المغرب في حلى المغرب

كتاب ابتسام الثغر فِي حلي جِهَات الثغر

(2/431)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الْخَامِس من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب شَرق الأندلس وَهُوَ كتاب ابتسام الثَّغْر فِي حلى جِهَات الثغر
يَنْقَسِم هَذَا الْكتاب إِلَى كتاب البسْطة فِي حلى مَدِينَة سَرقُسْطة كتاب النُّكته فِي حلى قَرْيَة أُشْكرتَه كتاب زهرَة الخميله فِي حلى مَدِينَة تُطيله كتاب المَعُونه فِي حلى طَرَسُونه كتاب الغصون المائِده فِي حلى مَدِينَة لارِدَه كتاب الرَّشْقه فِي حلى مَدِينَة وَشْقَه كتاب هجعة الحالم فِي حلى مَدِينَة سَالم

(2/433)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الأول من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثغر وَهُوَ كتاب البَسْطة فِي حلى مَدِينَة سَرقُسْطة
المنصَّة
قد نَص الرازيّ على طيب أرْضهَا وَحسن بُقْعتها وَمن المسهب أما سرقسطة فَإِنِّي أنْشد بعد خروجي عَنْهَا مَا قَالَه ابْن حمد يس ... فَإِن كنتُ أُخرجتُ من جَنّةِ ... فَإِنِّي أُحَدِّثُ أَخْبَارهَا ...

ناهيك من مَدِينَة بَيْضَاء أحدقَتْ بهَا من بساتينها زمردةٌ خضراء والتفَّت عَلَيْهَا أنهارها الْأَرْبَعَة فأضحت بهَا رياضها مرصَّعة مجزَّعة وَلَا نعلم فِي الأندلس مَدِينَة يحدق بهَا أَرْبَعَة أَنهَار سواهَا وَكَأن كل جِهَة تغايرتْ على إتحافها فَأَهْدَتْ إِلَيْهَا نَهْراً يَلْثَمُ من أعطافها وأشهرها نهر جِلَّق وَشرب مُوسَى بن نُصير فاتح الأندلس من مَاء نهر جلق فاستعذ بِهِ وَحكم أَنه لم يشرب بالأندلس مَاء أعذب مِنْهُ وشبَّه مَا عَلَيْهِ من الْبَسَاتِين بغُوطة دمشق

(2/434)


وَقيل إِن سرقسطة من بُنيان الْإِسْكَنْدَر وفيهَا يَقُول الْأَمِير عبد الله بن هود الَّذِي أخرجه بَنو عَمه مِنْهَا ... إِن بِنْتُ عَن سَرَقُسْطَةٍ ... فبِرَغم أنفي لَا اخْتِيَاري
مَا جال طَرْفي فِي السما ... ء وَقد نأتْ عَنْهَا دياري
إِلَّا وخلتُ قصورَها ... برياضها هذي الدَّراري ...
وَمن متفرَّجاتها الجِلَّقين ووادي الزَّيْتُون وَمن مصانع ابْن هود قصر السرُور ومجلس الذَّهَب وَفِيهِمَا يَقُول المقتدر بن هود ... قَصْرَ السرُور ومجلسَ الذَّهَبِ ... بكما بلغْتُ نِهَايَة الطَّرَبِ
لَو لم يَحُزْ مُلْكي خلافكما ... كَانَت لديّ كفايةُ الأرَبِ ...

التَّاج كَانَ فِيهَا فِتَنٌ عَظِيمَة فِي مُدَّة بني مَرْوَان وثار بهَا فِي مُدَّة مُلُوك الطوائف
617 - الْمَنْصُور مُنْذر بن يحيى التُّجيبي وَكَانَ جليل الْقدر ممدّحاً وَفِيه يَقُول ابْن دَرَّاج شَاعِر الأندلس ... ربّ ظَبْيٍ فَتَكتْ ألحاظُهُ ... كعوالي مُنْذِرٍ يَوْم النِّزَال ...
وَلما توفّي وليَ بعده

(2/435)


618 - المظفر يحيى بن مُنْذر وَكَانَ لَهُ ابْن عَم متهوِّر كثير الْحَسَد لَهُ ازدراه وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ ... وَإنَّك لم يَفْخَرْ عَلَيْك كفاخرٍ ... ضعيفٍ وَلم يَغْلبك مثلُ مُغَلَّبِ ...
فَدخل عَلَيْهِ فِي قصره على غَفلَة وفتك بالمظفر وَكَانَ
619 - المستعين سُلَيْمَان بن أَحْمد بن هود الجُذَاميّ والياً لَهُ على لاَردَة فَلَمَّا سمع بِهَذَا الْخَبَر انقضَّ على سَرقُسطة انقضاض العُقاب منتهزاً الفرصة فهرب عَنْهَا الْقَاتِل وملكها المستعين فورث الثغر عَقِبه وَولي بعده ابْنه
620 - المقتدر أَحْمد بن سُلَيْمَان من المسهب عميد بني هود وعظيمهم وَرَئِيسهمْ وكريمهم ذُو الْغَزَوَات الْمَشْهُورَة والوقائع الْمَذْكُورَة من رجل كَانَ يُعَاقب بَين حث الكئوس وقطف

(2/436)


