المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
باب ذكر ما جرى في
سني الهجرة ذكر ما جرى في السنة الأولى من الهجرة [1]
قال مؤلف الكتاب: هي سنة أربع عشرة من البعثة، وهي سنة أربع وثلاثين من
ملك كسرى أبرويز، وسنة تسع لهرقل.
وأول هذه السنة المحرم، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما في
المحرم بمكة لم يخرج منها، وكأن رسول الله صلي اللَّه عَلَيْه
وَسَلَّمَ قد أمر أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا إرسالا في المحرم
وقد/ كان جماعة خرجوا في ذي الحجة وصدروا المشركين يحتسبون بالاهتمام
بأمره والتحيل له، فاجتمعوا في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي
كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها- يتشاورون ما يصنعون في أمر رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خافوه.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [2] لَمَّا اجْتَمَعُوا [3]
لِذَلِكَ وَاتَّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ
يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] ، غَدُوا فِي الْيَوْمِ الَّذِي اتَّعَدُوا
لَه، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صورة شيخ [5] جليل،
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 480. وتاريخ الطبري 2/ 370، ودلائل النبوة 2/
465، والاكتفاء 1/ 438، والكامل 2/ 3. والبداية والنهاية 3/ 173.
[2] قال ابن هشام: «قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن
عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبير، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد
الله بن عباس ... » .
وفي الطبري كما جاء هنا.
والخبر في سيرة ابن هشام 1/ 480، وتاريخ الطبري 2/ 370.
[3] في سيرة ابن هشام. أجمعوا.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[5] في ابن هشام: «في هيئة شيخ» .
(3/45)
فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَلَمَّا
رَأَوْهُ قَالُوا: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ
سَمِعَ بِالَّذِي اتَّعَدْتُمْ لَهُ فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا
تَقُولُونَ، وَعَسَى أَنْ لا يَعْدَمَكُمْ مِنْهُ رَأْيٌ وَنُصْحٌ.
قَالُوا:
ادْخُلْ.
فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ
كُلُّهُمْ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عُتْبَةُ،
وَشَيْبَةُ [ابْنَا رَبِيعَةَ] [1] . وَمِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أَبُو
سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ:
[طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَالْحَارِثُ
بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ] [2] . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ
وَقُصَيٍّ: النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ. وَمِنْ بَنِي
أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ،
وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ [3] [وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ] [4]
نَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ [5] ابْنَا الْحَجَّاجِ. وَمِنْ بَنِي جُمَحَ:
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ
مِمَّنْ لا يُعَدُّ مِنْ قُرَيْشٍ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ
أَمْرِهِ مَا قَدْ كَانَ [6] ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لا نَأْمَنُهُ عَلَى
الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدِ اتَّبَعَهُ [مِنْ غَيْرِنَا] [7]
فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا.
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ، وَاغْلِقُوا
عَلَيْهِ بَابًا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشَّعَرَاءَ
الَّذِينَ قَبْلَهُ: كَزُهَيْرٍ، وَالنَّابِغَةِ، مِنَ الْمَوْتِ [8] .
فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: لا وَاللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ
بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَوْ حَبَسْتُمُوهُ لَخَرَجَ أَمْرُهُ مِنْ
وَرَاءِ الْبَابِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَوَثَبُوا [عَلَيْكُمْ] [9]
فانتزعوه من بين أيديكم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] العبارة: «ومن بني أسد ... أبو جهل بن هشام» ساقطة من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصلين.
[5] في الأصل: «نبيها ومنبها» .
[6] في ابن هشام: «ما قد رأيتم» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن هشام.
[8] كان صاحب هذا الرأي والمشير به أبا البختري بن هشام.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
(3/46)
فَقَالَ قَائِلٌ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ
أَظْهُرِنَا، فَنَنْفِيهِ مِنْ بَلَدِنَا [1] .
فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللَّهِ مَا هَذَا/ لَكُمْ
بِرَأْيٍ، أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وحلاوة منطقه، وغلبته على
قُلُوبَ الرِّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ؟ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ
ذَلِكَ مَا أَمِنْتُ أَنْ يَحِلَّ بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ
فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتَّى
يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى
يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلادِكُمْ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا
أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ.
قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا
جَلْدًا نسيبا وسيطا [2] فِيكُمْ، ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ
سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ فَيَضْرِبُونَهُ
ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُونَهُ، فَنَسْتَرِيحَ، فَإِنَّهُمْ
إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا،
فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ
جَمِيعًا، وَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ.
فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ،
هَذَا الرَّأْيُ لا أَرَى لَكُمْ غَيْرُهُ.
فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ لَهُ،
فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا تبت هذه اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ
الَّذِي كُنْتَ تَبِيتُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا كَانَتِ الْعَتْمَةُ،
اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ ثُمَّ تَرَصَّدُوهُ مَتَى يَنَامُ
فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَتَسَجَّ [4]
بِبُرْدِي الْحَضْرَمِيِّ الأَخْضَرِ فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لا
يَخْلُصُ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرِهُهُ مِنْهُمْ» ، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ
ذَلِكَ إِذَا نَامَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرزاق قال: أخبرنا
__________
[1] صاحب هذا الرأي، أبو الأسود ربيعة بن عامر أحد بني عامر بن لؤيّ.
[2] الوسيط: الشريف في قومه.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[4] تسجى بالثوب: غطى به جسده ووجهه. وقد وردت في الأصل: «واتشح» .
(3/47)
مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ
الْجَزْرِيُّ [1] : أَنْ مِقْسَمًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ 8: 30 [2] .
قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ
اقْتُلُوهُ] [3] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فِرَاشِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ،
وَخَرَجَ النَّبِيُّ/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ
بِالْغَارِ، فَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عليا، يحسبونه النبي
عليه السلام، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأُوا
عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ [4] ؟
قَالَ: لا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا [5] أَثَرَهُ. وقال محمد بن كعب
القرظي [6] : اجتمعوا على بابه، فقالوا: إن محمدا يزعم أنكم إن
تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم بعد موتكم، فجعل لكم جنان
كجنان الأرض [7] ، فإن لم تفعلوا ذلك كان لكم [فيه] [8] ذبح، ثم بعثتم
بعد موتكم، فجعلت لكم نار تحرقون فيها.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ حفنة
من تراب، ثم قال: «نعم أنا أقول ذلك» فنثر التراب على رءوسهم، ولم يروا
رسول الله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [9] وهو يقرأ: يس 36: 1
إلى قوله:
__________
[1] في الأصل: «عثمان الخزرجي» ، وهو خطأ.
[2] سورة: الأنفال، الآية: 30.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «أين صاحبكم» ، وما أوردناه من المسند. وأ.
[5] الخبر في المسند 1/ 348، وبقية الحديث فيه: «فلما بلغوا الجبل خلط
عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت،
فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث ثلاث ليال»
.
والخبر رواه أيضا عبد الرزاق في المصنف، كتاب المغازي، باب من هاجر إلى
الحبشة 5/ 389، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 27، وقال: فيه عثمان
بن عمرو الجزري، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح،
[6] تاريخ الطبري 2/ 372، وابن هشام 1/ 483.
[7] في ابن هشام، والطبري: «جنان كجنان الأردن» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
(3/48)
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا
وَمن خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ 36: 9
[1] . ثم انصرف إلى حيث أراد، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما
تنتظرون ها هنا؟
قالوا: محمدا. قال: قد والله خرج عليكم محمد ما ترك منكم رجلا إلا وقد
وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته. فوضع كل رجل منهم يده على رأسه،
فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا [رَضِيَ اللَّهُ عنه] [2]
على الفراش متسجيا ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: [3]
إن هذا لمحمد نائم عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن
الفراش، فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كَانَ حدثنا [4] . وروى الواقدي
عن أشياخه [5] : أن الذين كانوا ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم
تلك الليلة من المشركين: أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي
معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بْن خلف، وابن العيطلة، وزمعة بن
الأسود، وطعيمة بن عدي، وأبو لهب، وأبي بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا
الحجاج [6] .
فلما أصبحوا قام علي رضي الله عنه عن الفراش، فسألوه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: لا علم لي به. وحكى جرير أنهم ضربوا عليا وحبسوه
ساعة، ثم/ تركوه.
[ذكر] صفة [7] خروج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي
بكر رضي الله عنه إلى الغار
[8] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أعين قال:
__________
[1] سورة: يس، الآية: 1- 9.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في الأصل: «فيقول» .
[4] قال السهيليّ: «وذكر بعض أهل التفسير السبب المانع لهم من التقحم
عليه في الدار مع قصر الجدار، وأنهم إنما جاءوا لقتله، فذكر في الخبر
أنهم هموا بالولوج عليه، فصاحت امرأة من الدار، فقال بعضهم لبعض: والله
إنها لسبة في العرب أن يتحدث عنا أن تسورنا الحيطان على بنات العم،
وهتكنا ستر حرمتنا، فهذا هو الّذي أقامهم بالباب. أصبحوا ينتظرون
خروجه، ثم طمست أبصارهم على من خرج» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 228.
[6] في الأصول: «نبيها، ومنبيها» وما أوردناه من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ. و «صفة» .
ساقطة من أ.
[8] راجع في هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة: سيرة ابن
هشام 1/ 484، وتاريخ الطبري
(3/49)
حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ عُقَيْلٍ قَالَ: قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ [فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ] [1]
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: بَيَّنَا نَحْنُ جُلُوسٌ
فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ [2] قَالَ قَائِلٌ
لأبي بكر: هذا رسول الله [مقبلا] [3] مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ
يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي
وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا
أَمْرٌ.
قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ:
«أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ
أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ
أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصُّحْبَةُ بِأَبِي
أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَخُذْ إِحْدَى
رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» [4] . قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ [5] ، وَوَضَعْنَا لَهُمَا
سُفْرَةً مِنْ جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
قِطْعَةً مِنَ نِطَاقِهَا، ثُمَّ رَبَطَتْ بِهِ فَمَ الْجِرَابِ [6]-
وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ- قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ
رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7]] وَأَبُو
بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثَا [8] فيه
__________
[1] / 374، وطبقات ابن سعد 1/ 227، وأنساب قريش 1/ 120، والدرر لابن
عبد البر 80، وعيون الأثر 1/ 221، والبداية والنهاية 3/ 174، وتاريخ
الإسلام للذهبي 2/ 218، والنويري 16/ 330، ودلائل النبوة 2/ 465، وصحيح
البخاري 5/ 56، وألوفا 315.
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من البخاري في الأصل:
قالت «عائشة رضي الله عنها» .
[2] في الأصل: «حر الظهيرة» ، ونحر الظهيرة: أي أول وقت الحرارة، وهي
المهاجرة، ويقال: أول الزوال، وهو أشد ما يكون من حر النهار، والغالب
في أيام الحر القيلولة فيها.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[4] أي لا آخذ إلا بالثمن، وفي رواية ابن إسحاق: «لا أركب بعيرا ليس هو
لي» قال: فهو لك، قال: لا، ولكن بالثمن الّذي ابتعته به، قال: أخذته
بكذا وكذا، قال: هو لك.
وفي رواية الطبراني عن أسماء، قال: بثمنها يا أبا بكر، قال: بثمنها إن
شئت.
وعن الواقدي أن الثمن ثمانمائة، وإن الراحلة التي أَخَذَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي القصواء، وإنها عاشت بعد
النبي صلّى الله عليه وسلّم قليلا، وماتت في خلافة أبي بكر، وكانت
مرسلة ترعى بالبقيع، وفي رواية أخرجها ابن حبان: أنها الجذعاء.
[5] أحث الجهاز: أسرعه من وضع الزاد للمسافر والماء.
[6] في الدلائل: «فأوكت به الجراب» . والمعنى واحد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[8] في الصحيح: «فكمنا» .
(3/50)
ثَلاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ- وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ [1] لَقِنٌ
[2]- فَيُدْلِجُ [3] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ
قُرَيْشٍ كبائت، فلا يسمع أمر يُكَادُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى
اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيهِمَا
بِخَبِر ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ
فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ،
فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ- وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا- حَتَّى
يَنْعَقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ هَذَا
كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ.
وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدَّيْلِ، وَهُوَ عَلَى دِينِ
كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا،
وَوَاعَدُهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا
[5] . قَالَ/ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى أَبَا
بَكْرٍ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لأَبِي
بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَمِدَا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلِ
ثَوْرٍ [6] .
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى
اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الْغَارِ، وَكَانَ خُرُوجُهُمَا وَقَدْ
بَقِيَ مِنْ صَفَرٍ ثَلاثُ لَيَالٍ.
قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ [7] : لَمَّا خَرَجَا أَتَانَا
نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ
أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ؟
فَقُلْتُ: لا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟
فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يده- وكان فَاحِشًا- فَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً
طَرَحَ مِنْهَا قُرْطِي ثُمَّ انْصَرَفُوا.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهَبِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قال: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال:
حدثني
__________
[1] ثقف: الحاذق الفطن.
[2] لقن: السريع الفهم.
[3] يدلج: يخرج بالسحر، يقال: أدلج إذا سار في أول الليل، وادّلج: إذا
سار في آخره.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[5] الخبر أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب مناقب الأنصار 45، باب هجرة
النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة (فتح الباري 7/ 230،
والبيهقي في الدلائل 2/ 471) .
[6] ابن هشام 1/ 485.
[7] تاريخ الطبري 1/ 379، وسيرة ابن هشام 1/ 487،
(3/51)
يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءِ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ [1] :
لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ
مَعَهُ- خَمْسَةُ آلافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةُ آلافِ دِرْهَمٍ-
وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ.
قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ، وَقَدَ ذَهَبَ
بَصَرُهُ، فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ لأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ
بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: كَلا إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ
لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا. قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا
فِي كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ
وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: [يَا
أَبَتِ] [2] ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ: فَوَضَعَ
يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لا بَأْسَ، إِنْ كَانَ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا
فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا لَكُمْ بَلاغٌ. قَالَتْ: لا وَاللَّهِ
مَا تَرَكَ [3] لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ
الشَّيْخَ بِذَلِكَ.
ذكر إقامتهما في الغار وما جرى لهما فيه
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حَدَّثَنِي
أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ قَالَ:
/ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ
قَالَ:
قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي
الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا
تَحْتَ قَدَمَيْهِ. قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكُ باثنين الله
ثالثهما؟» . أخرجاه في الصحيحين [4] .
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 488، والمسند 6/ 350.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[3] في أ: «والله ما ترك» . وما أوردناه عن الأصل والمسند.
[4] أخرجه البخاري في: 62 كتاب فضائل الصحابة.
باب مناقب المهاجرين وفضلهم، الحديث 3653، فتح الباري 7/ 8- 9، وأعاده
في 63- مناقب الأنصار، باب 45. وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 4،
والترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة التوبة، الحديث 3096، 5/ 278،
وأخرجه مسلم في أول كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق،
الحديث 1.
(3/52)
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد
الباقي قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلالُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَن أَنَسٍ قَالَ:
لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْغَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، دَعْنِي لأَدْخُلَ قَبْلَكَ. قَالَ: «ادْخُلْ» .
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَلْتَمِسُ بِيَدَيْهِ فَكُلَّمَا [1]
رَأَى جُحْرًا قَالَ بِثَوْبِهِ فَشَقَّهُ، ثُمَّ أَلْقَمَهُ
الْجَحَرَ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَجْمَعَ. قَالَ: فَبَقِيَ
جُحْرٌ، فَوَضَعَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ ثَوْبُكَ يَا
أَبَا بَكْرٍ؟» فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهمّ
اجْعَلْ أَبَا بَكْرٍ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ» أَوْ قَالَ:
«يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَنْ
قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ [2] . وقال الواقدي عن أشياخه: طلبت قريش رسول
الله صلى الله عليه وسلم أشد الطلب، حتى انتهت إلى باب الغار، فَقَالَ
بعضهم: إن عليه عنكبوتا قبل ميلاد محمد، فانصرفوا [3] .
قالت أسماء بنت أبي بكر [4] : ولم ندر بالحال حتى أقبل رجل من الجن من
أسفل مكة، يغني بأبيات من الشعر من غناء العرب، والناس يتبعونه يسمعون
صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي ذكر الأبيات والقصة إن شاء الله تعالى [5] .
قال أبو الحسن بن البراء [6] : خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من الغار ليلة الخميس لغرة شهر ربيع الأول.
__________
[1] في الأصل: «فكل ما» .
[2] في أ: «فأوحى الله عز وجل إليه أن الله قد استجاب لك» . والخبر
أورده المصنف في ألوفا 319.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 228.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 229، وسيرة ابن هشام 1/ 487، وتاريخ
الطبري 2/ 380.
[5] سيأتي بعد قليل تحت عنوان «ما جرى لهم في الطريق أنهم مروا بخيمتي
أم معبد» .
[6] ألوفا 323.
(3/53)
ذكر ما جرى في طريقه
إلى المدينة
خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغار ومعه أبو بكر
رضي الله عنه، وعامر بن فهيرة ووليهم عَبْد اللَّه أريقط الليثي، وكان
على دين قومه، فأخذ بهم طريق السواحل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن
أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
مُحَمَّدٍ الْعَنْقَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا
[بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. قَالَ:] [1] فَقَالَ: مُرِ الْبَرَاءَ
فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي. قَالَ: لا، حَتَّى تَحَدَّثْنَا
كَيْفَ [صَنَعْتَ حِينَ] [2] هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مَعَهُ؟
قَالَ [فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ] [3] خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا
فَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا [4] وَلَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا،
وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي، هَلْ أَرَى ظِلا
نَأْوِي إِلَيْهِ؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا،
فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ:
اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَاضْطَجَعَ، ثم خرجت انظر هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ، فَإِذَا
بَرَاعِي غَنَمٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ:
لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَسَمَّاهُ فَعَرِفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي
غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ. [قَالَ] [5] قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ.
[قَالَ: فَأَمَرْتُهُ] [6] فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ
أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ
فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا
خِرْقَةٌ، فَحَلَبَ [لِي كُثْبَةً] [7] مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُهُ
عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَوَافَيْتُهُ وَقِد
اسْتَيْقَظَ] [8] فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فشرب
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «اختبأنا» وفي البخاري: «أحيينا» وما أوردناه من المسند،
وهو المناسب للسياق.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
(3/54)
حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَتَى
الرَّحِيلُ؟ [1] فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ
يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا
الطَّلَبُ/ قَدْ بَلَغَنَا [2] . فَقَالَ: «لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ
مَعَنا» 9: 40 حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ
قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ- أَوْ قَالَ: رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ-
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ بَلَغَنَا [3] .
وَبَكَيْتُ.
