المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

بَاب ذكر نوح عَلَيْهِ السَّلام [1]
وَهُوَ نوح بْن لمك بْن متوشلخ بْن إدريس.
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: نوح بْن ملكان بْن مثوب بْن إدريس، وَكَانَ بَيْنَ آدَم ونوح ألف سَنَة، وولد نوح عَلَيْهِ السَّلام بَعْد وفاة آدم بثمانمائة وست وعشرين سَنَة، فلما بلغ قَالَ لَهُ أبوه: قد علمت أَنَّهُ لَمْ يبق فِي هَذَا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة، فَمَا زال عَلَى حاله حَتَّى بعثه اللَّه تَعَالَى بَعْد أَن تكامل لَهُ خمسون سَنَة، وقيل:
ثلاثمائة وخمسون، وقيل: كان ابن أربعمائة وثمانين سَنَة، فبعث وليس فِي الزمان من يأمر بالمعروف، وكانوا يعبدُونَ الأوثان، فدعاهم وكانوا يضربونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبُ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ لِلَمَكٍ يَوْمُ وَلَدَ نُوحًا اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا إليهم وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة، ودعاهم مائة وعشرون سنة، وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وَخَمْسِينُ سَنَةً [2] .
أَخْبَرَنَا أَبُو المعمر الأَنْصَارِي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الْوَهَّاب بْن منده، أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر بْن عَبْد الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن حبان، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن معدان، حدثنا أبو عمير، حدثنا أبو ضمرة، عن سعيد بن حسن، قال: كان قوم نوح
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 179، ومروج الذهب 1/ 43، ونهاية الأرب 13/ 42، وعرائس المجالس 54، والكسائي 85، والبداية والنهاية 1/ 100، ومرآة الزمان 1/ 236.
[2] مرآة الزمان 1/ 236، 237.

(1/239)


يزرعون فِي الشهر مرتين، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها فِي آخره.
قَالَ علماء السير: فرض اللَّه عَلَى نوح الصلاة والحلال والحرام، وأمره اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بصنعه السفينة، فغرس شجرة فعظمت ثُمَّ قطعها، وجعل يعمل سفينة فيمرون عَلَيْهِ فيسخرون منه.
قَالَ سلمان الفارسي: أنبت الساج أربعين سَنَة، وعملها في أربعمائة سَنَة [1] .
قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون، وارتفاعها فِي السماء ثلاثون [2] .
وقيل: طولها ألف ذراع، وكانت ثَلاث طبقات، فطبقة فِيهَا الدواب والوحش، وطبقة فِيهَا الإنس، وطبقة فِيهَا الطير، فلما كثرت أرواث الدواب أوحى اللَّه تَعَالَى إِلَى نوح أَن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا عَلَى الروث، فلما وقع الفأر بخرز السفينة يقرضه أوحى اللَّه إِلَى نوح أَن اضرب بَيْنَ عيني الأسد فخرج من منخره سنور وسنورة، فأقبلا عَلَى الفأر [3] .
وَرَوَى يُوسُف بْن مهران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أول مَا حمل فِي الفلك من الدواب الذرة، وآخر مَا حمل الحمار [4] .
قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا ثمانين رجلا مِنْهُم سام، وحام، ويافث. وكنائنه، نساء بنيه هؤلاء، وثلاثة وسبعون من ولد شيث [5] .
وَقَالَ قَتَادَة: كَانُوا ثمانية: نوح وامرأته، وبنوه الثلاثة ونساؤهم [6] .
وَقَالَ الأَعْمَش: كَانُوا سبعة، وَلَمْ يذكر امرأة نوح [7] .
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 179، 180. وقارن بزاد المسير 4/ 102.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 181.
[3] تاريخ الطبري 1/ 181.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 184.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 187، وزاد المسير 4/ 106- 107.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 188.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 188.

(1/240)


وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانُوا عشرة [1] .
قَالَ ابْن جريج: حدثت أَن حاما أصاب امرأته فِي السفينة فدعا عَلَيْهِ نوح فتغير نطفته فجاء بالسودان [2] .
وَقَالَ الْحَسَن: كَانَ التنور الَّذِي فار منه الماء حجارة [3] .
واختلفوا أين فار التنور؟
فروى عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فار بالهند [4] . وَقَالَ الشَّعْبِي ومجاهد بالكوفة [5] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُوخٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ جَاءَ إِبْلِيسُ فَتَعَلَّقَ بِالسَّفِينَةِ وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: إِبْلِيسُ، قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتَسْأَلَ لِي رَبَّكَ، هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ تَوْبَتَهُ أَنْ يَأْتِيَ قَبْرَ آَدَمَ فَيَسْجُدُ لَهُ، فَقَالَ: أَنَا لَمْ أَسْجُدْ لَهُ حَيًّا وَأَسْجُدُ لَهُ مَيِّتًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ من الْكافِرِينَ 2: 34 [6] .
قَالَ علماء السير: فلما استقر نوح بمن مَعَهُ فتحت أبواب السماء بماء منهمر، فغطى السفينة وَكَانَ بَيْنَ أَن أرسل اللَّه الماء [7] ، وبين أَن احتمل السفينة أربعون يوما [8] ، ثُمَّ ارتفع الماء فَوْقَ الجبال فهلك كُل مَا عَلَى وجه الأَرْض من ذي روح وشجر، فلم يبق سوى نوح ومن معه.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 189.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 188.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 186.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 186.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 187.
[6] سورة: البقرة، الآية: 34.
[7] في الأصل: «وكان بين أن يرسل الله الماء» . وما أوردناه من الهامش والطبري 1/ 184.
[8] في الأصل: «أربعون عاما» والتصحيح من الهامش والطبري.