الرُّءُوس وَقد ملك مملكة دانية وَأخرج مِنْهَا إقبال الدولة بن مُجَاهِد العامريّ وَنسب لَهُ الحِجاريّ ... لستُ لدَى خالقي وَجيهاً ... هَذَا مَدَى دهريَ اعتقادي
لَو كنتُ وَجْهاَ لَمَا بَرَاني ... فِي عَالم الكَوْن والفسادِ ...
وَولي بعده ابْنه
621 - المؤتَمَن يُوسُف بن المقتدر فَكَانَ خير خلَف عَن أَبِيه حامياً لملكه مُجَاهدًا لعَدوه مَأْلَفاً للأُدباء وَالْعُلَمَاء وَالشعرَاء وَبِه استجار ابْن عمار من ابْن عباد وَلما مَاتَ ولي بعده ابْنه
622 - المستعين أَحْمد بن المؤتَمَن وَيُقَال لَهُ المستعين الْأَصْغَر وانتثر سلك ملك الطوائف على يَد أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين وَهُوَ ملكُ جَمِيع الثغر الْأَعْلَى وحضْرته سرقسطة وداراه أَمِير الملثّمين لبعده واشتغاله عَنهُ وتركَه حَجْزاً بَينه وَبَين النَّصَارَى وَكَانَ نعم الرَّأْي وَولي بعده ابْنه

(2/437)


623 - عماد الدولة عبد الْملك بن المستعين وَلما ولي عَليّ بن يُوسُف إِمَارَة الملثمين قلّد الْأُمُور أَعْيَان الْبِلَاد من الْفُقَهَاء ونشأَت نشأة من الْفُقَهَاء والمرابطين امتدت أَيْديهم وآمالهم وزينوا لعليٍّ أَخذ بِلَاد الثغر من يَد عماد الدولة فكاتبه فِي ذَلِك فَرغب إِلَيْهِ عماد الدولة أَن يجْرِي مَعَه على مَا كَانَ عَلَيْهِ سلفه مَعَ سلفه ويتركه حاجزاً بَينه وَبَين النَّصَارَى فَأبى ولجَّ فَكَانَ ذَلِك سَببا إِلَى أَن اسْتَعَانَ عماد الدولة بالنصارى وَخرج من سرقسطة فملكها الملثمون ثمَّ حصَرها النَّصَارَى فَأَخَذُوهَا مِنْهُم واعتصم عماد الدولة بمعقل رُوطة وَأخذ النَّصَارَى فِي تملك بِلَاد الثغر شَيْئا فِي شَيْء إِلَى أَن ملكوا جَمِيعه وَمَات عماد الدولة بروطة وَولي بعده ابْنه
624 - الْمُسْتَنْصر بن عماد الدولة فَلم يسْتَطع مقاومة النَّصَارَى فَسلم إِلَيْهِم رُوطة وَآل أمره إِلَى أَن صَادف الْفِتْنَة الْقَائِمَة على الملثمين بالأندلس فَنَهَضَ فِيهَا وَمَال إِلَيْهِ الأندلس لقديم ملكه فَملك قُرْطُبة وغَرْناطة ومُرسية وبَلَنسية وَمَا بَين هَذِه الْبِلَاد ثمَّ آل أمره إِلَى أَن قَتله النَّصَارَى فِي معركة

(2/438)


السلك ذَوُو الْبيُوت
625 - الْأَمِير أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن هود من المسهب حسبَة بني هود الَّتِي رقَموا بهَا بُرْداً من الحسَب وأطلعوا مَا نَظْمُهُ غُرَرٌ فِي وَجه النَّسب وَكَانَ ابْن عَمه المقتدر يحسده حسَداً مَا عَلَيْهِ من مزِيد وَيَوَد أَن يكون بَدَلا من كَلَامه فِي مَجْلِسه وَقْعُ الْحَدِيد فنفاه عَن الثغر وَقصد طُلَيطلة حَضْرَة ابْن ذِي النُّون ثمَّ مَلَّ الْإِقَامَة هُنَالك فَجعل يضطرب مَا بَين مُلُوك الطوائف إِلَى أَن اسْتَقر قراره عِنْد المتَوَكل بن الأفْطَس وأُنشد لَهُ مَا أنْشدهُ صَاحب الذَّخِيرَة فِي خطاب بني عَمِّه ... ضَلَلْتُمْ جَمِيعًا ألَ هودٍ عَن الهُدَى ... وضَيَّعْتُمُ الرأْي الموفّق أجمعا
وشِنْتُمْ يمينَ الْملك بِي فقطعتُمُ ... بأيديكُمُ مِنْهَا وبالغدر إصْبَعا
وَمَا أَنا إِلَّا الشَّمْس عِنْد غياهبٍ ... دَجَتْ فأَبتْ لي أَن أُنِيرَ وأسْطعَا
فَلَا تقطعوا الأَسباب بيني وَبَيْنكُم ... فأنْفُكُمُ منكمْ وَإِن كَانَ أجْدَعا ...

(2/439)


الْكتاب
626 - أَبُو المطرّف عبد الرَّحْمَن بن فاخر الْمَعْرُوف بِابْن الدّباغ
من الذَّخِيرَة كَانَ أحد من خُلّي بَينه وَبَين بَيَانه وَجرى السحر الْحَلَال بَين قلمه وَلسَانه وَكَانَ استوحش من أَمِير بَلَده ومقيم أوَده ابنِ هود المقتدر فَخرج عَنهُ وفرَّ مِنْهُ وَخرج من كَلَامه أَنه لم يُفلح فِي كل مَكَان توجه إِلَيْهِ بِسوء خلقه وَكَثْرَة ضجره فنبت بِهِ حَضْرَة الْمُعْتَمد بن عباد وحضرة المتَوَكل بن الأفْطس فَرجع إِلَى سرقسطة فذُبح فِيهَا فِي بُسْتَان وترسُّله مملوءٌ من شكوى الزَّمَان وترادف الحرمان كَأَن الرزايا لم تُخلَق لأحد سواهُ كَقَوْلِه
كتابي وَعِنْدِي من الدَّهْر مَا يَهُدُّ أيْسَرُه الرَّواسي ويفُت الْحجر القاسي وَمن أقلِّها قلبُ محاسني مساوي ومكارمي مخازي وقصدي بالبِغْضَة من جِهَة المِقَة واعتمادي بالخيانة من جِهَة الثِّقَة فقِسْ هَذَا على مَا سواهُ وعارضْ بِهِ مَا عداهُ وَلَا أطوِّل عَلَيْك فقد غُيّر عليّ حَتَّى شرابي وأوحشني حَتَّى ثِيَابِي
وَمن شعره قَوْله فِي غُلَام رَآهُ يَسقي عصفوراً ويطعمه ... يَا حَامِل الطَّائِر الغِرِّيد يعشَقُه ... يهني العصافير أَن فارت بقُرْباكا
تُمْسِي وتصبحُ مشغوفاً بصحبتهِ ... فِي غَفلَة عَن دم تجريه عيناكا
إِذا رأتك تغنَّت كلهَا طَرَباً ... حَتَّى كأَن طيور الجوِّ تهواكا
يَا لَيْتَني الطير فِي كفَّيْك مَطْعَمُه ... وشُرْبهُ حِين يُسْقَى من ثناياكا ...

