المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ذكر الحوادث سنة
إحدى عشرة من النبوة
[بدء إسلام الأنصار] [1] من ذلك:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم يعرض نفسه على القبائل كما
كان يصنع في كلّ موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فقال:
«من أنتم؟» قالوا: من الخزرج. قال: «أفلا تجلسون أكلمكم؟» . قالوا:
بلى.
فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلى عليهم
القرآن، وكان أولئك يسمعون من اليهود أنه قد أظل زمان نبي يبعث، فلما
كلمهم قال بعضهم لبعض: والله إنه النبي الذي يعدكم [2] به يهود، فلا
تسبقنكم إليه. فأجابوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا، وكانوا
ستة وهم:
أسعد بن زرارة [3] ، وعوف بن الحارث-/ وهو ابن عفراء [4]- ورافع بن
مالك بن العجلان [5] ، [وقطبة بن عامر بن حديدة] [6] ، وعقبة بن عامر
بن نابي [7] ، وجابر بن عبد الله بن رئاب [8] .
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 353، وسيرة ابن هشام 1/ 428، والاكتفاء 1/ 413،
ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 413 والبداية والنهاية 3/ 145.
[2] في تاريخ الطبري، وابن هشام، والاكتفاء: «توعدكم» .
[3] في ابن هشام: أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن
مالك بن النجار، وهو أبو أمامة.
وكان أسعد نقيبا، وشهد العقبة الأولى والثانية، وبايع فيهما. ويقال:
إنه أول من بايع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومات في تلك الأيام.
[4] قال ابن هشام: «عوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن
مالك بن النجار» .
شهد عوف بدرا مع أخويه معاذ ومعوذ وقتل هو ومعوذ شهيدين يوم بدر.
[5] يكنى رافع، أبا مالك، وقيل: أبو رفاعة. وهو نقيب بدري، شهد العقبة
الأولى والثانية، وشهد بدرا. ولم يذكره ابن إسحاق في البدريين. وذكر
فيهم ولديه رفاعة وخلادا.
[6] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
ويقال قطبة بن عمرو، ويكنى أبا زيد. شهد العقبة الأولى والثانية وبدرا
وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكانت معه
راية بني سلمة يوم الفتح. وجرح يوم أحد تسع جراحات، وتوفي زمن عثمان.
[7] شهد عقبة بدرا بعد شهوده العقبة الأولى، ثم شهد أحدا فاعلم بعصابة
خضراء في مغفره، ولقد شهد الخندق وسائر المشاهد. وقتل يوم اليمامة
شهيدا.
[8] شهد جابر بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم، وهو أول من أسلم
(3/20)
[فلما قدموا] [1] المدينة إلى قومهم ذكروا
لهم رسول الله، ودعوهم إلى الإسلام حتى [فشا] [2] فيهم، فلم تبق دار من
دور الأنصار إلا وفيها ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَرَوَى أَبُو هِلالٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ
الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُقَاتِلٍ
الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ كَثِيرِ
بْنِ سَيَّارٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بِشْرَانَ، الصَّنْعَانِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيُّ، عَنْ أَبَانَ
بْنِ ثَعْلَبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ،
خَرَج وَأَنَا مَعَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَفَعَنَا إِلَى مَجْلِس
مِنْ مجالس العرب، فتقدم أبو بكر فسلّم، ووقفت أَنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدَّمًا في كل خير، وكان رجلا
نسّابة، فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ رَبِيعَة. قَالَ:
وَأَيُّ رَبِيعَةَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: ذُهَلُ الأَكْبَرُ. قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: أَمِنْ هَامَتِهَا أَوْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ قَالُوا: بَلْ مِنْ
هَامَتِهَا الْعُظْمَى. قَالَ: فَمِنْكُمْ عَوْفٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ:
لا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ بِسْطَامُ
بْنُ قَيْسٍ أَبُو اللِّوَاءِ [3] وَمُنْتَهَى الأَحْيَاءِ؟ قَالُوا:
لا. [قال: فمنكم جسّاس بن مرة حامي الذِّمَارُ وَمَانِعُ الْجَارِ؟
قَالُوا:
لا] [4] قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ قَاتِلُ الْمُلُوكِ
وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمُ
الْمُزْدَلِفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لا. قَالَ:
فَمِنْكُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟
قَالُوا: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ أَصْهَارُ الْمُلُوكِ [5] مِنْ لَخْمٍ؟
قَالُوا: لا. قَالَ: فَلَسْتُمْ [مِنْ] [6] ذُهْلٍ من الأنصار قبل
العقبة الأولى بعام وجابر هذا غير جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
الأنصاري الصحابي ابن الصحابي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: مطموس في الأصل.