قَالَ: «لِمَ تَبْكِي؟» قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي
أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ. قَالَ: فَدَعَا عليه رسول الله
صلى اللَّه عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهمّ أَكْفِنَا بِمَا شِئْتَ»
فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ،
وَوَثَبَ عَنْهَا وَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا
عَمَلَكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أنا فيه، فو الله
لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كنانتي
فخذ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي
مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. فَقَالَ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا حَاجَةَ لِي فِيهَا» ، قَالَ:
وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأُطْلِقَ فَرَجِعَ إِلَى أَصْحَابِهِ [4] . أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ [5] الْمُدْلَجِيُّ:
أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ:
جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رسول الله [صلى
الله عليه وسلم] [6] وأبي بَكْرٍ دِيَةً كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيَّنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ
مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ
عَلَيْنَا [وَنَحْنُ جُلُوسٌ] [7] ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنَّي
قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا
وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرِفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ:
إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وفلانا،
انطلقوا بأعيننا.
__________
[1] في الأصل: «هل حتى أتى الرحيل» .
[2] في المسند: «هذا الطلب قد لحقنا» .
[3] في المسند: «هذا الطلب قد لحقنا» .
[4] الخبر في المسند 1/ 2، وله بقية في المسند، ستأتي.
[5] في الأصل: «عبد الوهاب بن مالك» . خطأ، والتصحيح من البخاري.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من البخاري.
(3/55)
ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً،
ثُمَّ قُمْتُ، فَدَخَلْتُ [بَيْتِي] ، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ
تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسُهَا
عَلَيَّ، فَأَخَذْتُ رُمْحِي وَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ،
فَخَطَطْتُ بِزِجِّهِ [1] الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ [الرُّمْحِ]
، [2] حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ
[3] بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ
عَنْهَا، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ
[مِنَها] [4] الأَزْلامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لا؟
فَخَرَجَ الَّذِي/ أَكْرَهُ [لا أَضُرُّهُمْ] [5] ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي
وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو [لا] [6] يَلْتَفِتُ،
وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتَفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي حَتَّى
بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا،
فَنَهَضَتْ وَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ
قَائِمَةً، إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ
مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ فَخَرَجَ الَّذِي
أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي
حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ [مَا لَقِيتُ]
مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ
جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ [أَخْبَارَ] مَا يُرِيدُ
النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ. فَلَمْ
يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلانِي، إِلا أَنْ قَالا: أَخْفِ عَنَّا.
فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ
فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7]
. ومما جرى لهم أنه لقيهم بريدة بن الحصيب:
[8]
أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَوْرَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّكَّرِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ مَهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن
بريدة، عن أبيه:
__________
[1] في أ: «برحة» بدون نقط.
[2] ما بين المعقوفتين: من البخاري.
[3] في أ: «تقرني» .
[4] ما بين المعقوفتين: من البخاري.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والبخاري.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، والبخاري.
[7] الخبر في صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 238) وابن كثير 3/ 184، 185،
وألوفا 326.
[8] ألوفا برقم 331.
(3/56)
أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ لا يَتَطَيَّرُ وَكَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ جَعَلَتْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ فِيمَنْ يَأْخُذُ نَبِيَّ
اللَّهِ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
فَرَكَبَ بُرَيْدَةُ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ
بَنِي سَهْمٍ فَتَلَقَّى نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ:
«مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ:
أَنَا بُرَيْدَةُ. فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ» ثُمَّ قَالَ:
«وَمِمَّنْ أَنْتَ؟» قَالَ: مِنْ بَنِي أَسْلَمَ، قَالَ رسول الله
لأَبِي بَكْرٍ: «سَلِمْنَا» قَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ؟» قَالَ: مِنْ
بَنِي سَهْمٍ. [قَالَ] [1] : «خَرَجَ سَهْمُكَ» . فَقَالَ بُرَيْدَةُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
«مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ بُرَيْدَةُ:
أَشْهَدُ/ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ. فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَأَسْلَمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ
جَمِيعًا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلا وَمَعَكَ لِوَاءٌ.
فَحَلَّ عِمَامَتَهُ، ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ شَدَّهَا
بَيْنَ يَدَيْهِ [2] ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، تَنْزِلُ
عَلَيَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ نَاقَتِي هَذِهِ مَأْمُورَةٌ» قَالَ بُرَيْدَةُ: الْحَمْدُ
للَّه الَّذِي أَسْلَمَتْ بَنُو سَهْمٍ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ] الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ
الشَّامِ، فَكَسَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابًا بَيْضَاءَ
. ومما جرى لهم في الطريق أنهم مروا بخيمتي
أم معبد:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَيَّوَيْهِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث ابْنُ أَبِي
أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا بَشِيرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيُّ، عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّيَّاحِ [3] ،
عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وأبو بكر وعامر
بن فهيرة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «ثم مشى» .
[3] في الأصول: «الحارث بن الصباح» . وما أوردناه من ابن سعد.
(3/57)
وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أُرَيْقِطٍ، فَمَرُّوا بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ،
وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً بَرْزَةً تحتبي وتقعد بفناء الخمية.
ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا أَوْ لَحْمًا
يَشْتَرُونَ. فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا
الْقَوْمُ مُرْمِلُونَ مُسْنِتُونَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ
عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى.
فَنَظَرَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم [إلى] [1] شَاةٍ فِي كِسْرِ
الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ الشّاة يا أمّ معبد؟» قالت: هذه شاة
خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ: «هَلْ بِهَا مِنْ
لَبَنٍ؟» قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ
لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ
رَأَيْتَ بِهَا حَلَبًا.
فدعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم بِالشَّاةِ، فَمَسَحَ
ضَرْعَهَا وَذكر اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ: «اللَّهمّ بَارِكْ
لَهَا فِي شَاتِهَا» .
قَالَتْ: فَتَفاجَّتْ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ وَأَحْلَبَتْ، فَدَعَا
بِإِنَاءٍ لَهَا يُرْبِضُ الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى
غَلَبَهُ الثُّمَالُ، فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ وَسَقَى
أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، وَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَهُمْ، وَقَالَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ
شُرْبًا» [2] فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَلَلا بَعْدَ نَهَلٍ حَتَّى
أَرَاضُوا، ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ،
فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَمَّا لَبِثَتْ
أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أعنزا حُيَّلا عِجَافًا
هَزْلَى مَا تَسَاوَقُ، مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ لا نِقْيَ بِهِنَّ،
فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ عَجِبَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا،
وَالشَّاةُ عَازِبَةٌ وَلا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: لا
وَاللَّهِ [إِلا] [3] أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ
حَدِيثِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ:
وَاللَّهِ [إِنِّي] [4] لأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي تَطْلُبُ،
صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.
قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ مُتَبَلِّجَ الْوَجْهِ،
حَسِنَ الْخَلْقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ
صَعْلَةٌ [5] ، قَسِيمٌ وَسِيمٌ [6] ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي
أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صوته
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن سعد 1/ 230.
[2] «شربا» . غير موجودة في ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[5] كذا في أ، وطبقات ابن سعد. وفي الأصل، وألوفا 328: «ولم تزدره
مقلة» .
[6] في أ، وابن سعد: «وسيم قسيم» .
(3/58)
صَحَلٌ، أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ،
أَقْرَنُ شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي
لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ وَقَارٌ، وَإِذَا
تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خُرْزَاتُ
نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، حُلْوُ الْمَنْطِقُ، [فصل] [1] ، لا نِزْرٌ بِهِ
وَلا هَذَرٌ [2] ، أَجْهَرُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ،
وَأَحْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، رَبْعَةٌ لا تَشْنَؤُهُ عَيْنٌ
[3] مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ
غُصْنَيْنِ، وَهُوَ أَنْضَرُ [4] الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ
قَدْرًا [5] ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا قال استمعوا
لقوله، وإن أمر تبادروا لأَمْرِهِ [6] ، مَحْفُودٌ مَحْمُودٌ مَحْشُودٌ
[7] ، لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٍ.
قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذكر لَنَا مِنْ
أَمْرِهِ مَا ذكر، وَلَوْ كُنْتُ وَافَقْتُهُ [يَا أُمَّ مَعْبَدٍ] [8]
لالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى
ذَلِكَ سَبِيلا. وَأَصْبَحَ صَوْتٌ [بِمَكَّةَ] [9] عَالِيًا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يَسْمَعُونَهُ وَلا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ،
وَهُوَ يَقُولُ:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حَلا خَيْمَتَيْ أُمِّ
مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلا بِهِ ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى
رَفِيقَ مُحَمَّدِ
فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنَ فِعَالٍ لا
تُجَازَى وَسُؤْدُدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ
تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحٍ ضرّة الشاة
مزبد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ، وابن سعد.
[2] في ابن سعد: «لا نزر ولا هذر» .
[3] في أ، والأصل: «لا تشنأه» . والتصحيح من ابن سعد.
[4] في ألوفا: «أبهى» .
[5] في ألوفا: «قدا» .
[6] في ابن سعد: «تبادروا إلى أمره» .
[7] في الأصل، وابن سعد: «محفود محشود» بإسقاط: «محمود» .
[8] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
(3/59)
فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدِيهَا لِحَالِبٍ
... يَدِرُّ بِهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
وَأَصْبَحَ الْقَوْمُ قَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ وَأَخَذُوا [1] عَلَى
خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ [حَتَّى لَحِقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] .
قَالَ [3] : فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَالَ:
لَقْد خَابَ قَوْمٌ غَابَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمُ ... وَقُدِّسَ مَنْ
يَسْرِي إِلَيْهِ وَيَغْتَدِي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَزَالَتْ عُقُولُهُمُ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ
بِنُورٍ مُجَدَّدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عَمًى [وَهُدَاةٌ] [4]
يَهْتَدُونَ بُمُهْتَدِ؟
نَبِيٌّ يَرَى مَا لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ
اللَّهِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ [5] مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي
ضَحْوَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ
لِتَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ
يُسْعِدُ اللَّهُ يَسْعَدِ
وَيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا
لِلْمُسْلِمِينَ بِمَرْصَدِ
[6] قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ:
الْبَرَزَةُ: الْكَبِيرَةُ.
