المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

باب ذكر الحوادث الكائنة فِي زمان نبينا
ذكر ما جرى في السنة الأولى من زمان النبوة:
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : لما تمت له صلى الله عليه وسلم أربعون سنة، ودخل فِي سنة إحدى وأربعين يوم واحد أوحى الله عز وجل إليه وذلك فِي سنة عشرين [2] من ملك [كسرى] [3] أبرويز، وكان قد حبب إليه الخلوة، وكان ينفرد فِي جبل حراء يتعَبْد [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، وَأَخْبَرَنَا مَعْنُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ جَمِيعًا، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ [5] :
بُعِثَ رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي رَأْسِ أَرْبَعِينَ [6] سَنَةً [7] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ قال: أخبرنا محمد بن أحمد البراء [8] قال:
__________
[1] بياض في ت مكان: «باب ذكر الحوادث ... قال المؤلف الكتاب» .
[2] في الأصل: «سنة عشر» خطأ.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «للتعبد» .
[5] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناد له عن أنس بن مالك قال» .
[6] في ت: «على رأس الأربعين» .
و «سنة» سقط من ت.
[7] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 190.
[8] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عن محمد بن يحمد بن البراء» .

(2/347)


بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رسول اللَّه [1] صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وله يومئذ أربعون سنة ويوم، فأتاه جبريل عَلَيْهِ السلام ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بحراء، وهو أول موضع نزل فيه القرآن به نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 96: 1- 5 [2] فقط.
ثم فحص بعقبه الأرض، فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلاة. ركعتين.
وَرَوَى أَبُو قتادة، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: أنه سئل عَنْ صوم يوم الاثنين، فَقَالَ: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه» [3] . قَالَ مؤلف الكتاب [4] : واختلفوا أي الاثنين كان عَلَى أربعة أقوال [5] :
أحدها: لسبع عشرة [خلت] [6] من رمضان، وقد ذكرناه عَنِ ابْنِ البراء.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي طاهر قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحارث قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا الواقدي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عَبْد الله بن أبي فروة [7] ، عَنْ أبي جعفر [8] قَالَ:
نزل [9] الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان [10] .
__________
[1] في ت: «بعث الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم» .
[2] سورة: العلق الآيات: 1- 5.
[3] أخرجه مسلم في صحيحه 2/ 819، والإمام أحمد في المسند 5/ 297، 299. والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 293.
[4] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[5] في ت: «أقاويل» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «بن أبي طلحة» والتصحيح من ابن سعد.
[8] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا أبو بكر بن طاهر بإسناد له عن ابن سعد بإسناد له عن أبي فروة عن أبي جعفر» .
[9] في الأصل: «لما نزل» وما أثبتناه موافق لما في ت وابن سعد.
[10] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 194.

(2/348)


والقول الثاني: أن القرآن نزل لأربع وعشرين ليلة [1] خلت من رمضان. رواه قتادة عَنْ أبي الجلد.
والثالث: لثمان عشرة خلت [2] من رمضان. رواه أيوب، عَنْ أبي قلابة عَبْد اللَّه بْن زيد الجرمي.
[والقول] [3] الرابع: أنه كان فِي رجب.
أَخْبَرَنَا سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَنُوسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ الرَّزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصِ بْنِ شاهين قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الْبَزَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّقِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ضَمْرَةُ بْنُ أَبِي شَوْذَبٍ، عَنْ مطر الوراق عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ [4] :
مَنْ صَامَ يَوْمَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ كُتِبَ لَهُ صِيَامُ سِتِّينَ شَهْرًا، وَهُوَ اليوم الّذي نزل فيه جبريل عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ أَوَّلُ يَوْمٍ هَبَطَ فِيهِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أخبرنا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلُ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، وَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ:
مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثم أرسلني فقال: [اقرأ،
__________
[1] في ت: «لأربع عشرة ليلة» .
[2] «خلت» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا سعد الخير بإسناد له عن أبي هريرة» .