(2/440)


627 - أَبُو الْفضل حَسْداي بن يُوسُف بن حسداي الإسرائيلي
من الذَّخِيرَة كَانَ أَبوهُ يُوسُف بن حسداي بالأندلس من بَيت شرف ليهود متصرّفاً فِي دولة ابْن رزين وَكَانَ لَهُ فِي الْأَدَب بَاعَ وَنَشَأ ابْنه أَبُو الْفضل هَضْبة عَلَاء وجَذْوة ذكاء وَذكر أَنه عُنِي بالتعاليم وَأسلم وساد وَمن نثره من كتاب خَاطب بِهِ ابْن رزين
كنت أرتاح إِذا وَمَض من أفقه ابتسامُ بارق أَو ذرَّ من سَمْته الوضاح سَنا شارِق فأقتصر من تلقائه على استنشاق نسيم وأنَّى لي من عَرار نَجْدٍ بشَميم حَتَّى ورد مَا أمتع بوابل بعد طلّ وسَقَى نَهَلاً ووالى بعْلّ وبهر بسحري حرَام وَحل قد قَصَر الله عَلَيْهِ الإبداع طوراً فِي الندى ببراعة خطيب وبلاغة كَاتب وطوراً فِي الوغى ببديهة طَاعن ورويّة ضَارب والرَّبُّ يُديم إمتاع الْفَضَائِل ببارع جَلَاله ويصون عُيُون الْحَوَادِث عَن كَمَاله وَمن شعره قَوْله ... وأطْرَبَنَا غَيْمٌ يمازج شَمْسَهُ ... فيُسْتَر طوراً بالسَّحاب ويُكشَفُ
تَرَى قُزْحاً فِي الجو يفتح قوسَهُ ... مُكبّاً على قُطْنٍ من الثلْج يُنْدَفُ ...

(2/441)


الْعمَّال
628 - أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن مهْرَان
من الذَّخِيرَة من شعراء الثغر كَانَ فِي ذَلِك الْعَصْر وَله شعر كثير وإحسان شهير وعَلى لَفظه ديباجةٌ رائقة وَمِمَّا بَقِي مِنْهُ قَوْله ... خليليَّ مَا للرّيح تأْتِي كأنَّما ... يخالطُها عِنْد الهبوب خَلُوقُ
أمِ الريحُ جاءَتْ من بِلَاد أحبّتي ... فأحسَبها عَرْفَ الحبيب تسوقُ
سقى الله أَرضًا حلَّها الأغيَدُ الَّذِي ... لَهُ بَين أحْناءِ الضلوع حَريقُ
أصار فُؤَادِي فرْقَتَيْن فَعنده ... فريقٌ وَعِنْدِي للسياق فريقُ ...

وَذكر الحِجاريّ أَنه خدم المظفر بن أبي عَامر وَتصرف فِي الْأَعْمَال السُّلْطَانِيَّة وَأنْشد لَهُ قَوْله ... بِمَا بِجَفْنَيكَ من فتورٍ ... وَفَوق خَدَّيك من حَيَاءِ
إلاّ تَرَفَّقتَ بِي قَلِيلا ... فقد أَطَالَ النَّوَى عَنائي
أرجوك لَكِن رجاءَ بَرْقٍ ... خُلَّبُه قاطعٌ رَجَائي
وَكَيف أبْغي لديكَ وَصْلاً ... وَأَنت مَا جُدْت باللِّقاءِ
فِي كل يومٍ ليَ التماحٌ ... مِنْك إِلَى كَوْكَب السَّمَاء ...

(2/442)


الرؤساء والقواد
629 - الْقَائِد أَبُو عَمْرو بن يَاسر مولى عماد الدولة بن هود
من المسهب أندى من الطَّلِّ الباكر وآنقُ من الرَّوْض الزَّاهِر وجَرَتْ عَلَيْهِ نكبة من عماد الدولة وَأطَال سَجْنَه فَأكْثر مخاطبته بالشعر فسرَّحه وَهُوَ الْقَائِل يُخَاطب عماد الدولة فِي شَأْن الْحَكِيم ابْن باجَّة وَقد حصل فِي سجنه ... أعمادَ دولة هَاشم قد أسعد ... الْمِقْدَار فِي أسر العدوِّ الكافرِ
لَا تنس منْهُ كلَّ مَا كابَدْتَهُ ... من سوءِ أقوالٍ وَسُوء سرائِرِ
لولاهُ مَا أضحت قواعدُ ثَغْرنا ... كالطَّلِّ يَسْقُطُ من جنَاح الطَّائِرِ ...