[3] في الأصل: «أبو اللومي» ، وغير موجودة في أ، والتصحيح من البيهقي.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من البيهقي، وجاءت
اختلاف في الترتيب في البيهقي.
[5] في البيهقي: «أصحاب الملوك» .
[6] (من) ناقصة من الأصل وقد أضيفت من الدلائل.
(3/21)
الأَكْبَرِ، أَنْتُمْ [مِنْ] ذُهْلٍ
الأَصْغَرُ. فَقَامَ إِلَيْهِ غُلامٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ يُقَالُ
لَهُ: دَغْفَلٌ حِينَ بَقَلَ عَارِضُهُ [1] ، فَقَالَ:
إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أن نسأله ... والعبو لا [2] تَعْرِفُهُ أَوْ
تَحْمِلُهُ
[3] / [يَا هَذَا، إِنَّكَ قَدْ سَأَلْتَنَا] [4] فَأَخْبَرْنَاكَ،
وَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا، فَمِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: مِنْ [قُرَيْشٍ. فَقَالَ الْفَتَى:] [5] بَخٍ بَخٍ أَهْلُ
الشَّرَفِ وَالرِّئَاسَةِ، فَمِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ
[وَلَدِ تَيْمِ بْنِ] [6] مرة. فقال الفتى: أَمْكَنْتَ وَاللَّهِ
الرَّامِي مِنْ سَوَاءِ النُّقْرَةِ، فَمِنْكُمْ [قُصَيٌّ] [7] الَّذِي
جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ، فَكَانَ يُدْعَى فِي قُرَيْشٍ
مُجَمِّعًا. قَالَ: لا.
قَالَ: فَمِنْكُمْ هَاشِمٌ الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ
فَقِيلَ فيه: (بيت)
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مُسْنِتُونَ عِجَافُ
قَالَ: لا. قَالَ: فَمِنْكُمْ شَيْبَةُ الْحَمْدِ [عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ] [8] مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ الَّذِي كان وجهه يضيء
في الليلة الظَّلْمَاءِ. قَالَ: لا. قَالَ: أَفَمِنَ النَّدْوَةِ [9]
أَنْتَ؟ قَالَ:
لا. قَالَ: [أَفَمِنْ أَهْلِ الحِجَابَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا. قَالَ:
فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا] [10] قَالَ: فَمِنْ
أَهْلِ الإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا.
وَزَادَ غَيْرُهُ: قَالَ: فَأَنْتَ إِذًا مِنْ زَمْعَاتِ قُرَيْشٍ.
قَالَ: فَاجْتَذَبَ [11] أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ النَّاقَةِ وَرَجَعَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم، فقال الغلام:
__________
[1] كذا في أحد نسخ دلائل النبوة المخطوطة، وفي المطبوع منه: «حين تبين
وجهه» .
[2] كذا في الأصل ودلائل النبوة للبيهقي، وفي أ، ودلائل النبوة لأبي
نعيم والبداية والنهاية: «والعبء» .
[3] في البيهقي: «لا نعرفه أو نجهله» .
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[6] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من البيهقي.
[9] في أ: «فمن النداوة» وفي البداية والنهاية: «أفمن أهل الندوة» .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[11] في الأصل: «واجتذب» .
(3/22)
صَادَفَ دَرُّ السَّيْلِ [1] دَرًّا
يَدْفَعُهُ ... يَهِيضُهُ حِينًا وَحِينًا يَصْدَعُهُ
أَمَا وَاللَّهِ لَوْ ثَبَتَ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ،
لَقَدْ وَقَعْتَ مِنَ الأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ.
