المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

 [المجلد الثالث]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[تتمة السنة الثامنة من البعثة]
فصل
واختلف العلماء في سبب نقض [حكم] [1] الصحيفة على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى أطلع نبيه [صلّى الله عليه وسلّم] [2] على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم، وبقي ما كان [فيها] [3] من ذكر الله تعالى، فذكر ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طَالِب، فقال أبو طالب: أحق ما تخبرني به يا ابن أخي. قال: نعم والله. فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط. قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم، وتخرجوا إلى قريش، فتذكروا [ذلك] [4] لهم من قبل أن يبلغهم الخبر. فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فَقَالَ أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبونا فيه [5] . قالوا: مرحبا بكم وأهلا. قال: إن ابن أخي قد أخبرني- ولم يكذبني قط- أن الله عز وجل قد سلّط على صحيفتكم الأرضة، فلحست كل ما فيها [6] من جور أو ظلم أو
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع خبر الصحيفة في: طبقات ابن سعد 1/ 210، وسيرة ابن هشام 1/ 274، وتاريخ الطبري 2/ 341، والبداية والنهاية 3/ 95، والكامل لابن الأثير 1/ 604.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وما أوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
[5] في الأصل: «فأجيبوا فيه» ، وما أوردناه من أ.
[6] في الأصل: «فمسحت كل ما فيها» . وما أوردناه من أ، وطبقات ابن سعد 1/ 210.

(3/3)


قطيعة رحم [1] ، وبقي فيها كل ما ذكر به الله [2] ، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه واستحييتموه إن شئتم. قالوا: قد أنصفت.
فأرسلوا إلى الصحيفة، فلما فتحوها إذا هي كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسقط في أيدي القوم، ثم نكسوا [على] [3] رءوسهم. فقال أبو طالب: هل تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة، فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا.
رواه محمد بن سعد عن أشياخ له [4] .
والثاني: أن هشام بن عمرو بن الحارث العامري مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب، وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت، لا يباعون [5] ، ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، أما إني أحلف باللَّه: لو كان أخوك أبو الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك منهم أبدا. قَالَ: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد/ والله لو كان معي آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها. قال: قد وجدت رجلا. قال:
من هو؟ قال: أنا. قال: أبغنا ثالثا. فذهب إلى المطعم بن عدي فقال: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت موافق لقريش في ذلك [6] ؟ قال:
ويحك، ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد. قال: قد وجدت ثانيا. قال: من هو؟ قال:
أنا. قال: أبغنا ثالثا [7] . قال: قد وجدت. قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال:
أبغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختري بن هشام. فقال له نحوا مما قال لمطعم بن عدي.
فقال: فهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم. قال: من هو؟ قال: زهير، والمطعم،
__________
[1] في الأصل: «من جور وظلم أو قطيعة رحم» . وفي أ: «من جور وظلم وقطيعة رحم» ، وما أوردناه من ابن سعد.
[2] في الأصل: «ما ذكر الله به» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 209، 210.
[5] في أ، وتاريخ الطبري: «لا يبايعون» .
[6] في تاريخ الطبري 2/ 341، وابن هشام 1/ 375: «وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه» .
[7] قال في اللسان: «ابغني كذا، بهمزة الوصل، أي أطلب لي، وأبغني بهمزة القطع، أي أعني على الطلب» .

(3/4)


وأنا معك، قال: أبغنا خامسا. فذهب إلى زمعة بن الأسود، فكلمه وذكر له قرابتهم.
فقال: وهل لك معين [1] ؟ قال: نعم. فسمى له القوم، فاتعدوا خطم الحجون [2] التي بأعلى مكة، واجتمعوا هنالك وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها. فقال زهير: أنا أبدؤكم. فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم [3] ، وكانت قريش قد تجاوزت الكعبة، فكان شق البيت لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم، وكان ظهر البيت [4] لبني جمح وبني سهم، وكان شق الحجر- وهو الحطيم- لبني عبد الدار، ولبني أسد بن عبد العزى، وبني عدي بن كعب، فغدا زهير فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، إنا نأكل الطعام [5] ، ونشرب الشراب. ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباعون [6] ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل: كذبت، والله لا تشق. فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت [7] . فقال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به: فقال المطعم: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها.
وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك. / فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل وتشوور فيه بغير [هذا المكان] [8] فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها [9] ، فوجد الأرضة قد أكلتها، إلا ما كان من «باسمك اللَّهمّ» .
__________
[1] في تاريخ الطبري، وسيرة ابن هشام: «وهل على هذا الأمر الّذي تدعوني إليه من أحد» .
[2] في الأصل: «فاتعدوا حطيم الحجون» . وفي أ: «فاقعدوا حطم الحجون» . وما أوردناه عن الطبري وابن هشام.
والحجون: موضع بأعلى مكة. وخطمه: مقدمه.
[3] في الأصل: «غدوا على أنديتكم» .
[4] كتب في الأصل فوق «البيت» . «الكعبة» . وفي أ: «الكعبة» .
[5] كذا في الأصل، أ، وفي ابن هشام، والطبري: «أنأكل الطعام» .
[6] في الطبري: «لا يبايعون» . وفي ابن هشام: «لا يباع» .
[7] في الطبري: «ما رضينا كتابها حين كتبت» . وفي ابن هشام: «ما رضينا كتابها حيث كتبت» .
[8] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل مطموس، وساقط من أ، وأوردناه من الطبري وابن هشام.
[9] في الأصل: «الصحيفة يشقها» .

(3/5)


وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم [1] ، فشلت يده [2] .
هذا قول ابن إسحاق
. فصل
وقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ضماد الأزدي.
أَخْبَرَنَا سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسُّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ابن عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يُرْقِي مِنْ [هَذِهِ] [3] الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ [4] يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، لَعَلَّ [اللَّهَ] [5] أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يَدِي [6] . قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدٌ، إِنَّي أَرْقِي مِنَ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ يَشَاءُ، فَهَلْ لَكَ [7] ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فلا مضل له [8] ، ومن
__________
[1] في الأصل، أ: «عكرمة بن هشام» ، وما أوردناه من الطبري، وابن هشام.
[2] قال السهيليّ: «وللنساب من قريش في كاتب الصحيفة قولان: أحدهما أن كاتب الصحيفة هو:
بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد الدار، والقول الثاني: انه منصور بن عبد شرحبيل بن هاشم من بني عبد الدار أيضا، وهو بخلاف قول ابن إسحاق، ولم يذكر الزبير في كاتب الصحيفة غير هذين القولين، والزبيريون أعلم بأنساب قومهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من صحيح مسلم. وفي دلائل النبوة للبيهقي 2/ 223: «من هذه الرياح» . والمراد بهذه الريح هنا: «الجنون ومس الجن» .
[4] في دلائل النبوة: «فسمع سفهاء من سفهاء الناس» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] في الدلائل: «فقال: آتي هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَى يدي» .
[7] في الدلائل: «فهلم» .
[8] في الدلائل: «من يهده الله فلا مضل له» .

(3/6)


يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» .
قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ.
فَأَعَادَهُنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ قَامُوسَ الْبَحْرِ، هَاتِ يَدَكَ [1] أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ. فَبَايَعَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] : «وَعَلَى قَوْمِكَ» ؟
قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي.
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلاءِ شَيْئًا؟.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَصَبْتُ مَطْهَرَةً.
فَقَالَ: رَدُّوهَا، فَإِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ [3]
. ذكر الحوادث في السنة العاشرة من النبوة
[وفاة أبي طالب]
[4] منها: موت أبي طالب، فإنه توفي للنصف من شوال في هذه السنة، وهو ابن بضع وثمانين سنة.
ولما مرض أبو طالب دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام.
__________
[1] في الدلائل: «فهلم يدك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] الخبر أخرجه مسلم في صحيحة: 7- كتاب الجمعة (13) باب تخفيف الصلاة والخطبة، الحديث (46) ص (593) ، ودلائل النبوة 1/ 223، والبداية والنهاية 3/ 36.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 122، وسيرة ابن هشام 2/ 417- 418، والروض الأنف 1/ 258، والبداية والنهاية 3/ 122، والنويري 16/ 277، والسيرة الحلبية 1/ 466، والسيرة الشامية 2/ 563، والكامل لابن الأثير 1/ 606، دلائل النبوة للبيهقي 2/ 351.

(3/7)


فَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال: حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا عَمُّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» .
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتْرَغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: «يَا عَمُّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» .
وَيَقُولانِ لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟
حَتَّى قَالَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: أَنَا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ مَاتَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» [1] .
فَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ 9: 113 [2] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عن
__________
[1] «عنك» . ساقطة من طبقات ابن سعد.
[2] سورة: التوبة، الآية: 113.
والخبر أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 122، والبخاري في صحيحه 65- كتاب التفسير، سورة التوبة، (16) باب «وما كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» . حديث (4675) ، فتح (8/ 341) ، والبيهقي في الدلائل 2/ 343.

(3/8)


عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ [1] ، قال: قال أبو طالب: يا ابن أَخِي، وَاللَّهِ لَوْلا رَهْبَةُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ: [وهرني] [2] الْجَزَعُ، فَتَكُونَ سُبَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ لَفَعَلْتُ الَّذِي تَقُولُ، وَأَقْرَرْتُ/ عَيْنَكَ لِمَا أَرَى مِنْ شُكْرِكَ وَوَجْدِكَ وَنَصِيحَتِكَ [لِي.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ دعَاَ] [3] بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا سَمِعْتُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ [وَمَا اتَّبَعْتُمْ] أَمْرَهُ، فَاتَبِّعُوهُ وَأَعِينُوهُ تَرْشُدُوا.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لم تَأْمُرْهُمْ بِهَا [4] وَتَدَعْهَا لِنَفْسِكَ؟» .
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَأَلْتَنِي [5] الْكَلِمَةَ وَأَنَا صَحِيحٌ لتابعتك على الّذي تقول، ولكني أكره أَنْ أَجْزَعَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَتَرَى قُرَيْشُ أَنِّي أَخَذْتُهَا جَزَعًا وَرَدَدْتُهَا فِي صِحَّتِي [6] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ:
«اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ» .
قَالَ فَفَعَلْتُ. قَالَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَيَّامًا وَلا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهَذِهِ الآَيَةِ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى 9: 113 [7] .
__________
[1] في الأصل: «العلويّ» .
[2] في الأصل دهدني، وقد صححت من ألوفا بأحوال المصطفى فقرة رقم 280 ص 209 ط. دار الكتب العلمية.
[3] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[4] في الطبقات: «أتأمرهم بها» .
[5] في طبقات ابن سعد: «أما لو إنك سألتني» .
[6] طبقات ابن سعد 1/ 122، 123.
[7] سورة: التوبة، الآية: 113.

(3/9)


قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْتُ [1] .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدّ مَاتَ.
قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ وَلا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي» .
فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ، فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ دَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسَرُّنِي مَا عُوِّضَ بِهِنَّ مِنْ شَيْءٍ [2] . أَخْبَرَنَا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا إبراهيم ابن أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ الأَصَمُّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيُّ يَذكر عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ قَدّ مَاتَ.
قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلا تُحْدِثَنَّ شيئا حتّى تأتيني» .
قال: فاغتسلت ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَدَعَا لِي/ بِدَعَواتٍ [مَا يَسُرُّنِي أَنِّي ليِ] [4] بِهَا حُمُرُ النِّعَمِ وَسُودُهَا. قَالَ: وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [إِذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ] [5] اغْتَسَلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَارَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ:
«وَصَلْتَ رَحِمَكَ، جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يا عم» [6] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 123.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 124.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل مطموس.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل مطموس.
[6] البداية والنهاية 3/ 125، ودلائل النبوة 2/ 349.

(3/10)


[وفاة خديجة رضي الله عنها]
[1] ومن الحوادث: وفاة خديجة [رضي الله عنها] [2] بعد أبي طالب بأيام [3] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بْنُ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ:
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [4] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ وَخَدِيجَةُ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ [5] ، اجْتَمَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصِيبَتَانِ، فَلَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَقَلَّ الْخُرُوجَ، وَنَالَتْ مِنْهُ قُرَيْشٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ وَلا تَطْمَعُ بِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، امْضِ لِمَا أَرَدْتَ وَمَا كُنْتَ صَانِعًا إِذْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا فَاصْنَعْهُ، لا وَاللاتِ لا يُوصَلُ إِلَيْكَ حَتَّى أَمُوتَ. وَسَبَّ ابْنَ الَعْيَطَلَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ، فَنَالَ مِنُهْ، فَوَلَّى [وَهُوَ] [6] يَصِيحُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، صبأ أبو عتبة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 210، 211، ودلائل النبوة 2/ 351، وأنساب الأشراف 1/ 186.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] توفيت السيدة خديجة قبل الهجرة بثلاث سنوات، وتوفي أبو طالب بعدها بخمس وثلاثين ليلة، وقيل:
بل توفيت بعده بثلاثة أيام، وإن وفاته كانت بعد نقض الصحيفة بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوما.
وروى البخاري عن عروة قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وروى البلاذري عنه قال: توفيت قبل الهجرة بسنتين أو قريب من ذلك.
وقال بعضهم: ماتت قبل الهجرة بخمس سنين قال البلاذري: وهو غلط.
وروى الحاكم أن موتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.
وقال محمد بن عمر الأسلمي: توفيت لعشر خلون من رمضان وهي بنت خمس وستين سنة. ثم روى عن حكيم بن حزام أنها توفيت سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قبرها، ولم تكن الصلاة على الجنازة شرعت.
وروى يعقوب بن سفيان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من طبقات ابن سعد 1/ 210، 211.
[5] في الأصل: «بينهما ستة أشهر وخمسة أيام» ، وما أوردناه من أ، وطبقات ابن سعد 1/ 211.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.

(3/11)


فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى وَقَفُوا [1] عَلَى أَبِي لَهَبٍ، فَقَالَ: مَا فَارَقْتُ دِينَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَكِنِّي أَمْنَعُ ابْنَ أَخِي أَنْ يُضَامَ حَتَّى يَمْضِيَ لِمَا يُرِيدُ. فَقَالُوا: قَدْ أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ وَوَصَلْتَ الرَّحِمَ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أَيَّامًا يَذْهَبُ وَيَأْتِي، لا يَعْتَرِضُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهَابُوا أَبَا لَهَبٍ، إِلَى أَنْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَبُو جَهْلٍ إِلَى أَبِي لَهَبٍ فَقَالا لَهُ: أَخْبَرَكَ ابْنُ أَخِيكَ، أَيْنَ مَدْخَلُ أَبِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: يَا مُحَمَّدٌ، أَيْنَ مَدْخَلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالَ: «مَعَ قَوْمِهِ» .
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا أَبُو لَهَبٍ وَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ مَعَ قَوْمِهِ.
فَقَالا: إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ فِي النَّارِ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، أَيَدْخُلُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النَّارَ؟
فَقَالَ رَسُولُ/ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى مِثْلِ مَا مَاتَ [عَلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ دَخَلَ] النَّارَ» [2] .
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: وَاللَّهِ لا بَرِحْتُ لَكَ عَدُوًّا أَبَدًا، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فِي النَّارِ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ [هُوَ] [3] وَسَائِرُ قُرَيْشٍ [4] .
قَالَ محمد بن عمر: وحدثني عبد الرحمن بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ تَنَاوَلَتْ قُرَيْشُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ حِينَئِذٍ إِلَى الطَّائِفِ وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ.
قال محمد بن عمر- بغير هذا الإسناد-: فأقام بالطائف عشرة أيام.
وقال غيره: شهرا لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد، اخرج من بلدنا والحق لمجابك من الأرض، وأغروا به سفهاءهم. فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجليه لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه
__________
[1] في الأصل: «وقفت» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل، وأوردناها من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من أ، وابن سعد.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 210، 211.

(3/12)


حَتَّى لقد شج في رأسه شجاجا. فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [من الطائف راجعا] [1] إلى مكة وهو محزون، فلما نزل نخلة قام يصلي، فصرف إليه نفر من الجن، سبعة من أهل نصيبين، فاستمعوا وأقاموا بنخلة أياما [2] .
فقال له زيد: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟
فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي أدخل في جوارك، قال: نعم [3] .
قال محمد بن كعب القرظي: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف- وهم قادة ثقيف وأشرافهم يومئذ- وهم أخوة ثلاثة: عبد يا ليل، ومسعود، وحبيب أولاد عمرو بن عمير، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل، وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرط [4] ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك.
وقال آخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك.
وقال الثالث: والله لا أكلمك كلمة أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن/ كنت [تكذب على الله ما ينبغي] [5] لي أن أكلمك.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عندهم [وقد يئس] [6] من نصر ثقيف [7] ، وأغروا به سفهاءهم يسبونه ويصيحون بِهِ، حتى اجتمع إليه الناس، وألجئوه إلى حائط [8] لعتبة بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في طبقات ابن سعد: «فاستمعوا عليه وهو يقرأ سورة الجن، ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزلت عليه: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً من الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ 46: 29 فهم هؤلاء الذين كانوا صرفوا إليه بنخلة، وأقام بنخلة أياما.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 211، 212.
[4] يمرطه: أي ينزعه ويرمي به.
[5] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[7] في ابن هشام، والطبري: «من خير ثقيف» .
[8] الحائط هنا: البستان.

(3/13)


ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل حبلة من عنب، فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف، فلما اطمأن قال فيما ذكر لي:
«اللَّهمّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد فيجهمني [1] ، أم إلى عدو ملكته أمري، فإن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات [2] ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك، لك الرضى حتى [3] ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك» .
فلما رأى ابنا ربيعة- عتبة وشيبة- ما لقي، تحركت له رحمهما [4] ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له: عداس، وقالا له: خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل ثم أقبل به حتى وضعه بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: «بسم الله» ثم أكل.
فنظر عداس إلى وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ومن أي البلاد أنت، وما دينك» ؟.
قال: أنا نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى [5] .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى» ؟.
قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟.
قال: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي.
__________
[1] تجهمه: استقبله بوجه كريه.
[2] راجع الروض الأنف.
[3] في الطبري وابن هشام: «لك العتبى» . والمعنى واحد.
[4] الرحم: الصلة والقرابة.
[5] نينوى: قال أبو ذر الخشنيّ: «ورويت هنا بضم النون الثانية وبفتحها» .

(3/14)


فأكب عداس على رأس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقبل رأسه ويديه ورجليه [1] .
قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبل رأس هذا/ الرجل ويديه وقدميه؟
قال: يا سيدي ما في الأرض [شيء خير من هذا، لقد أخبرني] [2] بأمر لا يعلمه إلا نبي [3]
. [رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف]
[4] .
ومن الحوادث: أنه لما رجع من الطائف لم يمكنه دخول مكة إلا بجوار، وذلك أنه لما دنا من مكة علم أن قومه أشد عليه مما كانوا، فأرسل بعض أهل مكة إلى الأخنس بن شريق فقال له: «هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي؟» .
فقال له الأخنس: إن الحليف لا يجير على الصريح.
قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: تعود؟ قال: نعم. قال: فأت سهيل بن عمرو فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فقال له ذلك، فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب. فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره. قال:
تعود؟ قال: نعم. قال: ائت المطعم بن عدي فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ قال: نعم فليدخل.
فرجع فأخبره وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه، فدخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع [5] ؟ قال: بل مجير، قال:
أجرنا من أجرت [6] ؟
__________
[1] كذا في الأصول والطبري، وفي ابن هشام «قدميه» .
[2] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل، وما أوردناه من ابن هشام. وفي الطبري: «خير من هذا الرجل لقد أخبرني» .
[3] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 419، وتاريخ الطبري 2/ 344.
[4] تاريخ الطبري 2/ 347.
[5] في الأصول: «مبايع» ، وما أوردناه من الطبري.
[6] في الأصل: «قد أخبرنا من أجرت» ، وما أوردناه من أ، والطبري.

(3/15)


فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأقام بها، وكان يقف بالموسم على القبائل فيقول: «يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا» فكان يمشي خلفه أبو لهب فيقول: لا تطيعوه. وأتى رسول الله كندة في منازلهم فدعاهم إلى الله [عز وجل] فأبوا، وأتى كلبا في منازلهم فلم يقبلوا منه، وأتى بني حنيفة [1] في منازلهم، فردوا عليه أقبح رد، وأتى [بني] [2] عامر بن صعصعة، وكان لا يسمع بقادم من العرب له اسم وشرف إلا دعاه وعرض عليه ما عنده.
وقال جابر بن عبد الله: مكث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [3] بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ، ومجنة وفي المواسم يقول: «من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟» حتى بعثنا الله إليه فأويناه وصدقناه.
[تزويج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ عائشة رضي الله عنها]
[4] ومن الحوادث في هذه السنة: تزويج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ عائشة وسودة. وكانت عائشة بنت ست سنين حينئذ.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ وَيَحْيَى قَالا: لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَتَزَوَّجُ؟ قَالَ: «مَنْ؟» قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا.
قَالَ: «مَنِ الْبِكْرُ؟» قَالَتِ: ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ [عَائِشَةُ] [5] ِبنْتُ أَبِي بكر.
__________
[1] في أ: «بني خيفة» . خطأ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 3/ 350.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] العنوان غير موجود في الأصول.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند 6/ 210- 211.

(3/16)


قَالَ: «وَمَنِ الثَّيِّبُ؟» . قَالَتْ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آَمَنَتْ بِكَ وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا تَقُولُ.
قَالَ: «فَاذْهَبِي فْاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ» .
فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبَ عَلَيْهِ عَائِشَةَ.
قَالَتِ: انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى يَأْتِيَ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبَ عَلَيْهِ عَائِشَةَ.
قَالَ: وَهَلْ تَصْلُحُ لَهُ، إِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ. فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ: «ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أنا أَخُوكَ، وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ، وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي» .
فَرَجَعْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: انْتَظِرِي. وَخَرَجَ.
قَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ مُطْعَمَ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ قَدْ ذَكَرَهَا على ابنه، فو الله مَا وَعَدَ وَعْدًا قَطُّ فَأَخْلَفَهُ- تَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ وَعِنْدَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ الْفَتَى، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبِي صَاحِبِنَا وَمُدْخِلُهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ أَنْ تَزَوَّجَ إِلَيْكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُطْعَمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَبِقَوْلِ هَذِهِ تَقُولُ [قَالَ:] [1] إِنَّهَا تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ عِدَتِهِ الَّتِي وَعَدَهُ، فَرَجَعَ فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي/ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَعَتْهُ، فزوجها [إياه وعائشة يَوْمَئِذٍ] [2] بِنْتَ سِتِّ سِنِينَ.
ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى سَوْدَةَ بِنْتِ [زَمْعَةَ وَقَالَتْ] : [3] مَاذَا أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطُبَكِ عَلَيْهِ.
قَالَتْ: وَدِدْتُ، ادْخُلِي إِلَى أَبِي فَاذْكُرِي ذَلِكَ لَهُ- وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَدْرَكَهُ السِّنُّ. [قَدْ تخلف عن الحج] [4] فدخلت عليه، فحيته بتحية الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ:
خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بن عبد الله أخطب عليه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من باقي الأصول والمسند.
[3] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من باقي الأصول والمسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.

(3/17)


سَوْدَةَ. قَالَ: كُفْؤٌ كَرِيمٌ، مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ؟ قَالَتْ: تُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: ادْعِيهَا لِي.
فَدَعَوْتََُهَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ هَذِهِ تَزْعُمُ أَنَّ محمدا بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَرْسَلَ يَخْطُبَكِ، وَهُوَ كُفْؤٌ كَرِيمٌ، أَتُحِبِّينَ أَنْ أُزَوِّجَكِهِ [1] ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: ادْعِيهِ لِي. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ [2]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3- خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وتكنى: أم هند.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُدَبِّرِ قال: أخبرنا أبو منصور بن عبد العزيز الْعُكْبُرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَالِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ قَالَ: [أَخْبَرَنِي] أَبِي، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذكر خَدِيجَةَ، فَيُحْسِنُ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ، فَأَدْرَكَتْنِي الْغِيرَةُ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ إِلا عَجُوزًا قَدْ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ خَيْرًا مِنْهَا؟.
قَالَتْ: فَغَضِبَ حَتَّى اهْتَزُّ مُقَدِّمُ شَعْرِهِ مِنَ الْغَضَبِ، ثُمَّ قَالَ: «لا وَاللَّهِ، مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا، لَقَدْ آمَنَتْ إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي، وَرَزَقَنِي اللَّهُ أَوْلادَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ» [3] .
قَالَتْ: فَقُلْتُ: بَيْنِي/ وَبَيْنَ [نَفْسِي: لا أَذْكُرُهَا بِسُوءٍ] [4] أَبَدًا. أَنْبَأَنَا يَحْيَى بن الحسين البناء قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ... [5] قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ
__________
[1] في المسند: «أتحبين أن أزوجك به» ، وفي أ: «أتحبين أن أزوجك إياه» .
[2] الخبر في المسند 6/ 210.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 84، 8/ 35، وتاريخ الطبري 2/ 280- 283، 298، 307، 309، 311، 312، 316، 317، 336، 343، 367، 468، والبداية والنهاية 3/ 127.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[5] مكان النقط في الأصل أرضة، والسند ساقط من أ.

(3/18)


قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حَدَّثَنَا الزُّبَير بْن بكار قَالَ: حدثني محمد بْنُ حَسَنٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ:
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَهِيَ فِي مَرَضِهَا الَّذِي تُوِفِّيَتْ فِيهِ، فَقَالَ لَهَا: «يَا لَكُرْهٍ مِنِّي مَا أَرَى مِنْكِ يَا خَدِيجَةُ وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قد زَوَّجَنِي مَعَكِ فِي الْجَنَّةَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ وَكَلْثَمَ أُخْتَ مُوسَى، وَآسِيَا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» .
قَالَتْ: وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَتْ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ. قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ.
وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ سُنَّةُ الْجِنَازَةِ الصَّلاةُ عَلَيْهَا
. - السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود:
[1] أسلم، قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته سودة بنت زمعة، فمات في هذه السنة بأرض الحبشة.
وقيل: بمكة، فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة [2]
. 4- عبد مناف، أبو طالب:
[عم رسول الله صلى الله عليه وسلم] [3] وقد سبق ذكره [4] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 149. وفيه: وأمه حبّى بنت قيس بن ضبيس، وكان له من الولد عبد الله، وأمه سودة بنت زمعة.
[2] وكانت أول امرأة تزوجها بعد موت خديجة بنت خويلد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] في أ: «قد سبق ذكر وفاته فيما قبل» .

(3/19)