630 - الْقَائِد شُجَاع بن عبد اللله مولى عماد الدولة بن هود
من المسهب تِلْوُ ابْن يَاسر فِي الْأَدَب وعلو الْمَكَان إِلَّا أَن شجاعاً كَانَ يزِيد بالشجاعة والفروسية فَزَاد تمكنه عِنْد مَوْلَاهُ وَمن شعره قَوْله ... أَلا فانظروني كلما احتدم الوَغَى ... وَأَقْبَلت الفُرْسانُ من كل جانبِ
هُنَالك لَا أَلْوِي على لوم لائم ... ولستُ بِذِي فكر لأمر العواقبِ ...

631 - أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن زُرارة
من رُؤَسَاء سرقسطة وَمِمَّنْ سَاد بِصُحْبَة الْمُلُوك مَعَ الْبَيْت الْقَدِيم وَمن شعره قَوْله أنْشدهُ الحِجاريّ وَابْن بسام فِي الذَّخِيرَة ... لي صديقٌ غَلِطْتُ بل لِيَ مَوْلَىً ... منْ لمثلي بِأَن تكونَ صديقي ...

(2/443)


.. نتلقَّى التقاءَ رُوحٍ بروحٍ ... بضروب التَّقْبِيل والتَّعْنيقِ
لَيْسَ فِي الأَرْض من يُمَيِّزُ منَّا ... عَاشِقًا فِي اللِّقَاء من مَعْشُوقِ ...

632 - أَبُو عَامر بن الْأصيلِيّ
من الذَّخِيرَة كَانَ أَبُو عَامر جَوَاب آفَاق وناظما وناثرا بِاتِّفَاق وَمن شعره قَوْله فِي رثاء ... على مَصْرع الفهريّ رُكْني ومَوئِلي ... بكيتُ وأبكى طول دهري وحُقَّ لي
أُؤَبِّنُ من مَاتَ النَّدَى يَوْم مَوته ... وقلص ظلّ الْجُود عَن كل أَرْمَلِ
وَمَا كَانَ صَمْتي مُنْذُ حينٍ لسلوةٍ ... ولكنَّ عُظْمَ الرُّزْء أخْرَسَ مِقْولِي ...

الشُّعَرَاء
633 - يحيى الجزار السَّرقسْطِي
كَانَ فِي دكان يَبِيع اللَّحْم فتعلقت نَفسه بقول الشّعْر فبرع فِيهِ وَصدر لَهُ أشعار مدح بهَا الْمُلُوك من بني هود ووزرائهم ثمَّ ترك الْأَدَب وَالشعر وَاعْتَكف على القِصَابة فَأمر ابْن هود وزيره ابْن حَسْداي أَن يوبخه على ذَلِك

(2/444)


فخاطبه بِأَبْيَات مِنْهَا ... تركتَ الشعرَ من ضَعْف الإصابَهْ ... وعدتَ إِلَى الدَّناءة والقِصابَهْ ...

فَأَجَابَهُ الجزار ... تَعيبُ عليَّ مأْلوفَ القِصابَهْ ... وَمن لم يَدْر قدر الشئ عابه
ولوأحكمت مِنْهَا بَعْضَ فنٍّ ... لما استبدلت مِنْهَا بالحجابهْ
أما وَلَو اطَّلعْتَ عليَّ يَوْماً ... وحَوْلي من بني كلبٍ عصابَهْ
لَهالَكَ مَا رأيتَ وَقلت هَذَا ... هِزَبْرٌ صَيَّرَ الأوضامَ غابهْ
فتكْنا فِي بني العَنْزيّ فَتْكاً ... أقَرَّ الذعر فيهمْ والمهابَهْ
وَلم نُقْلع عَن الثَّوْريِّ حَتَّى ... مَزَجْنَا بِالدَّمِ القاني لعابه
وَمن يعتز مِنْهُم بامتناع 5 فغن إِلَى صوارمنا إيابهْ ...

وَمِنْهَا ... وحَقِّك مَا تركْتُ الشِّعر حَتَّى ... رأيتُ البُخْلَ قد أذكى شِهابَهْ
وَحَتَّى زرتُ مشتاقاً حبيباً ... فأبْدَى لي التَّجهُّمَ والكآبة
فَظن زيارتي لطلاب شئ ... فنافرني وَأَغْلظ لي حجابه ...

وَمن شعره قَوْله ... لَو وَردت الْبحار أطلب مَاء ... جف قبل الْوُرُود ماءُ البحارِ
وَلَو أنَّى بعتُ الْقَنَادِيل يَوْمًا ... أُدْغِمَ الليلُ فِي بَيَاض النهارِ ...

(2/445)


الْأَهْدَاب
موشحة لِلْكَاتِبِ أبي بكر أَحْمد بن مَالك السَّرَقُسْطيِّ ... مَاذَا حَمَّلوا فؤاد الشجِي يَوْم ودعوا
مَالِي بالنوى يَدٌ تستطاعُ
ونار الجوى يذكيها الوداعُ
وسرُّ الْهوى بدموعي يُذَاعُ
بالحبِّ تهْمِلُ عُيُونٌ وتلتاعُ أضْلُعُ
هَل يُرْجَى إيابْ لعهد الحبائبْ
إِذْ غُصنُ الشبابْ مطلول الجوانبْ
ووصلُ الكِعابْ مبذولٌ لطالبْ
فَلَا تبخلُ بالوصل وَلَا الصبّ يَقْنَعُ
لَا أسْلُو وَلَا أصغي للاَّحي
بل أصبو إِلَى هَضيم الوشاح
يُجيل الطِّلاَ مَا بَين الأقاح
فَلَو يعدلُ لما بِتَّ أظْما ويَنْقَعُ
كم ذَا تَهجعُ وجَفْني ساهرْ
بدر يطلُعُ فِي الصُّبْح لناظرْ
لَهُ بُرْقُعُ من سود الضفائرْ
أُسَيْمَرْ حُلُو بياضْ كلِّ عاشقْ يبيت مَعَ ...