قَالَ: أَجَلْ يَا أَبَا الْحَسَنِ، مَا مِنْ طَامَّةٍ إِلا
وَفَوْقَهَا طَامَّةٌ، وَالْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ.
قَالَ: فَدَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ
وَالْوَقَارُ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَدَنَا، فَقَالَ:
مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [2] مَا وَرَاءَ هَؤُلاءِ مِنْ
قَوْمِهِمْ شَيْءٌ، هَؤُلاءِ غُرَرُ النَّاسِ، وَفِيهِمْ:
مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ
حَارِثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ
الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ قَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ،
وَلَنْ تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَيْفَ
الْمَنَعَةُ فِيكُمْ؟ [3] قَالَ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
جَهْدُ [4] . قَالَ: كَيْفَ الْحَرْبُ/ بَيْنَكُمْ؟ قَالَ: إِنَّا
لأَشَدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نَلْقَى، وَأَشَدُّ [مَا نَكُونُ
لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ] [5] وَإِنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ [6] عَلَى
الأَوْلادِ، وَالسِّلاحِ عَلَى اللِّقَاحِ [، وَالنَّصْرُ مِنَ
اللَّهِ] [7] عَزَّ وَجَلَّ يُدِيلُنَا مَرَّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا
أُخْرَى، لَعَلَّكَ أَخُو [قُرَيْشٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ] [8] رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فها هو ذا
[9] . قَالَ مَفْرُوقٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذكر ذَلِكَ، فَإِلَى مَا
يَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَجَلَسَ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُظِلُّهُ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ:
«أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ
لا شريك له، وأني رسول الله، وإلى
__________
[1] في أ: «در السبيل» .
[2] في الأصل: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ» ، وما أوردناه من أ.
[3] في دلائل البيهقي: «فكيف المنعمة فيكم» .
[4] في الأصل: «ولكل قوم جد» .
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[6] في أ: «لنؤثر الجبال» .
[7] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[8] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضه، وما أوردناه من أ.
[9] في الدلائل للبيهقي: «ألا هو ذا» .
(3/23)
أن تؤوني وَتَنْصُرُونِي، فَإِنَّ
قُرَيْشًا قَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَكَذَّبَتْ
رُسُلَهُ، وَامْتَنَعَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ وَاللَّهُ هُوَ
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» .
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإِلَى مَا تَدْعُونَا أَيْضًا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ
تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً 6: 151 [1] الآية.
فقال مفروق: إلى ما تدعونا أيضا؟ فو الله مَا سَمِعْتُ كَلامًا هُوَ
أَجْمَلُ مِنْ هَذَا، وَلَوْ كَانَ مِنْ كَلامِ أَهْلِ الأَرْضِ
لَفَهِمْنَاهُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الله
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ 16: 90 [2] الآية.
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: دَعَوْتُ وَاللَّهِ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ،
ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عَلَيْكَ، وَهَذَا هَانِئُ
بْنُ قَبِيصَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا.
فَقَالَ ابْنُ قَبِيصَةَ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا
قُرَيْشٍ، وَإِنِّي أَرَى تَرْكَنَا دِينِنَا واتباعنا إياك، ولكن
نَرْجِعُ وَتَرْجِعُ، وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرُ، وَهَذَا الْمُثَنَّى بْنُ
حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا.
فَقَالَ الْمُثَنَّى: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ،
وَالْجَوَابُ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ، وَإِنَّا إِنَّمَا
نَزَلْنَا بَيْنَ صَرْيَيِّ الْيَمَامَةِ [3] .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا
هَاتَانِ الصَّرْيَانِ؟» .
قَالَ: مِيَاهُ الْعَرَبِ مَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يَلِي [أَنْهَارَ]
( [4] كِسْرَى فَذَنْبُ صَاحِبِه غَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعُذْرُهُ غَيْرُ
مَقْبُولٍ، وَإِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ كِسْرَى
عَلَيْنَا، أَنْ لا نُحْدِثَ حَدَثًا، وَلا نُؤْوِيَ مُحْدِثًا،
فَأَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا [الأَمْرَ] [5] الَّذِي تدعونا إليه تكرهه/
الملوك، [فإن
__________
[1] سورة: الأنعام، الآية: 151.
