المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
. ومن الحوادث فِي سنة ست من النبوة
[5] [فمن ذلك:] [6] إسلام حمزة وعمر [7] :
وقيل إن ذلك فِي سنة خمس.
وأما سبب إسلام حمزة: فروى ابن إِسْحَاق: أن أبا جهل مر برسول اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس عند الصفا، فأذاه وشتمه
ونال
__________
[1] ما بين المعقوفتين أضفناه ليستقيم المعنى.
[2] سقط من ت من أول: «فآخذ الرشوة فيه ... » حتى « ... وهو بمكة» .
وبدلا من هذا كتب في ت ما نصه: «حين رد عليّ ملكي ثم قال أشهد أنه رسول
الله، وأنه الّذي بشر به عليه السلام، ولولا ما أنا فيه من الملك
لأتيته حتى أقبل نعله» .
[3] انظر ترجمتها في: الإصابة، كتاب النساء ترجمة رقم 582. والروض
الأنف 1/ 203. والأعلام 3/ 140، 141.
[4] في الأصل: «في قبلها» .
[5] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة ست من النبوة» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] الطبري 1/ 549 ط. الدار.
(2/384)
منه بعض ما يكره، فلم يكلمه رسول الله [صلى
الله عليه وسلم] ، وكانت مولاة لعبد الله بْن جدعان فِي مسكن لها فوق
الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف فعمد إِلَى نادي قريش عند الكعبة [فجلس معهم]
[1] ، فلم يلبث حَمْزَة بْن عَبْد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من
قنص له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إِلَى أهله حَتَّى يطوف بالكعبة،
وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، فلما/ مر بالمولاة قالت لَهُ: يا أبا
عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك مُحَمَّد آنفا من أبي الحكم بن هشام
وجده هاهنا جالسا فسبه وأذاه وبلغ منه، فلم يكلمه مُحَمَّد، فاحتمل
حمزة الغضب، فخرج سريعا، فدخل المسجد، فرأى أبا جهل جالسا فِي القوم
فضربه بالقوس ضربة شجه بها شجة منكرة وَقَالَ له: أتشتمه وأنا عَلَى
دينه، أقول ما يقول؟ فرد ذلك علي إن استطعت. وتم حمزة عَلَى إسلامه،
فعرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز، وأن عمه حمزة
سيمنعه، فكفوا عَنْ بعض ما كانوا ينالون منه.
وأما سبب إسلام عمر: ففيه ثلاثة أقوال، سنذكرها فِي باب خلافة عمر رضي
اللَّه عنه
. ومن الحوادث فِي سنة سبع من النبوة [2] وقعة بعاث:
وكانت بين الأوس والخزرج.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قَالَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن
حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الهثيم قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ:
كَانَتْ وَقْعَةُ بعاث [ورسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، قَدْ
تَنَبَّأَ، وَدَعَا إِلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ هاجر
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة سبع من النبوة» .
[3] في ت: «أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي
الْبَزَّازُ بإسناد له عن محمد بن سعد» .
(2/385)
بعدها بِسِتِّ سِنِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَكَانَ حُضَيْرٌ أَبُو أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ رَئِيسُ الأَوْسِ
يَوْمَ بُعَاثٍ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ] [1] قَبْلَ هِجْرَةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم/ بِخَمْسِ سِنِينَ [2] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ
الْمُذْهِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن جعفر القَطِيعيّ قَالَ:
أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أبي، عن إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ [3] قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو
الْجَلِيسِ أَنَسُ بْنُ نَافِعٍ وَمَعَهُ فِتْيَةٌ من بني عبد الأشهل
منهم: إياس مُعَاذٍ يَلْتَمِسُ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى
قَوْمِهِمْ من الخزرج، فسمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: «هَلْ لَكُمْ إِلَى
خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ» ؟ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «أَنَا
رَسُولُ اللَّهِ، بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ، أَدْعُوهُمْ
أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ لا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ كتاب كريم»
ثُمَّ ذكر الإِسْلامَ، وَتَلا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ. فَقَالَ إِيَاسُ
بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ غُلامًا حَدَثًا: أَيْ قَوْمِ، هَذَا وَاللَّهِ
خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ، فَأَخَذَ أَبُو الْجَلِيسِ حِفْنَةً مِنَ
الْبَطْحَاءِ، فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَامَ
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَانْصَرَفُوا إِلَى الَمْدِينَةِ.
وَكَانَتْ وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، فلم يلبث إياس بْن معاذ أن
هلك.
قَالَ محمود بْن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي عند موته أنهم لم
يزالوا يسمعونه يهلل اللَّه ويكبره، ويحمده، ويسبحه حَتَّى مات، وما
كانوا يشكون أنه قد مات مسلما. لقد كان يستشعر الإسلام فِي ذلك المجلس
حين سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
. ذكر ما جرى من الحوادث فِي السنة الثامنة من النبوة
قَالَ مؤلف الكتاب [4] :
فيها نزل قول اللَّه تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ 30: 2- 3
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 217.
[3] حذف السند من ت، وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن الحصين بإسناد له عن
الحصين بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ» الحديث
في مسند أحمد 5/ 427.
[4] بياض في ت مكان: «ذكر ما جرى من الحوادث فِي السنة الثامنة من
النبوة. قال مؤلف الكتاب» .
(2/386)
سَيَغْلِبُونَ 30: 3 [1] وكانت بين فارس
والروم حروب قد أشرنا إليها فيما تقدم.
قَالَ يحيى بْن يعمر: بعث قيصر رجلا يدعى قطمه بجيش من الروم وبعث كسرى
بشهربراز، فالتقيا بأذرعات وبصرى وهما أدنى الشام إليكم فلقيت فارس
الروم، فغلبتهم فارس، ففرح بذَلِكَ كفار/ قريش وكرهه المسلمون. فأنزل
اللَّه تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ 30: 1- 3
الآيات.
وَقَالَ علماء السير: وقد فرح المشركون وشق عَلَى المسلمين لأن فارس لم
يكن لهم كتاب، وكانوا يجحدون البعث، ويعَبْدون الأصنام، وكان الروم
أصحاب كتاب، فَقَالَ المشركون لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر
إخواننا من أهل فارس عَلَى إخوانكم من الروم، فإن قاتلتمونا لنظهرن
عليكم، فنزلت هَذِهِ الآية، فخرج بها أَبُو بكر الصديق رضي اللَّه عنه
إِلَى المشركين، فقالوا: هَذَا كلام صاحبك، فَقَالَ: اللَّه أنزل
هَذِهِ! فقالوا لأبي بكر: نراهنك عَلَى أن الروم لا تغلب فارس، فَقَالَ
أَبُو بكر: البضع ما بين الثلاث إِلَى التسع، فقالوا:
الوسط من ذلك ست، فوضعوا الرهان- وذلك قبل أن يحرم الرهان- وكان الرهن
عشر قلائص إِلَى عشر قلائص، فرجع أَبُو بكر إِلَى أصحابه فأخبرهم،
فلاموه، وَقَالُوا: هلا أقررتها كما أقرها اللَّه لو شاء أن يقول ستا،
فخرج أَبُو بكر: أزيدكم فِي الخطر وأزيدكم [2] فِي الأجل إِلَى تسع
سنين. فقهرهم أَبُو بكر وأخذ رهانهم، فظهرت الروم عَلَى فارس بعد سبع
سنين، ووافق التقاؤهم يوم بدر.
ومن الحوادث فِي هَذِهِ السنة [3] أنه لما أسلم حمزة وعمر رضي اللَّه
عنهما، وحمى النجاشي من عنده من المسلمين، وحامي عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمه أَبُو طَالِبٍ فشا الإسلام فِي القبائل، واجتهد المشركون
فِي إخفاء ذلك النور، وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ 9:
32 [4] واجتمعت قريش واستمرت
__________
[1] سورة: الروم، الآيتان: 2- 3.
[2] في الأصل: «أمد في الأجل» .
[3] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث في هذه السنة» .
[4] سورة التوبة، الآية: 32.
(2/387)
بينها أن يكتبوا كتابا يتعاهدون فيه عَلَى
أن لا ينكحوا لبني هاشم وبني عَبْد المطلب ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم
شيئا ولا يبتاعوا منهم، فكتبوا بذلك صحيفة، وتوافقوا عليها، وعلقوها
فِي جوف الكعبة، توكيدا لذلك الأمر عَلَى أنفسهم، فلما فعلوا ذلك
انحازت بنو هاشم وبنو عَبْد المطلب إِلَى أبي طالب، فدخلوا معه فِي
شعبه، / وخرج من هاشم أَبُو لهب إِلَى قريش فظاهر المشركين، فأقاموا
عَلَى ذلك ثلاث سنين.
وَرَوَى الواقدي عَنْ أشياخه أنهم حصروهم فِي أول سنة سبع من النبوة
وقطعوا عنهم الميرة والمارة، فكانوا [1] لا يخرجون إلا من هو منهم،
حَتَّى بلغهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب، فمن قريش من
سره ذلك، ومنهم من ساءه، وكان خروجهم فِي السنة العاشرة، وكان هِشَام
بْن عمرو بْن ربيعة أفضل [2] قريش لبني هاشم حين حصروا فِي الشعب، أدخل
عليهم فِي ليلة [3] ثلاثة أحمال طعام، فعلمت بذلك قريش، فمشوا إليه،
فكلموه فِي ذلك، فَقَالَ: إني عائد بشَيْء يخالفكم، ثم عاد الثانية،
فأدخل حملا أو حملين ليلا فغالظته قريش وهموا به، فَقَالَ أَبُو
سُفْيَان بْن حرب، دعوه رجل وصل رحمه أما إني أحلف باللَّه لو فعلنا
مثل ما فعل، كان أجمل [بنا] [4] ثم أن هشاما أسلم يوم الفتح.
__________
[1] في الأصل: «وكانوا» .
[2] في الأصل: «أوضل» .
[3] «في ليلة» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(2/388)
الخاتمة تم الجزء الثاني من كتاب «المنتظم
في تاريخ الملوك والأمم» تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي غفر الله له ويتلوه الجزء
الثالث:
فصل: قال مؤلف الكتاب: واختلف العلماء في سبب نقض حكم الصحيفة على
قولين:
(2/389)
|