(2/349)


فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ:] [1] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ 96: 1- 2 حتى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ 96: 5 [2] فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عنه الروع، فقال: «يا خديجة ما لي» وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرُ [، قَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي] [3] فقالت له: كلّا أبشر، فو الله لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نوائب الحق، ثم انطلقت [به] [4] خديجة حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَهُوَ ابن عم خديجة، وكان امرأ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فقال ورقة: يا بن أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ:
هَذَا النَّامُوسُ [الأَكْبَرُ] [5] الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُوسَى، يَا ليتني فيها جذعا أَكُونَ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أو مخرجيّ هُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ [قَطُّ] [6] بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ، فَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكُ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ.
وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كي يتردّى من رءوس [شَوَاهِقِ] [7] الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ كَيْ [8] يُلْقِي نَفْسَهُ مِنْهُ [9] تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا. فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُه وَتَقِرُّ 0 نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ تَبَدَّى لَهُ جبريل فقال مثل ذلك [10] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] سورة: العلق، الآيات: 1- 5.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] «كي» سقطت من ت.
[9] «منه» سقطت من ت.
[10] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير 9/ 37، وفي كتاب الوحي 1/ 3. ومسلم في

(2/350)


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ قال: حدّثنا البخاري قاله: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [1] قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ [جَالِسٌ] [2] عَلَى كُرْسِيٍّ بين السماء والأرض فجثيت مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي [زَمِّلُونِي] [3] فَدَثَّرُونِي فأنزل الله عز وجل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 74: 1 [4] . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [5] : هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالَّذِي قَبْلَهُ.
وَقَدْ رُوى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ [6] أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ خَدِيجَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا يُثْبِتُهُ فِيمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ من نبوته- يا بن عَمِّ، أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ إِذَا جَاءَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَكَ فَأَخْبِرْنِي بِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا خديجة، هذا جبريل. قالت: فقم فاجلس
__________
[ () ] صحيحه 1/ 139. والإمام أحمد في المسند 6/ 232- 233. والبيهقي في الدلائل 2/ 135- 137.
وابن حبان في صحيحه حديث 34 من كتاب الوحي وابن الجوزي في ألوفا برقم 196.
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «وروي عن جابر بن عبد الله قال» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] سورة: المدثر، الآية: 1.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير باب: وثيابك فطهر (8/ 678) وفي باب:
والرجز فاهجر.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان حديث 253، 255.
وكذلك أخرجه الترمذي في سننه في تفسير سورة المدثر. والبيهقي في الدلائل 2/ 138.
والإمام أحمد في المسند 3/ 325.
[5] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[6] في الأصل: «مولى البراء» .

(2/351)


عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى فَقَامَ فَجَلَسَ فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ [1] قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى فَخِذِي اليمنى [2] فتحول فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ نَعَمْ. [قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي. فَجَلَسَ فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ،] [3] فَأَلْقَتْ خِمَارَهَا وَقَالَت: هَلْ تَرَاهُ؟
قَالَ: لا. قَالَتْ: يَا بْنَ عَمِّ اثْبُتْ وأبشر، فو الله إِنَّهُ لَمَلِكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ [4] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْحُجُونِ وَهُوَ مُكْتَئِبٌ حَزِينٌ، فَقَالَ: «اللَّهمّ أَرِنِي [الْيَوْمَ] [5] آيَةً لا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي» فَإِذَا شَجَرَةٌ مِنْ قِبَلِ عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ فَنَادَاهَا فَجَاءَتْ تَشُقُّ الأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ. فَقَالَ:
«مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي» [6] .
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ السَّمَّاكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ يُوسُفَ الْعَلافُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو رَبِيعَةَ وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بن رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ [7] عَنْهُ قَالَ:
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالْحُجُونِ فَقَالَ: اللَّهمّ أَرِنِي آيَةً لا أُبَالِي من كذّبني بعدها من
__________
[1] من أول: «فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه ... » حتى «قال: نعم» سقط من ت.
[2] في ت: «الأيمن» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 151- 152. وابن الجوزي في ألوفا برقم 199.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 170.
[7] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «وعن ابن عمر رضي الله عنهما» .