وَالْمُرَمَّلُونَ: الَّذِينَ قَدْ نَفِدَ زَادُهُمْ.
وَالْمُسْنِتُونَ: مِنَ السَّنَةِ، وَهِيَ الْجَدْبُ.
وَكَسْرُ الْخَيْمَةِ: جَانِبُهَا.
وَالْجَهْدُ: الْمَشَقَّةُ.
وَتَفَاجَتْ: فَتَحَتْ مَا بَيْنَ رجليها للحلب.
__________
[1] في ألوفا: «وأجدوا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: «يقول» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، وأوردناه من ابن سعد. وتسفهوا
وردت في الأصل: «تسلعوا» والتصحيح من الوفاء والبداية والنهاية.
[5] في الأصل: «قوم» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 230 بطوله، وسيرة ابن هشام 1/ 487،
وتاريخ الطبري 2/ 380 والوفاء 328. والبداية والنهاية 3/ 190- 192.
(3/60)
وَيَرْبُضُ الرَّهْطُ: يُثْقِلُهُمْ
فَيُرْبِضُوا.
وَالثُّمَالُ: الرَّغْوَةُ.
وَالْعِلَلُ: مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَأَرَاضُوا: أَيْ رَوُوا.
وَالْحَيْلُ: الْلاتِي لَسْنَ بِحَوَامِلَ.
وَالْعَازِبُ: الْبَعِيدُ فِي الْمَرْعَى.
وَالْمُتَبَلِّجُ: الْمُشْرِقُ.
وَالثُّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ وَاسْتِرْخَاءُ أَسْفَلِهِ.
والصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ.
وَالْوَسِيمُ: الْحَسَنُ وَكَذَلِكَ الْقَسِيمُ.
وَالدَّعَجُ: سَوَادُ/ الْعَيْنِ.
وَالْوَطَفُ: الطُّولُ.
وَالصَّحْلُ: كَالْبَحَّةِ.
وَالأَحْوَرُ: الشَّدِيدُ سَوَادِ أُصُولِ الأَهْدَابِ خِلْقَةً.
وَالسَّطْعُ: الطُّولُ.
وَقَوْلُهَا: إِذَا تَكَلَّمَ سَمَا: أَيْ عَلا بِرَأْسِهِ وَيَدِهِ.
وَقَوْلُهَا: لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ: أَيْ تَحْتَقِرُهُ.
[وَالْمُفَنَّدُ: الْهَرِمُ.
وَالصَّرِيحُ: الْخَالِصُ.
وَالضَّرَّةُ: لَحْمُ الضَّرْعِ] [1] .
وَأَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَنْبَأَنَا
الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن الفهم
قال: أخبرنا محمد بن سعد قال:
أخبرنا محمد بن عمر، عن حَرَامِ بْنِ هِشَامٍ [2] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أُمِّ مَعْبَدٍ قَالَتْ: طَلَعَ عَلَيْنَا أَرْبَعَةٌ عَلَى
رَاحِلَتَيْنِ فَنَزُلوا بِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَهَا، فَإِذَا هِيَ
ذَاتُ دَرٍّ، فَأَدْنَيْتُهَا مِنْهُ، فَلَمَسَ ضَرْعَهَا فقال: «لا
تذبحيها» فأرسلتها
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] في أ: «عن حكيم بن هشام» .
(3/61)
فَجِئْتُ بِأُخْرَى [1] فَذَبَحْتُهَا
فَطَحَنْتُ لَهُمْ [2] ، فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَتَغَدَّى
بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ [3] ، وَمَلأْتُ [4] سُفْرَتَهُمْ مِنْهَا مَا وَسِعَتْ
سُفْرَتُهُمْ، وَبَقِيَ عِنْدَنَا لَحْمُهَا أَوْ أَكْثَرُهُ،
وَبَقِيَتِ الشَّاةُ الَّتِي لَمَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا عِنْدَنَا حَتَّى كَانَ زَمَانُ
الرَّمَادَةِ زَمَانَ عُمَرَ، وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانِي عَشَرَةَ مِنَ
الْهِجْرَةِ. قَالَتْ: وَكُنَّا نَحْلِبُهَا صَبُوحًا [5] وَغَبُوقًا
وَمَا فِي الأَرْضِ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ. وَذَلِكَ بِبَرَكَتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [6]
ذكر تلقي أهل المدينة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ودخوله إياها
[7] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا
الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أخبرنا الليث عن عقيل قال: قال
ابن شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ:
سَمِعْتُ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ
غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ يَنْتَظِرُونَهُ حتى يردهم حرّ الظهيرة،
فانقلبوا يوما بعد ما أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوُوا إِلَى
بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنَ/ الْيَهُودِ عَلَى أُطُمٍ مِنْ
آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبْيِضِينَ يَزُولُ
بِهِمُ السَّرَابُ. فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ
بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي
تَنْتَظِرُونَ.
فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاحِ، فَتَلَقُّوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فعدل بهم ذات
__________
[1] في أ: «وأخذت أخرى» .
[2] في الأصل: «وطبختها لهم» ، وفي أ: «وطبخها» بدون نقط. وما أوردناه
من ابن سعد.
[3] العبارة: «فَتَغَدَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ» . ساقطة من أ.
[4] «سفرتهم» ساقطة من سعد.
[5] في الأصل: «صباحا» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 211، 212.
[7] في أ: «تلقي أهل المدينة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودخوله
إليها» راجع: طبقات ابن سعد 1/ 232، وسيرة ابن هشام 1/ 492، وتاريخ
الطبري 2/ 381، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 498، والاكتفاء 1/ 458،
والكامل 2/ 7، والبداية والنهاية 3/ 196.
(3/62)
الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: بَنُو عَمْرٍو هُمْ أَهْلُ قُبَاءَ،
وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: [1] فَنَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ
أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
كَانَ عَزَبًا لا أَهْلَ لَهُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ [2] : فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الْمَدِينَةَ] يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ
عَشَرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
وروى حنش الصنعاني عن ابن عباس قال [3] : ولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، ورفع
الحجر يوم الاثنين [4] ، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين،
وقدم المدينة يوم الاثنين [5] ، وقبض يوم الاثنين.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد قال: حدثني أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَرِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ،
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَضَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ
حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَخَرَجُوا فِي
الطَّرِيقِ [وَعَلَى الأَجَاجِيرِ] [6] فَاشْتَدَّ الْخَدَمُ
وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، جاء رسول
الله، جَاءَ مُحَمَّدٌ.
قَالَ: وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْزِلُ
اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِيَ النَّجَّارِ أَخْوَالِ عبد المطلب لأكرمهم
بذلك» .
__________
[1] سيرة ابن هشام 1/ 493، وألوفا 336.
[2] تاريخ الطبري 2/ 393.
[3] تاريخ الطبري 2/ 393، وألوفا 334.
[4] «واستنبئ يوم، رفع الحجر يوم الإثنين» . ساقطة من أ.
[5] «وقدم المدينة يوم الإثنين» ، ساقطة من أ.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند.
(3/63)
فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا حَيْثُ أُمِرَ [1]
. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ/ مُحَمَّدٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أُنَيْسِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ
عَوْفٍ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِجَوَارٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُنَّ
يُغَنِّينَ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ... وَحَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ
جَارِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ
يَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكُنَّ» [2]
. ذكر المكان الذي نزل به حين قدم المدينة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قال مؤلف الكتاب: قد ذكرنا أنه بات عند بني النجار أخوال عبد المطلب.
وبيان الخؤولة: أن هاشما تزوج امرأة من بني عدي بن النجار، فولدت له
عبد المطلب [3]
. [ذكر فرح أهل المدينة بقدومه صلى الله
عليه وسلم]
[4] ومن الحوادث:
أنه لما قدم صلى الله عليه وسلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحا.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق
قال: أخبرنا معمر، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة
بحرابهم لقدومه فرحا بذلك [5] .
__________
[1] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 3، وهو بقية الحديث الّذي أشرنا
إليه.
[2] دلائل النبوة للبيهقي 2/ 508، وألوفا 340.
[3] وفاء ألوفا للمصنف 335.
[4] العنوان مضاف من ألوفا للمصنف 339.
[5] في المسند: «لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم» . والخبر في المسند 3/
161.
(3/64)
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: نَزَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَذْكُروُنَ- عَلَى
كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ.
وَيُقَالُ: عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ.
وَنَزَلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ بِالسُّنْحِ. وَقِيلَ:
نَزَلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ.
وَأَقَامَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بِمَكَّةَ ثَلاثَ لَيَالٍ
وَأَيَّامَهَا، حَتَّى أَدَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانِتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ،
ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومٍ.
وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ
الثُّلاثَاءِ، / وَيَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ،
وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَقِيلَ [1] : مَكَثَ فِيهِمْ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَاسِمِيُّ: قَدِمَ رسول الله صلى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم يوم الاثْنَيْنِ، فَنَزَلَ قُبَاءَ، وَكَانَ
نُزُولُهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ، وَكَانَ يَتَحَدَّثُ فِي
مَنْزِلِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ. وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ قُبَاءَ قَدْ بَنُوا
مَسْجِدًا يُصَلُّونَ فِيهِ، فصلى بِهِمْ فِيهِ، وَلَمْ يُحْدِثْ فِي
الْمَسْجِدِ شَيْئًا، فَأَقَامَ صَلَّى الله عليه وسلّم الاثنين،
والثلاثاء، والأربعاء، وَالْخَمِيسَ، وَرَكِبَ مِنْ قُبَاءَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَمَعَ فِي بَنِي سَالِمٍ،
فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جَمَعَهَا فِي الإِسْلامِ، وَخَطَبَ
يَوْمَئِذٍ.
ذكر تلك الخطبة
[2] روى أبو جعفر ابن جَرِيرٍ [3] قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ
عَبْدِ الأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ خُطْبَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ
صَلاهَا بِالْمَدِينَةِ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عوف:
__________
[1] راجع ألوفا 338، وابن هشام 1/ 494، والطبري 3832.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 501، وتاريخ الطبري 2/ 394 والبداية والنهاية 3/
213، ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 524، والاكتفاء 1/ 463.
[3] تاريخ الطبري 2/ 394.
(3/65)
الْحَمْدُ للَّه، أَحْمَدُهُ
وَأَسْتَعِينُهُ، وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ [وَأُومِنُ بِهِ
وَلا أَكْفُرُهُ، وَأُعَادِي مَنْ يَكْفُرُهُ،] [1] وَأَشْهَدُ أَنَّ
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَالنُّورِ
وَالْمَوْعِظَةِ، عَلَى فِتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَقِلَّةٍ مِنَ
الْعِلْمِ، وَضَلالَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَانْقِطَاعٍ عَنِ الزَّمَانِ،
وَدُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، وَقُرْبٍ مِنَ الأَجَلِ، مَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ غَوَىُ [2] وَفَرَّطَ، وَضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا، وَأُوصِيكُمْ
بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ خير ما أوصى به المسلم الْمُسْلِمُ أَنْ
يَحُضَّهُ عَلَى الآَخِرَةِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ،
فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، [وَلا أَفْضَلَ
مِنْ ذَلِكَ نَصِيحَةٌ] [3] وَلا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرًا،
وَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ عَلَى وَجَلٍ وَمَخَافَةٍ
مِنْ رَبِّهِ، عَوْنُ صِدْقٍ عَلَى مَا تَبْغُونَ مِنْ أَمْرِ
الآَخِرَةِ، وَمَنْ يُصْلِحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله مَنْ
أَمَرَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، لا يَنْوِي بِذَلِكَ إِلا
وَجْهَ اللَّهِ يَكُنْ لَهُ ذِكْرًا فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وَذُخْرًا
فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ حِينَ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَى/ مَا
قَدَّمَ، وَمَا كَانَ مِنْ سِوَى [ذَلِكَ] [4] يَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ [5] أَمَدًا بَعِيدًا، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ
نَفْسَهُ، والله رءوف بالعباد. والّذي صدّق قوله، وأنجز وَعْدَهُ، لا
خُلْفَ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 50: 29 [6] فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي
عَاجِلِ أَمْرِكُمْ وَآَجلِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، فَإِنَّهُ
مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عن سَيِّئَاتِهِ، وَيُعَظِّمْ لَهُ
أَجْرًا، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا،
وَإِنَّ تقْوَى اللَّهِ [يُوقِي] [7] مَقْتَهُ، وَعُقُوبَتَهُ،
وَسَخَطَهُ، وَيُبَيِّضُ الْوُجُوهَ [8] ، وَيُرْضِي الرَّبَّ،
وَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ.
[خُذُوا] بِحَظِّكُمْ [9] ، وَلا تُفَرِّطُوا فِي جَنَبِ اللَّهِ، قَدْ
عَلَّمَكُمُ اللَّهُ كِتَابَهُ وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيلَهُ، لِيَعْلَمَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَلِيَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ. فَأَحْسِنُوا كَمَا
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَعَادُوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من تاريخ الطبري 2/
394.
[2] في الطبري: «ومن يعصهما فقد غوى» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[5] في الأصل: «لو أن بينه وبينه» . وما أوردناه من الطبري 2/ 395.
[6] سورة: ق، الآية: 29.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[8] في تاريخ الطبري 2/ 395: «يوقي عقوبته ويوقي سخطه وإن تقوى الله
ببيض الوجوه» .
[9] في الأصل: «وبحظكم» ، وما أوردناه من الطبري.
(3/66)
أَعْدَاءَهُ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ
حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بيِّنَةٍ، وَيَحْيَاَ مَنْ حَيِ عَنْ
بَيِّنَةٍ، وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، فَأَكْثِرُوا ذكر اللَّهِ،
وَاعْلَمُوا أنه خير الدنيا وما فيها [1] ، واعملوا لِمَا بَعْدَ
الْمَوْتِ [2] ، فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبْيَنَ
اللَّهِ يكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي الْحَقَّ [3] عَلَى النَّاسِ وَلا يَقْضُونَ،
وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلا يَمْلِكُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ
وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ [4] : وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته،
وأرخى الزِّمَامَ، فَجَعَلَتْ لا تَمُرُّ بِدَارٍ مِنْ دُورِ
الأَنْصَارِ إِلا دَعَاهُ أَهْلُهَا إِلَى النُّزُولِ عِنْدَهُمْ،
وَقَالُوا لَهُ: هَلُمَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الْعَدَدِ
وَالْعُدَّةِ وَالْمَنْعَةِ.
فَيَقُولُ لَهُمْ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] : «خَلُّوا
زِمَامَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» .
حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ الْيَوْمَ، فَبَرَكَتْ
عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلامَيْنِ
يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ
يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: سَهْلٌ، وَالآَخَرُ:
سُهَيْلُ ابْنَا عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ، فَلَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبَتْ
فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لا يُثْنِيهَا [بِهِ] [6] ، ثُمَّ
الْتَفَتَتْ [خَلْفَهَا] [7] ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا [8]
أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَبَرَكَتْ فِيهِ وَوَضَعَتْ جِرَانَهاَ، وَنَزَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ عَنْهَا،
فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ رَحْلَهُ، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ،
فَدَعَتْهُ الأَنْصَارُ إِلَى النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ»
.
فَنَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَأَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِرْبَدِ: لِمَنْ
هُوَ؟
فَأَخْبَرَهُ مُعَاذٌ وقال: هو ليتيمين لي وسأرضيهما.
__________
[1] «واعلموا أنه خير الدنيا وما فيها» . ساقطة من تاريخ الطبري.
[2] في الطبري: «لما بعد الموت» .
[3] «الحق» : ساقطة من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 2/ 396، وألوفا 336، وابن هشام 1/ 495.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[8] في الطبري: «إلى مبركها» .
(3/67)
فأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدًا، وَأَقَامَ عِنْدَ أَبِي
أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ [1] . أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الأَوَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ
قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: لَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشَرَة لَيْلَةً، وَأَسَّسَ
الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، ثُمَّ رَكِبَ
رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،
وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ غُلامَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ: «هَذَا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ. الْمَنْزِلُ» ثُمَّ دَعَا الْغُلامَيْنِ
فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالا: بَلْ
نَهِبُهُ لَكَ يا رسول الله، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ
يَنْقِلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ:
هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالُ خَيْبَرَ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا
وَأَظْهَرُ
وَيَقُولُ:
اللَّهمّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَةِ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ
وَالْمُهَاجِرَةِ
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ
[2] .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءَ بُنِيَ قَبْلَ مَسْجِدِ
الْمَدِينَةِ [3]
. [تكلم الذئب خارج المدينة ينذر برسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
[4] .
وفِي هذه السنة: تكلم ذئب خارج المدينة ينذر برسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] فِي بناء المسجد راجع: طبقات ابن سعد 1/ 239، وسيرة ابن هشام 2/
114، وصحيح البخاري 1/ 89، وتاريخ الطبري 2/ 395، والدرر لابن عبد البر
88، والبداية والنهاية 3/ 214، وعيون الأثر 1/ 235، والنويري 16/ 344،
وسبل الهدى 3/ 485.
[2] صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 239) ودلائل النبوة للبيهقي 2/ 539.
وألوفا: 349، والبداية والنهاية 3/ 214.
[3] في أ: «قبل مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم» .
[4] العنوان غير موجود بالأصل.
(3/68)
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَشْعَبَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ/
قَالَ: جَاء ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً،
فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَصَعَدَ الذِّئْبُ
عَلَى تَلٍّ، فَأَقْعَى وَاسْتَذْفَرَ، فَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ
رَزَقَنِيهِ اللَّهُ انْتَزَعْتَهُ مِنِّي. فَقَالَ الرَّجُلُ: تاللَّه
إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبًا يَتَكَلَّمُ. قَالَ الذِّئْبُ:
أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، رَجُلٌ فِي النَّخْلاتِ بين الحرتين يخبركم بما
مَضَى وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ عِنْدَكُمْ.
وَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبْرَهُ، وَصَدَّقَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «إنها أَمَارَةٌ مِنَ أَمَارَاتٍ بَيْنَ
يَدَيِ السَّاعَةِ، أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلا يَرْجِعُ
حَتَّى تُحَدِّثَهُ نَعْلاهُ وَسَوْطُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ
بَعْدَهُ» [1]
. [الزيادة في صلاة الحضر]
[2] وفي هذه السنة: زيد في صلاة الحضر- وكانت صلاة الحضر والسفر
ركعتين- وذلك بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، في ربيع
الآخر لمضي اثنتي عشرة ليلة.
قال الواقدي: لا يختلف أهل الحجاز في ذلك
. [بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي
الله عنها]
[3] وفي هذه السنة: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله
عنها في شوال.
وقد قيل: في السنة الثانية. والأول أصح.
__________
[1] الخبر في المسند 2/ 306.
[2] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: تاريخ الطبري 2/ 400، والبداية والنهاية 3/ 231.
[3] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: تاريخ الطبري 2/ 398، والبداية والنهاية 3/ 230.
(3/69)
وكان تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين.
وقيل: كان البناء بها يوم الأربعاء في منزل أبي بكر رضي الله عنه
بالسنح.
[بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته
وزوجته]
[1] وفي هذه السنة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته
سودة بنت زمعة زيد بن حارثة وأبا رافع، فحملاهن من مكة إلى المدينة،
ولما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بْن أبي بكر بمكان
أبيه أبي بكر، فخرج عبد الله بعيال أبيه إليه، وصحبهم طلحة بن عبيد
ومعهم أم رومان- أم عائشة- وعبد الرحمن حتى قدموا المدينة
. [المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]
[2] وفي هذه السنة: آخى بين المهاجرين والأنصار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بْنُ/ سَعْدٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَفَ
بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسٍ [3] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [4] : وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عن
أشياخه قالوا: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين
المهاجرين والأنصار على الحق
__________
[1] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: تاريخ الطبري 2/ 400.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 504، وطبقات ابن سعد 1/ 238، والبداية والنهاية
3/ 224، والاكتفاء 1/ 464.
[3] الخبر في السيرة 1/ 504- 507، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 238،
239، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية، وعزاه لأحمد بن حنبل
والبخاري ومسلم وأبي داود.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 238.
(3/70)
والمؤاساة، يتوارثون بعد الممات دون ذوي
الأرحام، وكانوا تسعين رجلا: خمسة وأربعون رجلا من المهاجرين، [وخمسة
وأربعون من الأنصار] [1] .
[ويقال: كانوا مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار]
[2] .
وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعة بدر، وأنزل الله عز وجل: وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ 8: 75 [3]
.
نسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل
إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه.
قال مؤلف الكتاب:
وهذه [4] تسمية الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ذكرتها
على حروف المعجم] [5] :
واعتبرت الاسم الأول فقط:
حرف الألف ( [6] :
آخى بين أبي بن كعب وطلحة بن عبيد الله. وقيل: بين أبي وسعيد بن زيد.
آخى بين إياس بن البكير والحارثة بن خزيمة.
آخى بين الأرقم بن أبي الأرقم، وأبي طلحة زيد بن سهل.
حرف الباء:
آخى بين بشر بن خالد بن البراء، وواقد بن عبد الله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من طبقات ابن سعد وفي
أ: «تسعين رجلا من المهاجرين وخمسة وأربعون رجلا من الأنصار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من طبقات ابن سعد 1/
238، وفي أ: «ويقال: كانوا خمسين ومائة من الأنصار، وخمسين ومائة من
المهاجرين» .
[3] سورة: الأحزاب الآية: 6.
[4] «وهذه» : ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في أ: «حرف الهمزة» .
(3/71)
آخى بين بلال بن رباح، وبين عبيدة بن
الحارث. وقيل: بين بلال، وأبي رويحة الخثعمي. وقيل: بين بلال، وأبي ذر.
حرف التاء:
آخى بين تميم مولى خداش بن الصمة، وحيان مولى عتبة بن غزوان.
حرف الثاء:
آخى بين ثابت بن قيس، وعامر بن البكير.
آخى بين ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن الحمراء.
حرف الجيم:
آخى بين جعفر بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل.
آخى بين جرير بن عتيك، وخباب بن الأرت.
حرف الحاء:
آخى بين حاطب بن أبي بلتعة، ورحيلة بن خالد، وقيل: بين حاطب/ وعويمر بن
ساعدة. وقيل: بين حاطب، وكعب بن مالك.
آخى بين حارثة بن سراقة، والسائب بن عثمان بن مظعون.
آخى بين الحصين بن الحارث، ورافع بن عنجدة. وقيل: بين الحصين، وعبد بن
جبير.
حرف الخاء:
آخى بين خالد بن البكير، وزيد بن الدثنة. وقيل: بين خالد، وثابت بن قيس
بن شماس.
آخى بين خنيس بن حذافة، وأبي حبيش بن جبير. وقيل: بين خنيس، والمنذر
أبو محمد بن عقبة.
حرف الذال:
آخى بين ذي الشمالين، ويزيد بن الحارث بن فسحم. وقتلا جميعا بيدر.
(3/72)
آخى بين ذكوان بن عبد قيس، ومصعب بن عمير.
[حرف الراء:
آخى بين رافع بن مالك، وسعيد بن زيد بن عمرو] [1] حرف الزاي:
آخى بين الزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود. [وقيل:] [2] بين
الزبير، و [بين] [3] طلحة. [وقيل:] [4] بين الزبير، وكعب بن مالك.
وقيل: بين الزبير، وسلمة بن سلامة بين وقش.
آخى بين زيد بن حارثة، وحمزة بن عبد المطلب. وقيل: بين زيد، وأسيد بن
حضير.
آخى بين زيد بن الخطاب، ومعن بن عدي.
حرف السين:
آخى بين سعد بن أبي وقاص، ومصعب بن عمير. وقيل: بين سعد، وعبد الرحمن
بن عوف. وقيل: بين سعد، وعمار بن ياسر. وقيل: بين سعد، ومحمد بن مسلمة.
آخى بين سالم مولى أبي حذيفة، [ومعاذ] بن ماعص.
آخى بين سعد بن عوف بن الربيع، وبين عبد الرحمن بن عوف.
آخى بين سعد بن خيثمة، وأبي سلمة.
آخى بين سلمة بن سلامة، وأبي سبرة بن أبي رهم.
آخى بين سلمان الفارسي، وأبي الدرداء. وقيل: بين سلمان، وحذيفة.
آخى بين سويبط بن سعد، وعابد بن ماعص.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
(3/73)
حرف الشين:
آخى بين شجاع بن وهب، وأوس بن خولي.
آخى بين شماس بن عثمان، وحنظلة بن الراهب.
حرف الصاد:
آخى بين صهيب، والحارث بن الصمة.
آخى بين صفوان بين بيضاء، وبين رافع بن المعلى/.
حرف الطاء:
آخى بين طلحة، وسعد بن زيد. وقيل: بين طلحة، وكعب بن مالك.
و [قيل] : [1] بين طلحة، وأبي أيوب.
وآخى بين الطفيل بن الحارث، والمنذر بن محمد. و [قيل:] [2] بين الطفيل،
وسفيان بن بشر.
وآخى بين طليب بن عمرو، والمنذر بن عمرو.
حرف العين:
آخى بين أبي بكر الصديق واسمه: عبد الله، وبين عمر. وقيل: بين أبي بكر،
وبين خارجة.
آخى بين عمر، وأبي بكر. وقيل: بين عمر وبين عويمر بن ساعدة. وقيل: بين
عمر، وعتبان بن مالك.
آخى بين عثمان بن عفان، وبين عبد الرحمن بن عوف. وقيل: بين عثمان، وأوس
بن ثابت.
آخى بين علي بن أبي طالب، وبين نفسه صلى الله عليه وسلم. وقيل: بين علي
وبين الزبير.
وقيل: بين علي، وسهل بْن حنيف.
آخى بين العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
(3/74)
آخى بين أبي عبيدة، وبين سالم مولى أبي
حذيفة. وقيل: بين أبي عبيدة، وسعد بن معاذ. وقيل: بين أبي عبيدة، ومحمد
بن مسلمة.
آخى بين عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل.
آخى بين عبد الله بن مظعون، وسهل بن عبيد بن المعلى.
آخى بين عبد الله بن جحش، وعاصم بن ثابت.
آخى بين عمير بن أبي وقاص، وعمرو بن معاذ.
آخى بين عمار، وحذيفة. وقيل: بين عمار [1] ، وثابت بن قيس.
آخى بين عثمان بن مظعون، وأبي الهيثم بن التيهان. وقيل: بين عثمان،
والعباس بن عبادة بن نضلة. وقيل: بين عثمان، وأوس بن ثابت.
آخى بين عتبة بن غزوان، وأبي دجانة. وقيل: بين عتبة، ومعاذ بن ماعص.
آخى بين عكاشة، والمجذر بن زناد.
آخى بين عاقل بن أبي البكير، وبشر بن عبد المنذر، وقيل: بين عاقل،
ومجذر بن زياد.
آخى بين عامر، والحارث بن الصمة.
آخى بين عمرو بن سراقة، وسعيد بن زيد.
آخى بين عبيدة بن الحارث، وعمير بن الحمام.
آخى بين عبادة، وعامر بن ربيعة.
آخى بين عوف/ بن مالك، وأبي الدرداء.
حرف الفاء:
آخى بين فروة بن عمرو البياضي، وعبد الله بن مخرمة.
حرف القاف:
آخى بين قطبة بن عامر، وعبد الله بن مظعون.
حرف الكاف:
آخى بين كناز بن الحصين، وعبادة بن الصامت.
__________
[1] في الأصل: «وقيل: بين عمار وحذيفة، وقيل بين عمار وثابت بن قيس» .
(3/75)
حرف الميم:
آخى بين مصعب بن عمير، وأبي أيوب.
آخى بين مرثد بن أبي مرثد، وأوس بن الصامت.
آخى بين مسطح، وزيد بن المزين.
آخى بين معاذ بن عفراء، ومعمر بن الحارث.
آخى بين محرز بن نضلة [1] ، وعمارة بن جرير [2] .
آخى بين مسعود بن الربيع، وعبيد بن التيهان.
آخى بين المقداد، جبار بن صخر، وقيل: بين المقداد، وابن رواحة.
آخى بين المنذر بن عمرو، وأبي ذر.
آخى بين مهجع، والحارث بن سراقة. وقيل: بين مهجع، وسراقة.
حرف الهاء:
آخى بين هشيم بن عتبة، وعباد بن بشر.
حرف الواو:
آخى بين وهب بن سعد، وسويدا بن عمرو. وقيل: وهب، وسراقة.
حرف الياء:
آخى بين يزيد بن المنذر، وعامر بن ربيعة
. [أمره صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء]
وفي هذه السنة: وجد اليهود تصوم عاشوراء.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي
سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ
الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عاشوراء، فقال لهم: «ما
__________
[1] في أ: «محمد بن نضلة» .
[2] في أ: «عمارة بن حزم» .