(1/241)


ويزعم أَهْل الكتاب أَنَّهُ بقي عوج بْن عناق أَيْضًا [1] .
رَوَى أَبُو صَالِح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أرسل اللَّه المطر أربعين يوما وأربعين ليلة، فأقبلت الوحش والدواب كلها إِلَى نوح، وسخرت لَهُ، فحمل لَهُ منها من كل زوجين اثنين، وحمل جسد آدم، فجعله حاجزا بَيْنَ النِّسَاء والرجال، فركبوا [فِيهَا] [2] لعشر ليال مضين من رجب، وخرجوا منها يَوْم عاشوراء، فسارت بهم السفينة وطافت بهم الأَرْض كلها فِي ستة أشهر لا تستقر، حَتَّى أتت الحرم فلم تدخله، ودارت بالحرم أسبوعا، ورفع الْبَيْت الَّذِي بناه آدَم، رفع من الغرق- وَهُوَ الْبَيْت المعمور والحجر الأسود- عَلَى أَبِي قبيس، ثُمَّ انتهت بهم/ إِلَى الجودي، وَهُوَ جبل فِي أرض المَوْصِل، فاستقرت عَلَيْهِ، وقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي 11: 44 [3] . فصار ما نزل من السماء هذه البحور الَّتِي ترون فِي الأَرْض، فآخر مَا بقي من الطوفان فِي الأَرْض [ماء] [4] بحسمى [5] بقى فِي الأَرْض أربعين سَنَة بَعْد الطوفان ثُمَّ ذهب [6] .
قَالَ الْعُلَمَاء: أرسل اللَّه الطوفان [لمضي] [7] ستمائة سَنَة من عُمَر نوح [8] ، ولتتمة ألفي سَنَة ومائتي سَنَة وست وخمسين سَنَة من لدن هبوط آدَم، وَكَانَ ذَلِكَ لثلاث عشرة خلت من آب، وأقام نوح فِي السفينة إِلَى أَن غاض الماء، فلما خرج اتخذ بناحية بقردى [9] من أرض الجزيرة موضعا، وابتنى هناك قرية سموها ثمانين [10] ، لأنه كان فيها
__________
[1] في تاريخ الطبري 1/ 185: «عوج بن عنق» .
[2] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 185.
[3] سورة: هود، الآية: 44.
[4] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[5] حسمى: أرض ببادية الشام، ذكرها ياقوت في معجم البلدان، وقال: «آخر ما نضب من ماء الطوفان حسمى، فبقيت منه هذه البقية إلى اليوم فلذلك هي أخبث ماء» .
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 185، 186.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، واستدركناها من تاريخ الطبري 1/ 189.
[8] في الأصل: «لستمائة سنة» وما أوردناه من الطبري 1/ 189.
[9] قردى، بالفتح ثم دال مهملة. ياقوت. وفي الأصل: باقردى.
[10] في معجم البلدان 3/ 23، قال ياقوت: «ثمانين بليدة عند جبل الجودي، قرب جزيرة ابن عمر التغلبي فوق الموصل. كان أول من نزله نوح عليه السلام لما خرج من السفينة ومعه ثمانون إنسانا، فبنوا لهم

(1/242)


لكل إِنْسَان مَعَهُ بَيْت، فَهِيَ إِلَى اليوم تسمى سوق ثمانين [1] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك، أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن عبد الجبار، أَخْبَرَنَا الحسين بن علي الطَّنَاجِيرِيُّ، [أَخْبَرَنَا] عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حدثني عبد اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوبَ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنِ ابْن صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ مُجْتَمَعُ النَّاسِ حَيْثُ خَرَجُوا مِنَ السَّفِينَةِ بِبَابِلَ، فَنَزَلُوا سُوقَ ثَمَانِينَ بِالْجَزِيرَةِ، فَابْتَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْتًا، وَكَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلا فَسُمِّيَ سُوقَ ثَمَانِينَ، ثُمَّ ضَاقَتْ بِهِمْ حَتَّى خَرَجُوا فَنَزَلُوا مَوْضِعَ بَابِلَ، وَكَانَ طولُ بَابِلَ اثْنَي عَشْرَ فَرْسَخًا فِي اثْنَي عَشْرَ فَرْسَخًا، وَكَانَ سُورُهَا عِنْدَ النِّيلِ وَبَابُهَا عِنْدَ دَاوَرْدَانَ، [2] فَمَكَثُوا بِهَا حَتَّى كَثِرُوا [3] ، وَمَلِكُهُمْ يَوْمَئِذٍ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ [4] بْنِ حَامِ بْنِ نُوحٍ، فَلَمَّا كَفَرُوا بَلْبَلَ اللَّهُ أَلْسِنَتَهُمْ فَفُرِّقُوا عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، وَفَهَّمَ اللَّهُ الْعَرَبِيَّةَ عَمْلِيقَ، وَأُمَيْمَ، وَطَسمَ بْنَ لُوطِ بْنِ سَامٍ، وَعَادَ وَعبيلَ ابْنَي عَوْصِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامٍ، وَثَمُودَ، وَجديسَ بْنَ جَاثِمِ بن إرم بن سام، وقنطور بن عابر بْن شالخ بْن أرفخشد بْن سام.
فَخَرَجَتْ عَادٌ وَعبيلُ، فَنَزَلَتْ عَادٌ الشِّحْرَ، وَنَزَلَتْ عَبِيلُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ عَمَالِيقُ صَنْعَاءَ وَمَا حَوْلَهَا، وَنَزَلَتْ أُمَيْمُ أَبَارَ وَمَضَى بَعْضُهُمْ مَعَ عَادٍ، وَمَضَتْ طسمُ وَجديسُ فَنَزَلُوا الْيَمَامَةَ، وَنَزَلَتْ ثَمُودُ الْحَجَرَ وَمَا وَالاهَا.
فَهَلَكَتْ عَادٌ وَالْعَمَالِيقُ بِصَنْعَاءَ، وَتَحَوَّلَتِ الْعَمَالِيقُ فَنَزَلَتْ مَكَّةَ ثُمَّ مَضَى بَعْضُهُمْ إِلَى يَثْرِبَ، وَيَثْرِبَ اسْمُ رَجُلٍ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ شَاهِينَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي، حدثنا القعنبي، حدثنا أبو مساكن بهذا الموضع، وأقاموا به، فسمى الموضع بهم، ثم أصابهم وباء، فمات الثمانون غير نوح وولده، فهو أبو البشر كلهم» .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 189.
[2] داوردان: هكذا ضبطها المصنف. وفي الطبري «دوران» .
[3] الخبر إلى هنا في تاريخ الطبري 1/ 203.
[4] في الطبري 1/ 205: «نمرود بن كوش» .