(2/352)


قُرَيْشٍ» فَقِيلَ لَهُ: ادْعُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ تَجُرُّ عُرُوقَهَا [1] تُقَطِّعُهَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَجُزُّ الأَرْضَ [حَتَّى] [2] وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا تَشَاءُ؟ مَا تُرِيدُ؟
قَالَ: «ارْجِعِي إِلَى مَكَانَكِ» فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي مِنْ قُرَيْشٍ»
. فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : وقد اختلف الناس [4] فيمن كان قرين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الملائكة مدة نبوته.
فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا يعلى بْن أسيد قَالَ: حَدَّثَنَا وهيب بْن خالد، عَنْ داود بْن أبي هند، عن عامر [5] :
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أنزلت عَلَيْهِ النبوة وهو ابن أربعين سنة فكان معه إسرافيل ثلاث سنين [6] . ثم عزل عَنْ إسرافيل وقرن به جبريل عَلَيْهِ السلام عشر سنين بمكة، وعشر سنين مهاجره [7] بالمدينة.
قَالَ ابن سعد: فذكرت هَذَا الحديث لمُحَمَّد بْن عمر فَقَالَ: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فإن علماءهم وأهل الستر [منهم] [8] يقولون: لم
__________
[1] في ت: «فأقبلت على عروقها» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] بياض في ت مكان: «فصل. قال مؤلف الكتاب» .
[4] «الناس» سقطت من ت.
[5] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناد له عن عامر» .
[6] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 191.
[7] «مهاجره» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(2/353)


يقرن به غير جبريل من حين أنزل [1] عليه بالوحي إلى أن قبض صلى الله عليه وسلم [2]
. فصل
فأما صفة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم [3] فَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُظَفَّرُ قَالَ: أخبرنا ابن أعين قال: أخبرنا الفريري قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ [4] : أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَحْيَانًا يَأْتِينِي فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا [5] .
قَالَ مُؤَلِّفُهُ [6] : أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وفيهما: من حديث يعلى بْن أمية: أنه كان يقول لعمر رضي اللَّه عنه: «ليتني أرى رَسُول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم حين ينزل عَلَيْهِ الوحي، فلما كان النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بالجعرانة جاءه رجل فسأله عَنْ شَيْء فجاءه الوحي، فأشار عمر إِلَى يعلى أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه، فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه [7] .
[وَقَدْ] أَخْبَرَنَا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر
__________
[1] في ت: «غير جبريل نزل عليه بالوحي» .
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 191.
[3] في ت: «فأما نزول الوحي» وبياض مكان «فصل» .
[4] وفي ت: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناد له عن عامر» .
[5] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي باب 2، وبدء الخلق باب 6. ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل حديث 87. وابن سعد في الطبقات 1/ 198.
[6] «قال مؤلفه» سقطت من ت.
[7] أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 7. ومسلم في صحيحه، كتاب الحج 6، 10، والبيهقي في الدلائل 5/ 204، 205. وابن الجوزي في ألوفا برقم 210،

(2/354)


قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَهْرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ بِمَكَّةَ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ بن مظعون فتكشر إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له رسول الله: «أَلا تَجْلِسُ» قَالَ: بَلَى قَالَ [1] : فَجَلَسَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلُهُ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ شَخَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَنَظَرَ سَاعَةً إِلَى السَّمَاءِ، فَأَخَذَ يَضَعُ بَصَرَهُ حَتَّى وَضَعَهُ عَلَى يَمِينِهِ فِي الأَرْضِ فَتَحَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَلِيسِهِ عُثْمَانَ إِلَى حَيْثُ وَضَعَ بَصَرَهُ، وَأَخَذَ يَنْفِضُ رَأْسَهُ كَأَنَّهُ يَسْتَفْقِهُ، مَا يَقُولُ [2] لَهُ وَابْنُ مَظْعُونٍ [يَنْظُرُ] [3] فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ وَاسْتَفْقَهَ مَا يُقَالُ لَهُ شَخَصَ بَصَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا شَخَصَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ حَتَّى تَوَارَى فِي السَّمَاءِ، فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ بِجَلْسَتِهِ الأُولَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَا كُنْتُ أُجَالِسُكَ وَآتِيكَ؟ وَمَا رَأَيْتُكَ تفعل كفعلك الغداة! قاله: «وَمَا رَأَيْتَنِي فَعَلْتُ؟» قَالَ: رَأَيْتُكَ تَشْخَصُ بِبَصَرِكَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعْتَهُ حَيْثُ وَضَعْتَهُ عَلَى يَمِينِكَ فَتَحَرَّفْتَ إِلَيْهِ وَتَرَكْتَنِي، فَأَخَذْتَ تَنْفِضُ رَأْسَكَ [4] كَأَنَّكَ تَسْتَفْقِهُ شَيْئًا يُقَالُ لَكَ. قَالَ: «وَفَطِنْتَ لِذَلِكَ؟» قَالَ عُثْمَانُ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ [5] آنِفًا وَأَنْتَ جَالِسٌ» قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَمَا قَالَ [6] لَكَ؟ قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 16: 90 [7] .
قَالَ عُثْمَانُ [8] : فَذَلِكَ حِينَ اسْتَقَرَّ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي وَأَحْبَبْتُ [مُحَمَّدًا] [9] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [10] .
__________
[1] «قَالَ» سقطت من ت.
[2] في الأصل: «ما يقول» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنفض رأسك» سقط من ت.
[5] في ت: «أتاني جبريل» .
[6] في الأصل: «مما تقول» .
[7] سورة: النحل، الآية: 90.
[8] «قال عثمان» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 5. وابن الجوزي في ألوفا برقم 216.