(3/76)
هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟»
قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى
وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ
فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ
وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1]
. [إسلام عبد الله بن سلام]
[2] وفي هذه السنة: أسلم [3] عبد الله بن سلام.
أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
الْهَاشِمِيُّ [4] قَالَ:
[أَخْبَرَنَا] [5] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
الْمُقْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي
جَمِيلَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَلامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ [إِلَيْهِ] فَكُنْتُ
فِيمَنْ أَتَى، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرِفْتُ أَنَّه وَجْهٌ
غَيْرُ كَذَّابٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
«أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ،
وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تدَخْلُوا
الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَسَيَأْتِي
شَرْحُ حَالِهِ فِي إِسْلامِهِ عِنْدَ ذكر وَفَاتِهِ
. [رؤية عبد الله بن زيد الآذان في منامه]
[6] وفيها رأى عبد الله بن زيد الآذان فعلمه بلالا.
__________
[1] صحيح البخاري في الصوم 96/ 5، وأحاديث الأنبياء 25/ 3، وصحيح مسلم،
الصوم 9/ 22، 19/ 22.
[2] سيرة ابن هشام 1/ 516، والإكتفاء 1/ 471. والبداية والنهاية 3/
208.
[3] «أسلم» . ساقطة من أ.
[4] «إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي» . ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] العنوان غير موجود بالأصلين. وراجع: سيرة ابن هشام 1/ 508، وطبقات
ابن سعد 1/ 246، والاكتفاء 1/ 465، والبداية والنهاية 3/ 231.
(3/77)
أخبرنا هبة الله بن محمد قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن
مالك قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ قال: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق
قال: ذكر مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ
قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ لِجَمْعِ النَّاسِ لِلصَّلاةِ
[1]- وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ لِمَوَافَقَةِ النَّصَارَى- طَافَ بِي مِنَ
اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ: رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ
أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟
قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ.
قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ
لا إِلَهَ إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى
الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، اللَّهُ
أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ [2] ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. / قَالَ:
ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ، قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا قُمْتَ
لِلصَّلاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشَّهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ [اللَّهِ]
[3] ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، قَدْ قَامَتِ
الصَّلاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ،
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: «إِنَّ
هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ثُمَّ أَمَرَ
بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاةِ، فَجَاءَهُ
ذَاتَ غَدَاةٍ إِلَى الْفَجْرِ [4] ، فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلالٌ
بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. قَالَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ
[إِلَى صَلاةِ الْفَجْرِ] [5] ، فَكَانَ بِلالٌ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ [6]
.
__________
[1] في المسند: «بالناقوس يجمع للصلاة الناس» .
[2] في المسند: «الله أكبر» ثلاث مرات.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[4] «الفجر» . سقطت من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[6] «فكان بلال يؤذن بذلك» . غير موجود في المسند، والخبر في المسند 4/
43.
(3/78)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْبَاقِي الْبَزَّارُ قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو
عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا
الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ
بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبرَنَا سُلَيْمَانُ الْقَارِي، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. قَالُوا [1] : كَانَ النَّاسُ فِي عهد رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالآَذَانِ-
يُنَادِي مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. فَيَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَلَمَّا صُرِفَتِ
الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ أمر بالآذان، وكأن رسول الله صلي الله
عليه وسلم قَدْ أَهَمَّهُ أَمْرُ الآَذَانِ، وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوا
أَشْيَاءَ يَجْمَعُونَ بِهَا النَّاسَ لِلصَّلاةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ:
الْبُوقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النَّاقُوسُ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى
ذَلِكَ بات [2] عبد الله بن زيد الخزرجي فأري فِي النَّوْمِ [أَنَّ]
[3] رَجُلا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ.
قَالَ: فَقُلْتُ: أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُ
بِهِ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَبْتَاعَهُ لِكَيْ أَضْرِبَ/ بِهِ
لِلصَّلاةِ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ. قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ بِخَيْرٍ
لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ، تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ-
فَذكر الآَذَانَ.
فَأَتَى عَبْدُ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: «قُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ
عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَكَ فَلْيُؤَذِّنْ بِذَلِكَ» فَفَعَلَ، وَجَاءَ
عُمَرُ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [4] : فَعَلَى
هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الآَذَانُ قَدْ وَقَعَ في السنة الثانية
من
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 246، 247.
[2] في أ، وابن سعد: «إذ نام عبد الله» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] في أ: «قال المصنف رضي الله عنه» .
(3/79)
الْهِجَرْةِ، لأَنَّهُ ذكر ذَلِكَ بَعْدَ
أَنْ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ستة عشر
شهرا
. [ذكر سراياه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
سرية حمزة بن عبد المطلب:]
[1] وفي هذه السنة: عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد
المطلب لواء أبيض- وهو أول لواء عقده- وكان [الذي] [2] يحمله أبو مرثد
كناز بن الحصين حليف حمزة، وذلك في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره،
وبعث معه ثلاثين رجلا من المهاجرين، ولم يبعث أحدا من الأنصار، وذلك
أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم، فخرج حمزة ليعترض عيرا لقريش [3]
، فلقي حمزة أبا جهل في ثلاثمائة رجل، فالتقوا فاصطفوا للقتال، فحجز
بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفا للفريقين، فلم يقع قتال، ورجع
أبو جهل إلى مكة وحمزة إلى المدينة
. [سرية عبيدة بن الحارث]
[4] ثم عقد في هذه السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال على رأس
ثمانية أشهر من مهاجره لواء أبيض لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب،
وأمره بالمسير إلى بطن رابغ، وكان لواؤه مع مسطح بن أثاثة، فخرج في
ستين راكبا من المهاجرين، فالتقى بأبي سفيان على ماء، وكان بينهم الرمي
ولم يسلوا السيوف، إلا أن سعد بن أبي وقاص رمى يومئذ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 9، 10، وطبقات ابن سعد 2/ 6، وتاريخ الطبري
2/ 402، وسيرة ابن هشام 1/ 595، والبداية والنهاية 3/ 234، ودلائل
النبوة للبيهقي.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في أ: «ليتعرض لعير قريش» .
[4] ما بين المعقوفتين: إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 10، 11، وطبقات ابن سعد 2/ 7، وسيرة ابن
هشام 1/ 591، وتاريخ الطبري 2/ 404، والبداية والنهاية 3/ 234،
والإكتفاء 2/ 3، ودلائل النبوة للبيهقي.
(3/80)
بسهم، فكان أول من رمى به في الإسلام.
وانصرف الفريقان، وفر من المشركين [1] إلى المؤمنين- أو قال: المسلمين
وهو الأصح- المقداد/، وعتبة بن غزوان، وكانا مسلمين، لكنهما خرجا
ليتوصلا [2] بالكفار إلى المسلمين. هذا قول الواقدي.
وقال ابن إسحاق: إنما كانت هذه الغزاة في السنة الثانية
. [سرية سعد بن أبي وقاص:]
[3] بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخزار [4] في ذي القعدة على رأس تسعة
أشهر من مهاجره، وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو، وبعثه في
عشرين من المهاجرين يعترض عيرا لقريش، وعهد إليه أن لا يجاوز الخزار،
وهي أبيات عن يسار الحجفة، حين تروح من الجحفة إلى مكة.
قال سعد [5] : فخرجنا على أقدامنا، فكنا نكمن النهار ونسير بالليل حتى
صبحناها صبح خمس، فنجد العير قد مرت بالأمس، ثم انصرفنا
. ومما جرى في هذه السنة:
مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنِ طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا عمر بْن حيوية
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة
قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا علي بن محمد بن
__________
[1] في الأصل: وفد من المشركين، وفي أ،: «ففرض المشركين» . وما أوردناه
من تاريخ الطبري 2/ 404.
[2] كذا في ابن هشام، وفي الطبري: «لكنهما خرجا يتوصلان» .
والمعنى: أنهما جعلا خروجهما مع الكفار وسيلة للوصول إلى المسلمين.
[3] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 11، وطبقات ابن سعد 1/ 1/ 3، وسيرة ابن هشام
1/ 600، وتاريخ الطبري 2/ 403، والبداية والنهاية 3/ 234، والكامل 2/
10، ودلائل النبوة للبيهقي.
[4] في المغازي بعدها: «والخرّار من الجحفة قريب من خمّ» .
وفي طبقات ابن سعد: «والخرار حين تروح من الجحفة إلى مكة أبار عن يسار
المحجة قريب من خم» .
[5] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 3.
(3/81)
عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ:
كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ
بِنْتُ النُّعْمَانِ لَها تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ، فَكَانَ يَأْتِيهَا
حِينَ هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَانْقَضَّ عَلَى الْحَائِطِ فَقَالَتْ: مَالَكَ لَمْ تَأْتِ كَمَا
كنت؟ فقال:
قد جاء النبي الَّذِي حَرَّم الزِّنَا وَالْخَمْرَ [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
5- أسعد بن زرارة، أبو أمامة [2] :
خرج إلى مكة هو وذكوان بن عبد قيس يتنافران [3] إلى عتبة بن ربيعة،
فسمعا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه، فعرض عليهما الإسلام
فأسلما، ولم يقربا عتبة ورجعا إلى المدينة، فكانا أول من قدم بالإسلام
المدينة.
وكان أسعد أحد النقباء الاثني عشر، وهو الذي أخذ بيد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة العقبة وقال: أيها الناس، هل تدرون على ما
تبايعون/ محمدا؟ إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم، والجن
والإنس. فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم.
ولما خرج مصعب بن عُمَيْرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم ليهاجر معه كان أسعد يصلي بالناس الصلوات الخمس ويجمع
بهم في موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مات أسعد بالذبحة قبل أن يفرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من بناء مسجده، ودفن بالبقيع.
والأنصار يقولون: هو أول من دفن به. والمهاجرون يقولون: عثمان بن
مظعون.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَالَّذِي حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ: أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَسْعَدُ [بْنُ زُرَارَةَ] [4]
اجْتَمَعَتْ بنو النجار إلى رسول الله، وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ
نَقِيبُهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 167، وألوفا 177.
[2] انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 3/ 2/ 138، والبداية والنهاية 3/
235، وسيرة ابن هشام 1/ 507، 508. وتاريخ الطبري 2/ 397، 398.
[3] في أ: «يتنافر» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/82)
اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ كَانَ
مِنَّا بِحَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، فَاجْعَلْ مِنَّا رَجُلا مَكَانَهُ
يُقِيمُ مِنْ أُمُورِنَا مَا كَانَ يُقِيمُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ أَخْوَالِي وَأَنَا
مِنْكُمْ، أَنَا نَقِيبُكُمْ» وَكَرِهَ أَنْ يَخُصَّ بِهَا بَعْضَهُمْ
دُونَ بَعْضٍ. فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النَّجَّارِ الَّذِي بَعْدَ
قَوْمِهِمْ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نَقِيبُهُمْ [1] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أنبأنا البرمكي
قال: أخبرنا ابن حيوية قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم قال:
حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ قَالَ: مَاتَ أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ
الْهِجْرَةِ، وَمَسْجُدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُبْنَى، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ، فَجَاءَتْ بَنُو
النَّجَّارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا: قَدْ مَاتَ نَقِيبُنَا، فَنَقِّبْ عَلَيْنَا. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا
نَقِيبُكُمْ» [2]
. 6- البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان [3] :
شهد العقبة، وكان أول من تكلم ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله
عليه وسلم السبعون من الأنصار فبايعوه وأخذ منهم النقباء، وكان هو أحد
النقباء، فحمد الله، فقال: الحمد للَّه/ الذي أكرمنا بمحمد وحبانا به،
وكنا أول من أجاب فأجبنا الله ورسوله، وسمعنا وأطعنا، يا معشر الأوس
والخزرج، قد أكرمكم الله بدينه، فإن أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة
بالشكر، فأطيعوا الله ورسوله. ثم جلس، وقدم المدينة قبل أن يهاجر رسول
الله، فتوفي قبل قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بشهر، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بأصحابه،
فصلى على قبره، وقال: «اللَّهمّ اغفر له وارحمه وارض عنه» وقد فعلت.
وهو أول من مات من النقباء.
7- كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث [4] :
كان شريفا، كبير السن، أسلم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلّم
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 398، وسيرة ابن هشام 1/ 507، 508.
[2] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 146) .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 141.
[4] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 149.
(3/83)
نزل عليه، ونزل عليه جماعة منهم: أبو
عبيدة، والمقداد، وخباب في آخرين [1] .
وتوفي قبل [2] قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ المدينة بيسير، وكان رجلا صالحا
. [ذكر من توفي من المشركين]
[3] وفي هذه السنة مات من المشركين: العاص بن وائل السهمي، والوليد بن
المغيرة.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن
هبة الطبري قال:
أخبرنا أبو أعلى بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن محمد
القرشي قال:
أخبرنا أبو كريب قال: أخبرنا محمد بن الصلت، عن ابن أبي زائدة، عن
مجالد، عن الشعبي قال:
لما حضر الوليد بن المغيرة جزع، فقال له أبو جهل: يا عم، ما يجزعك؟
قال:
والله ما بي جزع من الموت، ولكني أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكة،
فقال أبو سفيان: يا عم، لا تخف فأنا ضامن أن لا يظهر
. [ذكر ما جرى في السنة الثانية من الهجرة]
[4] ثم دخلت سنة اثنتين من الهجرة. فمن الحوادث فيها:
[زواج علي بن أبي طالب بفاطمة رضي الله
عنهما]
[5] [أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه] [6] تزوج فاطمة رضي الله عنها
في صفر لليال بقين منه، وبنى بها في ذي الحجة.
__________
[1] «وخباب في آخرين ... » حتى آخر الترجمة ساقطة من أ.
[2] في طبقات ابن سعد: «ثم لم يلبث كلثوم بن الهدم بَعْدَ قُدُومِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم المدينة إلا يسيرا حتى
توفي، وذلك قبل أن يَخْرُجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى بدر بيسير، وكان غير مغموص عليه في إسلامه، وكان رجلا
صالحا» .
[3] العنوان غير موجود بالأصل، وأضفناه من عندنا.
[4] ما بين المعقوفتين: عنوان مضاف من عندنا على نسق ما قبله
[5] ما بين المعقوفتين: مضاف من عندنا. وانظر (طبقات ابن سعد 8/ 11 (ط
الشعب) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/84)
وقد روي أنه تزوجها في رجب بعد مقدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها [بعد] [1] مرجعه
من بدر [2] . والأول أصح.
وكانت فاطمة يوم بنى بها بنت/ ثمان عشرة سنة، وأهديت في بردين وعليها
دملوجان من فضة، وكان معها حميلة ومرفقة من أدم حشوها ليف، ومنخل،
وقدح، ورحى، وجرتان.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَنْبَأَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر بْن حيوية
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ
بْنُ الْفَهْمِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سعد [3] قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلْيَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيُّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَ
فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ لَهُ: «انْتَظِرْ بِهَا الْقَضَاءَ» فَجَاءَ عمر إلى أبي بكر
وأخبره، فَقَالَ: للَّه دَرُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا
بْكَرٍ قَالَ لِعُمَرَ: اخْطِبْ فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَهَا فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا
قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: «انْتَظِرْ بِهَا الْقَضَاءَ» فَجَاءَ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: للَّه دَرُّكَ يَا عُمَرُ. ثُمَّ
إِنَّ أَهْلَ عَلِيٍّ قَالُوا لِعَلِيٍّ: اخْطِبْ فَاطِمَةَ إلى رسول
الله. فَقَالَ: بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟! فَذَكَرُوا لَهُ
قَرَابَتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَخَطَبَهَا فَزَوَّجَهُ [4] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم، فباع عليّ بعيرا له وبعض متاعه، فبلغ أربعمائة وَثَمَانِينَ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«اجعل ثلاثين فِي الطِّيبِ وَثُلُثًا فِي الْمَتَاعِ» [5] . قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] : وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبَّادِ
بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: خَطَبَ عَلِيٌّ
فَاطِمَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُكِ» فَسَكَتَتْ، فَزَوَّجَهَا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] «من» : ساقطة من أ.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 11، 12 (ط الشعب)
[4] في الأصل: «فزوجها» . والتصحيح من ابن سعد.
[5] في الأصول: «ثلاثين في الطيب وثلاثين في المتاع» . وما أوردناه عن
ابن سعد 8/ 12.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 12. (ط الشعب) .
(3/85)
قَالَ [1] : وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
تَصْدُقُهَا؟» قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَصْدُقُهَا. قَالَ: «فَأَيْنَ
دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟» [2] قَالَ: عِنْدِي. قَالَ: «أَصْدُقْهَا
إِيَّاهَا وَتَزَوَّجْهَا» [3] .
قَالَ [4] : وَأَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ سَعِيدٍ النَّهْدِيُّ [5]
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ،
عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ سليط ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ
[6] : / أَتَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا
حَاجَةُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ؟» قَالَ: ذَكَرْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ
رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: «مَرْحَبًا وَأَهْلا» لَمْ يَزِدْهُ
عليها.
فخرج عليّ عَلَى رِجَالٍ مِنَ الأَنْصَارِ [7] فَقَالُوا: مَا
وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لِي مَرْحَبًا
وَأَهْلا. قَالَ: يَكْفِيكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا، أَعْطَاكَ الأَهْلَ وَأَعْطَاكَ
الْمَرْحَبَ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَنْ زَوَّجَهُ [8] قَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّهُ
لا بُدَّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ. فَقَالَ سَعْدٌ:
عِنْدِي كَبْشَانِ [9] . وَجَمَعَ لَهُ رَهْطٌ مِنَ الأَنْصَارِ
آَصُعًا [10] مِنْ ذُرَةٍ، فلما كان ليلة البناء،
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 12 (ط الشعب) .
[2] بعدها في ابن سعد: « ... التي كنت منحتك» .
[3] في ابن سعد: «قال: أصدقها إياها. قال: فأصدقها وتزوجها» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 12، 13 (ط الشعب) .
[5] كذا في الأصل، وفي الطبقات: «مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي» .
[6] في ابن سعد: «عن أبيه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ... » .
[7] في أ: «فخرج على نفر من الأنصار» . وفي ابن سعد: «فخرج عليّ على
أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه» .
[8] في ابن سعد: «فلما كان بعد ما زوجه» .
[9] كذا في الأصول. وفي ابن سعد: «كبش» .
[10] في الأصول: «أصوعا» .
(3/86)
قَالَ: «لا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى
تَلْقَانِي» . فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فتوضأ فيه، ثم أفرغه على [عَلَيَّ] [1] ثُمَّ
قَالَ: «اللَّهمّ بَارِكْ فِيهِمَا، وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا، وَبَارِكْ
لَهُمَا فِي نَسْلِهِمَا» . قَالَ [2] : وَأَخْبَرَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، عَن مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قال علي بن أبي طالب
رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لي وَلَهَا فِرَاشٌ غَيْرَ جِلْدِ
كَبْشٍ، نَنَامُ عَلَيْهِ بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي
وَلَهَا خَادِمٌ غَيْرَهَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : وَأَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
شُعَيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ [4] ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ
[عَلِيٌّ] [5] بِفَاطِمَةَ قَالَ لِعَلِيