المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

. ذكر أقوام من القدماء
[5] منهم:
خالد بْن سنان العبسي
[6] قَالَ مؤلف الكتاب [7] : ويروى أنه من الأنبياء.
__________
[1] بياض في ت مكان «ذكر معايش الأنبياء» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] بياض في ت. مكان: «ذكر من ولد مختونا. قَالَ مؤلف الكتاب» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] بياض في ت. مكان: «ذكر أقوام من القدماء» .
[6] «العبسيّ» سقطت من ت.
[7] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.

(2/146)


أنبأنا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ دُومَا قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَاقِرَحِيُّ قَالَ: أخبرنا الحسن بن علي القطان قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال: أخبرنا إسحاق بْنُ بِشْرٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ [1] :
ظَهَرَتْ نَارٌ بِالْبَادِيَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ طَوَائِفٌ من العرب يعبدونها، فقام رجل من عبس يُقَالُ لَهُ: خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَبْسِيُّ، فَأَطْفَأَهَا وَرَفَعَ، وَقَالَ لإِخْوَتِهِ: إِنِّي مَيِّتٌ، فَإِذَا مِتُّ فَادْفِنُونِي فِي مَوْضِعِي هَذَا، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَارْصُدُوا قَبْرِي، وَإِذَا رَأَيْتُمْ عِيرًا أَبْتَرَ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ عِنْدَ قَبْرِي فَاقْتُلُوهُ وَانْبِشُوا قَبْرِي، فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ.
فَمَاتَ، فَدَفَنُوهُ ثُمَّ رَصَدُوا قَبْرَهُ عِنْدَ الْحَوْلِ، فَجَاءَ الْعِيرُ فَقَتَلُوهُ وَأَرَادُوا أَنْ يَنْبِشُوهُ، فَقَالَ إِخْوَتُهُ إِنْ نَبَشْنَاهُ كَانَتْ سُبَّةً عَلَيْنَا فِي الْعَرَبِ فَتَرَكُوهُ.
فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمت عليه بنت خالد بن سنان بعد ما هَاجَرَ [2] ، فَقَالَتْ: أَنَا بِنْتُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَبْسِيُّ» قَالَتْ: نَعَمْ، فَرَحَّبَ بِهَا ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: «إِنَّ أَبَاهَا كَانَ نَبِيًّا هَلَكَ/ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، ضَيَّعَهُ [3] قَوْمُهُ» وَقَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّتَهُ وَقَالَ [4] لَوْ نَبَشُوهُ أخبرهم بشأني وشأن هذه الأُمَّةِ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا» [5] .
وَبِالإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ، أَنَبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا كَانَ أُلْهِمَ أَمْرًا، لَوْ نَبَشُوهُ لَبَشَّرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا أُلْهِمَ الإِيمَانَ وَالْهُدَى أَنْ غَضِبَ للَّه، وَأَطْفَأَ تِلْكَ النَّارَ لِئَلا تُعْبَدَ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ [6] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ خَالِدُ بن سنان لقومه: إني ميّت، فإذا
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أنبأنا يحيى بإسناد له عن مجاهد عن ابن عباس قال:» .
[2] في ت: «بعد ما هاجروا» .
[3] في الأصل: «فتبعه» .
[4] «وَقَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّتَهُ وقال» سقط من ت.
[5] انظر قصة خالد بن سنان في: البداية والنهاية 2/ 211- 212. والكامل 1/ 291. وعجائب الحديث للنقاش (خط) . وزاد المسير.
[6] من هنا حتى آخر خبر خالد بن سنان سقط من ت.

(2/147)


دَفَنْتُمُونِي فَمَرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، فَإِنَّهُ سَتَجِيءُ عِيرٌ أَبْتَرٌ، فَيَقُومُ عَلَى قَبْرِي فَيَنْهَقُ ثَلاثَ نَهَقَاتٍ، فَخُذُوهُ وَاذْبَحُوهُ، وَابْقُرُوا بَطْنَهُ، وَاضْرِبُوا بِهِ قَبْرِي، فَإِنِّي أَخْرُجُ إِلَيْكُمْ فَأُحَدِّثُكُمْ بِمَا يَنْفَعُكُمْ فِي آخِرَتِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
فَجَاءَ الْحِمَارُ فَنَهَقَ فَقَالُوا: انْبِشُوهُ فَقَالَ رَهْطُهُ: وَاللَّهِ لا تَنْبِشُوهُ فَيَكُونُ عَلَيْنَا سُبَّةً، قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذكر لَهُمْ أَنَّ في عكن امرأته لو حين إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ، فَنَظَرُوا فِيهَا فَإِنَّهُمْ سَيَرَوْنَ مَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ، وَقَالَ: لا تَمَسُّهُمَا حَائِضٌ. فَجَاءُوا فَسَأَلُوا امْرَأَتَهُ عَنْهُمَا، فَأَخْرَجَتْهُمَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَهَبَ مَا كَانَ فِيهِمَا، فَذَكَرُوا أَمْرَهُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ» [1] .
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
جَاءَتِ ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي، نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ» [2] .
وَفِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَالِدٌ فِي [زَمَنِ] [3] الْفَتْرَةِ
. منهم: جرجيس [4] :
هو رجل صالح أدرك بقايا من حواريي عِيسَى عَلَيْهِ السلام.
روى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [5] ، عَنْ وهب وغيره: أنه كان بالموصل ملك جبار، وكان جرجيس رجلا صالحا من أهل فلسطين فكتم إيمانه فِي عصبة معه يكتمون الإيمان قد أدركوا بقايا من الحواريين [6] ، وكان جرجيس كثير المال عظيم الصدقة، فدخل على
__________
[1] أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 211، 212. وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 296. مختصرا.
[2] قال ابن كثير: والمرسلات التي فيها أنه نبي لا يحتج بها هاهنا، والأشبه أنه كان رجلا صالحا له أحوال وكرامات، فإنه في زمن الفترة، فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أولى الناس بعيسى بن مريم أنا، لأنه ليس بيني وبينه نبي» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[4] بياض في ت: «منهم» .
[5] «روى محمد ابن إسحاق» . سقط من ت.
[6] «قد أدركوا بقايا من الحواريين سقط من ت.

(2/148)


ملك الموصل وقد/ نصب صنما، وأوقد نارا، وعرض الناس، فمن لم يسجد للصنم ألقاه فِي النار، فَقَالَ له جرجيس: اعلم أنك عَبْد مملوك ولا تملك لنفسك شيئا ولا لغيرك، وأن فوقك ربا هو الّذي يملكك وغيرك، وإنك عمدت إِلَى خلق من [1] خلقه لا يبصر ولا يسمع فجعلته فتنة للناس، فأمر الملك بخشبة فنصبت، وجعل عليها أمشاط الحديد، وجر عليها حَتَّى تقطع لحمه، ونضح بالخل والخردل، فلم يمت، فضرب فِي رأسه بمسامير من حديد فلم يمت، فألقاه فِي لوح [2] من نحاس قد أوقدوا عَلَيْهِ فلم يمت، فقالوا له [3] : ألم تجد ألم هَذَا العذاب؟ قَالَ: إن ربي حمل عني عذابك وصبرني ليحتج عليك، فخفه عَلَى نفسك وملكك [4] .
فسجنه وضرب فِي يديه أوتادا من حديد، وترك عَلَيْهِ صخرة، فأرسل اللَّه [5] إليه ملكا فخلصه من ذَلِكَ، وَقَالَ له: الحق بعدوك وجاهده فِي اللَّه حق جهاده، فإن الله يقول لك اصبر وأبشر، فإنّي قد ابتليتك بعدوك هَذَا سبع سنين يعذبك ويقتلك فيهن أربع مرات، وأرد إليك روحك، فإذا كانت الرابعة نقلت روحك وأوفيتك أجرك.
فلم يشعروا إلا به عَلَى رءوسهم، فَقَالَ له الملك: من أخرجك؟ قَالَ: أخرجني الذي سلطانه فوق سلطانكم [6] . فمدوه بين خشبتين وقطعوه نصفين، ثم قطعوه قطعا ورموا به إِلَى أسد ضارية، فلما أدركه الليل جمعه اللَّه عز وجل ورد إليه روحه، وأرسل اللَّه إليه ملكا فأطعمه وسقاه وأخرجه، وَقَالَ: الحق بعدوك فجاهده، فإذا به عَلَى رءوسهم، فقالوا: هَذَا ساحر، ثم سألوه آيات فأظهرها، ثم قتلوه فعاد حيا، فآمنت به امرأة الملك وأربعة وثلاثون ألفا، ثم قتلوه فلم يعد.
__________
[1] «من» سقطت من ت.
[2] في ت: «في حوض» .
[3] في ت: «يقال» .
[4] في ت: «فخافه على نفسه وملكه» .
[5] في ت: «فأرسل إليه» .
[6] في ت: «سلطانك» .

(2/149)


منهم: شمشون:
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : كان فِي الفترة، وكان رجلا صالحا من قرية من قرى الروم، وكان قومه يعَبْدون الأوثان.
قَالَ وهب بْن منبه: كان يغزوهم ويجاهدهم فيقتل ويسبي ويصيب المال ولا يقاتلهم إلا بلحي/ جمل [2] ، وكان قد أعطي قوة فِي البطش فلا يوثقه حديد ولا غيره، فلم يقدروا عَلَيْهِ، فدخلوا عَلَى امرأته فجعلوا لها جعلا، فقالت: أنا أوثقه لكم، فأعطوها حبلا وثيقا، وَقَالُوا: إذا نام فأوثقي يده إِلَى عنقه حَتَّى نأتي فنأخذه، ففعلت، فلما هب جذبه بيده فوقع من عنقه [3] ، فَقَالَ لها: لم فعلت هَذَا؟ قالت: أجرب به قوتك [4] ، فأرسلت إليهم تخبرهم، فأرسلوا إليه جامعة من حديد فلما نام، جعلتها فِي عنقه، فلما هب [5] جذبها فوقعت، وقال: لم فعلت، قالت [6] : أجرب قوتك، ما رأيت مثلك فِي الدنيا يا شمشون، أما فِي الأرض شَيْء يغلبك قَالَ: لا، إلا شَيْء واحد، قالت: وما هو؟ قَالَ: ما أنا بمخبرك به، فلم تزل به تسأله حَتَّى [7] قَالَ: ويحك إن أمي جعلتني نذرا، فلا يغلبني شيء ولا يضبطني إلا شعري، قالت: فلما نام، أوثقت يده إِلَى عنقه بشعر رأسه فأوثقه ذلك، وبعثت إِلَى القوم، فأخذوه، فجدعوا أنفه [وأذنيه] [8] وفقئوا عينه وأوثقوه [9] للناس بين ظهراني المدينة، ودعا اللَّه أن يسلطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المدينة، كانت المدينة ذات أساطين، فأخذ بالعمودين اللذين عليهما الملك والناس الذين ينظرون إليه فجذبهما، ورد [10] اللَّه عز وجل إليه بصره، وما أصابوا من جسده ووقعت المدينة بالناس والملك فهلكوا.
__________
[1] «ومنهم شمشون. قال مؤلف الكتاب» بياض في ت.
[2] في ت: «بلحى بعير» .
[3] في ت: «من خلفه» .
[4] في ت: «اختبرت قوتك» .
[5] في ت «فلما علم» .
[6] في الأصل: قال.
[7] «حتى» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في ت: «ووقفوه» .
[10] في ت: «والناس ينظرون إليه وردّ» .

(2/150)


منهم: أصحاب الكهف [1] :
قَالَ ابن عباس رضي اللَّه عنه: إنهم قوم هربوا من ملكهم حين دعاهم إِلَى عبادة الأصنام، فمروا براع له كلب يتبعهم عَلَى دينهم، فآووا إِلَى كهف [2] يتعَبْدون، وكان منهم رجل يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة إِلَى أن جاءهم يوما فأخبرهم أنهم قد ذكرهم الملك، فعوذوا [3] باللَّه من الفتنة، فضرب اللَّه عَلَى آذانهم وأمر الملك، فسد عليهم الكهف، وهو يظنهم أيقاظا، وقد توفى اللَّه أرواحهم، وفاة النوم وكلبهم قد غشيه ما غشيهم/ ثم إن رجلين مؤمنين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم [4] فِي لوح من رصاص وجعلاه فِي تابوت من نحاس [وجعلاه] [5] فِي البنيان، وَقَالَا: لعل اللَّه عز وجل يطلع عليهم قوما مؤمنين فيعلمون خبرهم.
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: وألقى اللَّه عز وجل فِي نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان، فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر عاملين ينزعان تلك [6] الحجارة، فنزعاها، وفتحا باب الكهف، فجلسوا فرحين، فسلم بعضهم عَلَى بعض، لا يرون فِي وجوههم ولا [7] أجسادهم شيئا يكرهونه، إنما هم كهيئتهم حين رقدوا، وهم يرون [أن] [8] ملكهم فِي طلبهم فضلوا، وَقَالُوا لتمليخا صاحب نفقتهم: انطلق [فاسمع ما يذكرونه] [9] وابتع لنا طعاما، فوضع ثيابه، وأخذ الثياب التي يتنكر فيها وخرج، فمر مستخفيا متخوفا [10] أن يراه أحد، فلما رأى باب المدينة رأى عَلَيْهِ علامة تكون لأهل الإيمان فعجب، وخيّل إليه
__________
[1] بياض في ت: «أصحاب الكهف» .
[2] في ت: «الكهف» .
[3] في ت: «قد ذكروا فبكوا وتعوذوا» .
[4] «وخبرهم» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] «تلك» سقطت من ت.
[7] «لا» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في ت: «فمر مستخفيا متنكرا» .

(2/151)


أنها ليست المدينة التي يعرف، ورأى ناسا لا يعرفهم، فتعجب، وجعل [1] يقول: لعلي نائم، فلما دخلها رأى قوما يحلفون باسم عِيسَى فقام مسندا ظهره إِلَى جدار، وَقَالَ فِي نفسه: والله ما أدري لما هَذَا إلا غشية، أمس لم يكن عَلَى وجه [2] الأرض من يذكر عِيسَى إلا قتل، واليوم أسمعهم يذكرونه، لعل هَذِهِ ليست بالمدينة التي أعرف، والله ما أعرف مدينة قرب [3] مدينتنا [شيئا] [4] ، فقام كالحيوان، وأخرج ورقا، فأعطاه رجلا، وَقَالَ: بعني طعاما. فنظر الرجل إِلَى نقشه فعجب [5] ثم ألقاه إِلَى آخر، فجعلوا يتطارحونه بينهم ويتعجبون ويتناقدون [6] وقالوا: إن هذا قد أصاب كنزا ففرق منهم وظنهم قد عرفوه، فَقَالَ: أمسكوا طعامكم فلا حاجة لي إليه، فقالوا له: من أنت يا فتى، والله لقد وجدت كنزا، وأنت تريد أن تخفيه، فشاركنا فيه، وإلا أتينا بك إِلَى السلطان فيقتلك. فلم يدر ما يقول، فطرحوا كساءه فِي عنقه وهو يبكي ويقول: فرق بيني وبين/ إخوتي يا ليتهم يعلمون ما أصبت [7] فأتوا به إِلَى رجلين كانا يدبران أمر المدينة، فقالا: أين الكنز الذي وجدت؟ فَقَالَ: ما وجدت كنزا، ولكن ما هَذِهِ ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن [8] والله ما أدري ما شأني ولا ما أقول [لكم] [9] .
قَالَ مجاهد: وكان ورق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل فقالوا: من أنت، وما اسم أبيك؟ فأخبرهم، فلم يجدوا من يعرفه، فَقَالَ له أحدهما: أتظن أنك تسخر منا وخزائن هَذِهِ المدينة بأيدينا وليس عندنا من هَذَا الضرب درهم ولا دينار، إني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا، ثم أوثقك حَتَّى تعرف هَذَا الكنز فَقَالَ تمليخا: أنبئوني عَنْ شَيْء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتم. قَالُوا: سل، قَالَ: ما فعل الملك دقيانوس، قالوا: لا نعرف اليوم عَلَى وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس، وإنما هَذَا ملك منذ زمان طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة، فَقَالَ: والله ما يصدقني أحد بما أقوله، لقد كنا فتية، وأكرهنا
__________
[1] فمات: «فجعل يتعجب» .
[2] «وجه» سقطت من ت.
[3] «مدينة قرب» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «فتعجب» .
[6] في ت: «ويتشاورون» .
[7] في ت: «ما لقيت» .
[8] «ولكن» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/152)


الملك عَلَى عبادة الأوثان والذبح للطواغيت، فهربنا منه عشية أمس، فنمنا، فلما انتبهنا خرجت أشتري لأصحابي طعاما، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إِلَى الكهف أريكم أصحابي، فانطلقوا معه وسار أهل المدينة [1] فكان أصحابه قد ظنوا لإبطائه عليهم أنه قد أخذ، فبينما هم يتخوفون ذلك إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل، فظنوا أنهم رسل دقيانوس، فقاموا إِلَى الصلاة وسلم بعضهم عَلَى بعض فسبق تمليخا إليهم وهو يبكي فبكوا معه وسألوه عن شأنه فأخبرهم، وقص عليهم النبأ كله، فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر اللَّه عز وجل، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث، ونظر الناس [إِلَى] [2] المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم فأرسلوا إِلَى ملكهم، فجاء واعتنق القوم وبكى، فقالوا له: نستودعك اللَّه ونقرأ عليك السلام، حفظك/ اللَّه، وحفظ ملكك، فبينا الملك قائم رجعوا إلى مضاجعهم، وتوفى الله سبحانه أنفسهم، فأمر الملك أن يجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب، فلما أمسى [3] رآهم فِي المنام، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب وفضة، ولكنا خلقنا من تراب، فاتركنا كما كُنَّا فِي الكهف عَلَى التراب، حَتَّى يبعثنا اللَّه منه، وحجبهم اللَّه عز وجل حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم، وأمر الملك فجعل عَلَى باب الكهف مسجدا يصلى فيه، وجعل لهم عيدا عظيما يؤتى كل سنة [4]
. ومنهم: أصحاب الأخدود:
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : وهم قوم خدت لهم أخاديد، وأوقدت [6] فيها النيران وألقوا فيها.
واختلف العلماء فِي سبب ذلك، فَقَالَ قوم: أريدوا عَلَى الكفر فلم يفعلوا.
__________
[1] «وسار أهل المدينة» سقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «وأمسوا» .
[4] انظر قصة أهل الكهف في: البداية والنهاية 2/ 113- 117.
[5] بياض في ت مكان: «ومنهم أصحاب الأخدود قال مؤلف الكتاب» .
[6] «وأوقدت» سقطت من ت.

(2/153)


وَقَالَ قوم: إن ملكهم وقع عَلَى أخته، وأخبر الناس بإباحة ذلك فلم يقبلوا [1] .
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَلِكٌ [2] وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبُرَ السَّاحِرُ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبُرَ سِنِّي، وَحَضَرَ أَجَلِي، فَادْفَعْ إِلَيَّ غُلامًا لأُعَلِّمَهُ السِّحْرَ [3] ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ غُلامًا وَكَانَ يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ، وَكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ رَاهِبٌ، فَأَتَى الْغُلامُ عَلَى الرَّاهِبِ، فَسَمِعَ مِنْ كَلامِهِ، فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلامُهُ وَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ [4] وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ فَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ [لَهُ] [5] : إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ، فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ [6] إِذْ أَتَى ذات يوم [7] على دابة فظيعة [8] عظيمة قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا فقال اليوم أعلم أمر [9] الراهب إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَمِ السَّاحِرُ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهمّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إليك وأرضى لك مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةِ حَتَّى يَجُوزَ النَّاسُ، وَرَمَى بِهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَخْبَرَ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى [فَإِنِ ابْتُلِيتَ] [10] فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، فَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَسَائِرَ الأَدْوَاءِ وَيَشْفِيَهُمْ، وَكَانَ لِلْمَلِكِ جَلِيسٌ فَعَمِيَ، فَسَمِعَ بِهِ، فَأَتَاهُ وَأَتَى بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: اشْفِنِي ولك ما هاهنا أجمع، قال: ما أنا
__________
[1] «وقال قوم ... فلم يقبلوا» سقط من ت.
[2] في ت: «كان ملك فيمن كان قبلكم» .
[3] «السحر» سقطت من ت.
[4] «ضربه» سقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «فبينا هو على ذلك» .
[7] في ت: «إذا أتى قوما علي..» .
[8] «فظيعة» سقطت من ت.
[9] في ت: «فقال اليوم أعلم الراهب» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/154)


أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي [اللَّهُ] [1] عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ آمَنْتَ بِهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ فَدَعَا اللَّهَ [لَهُ] [2] عَزَّ وَجَلَّ فَشَفَاهُ، ثُمَّ أَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ مِنْهُ نَحْوَ مَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: يَا فُلانُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: أَنَا، قَالَ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ قَالَ: أو لك رب غيري قال: نعم، قال: فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبَهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ أَنْ تُبْرِئَ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَهَذِهِ الأَدْوَاءِ، قَالَ: مَا أَنَا أَشْفِي أَحَدًا، مَا يَشْفِي إِلا اللَّهُ، قَالَ: أَنَا. قَالَ: لا، قَالَ: أو لك رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ:
نَعَمْ [3] ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ أَيْضًا بِالْعَذَابِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَأَتَى الرَّاهِبَ [4] ، فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، وَقَالَ لِلأَعْمَى: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَدَهْدِهُوهُ مِنْ فَوْقِهِ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمَّا عَلَوْا بِهِ الْجَبَلَ قَالَ: اكْفِنِيهِمُ اللَّهمّ بِمَا شِئْتَ [5] ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلَ فَدُهْدِهُوا أَجْمَعُونَ، وَجَاءَ الْغُلامُ يَتَلَمَّسُ [6] حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟
قَالَ [7] : كَفَانِيهِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نَفَرٍ فِي قُرْقُورٍ، وَقَالَ: إِذَا بَلَغْتُمْ [8] أَوْ قَالَ:
[إِذَا] [9] لَجَجْتُمْ بِهِ [فِي] [10] الْبَحْرِ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَأَغْرِقُوهُ. فَلَجَّجُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَقَالَ الْغُلامُ: اللَّهمّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَغَرِقُوا أَجْمَعُونَ، وجاء الغلام يتلمس [11]
__________
[1] سقط من الأصل ما بين المعقوفتين.
[2] سقط من الأصل ما بين المعقوفتين.
[3] «قال: فلم يزل يعذبه حتى دل ... قال: نعم» ساقط من ت.
[4] «فأتى الراهب» سقط من ت.
[5] في ت: «اللَّهمّ اكفنيهم بما شئت» .
[6] «يلتمس» سقطت من ت.
[7] «قال» سقطت من ت.
[8] «بلغتم» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] «يتلمس» سقطت من ت.

(2/155)


حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ [1] قَتَلْتَنِي، وَإِلا فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ قَتْلِي [قَالَ: وَمَا هُوَ؟] [2] قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ [3] ثُمَّ تَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ وَتَأْخُذُ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَفَعَلَ وَوَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ ثُمَّ رَمَاهُ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلامِ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صَدْغِهِ فَوَضَعَ الْغُلامُ يَدَهُ عَلَى صَدْغِهِ وَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلامِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ، فَقَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ [4] كُلُّهُمْ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدِّدَتْ فِيهَا الأَخَادِيدُ وأضرمت فيه النِّيرَانُ، وَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ، وَإِلا فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا قَالَ: فَكَانُوا يَتَعَادُّونَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا تُرْضِعُهُ، فَكَأَنَّهَا أَبْقَيَتْ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ يَقَعَ فِي النَّارِ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ
[5] .
منهم: جريج العابد
[6] :
أَخْبَرَنَا الْحُصَيْنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [7] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
«لم يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلاثَةٌ: عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَالَ: وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ [عَابِدٌ] [8] يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ، فَابْتَنَى صَوْمَعَةً فَتَعَبَّدَ فِيهَا، قَالَ [9] : فَذكر بَنُو إِسْرَائِيلَ يَوْمًا عِبَادَةَ
__________
[1] «فإن أنت فعلت ما آمرك» سقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «واحد» سقط من ت.
[4] «الناس» سقطت من ت.
[5] أخرجه الإمام أحمد في المسند 6/ 17. ومسلم في صحيحه- مع اختلاف- كتاب الزهد باب 17 برقم 73، وابن كثير في البداية والنهاية 2/ 129.
[6] بياض في ت مكان: «منهم جريح العابد» .
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن الحصين بإسناده إلى أبي هريرة» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] «قال» سقطت من ت.

(2/156)


جُرَيجٍ، فَقَالَتْ بَغِيٌّ مِنْهُمْ: لَئِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ، فَقَالُوا: قَدْ شِئْنَا [ذَاكَ] [1] قَالَ: فَأَتَتْهُ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْ نَفْسَهَا مِنْ راع كان يؤوي [غَنَمَهُ] [2] إِلَى أَصْلِ صَوْمَعَةِ جُرَيْجٍ [فَحَمَلَتْ] [3] فَوَلَدَتْ غُلامًا، قَالُوا: مِمَّنْ، قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَشَتَمُوهُ وَضَرَبُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّكَ زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ غُلامًا. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ هَذَا/؟ قَالُوا: هُوَ هذا قال: فقام فصلى وَدَعَا، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْغُلامِ فَطَعَنَهُ بِأُصْبُعِهِ، فَقَالَ: يَا غُلامُ، باللَّه مَنْ هُوَ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ الرَّاعِي، فَوَثَبُوا إِلَى جُرَيْجٍ. فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَهُ، وَقَالُوا لَهُ: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ابْنُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ.
قَالَ: وَبَيْنَمَا امْرَأَةٌ فِي حِجْرِهَا ابْنٌ لَهَا تُرْضِعُهُ إذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتْ:
اللَّهمّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا. قَالَ: فَتَرَكَ ثَدْيَهَا [فَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ] [4] وَقَالَ: اللَّهمّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. قَالَ: ثُمَّ عَادَ إِلَى ثَدْيِهَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَحْكِي صُنْعَ الصَّبِيِّ وَضَعَ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَمَصُّهَا، ثُمَّ مَرَّتْ بِأَمَةٍ تُضْرَبُ، فَقَالَتْ: اللَّهمّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا.
قَالَ: فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الأَمَةِ وَقَالَ: اللَّهمّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ: خَلْفِي مَرَّ الرَّاكِبُ ذُو الشَّارَةِ، فَقُلْتُ [اللَّهمّ] [5] اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهمّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ومرّ بِهَذِهِ الأَمَةِ فَقُلْتُ: لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. [فَقُلْتَ:
اللَّهمّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا] [6] فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، إِنَّ الرَّاكِبَ ذَا الشَّارَةِ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَمَةَ يَقُولُونَ زَنَتْ وَلَمْ تَزْنِ [وَسَرَقَتْ] [6] وَلَمْ تَسْرِقْ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 301. والبخاري في صحيحه 4/ 201. ومسلم في صحيحه 4/ 1976. عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون كلاهما عن جرير بن حازم به، من طريق آخر وسياق آخر. وأخرجه ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة حديث 1. والحاكم في المستدرك 2/ 595.

(2/157)


ومنهم: برصيصا [1] :
[أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عمرو بن دينار عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ رَاهِبٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخَذَ الشَّيْطَانُ جَارِيَةً لِخَنْقِهَا وَأَلْقَى فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا أَنَّ دَوَاءَهَا عِنْدَ الرَّاهِبِ، فَأُتِيَ بِهَا الرَّاهِبُ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى قَبِلَهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ، فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَزَيَّنَ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: الآنَ تُفْتَضَحُ وَيَأْتِيكَ أَهْلُهَا فَاقْتُلْهَا، فَإِنْ أَتَوْكَ [فَقُلْ] [2] مَاتَتْ فَقَتَلَهَا وَدَفَنَهَا، فَأَتَى الشَّيْطَانُ أَهْلَهَا فَوَسْوَسَ إِلَيْهِمْ فَأَلْقَى فِي قُلُوبِهِمْ أَنِّي أَحْبَلْتُهَا ثُمَّ قَتَلْتُهَا وَدَفَنْتُهَا، فَأَتَاهُ أَهْلُهَا فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: مَاتَتْ.
فَأَخَذُوهُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: أَنَا أَخَذْتُهَا، وَأَنَا الَّذِي أَلْقَيْتُ فِي قُلُوبِ أَهْلِهَا وَأَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُكَ فِي هَذَا فَأَطِعْنِي وَاسْجُدْ لِي سَجْدَتَيْنِ فَسَجَدَ لَهُ سَجْدَتَيْنِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ 59: 16 [3] .
قال مؤلف الكتاب: وقد روي هذا الحديث عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى] [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ خَيْرُونَ قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الطوماري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْبَرَاءِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ [5] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
ذكر وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَنَّ عَابِدًا كَانَ فِي بَنِي إسرائيل [6] ، وكان من أعبد أهل زمانه،
__________
[1] بياض في ت مكان «ومنهم برصيصا» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من ت، والأصل.
[3] سورة، الحشر، الآية: 16.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وهي إضافة من ت.
[5] حذف السند من ت.
[6] في ت: «أنه كان في زمن بني إسرائيل عابدا.

(2/158)


وَكَانَ فِي زَمَانِهِ ثَلاثَةُ إِخْوَةٌ وَكَانَتْ لَهُمْ أُخْتٌ وَكَانَتْ [1] بِكْرًا [، لَيْسَتْ لَهُمْ أُخْتٌ غَيْرُهَا] [2] فَخَرَجَ الْبَعْثُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَدْرُوا عِنْدَ مَنْ يُخَلِّفُونَ أُخْتَهُمْ وَلا مَنْ يَأْمَنُونَ عَلَيْهَا [وَلا عِنْدَ مَنْ يَضَعُونَهَا] ، [3] فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُخَلِّفُوهَا عِنْدَ عَابِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ [كَانَ ثِقَةً في أنفسهم، فأتوه] [4] فسألوه أن يُخَلِّفُوهَا عِنْدَهُ فَأَبَى ذَلِكَ [5] فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَطَاعَهُمْ فَقَالَ: أَنْزِلُوهَا فِي بَيْتِ حِذَاءِ صَوْمَعَتِي فَأَنْزَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا وَتَرَكُوهَا، فَمَكَثَتْ فِي جِوَارِ ذَلِكَ الْعَابِدِ زَمَانًا يُنْزِلُ إِلَيْهَا الطَّعَامَ مِنْ [صَوْمَعَتِهِ] [6] فَيَضَعُهُ عِنْدَ بَابِ الصَّوْمَعَةِ، ثُمَّ يُغْلِقُ بَابَهُ وَيَصْعَدُ فِي صَوْمَعَتِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُهَا فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فَتَأْخُذُ مَا وُضِعَ لَهَا مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: فَتَلَطَّفَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَغِّبُهُ فِي الْخَيْرِ وَيُعَظِّمُ عَلَيْهِ خُرُوجَ الْجَارِيَةِ مِنْ بَيْتِهَا نَهَارًا وَيُخَوِّفُهُ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ فَيُعَلَّقَهَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَشَى بِطَعَامِهَا حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا، وَلا يُكَلِّمَهَا. قَالَ: فَلَبِثَ بِذَلِكَ زَمَانًا ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ وَالأَجْرِ [وَحَضَّهُ عَلَيْهِ] [7] وَقَالَ: لَوْ كُنْتَ تَمْشِي إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا حَتَّى تَضَعَهُ فِي بَيْتِهَا كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكَ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَشَى إِلَيْهَا بِطَعَامِهَا حَتَّى يَضَعَهُ فِي بَيْتِهَا. قَالَ: فَثَبُتَ بِذَلِكَ زَمَانًا، ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الخير وحضّه عليه، وقال [8] له: لَوْ كُنْتَ تُكَلِّمُهَا وَتُحَدِّثُهَا حَتَّى تَسْتَأْنِسَ بِحَدِيثِكَ، فَإِنَّهَا قَدِ اسْتَوْحَشَتْ وَحْشَةً شَدِيدَةً قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى حَدَّثَهَا زَمَانًا يَطْلُعُ إِلَيْهَا مِنْ صَوْمَعَتِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَتَاهُ إِبْلِيسُ بَعْدَ ذلك فقال: لو كنت تَنْزِلُ إِلَيْهَا فَتَقْعُدُ عَلَى بَابِ صَوْمَعَتِكَ وَتُحَدِّثُهَا، وَتَقْعُدُ هِيَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا فَتُحَدِّثُكَ كَانَ آنَسُ بِهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَنْزَلَهُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى بَابِ صَوْمَعَتِهِ يُحَدِّثُهَا وَتَخْرُجُ الْجَارِيَةُ مِنْ بَيْتِهَا حَتَّى تَقْعُدَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا، قَالَ: فَلَبِثَا زَمَانًا يَتَحَادَثَانِ، ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَرَغَّبَهُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ: لَوْ خَرَجْتَ مِنْ بَابِ صَوْمَعَتِكَ فَجَلَسْتَ قَرِيبًا مِنْهَا فَحَدَّثْتَهَا كَانَ آنس لها،
__________
[1] في ت: «ثلاثة إخوة لهم أخت وكانت بكرا» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «فأبى ذلك» سقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] «لو كنت تمشي إليها بطعامك ... وحضه عليه وقال له» سقط من ت.

(2/159)


فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى فَعَلَ فَلَبِثَا بِذَلِكَ زَمَانًا، ثُمَّ جَاءَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ: لَوْ دَنَوْتَ من باب بيتها، ثم قال: لَوْ دَخَلْتَ الْبَيْتَ فَحَدَّثْتَهَا وَلَمْ [تَتْرُكْهَا] [1] تُبْرِزْ وَجْهَهَا لأَحَدٍ كَانَ أَحْسَنَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهَا نَهَارَهُ كُلَّهُ، فَإِذَا أَمْسَى صَعَدَ فِي صَوْمَعَتِهِ. قَالَ: ثُمَّ أتاه إبليس بعد ذلك فَلَمْ يَزَلْ يُزَيِّنُهَا لَهُ حَتَّى ضَرَبَ الْعَابِدُ عَلَى فَخِذِهَا وَقَبَّلَهَا، فَلَمْ يَزَلْ إِبْلِيسُ يُحَسِّنُهَا في عينه وَيُسَوِّلُ لَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا فَأَحْبَلَهَا، فَوَلَدَتْ غُلامًا فَجَاءَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ [لَهُ:] [2] أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ إِخْوَةُ هَذِهِ/ الْجَارِيَةِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَاعْمَدْ إِلَى وَلَدِهَا فَاذْبَحْهُ وَادْفِنْهُ، فَإِنَّهَا سَتَكْتُمُ ذَلِكَ عَلَيْكَ مَخَافَةَ إِخْوَتِهَا، فَفَعَلَ، فَقَالَ: أَتُرَاهَا تَكْتُمُ مَا فَعَلَتْ؟ خُذْهَا فَاذْبَحْهَا وَادْفِنْهَا مَعَ ابْنِهَا، فَذَبَحَهَا وَأَلْقَاهَا فِي الْحُفْرَةِ مَعَ ابْنِهَا، فَذَبَحَهَا كَمَا قُلْنَا [3] ، فَمَكَثَ بِذَلِكَ ما شاء الله حَتَّى قَفَلَ إِخْوَتُهَا مِنَ الْغَزْوِ فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ عَنْ أُخْتِهِمْ فَنَعَاهَا لَهُمْ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا وَبَكَى، وَقَالَ: كَانَتْ خَيْرَ امْرَأَةٍ وَهَذَا قَبْرُهَا، فَأَتَى إِخْوَتُهَا الْقَبْرَ، فَبَكَوْا أُخْتَهُمْ وَتَرَحَّمُوا عَلَيْهَا، وَأَقَامُوا عَلَى قَبْرِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ أَتَاهُمُ الشَّيْطَانُ فِي النَّوْمِ فَبَدَأَ بِأَكْبَرِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ أُخْتِهِمْ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْعَابِدِ وَبِمَوْتِهَا، فَكَذَّبَهُ الشَّيْطَانُ، وَقَالَ: لَمْ يَصْدُقْكُمْ أَمْرَ أُخْتِكُمْ إِنَّهُ قَدْ أَحْبَلَ أُخْتَكُمْ وَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلامًا فَذَبَحَهُ وَذَبَحَهَا مَعَهُ خَوْفًا مِنْكُمْ فَأَلْقَاهَا فِي حُفَيْرَةٍ خَلْفَ بَابِ الْبَيْتِ، فَأَتَى الأَوْسَطَ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى أَصْغَرَهُمْ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ اسْتَيْقَظُوا مُتَعَجِّبِينَ لِمَا رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبًا، فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِمَّا رَأَى، فَقَالَ أَكْبَرُهُمْ: هَذَا حُلْمٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَامْضُوا بِنَا وَدَعُوا هَذَا، فَقَالَ صَغِيرُهُمْ: لا أَمْضِيَ حَتَّى آتِيَ الْمَوْضِعَ فَأَنْظُرُ فِيهِ، فَانْطَلَقُوا فَبَحَثُوا الْمَوْضِعَ فَوَجَدُوا أُخْتَهُمْ وابنها مذبوحين، فسألوا عنها الْعَابِدَ، فَصَدَّقَ قَوْلَ إِبْلِيسَ فِيمَا صَنَعَ بِهَا. قَالَ: فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِمْ مَلِكَهُمْ، فَأُنْزِلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيُصْلَبَ، فَلَمَّا أَوْثَقُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ أَتَاهُ الشيطان فقال: قد علمت إني صاحبك الّذي فَتَنْتُكَ فِي الْمَرْأَةِ حَتَّى أَحْبَلْتَهَا وَذَبَحْتَهَا وَابْنَهَا، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت باللَّه الّذي خَلَقَكَ خَلَّصْتُكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ، فَكَفَرَ الْعَابِدُ باللَّه سبحانه، فلما كفر خلّى/ الشيطان
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «فذبحها كما قلنا» سقط من ت.

(2/160)


بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ فصلبوه فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله 59: 16 إلى قوله: جَزاءُ الظَّالِمِينَ 59: 17 [1] .
ومن ذلك: قصة سبأ
[2] :
قَالَ علماء السير: لما ملكت بلقيس جعل قومها يقتتلون عَلَى واديهم، فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها فتركت ملكها وانطلقت إِلَى قصرها فنزلته، فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها، فأرادوها عَلَى أن ترجع إِلَى ملكها فأبت، فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك فقال: إنكم لا تطيعونني، وليست لكم عقول، فقالوا: ها إنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم، وكانوا إذا أمطروا أتاه السيل من مسيرة ثلاثة أيام، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمسناه، وحبست الماء عمن وراء السد، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت لمن دونه بركة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجا عَلَى عدد أنهارهم، فكان الماء يخرج بينهم بالسوية، وكانت لهم جنتان عَنْ يمين واديهم وعن شماله، فأخصبت أرضهم وكثرت فواكههم، وإن كانت المرأة لتمر بين الجنتين والمكتل عَلَى رأسها فترجع وقد امتلأ من التمر وما مست بيدها شيئا منه ولم يكن يرى [3] فِي بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث، وتمر العرب ببلدهم وَفِي ثيابهم القمل فتموت القمل لطيب هوائها، وقيل لهم: كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة- أي هَذِهِ بلده طيبة- ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي، وكانت ثلاث عشرة قرية، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوا الرسل، ولم يقروا بنعم اللَّه، فأرسل اللَّه عليهم سيل العرم- والعرم السكر والمسناة- بعث اللَّه سبحانه جرذا فنقبه من أسفله وأغرق به جناتهم، وخربت به أرضهم، فتبددوا فِي البلاد فصارت العرب تتمثل فِي الفرقة بسبإ [4] .
__________
[1] سورة: الحشر، الآية: 16.
وانظر قصة برصيصا في: البداية والنهاية 2/ 136- 137.
[2] بياض في ت مكان: «ومن ذلك قصة سبإ» .
[3] في ت: «كمن يرى» .
[4] انظر قصة سبإ في: البداية والنهاية 2/ 158- 161.

(2/161)


ومن ذلك: قصة صنعا
[1] :
قَالَ علماء السير: كان رجل بناحية/ اليمن ببستان، وكان مؤمنا، وذلك بعد عِيسَى ابن مريم عَلَيْهِ السلام، وكان يأخذ منه قدر قوته ويتصدق بالباقي، فمات عن ثلاثة بنين، فقالوا: والله إن المال لقليل، وإن العيال لكثير، وإنما كان أبونا فعل هَذَا، إذ كان المال كثيرا والعيال قليلا، فأما الآن فما نستطيع أن نفعل هَذَا، فعزموا عَلَى حرمان المساكين وتحالفوا بينهم ليغدون قبل خروج الناس فليصر من نخلهم، ولم يقولوا: إن شاء اللَّه، فبعث الله تعالى بالليل نارا، فأحرقت، فصارت سوداء، فانطلقوا إِلَى جنتهم يتشاورون بينهم أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، فلما رأوها محترقة قَالَ: قد ضللنا طريق جنتنا [2] فليست هَذِهِ، ثم علموا أن ذلك عقوبة، فقالوا: بل نحن محرومون، قد حرمنا تمر جنتنا، فأخذوا يتلاومون عَلَى منع حقوق الفقراء.
ومنهم: أهل الغار:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ السرخسي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ مَرْيَمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [3] ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«بَيْنَمَا ثَلاثَةُ نَفَرٍ يُمَاشُونَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ [فدخلوه] ، فانحطت على فم الْغَارِ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ [الْغَارَ] ، فقال بعضهم لبعض [4] : انظروا أعمالا عملتموها صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفْرِجُهَا.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهمّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كبيران ولي صبية صغار، كنت
__________
[1] بياض في ت مكان: «ومن ذلك قصة صنعا» .
[2] في ت: «قد ضللنا الطريق إلى جنتنا» .
[3] حذف السند من ت.
[4] اللفظ مضطرب في ت ومختلف عن الأصل ولكن المضمون واحد، فضبطنا النص من النسختين قدر الإمكان. دون الإشارة للاختلافات لكثرتها.

(2/162)


أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهُمَا قَبْلَ وُلْدِي، وَإِنَّهُ نَأَى بِيَ السحر فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلِبُ فَجِئْتُ بِالْحِلابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأَبِي وَدَأَبُهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ/ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى رَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ.
وَقَالَ الثَّانِي: اللَّهمّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نفسها، فأبت حتى آتيها ثَمَانِينَ دِينَارًا، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا اللَّهمّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ عَنَّا مِنْهَا، فَفَرَّجَ لَهُمْ فُرْجَةً.
وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهمّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أُرْزٍ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ:
أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعْهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، فَجَاءَنِي وَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَظْلِمْنِي، فَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَخُذْهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لا أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ تِلْكَ البقر وراعيها، فأخذها وانطلق بها، قال: كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ عَنَّا مَا بَقِيَ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ [1]
. ومنهم: الكفل [2] :
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قال: لقد سمعت عن رسول
__________
[1] رواه الإمام أحمد، والبزار. وانظر القصة في البداية والنهاية 2/ 137- 138.
[2] بياض في ت مكان «ومنهم الكفل» .

(2/163)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَسْمَعْهُ لا مَرَّةً وَلا مَرَّتَيْنِ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:
«كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أَرْعَدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ، أَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ هَذَا عَمَلٌ لَمْ أَعْمَلْهُ قَطُّ [1] ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ [2] الْحَاجَةُ، قَالَ: فَتَفْعَلِينَ هَذَا وَلَمْ تَفْعَلِيهِ قَطُّ ثُمَّ نَزَلَ [3] فَقَالَ: اذْهَبِي وَالدَّنَانِيرُ لَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ/ لا يَعْصِي اللَّهَ الْكِفْلُ أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لِلْكِفْلِ» [4]
حديث الأبرص والأقرع والأعمى
[5] :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ طَلْحَةَ الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرْبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الله قال: حدّثني عبد الرحمن بن أبي عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصٌ وَأَقْرَعٌ وَأَعْمَى أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذَرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وجلدا حسنا، فقال: أي المال
__________
[1] «قط» سقط من ت.
[2] في ت: «إنما حملني عليه» .
[3] في ت: «ثم تركها» .
[4] الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه 2453 (موارد) والخطيب في تاريخه 5/ 52. وأبو نعيم في الحلية 4/ 297. وابن كثير في التفسير 5/ 359. والترمذي 2496.
والرواية أوردها المصنف أخرجها الإمام أحمد في المسند 2/ 23.
وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية 1/ 266.
[5] بياض في ت مكان «حديث الأبرص والأقرع والأعمى» .

(2/164)


أَحَبَّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ- أَوِ الْبَقَرُ- شَكَّ فِي ذَلِكَ إِسْحَاقُ فِي أَنَّ الأَبْرَصَ أَوِ الأقرع قال أحدهما الإبل وَقَالَ الآخَرُ الْبَقَرَ، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارِكِ اللَّهُ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا فَقَدْ قَذَرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ وَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعْرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبَّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ، فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حاملا، قال: يُبَارَكْ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْكَ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ عَزَّ وجل بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبَّ إِلَيْكَ، قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا.
فَيُنْتِجُ هَذَا وَوَلَدَ هَذَا، وَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِهِ الْحِبَالُ فِي سَفَرِهِ فَلا بَلاغَ إِلا بإذن الله تعالى، ثم بك أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ/ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصٌ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا، فَأَعْطَاكَ [1] اللَّهُ، فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلا بلاغ اليوم إِلا باللَّه وَبِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا، فَقَالَ: كُنْتُ أَعْمَى فردّ الله علي بصري، وفقيرا، فخذ ما شئت، فو الله مَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ هُوَ للَّه. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، وَقَدْ رُضِيَ عنك، وسخط على صاحبيك» [2] .
__________
[1] «فأعطاك» سقط من ت.
[2] رواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهذا لفظ البخاري في صحيحه، في أحاديث بني إسرائيل.
وانظر القصة في: البداية والنهاية 2/ 138.

(2/165)


ومن ذلك: حديث العقار.
[1] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ قَالَ: حدثنا البخاري قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ [2] : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ وَلَمْ أَبْتَعْ ذَهَبًا. وَقَالَ لَهُ: الَّذِي لَهُ الأَرْضُ [3] : إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ.
قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا» [4]
. ومن ذلك: المستسلف المال:
[5] أَخْبَرَنَا [6] ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم/.
أَنَّهُ ذكر رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ قَالَ:
ائْتِنِي بِشُهُودٍ أُشْهِدُهُمْ. قَالَ: كَفَى باللَّه شَهِيدًا. قَالَ: ائْتِنِي بِكَفِيلٍ. قَالَ: كَفَى باللَّه وَكِيلا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَقْدِمُ عَلَيْهِ لأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَرْكبا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا وَأَدْخَلَ
__________
[1] بياض في ت: «ومن ذلك حديث العقار» .
[2] حذف السند من ت.
[3] «فوجد الرجل الّذي اشترى ... الّذي له الأرض» سقط من ت.
[4] أخرجه البخاري في أخبار بني إسرائيل. وكذلك أخرجه مسلم. وانظر القصة في البداية والنهاية 2/ 139، 140.
[5] بياض في ت مكان: «ومن ذلك المستسلف المال» .
[6] حذف السند من ت.

(2/166)


فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ رَجَحَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ رَمَى بِهَا [1] فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي اسْتَسْلَفْتُ مِنْ فُلانٍ أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلا، فقلت:
كفى باللَّه وكيلا، فَرَضِيَ بِذَلِكَ [2] ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ كَفَى باللَّه شهيدا، فرضي بك، وإني قد جهدت اني أَجِدَ مَرْكَبًا [3] أَبْعَثْ إِلَيْهِ بِالَّذِي لَهُ، فَلَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا، وَإِنِّي قَدِ اسْتَوْدَعْتُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. وَقَالَ: وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَطْلُبُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرُّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا كَسَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ تَسَلَّفَ مِنْهُ فَأَتَاهُ بِأَلْفِ دينار، وقال: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ [4] فِيهِ.
[قَالَ: بَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ، قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ بِأَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ فِيهِ] [5] فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ بِهِ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِمَالِكَ رَاشِدًا [6]
. ومن ذلك: حديث العجوزتين [7] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّومَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن محمد بْن أحمد بْن البراء قال: أخبرنا عبد المنعم
__________
[1] في ت: «إلى صاحبه ثم أتى بها البحر» .
[2] «فرضي بذلك» سقط من ت.
[3] «إني أجد مركبا» سقط من ت.
[4] في ت: «أتيت» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] رواه الإمام أحمد في المسند، وعلقه البخاري في غير موضع من صحيحه بصيغة الجزم عن الليث بن سعد، وأسنده في بعضها عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه.
وانظر القصة في البداية والنهاية 2/ 139.
[7] بياض في ت مكان: «ومن ذلك حديث العجوزتين» .

(2/167)


ابن إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذكر وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ قَالَ [1] : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُلُّ الأَعَاجِيبِ كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَدِّثُوا عَنْهُمْ وَلا حَرَجَ، فَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ حَدِيثَ الْعَجُوزَتَيْنِ لَعَجِبْتُمْ، قَالُوا: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ يُحِبُّهَا وَمَعَهُ أُمٌّ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ امْرَأَةُ صِدْقٍ، وَمَعَ امْرَأَتِهِ أُمٌّ لَهَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ امْرَأَةُ سُوءٍ، وَكَانَتْ تُغْرِي ابْنَتَهَا بِأُمِّ زَوْجِهَا، وَكَانَ زَوْجُهَا يَسْمَعُ مِنْهَا وَكَانَ يُحِبُّهَا [2] ، فَقَالَتْ لِزَوْجِهَا: لا أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا، حَتَّى تُخْرِجَ عَنِّي أُمَّكَ وَكِلْتَا الْعَجُوزَتَيْنِ، قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُمَا، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى خَرَجَ بِأُمِّهِ فَوَضَعَهَا فِي فَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، لَيْسَ مَعَهَا طَعَامٌ وَلا شَرَابٌ لِيَأْكُلَهَا السِّبَاعُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا، فَلَمَّا أَمْسَتْ غَشِيَتْهَا السِّبَاعُ فَجَاءَهَا مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ الَّتِي أَسْمَعُ حَوْلَكِ قَالَتْ: خَيْرٌ، هَذِهِ أَصْوَاتُ بَقَرٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ، قَالَ: خَيْرًا فَلْيَكُنْ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَصْبَحَ الْوَادِي مُمْتَلِئًا إِبِلا وَبَقَرًا وَغَنَمًا، فَقَالَ ابْنُهَا: لَوْ جِئْتُ أُمِّي فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَتْ، فَجَاءَ فَإِذَا الْوَادِي مُمْتَلِئٌ إِبِلا وَغَنَمًا وَبَقَرًا، قَالَ: أَيْ أُمَّاهُ مَا هَذَا. قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ هذا رزق الله وعطاؤه إِذْ عَقَقْتَنِي وَأَطَعْتَ امْرَأَتَكَ فِي، فَاحْتَمَلَ أُمَّهُ وَسَاقَ مَعَهَا مَا أَعْطَاهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَلَمَّا رَجَعَ بِهَا إِلَى امْرَأَتِهِ وَبِمَالِهَا قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَاللَّهِ لا أَرْضَى عَنْكَ أَوْ تَذْهَبْ بِأُمِّي فَتَضَعْهَا حَيْثُ وَضَعْتَ أُمَّكَ فَيُصِيبُهَا مِثْلَ مَا أَصَابَ أُمَّكَ، فانطلق بالعجوز فَوَضَعَهَا حَيْثُ وَضَعَ أُمَّهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا، فَلَمَّا أَمْسَتْ غَشِيَهَا السِّبَاعُ وَجَاءَهَا الْمَلَكُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعَجُوزِ قَبْلَهَا، فَقَالَ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ الَّتِي أَسْمَعُ حَوْلَكِ؟ قَالَتْ:
شَرٌّ، وَاللَّهِ وَعْرٌ، هَذِهِ أَصْوَاتُ سِبَاعٍ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَنِي، قَالَ: شَرٌّ فَلْيَكُنْ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا فَأَتَاهَا سَبُعٌ/ فَأَكَلَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا فَعَلَتْ أُمِّي، فَذَهَبَ لِيَنْظُرَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهَا إِلا فَضْلَ مَا تَرَكَ السَّبُعُ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرَهَا، فَحَزِنَتْ عَلَى أُمِّهَا حُزْنًا شَدِيدًا، وَحَمَلَ عِظَامَهَا فِي كِسَاءٍ حَتَّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيِ ابنتها فماتت كمدا [3] .
__________
[1] حذف السند من ت.
[2] «وكان يحبها» سقط من ت.
[3] أخرجه النقاش في فنون العجائب (مخطوط) .

(2/168)


حديث العابد والرمانة
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَرْمَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي قال: أخبرنا أبو القاسم يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَحْفُوظِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ هَرَمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ قَالَ:
خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلامُ آنِفًا. فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ وَالَّذِي بَعَثَكَ [2] بِالْحَقِّ إِنَّ للَّه عَبْدًا مِنْ عباده عبد الله خمسمائة سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلاثُونَ ذِرَاعًا وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةَ آلافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الأُصْبُعِ يَبُضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ، وَتَسْفَحُ فِي أَسْفَلِ جَبَلٍ وَشَجَرَةَ رُمَّانٍ تُخْرِجُ لَه فِي كُلِّ يَوْمٍ [3] رُمَّانَةً فَتُغْذِيهِ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ وَأَصَابَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَخَذَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ وَقْتِ الأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا، وَأَنْ لا يَجْعَلْ لِلأَرْضِ وَلا لِشَيْءٍ يُفْسِدَهُ عَلَيْهِ سَبِيلا حَتَّى يَبْعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَفَعَلَ وَنَحْنُ نَمُرُّ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا رَجَعْنَا فَنَجِدُهُ فِي الْعِلْمِ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ برحمتي، فيقول: بل بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: / رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي كُلِّهَا فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتِ الْجَسَدُ فَضْلا عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ رُدُّوا عَبْدِي فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فيقول: يا عبدي من خلقك ولم تلك شَيْئًا فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَكَانَ ذلك من قبلك أم برحمتي، فيقول بل بِرَحْمَتِكَ، فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سنة، فيقول: أنت يا
__________
[1] بياض في ت مكان: «حديث العابد والرمانة» .
[2] في ت: «والّذي بعثك» .
[3] في ت: «في كل ليلة» .

(2/169)


رَبِّ، فَيَقُولُ مَنْ أَنَزْلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ وَأَخْرَجَ لَكَ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ، وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أَقْبِضَكَ سَاجِدًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِرَحْمَتِي، أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، وَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا الأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى [يَا مُحَمَّدُ] [1] .
عابد من الرهبان
[2] :
حَدَّثَنَا المبارك بْن علي الصيرفي من لفظه قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عمر السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد الواحد قَالَ: حَدَّثَنَا جدي أَبُو بكر مُحَمَّد بْن جعفر السامري قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طفر قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان الضبعي، عَنْ عبد الصمد بْن معقل بْن [3] منبه، عَنْ عمه وهب بْن منبه قَالَ:
كان عابد من عباد بني إسرائيل يعَبْد اللَّه دهرا طويلا [4] فِي صومعته [فعف] [5] وزهد حَتَّى شكته الشياطين إِلَى إبليس، فقالوا: فلان قد أعيانا لا نصيب منه شيئا، قَالَ:
فانتدب له إبليس بنفسه، فأتاه فضرب ديره، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَ: ابن سبيل، افتح لي حَتَّى آوي الليلة فِي ديرك. قَالَ له العابد: هَذِهِ قرى منك غير بعيدة، مل إِلَى بعضها فائو إليها، قال: اتّق الله وافتح لي فإني أخاف اللصوص، / والسباع، قَالَ: ما أنا بالذي أفتح لك فسكت إبليس، ثم ضرب باب الدير، فَقَالَ: افتح لي، قَالَ: من هَذَا؟
قَالَ: أنا المسيح قَالَ: إن تكن المسيح فليس لك لي حاجة فقد بلغت رسالات ربك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 250، 251.
وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، فإن سليمان بن هرم العابد من زهاد أهل الشام، والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين» .
قال الذهبي: «لا والله، وسليمان غير معتمد» .
[2] بياض في ت مكان: «عابد من الرهبان» .
[3] حذف السند من ت.
[4] «طويلا» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/170)


فموعدك الآخرة، فسكت إبليس، ثم ضرب ديره، فَقَالَ: افتح لي قَالَ: من أنت؟ قَالَ:
أنا إبليس، قَالَ: ما أنا بالذي أفتح لك، فَقَالَ إبليس: لك ما للَّه، ولك وجعل يعاهده لا أعمل فِي مضرة أبدا افتح [1] ، قَالَ: فنزل ففتح له الباب، وصعد إبليس فجلس بين يديه فَقَالَ: سلني عما شئت أخبرك، فَقَالَ: ما لي إليك حاجة، قَالَ: فقام إبليس فولى فناداه أقبل، فقد بدا لي أن أسألك، قال: سل [2] ، قال: أي شَيْء أهون لكم فِي هلك ابن آدم؟ قَالَ: السكر، فإنه إذا أسكر ابن آدم لم يمتنع منا من شَيْء نريده ثم لعبنا به كما يلعب الصبيان بالكرة، قَالَ: وماذا؟ قَالَ: الحدة لو أن ابن آدم بلغ فِي عبادة [اللَّه تعالى] ما يحيي الموتى [بإذن اللَّه] [3] ما يئسنا أن نصيبه فِي بعض غضبه قَالَ: وماذا؟ قَالَ:
والبخل، قَالَ: يأتي ابن آدم فنقلل نعمة اللَّه عنده، ونكثر ما فِي أيدي الناس عنده حَتَّى يبخل بحق اللَّه فِي ماله فيهلك.
عابدان أخوان من بني إسرائيل
[4] :
أَنْبَأَنَا محمد بْن عبد الباقي بْن أحمد بْن سلمان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل أحمد بْن الحسن بن خيرون قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بْن مُحَمَّد بْن شاذان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن أحمد بْن إِسْحَاق بْن منجاب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَدُ بْن مُحَمَّد بْن شاكر الريحاني قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَبْد العزيز الجروي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حفص النابلسي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو معَبْد قَالَ [5] : سَمِعْتُ بلال بْن سعد يقول:
كان أخوان فِي بني إسرائيل خرجا يتعَبْدان، فلما أرادت الطريق أن تفرق بينهما، قَالَ أحدهما لصاحبه: خذ أنت فِي هَذَا الطريق وآخذ أنا فِي هَذَا الطريق، فإذا كان رأس السنة فهو الموعد بيني وبينك، فخرجا يتعَبْدان، فلما دنا رأس السنة اجتمعا فِي ذلك الموضع فَقَالَ أحدهما لصاحبه: أي ذنب فيما عملت أعظم؟ قال: بينما أنا أمشي على
__________
[1] في ت: «في مضرة افتح أبدا» .
[2] في ت: «فسل» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] بياض في ت مكان: «عابدان أخوان من بني إسرائيل» .
[5] حذف السند من ت.