[2] سورة: النحل، الآية: 90.
[3] الصريين: تثنية صير، والصرى للماء إذا طال مكثه وتغير، وفي
النهاية: الصير: الماء الّذي يحضره الناس. واليمامة: مدينة باليمن.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من البيهقي.
(3/24)
شِئْتَ نُؤْوِيكَ] [1] وَنَنْصُرْكَ مِمَّا
يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَعَلْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2]
وَسَلَّمَ: «مَا أَسَأْتُمْ فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ
بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى لَنْ يَنْصُرَهُ إِلا
مَنْ [أَحَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ] [3] جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ
لَمْ تَلْبَثُوا إِلا قَلِيلا حَتَّى يُورِثَكُمُ اللَّهُ أَرْضَهُمْ
وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ،
أَتُسَبِّحُونَ الله وتقدسونه؟» .
فقال النُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ: اللَّهمّ لَكَ ذَلِكَ.
فَتَلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً
مُنِيراً 33: 45- 46 [4] . ثُمَّ نَهَضَ قَابِضًا عَلَى يَدِ أَبْي
بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيَّةُ أَخْلاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا
أَشْرَفَهَا، يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ
وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ [5] فِيمَا بَيْنَهُمْ» .
فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا صُدُقًا صُبُرًا [6]
. ذكر الحوادث في سنة اثنتي عشرة من النبوة
[الإسراء والمعراج]
[7] فمن ذلك: المعراج.
قال الواقدي: كان المسرى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة. وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[4] سورة: الأحزاب، الآية: 45، 46.
[5] في أ: «يتجازون» .
[6] الخبر أخرجه البيهقي في الدلائل، 2/ 422، والحاكم في المستدرك،
وأبو نعيم في دلائل النبوة 1/ 237- 241، وقال القسطلاني في المواهب:
أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو نعيم بإسناد حسن وابن كثير في البداية
والنهاية.
[7] طبقات ابن سعد 1/ 213، وسيرة ابن هشام 1/ 396، ودلائل النبوة
للبيهقي 2/ 354، والإكتفاء 1/ 377 والكامل 1/ 578، والبداية والنهاية
3/ 108.
(3/25)
السنة الثانية عشرة [1] من النبوة، قبل
الهجرة بثمانية عشر شهرا.
وروي عن أشياخ أخر قالوا: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة
سبعة عشر من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة.
وقال مؤلف الكتاب: ويقال إنه كان ليلة سبع وعشرين من رجب [2] .
أخبرنا هبة الله بن محمد قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن جعفر قال: أخبرنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حدثني أبي قال: حَدَّثَنَا
عَفَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ
قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ
صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ: «بَيْنَمَا
أَنَا فِي الْحَطِيمِ- وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَةُ: فِي الْحِجْرِ-
مُضْطَجِعٌ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ:
الأَوْسَطُ بَيْنَ الثَّلاثَةِ. قَالَ: فَأَتَانِي فَقَدَّ- وَسَمِعْتُ
قَتَادَةَ يَقُولُ:
فَشَقَّ- مَا بَيْنَ هَذِهِ [إِلَى هَذِهِ» ] [3] .
قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ/ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا
يَعْنِي؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ. [وَقَدْ
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصَّتِهِ] [4] إلى شعرته.
__________
[1] في الأصل: «السنة الثالثة عشر» ، وما أوردناه من أ، وألوفا للمصنف.
[2] لم يذكر ابن إسحاق تحديد السنة التي وقع فيها الإسراء، وقد تعرض
ابن كثير في البداية والنهاية لذلك فقال: ذكر ابن عساكر أحاديث الإسراء
في أوائل البعثة، وأما ابن إسحاق فذكرها في هذا الموطن بعد البعثة بنحو
من عشر سنين. وروى البيهقي من طريق موسى بن عقبة، عن الزهري أنه قال:
أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى المدينة بسنة ... ثم
روى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن
أسباط بن نصر، عن إسماعيل السدي أنه قال: فرض على رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخمس ببيت المقدس ليلة أسري به قبل مهاجره بستة عشر شهرا.