(2/355)


أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال أخبرنا بِإِسْنَادِهِ [1] .
وَقَالَ أَبُو أَرْوَى الدَّوْسِيُّ: رَأَيْتُ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنه على راحلته فترغو وتفتل يَدَيَهَا حَتَّى أَظُنُّ أَنْ ذِرَاعَهَا يَنْفَصِمُ، فَرُبَّمَا بَرَكَتْ وَرُبَّمَا قَامَتْ مُؤْتَدَّةً يَدَيْهَا، حَتَّى يُسَرَّى [مِنَ ثِقَلِ الْوَحْيِ،] [2] وَإِنَّهُ لَيَنْحَدِرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ. رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ [3] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ:
كَانَ إِذَا أُوحِيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَذَ لِذَلِكَ سَاعَةً كَهَيْئَةِ السَّكْرَانِ [4]
. فصل وكان من الحوادث في مبعثه صلى الله عليه وسلم [5] : رمي الشياطين بالشهب بعد عشرين يوما من المبعث:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا [6] مَا هَذَا الأمر الّذي حدث فانطلقوا فضربوا [7] مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرَ
__________
[1] حذف هذا السند من ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ت: «قال ابن سعد» .
والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 197. وابن الجوزي في ألوفا 219.
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 197.
[5] بياض في ت مكان: «فصل. وكان من الحوادث في مبعثه صلى الله عليه وسلم» .
[6] في ت: «ينظرون» .
[7] في ت: «فضرب» .

(2/356)


الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِنَخْلَةٍ] [1] وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ [الْفَجْرِ] [2] فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ. قَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ [3] وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: [يَا قَوْمَنَا] [4] إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً 72: 1- 2 [5] وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ 72: 1 [6] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ] [7] مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال:
لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم زُجِرَ الْجِنُّ وَرُمُوا بِالْكَوَاكِبِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يستمعون، لكل قبيل من الجن مقعد يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، فَأَوَّلُ مَنْ فَزِعَ لِذَلِكَ أَهْلُ الطَّائِفِ، فَجَعَلُوا يَذْبَحُونَ لآلِهَتِهِمْ، مَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ وَغَنَمٌ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى كَادَتْ أَمْوَالُهُمْ تَذْهَبُ، ثُمَّ تَنَاهَوْا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلا تَرَوْنَ مَعَالِمَ السَّمَاءِ كَمَا هِيَ، لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ؟ وَقَالَ: إِبْلِيسُ:
هَذَا أَمْرٌ قَدْ حَدَثَ فِي الأَرْضِ ائْتُونِي مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بتربة. فكان يؤتى بالتربة فيشمها وَيُلْقِيهَا حَتَّى أُتِيَ بِتُرْبَةِ تِهَامَةَ فَشَمَّهَا وَقَالَ: هاهنا الْحَدَثُ [8] .
قَالَ مُحَمَّد بْن سعد: وَأَخْبَرَنَا علي بْن مُحَمَّد، عَنْ يحيى بْن معين، عَنْ يعقوب بْن عتبة بْن المغيرة بْن الأخنس قَالَ:
إن أول العرب فزع لرمي النجوم ثقيف، فأتوا عمرو
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بيننا» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] سورة: الجن، الآية: 1، 2.
[6] سورة: الجن، الآية: 1.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 669 (فتح) ومسلم في صحيحه 1/ 331. والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 238. 239. وابن الجوزي في ألوفا برقم 226.
[7] في الأصل: «روي عن محمد بن سعد عن ابن عباس» .
[8] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 167. والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 240، 241. وابن الجوزي في ألوفا برقم 227.

(2/357)


ابن أمية قالوا، ألم تر ما حدث؟ قَالَ: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أنواء الصيف والشتاء انتثرت، فهو طي الدنيا، وذهاب هَذَا الخلق الذي فيها، وإن كانت نجوما غيرها فأمر أراد اللَّه بهذا الخلق، ونبي يبعث فِي العرب، فقد تحدث بذلك [1] .
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد الهذلي، عن سعيد بن عمرو الهذلي [2] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حَضَرْتُ مَعَ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِي صَنَمَ سُوَاعَ وَقَدْ سُقْنَا إِلَيْهِ الذَّبَائِحَ، فَكُنْتُ أَوَّلُ مَنْ قَرَّبَ لَهُ بَقَرَةً سَمِينَةً فَذَبَحْتُهَا عَلَى الصَّنَمِ، فَسَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ جَوْفِهَا: العجب كل العجب خروج نبي بَيْنِ الأَخَاشِبِ يُحَرِّمُ الزِّنَا وَيُحَرِّمُ الذَّبَائِحَ لِلأَصْنَامِ، وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَرُمِينَا بِالشُّهُبِ. فَتَفَرَّقْنَا وَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَسَأَلْنَا، فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرَنَا بِخُرُوجِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى لَقِينَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] فَقُلْنَا: يَا أَبَا بَكْرٍ، اخْرُجْ أَحَدٌ بِمَكَّةَ يَدْعُو إِلَى اللَّهَ تَعَالَى يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ: نعم هذا رسول الله، ثُمَّ دَعَانَا إِلَى الإِسْلامِ فَقُلْنَا: حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ وَيَا لَيْتَ أَنَّا أَسْلَمْنَا يَوْمَئِذٍ، فَأَسْلَمْنَا بَعْدَهُ [3]
. فصل [4]
واختلف العلماء فِي أول من أسلم، فالمشهور: أنه أَبُو بكر، وقيل: علي، وقيل:
خديجة. وقيل: زيد، رضي اللَّه عنهم.
وقيل: أول من أسلم من الرجال: أَبُو بكر، ومن الصبيان: علي، ومن النساء:
خديجة، ومن الموالي: زيد، ثم أسلم بلال، والزبير، وعثمان، وابن عروة، وسعد، وطلحة.
__________
[1] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 163.
[2] سقط من ت: «عن سعيد بن عمرو الهذلي» .
[3] في الأصل، ت: «فأسلمنا بعد» وما أثبتناه من ابن سعد والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 167، 168.
[4] بياض في ت مكان «فصل» .

(2/358)