(1/243)


ضَمْرَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي زَمَانِ نُوحٍ يَنْتَسِبُ إِلَى خَمْسَةَ عَشْرَ أَبًا كُلُّهُمْ حَيٌّ.
قَالَ الْعُلَمَاء: عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سَنَة عَلَى خلاف فِي عدد السنين [1] ، وكان جميع عُمَر نوح ألف سَنَة إلا خمسين عاما، ويقال أَكْثَر، وإنما ذَلِكَ مقدار لبثه فِي الإنذار والله أعلم.
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَدَ نُوحُ سَامًا وَفِي وَلَدِهِ بَيَاضٌ وَأَدَمَةٌ، وَحَامًا وَفِي وَلَدِهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ قَلِيلٌ، وَيَافِثَ وَفِيهِمُ [الشُّقْرَةُ] [2] وَالْحُمْرَةُ، وَكَنْعَانَ وَهُوَ الَّذِي غَرِقَ، وَالْعَرَبَ تُسَمِّيهِ يَامًا [3] .
قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ 37: 77 [4] ، قَالَ: لَمْ يبق إلا ذرية نوح [5] .
وَقَالَ قَتَادَة: النَّاس كلهم من ذرية نوح [6] .
ذكر خبر الْمَلِك المسمى بالضحاك [7]
وَهُوَ بيوراسب. لما قهر جما الْمَلِك ملك مكانه، وسار فِي الناس بجور شديد.
وذكر بعض المؤرخين أَن نوحا بعث فِي زمان هَذَا الرجل إِلَيْهِ وإلى أَهْل مملكته مِمَّن تمرد وعصى، وأنهم هلكوا بمخالفته، فلذلك ذَكَرْنَا خبره هاهنا.
كَانَ الضَّحَّاك عظيم المملكة. ويقال: أَن جما الْمَلِك زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته، وملكه على اليمن، فولدت له الضحاك [8] .
__________
[1] راجع في ذلك: سفر التكوين 9/ 28.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 191.
[4] سورة: الصافات، الآية: 77.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 192.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 129.
[7] تاريخ الطبري 1/ 194، وغرر السير 17، ومرآة الزمان 1/ 250، والكامل في التاريخ 1/ 58.
[8] تاريخ الطبري 1/ 194 عن هشام بن محمد بن السائب.

(1/244)


واليمن تدعيه وتزعم أَنَّهُ من أنفسها، وأنه الضَّحَّاك بْن علوان بْن عبيد بْن عويج، وأنه ملك على مصر أخاه سنان [1] بْن علوان، وَهُوَ أول الفراعنة، وأنه ملك مصر [حِينَ] [2] قدمها الخليل.
والفرس تنسب الضَّحَّاك غَيْر هَذَا النسب، فترفع نسبه إِلَى جيومرث، وقيل: كَانَ كثير الإقامة ببابل.
وعامة المؤرخين ذكروا أَنَّهُ ملك الأقاليم السبعة كلها، وأنه كَانَ ساحرا فاجرا.
قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد: ملك الضَّحَّاك بَعْد جم- فيما يزعمون- ألف سَنَة، وسار بالجور والقتل، وَكَانَ أَوَّل من سن الصلب والقطع، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم، وأول من تغنى وغني لَهُ.
ويقال أَنَّهُ خرج فِي منكبه سلعتان [3] كانتا تضربان عَلَيْهِ حَتَّى يطليهما بدماغ إِنْسَان، وَكَانَ يقتل لِذَلِكَ فِي كُل يَوْم رجلين، ويطلي سلعتيه بدماغيهما، فَإِذَا فعل ذَلِكَ سكن مَا يجد [4] .
قَالَ الشيخ الإمام أَبُو الفرج: وَهَذَا الضَّحَّاك هُوَ الَّذِي غناه حبيب بْن أوس بقوله:
بَل كَانَ كالضحاك فِي سطواته ... بالعالمين وأنت أفريدُونَ
[5] وأفريدُونَ من نسل جم الْمَلِك الَّذِي كَانَ [من] [6] قبل الضَّحَّاك، ثم قدم إلى منزل الضحاك فاحتوى عليه وأوثق الضَّحَّاك، وسمي ذَلِكَ اليوم مهرجانا، وعلا أفريدُونَ سرير الْمَلِك. وَكَانَ عرض صدر الْمَلِك أفريدون أربعة أرماح [7] .
__________
[1] في الأصل: «شيبان» والتصحيح من الطبري 1/ 194.
[2] ما بين المعقوفتين: من الهامش.
[3] السلعة، بالكسر: زيادة تحدث في الجسم مثل الغدة، تمور بين الجلد واللحم إذا حركتها.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 196، ومرآة الزمان 1/ 250، 251، وغرر السير 20.
[5] ديوان حبيب بن أوس 3: 321، من قصيدة يمدح فيها الأفشين. وأخرجه أيضا الطبري في تاريخه 1/ 194، وأورده صاحب غرر السير 35، ومرآة الزمان 1/ 250.
[6] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[7] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 197.

(1/245)


والفرس تزعم أَن الْمَلِك لَمْ يكن إلا للبطن الَّذِي منه أوشهنج وجم وطهمورث، وأن الضَّحَّاك كَانَ غاصبا، غصب أَهْل الأَرْض بسحره [وخبثه] [1] . وَكَانَ عَلَى منكبيه ناتئتان، كُل واحدة كرأس الثعبان، فكان يسترهما ويزعم أنهما حيتان يقتضيانه الطعام، وكانتا تتحركان إِذَا جاع، وزعم أَنَّهُ نبي [2] .
وقيل: مَا زال النَّاس مَعَهُ فِي جهد حَتَّى وثب رجل اسمه كابي من أَهْل أصبهان كَانَ قَدْ قتل لَهُ ابنين، فجمع النَّاس لقتاله، فهرب الضَّحَّاك وولى مكانه أفريدُونَ فاحتوى عَلَى ملك الضَّحَّاك [3] .
وملك أفريدُونَ خمسمائة سنة، وكان عمر الضحاك ألف سنة، وملكه ستمائة سَنَة، وَقَدْ زعم بَعْض نسابي الفرس أَن أفريدُونَ هُوَ نوح الَّذِي قهر الضَّحَّاك وغلبه وسلبه ملكه.
وَقَالَ قوم: أفريدُونَ هُوَ ذو الْقَرْنَيْنِ. وَقَالَ بَعْضهم: هُوَ سُلَيْمَان بْن دَاوُد، وقال الفرس: أفريدون من ولد جم الْمَلِك، وَهُوَ التاسع من ولده [4] .
وَكَانَ أفريدُونَ قَدْ أمر بالعدل ورد المظالم، وَهُوَ أول من نظر فِي النجوم والطب، وأول من ذلل الفيلة وامتطاها وقاتل بها الأعداء، واتخذ الأوز والحمام [5] .
وَكَانَ شديد القوة حسن الصورة، وعالج الدرياق، وَهُوَ أول من سمي بكي، وَكَانَ يقال لَهُ «كي أفريدُونَ» وَهِيَ كلمة معناها التنزيه، أي: هُوَ منزه متصل بالروحانية [6] .
وأنه ملك الأَرْض فقسمها بَيْنَ أولاد لَهُ ثلاثة، فوثب اثنان مِنْهُم عَلَى الثالث فقتلاه واقتسما الأرض فملكاها ثلاثمائة سَنَة. ثُمَّ بغى مِنْهُم طوج بْن أفريدُونَ، ثُمَّ نشأ لَهُ أفراسياب بْن ترك الَّذِي تنسب إليه الترك من ولد طوج.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[2] تاريخ الطبري 1/ 197، 198.
[3] تاريخ الطبري 1/ 198، وغرر السير 32، ومرآة الزمان 1/ 251.
[4] تاريخ الطبري 1/ 211.
[5] تاريخ الطبري 1/ 214، ومرآة الزمان 1/ 252.
[6] تاريخ الطبري 1/ 213.

