المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
. ذكر الحوادث فِي السنة الرابعة من النبوة
[2] كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستر النبوة
ويدعو إِلَى الإسلام سرا، وكان أَبُو بكر [رضي اللَّه عنه] يدعو أيضا
من يثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه، فلما مضت من النبوة ثلاث
سنين نزل قوله عز وجل: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ] 15: 94 [3] فأظهر الدعوة [4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر بإسناده إِلَى مُحَمَّد بْن سعد:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر قَالَ: حَدَّثَنَا حارثة بْن أبي عمران،
عَنْ عَبْد الرحمن بْن القاسم، عَنْ أبيه قَالَ:
أمر رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان يصدع بما جاءه من
عند اللَّه، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعوهم إِلَى اللَّه سبحانه
وتعالى، وكان يدعو من أول ما أنزلت عَلَيْهِ النبوة ثلاث سنين مستخفيا،
إِلَى أن أمر بظهور الدعاء [5] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
قَالَ: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إِلَى الإسلام سرا
وجهرا، فاستجاب للَّه من شاء من أحداث الرجال وضعفاء الناس، حَتَّى كثر
من آمن به، وكفار قريش غير مكترثين لما يقول، فكان إذا مر عليهم فِي
مجالسهم يقولون: إن غلام بني عَبْد المطلب ليكلم من السماء. فكان كذلك
حتى عاب آلهتهم
__________
[1] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 238.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي السنة الرابعة من النبوة» .
[3] سورة: الحجر، الآية: 94.
[4] في الأصل، ت: «الدعا» .
انظر ألوفا لابن الجوزي الباب الثالث عشر من أبواب نبوته صلى الله عليه
وسلم.
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 199. وألوفا برقم 240.
(2/364)
التي يعَبْدونها دون اللَّه، وذكر هلاك
آبائهم الذين ماتوا عَلَى الكفر، فشنفوا لرسول اللَّه عند ذلك وعادوه
[1] .
قَالَ مُحَمَّد بْن عمر: وحدثني ابن موهب عَنْ يعقوب بْن عتبة قَالَ:
لما أظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم للإسلام ومن معه فشا أمرهم
بمكة، ودعا بعضهم بعضا/ كان أَبُو بكر يدعو ناحية سرا، وكان سَعِيد بْن
زيد، مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر بْن الخطاب يدعو علانية،
وحمزة بْن عَبْد المطلب وأبو عبيدة بْن الجراح، فغضبت قريش، وظهر منهم
لرسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الحسد والبغي [2] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كنت بَيْنَ شَرِّ جَارَيْنِ: بَيْنَ أَبِي لَهَبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ
أَبِي مُعَيْطٍ، إِنْ كَانَا لَيَأْتِيَانِ بِالْفُرُوثِ
فَيَطْرَحَانِهَا عَلَى بَابِي، فَيَخْرُجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ،
أَيُّ جِوَارٍ هَذَا» . ثُمَّ يُلْقِيهِ بِالطَّرِيقِ. أَوْ كَمَا
قَالَتْ [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ طَارِقِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِسُوقِ ذِي
الْمَجَازِ وَأَنَا فِي بِيَاعَةٍ لِي، فَمَرَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ [4]
حَمْرَاءُ، وهو ينادي بأعلى صوته: «يا أيها الناس، قولوا: لا إِلَهَ
إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا» وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ
أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ لا تُطِيعُوهُ، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: غُلامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قُلْتُ: فَمَنْ [هَذَا]
[5] الَّذِي يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بالحجارة؟ قالوا: هذا عمه عَبْدُ
الْعُزَّى- وَهُوَ أَبُو لَهَبٍ- فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ، وَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ أَقْبَلْنَا فِي رَكْبٍ مِنَ الرَّبَذَة حَتَّى نَزَلْنَا
قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا [قَالَ:] [6]
فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ إِذْ أَتَانَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ
أَبْيَضَانِ فَسَلَّمَ. فَرَدَدْنَا عليه، فقال: من
__________
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 199. وألوفا برقم 241.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 200.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 201.