[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ بِإِسْنَادٍ لَهُ،] عَنْ حَيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ [1] : رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ ضَحِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمْ أَرَهُ ضَحِكَ ضَحِكًا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ:
ذكرت قول أبي طالب ظهر علينا أَبُو طَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةٍ، فقال: ماذا تصنعان يا بن أَخِي؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ: مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ مِنْ بَاسٍ- أَوْ مَا بِالَّذِي تَقُولانِ بَأْسٌ- وَلَكِنِّي لا وَاللَّهِ لا تَعْلُونِي اسْتِي أَبَدًا، وَضَحِكَ تَعَجُّبًا بِقَوْلِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لا أَعْرَفُ أَنَّ عَبْدًا لَكَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ عَبَدَكَ قَبْلِي غَيْرَ نَبِيِّكَ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ-[2] لَقَدْ صَلَّيْتُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ سَبْعًا. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاق، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أبيه، عن جده قال:
كنت امرأ تَاجِرًا فَقَدِمْتُ الْحَجَّ، فَأَتْيْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَبْتَاعَ مِنْهُ بَعْضَ التِّجَارَةِ، وَكَانَ امْرَأً تاجرا، قال: فو الله إِنِّي لَعِنْدَهُ بِمِنًى إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ، فَنَظَر إِلَى الشَّمْسِ، فَلَمَّا رَآَهَا قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّي.
ثُمَّ خَرَجَ غُلامٌ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ فَقَامَ بَعْدُ يُصَلِّي، قَالَ: فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي قَالَ: قُلْتُ: من هذه المرأة [3] ؟ قال: هذه امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ،. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الْفَتَى [4] ، قَالَ: هَذَا عَلِّيُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ. قُلْتُ: فَمَا الَّذِي يَصْنَعُ؟ قَالَ، يُصَلِّي، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَمْ يَتَّبِعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ كُنُوزُ كِسْرَى أَوْ قَيْصَرَ. قَالَ: فَكَانَ عَفِيفٌ وَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لِلأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ: وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ [لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الإِسْلامَ] [5] يَوْمَئِذٍ فَأَكُونَ ثَانِيًا مَعَ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
__________
[1] فِي الأصل: «قال حية العوفيّ» .
[2] «مرات» سقطت من ت.
[3] «المرأة» سقطت من ت.
[4] في ت: «الصبي» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(2/359)


فصل [1] وكان من الحوادث عند مبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: تغير أحوال كسرى المسمى: أبرويز [2] :
وكانت دجلة تجري قديما فِي أرض كوجى فِي مسالك محفوظة إِلَى أن تصب فِي بحر فارس، ثم غورت وجرت صوب واسط فأنفق الأكاسرة عَلَى سدها وإعادتها إِلَى مجراها القديم، فغرم عَلَى ذلك أموالا كثيرة، ولم يثبت السد.
فلما ولي قباذ بْن فيروز انبثق فِي أسافل كسكر بثق عظيم، وغلب الماء فأغرق عمارات كثيرة، فلما ولي أنوشروان بنى مسنيات [3] ، فعاد بعض تلك العمارة، وبقيت عَلَى ذلك إِلَى ملك أبرويز بْن هرمز بن أنوشروان، وكان من أشد القوم بطشا، وتهيأ له ما لم يتهيأ لغيره، فسكر دجلة العوراء، وأنفق عليها ما لا يحصى، وبنى طاق مجلسه، وكان يعلق فيه تاجه ويجلس والتاج فوق رأسه معلق من غير أن يكون له عَلَى رأسه ثقل [4] .
قَالَ وهب بْن منبه: وكان عنده ثلاثمائة وستون رجلا من الحزاة- وهم العلماء- من بين كاهن وساحر ومنجم، وكان فيهم رجل من العرب يقال له: السائب يعتاف اعتياف العرب قلما يخطئ، بعث به إليه باذان من اليمن فكان كسرى إذا حزبه أمر جمع كهانه وسحرته ومنجميه فَقَالَ: انظروا فِي هَذَا الأمر ما هو. فلما أن بعث اللَّه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أصبح كسرى ذات غداة قد انفصمت طاق من وسطها وانخرقت عَلَى دجلة العوراء «شاه بشكست» يقول: الملك انكسر. ثم دعا كهانه وسحرته ومنجميه ودعا السائب معهم، فأخبرهم بذلك، وَقَالَ: انظروا فِي هَذَا الأمر فنظروا، فأظلمت عليهم الأرض فتسكعوا فِي عملهم، فلم يمض لساحر سحره، ولا لكاهن كهانته، ولا لمنجم علم نجومه.
__________
[1] بياض في ت مكان «فصل» .
[2] هذا في الكامل 1/ 371 وما بعد (ما رأى كسرى من الآيات) .
[3] المسنيات: جمع مسناة وهو السد. وفي الأصل: «منسبيات» .
[4] ألوفا الباب الثاني عشر من أبواب ذكر نبوته صلى الله عليه وسلم.