(2/171)


الطريق إذا بسنبلة فأخذتها فألقيتها فِي إحدى الأرضين أرض عَنْ يميني وأرض عَنْ شمالي، فلا أدري هي الأرض التي ألقيتها فيها أم الأخرى، ثم قَالَ المسئول للسائل:
أي ذنب فيما عملت أعظم، قَالَ: كنت أقوم فِي الصلاة فأميل مرة عَلَى هَذِهِ الرجل ومرة عَلَى هَذِهِ الرجل فلا أدري أكنت أعدل بينهما أم لا فسمعهما أبوهما من داخل الدار، فَقَالَ: اللَّهمّ إن كانا صادقين فأمتهما فخرج فإذا بهما قد ماتا
. ثلاثة من عباد بني إسرائيل
[1] :
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَلي الصيرفي قَالَ: أَخْبَرَنَا شجاع بْن فارس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ العشاري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد العلاف قَالَ: أَخْبَرَنَا صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الْقُرَشِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أزهر بْن مروان قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بْن سليمان قال: أخبرنا أبو عمران الجنوني، عَنْ عَبْد اللَّه بْن رياح الأنصاري، عَنْ كعب قَالَ:
اجتمع ثلاثة عباد من بني إسرائيل، فقالوا: تعالوا نذكر كل واحد [2] منا أعظم ذنب عمله، فَقَالَ احدهم: أما أنا فلا أذكر من ذنب أعظم من أني كنت مع صاحب لي فعرضت لي شجرة، فخرجت عَلَيْهِ ففزع مني، وَقَالَ: اللَّه بيني وبينك.
وَقَالَ أحدهم: إنا معشر بني إسرائيل إذا أصاب أحدنا بول قطعه، فأصابني بول فقطعته فلم أبالغ فِي قطعه.
وَقَالَ أحدهم: كانت لي والدة، فدعتني من قبل شمال الريح فأجبتها ولم تسمع فجاءتني مغضبة [فجعلت] [3] ترميني بالحجارة فأخذت عصا وجئت لأقعد بين يديها تضربني بها حَتَّى تنزفني [ففزعت مني] [4] فأصاب وجهها شجرة فشجتها، فهذا أعظم ذنب عملته.
__________
[1] بياض في ت مكان: «ثلاثة من عباد بني إسرائيل» .
[2] في ت: «إنسان منا» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/172)


عابد من بني إسرائيل
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَد الحداد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن محمد بن جعفر قَالَ: حَدَّثَنَا علي بْن إِسْحَاق قَالَ:
أَخْبَرَنَا حسين بْن الحسن المروزي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن المبارك/ قَالَ: أَخْبَرَنَا بكار بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سمع وهب بْن منبه يقول:
كان رجل من أفضل أهل زمانه، وكان يزار فيعظهم، فاجتمعوا إليه ذات يوم، فَقَالَ: إنا قد خرجنا من الدنيا وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطغيان، وقد خفت ذلك أن يكون قد دخل علينا فِي حالنا هَذِهِ من الطغيان أكثر مما يدخل عَلَى أهل الأموال في أموالهم إن أحدنا يحب أن يقضي له حاجته، فإن اشترى [أحدنا] [2] بيعا أن يقارب لمكان دينه، وإن لقي حق ووقف بمكان دينه [3] فشاع ذلك الكلام حَتَّى بلغ الملك، فعجب به الملك فركب إليه ليسلم عَلَيْهِ [وينظر إليه] ، [4] فلما رآه الرجل قيل له هَذَا الملك: قد أتاك ليسلم عليك، فَقَالَ: وما نصنع؟ فقيل: الكلام الذي وعظت به، فسأل رده هل عندك [5] طعام، فَقَالَ شَيْء من تمر الشجر، فما كنت تفطر به وامرأتي معي عَلَى مسح فوضع بين يديه فأخذ يأكل منه [6] ، وكان يصوم النهار ولا يفطر، فوقف عَلَيْهِ الملك فسلم عَلَيْهِ فأجابه خفية، وأقبل عَلَى طعامه، يأكله، فَقَالَ الملك: فأين الرجل قيل له هو هَذَا الذي يأكل قَالَ: نعم، قَالَ: فما عند هَذَا من خير فأدبر، فَقَالَ الرجل: الحمد للَّه الذي صرفك عني بما صرفك.
وَفِي رواية: أنه قدم له بقل وزيت وحمص فجعل يجمع من البقول والطعام ويطعم اللقمة ويغمسها فِي الزيت فيأكل أكلا عنيفا، فرآه الملك فذهب عنه.
__________
[1] بياض في ت مكان: «عابد من بني إسرائيل» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «وإن لقي حق ووقف بمكان دينه» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «هل شيء من طعام» .
[6] في ت: «فجعل يأكل» .

(2/173)


عابد آخر منهم
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد العزيز بْن علي قَالَ: أخبرنا عَبْد اللَّه بْن حامد الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حامد بْن جعفر قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن فهيد قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بن رزيق قال: حدثنا إسماعيل ابن عبد الكريم عن عبد الصمد بن معقل، عَنْ وهب بْن منبه قَالَ:
كان فِي بني إسرائيل عابد فلبث سبعا لم يطعم هو وعياله شيئا. فقالت له امرأته:
لو خرجت وطلبت لنا شيئا. فخرج فوقف مع العمال فاستؤجر العمال، وصرف [اللَّه] عنه الرزق، فَقَالَ: والله لأعملن اليوم مع ربي، فجاء إِلَى ساحل البحر فاغتسل وما زال راكعا وساجدا، حتى إذا أمسى أتى/ أهله، فقالت له امرأته: ماذا صنعت، فقال: قد عملت مع أستاذي، وقد وعدني أن يعطيني، ثم غدا إِلَى السوق [2] ، فوقف مع العمال، فاستؤجر العمال وصرف [اللَّه] [3] عنه الرزق، ولم يستأجره أحد، فَقَالَ: والله لأعملن [اليوم] [4] مع ربي، فجاء إِلَى ساحل البحر فاغتسل، وما زال راكعا وساجدا حَتَّى إذا أمسى أقبل إِلَى منزله، فقالت له امرأته: ماذا صنعت، قَالَ: إن أستاذي قد وعدني أن يجمع لي أجري، فخاصمته امرأته، وبرزت عَلَيْهِ، فلبث يتقلب ظهرا لبطن وبطنا لظهر، وصبيانه يتضاغون جوعا، ثم غدا إِلَى السوق فاستؤجر العمال، وصرف عنه الرزق، ولم يستأجره أحد، فَقَالَ: والله لأعملن مع ربي، فجاء إِلَى ساحل البحر، فاغتسل وما زال [5] راكعا وساجدا، حَتَّى إذا أمسى، قَالَ: أين أمضي، تركت أقواما يتضاغون جوعا، ثم تحمل عَلَى جهد منه، فلما قرب من داره، سمع ضحكا وسرورا، وسمع رائحة قديد ورائحة شواء، فأخذ عَلَى بصره وَقَالَ: أنائم أنا أم يقظان [6] ، تركت أقواما يتضاغون جوعا، وأشم رائحة قديد ورائحة شواء، وأسمع ضحكا وسرورا، ثم
__________
[1] بياض في ت مكان: «عابد آخر منهم» .
[2] في ت: «ذهب إلى السوق» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «ولم يزل» .
[6] «ثم تحمل على ... أنائم أنا أم يقظان» . سقط من ت.

(2/174)


دنا من الباب فطرق الباب، فخرجت امرأته حاسرة [1] وقد حسرت عَنْ ذراعيها وهي تضحك فِي وجهه، ثُمَّ قالت: يا فلان قد جاءنا رسول أستاذك بدنانير، ودراهم وكساء، وودك ودقيق، وقال: إذا جاء فلان فأقرءوه السلام وقولوا له: إن أستاذك يقول لك: رأيت عملك فرضيته، فإن أنت زدتني في العمل زدتك فِي الأجرة
. حديث يرخ
[2] :
أَخْبَرَنَا ابن الْمُبَارَكُ بْن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن بْن طاهر البيع قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حَدَّثَنَا ابن رزقويه قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن البراء قَالَ: حدثني الفضل بْن حازم قَالَ: حدثني يُوسُف بْن غزولا اللخمي قَالَ: حدَّثَنِي مخلد بْن ربيعة الربعي [3] ، عَنْ كعب قَالَ:
قحطت بنو إسرائيل عَلَى عهد موسى، فسألوه أن يستسقي لهم فقال اخرجوا معي إلى الجبل، فخرجوا، فلما أصعد الجبل قَالَ موسى: لا يتبعني رجل أصاب ذنبا، قَالَ: فانصرف أكثر من نصف القوم [4] ، ثم قَالَ: الثانية لا يتبعني من أصاب ذنبا، فانصرفوا جميعا إلا رجل أعور، يقال له يرخ العابد، فَقَالَ له موسى: ألم تسمع ما قلت؟
قَالَ: بلى قَالَ: فلم تصب ذنبا قَالَ: ما أعلمه إلَّا شيئا أذكره، فإن كان ذنبا رجعت، قَالَ: ما هو؟ قَالَ: مررت فِي طريق فرأيت باب حجرة مفتوح، فلمحت بعيني هَذِهِ الذاهبة شخصا لا أعلم ما هو، فقلت لعيني أنت من بين يدي سارعت إِلَى الخطيئة لا تصحبيني بعدها، فأدخلت إصبعي فيها فقلعتها، فإن كان هَذَا ذنبا رجعت، فَقَالَ موسى عَلَيْهِ السلام: ليس هَذَا ذنبا. ثم قَالَ له: استسق يا يرخ، قَالَ: قدوس قدوس، ما عندك لا ينفد وخزائنك لا تفنى، وأنت بالبخل لا ترضى، فما هَذَا الذي لا يعرف به اسقنا الغيث الساعة الساعة، قال: فانصرفا يخوضان الوحل.
__________
[1] «حاسرة» سقطت من ت.
[2] بياض في ت مكان: «حديث يرخ» .
[3] حذف السند من ت.
[4] في ت: «نصفهم» .

(2/175)


قال مؤلف الكتاب: وقد روينا نحو هَذِهِ الحكاية فيما تقدم وأنها جرت لعيسى ابن مريم عليه السلام
. تائب من بني إسرائيل:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أَحْمَد الفقيه قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُف يعقوب بْن إِسْحَاق القاضي قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْن صالح الوحاظي قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن عياش، عَنْ صفوان بْن عمرو، عَنْ شريح بْن عبيد الحضرمي [1] ، عَنْ كعب الأحبار:
أن رجلا من بني إسرائيل أتى فاحشة، فدخل نهرا يغتسل [فيه] [2] فناداه الماء يا فلان ألم تستحي ألم تتب من هَذَا الذنب، وقلت: إنك لا تعود فيه فخرج من الماء فزعا وهو يقول: لا أعصي اللَّه عز وجل، فأتى جبلا فيه اثنا عشر رجلا يعَبْدون اللَّه تعالى فلم يزل معهم حَتَّى قحط موضعهم، فنزلوا يطلبون الكلأ، فمروا عَلَى ذلك/ النهر، فَقَالَ لهم الرجل: أما أنا فلست بذاهب معكم، قالوا: لم؟ قَالَ: لأن ثم من قد أطلع مني عَلَى خطيئة فأنا أستحي منه أن يراني، فتركوه، ومضوا فناداهم النهر، يا أيها العباد، ما فعل صاحبكم، قالوا: زعم [لنا] [3] أن هاهنا من [قد] [4] اطلع منه عَلَى خطيئة فهو يستحي منه أن يراه، قَالَ: يا سبحان الله، إن بعضكم يغضب على ولده أو عَلَى بعض قراباته، فإذا تاب ورجع إِلَى ما يحب أحبه وإن صاحبكم قد تاب ورجع إِلَى ما أحب، فأنا أحبه، فاتوه فأخبروه واعَبْدوا اللَّه عَلَى شاطئ [النهر] فأخبروه [5] ، فجاء معهم، فأقاموا يعَبْدون اللَّه زمانا، ثم إن صاحب الفاحشة توفي، فناداهم النهر: يا أيُّها العباد، غسلوه من مائي، وادفنوه على شاطئي حَتَّى يبعث يوم القيامة من قربي، ففعلوا ذَلِكَ به، وَقَالُوا: نبيت ليلتنا هَذِهِ عَلَى قبره لنبكي [6] فإذا
__________
[1] حذف السند من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «فأخبروه» سقطت من ت. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «لنبكي» سقطت من ت.

(2/176)


أصبحنا سرنا، فباتوا عَلَى قبره يبكون، فلما جاء وجه السحر غشيهم النعاس، فأصبحوا وقد أثبت اللَّه عز وجل عَلَى قبره اثنتي عشرة سروة، وكان أول سرو أنبته اللَّه عز وجل على وجه الأرض، فقالوا: فما أنبت اللَّه هَذَا الشجر فِي هَذَا المكان، إلا وقد أحب عبادتنا فيه، فأقاموا يعَبْدون اللَّه عَلَى قبره، كلما مات فيهم رجل دفنوه إِلَى جانبه، حَتَّى ماتوا بأجمعهم.
قَالَ كعب: فكانت بنو إسرائيل يحجون إِلَى قبورهم رحمة اللَّه عليهم
. قصار من بني إسرائيل
[1] :
أَنْبَأَنَا أحمد بْن أحمد بْن موسى الصيرفي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي الحسن بْن الصباح قَالَ: حَدَّثَنَا زيد بْن الحباب قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سبط قَالَ: حَدَّثَنَا بكر بْن عَبْد [2] اللَّه المزني:
أن قصارا [3] ولع بجارية لبعض جيرانه، فأرسلها أهلها إِلَى حاجة لهم فِي قرية أخرى، فتبعها، فراودها عَنْ نفسها، فقالت: لا تفعل لأنا أشد حبا/ لك منك، ولكني أخاف الله. فقال: فأنت تحافينه وأنا لا أخافه، فرج ثانية فأصابه العطش حَتَّى كاد يتقطع عنقه، فإذا هو برسول الله لبعض بني [4] إسرائيل، فسأله، فَقَالَ: ما لك؟ قَالَ: العطش قَالَ: تعال حَتَّى ندعو، حَتَّى تظلنا سحابة حَتَّى ندخل القرية قَالَ: ما لي عند اللَّه [5] عمل فأدعو! قَالَ: فأدعو أنا، وأمّن أنت. قال: فدعا الرسول وأمّن هو فأظلتهم سحابة، حتى انتهوا إلى القرية، فأخذ القصار [6] إلى مكان فمالت السحابة عليه، فرجع الرسول فقال: زعمت أن ليس [لك] [7] عمل وأنا الذي دعوت وأنت الّذي أمنت، فأظلتنا
__________
[1] بياض في ت مكان: «قصار من بني إسرائيل» .
[2] حذف السند من ت.
[3] في ت: «قصباب» .
[4] في ت: «هو برسول بني إسرائيل» .
[5] «عند الله» سقطت من ت.
[6] في ت: «القصار» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/177)


سحابة، ثم تبعتك لتخبرني ما أمرك، فأخبره فَقَالَ الرسول: التائب إِلَى اللَّه بمكان ليس أحد من الناس بمكانه
. عابدة من بني إسرائيل يقال لها سارة
[1] :
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عَبْد الجبار قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي الثوري قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بْن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن أحمد بْن أبي قيس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي قَالَ: أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد بن معقل، عَنْ وهب بْن [2] منبه قَالَ: [3] أتي بامرأة من بني إسرائيل يقال لها سارة وسبعة بنين لها إِلَى ملك كان يفتن الناس عَلَى أكل لحم الخنزير فدعا أكبرهم فقرب إليه لحم الخنزير، فَقَالَ: كل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه اللَّه عز وجل أبدا، فأمر بِهِ فقطعت يداه ورجلاه، ثم قطعه عضوا عضوا حَتَّى قتله، ثم دعا بالذي يليه فَقَالَ: كل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه اللَّه تعالى، فأمر بقدر من نحاس فملئت زيتا ثم أغليت حتى إذا غلت ألقاه فيها، ثم دعا الذي يليه، فَقَالَ: كل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه اللَّه تعالى، فقتله، ثم دعا الذي يليه [4] ، فَقَالَ: أنت أذل وأقل وأهون عَلَى اللَّه من أن آكل شيئا حرمه اللَّه تعالى علي فضحك الملك، وَقَالَ: أتدرون ما أراد بشتمه إياي، أراد أن يغضبني، فأعجل في قتله وليخطئه ذلك وأمر به، فجز جلدة عنقه، ثم أمر به أن يسلخ جلدة رأسه ووجهه فسلخوه سلخا، فلم يزل يقتل كل واحد منهم بلون غير قتل أخيه حَتَّى بقي أصغرهم، فالتفت بِهِ إِلَى أمه، فَقَالَ: لقد رثيت لك مما رأيت فانطلقي بابنك هَذَا فاخلي به وانقذيه على أن يأكل لقمة واحدة فيعيش لك قالت: نعم، فخلت به، فقالت: أي بني إنه كان لي على كل رجل من
__________
[1] بياض في ت مكان: «عابدة من بني إسرائيل يقال لها سارة» .
[2] حذف السند من ت.
[3] في ت زيادة مطموسة، الواضح منها ما يلي:
«سأل بعض أهل (الطريقة) قال: «يا أبا عبد الله هل سمعت ( ... ) عذاب أشد مما نحن فيه ما لو نظرتم ما أنتم فيه وإلى ما خلا لكان ما أنتم فيه مثل الدخان عند النار» .
[4] «ما كنت لآكل ... دعا الّذي يليه» . سقط من ت.

(2/178)


إخوتك حق، ولي عليك حقان.، وذلك أني أرضعت كل واحد حولين، فمات أبوك وأنت حمل، فأرضعتك لضعفك ورحمتي إياك أربعة أعوام فأسألك باللَّه وحقي أما صبرت ولم تأكل شيئا مما حرمه الله عليك ولا تلقين أخوتك يوم القيامة، ولست معهم، فَقَالَ: الحمد للَّه الذي أسمعني هَذَا منك، أما كنت أخاف أن تريديني عَلَى أن آكل [مما حرمه اللَّه] [1] ، ثم جاءت به إِلَى الملك فقالت: ها هو ذا قد أردته وعرضت عَلَيْهِ فأمره الملك أن يأكل، فَقَالَ: ما كنت لآكل شيئا حرمه الله علي، فقتله وألحقه بأخوته، وَقَالَ لأمهم: إني لأجدني أرثي لك، فما رأيت اليوم، ويحك، فكلي لقمة ثم أصنع بك ما شئت وأعطيك ما أحببت تعيشين به، قالت: ما أجمع بين ثكل ولدي ومعصية اللَّه عز وجل، فلو حييت بعدهم ما أردت ذلك، وما كنت لآكل شيئا مما حرمه اللَّه تعالى أبدا فقتلها وألحقها ببنيها
. عقوبة كذاب عَلَى موسى عَلَيْهِ السلام [2]
أَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّد بْن حسنون قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد السمسار قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن كثير البصري قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد بْن واقد القيسي عَنْ عثمان بْن عَبْد اللَّه [3] ، عَنْ رجل من أهل العلم قَالَ:
كان رجل يخدم موسى عَلَيْهِ السلام، ويتعلم منه، قَالَ: فاستأذنه أن يرجع إِلَى قريته ثم يعود إليه، فأذن له فانطلق، فجعل يقول: حدثني موسى كليم الله بكذا وكذا، وحدثني نجي الله بكذا حَتَّى كثر ماله، وجعل موسى عَلَيْهِ السلام يسأل عنه، ولا يخبر بشَيْء فبينما مُوسَى عَلَيْهِ السلام/ قاعد إذ مر به رجل يقود خزرا فِي عنقه حبل- والخزر الأرنب الذكر- فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّه مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: أقبلت من قرية كذا وكذا، من قرية الرجل قَالَ: فتعرف فلانا؟ قَالَ: نعم، هو الذي فِي يدي، قَالَ موسى: يا رب رده إِلَى حاله حَتَّى أسأله فيما صنعت به هَذَا، فأوحى اللَّه تعالى إليه لو سألني آدم فمن دونه من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] بياض في ت مكان: «عقوبة كذاب على موسى عليه السلام» .
[3] حذف السند من ت.

(2/179)


النبيين حتى بلغ محمدا صلى الله عليه وسلم لم أرده إِلَى حاله، وإنما صنعت به هَذَا لأنه كان يطلب الدنيا بالدين
. ذو الرجل
[1] :
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك ومُحَمَّد بْن ناصر قالا: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن المرزبان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدً قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن الحسن عَنْ داود بْن أبي الرياد، عَنْ أبيه قَالَ:
كان راهب يتعَبْد فِي صومعة فأشرف منها فرأى امرأة ففتن بها، فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها، فلما أخرج رجله نزلت عَلَيْهِ العصمة وأدركته السعادة فقال: يا لنفس رجل خرجت من الصومعة لتعصي اللَّه يعود إليها ويكون فِي صومعتي معي، والله لا كان هَذَا أبدا، قال: فتركها معلقة خارج الصومعة يسقط عليها الثلوج والأمطار وتصيبها الشمس والرياح حتى تقطعت وتناثرت وسقطت [2] ، فشكر اللَّه ذلك من فعله، وأنزل فِي بعض الكتب وذو الرجل يمدحه بذلك
. حديث بغي من بني إسرائيل
[3] :
أَخْبَرَنَا عَبْد الملك بْن عَبْد اللَّه الكروخي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي العميري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أحمد الفامي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أحمد المرواني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ: حدثني الفضل بن عبد الجبار الباهلي [4] قال:
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذو الرجل» .
[2] «وسقطت» سقط من ت.
[3] بياض في ت مكان: حديث بغي من بني إسرائيل» .
[4] حذف السند من ت.

(2/180)


أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن الأشعث قَالَ: أَخْبَرَنَا المعمر بْن سليمان. قَالَ: سمعت أبا كعب يحدث عَنِ الْحَسَن قَالَ:
كانت امرأة بغي لها ثلث الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار وإنه [1] أبصرها عابد، فأعجبته/ [فذهب] [2] فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار فجاء [3] فَقَالَ: إنك [قد] [4] أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حَتَّى جمعت مائة دينار، فقالت:
ادفعها إِلَى القهرمان حَتَّى ينقدها ويزنها ففعل فقالت: أنقدت منه مائة دينار] [5] قَالَ:
نعم، قالت: ادخل، وكان لها من الجمال والهيئة ما اللَّه أعلم به، [وكان] [6] لها بيت منجد وسرير من ذهب، فقالت: هلم إلي، فلما جلس منها مجلس الرجل الخائن ذكر مقامه بين يدي اللَّه عز وجل، أخذته رعدة، وماتت شهوته، فَقَالَ: اتركيني أخرج ولك مائة دينار، قالت: ما بدا لك، وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت وعالجت وكددت حَتَّى جمعت مائة دينار، فلما قدرت عليّ فعلت الّذي فعلت، قال: فرق من اللَّه ومقامي بين يديه وقد بغضت إلي، قالت: لئن كنت صادقا ما لي زوج غيرك، قَالَ:
ذريني لأخرج. قالت: لا إلا أن تجعل لي عهدا أن تتزوجني [قَالَ: لا، حَتَّى أخرج.
قالت: خل عليك، إني أحب أن تتزوجني] [7] ، قَالَ: لعل، قَالَ: فيقبع بثوبه ثم خرج إِلَى بلده، وارتحلت الأخرى بدنياها نادمة عَلَى ما كان منها، حَتَّى قدمت بلده، فسألت عَن اسمه ومنزله، فدلّت عليه، فقيل له: الملكة جاءت تسأل عنك، فلما رآها شهق شهقة فمات، قَالَ: فأسقط فِي يديها، فقالت: أما هَذَا فقد فاتني، فهل له من قريب، قيل أخوه فقير، فحضر، قالت: إني أتزوجك بحب أخيك قَالَ: فتزوجته، فولدت له سبعة أبناء.
__________
[1] «إنه» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «فجاء» سقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «مائة دينار» سقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.

(2/181)


حديث بغي أخرى
[1] :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قال: أخبرنا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر البرمكي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحسين الزينبي قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المرزبان قَالَ:
حدثني أَبُو أحمد الخراساني قَالَ: حدثني أحمد بْن أبي نصر قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن خالد قَالَ: حدثني أمية بْن شبل عَنْ/ عَبْد اللَّه بْن وهب [2] قَالَ إِبْرَاهِيم: لا أراه إلا عَنْ أبيه:
أن عابدا من عبّاد بني إسرائيل، كان يتعبد فِي صومعته، فجاء نفر من الغواة إِلَى امرأة بغي، فقالوا لها: لعلك تزيلينه فجاءته فِي ليله مظلمه فنادته فأشرف عليها، فقالت له: يا عَبْد اللَّه آوني إليك أما ترى الظلمة والمطر فلم تزل به حَتَّى آواها، فاضطجعت قريبا منه، فجعلت تريه محاسن وجهها [3] حَتَّى دعته نفسه إليها فَقَالَ: لا والله حَتَّى أنظر [كيف] [4] صبرك عَلَى النار، فتقدم إِلَى المصباح فوضع إصبعا من أصابعه فيه حَتَّى احترقت، ثم عاد إِلَى صلاته، فدعته نفسه أيضا، وعاود المصباح فوضع إصبعه الأخرى حَتَّى احترقت، فلم تزل نفسه تدعوه وهو يعود إِلَى المصباح، حَتَّى احترقت أصابعه جميعا [وهي تنظر] [5] فضعفت المرأة فماتت [6]
. حديث عفيف منهم عَنِ المعاصي
[7] :
أَخْبَرَنَا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين الزينبي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المرزبان قَالَ: أخبرني أَحْمَد بْن حرب قَالَ: حدثني عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ: حدثني [8] أَبُو عَبْد اللَّه البلخي:
__________
[1] بياض في ت مكان «حديث بغي أخرى» .
[2] حذف السند من ت.
[3] في ت: «محاسن خلقها» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «فوضع احترقت أصابعه جميعا فضعفت» .
[7] بياض في ت مكان: «حديث عفيف منهم عن المعاصي» .
[8] حذف السند من ت.

(2/182)


أن شابا كان فِي بني إسرائيل لم ير شاب قط أحسن منه، وكان يبيع القفاف، فبينما هو ذات يوم يطوف بقفافه خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بني إسرائيل فلما رأته رجعت مبادرة، فقالت لابنة الملك: يا فلانة، إني رأيت شابا يبيع القفاف، لم أر شيئا أحسن منه، قَالَتْ أدخليه فخرجت إليه، فقالت: يا فتى أدخل، لنشتر منك، فدخل، فأغلقت الباب دونه، ثم قَالَتْ: ادخل، فدخل فأغلقت بابا آخر دونه، ثم استقبلته بنت الملك كاشفة عَنْ وجهها ونحرها، فقال لها: اشتري عافاك الله، قالت: إنا لم ندعك لهذا، إنما دعوناك لكذا- يعني المراودة عن نفسه- فَقَالَ لها: اتقي اللَّه، قالت له: إنك إن لم تطاوعني عَلَى ما أريد أخبرت الملك انك إنما دخلت علي تكابدني عَلَى نفسي قَالَ: فأبى ووعظها فأبت فقال: ضعوا لي وضوءا/ فقالت: أعلي نعلك، يا جارية ضعوا له وضوءا فوق الجوسق مكان لا يستطيع أن يفر منه ومن الجوسق إِلَى الأرض أربعون [1] ذراعا، فلما صار إِلَى أعلى الجوسق، قَالَ: اللَّهمّ إني دعيت إِلَى معصية وأنا أختار أن أضر نفسي فألقيها من هَذَا الجوسق ولا أركب المعصية ثم قَالَ: بسم الله وألقى نفسه من أعلى الجوسق فأهبط اللَّه له ملكا، فأخذ بضبعه فوقع قائما عَلَى رجليه، فلما صار إلى الأرض قال: اللَّهمّ إن شئت رزقتني رزقا يغنيني عَنْ هَذِهِ القفاف قَالَ: فأرسل اللَّه إليه جرادا من ذهب فأخذ منه حَتَّى ملأ ثوبه، فلما صار فِي ثوبه قَالَ: اللَّهمّ إن كان هَذَا رزقا رزقتنيه فِي الدنيا فبارك لي فيه، وإن كان ينقصني مما لي عندك من الآخرة فلا حاجة لي فيه فنودي إن هَذَا الذي أعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءا لصبرك عَلَى إلقائك نفسك من هَذَا الجوسق، قَالَ: اللَّهمّ لا حاجة لي فيما ينقصني مما عندك فِي الآخرة قَالَ: فرفع
. خبر ملك متزهد
[2] :
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ قال:
أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا المسعودي، عن سماك حرب، عن
__________
[1] في الأصل: أربعين.
[2] بياض في ت مكان: «خبر ملك متزهد» .