[4] «حلة» سقطت من ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(2/365)
أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ؟ قُلْنَا: مِنَ
الرَّبَذَة. قَالَ: وَمَعَنَا جَمَلٌ أَحْمَرُ. قَالَ: تَبِيعُونِي
جَمَلُكُمْ؟ قُلْنَا:
نَعَمْ. قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ.
قَالَ: فَمَا اسْتَوْضَعَنَا شَيْئًا، وَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ، ثُمَّ
أَخَذَ بِرَأْسِ الْجَمَلِ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَتَوَارَى
عَنَّا قَلِيلا فَتَلاوَمْنَا/ بَيْنَنَا فَقُلْنَا:
أَعْطَيْتُمْ جَمَلَكُمْ مَنْ لا تَعْرِفُونَهُ، فَقَالَتِ
الظَّعِينَةُ: لا تَتَلاوَمُوا، فَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ ما كان
ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ
مِنْ وَجْهِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ:
السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ، فَإِنَّهُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا
مِنْ هَذَا حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا.
قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، وَاكْتَلْنَا حَتَّى
اسْتَوْفَيْنَا، فَلَمَّا كان من الغد دخلنا المدينة فَإِذَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ
يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ابْنِكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتِكَ وَأَخَاكَ
وَأَدْنَاكَ وَأَدْنَاكَ» [1] .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَعَدَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ
الصَّفَا فَقَالَ: «يَا صَبَاحَاهُ» فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ،
فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ [2] إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ
أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَلا تُصَدِّقُونِي؟
قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 111: 1
[3] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عنهما] قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 [4] دَعَانِي
[رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] فَقَالَ لِي:
«يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي
الأَقْرَبِينَ فَضِقْتُ بِذَلِكَ ذَرْعًا، وَعَرَفْتُ أَنِّي مَتَى
أُنَادِيهِمْ بِهَذَا الأَمْرِ أَرَى مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتَ
حَتَّى أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ إِنْ لا
تَفْعَلْ مَا تُؤْمَرْ بِهِ يُعَذِبْكَ اللَّهُ [6] فَاصْنَعْ لَهُمْ
صاعا من طعام، واجعل عليه رجل
__________
[1] أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 226، 5/ 64، 163، 5/ 377.
[2] في الأصل: «أرأيتكم» .
[3] سورة: السد: الآية: 1 وانظر ألوفا برقم 248. والطبري 1/ 542.
[4] سورة: الشعراء، الآية: 214.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «يعذبك ربك» .
(2/366)
شَاةٍ، وَامْلأْ لَنَا عَسًّا مِنْ لَبَنٍ،
ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ
وَأُبَلِّغَهُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ. فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ
ثُمَّ دَعَوْتُهُمْ لَهُ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا يزيدون
رجلا أو ينقصون، فيهم أعمامه أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ،
وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ
دَعَانِي بِالطَّعَامِ الَّذِي صَنَعْتُ لَهُ، فَجِئْتُ بِهِ فَلَمَّا
وَضَعْتُهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ/ جَرَّةً مِنَ اللَّحْمِ فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ
أَلْقَاهَا فِي نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا بِاسْمِ
اللَّهِ» فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى مَا لَهُمْ بِشَيْءٍ حَاجَةٌ،
وَمَا أَرَى إِلا مَوَاضِعَ أَيْدِيهِمْ وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي
نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ [مِنْهُمْ] [1]
لَيَأْكُلُ مَا قَدَّمْتُ لِجَمِيعِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ
الْقَوْمَ» فَجِئْتُهُمْ بِذَلِكَ الْعَسِّ فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى
رَوَوْا جَمِيعًا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ
لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ [يُكَلِّمَهُمْ] [2] بَدَرَهُ أَبُو لهب