(2/360)


وبات السائب فِي ليلة ظلماء عَلَى ربوة من الأرض يرمق برقا نشأ من قبل الحجاز، ثم استطار حَتَّى بلغ المشرق، فلما أصبح ذهب ينظر إِلَى ما تحت قدميه، فإذا روضة خضراء. فَقَالَ فيما يعتاف: لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق تخصب عنه الأرض كأفضل ما أخصبت عَنْ ملك كان قبله.
فلما اجتمع الحزاة قَالَ بعضهم لبعض: والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء وإنه لنبي قد بعث، أو هو مبعوث يسلب هَذَا الملك ويكسره، وإن نعيتم إِلَى كسرى ملكه ليقتلنكم، فأقيموا بينكم أمرا تقولونه فجاءوا كسرى فقالوا له: قد نظرنا هَذَا الأمر فوجدنا حسابك الذين وضعت عَلَى حسابهم طاق ملكك وسكرت دجلة العوراء، ووضعوه عَلَى النحوس وإنا سنحسب لك حسابا، تضع بنيانك فلا يزول، قَالَ: فاحسبوا. فحسبوا له ثم قالوا: ابنه، فبناه. فعمل فِي دجلة ثمانية أشهر، وانفق فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو، حَتَّى إذا فرغ قَالَ [لهم:] [1] أجلس عَلَى سورها، قالوا: نعم فأمر بالبسط والفرش والرياحين. فوضعت عليها [وأمر بالمرازبة فجمعوا له، وجمع اللعابون وخرج حَتَّى جلس عليها] [2] فبينا هو هنالك انشقت دجلة وانهار البنيان من تحته، فلم يستخرج إلا بآخر رمق، فلما أخرج قتل من الحزاة قريبا من مائة، وَقَالَ تلعبون بي؟ قالوا: أيها الملك، أخطأنا كما أخطأ من كان قبلنا ولكنا سنحسب لك حسابا حَتَّى تضعها عَلَى الوفاق من السعود.
قَالَ: انظروا ما تقولون. قالوا: فإنا نفعل، فحسبوا له، ثم قالوا له: ابنه فبنى وأنفق من الأموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر، ثم [قَالَ:] [3] أفأخرج فأقعد؟ قالوا:
نعم. فركب برذونا له وخرج يسير عليها إذ انشقت دجلة بالبنيان، فلم يدرك إلا بآخر رمق، فدعاهم فَقَالَ: والله لأمرن عَلَى آخركم، ولأترعن أكتافكم، ولأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقني ما هَذَا الأمر الذي تلفقون به علي؟
قالوا: لا نكذبك، أيها الملك أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانفصمت طاق
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت وأثبتناه من ألوفا لابن الجوزي.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(2/361)


مجلسك أن ننظر فِي عملنا فنظرنا، فأظلمت علينا الأرض وأخذ علينا بأقطار السماء، فلم يستقم منا لعالم علمه، فعلمنا أن هَذَا لأمر حدث من السماء، وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث، فلذلك حيل بيننا وبين علمنا، فخشينا إن نعينا إليك ملكك أن تقتلنا، فعللناك عَنْ أنفسنا بما رأيت، فتركهم ولهى عنهم وعن دجلة حَتَّى غلبته [1] .
أَنْبَأَنَا بهذا الحديث: أَبُو البركات عَبْد الوهاب الأنماطي بإسناد لَهُ عَنْ أبي بكر بْن أبي الدنيا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن مُحَمَّد بْن أيوب، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سعد قَالَ: قَالَ: ابن إِسْحَاق:
كان من حديث كسرى قبل أن يأتيه كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فيما بلغني أنه كان سكر دجلة العوراء، فألقى فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو- وذكر الحديث بعينه [2] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى كِسْرَى فِيكَ؟ قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكًا فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ سُورِ [3] جِدَارِ بَيْتِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تَلأْلأَ نُورًا، فَلَمَّا رَآَهَا فَزِعَ فَقَالَ: لِمَ تُرَعْ يَا كِسْرَى، إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، فَاتَّبِعْهُ تَسْلَمْ دُنْيَاكَ وَآَخِرَتُكَ. قَالَ: سَأَنْظُرُ [4] . وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْن حَزْمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قَالَ:
بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كِسْرَى وَهُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ [بَعْضِ] [5] بُيُوتِ إِيوَاِنِه الَّذِي لا يُدْخَلُ عَلَيْهِ فِيهِ، فَلَمْ يَرُعْهُ إِلا بِهِ قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ فِي يَدِهِ عَصًا بِالْهَاجِرَةِ فِي سَاعَتِهِ الَّتِي كَانَ يَقِيلُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا كِسْرَى، أَتُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: بهل بهل.
__________
[1] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 233.
[2] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 234 الكامل 1/ 371. ولم أجده في السيرة النبويّة لابن هشام.
[3] «سور» سقطت من ت.
[4] ألوفا لابن الجوزي برقم 235 والكامل 1/ 373.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(2/362)