فعلى قول السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة، وعلى قول الزهري وعروة
يكون في ربيع الأول.
ثم ذكر عن جابر، وابن عباس قالا: ولد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول،
وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر ومات. وفيه انقطاع.
ثم ذكر أن المقدسي أورد حديثا لا يصح سنده: أن الإسراء كان ليلة السابع
والعشرين من رجب والله أعلم.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند 4/ 208.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
(3/26)
قال: «فاستخرج قلبي» قال: «فأتيت بِطَسْتٍ
مِنْ [ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا] [1] وَحِكْمَةً، فَغَسَلَ قَلْبِي
ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيَد، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ
[الْبَغْلِ] [2] وَفَوْقَ الْحِمَارِ، أَبْيَضَ» .
قَالَ: فَقَالَ لِلْجَارُودِ: أَهُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ يَقْعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ.
قَالَ: «فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلامُ حَتَّى أَتَى بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فاستفتح،
فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل:
أوقد أرسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ
الْمَجِيءُ جَاءَ» .
قَالَ: «فَفُتِحَ لَنَا، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ
عَلَيْهِ السَّلامُ. فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السلام وقال: مرحبا بالابن الصالح
والنبي الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ
الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم.
قيل: مرحبا به، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ.
قَالَ: «فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا
الْخَالَةِ، فَقَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا.
قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا فَرَدَّا السَّلامَ، ثُمَّ قَالا:
مَرْحَبًا بالأخ الصالح والنبي الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى
السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل:
مرحبا به، ونعم الْمَجِيءُ جَاءَ» .
قَالَ: «فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إِذَا يُوسُفُ. قَالَ: هَذَا
يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ،
ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصالح والنبي الصَّالِحِ، ثُمَّ
صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فاستفتح. فقيل: من هذا؟
قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال:
محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ونعم المجيء جاء»
.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، أوردناه من أ.
(3/27)
قَالَ: «فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا
إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ
عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ
الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ» .
قَالَ: «ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى [1] السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ،
فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: / أوقد [أرسل إليه؟ قال:
نعم. قيل] [2] مرحبا به، ونعم المجيء جاء» .
قال: «ففتح، فلما خلصت فَإِذَا هَارُونُ. [قَالَ: هَذَا هَارُونُ
فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» ] [3] قَالَ:
«فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بالأخ
الصالح والنبي الصَّالِحِ» .
قَالَ: «ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ،
فَاسْتَفْتَحَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل:
مرحبا به، ونعم المجيء جاء» .
قال: «ففتح، فلما خَلَصْتُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى. قَالَ: هَذَا
مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ.
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قال: مرحبا بالأخ
الصالح والنبي الصَّالِح» .
قَالَ: «فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟
قَالَ: أَبْكِي [لأَنَّ] [3] غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي»
.
قَالَ: «ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،
فَاسْتَفْتَحَ. فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟
قال: نعم. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ» .
قَالَ: «فُفِتَح، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ:
هَذَا [أَبُوكَ] [4] إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» . قَالَ:
«فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا
بِالابْنِ الصَّالِحِ والنبي الصالح» .
__________
[1] في الأصل: «حتى أتى إلى السما» ، وما أوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة بمقدار كلمتين، وما
أوردناه من أ، والمسند.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناه من أ، وغير موجودة
بالمسند.
(3/28)
قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ
الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ، وَإِذَا
وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. فَقَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ
الْمُنْتَهَى» .
قَالَ: «وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ،
وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ:
أَمَّا الْبَاطِنَانِ: فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا
الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ» .
قَالَ: «ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ» .
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ: أنه رَأَى الْبَيْتَ
الْمَعْمُورَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لا
يَعُودُونَ مِنْهُ [1] .
ثُمَّ رَجِعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ:
«ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ،
وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ» قَالَ: «فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ.
قَالَ: هَذِهِ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ» .
قَالَ: «ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلاةُ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» [2] .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
[3] قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
فقال: إن أُمَّتُكَ لا تَسْتَطِيعُ/ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ،
وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ [وَعَالَجْتُ بَنِي إسرائيل]
[4] أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ» .
قَالَ: « [فَرَجِعْتُ] [5] ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجِعْتُ
إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
قُلْتُ: أُمِرْتُ بِأَرْبَعِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ
أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ أَرْبَعِينَ صَلاةً [6] كُلَّ يَوْمٍ،
فَإِنِّي جَرَّبْتُ النَّاسَ [7] قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك» .
__________
[1] في المسند: «ثم لا يعودون إليه» .
[2] «ليلة» . ساقطة من المسند.
[3] في المسند: «بماذا أمرت» .
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل أرضة، وأوردناه من أ.
[6] في أ: «لا تستطيع لأربعين صلاة» .
[7] في المسند: «خبرت الناس» .
(3/29)
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي
عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
قُلْتُ: بِثَلاثِينَ صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تَسْتَطِيعُ
لِثَلاثِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ
[1] قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المعالجة، فارجع
إلى ربك فسله التخفيف لأمتك» .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجِعْتُ إِلَى
مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟
قُلْتُ: أُمِرْتُ بِعِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: إِنَّ
أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ لِعِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي
قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشد
المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف» .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،
فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعَشْرِ
صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ
لِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ
قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ،
فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ
لأُمَّتِكَ» .
قَالَ: «فَرَجِعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،
فَرَجِعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: إن أمتك لا تستطيع لخمس صَلَوَاتٍ
كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبِرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ» .
قَالَ: «قُلْتُ: قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ،
وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. فَلَمَّا نَفَذَتْ نَادَى مُنَادٍ:
قَدْ أَمْضَيْتُ فريضتي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» . أَخْرَجَاهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ [2] .
وَبِالإِسْنَادِ قَالَ أَحْمَدُ [3] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ/ أَوْفَى،
عَنِ ابن عباس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم:
__________
[1] في المسند: «خبرت الناس» .
[2] صحيح مسلّم، كتاب الإيمان (74) باب الإسراء برسول الله صلّى الله
عليه وسلّم، الحديث رقم 264 (1/ 149) وصحيح البخاري 63. كتاب مناقب
الأنصار (42) باب المعراج، الحديث 3887، فتح الباري 7/ 301.
[3] مسند أحمد بن حنبل 1/ 309.
(3/30)
«لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي،
وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فُظِعْتُ بِأَمْرِي [1] وَعَرِفْتُ أَنَّ
النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ» .
قَالَ: فَقَعَد [2] مُعْتَزِلا حَزِينًا، فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ
[3] فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ:
هل كان مِنْ شَيْءٍ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»
.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: «إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ» [4] .
قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟.
قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا؟! قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: فَلَمْ يَرَ أَنْ يُكَذِّبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ
الْحَدِيثَ إِنْ دعي قَوْمَهُ إِلَيْهِ [5] .
قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ، أَتُحَدِّثُهُمْ مَا
حَدَّثْتَنِي [6] ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍ.
حَتَّى انْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا
إِلَيْهِمَا.
قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي
أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ» .
قالوا: إلى أين؟
__________
[1] في أ: «فضقت بأمري» .
[2] في الأصل: «فقعدت» .
[3] في المسند: «فمر عدو الله أبو جهل» .
[4] في المسند: «إنه أسري به الليلة» .
[5] في المسند: «إذا دعا قومه إليه» .
[6] في المسند: «إن دعوت قومك فحدثهم ما حدثتني» .
(3/31)
قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .
قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانِينَا؟! قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَوَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ
مُتَعِجِّبًا لِلْكَذِبِ زَعَمَ [1] .
قَالُوا: أَوَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ- وَفِي
الْقَوْمِ مَنْ قَدَ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى
الْمَسْجِدَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
[فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ] [2] فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ
عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ» .