(1/246)


ويقال: الضَّحَّاك هُوَ نمرود الخليل وأن الخليل ولد فِي زمانه، وأنه صاحبه الَّذِي أراد إحراقه. والله أعلم.
ذكر أولاد نوح عَلَيْهِ السَّلام [1]
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَن نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَامٌ أَبُو التُّرْكِ، وَحَامٌ أَبُو الْحُبْشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ» [2] .
وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب: ولد نوح ثلاثة أولاد: سام، وحام، ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، وولد حام السودان والبربر والقبط، وولد يافث الترك والصقالبة، ويأجوج ومأجوج [3] .
وَقَالَ وهب بْن منبه: سام أَبُو العرب وفارس والروم، وحام أبو السود، ويافث أبو الترك وأبو يأجوج ومأجوج وَهُمْ بنو عم الترك [4] .
ويزعم أَهْل التوراة أَن نوحا نام فانكشفت عورته ورآها حام فلم يغطها، ورآها سام ويافث وألقيا عَلَيْهَا ثوبا، فلما انتبه علم بالحال، فدعا عَلَى أولاد حام أَن يكونوا عبيدا لإخوته [5] .
وَرَوَى أَبُو صَالِح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لما ضاقت بولد نوح سوق ثمانين تحولوا
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 201- 215، والكسائي 98- 102، والمعارف 24 وما بعدها، ومرآة الزمان 1/ 245.
[2] الحديث أخرجه الترمذي 3231، 3931، وأحمد بن حنبل في المسند 5/ 9، 11، والطبراني في المعجم الكبير 7/ 254، 18/ 146، والطبري في التاريخ 1/ 209، وابن سعد في الطبقات 1/ 42، وابن كثير في التفسير 7/ 19، وفي البداية 1/ 115، والديلميّ في الفردوس 7177.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 210.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 201.
[5] الخبر في تاريخ الطبري عن ابن إسحاق 1/ 202. وانظر أيضا: سفر التكوين 9: 20- 27، وقارن بالمعارف 25.

(1/247)


إِلَى بابل، فبنوها وَهِيَ بَيْنَ الفرات والصراة، وكانت اثني عشر فرسخا فِي اثني عشر فرسخا، وكثروا بها حَتَّى صاروا مائة ألف [1] .
ذكر أولاد سام [2]
من أولاد سام: فارس وطسم/ وعمليق وَهُوَ أَبُو العماليق كلهم وإرم وأرفخشد، وأولاد أرفخشد الأنبياء والرسل وخيار النَّاس، والعرب كلها والفراعنة. ومن أولاد إرم:
عابر وعوص، ومن ولد عابر ثمود وجديس، وكانوا عربا، وولد عوص عاد [3] .
وكانت طسم والعماليق وهاشم يتكلمون بالعربية، وفارس يتكلمون باللسان الفارسي وكانت العرب تقول لهذه الأمم العرب العاربة، لأنه لسانهم الَّذِي جبلوا عَلَيْهِ، وتقول لبني إِسْمَاعِيل العرب المتعربة، لأنهم كَانُوا يتكلمون بلسان هذه الأمم حَتَّى سكنوا بَيْنَ أظهرهم [4] .
وولد لعابر فالغ، ومعناه بالعربية قاسم، وإنما سمي بِذَلِكَ لأنه قسم الأَرْض بَيْنَ بَنِي نوح. وولد لعابر أَيْضًا أرغوا، وولد لأرغو ساروغ، وولد لساروغ ناخور، وولد لناخور تارخ أَبُو إِبْرَاهِيم الخليل [5] .
وولد لعابر أَيْضًا قحطان، وقحطان أول من ملك اليمن وأول من سلم عَلَيْهِ «أبيت اللعن» .
وولد لقحطان يعرب، وولد ليعرب شجب سبأ، وسبأ هُوَ الَّذِي ينسب القبيلة الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سبأ إِلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 203.
[2] تاريخ الطبري 1/ 203، والأخبار الطوال 3، والمعارف 26- 28، ومرآة الزمان 1/ 246.
[3] تاريخ الطبري 1/ 204.
[4] تاريخ الطبري 1/ 205.
[5] تاريخ الطبري 1/ 205.

(1/248)


عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسرةَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَأٍ مَا هُوَ؟ أَرْجُلٌ أَمُ امْرِأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ قَالَ: «بَلْ هُوَ رَجُلٌ وُلِدَ لَهُ عَشْرَةٌ فَسَكَنَ الْيَمَنُ مِنْهُمْ سِتَّةً، وَبِالشَّامِ مِنْهُمْ أَرَبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيِّونَ فمذحج وكندة والأزد والأشعرون وَأَنْمَارُ وَحِمْيَرُ. وَأَمَّا الشَّامِيَّةُ فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ» [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الحكم النخعي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَبْرَةَ النَّخْعِيِّ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مسيك المرادي، قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم، قَالَ: «بَلَى» ، قَالَ: ثُمَّ بَدا لِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا بَلْ أَهْلُ سَبَأٍ هُمْ أَعَزُّ وَأَشَدُّ قُوَّةً، فَأَذَنْ لِي فِي قِتَالِ سَبَأٍ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ في سبإ ما أنزل، فأرسل رسول الله إِلَى مَنْزِلِي فَوَجَدَنِي قَدْ سِرْتُ، فَرَدَّنِي، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ وَجَدْتُهُ قَاعِدًا وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: «ادْعُ الْقَوْمَ فَمَنْ أَجَابَكَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ وَمَنْ أَبَى وَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِ حَتَّى تُحَدِّثَ إِلِيَّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا سَبَأُ أَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: «لَيْسَتْ بِأَرْضٍ وَلا امْرَأَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَّا سِتَّةٌ فَتَيَامَنُوا، أَمَّا أَرْبَعَةٌ فَتَشَامُوا.
فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَامُوا: فَلَخْمٌ، وَجُذَامٌ، وَغَسَّانُ، وَعَامِلَةُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا: فَالأَزْدُ، وَكِنْدَةُ، وَحِمْيَرُ، وَالأَشْعَرُونَ، وَأَنْهَارُ، وَمُذْحَجٍ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَنْمَارُ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ مِنْهُم خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ، وَالْفرسُ، وَالنَّبْطُ مِنْ أَوْلادِ سَامٍ أَيْضًا» [2] .
ذكر أولاد يافث [3]
من أولاده يونان، وولد ليونان نبطي ومن أولاده الروم. ومن أولاد يافث ملوك العجم كُلّهَا من الترك والخزر والفرس.
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 316، وابن كثير في التفسير 6/ 491، وأورده السيوطي في الدر المنثور 5/ 531، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 193، 7/ 94.
[2] الحديث أخرجه الطبراتي في الكبير 1/ 325، وانظر: مشكل الآثار 4/ 331.
[3] تاريخ الطبري 1/ 206، والأخبار الطوال 2، ومرآة الزمان 1/ 249.

(1/249)


ذكر أولاد حام [1]
مِنْهُم كوش، وولد لكوش نمرود المتجبر، وَهُوَ أول ملك ملك بَعْد الطوفان بثلاثمائة عام. وَعَلَى عهده قسمت الأَرْض وتفرق النَّاس والألسن.
ونمرود الأخير من أولاد نمرود، هَذَا هُوَ الَّذِي ولد فِي زمن إِبْرَاهِيم الخليل.
ومن أولاد حام تيرش، ومن أولاده الترك والخزر. وَمِنْهُم موعج، ومن أولاده يأجوج ومأجوج. وَمِنْهُم نوار [2] ومن أولاده الصقالبة والنوبة والحبشة وأهل السواحل والهند والسند.
ذكر الأحداث الَّتِي كانت بَيْنَ نوح وإبراهيم عليهما السَّلام
فمن الأحداث: اقتسام أولاد نوح الأَرْض [3] :
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن يالغ بْن عامر قسم الأَرْض، فنزل بنو سام سرة الأَرْض [4] ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ساتيدما [5] إلى البحر، وَمَا بَيْنَ اليمن إِلَى الشام، وجعل الله سبحانه فيهم النبوة والكتاب والجمال والأدمة والبياض، ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور، وجعل اللَّه فيهم أدمة وبياضا قليلا ورفع عَنْهُم الطاعون. ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا، وفيهم الحمرة والشقرة، وأخلى اللَّه أرضهم فاشتد بردها، وأخلى سماءهم، فليس يجري فوقهم شَيْء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تَحْتَ «بنات نعش» والجدي والفرقدين، وابتلوا بالطاعون. ثم لحقت عاد بالشّحر، فعليه هلكوا بواد يقال له «مغيث» .
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 206، ومرآة الزمان 1/ 247، والأخبار الطوال 2، ومروج الذهب 2/ 110.
[2] في الطبري: «ومنهم بوان» .
[3] تاريخ الطبري 1/ 208.
[4] في الطبري 1/ 208: «فنزل بنو سام المجدل سرّة الأرض» .
[5] ساتيدما، ضبطها ياقوت: «بعد الألف تاء مثناة من فوق مكسورة، وياء مثناة من تحت، ودال مهملة مفتوحة ثم ميم وألف مقصورة» .

(1/250)


ولحقت عبل، وَهُوَ عبل بْن عوص بْن آدَم صنعاء قبل أَن تسمى صنعاء، ثُمَّ انحدر بَعْضهم إِلَى يثرب فأخرجوا منها عبل فنزلوا موضع الجحفة، فأقبل سيل فاحتجفهم، فَذَهَبَ بهم فسميت الحجفة.
ولحقت ثمود بالحجر، ولحقت طسم وجديس باليمامة، ولحقت بنو يقطن بْن عامر باليمن فسميت اليمن حيث تيامنوا إِلَيْهَا. ولحق قوم من بَنِي كنعان بالشام فسميت الشام حيث تشاموا، وكانت الشام يقال لَهَا أرض كنعان [1] .
وكانت العماليق فِي بلدان شتى، وَكَانَ مِنْهُم بالمشرق إِلَى عمان، وبالبحرين طائفة، وكان بالشام ومصر ومكة والمدينة والحجاز ونجد مِنْهُم طائفة. والطائفة الَّتِي كانت مِنْهُم بالشام يقال لَهُمْ «الكنعانيون» وكانوا أَصْحَاب أوثان يعبدُونَها، وَهُمُ الجبابرة المعروفون.
والطائفة الَّتِي كانت [2] بمصر يقال لَهُمْ «الفراعنة» ، وَمِنْهُم فرعون يُوسُف، وَكَانَ اسمه الريان بْن الْوَلِيد، وفرعون موسى وَكَانَ اسمه وائل بْن مُصْعَب.
وَكَانَ بمكة أَيْضًا طائفة مِنْهُم، وَكَانَ سيدهم بَكْر بْن مُعَاوِيَة، وَهُوَ الَّذِي نزل عَلَيْهِ وفد عاد حِينَ ذهبوا يستسقون لعاد، وَكَانَ مُعَاوِيَة هَذَا نازلا بظاهر مَكَّة خارجا من الحرم، وَكَانَ يتخذ مِنْهُم ناس يقال لَهُمْ: «بديل وراجل» . فكان بالمدينة مِنْهُم بنو حف وسعد بْن هزان وبنو مطر وبنو الأرزن، وَكَانَ ملك الحجاز مِنْهُم الْمَلِك الَّذِي يدعى الأرقم، وَكَانَ منزله تيماء، وكانت منازلهم المدينة إِلَى تيماء وإلى فدك.
ومن الأحداث الَّتِي كانت بَعْد نوح عُبَادَة الأصنام:
رَوَى الْبُخَارِي فِي أفراده من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر أسماء قوم صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشَّيْطَان إِلَى قومهم أَن انصبوا في مجالسهم أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حَتَّى هلك أولئك، ونسخ العلم فعبدت، وصارت تلك الأوثان فِي العرب بَعْد. أما ود فكان لكلب بدومة الجندل، وَأَمَّا سواع فكان لهذيل، وَأَمَّا يغوث فكان لمراد بَنِي غطيف بالجرف، وَأَمَّا
__________
[1] إلى هنا الخبر في تاريخ الطبري 1/ 208، 209. وراجع مرآة الزمان 1/ 246.
[2] في الأصل: كان، والتغيير لاستقامة المعنى.

(1/251)


يعوق فكان لهمدان، وَأَمَّا نسر فكان لحمير لآل ذي الكلاع [1] .
ومن الأحداث بَيْنَ نوح وإبراهيم طغيان جَنِين من أولاد إرم:
وهما: عاد بْن عوص بْن إرم بْن سام بْن نوح، وَهِيَ عاد الأولى، وثمود بْن جاثر ابن إرم، وَهُمْ كَانُوا العرب العاربة [2] .
ذكر قصة قوم عاد وكفرانهم [3]
لما تجبروا وعتوا وعبدوا الأوثان أرسل اللَّه تَعَالَى إليهم هود بْن عَبْد اللَّهِ بْن رباح بْن الخلود بْن عاد بْن عوص بْن إرم [بْن سام بْن نوح] [4] . ومن النسابين من يَقُول:
الخلود بضم الخاء واللام، كَذَلِكَ رأيته بخط المنادي، قال: ويقال بالجيم المكسورة، واللام المفتوحة. ومنهم من يَقُول هود هُوَ: عابر بْن شالخ بْن أرفخشد بْن سام بْن نوح. فدعاهم إِلَى التوحيد/ وترك الظلم، فكذبوه وَقَالُوا: من أشد منا قوة! فلم يؤمن مِنْهُم بهود إلا القليل، فبالغ فِي وعظهم فزادوا فِي طغيانهم إِلَى أَن قَالُوا:
سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ من الْواعِظِينَ 26: 136 [5] .
فحبس اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُم المطر ثَلاث سنين حَتَّى جهدوا فبعثوا إِلَى مَكَّة وفدا حتى يستسقي لهم مِنْهُم: قيل، ولقيم وجلهم، ومرثد بْن سَعْد، وَكَانَ يكتم إيمانه، ولقمان بْن عاد [6] ، فنزلوا عَلَى بَكْر بْن مُعَاوِيَة فجعل يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان [7] شهرا، ثُمَّ بعثوا آخر، فدعا فقال: اللَّهمّ إني لم أجئك لأسير
__________
[1] راجع مرآة الزمان 1/ 225.
[2] تاريخ الطبري 1/ 216.
[3] تاريخ الطبري 1/ 216، وتفسير الطبري 12/ 503، والبداية والنهاية 1/ 120، وعرائس المجالس 61، والكسائي 103.
[4] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 1/ 216، ومرآة الزمان 1/ 254.
[5] سورة: الشعراء، الآية: 136.
وراجع الطبري 1/ 216، ومرآة الزمان 1/ 255.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 219، والمرآة 1/ 255.
[7] من المرآة: «الجرادتان» مغنيتان كانتا لبكر» . 1/ 255.

(1/252)


فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فاسق عادا مَا كنت مسقيه. فرفعت لَهُ سحابة فنودي منها:
اختر، فجعل يَقُول: اذهبي إِلَى بَنِي فُلان، واذهبي إِلَى بَنِي فُلان. فمرت سحابة سوداء، فقال: اذهبي إِلَى بَنِي فُلان، واذهبي إِلَى بَنِي فُلان. فمرت سحابة سوداء، فَقَالَ: اذهبي إِلَى عاد، فنودي منها: خذها رمادا، رمددا لا تدع من عاد أحدا. قَالَ:
وكتمهم والقوم عِنْدَ بَكْر بْن مُعَاوِيَة يشربون.
وَفِي رواية [1] : أَن بَكْر بْن مُعَاوِيَة لما رأى طول مقامهم عنده، قَالَ: هلك أخوالي وأصهاري، وَهَؤُلاَءِ ضيفي، وَمَا أدري مَا أصنع، واستحى أَن يأمرهم بالخروج [2] ، فشكى ذَلِكَ إِلَى قينتيه الجرادتين، فقالتا لَهُ: قل شعرا نغنيهم بِهِ. قَالَ: [3] :
ألا يا قيل، ويحك قم فهينم ... لعل اللَّه يصبحنا [4] غماما
فيسقي أرض عاد، إِن عادا ... قَدْ أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد، فليس نرجو ... بِهِ الشيخ الكبير ولا الغلاما
وَقَدْ كانت نساؤهم بخير ... فَقَدْ أمست نساؤهم عياما
وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما!
فلما سمعوا هَذَا قَالُوا: ويلكم ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم، فَقَالَ مرثد: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إِن أطعتم نبيكم سقيتم. فَقَالَ جلهم: احبسوا هَذَا عنا ولا يقدمن معنا مكة، فَإِنَّهُ قَدِ اتبع دين هود.
ثُمَّ خرجوا يستسقون، فنشأت سحابة وقيل لَهُ: اختر، فاختار سحابة سوداء، فساقها اللَّه تَعَالَى إِلَى عاد حَتَّى خرج عَلَيْهِم من واد لَهُمْ يقال له «مغيث» فلما رأوها
__________
[1] هذه الرواية في تاريخ الطبري 1/ 220، ومرآة الزمان 1/ 256.
[2] في الطبري: «يأمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه (طبري 1/ 220) وفي المرآة 1/ 255: «يأمرهم بالدخول إلى الحرم ليستسقوا» .
[3] في تاريخ الطبري 1/ 220: «قال معاوية بن بكر» .
[4] كذا في تفسير الطبري، وفي تاريخه 1/ 220: «لعل الله يسقينا» ، وفي مرآة الزمان 1/ 255: «لعل الله يمنحنا» .