الكلام، فَقَالَ: سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ- فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ،
وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: «الْغَدُ
يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ سَبَقَنِي إِلَى مَا سَمِعْتَ مِنَ
الْقَوْلِ فَأَعِدَّ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ مِثْلَ مَا صَنَعْتَ، ثُمَّ
اجْمَعْهُمْ لِي» . فَفَعَلْتُ وَجَمَعْتُهُمْ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا،
ثُمَّ تَكَلَّمَ رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فقال: «يَا بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا فِي
الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا قَدْ جِئْتُكُمْ بِهِ،
إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَقَدْ
أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ
يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الأَمْرِ [3] عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي» ؟
فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ وَأَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا: أَنَا
يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ [4] . وذكر ابن
جرير: أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا إذا
صلوا ذهبوا إِلَى الشعاب واستخفوا من قومهم، فبينا سعد بْن أبي وقاص
فِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
فِي شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فذاكروهم
وعابوا عليهم ما يصنعون، حَتَّى قاتلوهم، فاقتتلوا فضرب سعد بْن أبي
وقاص يومئذ رجلا من المشركين [بلحي جمل] [5] فشجه فكان أول دم أهريق
فِي الإسلام [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «على هذا القوم» .
[4] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/ 179- 180 مختصرا. الطبري 1/ 542.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 263.
(2/367)
قَالَ ابن إِسْحَاق: ولما نادى رسول اللَّه
صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قومه بالإسلام لم يردوا عَلَيْهِ كل الرد،
حَتَّى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك نادوه واجتمعوا عَلَى خلافه،
ومنعه عمه أَبُو طَالِبٍ فمضى [1] إِلَى أبي طالب رجال من أشرافهم:
كعتبة، وشيبة، وأبي جهل، فقالوا:
يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد/ سب آلهتنا، وعاب ديننا وسفه أحلامنا،
وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا [2] ، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك
عَلَى مثل [3] ما نحن عَلَيْهِ من خلافه، فنكفيكه. فَقَالَ لهم أَبُو
طَالِبٍ قولا رقيقا وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول اللَّه
صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عَلَى ما هو عليه يظهر دين اللَّه ويدعو
إليه، ثم شرى الأمر بينه وبينهم، حَتَّى تباعد الرجال وتضاغنوا، فأكثرت
قريش ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينها،
وحض بعضهم بعضا عَلَيْهِ، ثم مشوا إِلَى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: يا
أبا طالب، إن لك نسبا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن
أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر عَلَى شتم آبائنا وسفه أحلامنا،
وعيب آلهتنا حتى نكفه عنا أو ننازله وإياك فِي ذلك حَتَّى يهلك أحد
الفريقين.
ثم انصرفوا عنه فعظم عَلَى أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا
بإسلام رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إليهم [4] ، ولا خذلانه،
إلا أَنَّهُ قَالَ له: يا بْن أخي، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا،
فأبق [علي و] [5] على نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق. فظن
رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عمه خاذله
ومسلمه، وأنه قد ضعف عَنْ نصرته، فَقَالَ:
«والله يا عماه لو وضعوا الشمس فِي يميني والقمر فِي يساري عَلَى أن
أترك هَذَا الأمر حَتَّى يظهره [6] اللَّه أو أهلك فيه، ما تركته» ثم
بكى رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقام، فلما ولى
ناداه أَبُو طَالِبٍ فقال: أقبل يا بن أخي. فاقبل فَقَالَ: اذهب فقل ما
أحببت، فو الله لا أسلمك [لشيء] [7] أبدا [8] .
__________
[1] في ت: «فمشى» .
[2] «عنا» سقطت من ت.
[3] «مثل» سقطت من ت.
[4] في ت: «لهم» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «أظهره» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] أخرجه ابن الجوزي في ألوفا برقم 263. وابن هشام في السيرة النبويّة
1/ 278. والبيهقي في الدلائل 2/ 187.
(2/368)
وَقَالَ السدي: بعثوا رجلا إِلَى أبي طالب
فَقَالَ له: هَؤُلاءِ مشيخة قومك يستأذنون عليك. فَقَالَ: أدخلهم. فلما
دخلوا عَلَيْهِ قالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا، فأنصفنا من ابن
أخيك، ومره فليكف عَنْ شتم آلهتنا وندعه وإلهه. فبعث إليه أَبُو
طَالِبٍ، فلما جاء قَالَ: يا ابن أخي هَؤُلاءِ مشيخة قومك وسرواتهم،
وقد سألوك النصف أن تكف عَنْ شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك/ فَقَالَ: «يا
عم، أولا أدعوهم إِلَى ما هو خير لهم منها» ؟
قَالَ: وإلى ما تدعوهم؟ قَالَ: «أدعوهم إِلَى أن يتكلموا بكلمة تدين
لهم بها العرب ويملكون بها العجم» فَقَالَ أَبُو جهل: ما هي وأبيك
لنعطيكها وعشر أمثالها؟ قَالَ:
«يقولون لا إله إلا اللَّه» قَالَ: فتفرقوا وَقَالُوا سلنا غير هَذِهِ
فَقَالَ: « [لو جئتموني بالشمس حَتَّى تضعوها فِي يدي] [1] ما أسألكم
غيرها» فغضبوا وقاموا [من عنده، وَقَالُوا:] [2] لنشتمنك وإلهك الذي
يأمرك بهذا. ونزل قوله تعالى وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ
امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ 38: 6 [3] . قَالَ ابن إِسْحَاق:
فلما عرفت قريش أن أبا طالب لا يخذل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم مشوا إليه بعمارة بْن الوليد بْن المغيرة [4] فقالوا: يا أبا
طالب، هَذَا عمارة بْن الوليد أبهى فتى فِي قريش وأجمله، فخذه فاتخذه
ولدا، وسلم إلينا ابن أخيك هَذَا الذي قد خالف دينك ودين آبائك، وفرق
جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله فإنما رجل كرجل فَقَالَ: والله لبئس
[5] ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟!
هَذَا والله ما لا يكون أبدا. فَقَالَ مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد
مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا عَلَى التخلص مما
تكرهه، فما أراك تريد [6] أن تقبل منهم شيئا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ
لمطعم: والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي
فاصنع ما بدا لك. قَالَ: فجنت الحرب حينئذ وتنابذ القوم ووثب كل قبيلة
عَلَى من فيها من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] سورة: ص، الآية: 6.
[4] «بن المغيرة» سقطت من ت.
[5] «لبئس» سقط من ت.
[6] «تريد» سقطت من ت.
(2/369)
المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عَنْ دينهم،
ومنع اللَّه رسوله منهم لعمه أبي طالب، وقام أَبُو طَالِبٍ [1] فِي بني
هاشم وبني عَبْد المطلب فدعاهم إِلَى ما هو عَلَيْهِ من منع رسول
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم والقيام دونه، فاجتمعوا إليه، وقاموا
معه فأجابوا إِلَى ما دعاهم إليه من الدفع عَنْ رسول الله، إلا ما كان
من أبي لهب، فلما رأى أَبُو طَالِبٍ من قومه ما سره من جدهم وحدتهم
عليه جعل يذكر فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ومكانه فيهم
ليسدد لهم رأيهم [2] .
ومن الحوادث العجيبه [3] أن أكثم بْن صيفي الحكيم لما سمع بظهور رسول
اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أراد أن يأتيه فمنعه قومه.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ عَبْد الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَ
أَكْثَمَ بْنَ صَيْفِيٍّ مَخْرَجُ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَدَعُوهُ،
وَقَالُوا:
أَنْتَ كَبِيرُنَا لَمْ يَكُنْ لِتَخِفَّ إِلَيْهِ. قَالَ: فَلْيَأْتِ
مَنْ يُبَلِّغْهُ عَنِّي وَيُبَلِّغْنِي عَنْهُ، فَانْتُدِبَ رَجُلانِ
فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالا: نَحْنُ رُسُلُ أَكْثَمِ بْنِ
صَيْفِيٍّ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ مَنْ أَنْتَ، وَمَا أَنْتَ، وَبِمَاذَا
أُجِبْتَ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ تَلا عَلَيْهِمْ
هَذِهِ الآَيَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 16: 90 [4] قَالا:
رَدِّدْ عَلَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ، فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى
حَفِظُوهُ قَالَ: فَلَمَّا أَتَيَا أَكْثَمَ قَالا: [5] قَدْ
سَأَلْنَاهُ عَنْ نَسَبِهِ فَوَجَدْنَاهُ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي مُضَرٍ
وَقَدْ رَمَى إِلَيْنَا كَلِمَاتٍ حَفِظْنَاهُنَّ فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ
أَكْثَمُ قَالَ: يَا قَوْمُ أَرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ،
وَيَنْهَى عَنْ مَلائِمِهَا، فَكُونُوا فِي هَذَا الأَمْرِ رُؤَسَاءً،
وَلا تَكُونُوا أَذْنَابًا، وَكُونُوا فِيهِ أُوَّلا وَلا تَكُونُوا
فِيهِ أُخَّرًا، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ،
فَأَوْصَى فَقَالَ: أوصيكم
__________
[1] «وقام أبو طالب» سقط من ت.
[2] الطبري 1/ 545 ط. دار الكتب العلمية.
[3] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث العجيبة» .
[4] سورة: النحل، الآية: 90.
[5] في ت: «قال: فأتينا أكثم فقالا» .
(2/370)
بِتَقْوَى اللَّهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ،
فَإِنَّهَا لا يَبْلَى عَلَيْهَا أَصْلٌ، وَلا يَهِيضُ عَلَيْهَا [1]
فَرْعٌ، وَإِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الْحَمْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ سُوءَ
جَهْلِ الْغَنِيِّ يُورِثُ سَرْحًا، وَأَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْفَقِيرِ
يَضَعُ الشَّرَفَ، وَأَنَّ الْعُدْمَ عُدْمُ الْعَقْلِ لا عُدْمُ
الْمَالِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَقْتَلَ الرَّجُلِ بَيْنَ لِحْيَيْهِ، وَأَنَّ
قَوْلَ الْحَقِّ لَمْ يَتْرُكْ لِي صَدِيقًا.
وذكر أَبُو هلال الحسن بْن عَبْد اللَّه بْن سهل العسكري: أن أكثم بْن
صيفي سمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه مع ابنه حبيش
[: باسمك اللَّهمّ، من العَبْد إِلَى العَبْد، أما بعد: فبلغنا ما بلغك
اللَّه، فقد بلغنا عنك خير، فإن كنت أريت فأرنا، وإن كنت علمت فعلمنا
وأشركنا فِي خيرك والسلام.
فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «من محمد رسول الله إِلَى أكثم
بْن صيفي، أحمد اللَّه إليك، إن اللَّه أمرني أن أقول لا إله إلا
اللَّه وليقر بها الناس، والخلق خلق الله، والأمر كله للَّه، وهو خلقهم
وأماتهم، وهو ينشرهم وإليه المصير. بادابه المرسلين ولتسلن عن النبأ
العظيم، ولتعلمن نبأه بعد حين] [2] .
فَقَالَ لابنه: ما رأيت منه، قَالَ: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى
عَنْ ملائمها.
[فجمع أكثم بني تميم، وَقَالَ: لا تحقرن سفيها، فإن من يسمع يخل، وإن
من يخل ينظر وإن السفيه واهي الرأي وإن كان قوي البدن، ولا خير فيمن
عجز رأيه ونقص عقله.
فلما اجتمعوا دعاهم إِلَى اتباع رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَامَ مالك بْن عروة اليربوعي مع نفر من بني يربوع
فَقَالَ: خرف شيخكم، إنه ليدعوكم إِلَى الغبار، ويعرضكم للبلاء، وأن
تجيبوه تفرق جماعتكم وتظهر أضغاثكم، ويذلل عزكم، مهلا مهلا. فَقَالَ
أكثم بْن صيفي: ويل للشجي من الخلي، يا لهف نفسي عَلَى أمر لم أدركه
ولم يفتني ما آسى عليك بل عَلَى العامة، يا مالك إن الحق إذا قام دفع
الباطل وصرع صرعى قياما، فتبعه مائة من عمرو وحنظلة، وخرج إِلَى النبي
صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فلما كان فِي بعض الطريق] [3] عمد
__________
[1] «عليها» سقطت من ت وكتبت بالهامش.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وبدلا منه: «فلما ورد الجواب قال
لابنه» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وبدلا منه: «فجمع قومه فلما ارتحل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الطريق عمد حبيش» .
(2/371)
حبيش إِلَى رواحلهم فنحرها وشق ما كان معهم
من مزادة وهرب، فأجهد أكثم العطش فمات، وأوصى من معه باتباع النبي صلى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم وأشهدهم أنه أسلم. فأنزل فيه: وَمن يَخْرُجْ مِنْ
بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ
الْمَوْتُ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله 4: 100 [1] .
[فهاتان الروايتان تدلان عَلَى أن أكثم بْن صيفي أدرك رسول اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد روينا أنه مات قبل ذلك] [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه: كان أكثم بْن صيفي من كبار الحكماء،
وعاش مائتي سنة، وله كلام مستحسن [3] .
[فمنه: من عتب عَلَى الدهر طالت معتبته، ومن رضي بالقسم طابت معيشته،
والدنيا دول، فما كان منها لك أتاك عَلَى ضعفك، وما كان منها عليك لم
تدفعه بقوتك، والحسد داء ليس له شفاء، من يصحب الزمان يرى الهوان، ولم
يفت من لم يمت، وكل ما هو آت قريب ومن سأمنه يؤتى الحذر «دخل الطريق
لمن لا يضيق لوسع يجدأ ودع البر ينحو عَلَيْهِ العدو» [4] كفوا
ألسنتكم، فإن مقتل الرجل بين فكيه، وَفِي طلب المعالي تكون العزة، ومن
قنع بما هو فيه قرت عينه، ولم يهلك من مالك ما وعظك، لا تغضبوا من
اليسير فإنه يجني الكثير، وألزموا النساء المهنة، وأكرموا الخيل، ونعم
لهو الحرة المغزل، وحيلة من لا حيلة له الصبر، المكثار حاطب ليل، أشد
الناس مئونة أشرافهم، ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، وأحوج الناس
إِلَى الغنى من لم يصلحه إلا الغناء، وحب المدح رأس الضياع، ورضى الناس
لا يدرك، فتحر الخير بجهدك، ولا تكره سخط من رضاه الجور، معالجة العفاف
مشقة، فنعوذ بالصبر وآخر الغضب، فإن القدرة من ورائك غي، الصمت خير من
عي المنطق، خير القرناء المرأة الصالحة، ليس للمختال فِي حسن الثناء
نصيب، ولا تمام لشيء من العجب،
__________
[1] سورة: النساء، الآية: 100.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «سنذكره إن شاء الله تعالى» ولم يذكره.
[4] ما بين هلالين هكذا ورد في الأصل مشوشا، ولعله من الناسخ، ولم نجد
أصل هذه العبارة في المراجع التي بين أيدينا.