(2/183)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيَدَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [1] ، قَالَ:
بَيْنَمَا رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي مَمْلَكَتِهِ فَتَفَكَّرَ فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ، وَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ قَدْ شَغَلَهُ [2] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، فَانْسَابَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ قَصْرِهِ فَأَصْبَحَ فِي مَمْلَكَةِ غَيْرِهِ، فَأَتى سَاحِلَ [الْبَحْرِ] [3] فَكَانَ يَضْرِبُ اللَّبِنَ بِالأَجْرِ، فَيَأْكُلُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ [مِنْ قُوتِهِ] [4] ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى رُفِعَ أَمْرُهُ إِلَى مَلِكِهِمْ، فَأَرْسَلَ مَلِكُهُمْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى، فَعَادَ إليه الرسول فأبى وقال: ما له وَمَا لِي، فَرَكِبَ الْمَلِكُ، فَلَمَّا رَآهُ الرَّجُلُ وَلَّى هَارِبًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمَلِكُ رَكَضَ فِي أَثَرِهِ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَنَادَاهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ مِنِّي بَأْسٌ، فَأَقَامَ حَتَّى أَدْرَكَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ/ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا فُلانُ ابْنُ فُلانٍ صَاحِبُ مُلْكِ كَذَا وَكَذَا، فَفَكَّرْتُ فِي أَمْرِي فَعَلِمْتُ أَنَّ مَا أَنَا فِيهِ مُنْقَطِعٌ عَنِّي، وَأَنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي فَتَرَكْتُهُ وَجِئْتُ هاهنا أَعَبُدُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: مَا [أَنْتَ] [5] بِأَحْوَجَ إِلَى مَا صَنَعْتَ مِنِّي. ثُمَّ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فَأَطْلَقَهَا [6] ثُمَّ تَبِعَهُ، فَكَانَا جَمِيعًا يَعْبُدَانِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَعُوا اللَّهَ أَنْ يُمِيتَهُمَا، فَمَاتَا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَوْ كُنْتُ بِرُمَيْلَةِ مِصْرَ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَيْهِمَا بِالنَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7]
. حديث ابن ملك متزهد منهم:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبيد الله البيضاوي، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال:
أخبرنا القاضي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَخِي مِيمِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو علي بن صفوان، قال:
__________
[1] في الأصل: «عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه ابن مسعود» ، وفي ت: «عن عبد الرحمن بن عبيد الله، عن ابن مسعود» . وما أوردناه من كتاب التوابين لابن قدامة المقدسي ص 50.
[2] في «الشفا في مواعظ الملوك والخلفاء» لابن الجوزي: «وإن الّذي هو فيه قد شغله» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت، والشفا.
[4] ما بين المعقوفتين: من الشفا.
[5] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[6] في ت، والشفا: «فسيبها» وكلاهما صحيح.
[7] الحبر في التوابين ص 50 مرفوعا، وأورده ابن الجوزي في الشفا 91، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 218، وأورده ابن الجوزي أيضا في المصباح المضيء 2/ 247.

(2/184)


أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن الحسين، قال: أخبر [مروان] [1] مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: [أَخْبَرَنَا] أَبُو عُقَيْلٍ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ:
كَانَ رجل من ملوك بني إسرائيل قد أعطي طول عمر وكثرة مال وكثرة أولاد، وكان أولاده إذا كبر أحدهم لبس [ثياب] [2] الشعر، ولحق بالجبال، وأكل من الشجر، وساح فِي الأرض حَتَّى يأتيه الموت، ففعل ذلك جماعتهم حَتَّى تتابع بنوه عَلَى ذلك، فأصاب ولدا بعد كبر، فدعا قومه وَقَالَ: إني أصبت ولدا بعد ما كبرت، وترون شفقتي عليكم، وإني أخاف أن يتبع [3] [هَذَا] سنة إخوته، وأنا أخاف إن لم يكن عليكم أحد من ولدي بعدي، فبنوا له حائطا فرسخا فِي فرسخ، فكان فيه دهرا من دهره.
ثم ركب يوما فإذا عَلَيْهِ حائط مصمت، فَقَالَ: إني أحسب أن خلف هَذَا الحائط أناسا وعالما آخر، فأخرجوني أزدد [4] علما وألقى الناس. فقيل ذلك لأبيه، ففزع وخشي أن يتبع سنة إخوته، فَقَالَ: اجمعوا عَلَيْهِ كل لهو ولعب، ففعلوا ذلك.
ثم ركب فِي السنة [5] الثانية، فَقَالَ: لا بد من الخروج، فأخبر بذلك الشيخ، / فَقَالَ: أخرجوه، فحمل [6] عَلَى عجلة وكلل بالزبرجد والذهب، وصار حوله حافتان من الناس. فبينا هو يسير إذا هو برجل مبتلى، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل مبتلى، فَقَالَ:
أيصيب ناسا دون ناس أو كل خائف له؟ قَالُوا: كل خائف له [7] ، قَالَ: وأنا فيما أنا فيه من السلطان؟ قالوا: نعم، قَالَ: أف لعيشكم هَذَا، [هَذَا] [8] عيش كدر. فرجع مغموما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من التوابين ص 36.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] في ت: «وأخاف من هذا أن يتبع سنة» .
[4] في الأصل: «أزداد» . وما أوردناه من ت.
[5] في ت: «ثم ركب فجاء في السنة» .
[6] في التوابين: «فجعل» .
[7] في الأصول: «منه» وما أوردناه من التوابين.
[8] ما بين المعقوفتين: من التوابين.

(2/185)


محزونا [1] ، فقيل لأبيه، فَقَالَ: انشروا [2] عَلَيْهِ كل لهو وباطل حَتَّى تنزعوا [3] من قلبه هَذَا الحزن والغم.
فلبث حولا، ثم قَالَ: أخرجوني، فأخرج عَلَى مثل حاله الأول، فبينا هو يسير إذا هو برجل قد أصابه الهرم ولعابه يسيل من فيه، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل قد هرم، قَالَ: يصيب ناسا دون ناس، أو كل خائف له إن هو عمر؟ قالوا: كل خائف [له] [4] ، قَالَ: أف لعيشكم هَذَا، [هَذَا] [5] عيش لا يصفو [لأحد] [6] . فأخبر بذلك أبوه، فَقَالَ:
احشروا عَلَيْهِ كل لهو وباطل. فحشروا عَلَيْهِ.
فمكث حولا ثم ركب عَلَى مثل حاله. فبينا [7] هو يسير إذا هو بسرير تحمله الرجال عَلَى عواتقها، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل مات، قَالَ لهم: وما الموت؟ ائتوني به، فأتوه به، فَقَالَ: أجلسوه، فقالوا: إنه لا يجلس، قَالَ: كلموه، قالوا: إنه لا يتكلم. قَالَ:
فأين تذهبون به، قالوا: ندفنه تحت الثرى، قَالَ: فيكون ماذا بعد هَذَا؟ قالوا: الحشر، قَالَ: وما الحشر؟ قالوا: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ 83: 6 [8] حفاة عراة مكشفي الرءوس [9] ، فيجزى كل واحد عَلَى قدر حسناته وسيئاته، قَالَ: ولكم دار غير هَذِهِ تجازون فيها؟ قالوا: نعم، فرمى بنفسه من الفرس وجعل يعفر وجهه فِي التراب وَقَالَ لهم: من هَذَا كنت أخشى، كاد هَذَا يأتي علي [10] ، وأنا لا أعلم به، أما ورب من يعطي ويحشر ويجازي، إن هَذَا آخر الدهر [11] بيني وبينكم، فلا سبيل لكم علي بعد هَذَا اليوم، فقالوا: لا ندعك حتى نردّك إلى أبيك.
__________
[1] في الأصل: «مهموما» وما أوردناه من ت والتوابين لما سيأتي من قول أبيه.
[2] في الأصل: «احشروا» وما أوردناه من ت والتوابين.
[3] في الأصل: «حتى يرعوي» وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: من التوابين، وساقطة من الأصول.
[6] ما بين المعقوفتين: من ت.
[7] في الأصل: «فبينما» وما أوردناه من ت والتوابين، وكلاهما صحيح.
[8] سورة: المطففين، الآية: 5.
[9] «حفاة عراة مكشفي الرءوس» ساقطة من ت والتوابين.
[10] في الأصل: «كاد أن يأتي عليّ» . وما أوردناه من ت والتوابين.
[11] في المطبوع من التوابين: «العهد» ، وفي إحدى نسخ المخطوطة: «العهد» .

(2/186)


قَالَ: فردوه إِلَى أبيه، وقد كاد ينزف دمه، فَقَالَ له: يا بني، ما هَذَا الجزع؟ قَالَ:
جزعي ليوم يجازى فيه الصغير والكبير عَلَى ما عملا من [1] / خير وشر. فدعا بثياب من الشعر فلبسها، وَقَالَ: إني عازم فِي الليل أن أخرج. فلما كان [فِي] [2] نصف الليل، أو قريبا منه خرج، فلما خرج [3] من باب القصر، قَالَ: اللَّهمّ إني أسألك أمرا ليس لي منه قليل ولا كثير، وقد سبقت فيه المقادير. إلهي لوددت أن الماء كان فِي الماء، وأن الطين كان فِي الطين، ولم أنظر بعيني إِلَى الدنيا نظرة واحدة.
قَالَ بكر بْن عَبْد اللَّه: فهذا رجل خرج من ذنب [واحد] [4] لا يعلم ما عَلَيْهِ فيه [5] ، فكيف بمن يذنب وهو يعلم بما عَلَيْهِ، ولا يتحرج ولا يجزع ولا يتوب [6]
. حديث أنطونس السائح:
أخبر عَبْد اللَّه بْن علي المقري، قَالَ: أَخْبَرَنَا طراد بْن مُحَمَّد الزينبي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّدً بْن بشران، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي، قَالَ: [7] ذكروا أن ملكا بعد زمان المسيح عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، فلما حضرته الوفاة بعث إلى ثلاثة نفر من عظماء [أهل] [8] مملكته، فَقَالَ لهم: قد نزل بي ما ترون وأنتم رءوس أهل مملكتكم، ولا أعرف أحدا أولى بتدبير رعيتكم منكم، وقد كتبت عهدا جعلته إِلَى ستة نفر من خياركم ليختاروا رجلا منكم [9] لتدبير مملكتكم، فسلموا ذلك لمن اجتمع عليه ملؤكم، وإياكم والاختلاف فتهلكون أنفسكم ورعيتكم، فقالوا: بل
__________
[1] في الأصل: «ما عمل» ، وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] في الأصل: «فلما أن خرج» وما أوردناه من التوابين.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من التوابين.
[5] في الأصل: «ما من عليه فيه» ، وأوردناه من ت والتوابين.
[6] الخبر أورده ابن الجوزي في الشفا 92، وفي المصباح المضيء 2/ 257.
[7] بياض في ت مكان: «حديث أنطونس السائح» .
[8] ما بين المعقوفتين: من ت.
[9] تكررت «ليختاروا رجلا منكم» في الأصل.

(2/187)


يمن اللَّه علينا بطول مدتك، فَقَالَ: دعوا هَذِهِ المقالة واقبلوا عَلَى ما وصفت لكم، فلم تمض غير ليلة حَتَّى هلك، فدب أولئك الثلاثة إِلَى الستة، فصار كل رجلين من الستة يدعوان إِلَى رَجُل من الثلاثة، فلما رأى ذلك حكماؤهم قالوا: قد افترقت كلمتهم وبحضرتكم من لا يتهم فِي حكمه فمن أشار إليه [منكم] [1] سلمتم هَذَا الأمر له، وكان بحضرتهم رجل سائح يقال له أنطونس فِي غار معروف قد تخلى عَنِ الدنيا، فاجتمعت كلمتهم عَلَى الرضا بمن أشار إليه السائح، فوكلوا بالمملكة رجلا من الستة وانطلق الثلاثة إليه يقصون عليه قصتهم، فقال: ما أرى أني انتفعت باعتزالي عَنِ الناس، ومثلي كمثل رجل كان فِي منزل/ غشيه فيه الذباب، فتحول إِلَى منزل فغشيه فيه الأسد، فقالوا: وما عليك أن تشير إِلَى أفضلنا فِي نفسك؟ قَالَ: ما علمي بأفضلكم وأنتم جميعا تطلبون أمرا واحدا، وأنتم فيه سواء. فطمع بعضهم إن هو أظهر الكراهية للملك أن يشير إليه، فَقَالَ: أما أنا فغير منساح لصاحبي هذين [فِي الملك] [2] ، وإن السلامة لدي لفي اعتزال هَذَا الأمر، قَالَ السائح: ما أظن صاحبيك يكرهان اعتزالك، فأشر إلي بأحدهما وأتركك، قَالَ: بل تختار ما بدا لك، قَالَ: ما أراك إلا قد نزعت عَنْ قولك فصرتم عندي بمنزلة واحد غير أني سأعظكم وأضرب لكم أمثال الدنيا وأمثالكم فيها وأنتم أعلم، فأخبروني هل عرفتم غايتكم من العمر؟ قالوا: لا لعل ذلك يكون طرفة عين، قَالَ: فلم تخاطرون بهذه الغرة؟ قالوا: رجاء طول المدة، قَالَ: كم أتت عليكم سنة؟ قالوا:
أصغرنا ابن خمس وثلاثين، وأكبرنا ابن أربعين، قَالَ: فاجعلوا أطول ما ترجون من العمر مثل سنيكم التي عمرتم [3] ، قالوا: لسنا نطمع فِي أكثر من ذلك، ولا خير فِي العمر بعد ذلك، قَالَ: أفلا تبتغون فيما بقي من أعماركم ما ترجون من ملك لا يبلى، ونعيم لا يتغير، ولذة لا تنقطع، وحياة لا يكدرها الموت، ولا تنغصها الأحزان ولا الهموم ولا الأسقام؟ قالوا: إنا نرجو أن نصيب ذلك بمغفرة من اللَّه ورحمة، قَالَ: قد كان من أصابه العذاب من القرون الأولى يرجون من الله ما ترجون، و [لا] [4] يؤملون ما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: أضيفت لاستقامة المعنى.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في ت: «التي غبرتم» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.

(2/188)


تؤملون، ويصيعون العمل حَتَّى نزل بهم من العقوبة ما بلغكم يوشك من سلك المفازة بغير ماء أن يهلك عطشا، أراكم تتكلون [1] عَلَى الرجاء فِي هلاك أبدانكم، ولا تتكلون عَلَيْهِ فِي صلاح معايشكم، أرأيتك مدائنكم التي بنيتموها واعتقدتم فيها الآيات، لو قيل لكم سينزل عليكم ملك بجيوشه فيعم أهلها بالقتل، وبنيانها بالهدم، هل كنتم تطيبون نفسا بالمقام فيها والبنيان بها؟ قالوا: لا، قال: فو الله إن أمر هَؤُلاءِ الآدميين لصائر إِلَى هَذَا، قالوا: قد أشربت قلوبنا حب الدنيا، قَالَ: / مع الأسفار البعيدة تكون الأرباح الكثيرة، فيا عجبا للجاهل والعالم كيف استويا فِي هلاك أنفسهما، ألا أن الذي يسرق ولا يعرف عقوبة السارق أعذر من العارف بعقوبته، وإني أرى هَذَا العالم يبذلون أنفسهم دون أموالهم، فكأنهم لا يصدقون بما يأتيهم به أنبياؤهم. قالوا: ما سمعنا أحدا من أهل الملك [2] يكذب شيئا مما جاءت به الأنبياء، قَالَ: من ذلك أشتد عجبي من اجتماعهم [3] عَلَى التصديق ومخالفتهم [4] فِي الفعل، قالوا: أَخْبَرَنَا كيف أول معرفتك للأمور؟ قَالَ: من قبل الفكر تفكرت فِي هلاك هَذَا العالم، فإذا ذلك من قبل أربعة أشياء جعلت فيهن اللذات، وهي أربعة أبواب مركبة فِي الجسد، منها ثلاثة فِي الرأس:
العينان والمنخران والحنك، وواحد فِي البطن وهو الفرج، فالتمست خفة المؤنة فِي هَذِهِ الأبواب فوجدت أيسرها مئونة باب المنخرين، ثم التمست الخفة المئونة الحنك، فإذا هو غذاء لا قوام للجسد إلا به، فإذا صارت تلك المئونة فِي الوعاء استقرت، فتناولت ما تيسر من المطعم والمشرب، وصرت بمنزلة رجل كان يتخذ الرماد من الخلنج والصندل فثقلت عَلَيْهِ المئونة، فاتخذ الرماد من الزبل والحطب. ونظرت فِي مئونة الفرج فإذا هو والعينان موصلان بالقلب، فلم أجد شيئا أصلح لهما من العزلة وبغض إِلَى منزلي الذي كان فيه [5] مقامي مع من لا يعقل إلا أمر دنياه، فتخببت هَذَا المنزل فقطعت عني أبواب الخطيئة، وحسمت فِي نفسي لذات أربعا وقطعتهن بخصال أربع.
__________
[1] في الأصل: «تتوكلون» وما أوردناه من ت.
[2] في ت: «أهل الملة» .
[3] في الأصل: «اجتماعكم» وما أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «مخالفتكم» وما أوردناه من ت.
[5] في الأصل: «الّذي كنت فيه» ، وما أوردناه من ت.