(1/253)


استبشروا بها، فقالوا: هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا 46: 24 [1] . فكان أول من رأى مَا فِيهَا امرأة مِنْهُم فصاحت وصعقت، فقيل لَهَا: مَا رأيت؟ قَالَتْ: ريحا فِيهَا كشهب النار، أمامها رجال يقودُونَها، فسخرها اللَّه عَلَيْهِم سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً 69: 7 [2] .
فاعتزل هود ومن مَعَهُ من الْمُؤْمِنيِنَ فِي حظيرة مَا يصيبه منها إلا مَا تلين الجلود، وتلتذ عَلَيْهِ النفوس، فكانت تقلع الشجر وتهدم البيوت، فمن لَمْ يكن فِي بيته هبت الريح حَتَّى تقطعه بالجبال، وكانت ترفع الظعينة مَا بَيْنَ السماء وَالأَرْض وترميهم بالحجارة. فوصل الخبر إِلَى الوفد، وكانوا قَدْ قيل لَهُمْ: قَدْ أعطيتم مناكم لدعائكم فاختاروا. فَقَالَ مرثد: يا رب، أعطني برا وصدقا، فأعطي ذَلِكَ. وقيل لقيل: مَا تريد؟
فَقَالَ: أَن يصيبني مَا أصاب قومي [3] .
وَقَالَ لقمان بْن عاد: أعطني عُمَر سبعة أنسر، فعمر عُمَر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حِينَ يخرج من البيضة، فيأخذ الذكر لقوته حَتَّى إِذَا مَات أخذ غيره، فلما لَمْ يبق غَيْر واحد، قَالَ لَهُ ابْن أخيه: يا عم مَا بقي من عمرك إلا عُمَر هَذَا النسر، فَقَالَ لقمان: هَذَا لبد- ولبد بلسانهم الدَّهْر- فلما انقضى عُمَر النسر طارت النسور، وَلَمْ ينهض فمات لقمان.
ذكر قصة عجيبة للقمان بْن عاد [4]
أخبرتنا شهدة بنت أَحْمَد، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن السراج، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد الله بن مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي، أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِم الكاتب، أَخْبَرَنَا ابْن دريد، حَدَّثَنَا العكلي، عَنْ ابن أَبِي خَالِد، عَنِ الهيثم، عَنْ مجاهد، عَنْ الشَّعْبِي، قَالَ:
كَانَ لقمان بْن عاد عاديا الَّذِي عُمر عُمر سبعة أنسر مبتلى بالنساء، فكان يتزوج المرأة فتخونه حَتَّى تزوج جارية صغيرة لَمْ تعرف الرجال، ثُمَّ نقر لَهَا بيتا فِي صفح جبل، وجعل لَهُ درجة بسلاسل ينزل بها ويصعد، فَإِذَا خرج رفعت السلاسل، حتى
__________
[1] سورة: الأحقاف، الآية: 24.
[2] سورة: الحاقة، الآية: 7.
[3] تاريخ الطبري 1/ 223.
[4] التيجان 69، وجمهرة العسكري 2/ 261، ومرآة الزمان 1/ 261.

(1/254)


عرض لَهَا فتى من العماليق فوقعت فِي نَفْسه، فأتى بَنِي أَبِيهِ فَقَالَ: والله لأجتنين عليكم حربا لا تقومون بها، قَالُوا: وَمَا ذاك؟ قَالَ: امرأة لقمان بْن عاد، هِيَ أحب الناس إليّ.
قالوا: فكيف نحتال لَهَا، قَالَ: اجمعوا سيوفكم ثُمَّ اجعلوني فيها وشدوها حزمة عظيمة، ثم ائتوا لقمان فقولوا: إنا أردنا أَن نسافر ونحن نستودع سيوفنا حتى نرجع، وسمّوا له يوما، ففعلوا وأقبلوا بالسيوف فدفعوها إِلَى لقمان، فوضعها فِي بيته وخرج لقمان وتحرك الرجل فحلت الجارية عَنْهُ، وَكَانَ يأتيها فَإِذَا أحست بلقمان جعلته بَيْنَ السيوف وحتى انقضت الأيام، ثُمَّ جاءوا إِلَى لقمان فاسترجعوا سيوفهم فرفع لقمان رأسه بعد ذلك، فإذا بنخامة يبوس فِي سقف الْبَيْت، فَقَالَ لامرأته: من نخم هذه؟ قَالَتْ: أنا، قَالَ:
فتنخمي، ففعلت فلم تصنع شَيْئًا، فَقَالَ: يا ويلتاه السيوف دهتني، ثُمَّ رمى بها من ذروة الجبل، فتقطعت قطعا وانحدر مغضبا، فَإِذَا ابنة لَهُ يقال لَهَا «صحر» ، فَقَالَتْ لَهُ: يا أبتاه مَا شأنك؟ قَالَ: فأنت أَيْضًا من النِّسَاء، فضرب رأسها بصخرة فقتلها، فَقَالَتِ العرب:
«مَا أذنبت إلا ذنب صحر» . فصار مثلا.
قَالَ الْعُلَمَاء بالسير: كَانَ عُمَر هود مائة وخمسين سَنَة. وَقَدْ ذَكَرْنَا قصة عاد فِي تفسير الْقُرْآن العزيز [1] مستوفاة فاختصرناها هاهنا.
ذكر قصة ثمود [2]
وكانوا قَدْ عتوا وكفروا باللَّه وأفسدوا فِي الأَرْض، وكانوا قَدْ مدت أعمارهم، وكانوا يسكنون الحجر إِلَى وادي القرى من الحجاز والشام، فكان أحدهم يبني المساكن من المدر فتنهدم والرجل مِنْهُم حي، فلما رأوا ذَلِكَ اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها وجابوها وجوفوها.
فبعث اللَّه تَعَالَى إليهم بَعْد هلاك قوم عاد صَالِح بْن عبيد بْن جاذر بْن جَابِر بن ثمود، ويقال: ابن جاثر بالثاء، فدعاهم إِلَى التوحيد فلم يزدهم دعاؤه إلا طغيانا،
__________
[1] زاد المسير 9/ 109.
[2] تاريخ الطبري 1/ 226، وتفسير الطبري 12/ 524، وزاد المسير 3/ 223، وعرائس المجالس 66، والبداية والنهاية 1/ 130، ونهاية الأرب 13/ 71، والكسائي 110، والمعارف 29.

(1/255)


فَقَالُوا: ائتنا بآية فَقَالَ اخرجوا إِلَى هضبة من الأرض، فخرجوا فإذ هِيَ تمخض تمخض الحامل، ثُمَّ انفرجت فخرجت من وسطها ناقة فَقَالَ. هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ (لَكُمْ آيَةً) فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ 7: 73 [1] . وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون يوما، ويحتلبونها فِي يَوْم شربها عوض مَا شربت. وَكَان صالح لا يبيت عندهم بَل فِي مَسْجِد لَهُ، فهموا بقتله فكمنوا لَهُ تَحْتَ صخرة يرصدُونَه فرضختهم الصخرة فأصبح النَّاس يقولون قتلهم صَالِح، فاجتمعوا عَلَى عقر الناقة، فذهبوا إِلَيْهَا وَهِيَ عَلَى حوضها قائمة، فضرب أحدهم- واسمه قدار بْن سالم- عرقوبها فوقعت تركض، فجاء الْخَبَر إِلَى صَالِح، فأقبل فأخذوا يعتذرون إِلَيْهِ ويقولون: إِنَّمَا عقرها فُلان.
فَقَالَ: انظروا هل تدركون فصيلها فَإِن أدركتموه فعسى يرفع عنكم العذاب، فخرجوا وقد صعد إلى رأس الجبل، فلم يقدروا عَلَيْهِ فرغا ثلاثا، فَقَالَ صَالِح: لكل رغوة أجل يَوْم تمتعوا في داركم ثلاثة أَيَّام. ألا إِن آية العذاب أَن اليوم الأَوَّل تصبح وجوهكم مصفرة، [واليوم الثَّانِي محمرة واليوم] [2] الثالث مسودة، فأصبحوا كأنما طليت وجوههم بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم. فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم:
ألا قَدْ مضى يَوْم من الأجل وحضركم العذاب.
فلما أصبحوا إِذَا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء، فضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب/ فَلَمَّا أمسوا صاحوا: ألا قَدْ مضى يومان، فلما أصبحوا اليوم الثالث إِذَا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فتحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع، ثُمَّ ألقوا نفوسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب، فلما أصبحوا فِي اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فِيهَا صوت كُل صاعقة، فتقطعت قلوبهم فِي صدورهم وهلكوا.
وَكَانَ مِنْهُم رجل بالحرم يقال لَهُ «أَبُو رغال» ، منعه الحرم من العذاب.
وذكر أَن صالحا أقام فِي قومه عشرين سَنَة، وتوفي بمكة وَهُوَ ابْن ثمان وخمسين سنة. وقيل: بل عاش مائتي سَنَة وسبعين، ثُمَّ بعث اللَّه تَعَالَى بعده إِبْرَاهِيم الخليل.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الأَنْصَارِي [3] ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا
__________
[1] سورة: الأعراف، الآية 73.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من هامشها.
[3] في الأصل: «البيضاوي» ، والتصحيح من هامش المخطوطة.

(1/256)


مُحَمَّد بْن عَلِي بْن الفتح، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْحُسَيْن بْن سُكَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِمِ بْن مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَلِي بْن أَحْمَد بْن أَبِي قيس حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي حَدَّثَنَا عَلِي بْن الْجَعْد، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ سالم بْن أَبِي الجعد، قَالَ:
كَانَ رجل فِي قوم صالح قد أذاهم، فقالوا: يا بني اللَّه ادع اللَّه عَلَيْهِ، فَقَالَ: اذهبوا فَقَدْ كفيتموه. وَكَانَ يخرج كُل يَوْم فيحتطب، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخرة فاحتطب ثُمَّ جاء بحطبه سالما، فجاءوا إِلَى صَالِح فَقَالُوا: لَقَدْ جاء بحطبه سالما لَمْ يصبه شَيْء. فدعاه صَالِح فَقَالَ: أي شَيْء صنعت اليوم؟ قَالَ: خرجت ومعي قرصتان فتصدقت بإحداهما وأكلت الأخرى، فَقَالَ لَهُ صَالِح: حل حطبك، فحله فَإِذَا فِيهِ أسود مثل الجذع عاض عَلَى جزل من الحطب، فَقَالَ لَهُ صَالِح: فهذا دفع عنك. يعني بصدقتك عَنِ الرغيف.
وَكَانَ بَيْنَ نوح وإبراهيم دانيال الأكبر [1]
فأما دانيال الأصغر فكان فِي زمان نصر.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد ابن البراء، قال: أخبرنا الفضل بن غانم، قال: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عباس، قال: أَوْحَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى دَانِيَالِ الأَكْبَرَ أَنْ يُجْرِي لِعِبَادِي نَهْرَيْنِ وَاجْعَلْ مَفِيضَهُمَا الْبَحْرَ، فقد أَمَرْتُ الأَرْضَ أَنْ تُعْطِيَكَ، قَالَ: فَأَخَذَ قَنَاةً أَوْ قَصَبَةً فَجَعَلَ يَخُدُّ فِي الأَرْضِ وَيُتْبِعُهُ الْمَاءَ، وَإِذَا مَرَّ بِأَرْضِ شَيْخٍ كَبِيرٍ أَوْ يَتِيمٍ نَاشَدَهُ اللَّهَ فَيَحِيدُ عَنْ أَرْضِهِ، فَعَوَاقِيلُ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مثل هَذَا الْحَدِيث فِي أول الكتاب [2] .
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ، قَالَ: أنبأنا جَعْفَر بْن أَحْمَد السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن شاهين، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن زَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْد بْن الحباب، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عمران الحوفي، قَالَ: كَانَ أنف دانيال ذراعا.
__________
[1] تاريخ الطبري 1/ 56، وتاريخ بغداد 1/ 56، ومرآة الزمان 1/ 112، 113.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 56، وتاريخ الطبري 1/ 56.

(1/257)