(2/446)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الثَّانِي من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثَّغْر وَهُوَ كتاب نَقْش التِّكَّه فِي حلى قَرْيَة أشكركه وَمِنْهَا
634 - أَبُو الطَّاهِر يُوسُف بن محمدج الأُشكُركيّ
من المسهب إِمَام فِي علم اللُّغَة صَحبه عَمِّي وَأَخْبرنِي أَنه كَانَ فِي هَذَا الْفَنّ بحراً وَكَانَ لَهُ جاه وَمَكَان عِنْد مُلُوك الثَّغْر بني هود وَغَيرهم من مُلُوك الطوائف وَكثر أمداحه فِي المعتصم بن صُمادح ملك الْمَرِيّة

(2/447)


وَمن السمط روض الْأَدَب العاطر وغَمامه المُنْهمر الهامر الْغَرَض من نظمه قَوْله ... يَا غُصناً هَزَّه نَداهُ ... يمنعهُ الحلمُ أَن يَميدا
لم يثن مِنْك الشَّبَاب عِطْفاً ... وَلَا استمال الفَخارُ جِيدا
إِن تلقه فالأنام طُرّاً ... وَإِن غَدا بَينهم وَحيدا
يهزّ مِنْهُ القريضُ عِطْفاً ... والمدحُ يثني إِلَيْهِ جِيدا ...

وَقَوله من قصيدة يُخَاطب بهَا الرفيع بن المعتصم بن صمادح ... أَلا مُبْلِغٌ عني الرفيعَ تحيَّةً ... كَمَا نبّه الروضَ النسيمُ المخلَّقُ
عدمتُ رَسُولا بالتحيّة نحوَهُ ... فَسَار بهَا عني الْهوى والتشوق
ونازعني ذاكره شوقٌ مُبَرِّحُ ... كَمَا علَّلَ الشَّرْبَ الرحيقُ المُعَتَّقُ
فياليت شعري هَل يعرج خاطر ... على وَهل يَجْرِي بذكرىَ مَنْطِقُ ...

وَقَوله من قصيدة فِيهِ ... إِلَيْك رفيعَ المُلْك تُهْدى المحامدُ ... وباسمك تسمو فِي الزَّمَان المشَاهِدُ
ملكتَ سَبِيلا فِي المكارم أَولا ... لَك الْفضل هاد تَقْتَضِيه ورائدُ ...

وَقَوله ... أضاحِيَةٍ وَقد ضَفَتِ الظِّلالُ ... وصادرةً وَقد نَقَعَ الزُّلالُ
أفيقي إِنَّه أنْدَى جَنابٍ ... وَأكْرم مَنْ تُشَدّ لَهُ الرحالُ
فَمَا بَرْقٌ سَرَيْتُ لَهُ جَهَامٌ ... وَلَا بحرٌ سَمَوْتُ إِلَيْهِ آل ...

(2/448)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الثَّالِث من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثَّغْر وَهُوَ كتاب زَهْر الخميله فِي حلى مَدِينَة تطلية
المنصة
باشتهارها فِي الحَرْث وَطيب الزَّرْع يُضْرَبُ الْمثل فِي الأندلس وَهِي مُحْدَثة بُنيت فِي مُدَّة سلاطين بني مَرْوَان
التَّاج
كَانَ فِيهَا فِي مُدَّة بني مَرْوَان بَنو مُوسَى تغلبُوا على الثَّغْر
وَكَانَ لَهُم فِي طلب الْملك دويّ وَلما ثارت مُلُوك الطوائف صَارَت تَابِعَة لسرقسطة دَاخِلَة فِي دولة بني هود

(2/449)


السلك
الزهَّاد
635 - أَبُو بكر يحيى التُّطيلي
سكن غَرْناطة وَصَارَ من أعيانها وَذَوي النباهة فِيهَا أدركْتُه هُنَالك فِي آخر عمره وَقد تزهّد وَاقْتصر على قَول الشّعْر فِي طَريقَة الزّهْد كتب لَهُ الشَّاعِر مَرْج كُحْل بقصيدة مِنْهَا قَوْله ... لأبي بكر التطيلي بر ... يَتْبع الإخْوان شرقاً وغربا

فَأَجَابَهُ بقصيدة مِنْهَا ... يَا أَبَا عبد الْإِلَه المفدَّى ... من جَمِيع النَّاس عُجْماً وعُرْبا
ثمراتُ الأنْسِ تُرْتاد عِنْدي ... وَهِي من روضك تجنى وتجبى
قد بلوتُ الناسَ شرقاً وغرباً ... ودعوت الصَّبْر حُزْناً فَلَبَّى
فالتزمْ حالك صَبْراً وإلاّ ... زِدْت بِالْعَجزِ إِلَى الْخطب خَطْبَا ...

الْعلمَاء
636 - الأديب أَبُو الْحسن عَليّ بن خير التَّطِيليّ
من المسهب أُخبرت بسَرقسطة أَنه كَانَ أحفظ أهل عصره بالآداب وأعرفهم بالتواريخ والأنساب رَحل من بَلَده تُطيلة إِلَى حَضْرَة الْملك سَرَقُسْطة

(2/450)


فتوصل بآدابه وأمداحه إِلَى المقتد بن هود وَحل عِنْده مَحل الْوَاسِطَة من الْعُقُود والعَلَم من البرود وَمن شعره قَوْله ... أخطأْت فِي بِرِّ الَّذِي لم يَرْعَهُ ... وغدَا يلاحظني بمُقْلة ساخِرِ
إِن التَّوَاضُع للَّذي يَعْتدّهُ ... ضَعَةً لجهْلٌ مَا لَهُ من عاذرِ ...