(2/189)


قالوا: ما اللذات؟ قَالَ: المال، والبنون، والأزواج، والسلطان [1] ، فقطعتهن بالهموم والأحزان والخوف وذكر الموت. وقطعت ذلك أجمع بالعزلة، وأي خير في لذة والموت يعقبها، كونوا كرجل خرج مسافرا فغشي مدينته العدو فأصابوا أهلها، فحمد الله على ما صرف/ عنه [2] ، [ولقد عجبت كيف ينتفعون بلذتها مع همومها وأحزانها وما تجرعهم] [3] من مرارتها بعد حلاوتها، واشتد عجبي من أهل العقول، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب الحية، قالوا: أَخْبَرَنَا كيف كان أمر صاحب الحية؟
قَالَ: زعموا أن رجلا كان فِي داره حية قد عرفوه مكانها، وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب، فخرجت يوما فنهشت عنزا لهم حلوبا فهلكت، فجزع الرجل وأهله، وَقَالُوا: الذي نصيب من الحية أفضل من ثمن العنز، فلما كان رأس الحول غدت عَلَى خمار فنهشته فقتلته، فجزع الرجل وَقَالَ: سنصبر عَلَى هَذِهِ الآفات ما لم تعد البهائم. ثم مر عامان لا تؤذيهم وهم مسرورون بجوارها إذ عدت عَلَى عَبْد الرجل فنهشته فهلك، فجزع وَقَالَ: ما آمن أن يلسع بعض أهلي فمكث حزينا خائفا وَقَالَ: أرى سم هَذِهِ الحية فِي مالي وأنا أصيب منها أفضل مما رأيت. فلم يلبث إلا يسيرا حَتَّى نهشت ابن الرجل، فارتاع ودعا بالدرياق وغيره فلم يغن عَنْهُ، وهلك الغلام، فاشتد جزع والديه ونسيا كل لذة أصاباها وَقَالَا: لا خير لنا فِي جوار هَذِهِ الحية، والرأي قتلها.
فلما سمعت الحية ذلك تغيبت عنهم أياما لا يرونها ولا يصيبون من بيضها، فلما طال ذلك عليهما تاقت أنفسهما إِلَى ما كانا يصيبان منها، فأقبلا عَلَى حجرها وجعلا يقولان:
ارجعي ولا تضرينا ولا نضرك، فرجعت فمكثت عامين لا ينكرون منها شيئا، ثم دنت إِلَى امرأة الرجل فنهشتها، فصاحت، فثار زوجها يعالجها بالدرياق فلم يغن عنها، وهلكت المرأة، فبقي الرجل كئيبا، وأظهر أمر الحية لإخوانه وأهل وده، فأشاروا عَلَيْهِ بقتلها، وَقَالُوا: لقد فرطت فِي أمرها حين تبين لك غدرها، ولقد كنت مخاطرا بنفسك، فعزم عَلَى قتلها. فبينا هو يراصدها [اطلع فِي] [4] حجرها، فرأى فيه درة/ صافية وزنها
__________
[1] «بخصال أربع ... والسلطان» : سقطت من ت.
[2] في الأصل: «عنهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(2/190)


مثقال، فلزمه الطمع وَقَالَ: لقد [1] غير الدهر طبع هَذِهِ الحية ولا أحسب سمها إلا قد تغير، فجعل يتعاهد حجرها بالكنس والبخور ورش الماء، وعمد إِلَى ما كان عنده من الذهب فعمل منه حقا فجعل فيه ذلك الدرر وجعل الحق تحت رأسه، فبينما هو ذات ليلة نائم ذهبت إليه فنهشته، فجعل يستغيث بصوت عال، فأقبل عَلَيْهِ أهله وجيرانه يلومونه، فأخرج إليهم الحق وأراهم ما فيه، فقالوا: ما أقل غنا هَذَا عنك اليوم، فهلك، فقالوا: أبعده اللَّه، هو قتل نفسه.
قَالَ: ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربنا له هَذِهِ الأمثال ولا ينتفعون بالمعرفة [2] ، ويل لهم لو قد أصابهم ما أصاب صاحب الكرم، قالوا: وكيف كان ذلك؟
قَالَ: زعموا أنه كان رجل له كرم واسع كثير العنب، متصل الشجر، فاستأجر لكشح الكرم وقطفه ثلاثة، ووكل كل رجل بناحية، وَقَالَ: كلوا من العنب ما شئتم وكفوا عَنْ هَذِهِ الثمار. فأخذ أحدهم عَلَى حفظ ما أمر به وقبع يأكل العنب وحده، وفعل الآخر مثل ذلك حينا ثم تاقت نفسه إِلَى الثمار فتناولها، وأقبل الثالث عَلَى أكل الثمار وترك العمل ففسدت ناحيته، فقدم صاحب الكرم، فحمد الأول وأعطاه فوق أجره، وعاقب الثاني بقدر ذنبه، وبالغ فِي عقوبة الثالث. فهكذا أعمالكم فِي الآخرة يوم تجزى كل نفس ما عملت.
قَالَ: ولقد عجبت لأهل الأمل وطمعهم فِي طول العمر، ووجدت أعدى الناس الأولاد، استكثر الآباء لهم وأتعبوا أنفسهم فِي إصلاح معايشهم بهلاك أنفسهم كصاحب السفينة، قالوا: كيف كَانَ ذلك؟
قَالَ: زعموا أنه كان رجل نجار يعمل بيده فيصيب كل يوم درهما، ينفق نصفه عَلَى أب له شيخ كبير وامرأة له وابن وبنت، ويدخر لنفسه نصفه، فعمل زمانا وعاش بخير، فنظر يوما فإذا هو قد استفضل/ مائة دينار، فَقَالَ: لو عملت سفينة واشتغلت بتجارة البحر رجوت أن أتمول، فَقَالَ له أبوه: لا تفعل، فإن رجلا من المنجمين أخبرني
__________
[1] تكررت لفظة: «لقد» .
[2] في الأصل: «بها» وما أوردناه من ت.

(2/191)


أيام ولدت أنك تموت غريقا، قَالَ: فما أخبرك أني أصيب مالا؟ قَالَ: بلى لذلك نهيتك عَنِ التجارة والتمست لك عملا تعيش فيه يوما بيوم، قَالَ: أتجر، وإن عشت عشت بخير، وإن مت تركت أولادي بخير، قَالَ: يا ولدي لا يكونن ولدك آثر عندك من نفسك.
فعمل سفينة وركب فيها بتجارة فغاب سنة، ثم قدم بمائة قنطار ذهبا، فحمد اللَّه والده وَقَالَ: يا بني، إني كنت نذرت للَّه تعالى إن ردك سالما أن أحرق السفينة، قَالَ: لقد أردت هلاكي، قَالَ: إنما أردت حياتك، فاقبل عَلَى الشكر فقد أصبت غنى الدهر، فلم يقبل، وخرج فغاب سنة وبعض أخرى، فقدم بأضعاف ما قدم به أو لمرة، فَقَالَ لأبيه: لو كنت أطعتك لم أصب هَذَا المال، قَالَ: يا بني إنما أراك تعمل لغيرك وسيجرعك ما ترى غصه فتتمنى لو كان بينك وبين هَذِهِ البلدة جبال المشرق، قَالَ: يا أبت أرجو أن يكون المنجم أصاب فِي الغنى وأخطأ فِي الغرق. ثم صنع سفينة أخرى، فبكى أبوه، فرق لذلك وَقَالَ: يا أبت، والله لئن ردني اللَّه سالما لا ركبت بحرا ما عشت، قَالَ: يا بني، اليوم أيقنت تفقدك. فمضى، فلما توسط البحر أصابه موج فضربت إحدى سفينته الأخرى فانصدعتا فغرقتا، فجعل يتأسف عَلَى عصيان أبيه وهلك ومن معه، فبلغ الخبر أباه فكمد حَتَّى هلك، وقسم الميراث عَلَى امرأة التاجر وابنه وابنته، فتزوجوا وصار ذلك المال إِلَى أزواجهن، فكل ما يجمع الأشقياء إِلَى ذلك يصير.
ولقد عجبت للمؤثر عَلَى نفسه المؤثر غيره، ويحك ما تبلغ بالكفاف لا تؤثر غيرك فتلقى ما لقي صاحب الحوت، قالوا: ما لقي؟ قَالَ: زعموا أن صياد سمك أصاب/ فِي صيده حوتا عظيما، فَقَالَ: ما أحد أحق بأكله مني، ثم بدا له فأهداه إِلَى جاره، فأهداه الجار إِلَى مقعد مسكين، فجعل الصياد يندم ويقول: حرمته نفسي وصار إِلَى أعدى الناس لي.
ولقد عجبت لهذا الشغل الذي غر العقلاء والجهال حَتَّى هلكوا جميعا بالرجاء والطمع كَمَا هلك اليهودي والنصراني، قالوا: وكيف كان ذلك؟ قَالَ: اصطحب يهودي ونصراني إِلَى أرض فصارا فِي عمران ومياه إِلَى أن انتهيا إِلَى بئر وراءها مفازة مسيرتها أربعة أيام، ومع كل واحد منهما قربته، فملأ اليهودي قربته وأراد النصراني أن يملأ قربته، فَقَالَ له اليهودي: تكفينا قربتنا هَذِهِ ولا ننقل دوابنا، فَقَالَ النصراني: أنا أعلم بالطريق، فَقَالَ اليهودي: تريد إلا أن تشرب الماء كلما عطشت؟ قَالَ: نعم، فترك

(2/192)


النصراني قربته فارغة، فلما توسط المفازة أصاب القربه سهم فنفد ما فيها، فقعدا يتلاومان، فمر بهما رجل معه ماء، فقالا: احتسب علينا شربة من ماء، فَقَالَ: هَذَا طريق ليس فِيهِ حسبه، قالا له: فما دينك؟ قَالَ: فما دينكما أنتما؟ قالا: فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني فَقَالَ: اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما فِي كتابه واتكل عَلَى الطمع لقي ما لقيتما، فقالا: هَذَا رجل حازم، قَالَ: ما يغني عنكما حزمي. فينبغي للعاقل أن يأخذ بالحزم فِي أمر آخرته كما يأخذ بالحزم فِي أمر دنياه ولا يتكل عَلَى الطمع.
ولقد عجبت لأهل الأعمال السيئة، يستترون من الخلق دون الخالق، كيف أمنوا أن يصيبهم ما أصاب صاحب الدير؟ قالوا: كيف كان ذلك؟ قَالَ: زعموا أن رجلا كان يبيع العسل والزيت والسمن، يشتريه نقيا ويبيعه مغشوشا، وكان ذا لحية عظيمة، وكان أكثر من يراه يقول: لو كنت أسقفا فما صلحت لحيتك إلا للأساقفة، فأقبل عَلَى تعلم الإنجيل والمزامير/ وترهب طلبا للدنيا [1] ، فولوه أمرهم فنقص أرزاقهم، وغير مراتبهم، وتفرغ للذته، فانتدب له سياط، فجعل يلوم الرهبان ويقول: هَذَا ما عمل بكم حسن نظركم فِي طول اللحى، ثم آل أمره إِلَى أن أحرق.
ولقد عجبت لأهل المصائب كيف [لا] [2] يستعينون بالصبر، وإنه سيأتي عَلَى صاحب المصيبة يوم يتمنى فيه مثل ما يتمنى الأعمى فِي مصيبته.
قالوا: وما تمنى الأعمى؟ قَالَ: زعموا أن تاجرا دفن مائة دينار فِي موضع فبصر بها جار لَهُ فأخرجها وأخذها، فلما فقدها التاجر جزع، ثم طال به العمر فعمي واحتاج، فلما حضرت جاره الوفاة أوصى برد المال إِلَى الأعمى، فسر سرورا شديدا إذ رد إليه المال أحوج ما كَانَ إليها، فَقَالَ: ليت كل ما لي قبض يومئذ. وكذلك من له عمل صالح.
ولقد عجبت من فقد عقولهم، كيف لا يعملون بما يعلمون، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب السيل، قالوا: وكيف كان ذلك.
__________
[1] في الأصل: «وترهبن طلبا للدنيا» . وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.

(2/193)


قَالَ: زعموا أن رجلا نزل بطن مسيل، فقيل له: تحول فهذا منزل [1] خطر، قَالَ:
قد علمت، ولكن يعجبني نزهته، فقيل: إنما تطلب الرفق [2] لصلاح نفسك فلم تخاطر بها، فغشيه السيل فذهب به، فقالوا: أبعده اللَّه.
قَالَ أنطونس: فلو أخذنا بالحزم كنا كأصحاب أصقولية [3] ، قيل: كيف كان ذلك؟ قَالَ: بعث ملك أصقولية بعثا إِلَى أقزولية [4] ، وكان المسير إليها فِي البحر ستين ليلة، ولا زاد معهم إلا ما حملوه معهم، وكان مع أصحاب أصقولية كاهنان، فَقَالَ أحدهما: أما إن هذا الجيش لأصقولية سيقيمون عَلَى أقزولية سبعة أيام يرمونها بالمجانيق، وتفتح فِي اليوم الثامن، فَقَالَ الآخر: تقيمون سبعة وتنصرفون، فعمل بعضهم عَلَى قول من قَالَ بفتحها فقالوا: لا نعني أنفسنا بحمل الزاد، وَقَالَ الآخرون: لا نخاطر، فحملوا للبدأة والرجعة. فلما نزلوها لم تفتح، فرجعوا فهلك من فرط فِي حمل الزاد.
فَقَالَ النفر لأنطونس: ما أحسن كلامك وأبلغ موعظتك، فَقَالَ: أما إن حلاوة موعظتي لا تتجاوز [5] آذانكم/ إن لم تعلموا أن جميع كتب الأنبياء، إنما تجزون ما كنتم تعملون، وانظروا فِي أعمالكم وانصرفوا عني، فاقترعوا بينهم وملكوا أحدهم.
__________
[1] في الأصل: «فهذا البرك» وما أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «تطلب الذنب لصلاح» وما أوردناه من ت.
[3] كذا جاء ذكر هذا الموضع، وقد جاء بالسين، ولم أقف عليه في معجم البلدان، ولا الروض المعطار.
[4] كذا جاء ذكر هذا الموضع، ولم أقف عليه.
[5] في الأصل: «أما الآن فحلاوة موعظتي لا تتجاوز» . وما أوردناه من أ.

(2/194)