فَانْصَرَفَ عَنْهُ فَدَعا حُرَّاسَهُ وَحُجَّابَهُ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: مَنْ أَدْخَلَ هَذَا الرَّجُلَ عَلَيَّ؟ قَالُوا: مَا دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ وَلا رَأَيْنَاهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ أَتَاهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَتَاهُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ: بُهْلٌ بُهْلٌ، فَخَرَجَ عَنْهِ فَدَعَا كِسْرَى حُجَّابَهُ وَبَوَّابِيهِ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ فِي النَّوْبَةِ الأُولَى [1] . فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا دَخَلَ عَلَيْكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ أَتَاهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي جَاءَهُ فِيهَا، وَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: أَتُسْلِمُ أَوْ أَكْسِرُ هَذِهِ الْعَصَا؟ فَقَالَ:
بُهْلٌ بُهْلٌ. فَكَسَرَ الْعَصَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمْ يَكُنْ إِلا تَهَوُّرُ مُلْكِهِ، وَانْبِعَاثُ ابْنِهِ وَالْفَرَسُ حَتَّى قَتَلُوهُ [2] .
قَالَ الزهري: حدثت عمر بْن عَبْد العزيز بهذا الحديث بهذا الإسناد، عن أبي سلمة فقال: ذكرى لي أن الملك إنما دخل عَلَيْهِ بقارورتين فِي يده، ثم قَالَ: أسلم، فلم يفعل، فضرب أحدهما عَلَى الأخرى فرضهما، ثم خرج فكان من هلاكه [3] ما كان [4] .
أَنْبَأَنَا عَبْد الْوَهَّابِ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ حَاتِمَ بْنَ عطاء قال: سمعت خالد بن ويدة- وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَجُوسِيَّةِ فَأَسْلَمَ- قَالَ:
كَانَ كِسْرَى إِذَا رَكِبَ رَكِبَ أَمَامَهُ رَجُلانِ، فَيَقُولانِ لَهُ سَاعَةً بِسَاعَةٍ: أَنْتَ عَبْدٌ وَلَسْتَ بِرَبٍّ فَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ، قَالَ: فَرَكِبَ يَوْمًا فَقَالا لَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يُشِرْ بِرَأْسِهِ، فَشَكَيَا ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِ [شُرْطَتِهِ فَرَكِبَ صَاحِبُ] [5] شُرْطَتِهِ لِيُعَاتِبَهُ، وَكَانَ كِسْرَى قَدْ نَامَ، فَلَمَّا وَقَعَ صَوْتُ حَافِرِ الدَّوَابِّ فِي سَمْعِهِ اسْتَيْقَظَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ فَقَالَ: أَيْقَظْتُمُونِي وَلَمْ تَدَعُونِي أَنَامُ، إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّهُ رُقِيَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ فَوَقَفْتُ بَيْنَ َيدَيِ اللَّهِ/ تَعَالَى، وَإِذَا رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، فقال لي: سلّم مفاتيح خزائن
__________
[1] في ت: «كما قال أول مرة» .
[2] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 236.
[3] في ت: «فكان من أمره هلاكه» .
[4] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 237.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(2/363)


أَرْضِي إِلَى هَذَا، أَلَسْتَ الْمَأْمُورَ كَذَا؟ فَلَمْ يغير فإلى إن أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ اسْتَرَّدَهَا مِنْهُ فَأَيْقَظْتُمُونِي.
قَالَ: وَصَاحِبُ الإِزَارِ وَالرِّدَاءِ، يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]