(2/372)
ومن أتى المكروه إِلَى أحد فبنفسه بدأ،
وأقل الناس راحة الحسود، يا بني سودوا أعقلكم، فإن أمر مسير القوم إذا
لم يك عاقلا كان آفة لمن دونه، والتفاضل من فعل الكرام، والصدق فِي بعض
المواطن عجز، والمن يذهب للصنيعة، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن شدد
تفر، ولقاء الأحبة مسلاة للهم، ومن ظلم يتيما ظلم أولاده، من سل سيف
البغي أغمد فِي رأسه] [1]
. وممن توفي فِي هَذِهِ السنة [2] :
1- ورقة بْن نوفل بْن عَبْد العزى بْن قصي.
كان قد كره عبادة الأوثان، فطلب الدين فِي الآفاق وَفِي الكتب، وكانت
خديجة تسأله عَنْ أمر النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فيقول لها: ما
أراه إلا نبي هَذِهِ الأمة الذي بشر به موسى وعيسى.
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَارِعُ بِإِسْنَادٍ لَهُ
عَنِ] [3] ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ [فِيمَا بَلَغَنَا]
[4] فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ
بِيضٌ، وَقَدْ أَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ
أَرَ عَلَيْهِ الْبَيَاضَ» [5] . قَالَ الزُّبَيْرُ: وَحَدَّثَنِي
عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ
عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن [6] بن أبي الزناد قَالَ: قَالَ
عُرْوَةُ: كَانَ بِلالٌ لِجَارِيَةٍ مِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو
وَكَانُوا يُعَذِّبُونَهُ بَرَمْضَاءَ مكة، يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ
بِالرَّمْضَاءِ لِيُشْرِكَ باللَّه، فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ،
فَيَمُرُّ عَلَيْهِ وَرَقَةُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَحَدٌ
أَحَدٌ يَا بِلالُ، وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لأَتَّخِذَنَّهُ
حَنَانًا يَعْنِي لأَتَمَسَّحَنَّ بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ وَرَقَةُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا وَهُوَ [7] :
لَقَدْ نَصَحْتَ لأَقْوَامٍ وَقُلْتَ لَهُمْ ... أَنَا النَّذِيرُ فَلا
يغرركم أحد
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] بياض في ت مكان: «وممن توفي في هذه السنة» .
[3] في الأصل: «روى ابن شهاب عن عروة ... » .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر تفسير ابن كثير 2/ 262.
[6] في الأصل: «وروى عبد الرحمن ... » .
[7] في ت: «وقال في ذلك شعرا» .
(2/373)
لا تَعْبُدُنَّ إِلَهًا غَيْرَ خَالِقِكُمْ ... فَإِنْ دَعَوْكُمْ
فَقُولُوا بَيْنَنَا حَدَدُ
سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ سُبْحَانًا نَعُودُ لَهُ ... رَبُّ
الْبَرِيَّةِ فَرْدٌ وَاحِدٌ صَمَدُ
سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا نَعُودُ لَهُ ... وَقَبْلُ [1] سَبَّحَهُ
الْجُودِيُّ وَالْحَمَدُ
مُسَخَّرٌ كُلُّ مَا تَحْتَ السَّمَاءِ لَهُ ... لا يَنْبَغِي أَنْ
يُسَاوِي مُلْكَهُ أَحَدُ
لا شَيْءَ مِمَّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلَهُ
وَيُودَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ
لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدُ قَدْ
حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا/
وَلا سُلَيْمَانَ إِذْ تَجْرِي الرِّيَاحُ لَهُ ... وَالإِنْسُ
وَالْجِنُّ فِيمَا بَيْنَهَا بُرُدُ [2]
أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّتِي كَانَتْ لِعِزَّتِهَا ... مِنْ كُلِّ أَوْبٍ
إِلَيْهَا وَافِدٌ يَفِدُ [3]
حَوْضٌ هُنَالِكَ مَوْرُودٌ بِلا كَذِبٍ ... لا بُدَّ مِنْ وَرْدِهِ
يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا |