُرُود مَاء
وَكَانَت لَهُ نفس أبيَّة وسجية سنية وَذكر أَنه كتب لَهُ أستكمل لله
لمثنى الوزارة سَعَادَة واستوصل لَهُ من سَموهَا عَادَة وأسأله المسرة
بدنوه معاده كَيفَ لَا أراقب مراقب النُّجُوم وأطالب مآفي الْعين
بالسجوم وَقد أنذر بالفراق مُنْذر وحذر من لحاق الْبَين محذر وياليت
ليلنا غير مَحْجُوب وشمسنا لَا تطلع يعد وجوب فَلَا تروع بانصداع وَلَا
تفجع ليلنا بوادع حَسبنَا الله كَذَا بنيت هَذِه الدَّار
(2/307)
وَرَأى سُبْحَانَهُ ان تصل شمسنا الأقدار
ولعلها تجود بعد لأي وتعود إِلَى أحسن رَأْي فتنظر نظرا جميلاً
وتَعْمُرَ رَبْعاً مُحيلاً إِن شَاءَ الله وَأنْشد لَهُ الحجاريّ فِي
مُنية الْمَنْصُور بن أبي عَامر ببلنسية ... قُمْ سَقِّني والرياضُ
لابسةٌ ... وَشْياً من النَّوْر حاكَهُ القَطْرُ
والشمسُ قد عَصْفَرَتْ غَلائلها ... وَالْأَرْض تَنْدَى ثيابُها
الخُضْرُ
فِي مجلِس كالسماءِ لاحَ بهِ ... من وَجه مَنْ قد هَوِيتهُ بَدْرُ
والنهرُ مثلُ المجرِّ حفَّ بِهِ ... من النواحي كَواكبٌ زُهْرُ ...
556 - أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن نوح
أمْلى عليَّ وَالِدي فِي شَأْنه كَاتب بليغ النثر غير قَاصِر فِي
النّظم كتب عَن أبي عبد الله بن أبي حَفْص بن عبد الْمُؤمن ملك بلنسية
ومدح منصورهم بأمداح كَثِيرَة قَالَ وَهُوَ مِمَّن صحبتُه وذاكرته
ومازجته وأنشدني لنَفسِهِ قَوْله ... خليلٌ لَا يَدُوم لَهُ خليلُ ...
يمِيل مَعَ الزَّمَان كَمَا يميلُ
سمينٌ جِسْمه والعِرْضُ مُضْنىً ... يُكَثِّرُ نَفسه وَهُوَ القليلُ
يَنَال صديقَه ويُنَال مِنْهُ ... وَإِن يُحتَجْ إِلَيْهِ فَلَا ينبل
...
وَقَوله ... أَلا لله بستانٌ غَدَوْنا 5 عَلَيْهِ وزَهْرُهُ مُلقَى
الإزارِ
وللبَسْبَاس أعلامٌ أرَتْنا ... قريبَ الهُلْبِ أَذْنَاب المهار ...
(2/308)
556 - م أَبُو عَمْرو بن سيدهم كَاتب أبي
عنوان بن أبي حَفْص ملك المرية
لَهُ الأبيات الَّتِي يُغَنَّى بهَا ... يَا دارُ فيكِ حبيبٌ لَا
أُسَمِّيهِ ... شُحّاً عَلَيْهِ وخوفاً من تَجَنِّيهِ
البدرُ طَلْعَتُهُ والغُصْنُ قامتُهُ ... وَالشَّمْس أحسِبُها كَانَت
تُرَبِّيه
طُوبَى لرَبَّتِهِ مَا كَانَ أسْعَدها ... ووالديه وَمَا أشقَى محبِّيه
قَالَ العواذلُ إِذْ أبصرْنَ طَلْعَتَهُ ... من ذَا الَّذِي جَلَّ عَن
وَصْفٍ وتَشْبيهِ
فَقلت والوجدُ يَطْويني ويَنْشُرُني ... هَذَا الغزالُ الَّذِي
لمُتنَّني فيهِ ...
557 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الأبّار
كَاتب زَيّان بن مَرْذَنيش ملك بَلَنْسِية وَقد كتب عَن سُلْطَان
أفريقية اجْتمعت بِهِ ورأيته فَاضلا فِي النّظم والنثر والتاريخ ومُلَح
الْآدَاب وممّا أَنْشدني من شعره قَوْله
(2/309)
.. حديقة ياسمينٍ لَا ... تَهيمُ بغَيْرهَا
الحَدَقُ
إِذا جَفْنُ الْغَمَام بَكَى ... تبسّم ثَغْرُها اليَقَقُ
كأطراف الْأَهِلّة سَالَ ... فِي أَثْنَائِهَا الشَّفَقُ ...
وَقَوله ... نظرتُ إِلَى الْبَدْر عِنْد الخسوفِ ... وَقد شِينَ
مَنْظَرُهُ الأزْيَنُ
كَمَا سَفَرت صفحةٌ للحبيبِ ... فحجَّبَها بُرْقُعٌ أدكَنُ ...
وَقَوله ... عجبتُ من الخُسُوف وَكَيف أوْدَى ... ببَدْرِ التِّمِّ
لمّاع الضِّيَاء
كمرآة جلاها الصَّقْلُ حَتَّى ... أنارتْ ثُمَّ رُدَّتْ فِي غِشاء ...
وَقَوله ... لَك الخيرُ أتحفني بخيرِيَّ روضةٍ ... لأنفاسه عِنْد
الهجوع هُبوبُ
أَلَيْسَ أديبَ النَّوْرِ يَجْعَل ليله ... نَهَارا فيذكو تَحْتَهُ
ويَطيبُ
ويطْوى مَعَ الإصباح منثورَ نَشْره ... كَمَا بَان عَن رَبْع المحبِّ
حبيبُ
أهيم بِهِ عَن نسبه ادبية ... وَلَا غرو أَن يهوى الأديب أديب ...
قَوْله ... لقد غَضِبَت حَتَّى على السِّمْطِ نَخْوةً ... فَلم تتقلَّد
غيرَ مَبْسِمِها سِمْطَا
وأنكرتِ الوخْطَ الملمَّ بلمَّتي ... وَمن عرف الْأَيَّام لم يُنْكر
الوَخْطَا ...
وَقَوله ... يَا حبذا بحديقة دُولابُ ... سكنتْ إِلَى حركاته
الْأَلْبَاب ...
(2/310)
.. غَنَّى وَلم يَطْرَبْ وسَقَّى وهْوَ
لَمْ ... يشربْ وَمِنْه العودُ والأكوابُ
لَو يدّعى لُطفَ الهواءِ أَو الهَوَى ... مَا كنتَ فِي تَصْدِيقه
ترتابُ
وَكَأَنَّهُ مِمَّا شَدا مُسْتَهْترٌ ... وكأنّه مِمَّا بَكَى أوّابُ
...
وَقَوله ... وَقَالُوا ألِفْتَ الكَرى نُطْفَةً ... وبتَّ على ظمأٍ
للكَرَى
فقلتُ الْهوى ضافني طاوياً ... إليّ المراحلَ يشكو السُّرَى
فبوّأته مُقْلَتي مَنْزِلاً ... وقدَّمتُ نومي إِلَيْهِ قِرَى ...
وَقَوله ... تَراءى لَهُ أفْقُ البُحَيْرَةِ والبحرِ ... فراح بِمَاء
القَلْب مُختَضِبَ النَّحْرِ
وَقد مَنَعَ التهويمَ أنِّيَ هائمٌ ... بعيش مَضَى بَين الرُّصافة
والجَسْرِ
وجنَّةِ دُنْيا لَا نَظِير لحُسْنها ... تفجَّرتِ الأنهارُ من تحتهَا
تَجْري ... إِذا الناسُ حَنَّوا للربيع وجَدْتنا ... بهَا فِي ربيعٍ
كلَّ حِين من الدَّهْر
تهبُّ نُعامَاها فَيَفْغَمُ أنْفَنَا 5 بأنفاسها الملذوذة البَرْدُ فِي
الحَرِّ
كأنّيَ من قلبِي المتيَّم قادحٌ ... عَفاراً لتذكاري لكُثْبانها
العُفْرِ
وأياميَ الزُّهر الْوُجُوه خِلالها ... وَلَا خُلَّةٌ غير الحديقة
والنَّهْر
فمِنْ بُكَراتٍ أدْبرتْ وأصائلٍ ... جنيتُ بهَا الإقبال فِي غُرَّة
الْعُمر
عشايا كساها التبر فضل شنوفه ... أَلا يالها فضل الشُّنُوف على
التِّبْرِ 8 ...
وَقَوله ... أبُسْتانَ الرُّصافة لَا ... هويتُ سواك بُسْتانا ...
(2/311)
.. تخال الدوح مجتمعا ... بِهِ شيبا وشبابا
وَقد لبستْ مَفَارقُهُ ... من الأنداءِ تيجانا
تجولُ بِهِ جداولُهُ ... وتَغْشى النهرَ إدْمانا
فتحسِبها إِذا انسابتْ ... أراقمَ زُرْنَ ثُعْبانا ...
وَقَوله ... من عاذري من بابلي طرفُهُ ... ولعمرُه مَا حَل يَوْمًا
بَابِلا
أعتدُّهُ خُوطاً لعيشِيَ نَاعِمًا ... فيعودُ خَطِّيَّاً لقتلي دابلا
...
وَقَوله ... أَيْن المَذانِبُ لَا تزَال تأَسُّفاً ... يَجْري
عَلَيْهَا من دموعي مِذْنَبُ
من كل بسّام الحَباب كأنَّهُ ... ثَغْرُ الحبيب وريقُهُ المُسْتَعْذَبُ
كالنَّصْل إِلَّا أنّه لَا يُتَّقى كالصِّلِّ إِلَّا أَنه لَا يُرهَبُ
...
وَمِنْهَا فِي الدولاب ... تقتادنا أقدامُنا وجِيادُنا ... لجنابه
وَهُوَ النَّضيرُ المُعْجِبُ
كَلَفاً بدولابٍ يدورُ كأنّهُ ... فَلَكٌ وَلَكِن مَا ارتقاهُ كوكبُ
نَصَبَتْهُ فَوق النَّهر أيْدٍ قَدَّرَتْ ... تَرْويحَهُ الأرواحَ
سَاعَة يُنْصَبُ
فكأنَّهُ وَهُوَ الطليقُ مقيَّدٌ ... وكأنَّهُ وَهُوَ الحبيسُ
مُسَيَّبُ
للْمَاء فِيهِ تَصَعُّدٌ وتحدُّرٌ ... كالمزن يَسْتَسْقِي الْبحار
ويسكب ...
(2/312)
الْعمَّال
558 - أَبُو الْحُسَيْن بن سَابق صَاحب إِعْمَال بلبسية
من المسهب من النجباء الَّذين أطلعهم الْأُفق البلنسي كَانَ فِي أول
حَاله مستجدياً بالشعر متجولاً فِي الْآفَاق مَا بَين ظَفَر وإخفاق
إِلَى أَن تَرقّى إِلَى ولَايَة السُّوق ببَلَنْسِيَة فظهرت مِنْهُ
دربة الشّغل وَبَان عَلَيْهِ اسْتِقْلَال فوليَ خُطَّةَ الْأَشْرَاف
ولحظَه السَّعد بطرْفه كُله فنال أمنيَّته وَهُوَ مَعْدُود فِي نُبَهاء
الْكتاب وَالشعرَاء وَمن شعره قَوْله وَقد جَاءَهُ غُلَام جميل
الصُّورَة من البُدَاة يشتكي بِأَن الْعمَّال كتبُوا عَلَيْهِ أعشاراً
لَا يحتملها وَأَن زَرْعه دون مَا قدّروا وَبكى وَأظْهر خضوعاً
فتحمّلها عَنهُ ... أتَى شاكياً أعباءَ أعْشاره الَّتِي ... تحمَّلها
عَنهُ المشوقُ الَّذِي بُلِي
فَقلت وَقد أبدى لديَّ خضوعَهُ ... وأسبَلَ دمعا كالجمان الْمفصل
وَمَا ذرفتْ عيناكِ إِلَّا لتقدحي ... بسهميك فِي أعشار قلب مُقَتَّل
فليتك قد أمسيتَ سِرّاً مُعانقي ... وبتُّ على خَمْرٍ كريقك سَلْسَل
أعاطيكها حَتَّى الصَّباح وبيننا ... حديثٌ كَمَاء الْورْد شِيبَ بمندل
...
(2/313)
559 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَائِشَة
صَاحب أَعمال بلنسية من الذَّخِيرَة أَي فَتى طَهَارَة أَثوَاب ورقّة
آدَاب وأكثرُ مَا عوَّل على الْحساب فَهُوَ الْيَوْم فِيهِ آيةٌ لَا
يُقاس عَلَيْهَا وغايةٌ لَا يُضاف إِلَيْهَا وَله من الْأَدَب حَظّ
وافر وَفِي أَهله اسْم طَائِر يَقُول من الشّعْر مَا يشْهد لَهُ بكرم
الطَّبْع وسعة الذَّرْع كَانَ يَوْمًا مَعَ أبي إِسْحَاق بن خفاجة
وَجَمَاعَة من الأدباء تَحت خوخةٍ منورة فهبّت ريح صَرْصَر أسقطت
عَلَيْهِم زَهْرها فَقَالَ ابْن عَائِشَة ... ودَوْحة قد عَلَتْ سَمَاء
... تطلُع أزهارُها نجوما
كَأَنَّمَا الجوُّ غارَ لمَّا ... بَدَتْ فأغْرى بهَا النسيما
هفا نسيمُ الصَّبَا عَلَيْهَا ... فخلتُها أرسَلَتْ رُجُوما ...
من المسهب مِمَّن أنشأنه بلنسية من الْأَعْلَام وأظهرته من السَّادة
الْكِرَام لكنه عَاشَ زَمَانا وَمَا عُلِمَ أَنه من الجماهير إِلَى أَن
نبّه السعد عَلَيْهِ أميرَ الملثّمين فأشرقت بِهِ تِلْكَ الدياجير
واستدعاه فقدمه على حُسْبانات جَمِيع الْمغرب وَوضع فِي يَدَيْهِ
مقاليد الْأَعْمَال وحكَّمه فِي الْأَمْوَال فعظُم
(2/314)
قدره ونَبُه ذكره وَله نظم أرقّ من دمعه
مهجور تدار عَلَيْهِ بِهِ صَافِيَة الْأُمُور وَمن السمط ذُو الْجَانِب
السهل والرحب والأهل والمنتهى فِي السِّيَادَة وَحسن الإراغة والإرادة
وَمن نثره
أَطَالَ الله يَا عيادذي الْأَعْلَى وعَتَادِيَ الْأَقْوَى بَقَاءَك
وَأحسن فِي هَذَا الملمِّ المبهَم عزاءك وسرّك وَلَا ساءك كتبته دَامَ
عزك وَإِن يَدي لاتكاد تطاوعني إشفاقاً وَنَفْسِي لَا تكَاد تملي عَليّ
ارتماضاً واحتراقاً لما ورد فأصْمى وأوجع وأصمَّ بِهِ الناعي وَإِن
كَانَ أسمع وَأنْشد لَهُ من قصيدة قَوْله ... كم لَهُ عِنْدِي من
مكرمَة ... أنفدت شكرى وأعيت منطقي ... ي ... أثقلت تِلْكَ المساعي
كاهلي ... طوقت تِلْكَ الأيادي عُنُقي ...
وَمِنْهَا ... لم تكن علياؤهُ فِيمَن مضى ... لَا وَلَا آلاؤه فِيمَن
بَقِي
وسليل الْمجد أغْنى نجلَهُ ... مُدرِكٌ غايَةَ ذَاك الطَّلَقِ ...
الْبيُوت
560 - أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن وَاجِب
من المسهب بَنو وَاجِب ذكرهم فِي كل مكرمَة وَاجِب حازوا بِحَضْرَة
بلنسية شهرة الذّكر وجلالة الْقدر من بَين صَاحب أَحْكَام وَعلم
أَعْلَام ووزير مدير وحسيب شهير وَأَبُو مُحَمَّد أديبهم الْكَامِل
وشاعرهم الْمجِيد الْفَاضِل وَقد وَفد على أَمِير الملثَّمين عَليّ بن
يُوسُف بن تاشفِين وأنشده قصيدة مِنْهَا ... بربعهمُ عرِّجْ فَذَلِك
مطلبي ... ودَعْ ذكر نَعمانٍ وسَلْعٍ وغُرَّبِ
نَأَوْا لانأى عني تذكُّرُ عَهْدهم ... وقلبيَ فِي غير الجَوَى لم يقلب
...
(2/315)
.. وأحسبهم يَرْعَونَ عهدي كَمثل مَا ...
رعيتُ وَلَا يُصْغُون نَحْو تجنُّب ...
وَمِنْهَا ... لقد نصر الرحمنُ أُمّةَ أحمدٍ ... بمُلْك عليٍّ بَين
شرقِ ومَغْربِ
هُوَ الْملك الْأَعْلَى الَّذِي امتدَّ ظِلُّهُ ... وفاض نداهُ
الغَمْرُ فِي كل مذهبِ
إِذا اطَّلعتْ سودُ الخطوبِ فإنّنا ... لنَلْمَحُ من أضوائه نورَ كوكبِ
...
وَمن جيد شعره قَوْله ... أَنا الَّذِي يَعْرفُهُ دَهْرُهُ ... مَا إِن
يَهُزُّ الخطبُ لي مَنْكِبَا
وَقد قَسَا قلبِي لِمَا أبصَرَتْ ... عَيْني وَلَا يُخْدَعُ من
جَرَّبَا
فَمَا أُبَالِي من أخٍ مِخلِص ... أمَشْرقاً يَمَّمَ أم مَغْربَا ...
وَذكره ابْن اليسع وَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ
الْعلمَاء
561 - أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن سَالم الكَلاعيّ
من أَئِمَّة المحدّثين وأعلام الْعلمَاء الْمَشْهُورين فِي عصرنا
أَنْشدني لَهُ كَاتب سُلْطَان إفريقية أَبُو عبد الله بن الْأَبَّار
وَهُوَ أحد من روى عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي مُشْط فضّة
(2/316)
.. تَهْوى مَحَلِّي النجومُ ... يَا بُعْد
مَا قد ترومُ
كم لِمَّةٍ لكعاب ... بهَا النفوسُ تَهيمُ
سَرَيْتُ فِيهَا شِهاباً ... حواهُ ليلٌ بَهيمُ
مَا صاغني من لُجَيْنٍ ... إِلَّا ظريفٌ حكيمُ
مَشْطُ الحسانِ بعَظْمٍ ... ظُلْمٌ لعمري عَظِيمُ ...
562 - أَبُو الْحسن عَليّ بن سعد الْخَيْر
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه كَانَ شهير الذّكر جليل الْقدر متصدرا لإقراء
الْعَرَبيَّة ببلنسية فِي مُدَّة مَنْصُور بني عبد الْمُؤمن وَقد ذكره
صَفْوَان فِي زَاد الْمُسَافِر وَأنْشد لَهُ قَوْله ... للهِ دولابٌ
يفِيض بسلسلٍ ... فِي دَوْحَة قد أيْنَعَتْ أفْنانا
قد طارحته بهَا الحمائم شجوها ... فتجيبه وَترجع الألحان
وكأنّه دنِفٌ أطاف بمَعْهَدٍ ... يبكي وَيسْأل فِيهِ عَمَّنْ بانا
ضاقتْ مجاري طَرْفِهِ عَن دمعه ... فتفتَّحت أضلاعه أجفانا ...
وَقَوله ... جَزى إلهُ العَرْشِ يومَ النَّوَى ... بشرِّ مَا يجْزِيه
يَوْم الحسابْ ...
(2/317)
.. كم وقفةٍ قلبيَ أضحى بهَا ... يخْفق فِي
الصَّدْر خفوق السَّرابْ
والعِيسُ قد ولَّتْ بأحبابنا ... تَمرُّ فِي الْبَيْدَاء مَرَّ السحابْ
...
563 - أَبُو الْحسن عَليّ بن حريق
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه اجْتمع بِهِ فِي سبتة فِي مُدَّة مستنضر بني
عبد الْمُؤمن وَقد قصد صَاحب أَعمالهَا ابْن عبد الصَّمد مادحاً للذائع
من كرمه فَرَأى خير من يُجتمَع بِهِ أدباً وشعراً وظرفاً وحُسْن زيّ
قَالَ وَشهِدت لَهُ بِحِفْظ الْآدَاب والتاريخ وَمِمَّا قيَّدته عَنهُ
من شعره قَوْله ... يَا وَيْحَ من بالمغرب الْأَقْصَى ثَوَى ... حِلْفَ
النَّوى وحَبِيبُه بالمشرقِ
لَوْلَا الحذارُ على الورى لملأت مَا ... بيني وَبَيْنك من زَفيرٍ
مُحْرِقِ
وسكبتُ دمعي ثمَّ قلت لسكْبهِ ... من لم يذب من زفرَة فليفرق
لَكِن خشيتُ عِقَاب ربّي إِن أَنا ... أغرقتُ أَو أحرقت من لم أخلُقِ
...
وَقَوله ... يَا صاحبيّ وَمَا الْبَخِيل بصاحبٍ ... هذي الديارُ
فَأَيْنَ تِلْكَ الأدْمُعُ
أتمرُّ بالعَرَصات لَا تبْكي بهَا ... وهيَ المعاهدُ منهمُ والأرْبُعُ
هَيْهَات لَا ريحُ اللواعج بعدهمْ ... رَهْوٌ وَلَا طَيْرُ الصَّبابةِ
وُقَّعُ
يَا سَعْدُ مَا هَذَا المُقامُ وَقد مَضَوا ... أَتُقِيمُ من بعد
الْقُلُوب الأضْلُعُ ...
(2/318)
.. جاروا على قلبِي بسِحْر جفونهم ... لَا
زَالَ يَشْعَبُه الأسى ويُصَدِّعُ
وأبى الهَوَى إِلَّا الحلولَ بلعلع ... وَيْح المطايا أبن مِنْهَا
لَعْلَعُ
لم يَدْرِ أَيْن ثَوَوْا فَلم يسْأَل بهمْ ... ريحًا تهبُّ وَلَا
بُرَيقاً يلمع
وَكَأَنَّهُم فِي كل مَدْرَجِ ناسمٍ ... فَعَلَيهِ مِنْهُم رقت
تتضَوَّعُ
فَإِذا منحتُهمُ السلامَ تبادرتْ ... تبليغه عني الرِّيَاح الرّبع ...
وَقَوله ... كلَّمْتُه فاحمرَّ من خَجَل ... حَتَّى اكتسى بالعَسْجَد
الوَرقُ
وَسَأَلته تقبيلَ راحتِه ... فَأبى وَقَالَ أَخَاف أحترقُ
حَتَّى زفيري عاقَ عَن أملي ... إِن الشقيَّ بريقه شَرِقُ ...
وَقَوله وَقد شرب عِنْده محبوبه عَشِيَّة وعزم على أَن ينْفَصل عَنهُ
لداره فَمَنعه من ذَلِك سيل فَبَاتَ عِنْده ... يَا لَيْلَة جادتِ
اللَّيَالِي ... بهَا على رغم أنْفِ دهري
للسَّيل فِيهَا عليّ نُعْمى ... يقصُر عَنْهَا لسانُ شكري
أباتَ فِي منزلي حَبِيبِي ... وَقَالَ فِي أَهله بعُذْر
فبتُّ لَا حالهُ كحالي ... ضجيعَ بدرٍ صريعَ سُكْرِ
يَا لَيْلَة القَدْر فِي اللَّيَالِي ... لأَنْت خيرٌ من ألْفِ شَهْرِ
...
وَقَوله ... لم تبْق عِنْدِي للصِّبا لذَّةٌ ... إِلَّا الأحاديثَ على
الخَمْرِ ...
(2/319)
وَقَوله ... وَمَا بقيتْ من اللَّذات
إِلَّا ... محادثةُ الرِّجَال على الشَّرَاب
ولثمتك وجْنَتَيْ قَمرٍ منيرٍ ... يجولُ بخدّهِ ماءُ الشَّبَاب ...
وَقَوله ... إنَّ مَاء كَانَ فِي وَجْنَتها ... شَرِبتْه السِّنُّ
حَتَّى نَشِفَا
وذَوَى العُنّابُ من أنْمُلها ... فأعادته اللَّيَالِي حشفا ...
وَقَوله فِي الشواني ... وكأنما سكن الأرقم جَوْفَها ... من عهد نوحٍ
مُدَّةَ الطوفانِ
فَإِذا رأَيْنَ الماءَ يَطفَحُ نَضْنَضَت ... من كل خُرتٍ حَيَّةٌ
بِلِسَان ...
وَقَوله ... بَلَنْسِيَةٌ قرارةُ كلِّ حُسْنٍ ... حديثٌ صحَّ فِي
شَرْقٍ وغَرْبِ
فَإِن قَالُوا محلٌ غلاءِ سعرٍ ... ومَسْقَطُ دِيمَتَيْ طَعْنٍ وضرْبِ
فَقل هيَ جَنَّةٌ حُفَّتْ رُباها ... بمكروهين من جوعٍ وحَرْبِ ...
قَالَ صَفْوَان اجْتمع مَرْجُ كُحْلٍ وابنُ حريق فِي مجْلِس أحد
الوزراء فابتدأ مرج كحل ينشد قصيدة فِي الْفَخر أَولهَا ... هَكَذَا كل
جزيريّ النَّسَبْ فَقَالَ ابْن حريق يَا بَس الرَّاحَة مبلول الذَّنب
(2/320)
564 - الْحَكِيم الفيلسوف أَبُو جَعْفَر
أَحْمد بن عَتيق ابْن جُرْج الْمَعْرُوف بِابْن الذَّهَبِيّ
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه كَانَ من أَعْيَان بلنسية وَإِنَّمَا عرف
بالذهبيّ لِأَن جده كَانَ مُولَعا بالكَتْب بِالذَّهَب والتصوير بِهِ
وَاجْتمعت بِهِ فِي مراكش فَرَأَيْت بحراً زاخراً وروضاً ناضراً قَالَ
وَكَانَ مشاركاً فِي الآدب وعلوم الشَّرِيعَة وَلَكِن الْغَالِب
عَلَيْهِ علم الفلسفة وَكَانَ أَيْضا طَبِيبا ماهراً وَكَانَ من
أَصْحَاب ابْن رَاشد فَلَمَّا سَخِط الْمَنْصُور على ابْن رشد طلب
أَصْحَابه فاختفى ابْن الذهبيّ إِلَى أَن عَفا عَنهُ ثمَّ مَا زَالَ
يترقّى إِلَى أَن قدّمه على الطّلبَة فجلَّ قدره واشتهر ذكره وَكَفاك
عُنواناً على علو طبقته فِي النّظم قولُه ... أَيهَا الْفَاضِل الَّذِي
قد هَدَانِي ... نَحْو من قد حَمِدْتُه باختياري
شَكَرَ اللهُ مَا أتيت وجازاك ... وَلَا زلتَ أيَّ نجمٍ لسَار
أيّ برقٍ أَفَادَ أيَّ غمامٍ ... وصباحٍ أدّى لضوء نَهَار
وَإِذا مَا غَدا النسيم دليلي ... لم يُحِلُني إِلَّا على الأزهار ...
(2/321)
وَقَوله فِي وَزِير مراكش أبي سعيد بن
جَامع وَقد عَاده ... أَنْت عَيْنُ الزَّمَان لَا تنكر السقم ... فَمَا
ذَاك مُنْكَرٌ فِي العيونِ ...
565 - عبد الْوَدُود البلنسيّ الطَّبِيب
من الخريدة رَحل إِلَى الْعرَاق وخُرَاسان وعُرف عِنْد السلاطين
وَكَانَ فِي عصر السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشاه وَمن شعره قَوْله
فِيمَا يكْتب بِالذَّهَب على بَيْضَة نَعامة ... قبيحٌ لمثلي أَن
يُحَلَّى بعَسْجَد ... وألْبَسَ أثواباً ومَلْبَسيَ الدُّرُّ
وَلَو كنتُ فِي بَحْرٍ لعزَّتْ مطالبي ... ولكنّ عَيْبي أَن مَسْكَنِيَ
البرُّ ...
الشُّعَرَاء
566 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن الدَّوْدين
من الذَّخِيرَة هُوَ أحد من لَقيته وأملى عليَّ نظمه ونثره بأشْبونة
سنة سبع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَمِمَّا أَنْشدني من شعره قَوْله ...
علَّمني فِي الْهوى عليٌّ ... كَيفَ التَّصابي على وَقاري
أطلعَ لي من دُجاهُ بَدْراً ... لم يدرِ مَا ليلةُ السِّرَار
فحاد بِي عَن طَرِيق نُسْكي ... وظَلْتُ مُسْتأهلاً لنار ...
(2/322)
وَقَوله ... خطّ العذار بصفحتيه كتابا ...
مشفت بِهِ أيد المشيب جَوابا
فغدَتْ غواني الحيِّ عَنْك غوانياً ... وأسلن ألحاظ الربَاب ربابا
فلأ بكين على الشَّبَاب وطيبه ... ولأجعلنّ دَمَ الْفُؤَاد خِضابا ...
567 - أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عَطِيَّة الْمَشْهُور
بِابْن الزَّقَّاق
من سمط الجمان المطبوع بالأ صفاق ذُو الأنفاس السحرية الرقَاق
الْمُتَصَرف بَين مطبوع الْحجاز ومصنوع الْعرَاق الَّذِي حكى بأشعاره
زهر الرياض وأخْجَل بإشاراته عَثَرات الجفون المِراض وراض طبعه على شأو
الرِّضا وطَلْقِ السُّرى الموطّأ فانقاد لَهُ وارتاض
وَمن المسهب من فتيَان عصرنا الَّذين اشْتهر ذكرهم وطار شعرهم وَهُوَ
جدير بذلك فلشعره تعشُّق بالقلوب وتعلُّقٌ بِالسَّمْعِ وأعانه على
ذَلِك مَعَ الطَّبْع الْقَابِل كَونه استمدَّ من خَاله أبي إِسْحَاق بن
خفاجة ونَزَع منزَعه وَأَنت إِذا سَمِعت قَوْله
(2/323)
.. وأغيَدٍ طافَ بالكئوس ضُحىً ...
وَحَثَّها والصباحُ قد وضَحَا
والرَّوْضُ أهْدى لنا شقائقَه ... وآسُهُ العنبريّ قد نَفحا
قُلْنَا وأيْن الأقاحُ قَالَ لنا ... أودعته ثغر من سقا القَدَحا
فظلَّ ساقي المُدامِ يَجْحَدُ مَا ... قَالَ فَلَمَّا تبسَّم افتضحا
...
وَقَوله ... ورياض من الشقائق أضحى ... يَتهادَى بهَا نسيمُ الرياحِ
زُرْتُها والغمامُ يجلد مِنْهَا ... زَهَراتٍ تروق لون الرَّاحِ
قلت مَا ذنبها فَقَالَ مجيباً ... سَرَقَتْ حُمْرةَ الخدود الملاحِ ...
لم تحتج مَعَه إِلَى شَاهد غَيره على حسن تهدّيه واحتياله على أَن
يُظهر الْخلق فِي حلية الْجَدِيد فَللَّه دره الْغَرَض من ديوانه
قَوْله من القصيدة ... والطيف يخفى فِي الظلام كمى اختفى ... فِي
وَجْنَةِ الزّنجيِّ مِنه حياءُ
طلعتْ بِحَيْثُ الباتراتُ بوارقٌ ... والزُّرْقُ شُهْبٌ والقتام سماءُ
...
وَمِنْهَا ... هذي القصائدُ قد أتتْكَ برودُها ... مَوْشيَّةً وقريحتي
صنعاء
ومديح مثلك مَا دحى ولرُبّما ... مُدِحَتْ بِمن تتمدّح الشعراءُ ...
وَقَوله ... أفديكِ من نبعية الزَّوْرَاء ... مشغوفةٍ بمقاتل الأعداءِ
...
(2/324)
.. ألِفَتْ حَمام الأيك وَهْيَ نضيرةٌ ...
وَالْيَوْم تألُفُها بِكَسْر الْحَاء ...
وَقَوله ... يَا شمس خدر مَالهَا مغربُ ... أرامةٌ دارُك أم غُرَّبُ
ذهَبْتِ فاستعبر طرْفي دَمًا ... مُفَضَّضُ الدمع بِهِ مَذْهَبُ
اللهَ فِي مُهْجَةِ ذِي لوعةِ ... تَيَّمَهُ يَوْم النَّقَا الرَّبْرَب
شام بروقاً لِلِّوَى فامْتَرى ... أضوْءه أم ثغرك الأشنب
سُرُورُهُ بعدكمُ ترْحَةٌ ... وصُبْحه بعدكمُ غَيْهَبُ
ناشدتك الله نسيمَ الصَّبَا ... أَيْن استقلَّتْ بَعدنَا زينبُ
لم تَسْرِ إلاّ بشَذَا عَرفها ... أولاَ فَمَاذَا النَّفَسُ الطَّيِّبُ
وَيَا سحابَ المُزْن مَا بالُنا ... يشوقنا ذيلُكَ إِذْ تَسْحَبُ
هاتِ حَدِيثا عَن مغاني اللِّوى ... فعهدُك الْيَوْم بهَا أقربُ
إيهِ وَإِن عذَّبني ذكرُها ... فَمن عَذَاب النَّفس مَا يَعْذُبُ
هَل لعبتْ بالعرَصات الصَّبا ... فعجَّ مِنْهَا للصبا ملعبُ
أم ضرَّها سُقْياك إِذْ جُدْتَها ... كم غَص ظمآنٌ بِمَا يَشْرَبُ
يَا من شكا من زمنٍ قسْوةً ... أَيْن السُّرى والعِيسُ والسَّبْسَبُ
أفلحَ من خَاضَ بحارَ الدُّجى ... وصهوةُ العزِّ لَهُ مَرْكَبُ
أليسَ فِي الْبَيْدَاء مَنْدُوحةٌ ... إِن ضَاقَ يَوْمًا بالفتى
مَذْهَبُ
لأَخْبِطُ الليلَ وَلَو أنّه ... ذُو لِبَدٍ أَو حَيَّةٌ تلْسَبُ ...
(2/325)
.. تحمل كورى فِيهِ عَيْرَانةٌ ... إِلَى
سوى مَهْرَةَ لَا تُنْسَبُ
وَإِنَّمَا يعرف سُبْلَ العُلى ... يسلكها الأنْجبُ فالأنْجبُ
إِن كَانَ للفضل أبٌ إنّه ... نجلُ بني عبد الْعَزِيز الأبُ
المُنْتَضَى من حُجُراتِ الأُلى ... على السَّماكين لَهُمْ مَنْصِبُ
...
وَمِنْهَا فِي السَّيْف ... يُبْتَزُّ عَن صفحته غِمدُهُ ... كَمَا
انْجلى عَن مَائه الطُّحْلُبُ ...
وَفِي الْفرس ... يَخْترقُ النَّقْعَ على أشقَر ... ينقضُّ مِنْهُ فِي
الوَغى كوكبُ
تطيرُ فِي الحُضْر بِهِ أرْبَعٌ ... يُطْوَى لَهَا المَشرِقُ والمغربُ
لَهُ تَليلٌ مثلُ مَا يَنْثَني ... غُصْنٌ بِهِ ريحُ الصَّبا تلعبُ
يُجيلُ فِي صَهْوته ضَيْغَماً ... لَيْسَ سوى السَّيْف لَهُ مِخْلَبُ
...
وَقَوله ... قُمْ سَقِّني ذَهَبيّةً ... إِن الْأَصِيل مَذْهَب
وليسبقن زهر الْكَوَاكِب ... للزجاجة كَوْكَب
أَو ترى ذيل السَّحَاب ... على الحدائق يسحب
والقضب ترقص والغدير ... مَعَ الحمائم يصخب
وَإِذا ترنم أوراق ... فِيهِ تدفَّق مِذْنبُ
والطَّلُّ دمعٌ سائلٌ ... أَو در سِلْكِ يُنْهَبُ ...
(2/326)
.. والبَرْقُ صَفْحةُ صارمٍ ... أَو مارجٌ
يتلهَّبُ
ومُهَفْهَفٍ يصبو إِلَيْهِ ... الشادن المترقب
طابت حمياه ورياه ... أنمُّ وأطْيَبُ
شَربَ المدامَ وعَلَّني ... من ثَغْره مَا يشرب
حَتَّى إِذا انبرت الشُّمُول ... بمعطفيه تَلَعَّبُ
عانَقْتُ مِنْهُ الصُّبْح حَتَّى ... لَاحَ صبح أَشهب
فغدا اصطباحي من ثناياه ... الرُّضابُ الأشْنَبُ ...
وَقَوله من مَرْثية ... تَضَمَّن مِنْهُ القبْرُ حَلْيَ مكارمٍ ...
فخُيِّلَ لي أَن التُّرابَ تُرَاب
لَئِن صَفِرَت مِنْهُ يَدُ الْمجد والعُلَى ... فقد مُلِئَتْ من راحتيه
الحقائبُ
وَوَاللَّه مَا طَرْفي عَلَيْك بجامدٍ ... وَهل تجمُد العينان وَالْقلب
ذائبُ
وَلَا لغليل البَرْحِ بعْدك ناضِحٌ ... وَلَو نشأتْ بَين الضلوع سحائبُ
...
وَمِنْهَا ... هُوَ القدَرُ المحتوم إِن جَاءَ مُقْدِماً ... فَلَا
الغابُ محروسٌ وَلَا الليثُ واثِبُ
وَمَا الناسُ إلاّ خائضُو غَمْرَةِ الرَّدَى ... فطافٍ على ظهر
التُّرَاب وراسبُ ...
وَقَوله ... أعدَّ الهجرَ هاجرةً لقلبي ... وصَيَّرَ وَعْدَهُ فِيهَا
سرابا ...
وَقَوله ... أَقبلت تحكي لنا مَشْيَ الحُبَابْ ... ظبيةٌ تفترُّ عَن
مثل الحَبَابْ ...
(2/327)
.. كلما مَال بهَا سُكْرُ الصِّبا ... مَال
بِي سكر هواما والتَّصَاب
أُشْعِرَتْ من عَبَراتي خجلاً ... إِذْ تجلَّت فتغطَّتْ بنقابْ
مثل شمس الدَّجْنِ مهما هَطَلَتْ ... عَبْرَةُ المُزْن توارتْ بحجابْ
...
وَقَوله ... وحَبَّبَ يَوْمَ السَّبْتِ عنديَ أنّهُ ... ينادمني فِيهِ
الَّذِي أَنا أحْبَبْتُ
وَمن أعجب الْأَشْيَاء أنِّيَ مُسْلِمٌ ... حنيفٌ ولكنْ خيرُ أيّامي
السبْتُ ...
وَقَوله ... يَحنِيه طولُ ضِرابهِ هامَ العِدَا ... حَتَّى يُرى بيديهِ
مِنْهُ صَوْلَجُ
من كلِّ وقَّادِ السِّنان كأنّما ... فِي كل ذابلةٍ ذُبَالٌ يُسْرَجُ
...
وَقَوله ... ألمّتْ فباتَ الليلُ من قِصَرٍ بهَا ... يطيرُ وَلَا غيرُ
السرُور جناحُ
وبتُّ وَقد زارتْ بأنعم حالةٍ ... يعانقني حَتَّى الصَّباح صباحُ
على عَاتِقي من ساعِدَيْها حمائلٌ ... وَفِي حَصْرها من ساعديّ وشاح
...
وَقَوله ... سَرَتْ إِذْ نامتِ الرُّقباءُ حَولي ... ومسكُ اللَّيْل
تُهديه الرياحُ
وَقد غنّى الحُلِيُّ على طُلاها ... بوَسْواسٍ فجاوبه الوشاحُ
تُحاذِرُ من عَمُود الصُّبْح نورا ... مَخَافَة أَن يُلِمَّ بِنَا
افتضاحُ ...
(2/328)
.. وَلم أرَ قبلهَا والليلُ داجٍ ...
صباحاً باتَ يَذْعَرُهُ صباحُ ...
وَقَوله ... ورُبّ مائِسَة الأعطافِ مُخْطَفَةٍ ... إِذا دنا نَزْعُهَا
فالعيشُ مُنْتَزَحُ
ظَلَّتْ ترِقّ وظلَّ النَّزْعُ يَعطِفها ... كَمَا ترنَّم نشوانٌ بهِ
مَرحُ
وَقد تألّق نَصْلُ السهْم مندفعاً ... عَنْهَا فقُلْ كوكبٌ يُرْمى بِهِ
قُزَح ...
وَقَوله ... شَبُّوا ذُبالَ الزُّرق فِي يَوْم الوغَى ... فأنارَ كلّ
مذَرّبٍ مصباحا
سُرُجٌ ترى الْأَرْوَاح تُطْفِي غَيرهَا ... عَبَثاً وهذي تطفئُ
الأرواحا ...
وَقَوله ... نُثِرَ الوردُ بالحليج وَقد دَرَجه ... بالهبوب مَرُّ
الرِّيَاح
مثل دِرْعِ الكَميِّ مَزَّقها الطعْن ... فسالت بهَا دِمَاء الْجراح
...
وَقَوله ... وَكَأن الْبَرْق فِي أرجائها ... أرْسلت نقطا بِهِ قَوس
قزَح ...
وَقَوله ... وليلٍ طَرَقْتُ الخِدْرَ فِيهِ وللدُّجى ... عُبابٌ ترَاهُ
بالكواكب مزبدا ...
وَقَوله ... ذَرْنِي ونجدا لَا حملتُ نِجَادي ... إِن لم أخُطَّ
صَعيدَها بصِعَادي
وأخْضَخِضَنَّ حَشَا الظلام إِلَى الدُّمَى ... وأصافحنَّ سوالفَ
الأجياد
وَلَقَد مررتُ على الْكَثِيب فأرْزَمَتْ ... إبلي ورجَّعتِ الصهيلَ
جيادي ...
(2/329)
.. مَا بَين ساحاتٍ لَهُم ومعاهد ...
سُقِيَتْ من العَبَرات صَوْبَ عِهاد
ضَرَبُوا ببَطْن الواديينِ قبَابَهُمْ ... بَين الصوارمِ والقَنَا
المُنْآد
والوُرْقُ تَهتِف حَولهمْ طرَباً بهمْ ... فِي كل مَحْنِيَةِ ترنَّمَ
حادي
يَا بانةَ الْوَادي كفى حَزَناً بِنَا ... أَلا نُطارح غيرَ بانَةِ
وَاد
أَيْن الظباءُ المُشرئبَّةُ بالضحى ... فِي مُنْحَنَاكِ وأينَ عَهْدُ
سعادِ
وردوا وَمن بيضِ المناهل أدْمُعي ... ونأَوْا وَبَعض الظاعنين فُؤَادِي
فسَقَتْهُمُ حَيْثُ الْتَقت برِحالهم ... هُوُج الركاب روائحٌ وغوادي
ينهلُّ وابِلُها كَمَا تنهلُّ منْ ... يُمْنَى أبي الْفضل الْكَرِيم
أيادي
الأرْيحيِّ إِلَى السماحة مثل مَنْ ... يرتاح للْمَاء المُرَوَّقِ صادي
والمُعْتلي فَوق السِّماك أرُومةً ... والمُزْدَرِي فِي الحِلْم
بالأطْوادِ
قاضٍ لَدُنْ يممَّتُ عدلَ قضائِهِ ... لم أُعْطِ جَوْر الحادثات قِيادي
متواضِعٌ لله يُرْفَعُ قدرُهُ ... عَن أَن يُقاسَ بِسَائِر الأمجاد
مَا قلد الْأَحْكَام دون تَقِيّ وَهل ... يتقلد الصمصمام دون نجادِ
طَلْق المحيَّا وَالْيَدَيْنِ إِذا احْتَبى ... وَإِذا حَبا رَحْبُ
النَّدَى والنَّادِ
لَو أُلْبِسَ الليلُ البهيمُ خِلالَهُ ... لم تشْتَمل أرجاؤُه بحِدادِ
طابَ الثناءُ تضوُّعاً مِنْهُ على ... حُلْوِ الشَّمَائِل طيِّب
الميلاد ...
وَمِنْهَا ... يَا غُرَّة الزَّمَن البَهيم وعصمة ... الرجل الطريد
ونجْعَةَ المرتادِ ...
(2/330)
.. خُذ من ثنائي مَا يكَاد نظامُه ...
يُنْسِي فصاحة يَعْرُبٍ وإيادِ ...
وَمِنْهَا ... وَبَنُو الزَّمَان وَإِن بدا مَلَقٌ لَهُم ... أضغانُهم
كالجمر تَحت رَمادِ
لَا غَرْوَ أنَّك قد نبتَّ خلالهم ... قد ينبتُ النُّوَّارُ بَين
قَتَاد
عجبا لمن قد رام سبقكَ منهمُ ... أنَّى تروم العِيسُ سَبْقَ جوادِ
جَلَّ اعتلاؤك أَن تساجلَه عُلاً ... من ذَا يضاهى لُجَّةً بِثِمادِ
لَا زلتَ ترفلُ فِي سوابغ أنعم ... فضفاضة الأذيال والأبْراد
وبقيتَ زَيْناً للبلاد ورفعةً ... إِن الصوارم زينةُ الأغماد ...
وَقَوله ... وتنفَّستْ وَقد استَحَرّ تنهُّدي ... فوشَى بِذَاكَ
النَّدِّ هَذَا المَجْمَرُ ...
وَقَوله ... علوتَ كلَّ عظيمِ الشَّأْن مَرتبةً ... إِن الخلاخيل
تعلوها التقاصيرُ ...
وَقَوله ... ومُرِنَّةٍ قدحتْ زِنادَ صَبَابتي ... والبرقُ يقدحُ فِي
الظلام شرارُهُ
ورقاءُ تأرَقُ مقلتي لبكائها ... لَيْلًا إِذا مَا هَوَّمَتْ
سُمَّارُهُ
إيهِ بعيشكِ يَا حمامةُ خَبِّري ... كَيفَ الكَثيبُ ورنده وعراره
أترنحت بتنفسي أثلاثه {أم أينعتْ بمدامعي أزهارُهُ
أما الفوارسُ فاستداروا حوله ... حَيْثُ استقلَّ كَمَا اسْتَدَارَ
سوارُهُ ...
(2/331)
.. ونَضوا شِفارَهُم الصقيلةَ دونه ...
حَتَّى حَسبنَا أنَّها أشفارُهُ
فِي وَجَنتَيْه من المهنَّد مَا اكتسى ... يَوْم الوَغى وبمقلتيه
غِرارُهُ ...
وَقَوله ... وزائرة زارت مَعَ اللَّيْل مَضْجَعي ... فعانقْتُ غُصْنَ
البان مِنْهَا إِلَى الْفجْر
أسائلُها أَيْن الوشاح وَقد أَتَت ... مُعَطَّلةً مِنْهُ مُعَطَّرَةَ
النَّشْرِ
فقالتْ وأوْمَتْ للسِّوار نقلتُه ... إِلَى مِعْصَمِي لما تَقَلْقَل
فِي خَصْري ...
وَقَوله ... رَقَّ النسيمُ وراق الرَّوضُ بالزَّهَر ... فَنَبِّهِ
الكأسَ والإبريق بالوَتَرِ
مَا العيشُ إِلَّا اصطباحُ الراح أَو شَنَب ... يُغْنى عَن الراح من
سَلْسال ذِي أُشُرِ
قل للكواكب غُضِّي للكَرَى مُقَلاً ... فأعيُنُ الزَّهر أولى مِنْك
بالسَّهَرِ
وللصباح أَلا فانشُرْ رداءَ سَناً ... هَذَا الدُّجى قد طوتْه راحةُ
السَّحَر
وَقَامَ بالقهوة الصَّهْبَاء ذُو هَيَفٍ ... يكَاد معْطَفُهُ يَنْقَدُّ
بالنَّظَرِ
يطفو عَلَيْهَا إِذا ماشجها دُررٌ ... من عِقدِه اختُلسَت أَو ثَغْرِه
الخَصِر
فالكأسُ فِي كفِّه بِالرَّاحِ مُتْرَعةٌ ... كهالةِ أحدَقَتْ فِي
الأُفْق بالقمر ...
وَقَوله ... وَمَا شقَّ وجنته عابثٌ ... وَلكنهَا آيةٌ للبشَرْ
جلاها لنا الله كَيْمَا نرى ... بهَا كَيفَ كَانَ انشقاقُ القَمَرْ ...
(2/332)
وَقَوله ... كتبتُ وَلَو أنني أستطيعُ ...
لإجلال قَدْرِكَ دون البشرْ
قَددْتُ اليراعة من أنْمُلِي ... وَكَانَ المداد سَواد الْبَصَر
ومُقلةِ شادنٍ أودتْ بنفسي ... كأنَّ السُّقْمَ لي وَلها لِبَاس
يسل اللحظ مِنْهَا مشرف يَا ... لقتلي ثمَّ يُغْمِدُهُ النُّعاسُ ...
وَقَوله ... مَطْلُولُ أمْلُودِ الصِّبا مَيَّاسُهُ ... خُلِعَ الشبابُ
عَلَيْهِ فَهْوَ لباسُهُ
بدرٌ وأكنافُ الحَشَا آفاقُهُ ... ظَبْيٌ وأحْناءُ الضلوع كناسه
لم ندر إِذْ جائت بنكهته الصِّبَا ... أتضوع الكافور أم أنفاسه
وَقد عَيينا إِذْ توالى سَكْرُهُ ... ألحاظُه مالتْ بِنَا أم كاسه
لِلْحسنِ مرموقا على وجناتِهِ ... سَطرٌ وصفحة خَدِّه قِرطاسُهُ
إِن خالفتْ تِلْكَ المحاسنُ فعلُه ... فالسيفُ يُطبَعُ من سواهُ
رئاسُهُ ...
وَقَوله ... يَا ضياءَ الصُّبْح تَحت الغَبَش ... أطرازٌ فَوق خَدَّيك
وُشِي
أم رياضٌ دبَّجَتْها مُزْنَةٌ ... وبدا الصُّدْغُ بهَا كالحَنَشِ
لست أَدْرِي أسهامُ اللَّحْظِ مَا ... أتَّقي أم لَدْغُ ذَاك الأرْقَشِ
ربّ ليلٍ بتُّه ذَا أرَقِ ... لَيْسَ إِلَّا من قتاد فُرُشي
سابحاً فِي لجتة الدمع ول ... كنني أَشْكُو عليل الْعَطش ...
(2/333)
.. وبُروقُ اللَّيْل فِي أسْدافهِ ...
كسيوف بأكفِّ الحَبشِ
وسُهَيْلٌ خافقٌ فِي أُفْقِهِ ... كضرامِ بيديْ مُرْتَعِش
وسماءُ الله تَبْدى قمراً ... واضحَ الغُرَّة كَابْن القُرَشِي ...
وَقَوله ... بِأبي وغيرِ أبي أغَنُّ مُهَفْهَفٌ ... مجدولُ مَا تَحت
الوِشاح خميصُهُ
لبِسَ الفؤادَ ومزَّقَتْهُ جفونُه ... فَأتى كيوسفَ حِين قُدَّ قميصُه
...
وَقَوله ... أدِيرَاها على الرَّوْض المندَّى ... وحكْمُ الصُّبْح فِي
الظَّلماء ماضي
وكأسُ الراح تنظر عَن حَبابٍ ... ينوبُ لنا عَن الحَدَق المِراضِ
وَمَا غرَبتْ نجومُ الأُفْق لَكِن ... نُقِلْنَ من السَّمَاء إِلَى
الرياضِ ...
وَقَوله ... وعشيَّةٍ لبستْ رداءَ شقيقٍ ... تَزْهُو بلونٍ للخدود
أنيقِ
أبْقَتْ بهَا الشمسُ المنيرةُ مثل مَا ... أبقى الحياءْ بوَجْنَةِ
المعشوقِ
لَو أَسْتَطِيع شربتها كلفا بهَا ... وَعدلت فِيهَا عَن كئوس رحيقِ
تَسري بكلّ فَتى كأنَّ رداءَه ... خَضِلاً بأدمُعهِ رداءُ غريق ...
وَقَوله ... تَبْدو هلالاً ويبدو حَلْيُها شُهُباً ... فَمَا نُفَرِّق
بَين الأَرْض والأفق ...
(2/334)
.. غازلتها والدجى الْغَرِيب قد خُلِعت ...
مِنْهُ على وجْنتَيْها حُمرةُ الشَّفقِ
حَتَّى تقلص ظلُّ اللَّيْل وانفجرت ... للفجر فِيهِ ينابيعٌ من
الفَلَقِ ...
وَقَوله ... إِذا أردْتُ كئوسَ الراحِ مُتْرَعَةً ... أومتْ إليَّ يدُ
الإصباحِ بالشفقِ ...
وَقَوله ... أطْلَعَتْ خَجْلتُه فِي خَدِّه ... شفقاً فِي فَلَقٍ تَحت
غَسَقْ ...
وَقَوله ... غفرتُ للأيام ذَنْب الفراقْ ... أنْ فُزْتُ فِي توديعهم
بالعِناقْ
مَا أنْسَ لَا أنْس لَهُم وَقْفَة ... كالشَّهد والعلقم عِنْد المذاقْ
كم لَيْلَة لي بعقيق الحِمى ... قَصرْتُها باللَّثْم والاعتناقْ
مَا ادرع الليلُ بظلمائهِ ... حَتَّى كَسَاه الصبحُ مِنْهُ رواقْ
فانحَفَزَتْ أنجمُه يَشتكي ... للْبَعْض مِنْهَا البَعْضُ وَشْكَ
الفراقْ
وانتبهَ الصبحُ بُعَيْدَ الكرَى ... كَذِي هَوىً من غَشْيَةِ قدْ أفاقْ
فِي روضةٍ عَلَّمَ أغصانُها ... أهْلَ الْهوى العُذْريّ كَيفَ العِناقْ
هَبَّتْ بهَا ريحُ الصَّبا سُحْرَةً ... فالتفَّتِ الأغصان ساقاً بساق
...
وَقَوله ... سمحتُ بقلبي والهوى يُورث الْفَتى ... طباع الجوادالمحض
وهْوَ بخيلُ
وَلم تَخْلُ من حُسنِ الْقبُول مطامعي ... وظَنِّيَ بِالْوَجْهِ
الْجَمِيل جميلُ
إِذا قَبِلَ المعشوقُ تُحفَةَ عاشِقٍ ... فيوشك أَن يُرْجَى إِلَيْهِ
وُصُول ...
(2/335)
وَقَوله ... خليليَّ انْظُرا منّي عَليلاً
... يُعَلِّلُ نفْسَهُ نفَسٌ عليلُ
أما غيرُ الجِمال لنا لقاءٌ ... وَمَا غير النسيم لنا رَسُول ...
وَقَوله ... تِبْريةُ اللَّوْنِ مثلُ الْغُصْن قد لبَستْ ... ثوْب
الرَّدى معرضًا فِي موقف الجدل
تَشْدُو وَقد مسحتْ عَنْهَا مدامعَها
(أَنا الغريقُ فَمَا خوفي من البَلَل)
وَمن مَرْثِيَة ... أعْززْ عليَّ بضيغَمٍ ذِي سطوةٍ ... أجَمَاتُهُ بعد
الرِّماح رِجامُ
أعززْ عليّ بزهرةٍ مطلولةٍ ... أمستْ وَلَا غيرُ الضريح كِمَامُ
مَا كَانَ إِلَّا التِّبْرَ أخْلص سكبه ... فاسترجَعَتْه تُرْبَةٌ
ورَغامُ
إِن راحَ مهجورَ الفِناء فطالما ... هجَرَتْ بِهِ أرواحَها الأجسامُ
كَثُرَ العويلُ عَلَيْهِ يَوْم حِمامِه ... حَتَّى كأنَّ العالمينَ
حَمامُ
يَا حاملين النَّعشَ أَيْن جيادُه ... يَا مُلْبِسيه التُّربَ أَيْن
اللَّام
ضَجَّتْ لمصرعك النوادبُ ضجّةً ... سدّتْ مسامَعها لَهَا الْأَيَّام
...
وَقَوله ... وَلَقَد طَرَقتُ الحيّ فِي غَسَق الدُّجى ... والليلُ فِي
شِيَةِ الجوادِ الأدْهمِ
مُتَنَكِّباً زوراءَ مثل هلاله ... نَصّلْتُ أسهُمَها بِمثل الأنْجُمِ
يَنسابُ بِي بَين الصوارم مثلَ مَا ... أبصرْتَ فِي الغُدرِ انسيابَ
الأرْقَم ...
وَقَوله ... نادمته فقرعت السن من نَدم ... فِي جُنْح ليلٍ كحالى حالكِ
الظِّلَمِ ...
(2/336)
.. غَنَّى يُرَدِّدُ واشوْقي لظَعْنِهِمُ
... فردَّد السَّمْعَ واشوقي إِلَى الصَّمَمِ ...
وَقَوله ... وفتيان مصاليتٍ كرامٍ ... صحبتهمُ على خَوْضِ الظَّلامِ
وَقد خَفق النَّعاسُ بهم فمالوا ... بِهِ مَيْلَ النزيف من المُدامِ
وكلٌّ تَحْتَهُ هَوجاءُ تَمْطُو ... سوالفُها بإرْخاءِ الزِّمامِ
سريتُ بهم وللظلماء سَجْفٌ ... يُمزِّقه ببارقِهِ حُسامي
أجُرُّ ذوابلي من أَرض نَجْد ... خلالَ مَجَرِّ أذْيال الغَمامِ
على مَيْثاءَ رفّ بهَا الخُزامى ... فأضْحى الزهْرُ مفضوضَ الختامِ
تَلُفُّ غصونَها ريحٌ بليلٌ ... فَيَعْتَنِقُ الْأَرَاك مَعَ البَشَامِ
أَلا يَا صاحبيَّ استَرْوحاها ... شآمِيَّةً فَمَنْ أهْوى شآمِ
عَسى نَفَسُ النَّعامى بعد وَهْنٍ ... يُبَشِّرُ من سُلَيْمى
بالسَّلامِ ...
وَقَوله ... وليل قطعتُ دياجيرهَ ... بعذراءَ حمراءَ كالعَنْدَم
أُديرتْ كواكبُ أقداحها ... عليَّ فأغْرَبْتُها فِي فَمي
فَقَالَ وَقد طَار من خُفْيَة ... إصباحه وَاضح المَبْسِم
رأيتُكَ تشربُ زُهْرَ النُّجُوم ... فولَّيْتُ خوفًا على أنْجُمِي ...
وَقَوله ... ووافى كَمثل الصُّبح عُرْيانَ كلما ... تكذِّبه عينُ
الْبَصِير يَبينُ
وَقد كَانَ بالسُّمْر الذوابل فِي الوَغى ... مصُوناً كَمَا صان
العيونَ جفونُ ...
وَقَوله ... وَلَقَد تروعهمُ الكواكبُ رَهْبَةً ... لمَّا حَكَيْنَ
أسنَّةَ المُرَّانِ ...
(2/337)
.. ولربما عطشوا فحلأهم عَن الْغدر ...
اشتباهُ البِيض بالغُدْران
والسَّيفُ دامي المَضْربَيْن كجدولِ ... فِي ضِفَّتيه شقائق النعمانِ
...
وَمِنْهَا ... مَا لَاحَ فِي الهيجاءِ نَجْمُ مُثَقِّفٍ ... وهلال كلِّ
حَنِيَّةٍ مِرنانِ ...
وَقَوله ... دع الخَطِّيِّ يَثْنى مِعْطَفيْهِ ... فإنَّ الأسهمي فضلا
عَلَيْهِ
إِذا كَانَ العُلا قَتْلَ الأعادي ... أيَفْضُل غَيْرُ أسْرَعِنا
إِلَيْهِ ...
وَقَوله ... ويَا لغُصْنِ نقا لدن معاطفه ... سقيته الدمع حَتَّى
أثْمَرَ القُبَلا ...
وَقَوله ... وَاللَّيْل يسترني غِرْبيبُ سُدْفَتِهِ ... كأنني خَفَرٌ
فِي خدِّ زنْجيِّ ...
568 - أَبُو عَليّ الْحُسَيْن النَّشَّار
من شعراء زَاد الْمُسَافِر من إحسانه قَوْله ... ألُوَّامِي على كَلَفي
بِيَحْيَى ... مَتى من حُبِّه أَرْجُو سَرَاحا
وبينَ الخدِّ والشفتين خالٌ ... كزنجيِّ أَتَى روضاً صَباحا
تحيَّر فِي جَناه فَلَيْسَ يَدْرِي ... أيَجْنى الْورْد أم يجني
الأقاحا ...
(2/338)
وَقَوله ... فِي خد أَحْمد خَال ... يصبو
إِلَيْهِ الخَلِيُّ
كَأَنَّهُ روضُ وَرْدِ ... جَنَّانُه حَبَشِيُّ ...
وَقَوله ... قلبِي تُرى أَي طريقٍ سَلَكْ ... فحَقَّ يَا جسميَ أَن
أسألَكْ
أنينُهُ دلَّ عَلَيْهِ فَهلْ ... أنحلَه السُّقْمُ الَّذِي أنْحَلكْ
وَيَا رشاً خُوِّل أُسْدَ الشَّرَى ... هَنَاك ربُّ الْعَرْش مَا
خَوَّلَكْ
قتلت يَا بدرُ جميعَ الوَرَى ... فَمَنْ إِلَى قَتْل الوَرَى أنزلك
مَا ملَكُ الموتِ كَمَا حَدّثوا ... بل لَحظُكَ الْمَوْت وَأَنت
المَلَكْ
يَا يُوسُفاً أزْرى بِحسن الَّذِي ... آمن فِي الجُبِّ وقوعَ الهلَكْ
أقسمتُ لَو أَنَّك فِي عصرهِ ... بِآيَة الْحسن الَّذِي دَلَّلَكْ
مَا خَلَتِ الحسناءُ يَوْمًا بهِ ... تِيهاً وَلَا قَالَت لَهُ هَيْتَ
لَكْ
إِن قُطِّعَتْ أيْدي نساءٍ لَهُ ... فكم قُلُوب قَطَّعَ الناسُ لَكْ
...
الْأَهْدَاب
مُوَشَّحة لِابْنِ حَريق ... سل حارِسَيْ روضةِ الجمالِ ...
وصَوْلَجَيْ ذَلِك العِذارْ
من توَّجَ الغصنَ بالهلال ... وأنبَتَ الوردَ فِي البهار ...
(2/339)
.. أيّ أقاحٍ وجُلّنارِ ... حاما على
مَنْهَلِ الرُّضابِ
وأيّ صِلَّيْن من عِذارِ ... دَبَّا كلامَين فِي كتاب
وأيّ ماءٍ وأيّ نارٍ ... ضمَّتْهما نَعمةُ الشبابِ
فقلْ حَيَا مَوْردٍ زُلاَلِ ... يحرسُه الثغرُ بالشِّفارْ
وَقل جِنانٌ وَقل لآلِ ... يُعَلُّ بالمسك والعُقارْ
من لي بِهِ والمنى غرورُ ... وسنانُ طاوى الحشا غَريرُ
النَّورُ من خدِّه منيرُ ... على فُؤَادِي وَلَا نَصيرُ
يَا نفس مَا مِنْك بالوصالِ ... بُدٌّ وَلَا منّيَ انتصارْ
فقد دَعَا جَفْنُه نزالِ ... فَأَيْنَ من فتكهِ الفِرارْ
يَا قلبِي المُبْتَلى بحبِّه ... باعتك عَيْني بِلَا شرا
من باخل فِي الْهوى بِقُرْبِهِ ... حَتَّى على اللَّطِيف بالكَرَى
صبرا على هَجْره وعتْبه ... فَلَيْسَ إِلَّا الَّذِي تَرَى
لَعَلَّ رفقا من الوصالِ ... يُدال من قَسْوةِ النِّفَارْ
أَو بعضَ مَا تحدث الليالِ ... يفك من ذَلِك الإسارُ
وناصحٍ قَالَ يَا غريبُ ... أسرَفت فِي البَثِّ والحَزَنْ
للمرءِ من دمعه نصيبُ ... والروحُ مَا إِن لَهُ ثَمنْ
وَيحك لَا عيشَةٌ تطيبُ ... وَلَا نديمٌ وَلَا سَكنْ
فخلِّ عينيَّ فِي انهمال ... يقر للدَّمع من قرارْ
وابك معي رقّةً لحالي ... بكاءَ غَيْلان فِي الديار
جعلتُ لِبْسَ الْهوى شِعاراً ... واختلت فِي برده القشيبِ ...
(2/340)
.. ولي حبيبٌ سَطَا وجارا ... بِالنَّفسِ
أفْديه من حبيبِ
شدوت إِذْ مرَّ بِي سِرارا ... من خشيَة السَّامع الرقيبِ
مُحَمَّد اللُّنْقُ يَا غزالِ ... يَا صَاحب الْعَينَيْنِ الكبارْ
قطفتَ قلبِي وَلم تبال ... لَيْسَ ذَا عَلِكْ يَا حَبِيبِي عارْ ...
من زجل لأبي زيد الْحداد البكارزور البلنسي ... أيش تستر يَا بن أبي
العافيَهْ ... لسْ تخفي عَن حَدّ هَذَا الخافِيَهْ
اش تستر لس بِهِ شئ أَن يسْتَتر ... ذَا القِصَا لَا بُد لَهَا أَن
تشتهر
أَي صفقا كَانَ يَشْتَرِيهَا من حضر
بصَلْبا ولَسْ تكون لي غالِيَهْ ... لِأَنَّك من الْفلك العاليه
إيش تدهب عِنْد الْبُطُون من الْعُقُول
جُجَّ الكاس ومُدّ ساقك لَا تَزُول
وإبليس يضْحك يجيها وَيَقُول
اطمن قطّ أَن الشريب باليَه ... والفتيان عُزَّاب ودارا خاليَهْ ...
(2/341)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الثَّانِي من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
المملكة البلنسية وَهُوَ كتاب الْحلَّة السندسية فِي حلى الرُّصافة
البلنسيَّة
مناظر وبساتين ومياه جَارِيَة تُصاقب حَضْرَة بَلَنْسِية وَهِي من أبدع
مُتَفّرَّجاتها وَقد كثر ذكرهَا فِي الشّعْر مِنْهَا
569 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن غَالب الرُّصافيّ
أمْلى عليّ وَالِدي فِي شَأْنه هُوَ شَاعِر الأندلس فِي أَوَانه بِمَا
اشْتهر عِنْد الْخَاص وَالْعَام من إحسانه قَالَ وَكَانَ عمي أَبُو
جَعْفَر بن سعيد
(2/342)
يَقُول عَنهُ هُوَ ابْن رومي الأندلسي لما
رَآهُ من حسن اختراعه وتوليده كمعناه فِي الحائك وَمَعْنَاهُ فِي
النجار وَذكره للأصيل وَمَا تقف عَلَيْهِ من شعره مِمَّا يدلك على عظم
قدره وَقد وَفد على عبد الْمُؤمن وأنشده وَهُوَ فِي جَبَل الفَتْح
قصيدة أَولهَا ... لَو اقتبَسْتَ الْهدى من جَانب الطُّورِ ... أُعْطيت
مَا شِئْت من هَدْيٍ وَمن نور ...
الْغَرَض من ديوانه قَوْله من قصيدة فِي أبي جَعْفَر الوَقَّشِي وَزِير
ابْن هَمْشك ... لمحلَّك التَّرْفيعُ والتعظيمُ ... ولوجهكَ التقديسُ
والتكريمُ
ولراحتيكَ الحمدُ فِي أرزاقنا ... والرزقُ أجمعُ مِنْهُمَا مقسومُ
يَا مُنْعماً تطوي البلادَ هِباتُهُ ... وَمن الهبات مسافرٌ ومقيمُ
إيهٍ وَلَو بعضَ الحَدِيث عَن الَّتِي ... حَيّا بهَا رَبْعي أجَشُّ
هَزيمُ ... قد زارني فسُقيتُ من وَسْمِيِّه ... فَوق الَّذِي أُرْوِي
بِهِ وأُسِيمُ
سَرَتِ الجيادُ بِهِ إليَّ وفتيةٌ ... سَفَروا فَقلت أهلَّةٌ ونجومُ
نعماء جُدْتَ بهَا إِن لم نَلْتَقِي ... فِيمَن يُدَنْدِنُ حولهَا
ويحومُ
وأعَزُّ من سُقْيَا الحَيَا من لم يَبِتْ ... فِي الْحَيّ يرقب
بَرْقَهُ ويَشيمُ
وَلَقَد أضِنُّ على الحَيَا بسؤاله ... والجوُّ أغْبَرُ والمرَادُ
هَشيمُ
وَإِن استحبَّ القَطْرُ سُقْيا مَوْضِعِي ... فمكانُ مثلي عِنْده
مَعْلُومُ
لما أدرْتُ إِلَى صنيعك ناظري ... فَرَأَيْت مَا أوْلَيْتَ فَهُوَ عميم
...
(2/343)
.. قلدت جيدَ الشُّكْر من تِلْكَ الحُلَى
... مَا شاءه المنثور والمنظومُ
وأشرْتُ قُدَّامي كأنّيَ لاثمٌ ... وَكَأن كفك ذَلِك الملثوم
يَا مفضلا سدك السخا بِمَالِه ... حَتَّام تبذل والزمانُ لئيمُ
تَتَلَوَّنُ الدُّنْيَا ورأيك فِي العُلاَ ... والحمدُ دأبُك والكريمُ
كريمُ
ومنِ المتمِّمُ فِي الزَّمَان صَنِيعَة ... إِلَّا كريم شَأْنه
التَّتْمِيمُ
مثل الْوَزير الوقشيِّ وَمثله ... دون امتراءٍ فِي الورى معدومُ
رجلٌ يدوُس النيِّرات بنَعْلِه ... قَدَمٌ ثَبوتٌ فِي الْعلَا وأُرومُ
وصل البيانُ بِهِ المدى فكلامُه ... سهلٌ يشُقُّ وغامضٌ مفهومُ
من معشرٍ والاهُمُ فِي سِلْكه ... نَسَبٌ صريحٌ فِي العَلاءِ صَميمُ
قومٌ على كتفِ الزَّمَان لَبوسُهم ... ثوبٌ بحُسْن فِعالهم مَوْسُوم
آثَارهم فِي الحادثين خديثة ... وفخارُهمْ فِي الأقدمين قديمُ
لَو لم يُعِدُّوا من دعائم بَيتهمْ ... رُمْحَ السِّماك لخانه التقويمُ
مَاتُوا وَلَكِن لم يمت بك فَخْرهمْ ... فالمجدُ حَيٌّ وَالْعِظَام
رميمُ
يَا أحْسَدَ الدُّنْيَا وَقد يَغَنَى بهَا ... عَن كُنْيَةٍ واسمُ
الْعَظِيم عظيمُ
أُجْري حَدِيثك ثمَّ أعجبُ أنَّه ... قولٌ يُقَال وعَرْفُهُ مشمومُ
فبكلِّ أرضٍ من ثنائك شائعٌ ... عَبَقٌ كَمَا ولَجَ الرِّياضَ نسيمُ
يَجْرِي فَلَا يَخْفى على مُستَنشق ... لَو أنّه عَن أُذُنه مكتومُ
يُطوَى فينشرُهُ الثَّنَاء لطيبه ... ذِكْرُ الْكَرِيم بعنبرٍ مختومُ
صحبتكَ خالدةُ الْحَيَاة وكل مَا ... تجتاز بابك جنَّةٌ ونعيمُ
فِي ظلّ عزٍّ دائمٍ وكرامةٍ ... وفِناءُ دَارك بالوفود زَحيمُ
من كل ذِي تاجٍ تَعِلَّةُ قصدهِ ... مرآك والإلمامُ وَالتَّسْلِيم ...
(2/344)
وَمن قَوْله من أُخْرَى فِي الْمَذْكُور
... أَلأَجْرعٍ تحتلّه هِنْدُ ... يَنْدى النسيمُ ويأرَجُ الرَّنْدُ
ويطيبُ واديهِ بموردها ... حَتَّى ادّعى فِي مَائه الوَرْدُ
نِعْمَ الخليطُ نضحت جانحتي ... بحَديثه لَو يَبْرُدُ الوجْدُ
يُحْييك من فيهِ بعاطرةٍ ... لَو فاهَ عَنْهَا المسْكُ لم يَعْدُ
يَا سعْدُ قد طَابَ الحديثُ فَزِدْ ... مِنْهُ أَخا نَجْواكَ يَا
سَعْدُ
فَلَقَد تجدَّد لي الغرامُ وإنْ ... بَلِيَ الْهوى وتقادَمَ العَهْدُ
ذِكْرٌ يمرّ على الْفُؤَاد كَمَا ... يُوحى إِلَيْك بسِقْطهِ الزَّنْدُ
وَإِذا خَلَوْتُ بهَا تمثَّلَ لي ... ذَاك الزمانُ وعيشُه الرَّغْدُ
ولقاءُ جيرتنا غداتئِذٍ ... متيسِّرٌ ومَرامهم قَصْدُ
وخيامهم أَيَّام مضربها ... سقط اللوى وكثيبه الْفَرد
أعدو بهَا طوراً ورُبَّتَمَا ... رُعْتُ الفَلا والليلُ مَسْوَدُّ
لكواكبٍ هِيَ فِي تَرَاكُبِها ... حَلَقُ الدروع يضمُّها السَّرْدُ
من كلّ أرْوَعَ حَشْوُ مِغْفَرَهِ ... وَجْهٌ أعز وفاحِمٌ جَعْدُ
ذُكِرَ الْوَزير الوقَّشِيّ لهمْ ... فأثارهم للقائه الوُدُّ
مترقّبين حلولَ ساحتهِ ... حَتَّى كأنَّ لقاءَه الخُلْدُ
قد رنَّحَتْهمُ من شمائلهِ 5 ذِكْرٌ كَمَا يتضوَّع النَّدُّ
نعم الحَدِيث الحُلْوُ تملكه الركْبَان ... حَيْثُ رمى بهَا الوَخْدُ
يَا صاحبيَّ أخبرُهُ عجبٌ ... لَكمَا على ظمأٍ بِهِ ورْدُ
أم ذكره تتعللان بِهِ ... إِذْ لَيْسَ مِنْهُ لذِي فمٍ بُدُّ
شَفَتَيكما فالنَّحْلُ جاثمةٌ ... مِمَّا يُسيل عَلَيْهِمَا الشهد ...
(2/345)
.. رَجُلٌ إِذا عرَض الرجالُ لَهُ ...
كَثُرَ العديدُ وأعوَزَ النِّدُّ
من معشرٍ نَجَمَ الْمقَال بهم ... زُهْر كَمَا يتساوق العِقْدُ
لبسوا الوزارة معْلَمين بهَا ... زمع الصَّنائف يحسُنُ البُرْدُ
مستأنفين قديمَ مجدِهمُ ... يبْنى الحفيدُ كَمَا بَنى الجَدُّ
حُمِدوا إِلَى جَدٍّ وأعقبهم ... حَمْدٌ بأحمدَ مَا لَهُ حَدُّ
وكأنما فاق الأنامَ بهم ... نَسَبٌ إِلَى القمرين ممتدُّ
فَيرى وليدُهُمُ المنامَ على ... عُبْرِ المجرَّة أَنه مَهْدُ
وَيرى الحَيَا فِي مُزْنه فَيرى ... أنَّ الرَّضَاع لريه صد
وكأنما ولدُوا لكتفلوا ... حَيْثُ السنا والسودد العِدُّ
فعلتْ كرائمُهم بهم وَعلا ... فَوق السَّمَاء النَّهْدُ والجَهْدُ ...
وَمِنْهَا ... ضَمِن النوالُ بِأَن تروح إِلَيْهِ ... العيسُ مُعْلَمةً
كَمَا تَغْدو
وَلَقَد أَرَانِي بالبلاد و ... آمال الْبِلَاد بِبَابِهِ وَفْدُ
وهِباتُه تصف النَّدى بيدِ ... علياءَ أقدمُ وَفدها المَجْدُ
خفقتْ بهَا فِي الطَّرْسِ بارقةٌ ... حَدَق المُنَى من دونهَا رُمْدُ
محمولةٌ حَمْلَ الحسام وإنْ ... خَفِيَ النِّجادُ هُنَاكَ والغِمْدُ
يَسْطُو بهَا فَأَقُول يَا عجَباً ... مَاذَا يُرِي علياءَه الجدُّ
حَتَّى اليراعةُ بَين أنْمُلِه ... يَا قوم مِمَّا تطبع الْهِنْد ...
(2/346)
وَقَوله ... وَالْأَمر أشهر فِي فضائله ...
مَا إِن يُلَبِّسُها لَك البُعْدُ
هَيْهَات يذهب عَنْك موضعهُ ... هَطَلَ الْغَمَام وجلجل الرَّعْدُ
أعْرَبْتُ عَن مَكْنُون سُؤدُدِهِ ... مَا تُعْجِم الورقاء إِذْ تَشْدو
سوَراً من المداح محكمَة ... من آيهنَّ الشكرُ والحمدُ
وَلَعَلَّ مَا يَخْفى وَرَاء فمي ... من وده أَضْعَاف مَا يَبْدو ...
وَقَوله ... سَقى العَهْدُ من نَجدٍ معاهدَهُ بِما ... يغارُ عَلَيْهَا
الدمعُ أَن تشربَ القَطْرا ...
وَمِنْهَا ... فَيَا عِينةَ الجَرْعاء مَا حَال بَيْننَا ... سوى
الدَّهْر شئ فارجعي نشتكي الدهرا
تقضت حياةُ الْعَيْش إِلَّا حُشاشَةً ... إِذا سألَتْ لُقْياكَ
عَلَّلتها ذِكُرا
وَكم بالنَّقَا من رَوْضَة مُرجَحِنَّةِ ... تُضَمِّخُ أنفاسُ
الرِّيَاح بهَا نَشْرَا
وَمن نُطفةٍ زرقاء تلعب بالصَّدا ... إِذا مَا ثَنَى ظِلُّ مُدارٌ بهَا
سُمْرا ...
وَمِنْهَا ... وبرْدِ نسيم أنْثنى عِنْد ذكرهِ ... على زَفَراتٍ
تَصْدَعُ الكبدَ الحَرَّا
وإنَّ لُبَاناتٍ تَضمَّنها الحَشَا ... قليلٌ لَدَيْهَا أَن نضيق بهَا
صَدرا ...
وَقَوله من مرثية ... رَمِيَّ الموتِ إنَّ السهْم صَابا ... وَمن
يُدْمِنُ على غَرَضٍ أصابا
إلامَ أشُبُّ من نيران قلبِي ... عَلَيْك لكل قافية شهابا ...
(2/347)
.. وَقد ودَّعتُ قبلَكَ كلَّ سَفْرٍ ...
ولكنْ غابَ حينا ثمَّ آبا
وأهيَجُ مَا أكون لَك ادّكاراً ... إِذا مَا النجمُ صَوَّبَ ثمَّ غابا
...
وَقَوله ... لَا تَسَلْ بعد قَتْل يوسُف عَنّي ... ففؤادي مُثَلَّمٌ
كسلاحِهْ
لَو تأمَّلْتَ مُقْلتي يَوْم أودى ... خِلتَني باكياً بِبَعْض جراحِهْ
...
وَقَوله ... يَا وردةً جادتْ بهَا يَدُ مُتْحِفٍ ... فَهَمَى لَهَا
دَمْعي وهَاجَ تأَسُّفي
حمراءَ عاطرةَ النسيم كأنّها ... من خَدّ مُقْتبِلِ الشبيبة مُتْرَفِ
عَرَضتْ تُذَكِّرُني دَمًا من صاحبٍ ... شَرِبَتْ بِهِ الدُّنْيَا
سُلافَةَ قرقف
فنشقتها شغفا وَقلت لصاحبي ... هِيَ ماتمج الأَرْض من دم يُوسُف ...
وَقَوله من قصيدة ... أيُّها الآملُ خَيْماتِ النَّقا ... خَفْ على
قَلْبك تِلْكَ الحَدَقا
إنّ سِرْباً حُشِيَ الخَيْمُ بهِ ... ربَّما غَرَّكَ حَتَّى تَرْمُقا
لَا تُثِرْها فِتنةً من ربرب ... ترْعد الْأسد بديه فَرَقَا
وانْجُ عَنْهَا لَحْظَة سَهميّةً ... طَال مَا بلَّت رِدَائي عَلَقَا
وَإِذا قيل نَجَا الركْبُ فقُلْ ... كَيْفَمَا سالَم تِلْكَ الطُّرُقا
يَا رُماةَ الحيِّ موهوبٌ لكم ... مَا سفَكتُم من دمي يَوْم النَّقَا
مَا تعمَّدتُمْ وَلَكِن سَبَبٌ ... قَرَّبَ الحَيْنَ وأمرٌ سَبَقَا
والتفاتاتٌ تلقَّتْ عَرَضاً ... مَقْتَلَ الصَّبِّ فخلَّتْهُ لَقَا ...
(2/348)
.. أهِ منْ جَفْنٍ قريحٍ بعدكم ... يشتكي
خَدَّايَ مِنْهُ الفرقا
وحَشاً غيرِ قريرٍ كلَّمَا ... رُمْتُ أَن يَهْدَأً عنكُمْ خَفَقَا
وفؤادٍ لم أضَعْ قَطُّ يَدِي ... فوقة خيفة أَن تحترقا
مالنجم عكفتْ عَيْني على ... رَعْيهِ لَيْسَ يَريمُ الأفقا
ولعين خلهت فِيك الكَرَى ... كَيفَ لم تَخْلَعْ عَلَيْك الأرَقَا
أيُّها اللُّوَّامُ مَا أهْداكُمْ ... عَن قُلُوب أسهَرَتْنا قلقا
مَا الَّذِي تبغون من تعذيبها ... بعد مَا ذابتْ عليكمْ حُرَقَا
قومَنا فوزوا بسُلوَانكُمُ ... ودعوا بِاللَّه من تَشَوّقا
وارْحموا فِي غَسَقِ الظلماء مَنْ ... بَات بالدمع يَبُلُّ الغَسَقَا
عَلِلونا بالمُنَى منكمْ وَلَو ... بخيالٍ منكمُ أنْ يَطْرُقَا
وعِدُونا بلقاءٍ منكمُ ... فكثيرٌ منكمُ ذكرُ اللِّقَا
لَو خشينا الْجور من جيرتنا ... لَا نتصفنا قبل أَن نفترقا
واصطحبنا الْآن من فَضْلَةِ مَا ... قد شرِبْنا ذَلِك المُغْتَبَقَا
فسقى الله عَشِيَّاتِ الحِمَى ... والحِمَى أكْرَمَ هَطَّالٍ سَقَى
قد رُزقناها وَكَانَت عيشَةً ... قَلَّما فَازَ بهَا من رزقا
لَا وسَهْمٍ جاءَ من نحوكمُ ... إنَّه أقْتَلُ سَهْمٍ فُوِّقا
وحُلَى نَجْدٍ سَنُجْري ذِكْرَها ... أوْ سَعَتْنا فِي الْهوى
مُرْتَفَقَا
مَا حلا بعدكمُ العيشُ لنا ... مذ تباعدتم وَلَا طابَ البَقَا ...
(2/349)
.. فَمنِ المُنْبي إِلَيْنَا خَبَراً ...
وعَلى مُخْبرنا أنْ يَصدُقا
هَلْ دَرَتْ بابلُ أنَّا فِئَةٌ ... تَجْعَلُ السِّحْرَ من السحْرِ
رُقَى
نَنْقُشُ الآيةَ فِي أضلاعنا ... فقينا كل شئ يُتَّقَى
مِن بَنَان الوَزَر الْأَعْلَى الَّذِي ... يَخْجَلُ السِّحْرُ إِذا
مَا نَطَقَا ...
وَقَوله ... مَا مثل موضعكَ ابْنَ رِزقٍ موضعُ ... رَوْضٌ يَرِفُّ
وجَدْوَلٌ يتدفع
وكأنما هُوَ من بناتك صفحةٌ ... فالحُسْنُ يَنْبُتُ فِي ثَراهُ
ويُبْدِعُ
وعشيَّة لبسَتْ رداءَ شُحُوبها ... والجو بالغَيْم الرَّقِيق مُقَنَّعُ
بلغت بِنَا أمَدَ السرُور تأَلُّفاً ... والليلُ نَحْو فراقنا يتطلع
فابلل بهَا زمن الغبوق فقد أَتَى ... من دون قُرْص الشَّمْس مَا
يُتَوَقَّعُ
سَقَطَتْ وَلم تملك يمينُكَ رَدَّهَا ... فَوِدِدْتُ يَا مُوسَى
بأَنَّك يُوشَعُ ...
وَقَوله ... يَا رَاكِبًا واللِّوى شمال ... عَن قَصده والعصا يَمِين
نداص على أَنَّهُ طريقٌ ... تقطعه للصَّبَا عُيُونُ
وحَيِّ عَنِّي إِن جُزْت حَيَّاً ... أمضى مواضيهمُ الجفون
وقُلْ على أيْكَةٍ بوادٍ ... للوُرْقِ فِي قُضْبها حنين ...
(2/350)
.. يَا أيْكَ لَا يَدَّعي حمامٌ ... مَا
يجد الشيق الحزين
لوان بالورق مَا بقلبي ... لَا حترقت تحتَها الغصونُ ...
وَقَوله ... وَذي حنينٍ يكادُ شَجْواً ... يختلسُ الأنْفُسَ اختلاسا
إِذا غَدَا للرياض جاراً ... قَالَ لَهَا المَحْلُ لَا مِسَاسا
تبسَّم الزَّهْرُ حينَ يبكي ... بأدْمُعٍ مَا رأيْنَ بَاسَا
من كلِّ جَفْنِ يَسُلُّ سَيْفاً ... صَار لَهُ غِمْدُهُ رِئاسَا ...
وَقَوله ... ذَات الْجنَاح تَقَلَّبي ... بجوانح الْقلب الخفوق
وتساقطي بالسرحتين ... تساقط الدَّمْع الطَّليقْ
وسليهما بأَرقَّ منْ ... عِطْفَيْ قضيبهما الوَريقْ
هَل بَعدنَا مُتَمَتَّعٌ ... فِي مثل ظلهما العَتيقْ
وَإِذا صَدَرْتِ مُبينةً ... لتُبَلِّغي النَّبَأَ المَشُوقْ
أُخْت الْهَوَاء فعالجي ... بأخي الْهوى حَتَّى يُفيقْ
ولتَعْلَمي إِن ضِفْتِ يَا ... ورقاءُ ذَا جَفْنٍ أريقْ
أَن القِرَى عبراته ... فتعلمي لقط الْعَتِيق ...
وَقَوله ... ورَوْضٍ جلا صَدَأَ الْعين بهْ ... نسيمٌ تَجارى على
مَشْرَبهْ ...
(2/351)
.. صَنَوْبَرةٍ ركبَتْ ساقَها ... عَلَيْهِ
فخاضَتْ حَشَا مِذْنَبِهْ
فشبهتها وأنابيبيها ... بهَا المَاء قد جَدَّ فِي مَسْكَبهْ
بأرقمَ كعك من شخصه ... وأفرضه يتعلَّقْنَ بهْ ...
وَقَوله فِي غُلَام حائك ... قَالُوا وَقد أَكْثرُوا فِي حبّه عَذَلي
... لَو لم تهم بمذال الْقدر مبتذل
فَقلت لوان أَمْرِي فِي الصبابة لي ... لَا خترت ذَاك وَلَكِن لَيْسَ
ذَلِك لي
عُلِّقْتُهُ حَبَبِيَّ الثَّغْر عاطِرَهُ ... أَلْمَى المُقَبَّل أحْوى
ساحرَ المُقَل
إِذا تأمَّلَتَه أَعْطَاك مُلْتَفِتاً ... مَا شئتَ من لحظات الشادنِ
الغَزل
غَزَيِّلٌ لم تزل فِي الغَزْل جائلةً ... بَنانُهُ جَوَلان الْفِكر فِي
الغَزَل
جذلان يلْعَب بالمحرك أنملُهُ ... على السَّدَى لَعِب الْأَيَّام
بالأمل
مَا إِن يَنِي تَعِبَ الأطرافِ مُشْتَغِلاً ... أفديهِ من تَعِبِ
الْأَطْرَاف مُشْتَغِل
جَذْباً بكفَّيْه أَو فَحْصاً بأخْمصِهِ ... تَخَبُّطَ الظَّبْي فِي
أشْرَاكِ مُحْتَبل ...
وَقَوله فِي نجّار ... تعلَّم نَجاراً فَقلت لعلَّه ... تعلَّمها من
نَجرِ مُقْلته القَلْبَا
شقاوةُ أعوادٍ تصَدَّى لجَهْدِها ... فآوِنةً قَطْعاً وآوِنةً ضَرْبا
غَدَتْ خَشَباً تَجْني ثمارَ جِناية ... بِمَا اسْتَرَقَتْه من
مَعَاطفِه قُضْبا ...
وَقَوله فِي حَمّام ... انْظُر إِلَى نَقْشِيَ البديعِ ... يُسْليك عَن
زهرَة الرَّبيعِ ...
(2/352)
.. لَو جنى الْبَحْر من رياض ... كَانَ حبي
روضيَ المَرِيعِ
سقانيَ الله دمعَ عَيْني ... وَلَا وقاني جوَى ضلوعي
فَمَا أُبَالِي شقاءَ بَعْضِي ... إِذا تَشَقَّيتُ فِي جميعي
كَيفَ تراني وُقيتَ مَا بِي ... ألستُ من أعجب الرُّبوعِ ...
(2/353)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الثَّالِث من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مملكة
البلنسية وَهُوَ كتاب الخَصْر الأهْيَف فِي حَلْي قَرْيَة المَنْصَف من
قرى بلنسية مِنْهَا
570 - أَبُو الْحجَّاج يُوسُف المَنْصَفيّ
زاهد مَشْهُور سكن مَدِينَة سَبْتَة وأدركه وَالِدي وَمن مَشْهُور شعره
قَوْله ... قَالَت ليَ النَّفس أَتَاك الرَّدَى ... وَأَنت فِي بَحر
الْخَطَايَا مُقيمْ
فَمَا ادَّخَرْتَ الزَّاد قُلتُ اقْصِرِي ... هَل يُحمَل الزادُ لدار
الكريمْ ...
وَقَوله فِي زورق ... وسابحٍ بَات لَا يَثْنِي قوائمَه ... كالصَّقْرِ
يَنْحَطُّ مذعوراً لِعِقْبانِ
كأنَّهُ مقلةٌ للجوِّ شاخِصةٌ ... وَمن مجَاذيفه أهدابُ أجْفَانِ ...
(2/354)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الرَّابِع من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مملكة
البلَنسية وَهُوَ كتاب الوُرْق المُرِنَّهْ فِي حلى قَرْيَة بَطَرْنَهْ
من قرى بلنسية مِنْهَا
571 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن الجَزَّار
من المسهب هُوَ الَّذِي شجر بَينه وَبَين ابْن غَرْسِيَة مولى إقبال
الدولة بن مُجَاهِد ملك دانية مَا أوجب أَن صنع ابْن غَرْسِية
الرسَالَة الشعوبية فِي تَفْضِيل
(2/355)
الْعَجم على الْعَرَب وعارضها جمَاعَة من
الْفُضَلَاء وَأَبُو جَعْفَر مِمَّن عارضها برسالة وَفِيه يَقُول ابْن
غَرْسية هاجياً لَهُ ... بَطَرْنَةُ تعلمُ أصلا لَهُ ... عَزُبْتَ
فَسَلْها فَمَا تُنْكرُ
ومَثِّلْ بهَا وَضَماً ماثلاً ... وشَفْرَةَ جَزْر وَلَا أُكْثِرُ
تجرُّ ذيول الْعلَا تائها ... وجدكم الجازرُ الأكْبَرُ
فهذي العُلا لَا عُلاَ حاجبٍ ... ومثلُكَ يَا سَيِّدي يَفْخَرُ ...
وفضَّله صَاحب المسهب وَأَطْنَبَ فِي تَقْدِيمه بقوله ... وَمَا زلتُ
أجْنِي مِنْك والدهرُ مُمْحِلٌ ... وَلَا ثمرٌ يُجْنى وَلَا زرع بحصد
ثمارَ أيادٍ دانياتٍ قطوفُها ... لأغصانها ظلُّ عليّ ممدَّدُ
يُرَى جَارِيا ماءُ المكارم تَحْتَهُ ... وأطيارُ شكري فوقهنَّ
تُغَرِّدُ ...
وَمن شعره قَوْله ... إِلَيْك أَبَا عليٍّ جُبتُ بِيداً ... مَهَامِهَ
مثلَ صدرك فِي انفساحِ
وغِربانُ الدُّجى قد نفَّرَتْها ... إِلَى اوكارها رخم الصَّباح ...
وَقد أنْشدهُ هَذِه الأبيات عَمه فِي الحديقة
(2/356)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الْخَامِس من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مملكة
البلنسية وَهُوَ كتاب الْمِنَّة فِي حلى قَرْيَة بِنَّه من قرى
بَلَنْسية مِنْهَا
572 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عبد الوليّ البِنِّي
من المسهب من سوابق حَلْبَة عصره وغُرَر دهره خَلَع عِذاره فِي الصِّبا
وهَبَّ مَعَ غرامه جَنُوباً وصَباً وَذكره الْفَتْح فِي المطمح ثمَّ
ذكره فِي ضمن القلائد وَقَالَ وَهُوَ مطبوع النّظم نبيله وَاضح
(2/357)
نهجه فِي الإجادة وسبيله يضْرب فِي علم
الطِّبّ بِنَصِيب وَسَهْم يخطى أَكثر مِمَّا يُصِيب وَكَانَ أليف
غلْمَان وحليف كفر لَا إِيمَان مَا نطق متشرِّعاً وَلَا نظر متورعاص
وَلَا اعْتقد حَشْراً وَلَا صَدَّق بَعْثاً وَلَا نِشْراً وَرُبمَا
تنسَّك مجوناً وفتْكاً وتمسَّك باسم التُّقى وَهُوَ يهتكه هتكاً لَا
يُبَالِي كَيفَ ذهب وَلَا بِمَا تَمَذْهب وَكَانَت لَهُ أهاجٍ جَرَعَ
بهَا صَاباً وادّرع مِنْهَا أوصاباً الْغَرَض من نظمه قَوْله ... من لي
بغُرَّةِ فاتن يختالُ فِي ... حُلَل الْجمال إِذا مَشَى وحُليِّهِ
لوشب فِي وَضَح النَّهَار شُعاعُها ... مَا عَاد جُنْح اللَّيْل بعد
مُضِيِّه
شَرِقَتْ بماءِ الحُسْنِ حَتَّى خَلَّصَتْ ... ذَهَبِيَّة فِي الخدِّ
من فِضِّيِّه
فِي صفحتيه من الْحيَاء أزاهرٌ ... غذِيَتْ بوَسْمِيِّ الصِّبا
ووَليِّهِ
سَلَّت محاسنُه لقَتْل مُحبِّه ... من سِحْر عَيْنَيْهِ حُسَامَ
سَمِيِّهِ ...
وَقَوله ... كَيفَ لَا يزْدَاد قلبِي من ... جَوَى الشَّوْقِ خَبالاَ
وَإِذا قلت على ... بهر النَّاس جمالا
هُوَ كالغصن وكالبدر ... بهاءً واعتدالا
أشْرَقَ البدرُ سُرُورًا ... وانْثَنى الغصنُ اخْتيالا
إنَّ من رام سُلُوِّي ... عَنهُ قد رَامَ مُحالا
لستُ أَسْلُو عَن هواهُ ... كَانَ رُشْداً أَو ضلالا ...
(2/358)
.. قل لمن قصَّر فِيهِ ... عَذْلَ نَفْسِي
أَو أطالا
دون أَن تدْرك هَذَا ... يُسْلَبُ الأفْقُ الهِلالا ...
وَقَوله ... تَنفَّس بالحمى مطلولُ روضٍ ... فأودَعَ نَشْرَهُ ريحًا
شَمالا
فَصَبَّحَت العقيقَ إليَّ كَبْلاً ... تُجرِّرُ فِيهِ أرْداناً خِضَالا
أَقُول وَقد شَمِمْتُ التُّرْبَ مِسْكاً ... بنفحتها يَمِينا أَو شمالا
نسيم بَات يَجْلُب مِنْك طِيباً ... ويشكو من محبّتك اعتلالا
يَنُمُّ إليّ من زهَرات رَوْض ... حَشَوْت جوانحي مِنْهَا ذُبالا ...
وَذكر نَفْيَ نَاصِر الدولة من مَيُورْقَة فِي قَوْله وَقد ردَّته
الرّيح ... أحبتنا الأُلَى عَتَبُوا علينا ... فأقصَوْنا وَقد أزِفَ
الْوَدَاع
لقد كُنْتُم لنا جَذَلاً وأُنْسَاً ... فَمَا فِي الْعَيْش بعدكمُ
انتفاعُ
أَقُول وَقد صَدَرْنا بعد يومٍ ... أشَوْقٌ بالسفينة أم نزاعُ
إِذا طارتْ بِنَا حامتْ عَلَيْكُم ... كَأَن قُلُوبنَا فِيهَا شِراع
...
وَمن شعره قَوْله ... قَالُوا تصيب طيورَ الجوِّ أسهُمُهُ ... إِذا
رَمَاهَا فَقُلْنَا عندنَا الخَبَرُ
تعلَّمتْ قوسُه من قَوس حاجِبِهِ ... وأيَّدَ السهمَ من ألحاظه
الحَوَرُ ...
(2/359)
.. يلوح فِي برده كالنقس حالكةٍ ... كَمَا
يلوح بجنح اللَّيْلَة القَمَرُ
وَرُبمَا راق فِي خضراء مُورِقَة ... كَمَا تفتَّحَ فِي أوراقه
الزَّهَرُ ...
وَقَوله ... تروق حُسْناً وفيك الْمَوْت أجمعُهُ ... كالصَّقْل فِي
السَّيْف أَو كالنُّور فِي النَّار ...
(2/360)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب السَّادِس من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب
مملكة البلَنسية وَهُوَ كتاب الْحَال المغبوطه فِي حلى حصن مَتِّيطَه
من حصون بَلنْسية مِنْهُ
573 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن جَعْفَر المَتِّيطِيّ
سكن سَبْتة وَلِهَذَا الْبَيْت فِيهَا مجد شامخ وتصرُّف فِي ولايات
وَكَانَ أَبُو جَعْفَر مَشْهُورا بالتوشيح وَمن شعره قَوْله من قصيدة
فِي أبي سعد ابْن جَامع وَزِير أَئِمَّة بني عبد الْمُؤمن ... سَمَوْتَ
حَتَّى عَلَوْتَ النَّجْمَ مرتفعاً ... هَذَا صعودٌ لمن فِي الدَّهْر
قد جدا
وخافك النَّاس طرا فِي مياهم ... لَو أَن بأْسَك فِي ماءٍ لما وُرِدا
زَيَّنتَ مُلْكَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمَا ... أظهرت من غزواتِ
نظِّمتْ عَدَدَا ...
(2/361)
574 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد
المَتِّيطيّ
ذكر أَبُو سهل المحدِّث أَنه اجْتمع بِهِ وأنشده قَوْله ... سيرَ بِمن
أهواهُ فِي زَوْرَق ... واشتعل الوجْدُ اشتعال القَبْس
كَأَنَّمَا الزورق قلبِي بَدَا ... فِي لُجَج الدمع برِيح النَّفَسْ
...
575 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد المَتِّيطيّ
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه كَانَ شَاعِرًا مكثراً وَأَنه لقِيه بسَبْتة
فِي مُدَّة الْمُسْتَنْصر وَله أمداح كَثِيرَة فِي أبي يحيى بن يحيى بن
أبي إِبْرَاهِيم ملك سبْتة وَمن شعره قَوْله
يَا سائلي عَن شهَاب ظلّ مُرْتَمياً ... من النُّجُوم لمدْحُورٍ
ومُسْتَرِقِ
كفارسٍ حَلَّ إحْضَاراً عِمامتَهُ ... وضمَّها مُسْرعاً فِي آخر
الطَّلَقِ ...
وَقَوله ... انْظُر إِلَى الشَّمْس قد وافتْ لمغربها ... مصفرَّة
الْوَجْه لَكِن مَا بهَا خَجَلُ
كَأَنَّهَا عندَ رأيِ الْعين إِذْ سَقَطَتْ ... وخَلَّفَتْ جَمْرَة
تُذْكَى وتَشْتَعِلُ
خَريدةٌ غَطَست فِي اليمِّ وانتزعتْ ... خُلْدِيَّةً رَيْثَما تَرْوَى
وتَغْتَسِلُ ...
(2/362)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب السَّابِع من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مملكة
البلنسية وَهُوَ كتاب النُّجُوم الزُّهْر فِي حلى جَزِيرَة شُقْر
من المسهب عروس الأندلس المقلَّدة من نهرها بسلْك المتلفِّعة من جنانها
بسندس روضٌ بسام ونهر كالحسام وبليل وحمام ومنظر يحث عللى حَسْو
المُدام كَمَا قَالَ حسنتها أَبُو إِسْحَاق بن خفاجة ... سَقْياً لَهَا
من بِطاح أُنْسِ ... ودَوْحِ حُسْن بهَا مُطلِّ
فَمَا ترى غير وَجْه نَهْرٍ ... أطلَّ فِيهِ عِذارُ ظِلِّ ...
576 - الْكَاتِب أَبُو المطرِّف أَحْمد بن عميرَة
هُوَ الْآن عَظِيم الأندلس فِي الْكِتَابَة وَفِي فنون من الْعُلُوم
وَقد كتب عَن زيان بن مرْذنيش ملك بلنسية وَأَخْبرنِي أَبُو عبد الله
بن الابار البلنسي
(2/363)
زيان بن مرذنيش أحضر يَوْمًا حَجَّاماً
ثمَّ أخرج لَهُ جَائِزَة وَدفع إِلَيْهِ أَبُو المطرِّف شعرًا فَلم
يُجِزْه فَكتب إِلَيْهِ ... أرى من جَاءَ بِالْمُوسَى مواسئ ... وراحةَ
من أراح المَدْحَ صِفْراً
فَأَنْجَح سعيُ ذَا إِذْ قَصَّ شَعْراً ... وأخفق سعْيُ ذَا إِذْ قَصَّ
شَعْرَا ...
فَأمر لَهُ بِإِحْسَان
577 - الْكَاتِب أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن طَلْحَة
لَقيته بإشبيلية وَهُوَ يكْتب عَن سُلْطَان الأندلس المتَوَكل بن هود
وَيكون نَائِبا عَن الْوَزير إِذا غَابَ وَآل أمره إِلَى أَن فسد مَا
بَينه وَبَين ابْن هود وفر إِلَى سبتة فَأحْسن لَهُ ملكهَا الْمُوفق
الينشتى ثمَّ بلغه أَنه يكثر الْوُقُوع فِيهِ فرصده فِي شهر رَمَضَان
وَهُوَ يشرب الْخمر وَعِنْده عواهر فكبسه وَضرب عُنُقه وَله شعر فِي
الطَّبَقَة الْعَالِيَة مِنْهُ قَوْله
(2/364)
.. يَا هَل ترى أظْرَفَ من يَوْمنَا ...
قَلَّد جِيدَ الأفْقِ طَوْقَ العَقيقْ
وأنطق الوُرْقَ بعيدانها ... مُرْقِصةً كلَّ قضيبٍ وريقْ
والشمسُ لَا تشرب خمر الندى ... فِي الرَّوْض الا بكئوس الشَّقيق ...
وَقَوله ... أدِرْها فالسَّماء بدَتْ عروساً ... مُضَمَّخَةَ الملابس
بالغَوالي
وخَدُّ الرَّوْض خَفَّره أصيلٌ ... وجَفْنُ النَّهر كُحِّلَ بالظِّلال
وجِيدُ الغُصْنِ يُشرِف فِي لآل ... تضيء أكنافُ اللَّيَالِي ...
وَقَوله ... لله نهرٌ عِنْد مَا زُرْتُهُ ... عايَن طَرْفي مِنْهُ
سحرًا حَلاَلْ
إِذْ أصبح الطَّلُّ بِهِ ليلَةً ... وحالَ فِيهَا الغُصْنُ شبْهَ
الخيال ...
وَقَوله ... وَلما ماجَ بَحْرُ اللَّيْل بيني ... وبينكمُ وَقد
جَدَّدْتُ ذِكْرَا
أَرَادَ لقاءَكمُ إنسانُ عَيْني ... فمدَّ لَهُ المنامُ عَلَيْهِ
جَسْرَا ...
وَقَوله ... وَلما أَن رأى إنسانُ عَيْني ... بِصَحْنِ الخدّ مِنْهُ
غريقَ ماءِ
أَقَامَ لَهُ العِذارُ عَلَيْهِ جِسْرًا ... كَمَا مُدَّ الظلامُ على
الضِّياء ...
(2/365)
الْبيُوت
578 - أَبُو الْقَاسِم بن خرشوش من أَعْيَان الجزيرة فِي مُدَّة
الملثَّمين وَمن شعره قَوْله ... دَعْني إِذا الطيرُ نَادَى ... على
الغصون الصَّبوحُ
هُنَاكَ أتْلِفُ مَالِي ... وَإِن نهاني النَّصيحُ ...
الحكَّام
579 - أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن طَلْحَة
من المسهب أَنه ولى قَضَاء جَزِيرَة شُقْر وَكَانَ ظريف المذاكرة حسن
المحاضرة شاهدت مِنْهُ أَيَّام مُقامي بِجَزِيرَة شُقْر محَاسِن لَو
بُثَّت على الرض مَا ذوى وَلَو حُمِيَ بهَا النَّجْم مَا هَوَى أدبٌ
كَمَا سَجع الْحمام وكرمٌ مثل مَا هَطَل الْغَمَام وَمِمَّا أنشدنيه من
شعره قَوْله من قصيدة ... أَلا فَسَل البيداءَ عنِّيَ هَل رَأَتْ ...
سُرَايَ بهَا مَا بَين رُمْحٍ ومُنْصُلِ
بقلب لَو أنَّ السَّيْف مِنْهُ لما نَبَا ... وسُهْدٍ إِذا مَا نَام
ليلُ المهبَّل
على كل طِرْفٍ يسْبق الطَّرْف شَدُّهُ ... ترَاهُ إِلَى العلياء مثليَ
يَعْتَلي
فطوراً على بَرْقٍ وطوراً على ضُحىً ... وطوراً على ليلٍ بصبحٍ محجل
...
(2/366)
الْعلمَاء
580 - الأديب الْفَاضِل أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أبي الْفَتْح بن
خفاجة
من الذَّخِيرَة النَّاظِم المطبوع الَّذِي شَهِدَ بتقديمه الْجَمِيع
الْمُتَصَرف بَين أشتات البديع
وَمن القلائد مَالك أعنَّة المحاسن وناهج طريقها الْعَارِف بتَرْصيعها
وتنميقها النَّاظِم لعُقودها الرَّاقم لبُرودها
وَمن المسهب هُوَ الْيَوْم شَاعِر هَذِه الجزيرة لَا أعرف فِيهَا شرقاً
وَلَا غرباً نَظِيره
الْغَرَض من محاسنه قَوْله ... أما والتفات الرَّوضِ عَن أزْرق
النَّهْرِ ... وإشراقِ جِيد الغُصْن فِي حُلَّة الزَّهْرِ ...
(2/367)
وَمِنْهَا وَلم ألق إِلَّا صَعْدَةً فَوق
لأْمَةٍ ... فَقلت قضيبٌ قد أطلَّ على نَهْرِ ...
وَمِنْهَا ... وَلم أر إِلَّا غُرَّةً فَوق شُقْرَةٍ ... فَقلت حَبابٌ
يستديرُ على خَمْرِ ...
وَمِنْهَا ... غَزَاليّةُ الألحاظ رِيميَّة الطُّلَى ... مُدَاميَّةُ
الألْمَى حَبَابيَّةُ الثَّغْرِ
تَرَنَّحَ فِي مَوْشيَّةِ ذهبيَّةٍ ... كَمَا اشتبكتْ زُهْرُ النُّجُوم
على البَدْرِ
وَقد خَلَعَتْ لَيْلًا علينا يَدُ الْهوى ... رداءَ عناقٍ مَزَّقَتْهُ
يَدُ الفَجْرِ ...
وَقَوله ... وعَشِيَّ أُنْسٍ أضْجَعَتْنَا نَشْوَةٌ ... فِيهَا يمهِّد
مضجعي ويدمَّثُ
خَلَعَتْ عليّ بهَا الأراكةُ ظلَّها ... والغصنُ يُصْغِي والحمامُ
يُحَدِّثُ
والشمسُ تجنح للغروب مَرِيضَة ... والبرق يرقى والغمامة تَنْفُثُ ...
وَقَوله ... ومُهَفْهَفٍ طاوى الحَشَا ... خَنِثَ المعاطف والنَّظَرْ
بَهَرَ الْعُيُون بصورةٍ ... تُليَتْ محاسنها سُوَرْ
فَإِذا رَنَا وَإِذا شَدَا ... وَإِذا سعى وَإِذا سفر
فَضَح المدامة والحمامة ... والأراكة وَالْقَمَر ...
(2/368)
وَقَوله ... كأنَّما اللَّحْظُ كيمياءُ ...
يُذْهِبُ من خَدِّه لُجَيْنَا
وَمَا تيقَّنتُ أنَّ عَيْناً ... تَقلِبُ عين اللُّجَيْن عَيْنا ...
وَقَوله ... وأسودٍ يَسْبَحُ فِي لُجَّةٍ ... لَا تكتُمُ الحصباءَ
غُدْرَانُهَا
كأنّها فِي شكلها مُقْلَةٌ ... زرقاءُ والأسودُ إنْسَانُها ...
وَقَوله ... كتَابنَا ولدينا الْبَدْر ندمان ... وَعِنْدنَا بكئوس
الراح شهبان
والقضيب مائِسَةٌ وَالطير ساجعةٌ ... والأرضُ كاسيةٌ والجَوُّ عُرْيانُ
...
وَقَوله ... كتبتُ وقلبي فِي يَديك أسيرُ ... يُقيم كَمَا شاءَ الْهوى
ويسيرُ
ولي كلَّ حينٍ من نسيبي وأدمُعِي ... بِكُل مكانٍ روضةٌ وغَديرُ ...
وَقَوله ... يَا نُزْهَةَ النَّفْس يَا مُناها ... يَا قُرَّةَ
العَيْنِ يَا كَرَاها
أما ترى لي رِضاك أهْلاً ... وَهَذِه حالتي ترَاهَا
فاستَدْرك الفَضْلَ يَا أباهُ ... فِي رَمَقِ النَّفْسِ يَا أخاها
قسوت قَلْباً ولِنْتَ عِطْفاً ... وعِفْتَ من تَمْرَة نَوَاها ...
وَقَوله ... قل لقبيح الفَعَال يَا حَسَناً ... ملآْتَ عينيَّ ظُلْمَةً
وسَنَا ...
(2/369)
.. قاسمني طَرْفُكَ الضَّنَى أفَلاَ ...
قاسمَ جَفْنَيّ ذَلِك الوَسَنَا
إِنِّي وَإِن كنتُ هَضْبَةً جَلَداً ... أهتزُّ للحُسْن لوعَةً غُصْنَا
قَسَوْتُ قَلْباً ولِنْتُ مكْرُمةً ... لم ألتزمْ حَالَة وَلَا سَنَنا
لستُ أُحِبُّ الجمودَ فِي رَجُلٍ ... تحسبه من جموده وَثَنَا
لم يَكْحَل السُّهْدُ جَفْنَه كَلَفاً ... وَلَا طوى جسمَه الغرامُ
ضَنَى
فإنني والعفافُ من شيَمي ... آبى الرزايا وأعشق الحَسَنا
طوراً منيبٌ وَتارَة غَزِلٌ ... أبكى الْخَطَايَا وأندُبُ الدِّمَنَا
إِذا اعْتَرَتْ خَشْيةٌ بَكَى وشكى ... أَو انْتَحَتْ راحةٌ دَنا
فَجَنى
كأنني غُصْنُ بَانةٍ خَضِلٌ ... تَثْنيه ريحُ الصِّبَا هُنَا وَهنا ...
وَقَوله ... حدر والقناع عَن الصَّباح المُسْفِرِ ... ولَوَى القَضيبَ
على الكَثيب الأعْفَرِ
وتملّكتْه هِزَّةٌ فِي عزَّةٍ ... فارْتجَّ فِي وَرَقِ الشَّبَاب
الأخْضَرِ
متنفِّساً عَن مثل نَفْحة مِسْكِهِ ... مُتَبَسِّماً عَن مثل سِمْطَيْ
جَوْهَر
سَلَّتْ عليّ سيوفَها أجفانُه ... فلقيتهنَّ من الشَّبابِ بِمغْفَرِ
متجلِّداً آبى بنفسِيَ أَن أرى ... هَذَا الهِزَبْرَ قتيلَ ذَاك الجوذر
فحشَا بطعنته حَشَا متنفِّس ... تَحت الدُّجى من مارجٍ مُتَسَعِّرِ
يَغْشَى رماحَ الخطِّ أوَّلَ مُقْبل ... ويكُرُّ يَوْم الْحَرْب أخرَ
مُدْبِرِ
فتراه بَين جِراحَتَيْنِ للحظَةِ ... مكسورةٍ ولعاملٍ متكسِّر
بيني وَبَيْنك ذِمَّةٌ مرعيَّةٌ ... فَإِذا تنوسَيتِ الأزمَّةُ فاذْكُر
...
(2/370)
.. والمح صحفية صفحتي فاقرأْ بهَا ...
سطرين من دمعٍ بهَا مُتَحَدِّر
كَتَبَتْهُما تَحت الظلام يَدُ الضَّنَى ... خوفَ الوُشاة بأحمرَ فِي
أصفَر ...
وَمِنْهَا ... يَثْنِي معاطِفَه وأُذْرِي عَبْرَةً ... فإخالهُ غُصناً
بشطَّيْ جعْفَرِ ...
وَقَوله ... سقاني وقدلاح الهلالُ عشيَّةً ... كَمَا اعوجَّ فِي دِرْعِ
الكَمِيِّ سِنانُ
ونَمَّتْ بأسْرار الرياض خميلةٌ ... لَهَا الزَّهْرُ ثَغْرٌ والنسيم
لسانُ ...
وَكتب على ظهر رقْعَة هاج ... ومعرِّض ليَ بالهجاء وهَجْره ...
جاوبْتُهُ عَن شعره فِي ظَهره
فلئن نَكُنْ بالْأَمْس قد لُطْنا بِهِ ... فاليوم أشعاري تلوط بشعرهِ
...
وَقَوله ... والريحُ تَعْبَثُ بالغصون وَقد جَرَى ... ذَهَبُ الْأَصِيل
على لُجَيْنِ الماءِ ...
581 - أَبُو طَالب عبد الْجَبَّار المتنّبِّي
من الذَّخِيرَة كَانَ يعرف بالمتنبي أبرع أهل وقته أدباً وأعجبهم مذهبا
وَأَكْثَرهم تفنناً فِي الْعُلُوم وأوسعهم ذَرْعاً فِي المنثور
والمنظوم
(2/371)
وَكَانَ فِيمَا بَلغنِي يعد نَفسه بمُلْك
ويَنْخَرط للمجون فِي سِلْك لَا يُبَالِي أَيْن وَقع وَلَا يحفل بِأَيّ
شَيْء صنع وَمن شعره قَوْله ... كَيفَ البقاءُ ببيْتٍ لَا أنيسَ بِهِ
... وَلَا وِطاءٌ وَلَا ماءُ وَلَا فُرُشُ
كأنَّه كُوَّةٌ فِي حائطٍ ثُقِبَتْ ... فِي ظلمَة اللَّيْل يأوي
جَوْفَها حَنَشُ ...
وَقَوله ... قُلْ لأبي يُوسُفٍ المُنْتقَى ... والفاضلُ الأوحد فِي
عَصْره
وَمن إِذا حَرَّك موسيقة ... وظل يُبْدي السِّحْرَ من عَشْرِهِ
تخاله إِسْحَاق أَو مَعْبَداً ... تشْدُو بألحانٍ على وَتْرَهِ
هَل لَك أَن تسمع مُهْديكمُ ... فتطرُدَ الأشجان عَن فكْرِه
حَتَّى إِذا الْأَيَّام أبدتْ لَهُ ... مَا فِي ضمير الزَّهر من
سِرِّهِ
أَعْطَاك من جدْواهُ مَا تَشْتهِي ... فِضَّتِهِ الْبَيْضَاء أَو
تِبْرِهِ ...
وَقَوله ... وخَمَّار أنختُ بِهِ مَسيحي ... رَخيم الدَّلِّ ذِي وتر
فصيح
سقاني ثمَّ غَنَّاني بصوتِ ... فدَاوَى مَا بقلبي من جروح
وفض فَم الدنان على اقتراح ... ففاح الْبَيْت منْها طيبَ ريحِ
فقلتُ لَهُ لِكَمْ سنةٍ ترَاهَا ... فَقَالَ أظنها من عهد نُوحِ
فَلَمَّا أَن شدا الناقوس صَوتا ... دَعَاني أَن هَلُمَّ إِلَى
الصَّبُوح
وحَيّاني وفدَّاني بكأْسٍ ... وقبَّلني فردَّ إليَّ روحي ...
(2/372)
الشُّعَرَاء
582 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الدمن الْمَعْرُوف بمرْج كُحْل
هُوَ فِي الْمغرب مثل الوأواء الدِّمَشْقِي فِي الْمشرق كَانَ يُنَادي
فِي الاسواق حَتَّى إِنَّه تعيشى بِبيع السّمك ترقَّت بِهِ همته إِلَى
الْأَدَب قَلِيلا قَلِيلا إاى أَن قَالَ الشّعْر ثمَّ ارْتَفَعت فِيهِ
طبقته ومدح الْمُلُوك والأعيان وَصدر عَنهُ مثلُ قَوْله ... عَرِّجْ
بمُنْعَرِج الكثيبِ الأَعْفَرِ ... بَين الفُرَات وَبَين شَطِّ
الكَوْثَرِ
ولْتَغْتَبِقْها قهوةً ذهبيَّةَ ... من راحَتَي أحْوى المدامع أحْور
وعشيَّة كم بتُّ أرقبُ وَقتهَا ... سمحتْ بهَا الأيامُ بعد تَعذُّر
نِلْنا بهَا آمالنا فِي جَنَّةٍ ... أهْدَت لناشِقِها شميمَ العَنْبَرِ
والروضُ بَين مفضَّضٍ ومَذْهَّبٍ ... والزَّهْرُ بَين مُدَرْهَمٍ
ومُدَنَّر
والوُرْقُ تشدو والأراكةُ تَنْثَني ... والشمسُ تَرْفُلُ فِي قميصِ
أصْفَر
وَكَأَنَّهُ وَكَأن خُضْرَةَ شَطِّهِ ... سيفٌ يُسَلُّ على بِسَاط
أخْضرِ
وكأنما ذَاك الحَبابُ فِرِنْدُهُ ... مهما طَفَا فِي صفحهِ كالجوهَرِ
نهرٌ يَهيمُ بحسنِهِ من لم يَهِمْ ... ويجيد فِيهِ الشّعْر من لم يشْعر
ماأصفر وَجْهُ الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا ... إِلَّا لفرقةِ حُسْنِ ذَاك
المنظر ...
(2/373)
وَقَوله ... سَرَوا يَخْبِطُونَ الليلَ
والليلُ قد سَجَا ... وعَرْفُ ظلامِ الأُفْق مِنْهُ تأَرَّجا
إِلَى أَن تخَيَّلْنا النجومَ الَّتِي بَدَتْ ... بهِ يَا سَميناً
والظلامَ بَنَفْسَجَا
وَمِمَّا شجاني أنْ تألَّقَ بارقٌ ... فَقلت فُؤَادِي خافقامتوهجا
وشِيبَ بياضُ القَطْرِ مِنْهُ بحمرةِ ... فأذكرني ثَغْراً لسَلْمَى
مُفَلَّجَا
أمائِسَةَ الأعطاف من غير خَمْرَةِ ... بأسهُمِها تُصْمِي الكميَّ
المُدَجَّجَا
أأنتِ الَّتِي صَيَّرْتِ قدَّكِ مائساً ... وعِطْفَكِ مَيَّاداً
ورِدْفَكِ رَجْرَجا
وأغضبكِ التشبيهُ بالبَدْر كَامِلا ... وبالدَّعْصِ مَرْكوماً
وبالظَّبي أدْعَجا ... وقلب شَجٍ صَيَّرْتِهِ كُرَةً وَقد ... أجَلْتِ
عليهِ لامَ صُدْغِكِ صَوْلَجَا ... فَلَا رَحَلَتْ إِلَّا بقلبي ظعينةٌ
... وَلَا حملتْ إِلَّا ضلوعيَ هَوْدَجا ...
وَقَوله ... وَعِنْدِي من معاطقها حديثٌ ... يُخَبِّرُ أنَّ ريقتها
مُدَامُ
وَفِي ألحاظها السَّكْرَى دليلٌ ... وَلَا ذُقْنا وَلَا زَعَمَ الهمامُ
...
(2/374)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الثَّامِن من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مملكة
بلنسية وَهُوَ كتاب السحر المُسَطَّر فِي حلى حصن مُرْبَيْطَر
الْبسَاط
من المسهب هِيَ من المدن الرومية الْمَشْهُورَة بالأندلس فِيهَا آثَار
عَظِيمَة وَأَعْظَمهَا الملعب الَّذِي أَمَام قصرهَا وَهُوَ صَنَوْبريّ
الشكل قد ارْتقى بِأَحْكَم صَنْعَة دَرَجَة دَرَجَة إِلَى أَن تكون
الدرجَة الْعليا لَا يجلس فِيهَا إِلَّا الْملك وَحده ثمَّ مَا انحدر
مِنْهَا اتَّسع الْمَكَان بِحَسب الطَّبَقَات إِلَى أَن تكون الدرجَة
الْأُخْرَى لجمهور مَنْ يلوذ بالملوك من غير الْخَاصَّة المقربين
(2/375)
الْعِصَابَة ملكهَا فِي مُدَّة الطوائف
583 - الْقَائِد أَبُو عِيسَى بن لَبّون
وَكَانَ قبل ذَلِك وزيراً للمامؤن بن ذِي النُّون ولَعِبَ عَلَيْهِ
جَاره ابْن رزين صَاحب السَّهلة فَأخْرجهُ مِنْهَا وَلم يعوضه بِشَيْء
عَنْهَا
من القلائد هُوَ مِمَّن رَأس وَمَا شَفّ ووَكفَ جوده وَمَا كفَّ
وَأعَاد كاسد الْبَدَائِع نافقاً وَلم يُصْدِر آملاً خافقاً وَكَانَت
عِنْده مناهل تُزَفُّ فِيهَا للمُنى أبكارٌ نواهد وَمن شعره قَوْله ...
سَقَى أَرضًا ثَوَوها كلُّ مُزْنٍ ... وسايرهم سرُور وارتياح
فَمَا الوى بهم ملل ولكنْ ... صروفُ الدَّهْر والقَدَرُ المتاحُ
سأبكي بعدهمْ حُزْناً عَلَيْهِم ... بدمع فِي أعنَّتِه جِماحُ ...
وَقَوله ... قُم يَا نديمُ أدِرْ عليّ القَرْقَفَ ... أًوَ مَا ترى زهر
الرياض مفوقا
فتحال محبوبا مدلا ورده ... وتخال نرجسَها محِبّاً مُدْنَفَا
والجُلَّنَارَ دماءَ قَتْلَى مَعْرَكٍ ... والياسمينَ حَبَابَ ماءٍ قد
طَفا ...
(2/376)
وَقَوله ... لَحَا الله قلبِي كم يحنَّ
إليكمُ ... وَقد بعتمُ حظِّي وَضاع لديكمُ
إِذا نَحن أنصفناكمُ من نفوسنا ... وَلم تُنصفونا فالسَّلام عليكمُ ...
وَقَوله ... لَو كنتَ تشهد يَا هَذَا عَشِيَّتَنا ... والمزنُ يسكبُ
أَحْيَانًا وينحدرُ
وَالْأَرْض مصفرَّةٌ بالمزن كاسيةٌ ... أَبْصرت تبْراً عَلَيْهِ
الدُّرُّ يَنْتَثِرُ ...
وَقَوله ... يَا ربَّ ليل شَربْنا فِيهِ صَافِيَة ... حمراءَ فِي
لَوْنهَا تَنْفى التباريحا
ترى الفَراشَ على الأكواس سَاقِطَة ... كَأَنَّمَا أبصرتْ مِنْهَا
مصابيحا ...
وَقَوله بعد مَا أُخِذَ مِنْهُ بَلَده ... يَا لَيْت شعري وَهل فِي
لَيْت من أرَبٍ ... هَيْهَات لَا تَنْقَضِي للمرءِ آرابُ
أَيْن الشموسُ الَّتِي كَانَت تطالُعنا ... والجوُّ من فَوْقه لِليْل
جِلْبابُ
وَأَيْنَ تِلْكَ اللَّيَالِي إِذْ نُلمُّ بهَا ... فِيهَا وَقد نَام
حُرَّاسٌ وحُجَّابُ
تُهْدِي إِلَيْنَا لُجَيناً حَشْوُهُ ذَهَبٌ ... أناملُ العاجِ
والأطرافُ عُنَّابُ ...
وَقَوله ... نَفَضْتُ كفّي من الدُّنْيَا وَقلت لَهَا ... إِلَيْك عني
فَمَا فِي الحقّ أغْتَبنُ
مِنْ كِسْرِ بيتيَ لي روضٌ وَمن كُتُبي ... جليسُ صدقِ على الْأَسْرَار
مُؤْتَمَنُ
وَمَا مصابي سوى موتِي ويدفنني ... قومِي وَمَا لَهُم علم بِمن دفنُوا
...
(2/377)
السلك
584 - أَبُو عِيسَى لُب بن عبد الْوَدُود المربيطري
عاصره وَالِدي اخبر انه كَانَ يشرب وَدخل عَلَيْهِ غُلَام كَانَ يهواه
فَقيل لَهُ انه تزوج عاهرا وَجعلُوا يلومونه فَقَالَ ... لَا تعذلوه
على ابتناء ... بعرسه العاهر الهجين
الْيَسْ مثل الغزال حسنا ... لَا بُد للظبي من قُرُون ...
(2/378)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب التَّاسِع من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مملكة
البلنسية وَهُوَ كتاب المراعي العازبة فِي حُلى كورة شَاطِبة يَنْقَسِم
هَذَا الْكتاب إِلَى كتاب الغيوث الصائبة فِي حُلَى مَدِينَة شاطبة
كتاب النغْمة المطربه فِي حُلى حصن يانبَه
(2/379)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الاول من الْكِتَابَيْنِ الَّذين يشْتَمل عَلَيْهَا
كتاب الكورة الشاطبية وَهُوَ كتاب الغيوث الصائبة فِي حُلى مَدِينَة
شَاطِبَة
الْبسَاط
من المسهب مَدِينَة عَظِيمَة مَانِعَة كَرِيمَة تعز بامتناع معفلها
نفوس نفوسُ أَهلهَا وتَخْرُجُ من بَطْحائها فِي أحسن متأمّل وَهِي من
الَّتِي نشزت على بلنسية فِي مُدَّة مُلُوك الطوائف وَمن
مُتَفَرَّجاتها الْبَطْحَاء والغدير وَالْعين الْكَبِيرَة والعيون
الْعِصَابَة
اقتطعها فِي مُدَّة مُلُوك الطوائف مظفر مولى بني ابي عَامر ثمَّ تغلب
عَلَيْهِ جمَاعَة من الموالى العامرية وَصَارَت معقلا لَهُم وَلم يتفرد
بهَا اُحْدُ مِنْهُم ثمَّ توالت عَلَيْهَا وُلَاة بني هود ثمَّ وُلَاة
الملثمين ثمَّ صَارَت لبني عبد الْمُؤمن
(2/380)
ثمَّ لِابْنِ هود وساد فِيهَا أَبُو
الْحُسَيْن بن عِيسَى وَكَانَ مَشْهُورا بالجود ممدّحاً وَصَارَت لَهُ
بعد موت ابْن هود ثمَّ صَالح بنوه النَّصَارَى عَلَيْهَا وَصَارَت
بحكمهم
السلك ذَوُو الْبيُوت بَيت بني الْجنان بَيت مؤثل التَّوَارُث وهم من
كنَانَة أمهرهم
585 - أَبُو الْعَلَاء عبد الْحق بن خلف بن مفرّج بن الجَنّان
من المسهب كَاتب شاطبة الَّذِي لم أجد لَهُ فِيهَا نظيراً وماجدها
الَّذِي ألفيته للمكارم وليّاً ونصيراً اجْتمعت بِهِ فِي بَلَده
فأحلّني بَين خِلبِهِ وكبده وَهُوَ مَعْرُوف فِيهَا بالكتْب عَمَّن
يَليهَا من الْأُمَرَاء والاستشارة فِي الآراء تتحلى الوزراء باسمه
وتشرف الْكِتَابَة بوَسْمه وَلما أسرعتُ الرحيل عَن شاطبة وجَّه لي
ببِرٍّ وَكتب مَعَه ... يَا سيِّداً زارَ أرْضاً ... أمْسَتْ بِهِ
أُفْقَ بَدْرِ
مَا كنتَ إِلَّا كبَرْقٍ ... فَكُن غَديراً لقَطْرِ
حَتَّى نُوَفِّيَ وِرْداً ... من فَيْضِ علم كبحر ...
(2/381)
.. وَإِن أبَيْتَ فَسِرْ فِي ... أمْنٍ
وحِفْظٍ وبرِّ
وَكن عليما بِنَار ... اضرمتها طى صدر ...
وانشدني لنَفسِهِ ... سرى بعد الهُدُوِّ خيالُ نُعْمى ... وَلم تَدْر
الوشاةُ أوانَ سَارا
وزارَ وَأعْيُنُ الرُّقَبَاءِ تُذْكَى ... حذاراً أَن يزور وان يزار
فدون طروقِ ذَاك الحيِّ سُمْرٌ ... تَدور بجانبيه حَيْثُ دَارا
سأشكر للكَرَى خَلَساتِ وَصْلٍ ... كَمَا لَقَط القَطَا ثمَّ استطارا
...
وَذكره صَاحب فرحة الْأَنْفس وَأورد لَهُ رِسَالَة كتبهَا إِلَى يحيى
بن غانية الملثّم يهنِّيه بهزيمة النَّصَارَى
أَطَالَ الله بَقَاء الرئيس الْأَجَل وَاضح آيَات المساعي مجابا فِي
تاييده دَعْوَة الدَّاعِي وَلَا زَالَ مَعْقُود بالظفر ألويتُه معمورةً
بِصَالح الدُّعَاء ساحاته وأنديته كتابي وَمَا خططت بِحرف إِلَّا رمقت
السَّمَاء بطَرْف أَدْعُو وأتوسَّل إِلَى من يسمع الدُّعَاء وَيقبل
ويُسْنِي الحظوظ فيُجْزل على مَا أولى من قسم أتاحها الله على يَدَيْهِ
ولقى أزمَّتَها إِلَيْهِ حَتَّى انقادت لَهُ بعد شِماس وتأتت على ياس
وَهل كَانَت إِلَّا خبيئة الدَّهْر وبَيْضَةَ العُقْر صعبت على من
كَانَ قبل من أولى السياسات ومدبّري الرياسات
586 - ابْنه الْكَاتِب أَبُو بكر بن أبي الْعَلَاء
كَانَ من الجِلَّة ببلدة وجَرَت عَلَيْهِ محنةٌ سُجِن فِيهَا وقُيِّد
فَكتب على الْحَائِط بالفَحْم وَقد أَيقَن بِالْمَوْتِ ... أَلا دَرَى
الصِّيدُ من قومِي الصتاديد ... أنِّي أسيرٌ بدارِ الهُون مقصودُ ...
(2/382)
.. لَا أَبْسُطُ الخَطْوَ إِلَّا ظَلَّ
يَقبِضُهُ ... كَبْلٌ كَمَا التفَّت الحيَّاتُ مَعْقودُ
وَقد تألَّبَ أقوامٌ لسَفْك دمِي ... لَا يَعْرِف الفضْلُ مَغْناهم
وَلَا الجُودُ ...
وَقَوله فِي غُلَام يقفز فارّاً ... ووسيمِ الخَلْق والخُلُقِ ...
يَنْثَنَى كالغُصْن فِي الوَرَقِ
مرَّ يُلْقي النَّار فِي ضَرَمٍ ... كفُؤاد الصَّبِّ مُحْترِقِ
وَمضى يَجْتابُ جاحِمَها ... كانْصلات النَّجْم فِي الأُفُقِ ...
587 - أَبُو الْوَلِيد بن الجنَّان
من هَذَا الْبَيْت صحبته بِمصْر وحلب وَأَنا أقْطَعُ أَنه مَعْدُوم
النظير فِي الفوص على الْمعَانِي المخترعة والمولَّدة فمما كتبته عَنهُ
من شعره قَوْله من قصيدة مدح بهَا الصاحب الْكَبِير المُنْعِم كَمَال
الدّين بن أبي جَرَادَة ... فَوق خَدِّ الْورْد دَمْعٌ ... من عُيُون
الحِبِّ يَذْرِفْ
برِداء الشَّمْس أضحى ... بعد مَا سَالَ يُجَفِّفْ ...
وَقَوله ... قُم سَقِّنيها وجيشُ اللَّيْل مُنْهَزِمٌ ... وَالصُّبْح
أَعْلَامه محمرَّة العَذَبِ
والسُّحْبُ قد بدَّدَتْ فِي الأَرْض لؤلؤَها ... تَضُمُّهُ الشمسُ فِي
ثوبٍ من الذَّهَبِ ...
(2/383)
وَقَوله ... الأَرْض بالشمس تهيمُ فلِذا
... يَأْتِي بشيراً بالقدوم الغبش
لَو لم يكن هَذَا لَمَا غَدَا لَهَا ... بساطُ أزهار الرياض يُفْرَشُ
...
وَقَوله ... ودَوْحةٍ أطرَبتْ مِنْهَا حمائمُها ... أُفْقَ السَّمَاء
فَلم تَبْرَحْ تُنَقِّطُها
تحكي الكمامةُ فِيهَا رَاحَة قُبِضَتْ ... يُلْقِي السحابُ لَهَا
دُرّاً فَتَلْقُطُها ...
وَهُوَ الْآن بِالْقَاهِرَةِ مصدَّراً فِي إقراء النَّحْو
588 - أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر بن جُبَير
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه كتب عَن عُثْمَان بن عبد الْمُؤمن ملك غرناطة
وَحج وجلَّ قدره فِي رحلته ثمَّ عَاد إِلَى الأندلس ثمَّ عَاد إِلَى
مصر فَمَاتَ وقبره بالإسكندرية وَمن شعره قَوْله ... طولُ اغتراب
وبَرْحُ شَوْقٍ ... لَا صَبْرَ وَالله لي عَلَيْهِ
إِلَيْك أَشْكُو الَّذِي أُلاقي ... يَا خَيْرَ من يُشْتكى إلَيْهِ
ولي بغَرْناطةٍ حبيبٌ ... قد غَلِقَ الرَّهنُ فِي يَدَيْه
ودعته وَهُوَ بارتمارض ... يُظْهِرُ لي بعضَ مَا لديْهِ ...
(2/384)
.. فَلَو ترى طلَّ نَرْجِسَيْهِ ... ينهلُّ
فِي وَرْد صَفْحَتَيْهِ
أبصرتَ دُرّاً على عقيقٍ ... من دمعه فَوق وجْنَتَيْهِ ...
وَقَوله ... غريبٌ تذكَّر أوطانَهُ ... فهيَّج بالذِّكْر أشجانَه
يَحُلُّ جَوَاه عقودَ العَزَاءِ ... ويَعْقِدُ بِالنَّجْمِ أجفانه
ويُرْسل للغَرْب من دمعهِ ... غُروباً لتسقيَ سُكَّانه ...
وَقَوله ... يَا وفودَ الله فُزْتُمْ بالمُنَى ... فهنيئاً لكمُ أهْلَ
مِنَى
قد عرفنَا عَرفاتٍ بعدكمْ ... فَلهَذَا برَّحَ الشوقُ بِنا ... نَحن
بالمغرب نُجْري ذكركمْ ... وغُروبُ الدمع تجْرِي بَيْننَا ...
الْكتاب
589 - أَبُو بكر عبد الرَّحْمَن بن مُغَاور
كتب عَن أبي الرّبيع بن عبد الله بن عبد الْمُؤمن سُلْطَان الْمغرب
الْأَوْسَط وقسَم أَبُو الرّبيع يَوْمًا على خاصته أُتْرُجّاً
فَأَعْطَاهُمْ وَاحِدَة وَاحِدَة وخصَّه بِاثْنَتَيْنِ
(2/385)
فَقَالَ ... قَسَم الأُتْرُجّ فِينَا ...
مَلِكٌ طَلُقُ اليديْن
لم تكن قسمةَ ضِيزَى ... بَين أتْرابي وبيني
إِذْ حَبَا فَرْداً بِفَرْدٍ ... وحَبَاني بِاثْنَتَيْنِ
هَكَذَا مَا زَالَ حظيِّ ... مثلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ...
ووهب لَهُ أحد الْأَعْيَان سَهْمَه من الساقية فِي يَوْمه فسقى بهَا
جَنَّته ثمَّ وصل إِلَى ابْن مغاور فِي ذَلِك الْيَوْم ضيف فَكتب إِلَى
الْمَذْكُور الَّذِي سقى جَنَّته ... سقيتَ أرضي بفَيْضِ ماءٍ ...
فاسْقِ ضلوعي بفَيْضِ راحِ
واتركْ جفايَ يذهبْ جُفَاءً ... واخْفض جنَاحا على جُناحي ...
وَقَالَ وَقد عَلِقَ أَخ لَهُ امْرَأَة من بني ينق ... بني ينق عُيُون
كفوا ظبائكم ... فَمَا بَيْننَا ثأر وَلَا عندنَا ذحل
أسوعتم الشَّهْدَ المشورَ لطاعمٍ ... وقلتمْ حرامٌ أَن يُلِمَّ بِهِ
النَّحْلُ
إِذا مَا تَصَدَّتْ فِي الطَّرِيق طَروقةٌ ... فغيرُ نَكِير أَن يُلمَّ
بهَا الفَحْلُ ...
وَقَوله ... الْحَمد لله بلغْنا المُنى ... لَا حدَّ فِي الْخمر وَلَا
فِي الْغِنَا
قد حلل القَاضِي لنا ذَا وَذَا ... وَإِن شكرناهُ أحلَّ الزِّنَا ...
(2/386)
590 - الْكَاتِب أَبُو عبد الله مُحَمَّد
بن عبد الْعَزِيز
كَانَ بمرَّاكُش فِي مُدَّة الْمَنْصُور وَكتب عَن أبي زَكَرِيَّا بن
أبي إِبْرَاهِيم صَاحب سَبْتَة وَكَانَ يَقُول من الشّعْر مَا مِنْهُ
قَوْله ... أيا سَرْحَةً ناديتُها مُظْهِراً لَهَا ... غرامي وسرِّي
فِي الضَّمِير قد انطَوى
قَعيدَكِ هَل تدرين مَا بِي من الضَّنَى ... وماذا أقاسيه عليكِ من
الجَوَى
... فيا لَيْتَني لم أعرفِ الحبَّ سَاعَة ... فلولا الْهوى مَا كَانَ
نَجْميَ قدْ هَوَى ...
وَمن كتاب الإحكام فِي حُلى الحُكّام
591 - أَبُو الْحسن طَاهِر بن نيفون قَاضِي شاطبة
من المسهب عَالم أَعْلَام وفاضلٌ فِي كل فن وَإِمَام ونهض بِهِ علمه
حَتَّى صيّره عَلَماً وأبرزه فِي بَلَده حَكَماً وَله من مدح فِي
إِبْرَاهِيم بن يُوسُف ابْن تاشفين ... أَيا ملكا أولانيَ العزَّ
والغِنَى ... وصيَّرني بعد الخمول مُكَرَّمَا
وأبصرني فِي الأَرْض مُلقىً مذَلَّلاً ... فرفَّعني بالعزِّ والجاه
للسَّمَا ...
(2/387)
الْعلمَاء
592 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن أبي عبد الله مُحَمَّد بن سُراقة
هُوَ الْآن صَاحب مدرسة الحَدِيث الَّتِي بناها السُّلْطَان الْكَامِل
فِي الْقَاهِرَة وَهُوَ قي نِهَايَة اللطافة وخلوص الدّيانَة
وَالْقَبُول وعَلى أُمُوره طُلاوة استنشدته من شعره فأنشدني قَوْله ...
دَعَاني إِلَى سَماع شعريَ سَيِّدٌ ... غَرٍ بفُنون الْعلم يَرْوِي
ويكتبُ
فقلتُ عجيبٌ عنديَ الْجُود بالُّلهَا ... وبُخْليَ بالشعر المهلهل
أعجبُ
وَمَا الشّعْر إِلَّا صُورَة العَقْل حَجْبُها ... إِذا لم تكن فِي
غَايَة الْحسن أوجَبُ ...
593 - الطَّبِيب أَبُو عَامر مُحَمَّد بن ينَّق
شُهرَ ذكاءً وطَبْعاً وعمِّر للمحاسن رَبْعاً لَوْلَا عُجْب استهواه
وأخلّ بِمَا حواه وزهْوٌ ضَفا على أعطافه وأخفى ثوب إنصافه إِلَّا أَن
حَسَنَة إحسانه لتِلْك السَّيئَة ناسخة وَفِي نفس الِاسْتِحْسَان راسخة
وَمن شعره قَوْله ... دَعْني أُصَادِ زماني فِي تقلُّبِهِ ... فَهَل
سمعتَ بظلِّ غير منتقل ...
(2/388)
.. وَكلما راحَ جَهْماً رُحْتُ مبتَسماً
... كالبَدْر يزْدَاد إشراقاً مَعَ الطَّفَل
وَلَا يروعَنْكَ إطراقي لحادثةٍ ... فاللَّيْثُ مَكْمَنُهُ فِي الغِيل
للغَيلِ
فَمَا تأَطَّر عِطْفُ الرُّمْح من خَوَرٍ ... فيهِ وَلَا احمرَّ صَفْحُ
السَّيْف منْ خَجَلِ
لَا غَرْو أَن عُطِّلتْ من حَلْيها هِممي ... فَهَل يُعَيَّرُ جِيدُ
الظَّبي بالعَطَل
وَيْلاهُ هَلاًّ أنالَ القوسَ باريهَا ... وقلد العضب جِيد الفارسِ
البَطل ...
وَقَوله ... وَمَا ظبيةٌ أدْماءُ تألف وجرة ... وترود ظلال الضَّالِ
أَو أثَلاتِها
بأحسنَ مِنْهَا يومَ أومَتْ بلحظها ... إِلَيْنَا وَلم تَنْطقْ حذارَ
وُشَاتها ...
وَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ صَاحب السِّمْط وَأنْشد لَهُ فِي
بعض مَا أنْشد مَا هُوَ مَنْسُوب لغيره
الشُّعَرَاء
594 - أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن سلفير الشاطبيّ
من فرحة الْأَنْفس لَهُ من قصيدة فِي مُحَمَّد بن مرْذنيش ملك مُرْسية
تصف قِطَعَه البحرية ... وبنْتِ ماءٍ لمَسْرَى الرّيح جِرْيَتُها ...
تمْشي كَمَا مشت النَّكْبَاءُ والثَّمِلُ
قد جَلَّلوها شراعاً مثل مَا نشأتْ ... يُظلُّها من غمامٍ فَوْقهَا
ظُلَلُ
كَأَنَّهَا فَوق متنِ الرّيح سابحة ... فتخاء يَعْلُو بهَا طوراً
ويَسْتَفِلُ
جابت بِنَا كل خَفّاق الحشَا لَجب ... لملتقى المَوْج فِي حَافَّاته
زجل ...
(2/389)
595 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَرْبُوع
الشاطبيّ
ذكره صَفْوَان فِي زَاد الْمُسَافِر وَذكر أَنه طلب من صَفْوَان شَيْئا
من شعره فمطله فَكتب لَهُ ابْن يَرْبُوع ... فدَيْتُكَ مَا هَذَا
التَّنَاسي أَبَا بَحْرِ ... لقد ضَاقَ ذَرْعاً عَن تحمُّله صَبْري
أأصْدُرُ عَن أُفْق الْكَوَاكِب سادراً ... وأرحل ظمآناً على شاطئ
النَّهْر ...
وَأنْشد لَهُ قَوْله فِي أحد مُلُوك بني عبد الْمُؤمن ... أَسَيِّدنا
لَا تُنكرنَّ تزاحُماً ... على كفكم منّا فمورِدُها عَذْبُ
وُعْذرا إِلَيْنَا فالقلوب نوازِعٌ ... إِلَى لَثْمها والحكْمُ مَا
حكمَ القَلْبُ
فَلَو بلغَتْ شُهْبُ السماءِ بلوغَنَا ... لتقبيلها ظلَّتْ تزاحمنا
الشُّهْبُ ...
الْأَهْدَاب
موشحة لِابْنِ مُوهَد الشاطبيّ
وَسكن مُرْسيَة ومدح بهَا ابْن مرذنيش ملك شَرق الأندلس ... أما طربتَ
إِلَى الحُمَيَّا ... مَا بَين ندمانٍ وساقِ
والبدرُ فِي عقب الثريّا ... والليلُ ممدودُ الرِّواقِ
خُذها على رغم العذولِ
خَرْقاءَ تلعبُ بالعقول ...
(2/390)
.. والنهرُ كالسيف الصَّقيلِ
على رياض فاحَ رَيَّا ... ولاح مصقول التراقي
تِلْكَ المنى يَا صاحبيا ... لَا مُلْكُ مصرَ مَعَ العراقِ
قد كنت أصبو إِلَى الرَّحِيق
حَتَّى شُغلْتُ عَن الإبريقِ
بقهوةٍ من لذيذ الرِّيقِ
أَنا الَّذِي صِدْتُ ظَبْيًا ... طاوى الحشا حُلْو العِناقِ
تَسْقي مراشفهُ شَهِيَاً ... من مُسْكرٍ عَذْب المذاقِ
يَا من لَحَا وَلَك التَّفْنِيدُ
حُبِّي لَعَزَّةَ لَا يبيدُ
فَرُبمَا بَلِيَ الْجَدِيد
يَا من أحبَّ القُرْبَ إليّا ... كَيفَ السبيلُ إِلَى التلاقي
لقد لقيتُ الْمَوْت حَيَّاً ... مَا بَين نأْيِكَ واشتياقي
من لي بِهِ فَوق مَا أقولُ
تحارُ فِي وَصْفه العقولُ
فَمَا إِلَى وَصْله سبيلُ
أحببْ بِهِ أحببْ إليَّا ... ظَبْياً يروَّع بالفراقِ
طَلْقَ الأسرَّة والمحيَّا ... كالظَّبي مَكْحُول المآقي ...
(2/391)
.. مَنْ لي بِمن أَهْوى ومَنْ لي
لَيْسَ الهَوَى إِلَّا لمثلي
وَأَنت يَا بَعْضِي وكُلِّي
أبْعَدْتَني بُعْدَ الثُّريّا ... وَأَنت تعلم مَا أُلَاقِي
يَا من هَوِيتْ أبقِي عليَّا ... كَمَا أَنا عَلَيْك بَاقٍ ...
(2/392)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا
مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الثَّانِي من
الْكِتَابَيْنِ اللَّذين تشْتَمل عَلَيْهَا كورة شاطبة وَهُوَ كتاب
النَّغْمة المُطْرِبه فِي حُلى حصن يانَبه
من المسهب حصن بَهِجُ المنظر ذُو فواكه ومياه مِنْهُ
596 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن خَلصَة الْأَعْمَى
من الذَّخِيرَة كَانَ أحد الْعلمَاء بالْكلَام وَله حَظّ من النثر
والنظام لكنه بالأئمة الْعلمَاء أشبه مِنْهُ بِالْكتاب الشُّعَرَاء
وَقد بَدَرَتْ لَهُ أشعارُ يسير بهَا إِلَى البديع وَيذْهب فِيهَا
إِلَى التصنيع وَكتب عَن إقبال الدولة بن مُجَاهِد ملك دانية والجزر
وَمن شعره قَوْله من قصيدة فِي مدحه
(2/393)
.. خَدَمتكمْ ليكونَ الدَّهْر من خَدَمي
... فَمَا أحالتْهُ عَن أَحْوَاله حيلي
إِن لم تكن بكم حَالي مبدلة ... فَمَا انتفاعي بِعلم الْحَال وَالْبدل
...
وَقَوله من قصيدة ... أَطِعْ أمْرَ مَنْ تهواهُ من عَزَّ قد بَزَّا ...
كفى بالهوى ذُلاًّ وبالحسن مُعْتَزَّا ...
وَمِنْهَا ... وَلما لَحَاني الدهرُ لَحْوَ العَصَا وَلم ... أجِدْ من
بنيَه غيرَ من زادني وَخزَا
جعلتك لي حِصْناً ونبَّهتُ مِقْوَلاً ... جُرَازاً جُذَاذاً لَا
كَهاماً وَلَا كَزَّا
وَلم تقتصدْ مِنْك القصيدةُ نائِلاً ... كثيرٌ لَهَا أَن تُسْتَجَازَ
وَلَا تُجْزَى
ليُمْتِعْ بك الله الأمانيّ والمُنَى ... وَلَا تُفْجَعُ الْآدَاب فِيك
وَلَا تُرْزا ...
وَقَوله ... عَدَمٌ ذَا الورى وأنتمْ وجودُ ... وهُراءٌ وأنتمُ
المعقولُ
وَإِذا كَشَّف الحقائقَ فكْرٌ ... شَهدتْ لي بِمَا أَقُول العقولُ ...
وَقَوله يُخَاطب الحُصْريَّ ... أيا صَادِقا هَواهُ ... إِذا المدَّعون
مانُوا
فَلم يَحْوِ مَا حواهُ ... زمانٌ وَلَا مكانُ
وَلم يَفْرِ مَا فَرَاهُ ... حُسَامٌ وَلَا سِنانُ
إِذا سَلَّ مُرْهَفاتٍ ... من الْمنطق البيانُ
تَبَيَّنْتُ أنَّ أمْضيَ ... من الصارم اللسانُ ...
(2/394)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد
نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الْعَاشِر من الْكتب الَّتِي
يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب المملكة البلَنسية وَهُوَ كتاب فِي حُلى حصن
البُونْت
من المسهب معقل من المعاقل الرفيعة والشواهق المنيعة ملكة فِي مُدَّة
مُلُوك الطوائف
597 - الْقَائِد أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْقَاسِم الفِهري
وَضَبطه أَشد الضَّبْط وَصَارَ شَجىً فِي حَلْق صَاحب بلنسية وَعِنْده
أَطَالَ المكثَ هشامٌ المعتدّ المروانيّ الَّذِي صَار خَليفَة بقرطبة
وَمن عِنْده استدعى للخلافة وَولي بعد ابْنه
(2/395)
598 - الْقَائِد أَبُو عبد الله مُحَمَّد
بن عبد الله
فحذَا حَذْوَ أَبِيه وَمنع رياسته مِمَّن يَلِيهِ إِلَى أَن أدْركهُ
مَا يدْرك البدرالتمام وَأَخذه الْحمام فولي بعده ابْنه
599 - الْأَمِير أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله
وَمِنْه أَخذ هَذَا الْحصن أَمِير الملثّمين يُوسُف بن تاشفين من
القلائد رجل زَهَت بِهِ الرياسة وَالتَّدْبِير وجبلٌ دونه يَلَمْلَمٌ
وثَبيرٌ ووقار لَا يستفز وَلَو درات عَلَيْهِ العُقار إِذا كتب باهت
البدرَ رُقعتهُ وقرطسَتْ أَفْئِدَة الْمعَانِي نَزْعتُه وَضعته الدولة
فِي مَفْرقها وأطلعت شمسَه فِي مشرقها فأظهر جمَالهَا وعطَّر صَبَاها
وشَمالها فسهَّل لراجيها حَزْنها وصابَ بِأَحْسَن السِّير مُزْنها ولاح
بِشْرُها ونَفح نَشْرُها وجادت يَده بالحَيَا وعادت بِهِ أَيَّام
الْفضل بن يحيى إِلَّا أَن الْأَيَّام اتَّقَتْه فَمَا أبقتْه وخَشِيه
مكْرُها فغشيه نُكْرها فتخلَّت عَنهُ الدولة تخَلَّى العقد عَن عنق
الْحَسْنَاء وأعرضت عَنهُ إِعْرَاض النسيم عَن الرَّوْضَة الغنَّاء
وَإِنَّهَا لعالمة بسَنائه هائمةٌ بغَنَائه وَلَكِن الزَّمَان لَا
يُرِيد شفوفا وَلَا يرى أَن يكون بالفضائل محفوفا وهواليوم قد انقبض
عَن النَّاس وأجناسهم واستوحش من إيناسهم وأنِسَ بنتائج أفكاره وهام
بعيون الْعلم وأبكاره
(2/396)
الغرضُ مِمَّا أورد لَهُ كتبَ إِلَى
الْوَزير أبي بكر بن عبد الْعَزِيز مُجاوباً عَن كتاب خاطبه بِهِ
مسلياً عَن نَكْبته ... وَلَو لم أفل شباة الخطوب ... بِحَدّ كَحَد
ظُبَا الصارِمِ
وَلم أَلْقَ من جُنْدها مَا لقيتُ ... بصبْرٍ لأبطالها هازمِ
وَلم أعْتَبرْ حادثات الزمانِ ... بِخبْرِ خبيرٍ بهَا عالِم
لَكَانَ خطابُك لي ذُكْرَةً ... تُنَبِّه من سِنة النائِمِ
ورِدْءاً يردُّ صعاب الْأُمُور ... على عَقِب الصاغر الراغم ...
فَكيف وَقد قَرَعْتُ النائبات إصغاراً ولقيتُ من هبوبها إعصارا وَلم
أستعن فِي شئ مِنْهَا بمخلوق وَلَا فوَّضت فِي جَمِيع أمورها إِلَّا
إِلَى أعدل فاتح وأحفظ موثوق وأسأله أَن يَجْعَلهَا كَفَّارَة للسيئات
وطهارة من دَرَن الخطيئات بمنِّه وَكَرمه وَإِن خطاب السَّيِّد وصَل
غِبَّ مَا تجافى ومَطَل فَكَانَ الحبيبَ المقبَّل من حَقه أَن
يُسْتَمال ويُسْتَنْزل وَلَا عتاب عَلَيْهِ فِيمَا فعل وَقد علمت أَنه
مهما أَبْطَأَ بُرْهَة متَّصلةً فَمَا أَخطَأ حفاظاً بِظهْر الْغَيْب
وصلَةً وَإِنَّمَا نهته عَن مُقْتَضى نظره ليبينه بفحوى تَأَخره وعَلى
أَن العوائد أَحْمد من البَدِيَّات والفوائد فِي النتائج لَا فِي
الْمُقدمَات كَمَا خُتم الطَّعَام بالحلواء بل كَمَا نُسِخَ الظلام
بالضياء وبُعث مُحَمَّد آخر الْأَنْبِيَاء وَإِن احتفاءه لمقدور حق
قدره ووفاءَه لجدير بالمبالغة فِي شكره وَلَقَد بلغت مكارمه مداها
وسلَت مساهمته عَمَّا اقتضاها وَقد آن أَن يدع من ذكرى نَهْبٌ صِيحَ
فِي حَجَراته واستُبيح من جهاته
وَكتب لَهُ أَبُو الْعَبَّاس بن عشرَة قَاضِي سَلا وَقد حَلَّ أَبُو
مُحَمَّد سَلا
(2/397)
وظنَّ أَنه يجد مِنْهُ مؤانسة فانقبض عَنهُ
وَاعْتذر بالسلطان ... واحَسْرَتا لصديقٍ مَا لَهُ عِوضٌ ... إِن
قُلْتَ من هُوَ لَا يلقاك مُعْتَرِضُ
أَلْقَاهُ بِالنَّفسِ لَا بالجسْم من حذَر ... لعلّةٍ مَا رأيتَ
الحُرَّ يَنْقَبِضُ ...
فجاوبه أَبُو مُحَمَّد ... شرُّ الجيادِ إِذا أجْرَيْتَ منقبضُ ... مَا
للوجيه على الميدان مُعْتَرَضُ
أنَّى تُضَاهيه فُرسان الْكَلَام ومِن ... غباره فِي هواديهنَّ مَا
نَفَضُوا ...
ومرَّ فِي الشّعْر إِلَى أَن قَالَ بعد العتاب ... والحرُّ حرٌّ وأمْرُ
الله مُنْتَظَرٌ ... والذكرُ يبقَى وَعمر الْمَرْء مُنقَرِضُ ...
وأثْنَى عَلَيْهِ وعَلى بَيته صَاحب المسهب وَقَالَ فِي وَصفه مَلِك
قمرِي الْوَجْه سحابيُّ الْيَد روضيّ الجناب مَلّك طُفَيليّ السماح على
الْأَقَارِب والأباعد مَا فُرِّجت أبوابه إِلَّا تفرَّجت الشدائد
وَأنْشد لَهُ قَوْله ... خُلِعَتْ عَن المُلْكِ لكنِّني ... عَن
الصَّبْر وَالْمجد لَا أَخْلَع
رماني الزَّمَان بأرزاءه ... وغَيْرِي من خَطْبه يجْزَعُ
فَلَيْسَ فؤاديَ بالملتظي ... وَلَا مُقْلتي حسْرةً تدْمعُ
ولي أَمَلٌ ليته لم يكن ... فكم ذَا يعر وَكم يخدع ...
(2/398)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد
نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الْحَادِي عشر من الْكتب الَّتِي
يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب المملكة البلَنسية وَهُوَ كتاب حنين السانية
فِي حلى أَعمال دانيَة
هِيَ محسوبة من المملكة البلنسية وانقطعت عَنْهَا فِي مُدَّة مُلُوك
الطوائف وينقسم كتابها إِلَى كتاب القطوف الدانية فِي حلى مَدِينَة
دَانِيَة كتاب تغريد السَّكْرَان فِي حلى حصن بُكَيران كتاب أنس
العُمْران فِي حلى حصن بَيْران
(2/399)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله
على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد
وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الأول من الْكتب الَّتِي يشْتَمل
عَلَيْهَا كتاب أَعمال دانية وَهُوَ كتاب القطوف الدانية فِي حلى
مَدِينَة دانية
المنصة
كَاد هَذَا الْعَمَل يكون مملكة مُنْقَطِعَة عَن بَلنسية لعظم مَا
احتوى عَلَيْهِ وشهرة حاضرته مَدِينَة دانية وَمَا تأثل من ملك من يذكر
وَمن المسهب مَدِينَة عَظِيمَة مَشْهُورَة الذّكر جليلة الْقدر متوارثة
المملكة فِي مُدَّة مُلُوك الطوائف وَكَثُرت إِلَيْهَا الْأَسْفَار
وشدت نَحْوهَا الرِّجَال من الأقطار وامتلأت من الْعلمَاء وَالْكتاب
وَالشعرَاء وَهِي على الْبَحْر كَثِيرَة الْخيرَات
(2/400)
التَّاج
600 - الْمُوفق مُجَاهِد بن عبد الله ملك الجُزُر
وصَيَّرها حَضْرَةً لملكه وَكَانَ جليل الْقدر لَهُ غزوات فِي
النَّصَارَى فِي الْبَحْر مَشْهُورَة وَمن أعظم مَا فَتحه جَزِيرَة
سَرْدانيَة الْكَبِيرَة وَكَانَ محبّاً فِي الْعلمَاء محسناً لَهُم
كثير التولع بالمقرئين للْكتاب الْعَزِيز حَتَّى عُرف بذلك بَلَده
وقُصد من كل مَكَان وشُكر فِي الأقطار بِكُل لِسَان وَقد أثنى عَلَيْهِ
ابْن حَيَّان فِي كتاب المتين بِهَذَا الشَّأْن وَقد وَفد عَلَيْهِ
أَفْرَاد الشُّعَرَاء كإدريس ابْن اليَمان وجلَّة الْعلمَاء كَابْن
سَيّده وَولي بعده ابْنه
601 - إقبال الدولة عليّ بن مُجَاهِد
وحذا حَذْو أَبِيه فِي الإقبال على الْعلمَاء إِلَّا أَنه كَانَ ذَلِك
تطبُّعاً لَا طبعا وَكَانَت همته فِي التِّجَارَة وَجمع الْأَمْوَال
إِلَى أَن أَخذهَا مِنْهُ المقتدر بن هود
(2/401)
قَالَ الحِجاريّ وَكَانَت مدَّته وَمُدَّة
أَبِيه فِي ملك دانية سِتِّينَ سنة ثمَّ توالت عَلَيْهَا وُلَاة
الملثمين وولاة ابْن مرذنيش صَاحب بلنسية وَمِنْه أَخذهَا النَّصَارَى
أعَاد 4 هَا الله
السلك
الْكتاب
602 - الْكَاتِب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْعَالم أبي عمر ابْن عبد
الْبر النَّمَريّ
من الذَّخِيرَة كَانَ أَبُو مُحَمَّد قد حلَّ من كُتّاب الإقليم مَحل
الغَفْر من النُّجُوم وتصرّف فِي التَّأْخِير والتقديم تصرُّف
الشَّفْرة فِي الْأَدِيم وتصرَّف ثمَّ ذكر مَكَان أَبِيه فِي الْعلم
وشهرة تصانيفه وَنبهَ على مَا جرى على أبي مُحَمَّد عِنْد المعتضد بن
عباد حِين وَشَى بِهِ ابْن زيدون وَزعم أَنه يطعن فِي الدولة فكاد أَن
يهْلك على يَدَيْهِ حَتَّى وصل أَبوهُ وخلصه مِنْهُ الْغَرَض من نثره
قَوْله من رِسَالَة عَن ابْن مُجَاهِد وَقد زَفَّ ابْنَته إِلَى
المعتصم ابْن صُمادح
(2/402)
وَقد توغّلت مَعَك فِي أَسبَاب الأُلفة
وهتكت بيني وَبَيْنك أَسبَاب المراقبة والكُلْفة فَأَنا أستريح إِلَيْك
بخفيات سرّى وأجلو عَلَيْك بُنيّات صَدْرِي خروجاإليك عَمَّا عِنْدِي
وجَرْياً مَعَك على مَا يَقْتَضِيهِ إخلاص ودي وجلاءً لشواغل بالي
واستظهاراً بك على حَالي وشفاءً لمضَض نَفسِي واستدعاءً لما نَفَر
وشرَد من أُنْسي كَمَا ينفث المصدور ويتلقى بَرْدَ النسيم المحرور وكما
تفيض النَّفس عِنْد امتلائها وتجود الْعين طلبا للراحة بِمَائِهَا
وَكنت أَشرت فِي كتابي بتوجه مَنْ توجه من قِبَلي مِمَّن كَانَ رَوْح
أُنسي وَرَيْحَان جَذَلي وَنَفْسِي إِلَى أَن قَرَعَ مَا قرع من لوعة
الْفِرَاق ولَذَعَ مَا لذع من لوعة الاشتياق وَأَنا أَظن ذَلِك
عَاقِبَة الصَّبْر تَغْلبه والجلَد يَعْقُبُه وَأَن انصرام الْأَيَّام
ينسيه ويذهبه فَإِذا هُوَ قد أفرط وَزَاد وَغلب أَو كَاد
وَمن القلائد بَحر الْبَيَان الزاخر وفخر الْأَوَائِل والأواخر وَمن
شعره قَوْله فِي رجل مَاتَ مجذوماً ... ماتَ من كُنَّا نراهُ أبدا ...
سالمَ العَقْل سقيمَ الجَسَدِ
بَحْرُ سُقْمٍ ماجَ فِي أَعْضَائِهِ ... فَرمى فِي جلده بالزَّبَدِ
كَانَ مثل السَّيْف إِلَّا أَنه ... حُسِدَ الدَّهْر عَلَيْهِ فصَدِي
...
وَقَوله ... لَا تُكثرنَّ تأمُّلاً ... واحْبِسْ عَلَيْك عِنان طَرْفِك
فلربّما أرْسَلْتَهُ ... فرماك فِي مَيْدان حَتْفِك ...
(2/403)
603 - الْكَاتِب أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن
أَحْمد الداني
من الذَّخِيرَة قدَّمَتْه قُدْمَتُه إِذْ كَانَ أسْناهم موضعا وأرفعهم
عِنْد مُلُوك الطوائف مطاراً وَأحسن موقعاً وَله إِحْسَان كثير بَين
منظوم ومنثور وَكَانَ أَبوهُ شُرطيّاً بدانية فتميَّز هُوَ بالأدب
وَقَالَ فِي أَخِيه وَكَانَ يكثر من هجائه ... جارَ ذَا الدهرُ علينا
... وَكَذَا الدهرُ يجورُ
كَانَ شُرطيّاً أَبونَا ... وَأخي اليومَ وزيرُ
أَنا مأبونٌ صغيرٌ ... وَهُوَ مأبون كبيرُ ...
وَقَوله ... وعصا أَبينَا إِنَّهَا لألية ... شوهاء إِنَّك شَوْهَةُ
الوزراء ...
وَله نَثْرٌ فِي الْقُصُور العَبَّادية بإشبيلية وَقد تقدم ذَلِك
هُنَالك وَذكره الحِجاري وَأنْشد لَهُ قَوْله ... أَلا يَا سَائِلًا
عَن شرْح حَالي ... عَنَاهُ من أموريَ مَا عناني
حَوَيْتُ من الْفَضَائِل مَا علمتُمْ ... وحرت الخصل فِي يَوْم
الرِّهَان
وَمَا إِن نلْت فِي الْأَيَّام إِلَّا ... سباب أخي وحَسْبي من أماني
...
(2/404)
604 - الْكَاتِب أَبُو عبد الله مُحَمَّد
بن مُسلم الداني
من الذَّخِيرَة آيَة الزَّمن وَنِهَايَة الفطنة واللسَن نفثَ بِالسحرِ
واغترف من الْبَحْر ونظم الدراري بَدَلا من الدُّر وَمِمَّا أوردهُ من
نثره قَوْله من رِسَالَة خَاطب بهَا صَاحب ميروقة
إِن أغْبَبْتُ على بعد الديار مُكَاتَبَتك وأقْلَلْت مَعَ شحط المزار
مخاطبتك فَإِنِّي أكاتبك بِلِسَان وداد وأناجيك بخلوص الْفُؤَاد
وَإِنَّمَا يتخاطب أهل بُعْد الْمَكَان ويتكاتب ذَوُو النأْي عَن
العِيان وَأَنت فِي الضَّمِير ماثل فَمَا تزيد الرسائل وَبَين الجفون
جائل فَمَا تفِيد الْوَسَائِل لَكِن الْعين لَا تَبرأ من الأرق حَتَّى
تُطبق جفنيها على الحَدَق وَالنَّفس لَا تهدأ من القلق حَتَّى تجمع
شَطْرَيْها إِلَى أُفق فَلهَذَا يجب على الصّديق تَأْكِيد الْعَهْد
وَلَو بإهداء السَّلَام إِذا لم يستطل على الْإِلْمَام وتجديد الود
وَلَو بِالْكتاب فَإِنَّهُ قد يُغني عَن الْخطاب لَكِن قد يَأْتِي من
عوائق الزَّمَان وعوارض الحدَثان مَا يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه
حَتَّى يسهو فِي الصَّلَاة وَهُوَ بَين يَدي ربه
وَمن المسهب كَاتب بليغ الْكِتَابَة كثير الْإِصَابَة وَأنْشد لَهُ ...
أما ترى الصُّبْح أقبَلْ ... فالكأسُ لِمْ لَا تُعَجَّلْ
هَات المدامَ دِراكاً ... فإنني لسْتُ أُمْهَلْ
مَا الْعَيْش إِلَّا مُدَامٌ ... ومَنظَرٌ ومُقَبَّلْ
وهاكها طوعَ ملكي ... فكلَّ مَا شِئْت أفعل ...
(2/405)
605 - الْكَاتِب أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان
بن أَحْمد الداني
صَحبه وَالِدي وَكتب مَعَه لعبد الْوَاحِد بن مَنْصُور بني عبد
الْمُؤمن وَاجْتمعت بِهِ أَنا فِي حَضْرَة مراكش فتركته بهَا ومدح يحيى
بن النَّاصِر بقصيدة نَالَ فِيهَا من عَمه إِدْرِيس فَقَالَ فِيهَا ...
وَملك يحي حياةٌ لَا نفادَ لَهَا ... وَملك إِدْرِيس واهي الرُّكْن
مندرِسُ ...
وَذكر الخُشَني فِي كتاب فصل الرّبيع أَنه حضر لَيْلَة مَعَ الأديب أبي
شهَاب المالَقي فقُدِّم أمامهما عنقودان من عِنَب أَبيض وأسود فَأخذ
أَبُو الرّبيع الْأَبْيَض وَقَالَ ... أتَانَا بابْن كَرْمٍ كَانَ
أشْهَى ... لَدَى نفس الظريف من الحُمَيَّا
بعنقودٍ كَأَن الحبَّ مِنْهُ ... لآلٍ كنَّ للحَسْناء زِيَّا
فَقَالَ جمالُه صِفْهُ وأوجزْ ... فَقلت البَدْرُ قد حمل الثُّرَيّا
...
606 - الْكَاتِب أَبُو عَامر أَحْمد بن غَرْسِية
من المسهب من عجائب دهره وغرائب عصره إِن كَانَ نصَابه فِي العجمية فقد
شهِدت لَهُ رسَالَته الْمَشْهُورَة بالتمكّن من أعِنَّة الْعَرَبيَّة
وَهُوَ
(2/406)
من أَبنَاء نَصَارَى البُشْكُنْس سُبِيَ
صَغِيرا وأدَّبه مُجَاهِد مَوْلَاهُ ملك الجُزر ودانية وَكَانَ بَينه
وَبَين أبي جَعْفَر بن الجزار الشَّاعِر صُحْبَة أوجبت أَن استدعاه من
خدمَة المعتصم بن صُمادح ملك المريَّة ناقداً عَلَيْهِ مُلَازمَة مدحه
وَتَركه ملكَ بِلَاده وَمن شعره قَوْله من قصيدة فِي إقبال الدولة لما
ولاه أَبوهُ عَهده ... الْآن أطلع فِي ليل الرَّجَاء سنا ... وقابل
الصُّبْح والإظلامُ قد ظَعَنا
عهدٌ حَبَاكَ بِهِ من لَيْسَ يشبههُ ... مَلْكٌ فأخْلصْ عَلَيْهِ
السِّرَّ والعَلَنَا
ولتَلْقَه بانتهاضِ لَا كِفاءَ لَهُ ... مَا إنْ يُبَعِّد لَا مِصْراً
وَلَا عَدَنَا ...
وَقَوله ... إِن أُصَلِّي كَمَا علمت وَلَكِن ... لساني أعزُّ من
سَحْبَانِ
وَأَنا من خير الْمُلُوك بصدر ... هَل ترى بالقناة صَدْرَ السِّنَانِ
...
الْعلمَاء
607 - الْحَافِظ أَبُو عمر يُوسُف بن عبد الْبر النَّمَري
من المسهب إِمَام الأندلس فِي علم الشَّرِيعَة وَرِوَايَة الحَدِيث لَا
أستثني من أحد وحافظها الَّذِي حَاز خَصل السَّبق وَاسْتولى على غَايَة
الأمد
(2/407)
وَانْظُر إِلَى آثاره تُغْنك عَن أخباره
وَشَاهده مَا أوردهُ فِي تمهيده واستذكاره وَعلمه بالأنساب يُفْصح
عَنهُ مَا أوردهُ فِي الِاسْتِيعَاب مَعَ أَنه فِي الْأَدَب فَارس
وَكَفاك دَلِيلا على ذَلِك كتاب بهجة الْمجَالِس وبالأفق الداني ظهر
علْمه وَعند ملوكه خَفَق عَلَمه وَمن شعره قَوْله ... إِذا فاخَرْتَ
فافْخَرْ بالعلومِ ... ودَع مَا كَانَ من عَظْمٍ رَميمِ
فكم أمسيتُ مُطَّرَحاً بجهْلٍ ... وَعلمِي حلَّ بِي بَين النجومِ
وكائنٍ من وزيرٍ سَار نحوي ... فلازَمني مُلَازمَة الْغَرِيم
وَكم أقبلتُ مُتَّئِداً مُهَاباً ... فَقَامَ إليَّ من مَلِكٍ عَظِيم
وركبٍ سَار فِي شَرقٍ وغَرْبٍ ... بذكرى مثل عَرْفٍ فِي نسيم ...
وَقَوله وَقد قصد المعتضد بن عباد من دانية إِلَى إشبيلية ... قصدتُ
إِلَيْك من شَرْق لغَرْب ... لتُبْصرَ مقلتي مَا حلّ سمْعِي
وتَعْطِفُك المكارمُ نَحْو أصْلٍ ... دعَاكُمْ رَاغِبًا فِي خيْرِ
فَرْعِ
فَإِن جُدْتُمْ بِهِ من بعد عَفْوٍ ... فَلَيْسَ الْفضل عندكمُ ببِدْعِ
فوعْدَك كي يُسَكِّنُ خَفْقَ قَلْبي ... ويَرْقَأ منْ جفوني سكْبُ
دَمْعي ...
الشُّعَرَاء
608 - ابْن هَنْدو الداني
من شعراء مُلُوك الطوائف الْمَذْكُورين فِي كتاب الذَّخِيرَة من شعره
قَوْله وَقد عرض ابْن هود جنده وَفِيهِمْ بعض الأعلاج فِي نِهَايَة
الْجمال ينْفخ فِي قَرْن
(2/408)
.. أعن بابل أجفان عَيْنَيْك تنفث ...
وَعَن قوم مُوسَى قد جعلتَ تحدِّثُ
أَفِي الْحق أَن تحكي سَرَافيل نافخاً ... وأمكث فِي رَمْسِ الصُّدُود
وألْبَثُ ...
609 - أَبُو بكر مُحَمَّد بن عِيسَى الْمَشْهُور بِابْن اللَّبَّانة
من الذَّخِيرَة كَانَ أَبُو بكر شَاعِرًا يتَصَرَّف وقادراً لَا
يتَكَلَّف مرصوص المباني منمّق الْأَلْفَاظ والمعاني وَكَانَ من امتداد
الباع والانفراد والانطباع كالسيف الصَّقِيل الفَرَد توحَّد بالإبداع
وانفرَد وَذكر أَن أمه كَانَت تبيع اللَّبَن وَأخْبر بوفائه مَعَ
الْمُعْتَمد بن عبَّاد وتفجعه لدولته حِين خُلع عَن ملكه وَمِمَّا
أنْشدهُ من شعره قَوْله ... بدا على خدِّه عِذَارٌ ... فِي مثله
يُعْذَرُ الكئيبُ
وَلَيْسَ ذَاك العِذَارُ شَعراً ... لكنما سِرُّهُ غريبُ
لما أراق الدماءَ ظُلْماً ... بَدَت على خَدِّه الذنوبُ ...
وَقَوله ... يَا شادناً حَلَّ فِي السَّوادِ ... من لحظ عَيْني وَمن
فُؤَادِي ...
(2/409)
.. وكعبةً للجمال طافَتْ ... من حولهَا
أنفسُ العبادِ
مَا زدتني ف يالوصال حَظّاً ... إِلَّا غَدا الشَّوقُ فِي ازديادِ
أعْشَى سَنا ناظرَيْك طَرْفي ... فَلَيْسَ يلتذُّ بالرُّقادِ ...
وَقَوله ... بدا على خَدّه خَال يزينه ... فزادني شَغَفاً فِيهِ إِلَى
شَغَفِ
كأنَّ حَبَّةَ قلبِي حِين رُؤْيته ... طارتْ فَقَالَ لَهَا فِي الخَدِّ
مِنْهُ قِفي ...
وَقَوله ... يَروقك فِي أهل الْجمال ابنُ سيِّدٍ ... كترجمةٍ راقَتْ
وَلَيْسَ لَهَا مَعْنى
حكى شَجَر الدفلاءِ حُسْناً ومنظراً ... فَمَا أحسن المَجْلَى وَمَا
أقبح المَجْنَى ...
وَقَوله فِي المتَوَكل بن الْأَفْطَس ... مضيت حساما لَا يفل لَهُ
غَرْبُ ... وأُبْتَ غَماماً لَا يُحَدُّ لَهُ سَكْبُ
وأضحَيْتَ من حاليك تقسِمُ فِي الوَرَى ... هِباتِ وهبات هِيَ الأمْنُ
والرُّعْبُ
وَقد كَانَ قُطْرُ الجوفِ كالجوف يشتكي ... سَقاماً فَلَمَّا زُرْتَه
زَارَهُ الطِّبُّ
فَلَا مُقْلَةً إِلَّا وَأَنت لَهَا سَنىً ... وَلَا كَبدٌ إِلَّا
وَأَنت لَهَا خِلْبُ ...
وَمِنْهَا ... ومالوا إِلَى التَّسْلِيم فَوق جيادهم ... كَمَا مَالَتْ
الأغصانُ من تحتهَا كُثْبُ
فَقَفَّوْك مَا قَفَّوا وهم للعُلا رحى ... وداروا كَمَا دارتْ وَأَنت
لَهُم قُطْبُ ...
(2/410)
وَقَوله من قصيدة فِي المعتضد بن عباد ...
كِلْني إِلَى أحد الْأَبْنَاء يُنْعِشُني ... إِن لم يكنْ مِنْك بَحْرٌ
فليكنْ نَهَرُ
قد طَال بِي أقْطَعُ الْبَيْدَاء متَّصِلاً ... وَلَيْسَ يُسْفِرُ عَن
وَجْه المُنَى سَفَرُ
جُدْ بِالْقَلِيلِ وَمَا تَدْرِي تجود بِهِ ... يَا مَا جدا يَهَبُ
الدُّنْيَا ويعتذرُ ...
وَقَوله ... يَا من عَلَيْهِ من المكارم والعُلا ... بُرْدٌ بتطريز
المحامد مُعْلَمُ ...
وَقَوله ... أُحَدِّثُ عَن يَوْم الوَغَى مِلْءَ منطقي ... وأسال عَن
يَوْم النوال فأسكُتُ ...
وَقَوله ... أَنا مثلُ مرآةٍ صقيلٍ وجْهُها ... ألْقى الْوُجُوه بِمثل
مَا تَلقانِي
كالماءِ لَيْسَ يُريك من لونٍ سوى ... مَا تَحْتَهُ من سَائِر الألوان
...
وَمِنْهَا ... مَلِكٌ إِذا عَقَدَ المغافرَ للوَغَى ... حَلَّ الملوكُ
معاقد التيجان
وَإِذا غَدَتْ راياته منشورة ... فالخافقات لهنَّ فِي خَفَقانِ ...
وَمن سمط الجمان سَمَوْألُ الشُّعَرَاء وَرَيْحَانَة الْأُمَرَاء
الَّذِي ارتضع أخْلاف الدول حافلة الشُّطور وأطلع السِّحْرَ الْحَلَال
فِي أثْنَاء السطور وَأنْشد لَهُ قصيدة مِنْهَا ... والروضُ إِن بعدتْ
عَلَيْك قُطوفُهُ ... وفَدَتْكَ عَنهُ الريحُ وهْيَ بَليلُ
حَسْبُ النسيم من اللطافة أنَّه ... صحَّتْ بِهِ الأحسام وَهُوَ عليل
...
(2/411)
وَمن أُخْرَى قَوْله ... هلاّ ثناكِ عليَّ
قَلْبٌ مُشْفِقُ ... فترَيْ فَرَاشاً فِي فِراشِ يُحْرَقُ
أَنْت المنيَّةُ والمُنَى فِيك اسْتَوَى ... ظلُّ الغمامة والهجيرُ
المُحْرقُ
وَيُقَال إنَّكِ أيْكَةٌ حَتَّى إِذا ... غَنَّيتِ قيل هيَ الْحمام
الأوْرَقُ
يَا قَدَّ ذابلةِ الوَشيج ولونَها ... لكنْ سنانُك أكحلٌ لَا أزْرَقُ
يَا من رشَقْتُ إِلَى السلوّ فردّني ... سبقت جفونك كلّ سهم يَرْشُقُ
جَسدي من الْأَعْدَاء فِيك لِأَنَّهُ لَا يَسْتبِين لطَرفِ طيفٍ يرمُق
لم يدر طيفك كوضعي من مضجَعِي ... فعذَرته فِي أنَّه لَا يَطرُق
خَفِيتُ لَدَيْهِ مَنابعي ومنابتي ... فالدَّمْعُ يَنْشَعُ والصبابةُ
تُورقُ
وكأنَّ أَعْلَام الْأَمِير مبسِّرٌ ... نُشِرَت على قلبِي فأصبحَ
يَخْفُقُ ...
وَمن القلائد المديدُ الباع الفريد الانطباع الَّذِي ملك للمحاسن
مَقاداً وغَدا لَهُ البديع منقاداً ونبَّه على مَكَانَهُ من ابْن عباد
ووفاته لَهُ
وَأنْشد لَهُ قَوْله ... حُنِيَتْ جوانحُه على جَمْرِ الغَضَى ... لما
رأى برقاً أضاءَ بِذِي الأضا
واشتمَّ من ريح الصَّبا رَوْحَ الصِّبا ... فقَضَى حُقُوق الشوق فِيهِ
بِأَن قَضى
والتفَّ فِي حَبِرَاته فحسبتُها ... من فوقِ عِطفيه رِدَاء فَضْفضا
قَالُوا الخيالُ حياتُه لوزارةٍ ... قلتُ الحقيقةُ قلتمُ لَو غَمَّضا
يَهْوَى العَقِيقَ وساكنيه وَإِن يكن ... خَبَرُ العقيق وساكنيه قد
انقَضى
ويودّ عودته إِلَى مَا اعتاده ... وَلما عَاد الشبابُ وَقد مضى ...
(2/412)
.. ألِفَ السُّرَى فكأنَّ نَجْماً ثاقباً
... صَدع الدُّجى منهُ وبرْقاً مُومِضا
طلبَ الغِنَى من ليله ونهاره ... فلهُ على القمرين مالٌ يُقْتَضى ...
وَمِنْهَا ... والليلُ قد سَدَّى وألحَمَ ثوبَهُ ... والفجرُ يرسلُ
فِيهِ خيطأ أبيضا ...
وَطلب من نَاصِر الدولة صَاحب مَيورقة السَّراح وَقد خَافَ فِي ذَراه
فَكتب إِلَيْهِ ... عَسَى رَأفَةٌ فِي سَراحٍ كريمٍ ... أبلُّ ببَرْد
نداهُ الغليلا
وعَلّي أُراح من الطالبين ... فأسكن للأمْنِ ظلاًّ ظليلا
وَمن بَلَّهُ الغيثُ فِي بَطْن وادِ ... وَبَات فَلَا يَأمَنَنَّ
السيولا
لقد أوقدوا ليَ نيرانهمْ ... فصيَّرني اللهُ فِيهَا الخليلا
أفرُّ بنفسي وَإِن أصبحتْ ... مَيُورْقَةُ مصْراً وجَدْوَاكَ نيلا ...
وَمن مَشْهُور شعره قَوْله ... عَرِّجْ بمُنْعرَجات وَادِيهمْ عسَى ...
تلقاهم نزلُوا الْكَثِيب الأوعَسَا
اطْلُبْهُمُ حَيْثُ الرياضُ تفتَّحَت ... والريحُ فاحتْ والصباحُ
تنفَّسا
مَثِّلْ وجوهَهمُ بدوراً طلعا ... وتخيل الخيلان بنمان شهبا كنسا
وَإِذا أردْت تنعُّماً بِقُدودهمْ ... فاهصِرْ بنَعْمانَ الغصونَ
المُيَّسا
بِأبي غزال مِنْهُم لم يتَّخِذْ ... إِلَّا القَنا من بعد قلبِيَ
مَكْنِسَا
لبِسَ الحديدَ على لُجَين أديمِهِ ... فعجبتُ من صبْحٍ توَشَّحَ
حِنْدسا ... وأتى يجرُّ ذوابِلاً وذوائباً ... فَرَأَيْت روضاً
بالصَّلال تَحرَّسا ...
(2/413)
وَقَوله ... أبصرتُهُ قصَّر فِي المِشْيَهْ
... لما بَدَتْ فِي خَدِّه لِحيهْ
قد كتب الشَّعْرُ على خدِّه ... أَو كَالَّذي مرّ على قَرْيَهْ ...
الْأَهْدَاب
موشحة لِابْنِ اللبانة ... كم ذَا يؤرِّقني ذُو حَدَقِ مَرْضَى صحاحِ
لَا بُلينَ بالأرَقِ
قد باحَ دمعي بِمَا أكتُمهُ
وحَنَّ قلبِي لمن يظلمُهُ
رَشاً تمرّنَ فِي لَا فَمُه
كم بالمُنَى أبَداً ألثَمُه
يَفْتَرُّ عَن لؤلؤٍ فِي نَسَقِِ من الأقاحِ بنسيمه العَبِقِ
هَل من سَبِيل لرَشْف القُبَلِ
هَيْهَات فِي نيل ذَاك الأمَلِ
كم دونه من سيوف المُقَلِ
سُلَّتَ بلحظِ وَقَاحٍ خَجِلِ
أبدى لنا حُمْرَةً فِي يَقَقِ ... خَدُّ الصباحِ ... فِيهِ حُمْرَة
الشَّفَقِ ...
(2/414)
.. مَن لي بمَدْح بني عَبَّاد
وَمن محمَّدهمْ إحْمادي
تِلْكَ الهباتُ بِلَا ميعادِ
عَذَرْت من أجلهَا حُسَّادي
حكتْني الوُرْقُ بَين الوَرَق راشوا جَناحي ثمَّ طوَّقوا عنقِي
لله مَلْكٌ عَلَيْهِ اعتمدا
من يَعْرُبٍ وهْوَ أسْناهم يَدا
وهم إِذا عَنَّ وَفْدٌ وفَدَا
سالوا بحاراً وصالوا أُسْدا
إِن حَاربُوا أَو دُعُوا فِي نَسَقِ ... راحوا براحِ ... للنَّدى
وللعَلَقِ
طَابَ الزمانُ لنا واعتدلا
فِي دولةٍ أورثتْنا جَذَلا
رَدَّت علينا الصِّبا والغَزلا
فقلتُ حِين حَبِيبِي رَحَلاَ
أهْدِ السلامَ لصبٍّ قَلِقِ مَعَ الرياحِ والأنامَ لَا تَثِقِ ...
وَله الموشحة الَّتِي مِنْهَا ... كَذَا يَقْتَادْ سنا الْكَوْكَب
الْوَقَّاد ... إِلَى الْجلاس مشعشة الأكواس ...
(2/415)
.. أقِمْ عُذْري فقد آن أنْ أعْكُفْ
على خَمْرٍ يطوف بهَا أوْطفْ
كَمَا تَدْري هضيمُ الحَشَا أهْيَفْ
إِذا مَا مادْ فِي مخضرَّة الأبْرادْ رَأَيْت الآس فِي أوراقه قد ماسْ
...
وَمِنْهَا فِي مدح الرشيد بن الْمُعْتَمد بن عباد ... سَطَا وجادْ رشيد
بني عَبَّادْ فأنْسَى الناسْ رشيد بني العباسْ
(2/416)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا
مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا
الْكتاب الثَّانِي من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب المملكة
الدانية وَهُوَ كتاب تغريد السَّكْران فِي حُلى حصن بُكَيْران من حصون
دانية مِنْهُ
610 - المشرَّف أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن رُحَيم
من القلائد رجل الشّرف سؤدداً وعلاء واشتمالاً على الْفَضَائِل
واستيلاء اسْتَقل بِالنَّقْضِ والإبرام وأوضح رسم المجاملة
وَالْإِكْرَام وَذكر أَنه غُنِّي لَهُ بِهَذَيْنِ ... خليلي سيراً
وارْبعَا فِي المناهلِ ... ورُدا تحيَّاتِ الخليطِ المُزَايلِ
فَإِن سَأَلَ الأحباب عني تشوُّقاً ... فقولا تركناهُ رَهين البلابل
...
(2/417)
فَزَاد عَلَيْهِمَا قَوْله ... وَإِن
يتناسوني لعذرٍ فذَكِّرَا ... بأَمْري وَلَا يشْعر بِذَاكَ عواذلي
لَعَلَّ الصِّبَا تَأتي فتُحيي بنفحةٍ ... فؤاديَ مِنْ تلقاءِ مَن هُوَ
قاتلي
فياليت أعناقَ الرِّيَاح تُقِلُّنِي ... وتُنْزِلني مَا بَين تِلْكَ
المنازلِ ...
وغُنِّي لَهُ بِهَذِهِ الأبيات ... بَدَا فَكَأَنَّمَا قَمَرٌ ... على
أزْرَاره طَلَعَا
يفُتّ المِسْكَ عَن يقق الجببين ... بنانه ولعا
وَقد خلعت عَلَيْهِ الراح ... من أثوابها خلعا ...
فَزَاد عَلَيْهِمَا قَوْله ... فأَهْدَى من محاسنه ... إِلَى أبصارنا
بِدَعَا
فَلَمَّا فَتَّ أكبدُنا ... وجازَ قُلُوبنَا رجَعا
ففاضَتْ أعيُنٌ أَسَفاً ... وفاظت أَنْفُسٌ جزَعَا ...
وَله فِي مطلع قصيدة فِي تَمِيم ابْن أَمِير الملثمين ... على
المُرْهَفَات البيضِ والسِّمُرِ المُلْدِ ... تَدور رَحَى المَلْك
المتوَّج بالمَجْدِ ...
وَمِنْهَا ... بلُقيا تَميمٍ تمَّ لي كلَّ مطلب ... ونلت المُنى تفتَرّ
سافرة الخد ...
(2/418)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه
فَهَذَا الْكتاب الثَّالِث من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب
أَعمال دانية كتاب أنس الْعمرَان فِي حلى حصن بيران
من المسهب من أَعمال دانية مِنْهُ
611 - أَبُو الْقَاسِم بن خَيْرون
سكن دانية وَكَانَ فِي شعراء إقبال الدولة وَلما دخل المقتدر بن هود
دانية أنْشدهُ ... أَلا فاطْلُعْ بهَا بَدْراً مُنِيراً ... وكُنْ لله
مانحِها شَكورا
فيا مَلِكَ الْمُلُوك نِدَاء عَبْدٍ ... تكَاد تَشِبُّ زفرته سَعيرا
أيَجْمُلُ أَن أَرَاك أمامَ لَحْظي ... وأبْقَى خاملاً كلا فَقِيرا ...
(2/419)
|