وَقَوله ... إِذا غِبْتُ عَنْكُم لَا يَرِبْكُمْ تطاولٌ ... لبعدٍ فوُدّي زَائِد الصَّفوِ والبِرِّ
كَمَا عُتِّقت صَهْبَاءُ من طول عهدها ... وجاءَتك باستحيائها فِي حُلى التِّبْر ...

الشُّعَرَاء
637 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عبد الله بن هُرَيْرَة الْأَعْمَى التُّطِيليّ
من الذَّخِيرَة لَهُ أدب بارع وَنظر فِي الغوامض وَاسع وَفهم لَا يجارَى وذهن لَا يُبَارى ونظم كالسحر الْحَلَال ونثر كَالْمَاءِ الزلَال جاءَ فِي ذَلِك بالنادر المُعْجِز فِي الطَّوِيل مِنْهُ والموجز وَكَانَ فِي الأندلس مَسْرىً للإحسان ومرَدّاَ فِي الزَّمَان إِلَّا أَنه لم يطلّ زَمَانه وَلَا امْتَدَّ أَوَانه فاعْتُبِط عِنْد مَا بِهِ اغْتُبط
وَمن القلائد لَهُ ذهن يكْشف الغامض الَّذِي يَخْفَى وَيعرف رسم المُشْكل وَإِن عَفَا أبْصَر الخفيَّات بفهعه وقَصَر فكَّها على خاطره ووهمه

(2/451)


الْغَرَض من شعره قَوْله ... مَللْتُ حِمْصَ ومَلَّتْني فَلَو نطقتْ ... كَمَا نطقتُ تلاحينا على قَدَرِ
وسوَّلتْ ليَ نَفسِي أَن أفارقها ... والماءُ فِي المُزْن أصْفَى مِنْهُ فِي الغُدُرِ ...

وَمِنْهَا ... أما اشْتقت منِّيَ الأيامُ فِي وطَني ... حَتَّى تُضَايق فِيمَا عَن مِن وَطري
وَلَا قضتْ من سَواد الْعين حاجتَها ... حَتَّى تكرّ على مَا كَانَ فِي الشَّعَر ...

وَقَوله من قصيدة ... سَطَا أسَداً وأشْرقَ بَدْرَ تِمٍّ ... ودارت بالحتوف رَحىً زَبون
وأحدفت الرِّماحُ بِهِ فأعْيا ... عليَّ أهَالةٌ هيَ أم عَرينُ ...

وَقَوله ... هَذَا الْهوى وقديماً كنت أحْذَرُهُ ... السُّقْمُ مَورِدُهُ وَالْمَوْت مصدَرَهُ
جِدٌّ من الشوق كَانَ الْهزْل أَوله ... أقل شئ إِذا فكَّرْتُ أكثَرُهُ
ولي حبيبٌ دَنَا لَوْلَا تمَنُّعُهُ ... وَقد أَقُول نَأى لَوْلَا تذكُّرُهُ ...

وَله الرثاء الطَّوِيل الْمَشْهُور الَّذِي أنْشدهُ صَاحب القلائد أَوله ... خُذَا حَدِّثاني عَن فُلٍ وفلانٍ ... لعَلي أُرَى باقٍ على الحَدَثانِ ...
وَمِنْه ... أَبَا حَسَنٍ أما أَخُوك فقد مَضَى ... فيا لَهْفَ نَفسِي مَا التقى أخوانِ
ونبَّهني ناعٍ مَعَ الصُّبْح كلما ... تشاغلْتُ عَنهُ عَنَّ لي وعناني
أُغَمِّضُ أجفاني كأَنِّيَ نائِمٌ ... وَقد لجَّتِ الأحشاءُ فِي الخفقان ...

(2/452)


وَمِنْهَا ... يَقُولُونَ لَا يَبْعَدْ وللهِ درُّهُ ... وَقد حِيل بَين العَيْر والنَّزَوانِ
ويأبَون إِلَّا ليتَه ولعلَّه ... وَمن أَيْن للمقصوص بالطَّيَرانِ ...

وَمن فرائده قَوْله ... بحياة عصياني عليكِ عواذلي ... إِن كَانَت القُرُباتُ عندكِ تنفعُ
هَل تذكرين ليالياً بِتْنَا بهَا ... لَا أنتِ باخِلةٌ وَلَا أَنا أقْنَعُ ...

وَقَوله فِي مطلع قصيدة ... أعِدْ نظرا فِي صَفْحَتَيْ ذَلِك الخَدِّ ... فَإِنِّي أَخَاف الياسمينَ على الوَرْدِ ...

وَقَوله من قصيدة ... إِذا صدق الحسامُ ومُنْتَضِيهِ ... فكلُّ قرارةٍ حصنٌ حصينٌ
وَمَا أسَدُ العرين بِذِي امتناعٍ ... إِذا لم يَحْمِهِ إِلَّا العَرينُ ...

الْأَهْدَاب
موشحة للأعمى مَشْهُورَة ... ضاحكٌ عَن جُمَانْ سافرٌ عَن بَدْرِ
ضَاقَ عَنهُ الزمانْ وَحَواهُ صَدْرِي
أهِ مِمَّا أجِدْ شَفَّني مَا أجدْ
قَامَ بِي وقعدْ بإطِشٌ مُتَّئِدْ
كلما قلتُ قدْ قَالَ لي أَيْن قد ...

(2/453)


.. وانثنى غصنَ بانْ ... ذَا فَنَنٍ نَضْرِ
لاعبتْهُ يدانْ ... للصَّبا والقَطْرِ
لَيْسَ لي بك بُدْ خُذ فُؤَادِي يَدْ
لم تَدَعْ لي جَلَدْ غير أَنِّي أجهد
مكرع من شهد واشتياقي بشهد
مَا لِبنْتِ الدِّنانْ ولذاك الثَّغْرِ
لَيْسَ مُحيَّا الْأمان من حُمَيَّا الخَمْرِ
بِي جوىً مُضْمرُ لَيْت جهدي وَفْقُهْ
كلما يُذكَرُ ففؤادي أُفْقُه
ذَلِك المنظرُ لَا يداوي عشقُهْ
بِأبي كَيفَ كانْ فلكيٌّ دُرِّي
رقَّ حَتَّى استبانْ عُذْرُه وعُذْري
هَل إِلَيْك سبيلْ أَو إِلَى أَن أيَسَا
ذبتُ إِلَّا قليلْ عَبْرةً أَو نَفَسَا
مَا عَسى أَن أَقُول سَاءَ طني بعَسَى
وانقضى كل شانْ وَأَنا أسْتَشْري
خالعاً من عِنانْ ... جَزَعي أَو صَبْري ...

(2/454)


.. مَا على من يلوم لَو تلاهى عَنِّي
هَل سوى حُبِّ ريمْ دينُهُ التَّجنِّي
أَنا فِيهِ أَهِيم وَهُوَ بِي يُغَنِّي
قد رأيتكْ عِيَانْ آش عَلَيْك ساتدري
سايطول الزمانْ وتجرِّب غَيْرِي ...

موشحة أُخْرَى لَهُ ... غُصْنٌ يَميسْ على كُثْبانِ رَيّان أمْلَدْ
بَين القوام وَبَين اللِّينِ يكَاد ينقدّ
بمهجني أوْطَف تيَّاه
مهفهفٌ ينثني عِطْفَاه
بالأسْد قد فتكتْ عَيناهُ
سَطَا فسلَّ من الأجفانِ سَيْفا مؤَيَّدْ
أَنا القتيلْ بِهِ فِي الحِين دَمي تقلَّدْ
راموا مرامهم عُذَّالي
وَلست عَن حُبِّه بالسّالي
إِن السلوّ من الْمحَال
وَكَيف يحسنُ بِي سُلْواني عَن حُبِّ أغْيَدْ
لَو بعتُ بِهِ نَفسِي وديني لَكُنْت أرشد ...

(2/455)


.. صِلْ مستهامك يَا با بكرِ
فقد بلغتَ المَدَى من هَجْرِ
كم قد طَوَتْكَ ضروب فكري
والشوق يفصح لي كتماني والدمع يَشْهَدْ
وَقد حَرَمْتَ الْكرَى أجفاني وَلست أسعد
قَدٌّ كَمثل الْقَضِيب الناعمِ
يهتزّ مثل اهتزاز الصارم
بدرٌ بدا تَحت ليلِ فاحِمِ
قد مازج الْورْد بالسّوسانِ مِنْهُ على الخَدّ
ونفحه عَن شَذَا دارِينِ أذكى من النَّدِّ
يَا حُسْنَها من فتاةٍ رُودْ
زارتْه يومَ صباح العِيد
غنَّت على رَأسه فِي الْعود
خلِّ سِواري وخُذْ هِمْياني حَبِيبِي أَحْمد
واطلع معي للسرير خيوني ترقُد مجرَّدْ ...

وَقيل إِنَّه حضر مَعَ ابْن بقى وَغَيرهمَا من الوشّاحين فِي إشبيلية وَاتَّفَقُوا على أَن يصنع كل وَاحِد موشحة ويحضروا جَمِيع مَا قَالُوهُ فِي مجْلِس حُكْم فصنعوا ذَلِك واجتمعوا فِي الْمجْلس فابتدأ الْأَعْمَى وَأنْشد ... ضاحكٌ عَن جمانْ سافرٌ عَن بَدْرِ
ضَاقَ عَنهُ الزمانْ وحواه صَدْرِي ...

فخرَّق الجميعُ الورقَ الَّذِي كتبُوا فِيهِ موشحاتهم فَإِنَّهُم سمعُوا مَا يفتضحون بمعارضته

(2/456)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الرَّابِع من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثَّغْر وَهُوَ كتاب المعونة فِي حلى مَدِينَة طَرَسونه
من المسهب مَدِينَة مَشْهُورَة الذّكر فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم مِنْهَا
638 - أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن مُعَلَّى الطَّرَسونيّ شَاعِر ممتد النَّفس شَدِيد المَرَس قدير على التَّطْوِيل اشْتهر ذكره بمدح مَلِكِ الثَّغْر المقتدر بن هود وجال على بِلَاد الأندلس وَهُوَ مِمَّن ذكره ابْن بسام وَقَالَ فِيهِ قِدْح البلاغة المُعَلَّى وسيفها المحلَّى وَمِمَّا أثْبته من شعره قَوْله فِي رثاء ... هَل بَين أضْلعنا قلوبُ جنادلِ ... أم خَلْفَ أدمُعِنا سدودُ جداولِ
فِي كل يومٍ حُزْنُ نَجْمٍ سَاقِط ... مَا بَيْننَا وكسوفُ بَدْرٍ زائل ...