قَالَ: «فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى
وُضِعَ دُونَ دَارِ عُقَيْلٍ- أَوْ عُقَالٍ- فَنَعَتُّهُ وَأَنَا
أَنْظُرُ إِلَيْهِ» . قَالَ: وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ
أَحْفَظْهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: أَمَّا النَّعْتُ فو الله لَقَدْ أَصَابَ
[3]
. [ذكر العقبة الأولى] [4]
ومن الحوادث في هذه السنة:
خروج [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم [عامئذ] [6] إلى الموسم وقد قدم
وفد من الأنصار اثني عشر رجلا [7] ، فلقوه بالعقبة، وهم: أسعد بن
زرارة، وعوف ومعوذ [8] ابنا الحارث بن
__________
[1] زعم: ساقطة من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] الخبر في المسند 1/ 309، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه
للبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح 1/
64، 65.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 219، وسيرة ابن هشام 1/ 431، ودلائل النبوة 2/
430، والاكتفاء 1/ 413، والكامل 1/ 610 والبداية والنهاية 3/ 145،
وتاريخ الطبري 2/ 353 وابن سيد الناس 1/ 197، وتاريخ الإسلام للذهبي 2/
192، والنويري 16/ 310، والدرر لابن عبد البر 67.
[5] في الأصل: «خرج» وما أوردناه من أ.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[7] في الأصل: «وقد قدم من أرض الأنصار اثني عشر رجلا» . وما أوردناه
من أ.
[8] في ابن هشام: «وعوف ومعاذ ابنا الحارث» . وكذا في الطبقات،
والطبري.
(3/32)
رفاعة، ورافع بن مالك بن العجلان، وذكوان
[1] بن عبد قيس بن خلدة، وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة بن خزمة [2]
، وعباس بن عبادة بن نضلة، وعقبة بن عامر بن نابئ، وقطبة/ بن عامر بن
حديدة، وأبو الهيثم بن التيهان [3] واسمه: مالك، وعويم بن ساعدة.
فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فروى عبادة بن الصامت [4] قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة العقبة الأولى ونحن اثنا عشر رجلا أنا أحدهم، فبايعناه [على] [5]
بيعة النساء، على أن لا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني. ولا
نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه
في معروف- وذلك قبل أن تفرض الحرب.
قال: فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله، إن
شاء غفر، وإن شاء عذب.
فلما انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث معهم مصعب بن عمير
إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة- وكان
يسمى بالمدينة:
المقرئ [6]- فقال سعد بن معاذ يوما لأسيد بن حضير: ائت أسعد بن زرارة
فازجره عنا، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه ليسفه
ضعفاءنا.
فذهب أسيد بن حضير إلى أسيد وقال: ما لنا ومالك، تأتينا بهذا الرجل
الغريب يسفه ضعفاءنا؟! [7] .
__________
[1] قال ابن هشام: «ذكوان مهاجري أنصاري» .
[2] قال الطبري: خزمة، بفتح الزاي، فيما ذكر الدار الدّارقطنيّ، وقال
ابن إسحاق وابن الكلبي. خزمة، بسكون الزاي، وهو الصواب. قال أبو عمر:
ليس في الأنصار خزمة بالتحريك.
[3] قال ابن هشام: «التيهان: يخفف ويثقل، كقوله: ميت وميّت» .
[4] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 433، وتاريخ الطبري 2/ 356، ودلائل
النبوة 2/ 436، وابن سعد 1/ 220.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في أ: «القارئ» .
[7] الفقرة من: «فذهب أسيد ... » إلى «.... يسفه ضعفاءنا» ساقطة من أ.
(3/33)
فقال: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟
فقال: أنصفتم [1] . فجلس فكلمه مصعب وعرض عليه الإسلام، وتلى عليه
القرآن، فقال: ما أحسن هذا وأجمله، كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟
قالا له: تتطهر، وتطهر ثيابك، وتشهد بشهادة الحق [2] . ففعل وخرج، وجاء
سعد بن معاذ، فعرض عليه مصعب الإسلام فأسلم، ثم جاء حتى وقف على بني
عبد الأشهل فقال: أي رجل تعلمونني؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا وأفضلنا،
قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا باللَّه وحده
وتصدقوا محمدا. فو الله ما أمسى في دار بني [3] عبد الأشهل رجل ولا
امرأة إلا مسلما، ولم يزل مصعب يدعو الناس إلى الإسلام حتى كثر
المسلمون وشاع الإسلام، ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة/ قبل بيعة
العقبة الثانية |