(2/457)


.. سدكت بِنَا الأرزاء غير مُغِبَّةٍ ... وألحَّت النكبات غير غوافلِ
وهْيَ اللَّيَالِي لَيْسَ يخفى نقضهَا ... فلذاك تطلب كل حُرٍّ كاملِ ...
وَقَوله من أُخْرَى ... فَلَا يَغْرُرْكَ بهجةُ مُسْتَجَدٍّ ... إِذا مَا الجَمْرُ عَاد إِلَى الرَّمادِ
أَبَا الحجّاج لَو لم يُؤْتَ بِدْعٌ ... لحجَّ الناسُ قبرَك فِي احتشادِ
وزاركَ من بني الآمال حَفْلٌ ... يُصِمُّ الأرضَ من هَيْدٍ وهادِ
فقد بارتْ بضائعهمْ عليهمْ ... وحَلّوا السُّوقَ مُفْرطة الكَسادِ ...
وَقَوله ... رُزْءٌ بَكت منهُ العُلاَ ومُصابُ ... شَقَّتْ عَلَيْهِ جُيُوبَها الأحبابُ
وطَفِقْتُ ألْتَمِسُ العَزَاءَ فخانني ... نَفَسٌ يذوب ومدمَعٌ ينسَابُ
وتلَجْلَجَ الناعي بهِ فَسَأَلته ... عَوْد الحَدِيث لَعَلَّه يرْتابُ ...

(2/458)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الْخَامِس من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثَّغْر وَهُوَ كتاب الغصون المائده فِي حُلى مَدِينَة لارِدَه مَدِينَة مَشْهُورَة من مدن الثغر على نهر وَقد أَخذهَا النَّصَارَى وَمِنْهَا
639 - الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن هرون الأصبحي الَّلارِديّ
من المسهب كفى لاردة أَن كَانَ مِنْهَا هَذَا الْفَاضِل الْعَالم الزَّاهِد المحسِنُ فِيمَا ينظم فَمن نظمه قَوْله ... أَيْن قلبِي أضَاعَهُ كلُّ طَرْفٍ ... فاترٍ يُصرَع الحليمُ لَديْهِ
كلما زَاد ضَعْفه ازْدَادَ فَتْكاً ... أيُّ صَبْر تُرَى يكونُ عليهِ ...

(2/459)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب السَّادِس من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثغر وَهُوَ كتاب الرشفة فِي حلى مَدِينَة وَشْقَه من مشاهير مدن الثغر أَخذهَا النَّصَارَى فِي أول تِلْكَ الْفِتْنَة وَمِنْهَا
640 - أَبُو الْأَصْبَغ عِيسَى بن أبي دِرْهَم قَاضِي وَشقه
من المسهب أَنه كَانَ عَالما فَاضلا ولاه المستعين بن هود قضاءَها وَكَانَ لَهُ أدب وَمن شعره قَوْله ... دفعت إِلَى مَا لم أُرِدْهُ كراهَةً ... وَلَو أنَّني أبْغيه مَا نالَه جهْدِي
فَتَعْلَمُ أنَّ الدَّهْر لَيْسَ أُمُوره ... تَسِيرُ على عُرْفٍ وتَنْزِعُ فِي قَصْدي ... وَقَوله ... يَا حبَّذا نهرُنا وَقد عَبِثَتْ ... بِهِ صَبَاه والموجُ يتبعهَا
والأفق يَرْثي لما بهِ فَعَلَتْ ... فالسُّحبُ تَجْري عَلَيْهِ أدمعُها ...

(2/460)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب السَّابِع من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب الثَّغْر وَهُوَ كتاب هَجْعة الحالم فِي حُلَى مَدِينَة سَالم من المدن الجليلة الْمَشْهُورَة وفيهَا قبر الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَهِي الْآن لِلنَّصَارَى مِنْهَا
641 - أَبُو الْحسن بَاقٍ بن أَحْمد بن بَاقٍ
أثنى الحجاريّ على بَيته وذاته وَذكر أَنه صحب أَبَا أُميَّة بن عِصَام قَاضِي مُرْسية وَله فِيهِ أمداح من ذَلِك قَوْله ... وَمَا سُدْتَ إِلَّا بالمكارم والعُلا ... وَلَوْلَا ضياءُ الْبَدْر مَا كَانَ يعتلِي
لخَلَّصْتَني من سَطْوَة الدَّهْر بعد مَا ... أَرَادَ شتاتي بالنوى وترحلي ...

(2/461)


وَقَوله ... لله يومٌ قد غَدَوْتَ منادمي ... فِيهِ فتَسْقيني وطَوْراً تَشرَبُ
والكأْسُ قد طلعت على آفاقنا ... شمسا وَلَكِن فِي المباسم تغرب
ياليت شعري وَهْيَ فِي ضَعْفٍ وَفِي ... خَجَل وموردُها يَلَذُّ ويَعذُبُ
لِمَ أصبحتْ فِي الحكم أجْوَر جائرٍ ... فَغَدَتْ بهَا الألبابُ طُرّاً تَذْهبُ ...
وَقَوله ... لَا تقل جَدِّي فلانٌ وَأبي ... مثله فِي كلِّ مَجْدٍ وحسَبْ
وتَرُمْ رفْعَة قَدْرِ بِنُهىً ... سِيَّما إِن كنتَ فذّاً فِي الأدبْ
حِرِ أُمِّ الْمجد وَالْعلم إِذا ... لم يكن عنْدك شئ من ذَهَبْ ...

وَقَوله ... لَيْتَني كنتُ لمن لَا يَرْتَقي ... لمعالٍ وفقدت الحَسَبا
إِنَّمَا يَربحُ مَنْ إسنادُهُ ... سِمةُ الْعَجز ويبغي التَّعَبا ...

642 - جَعْفَر بن عنق الْفضة
ذكر الحجاريّ أَنه مدح قَاضِي قرطبة ابْن حمدين وَهُوَ مِمَّن تَفْخَر بِهِ مَدِينَة سَالم وانشد لَهُ ... لي على الأطلال دمع ... مثل مَا تهمي السحابُ
وفؤادي خافقٌ مَا ... حَدَّثَتْ عنهمْ ركابُ
لَيْت شعري كَيفَ أهوا ... همْ وقلبي قد أذابوا ...

(2/462)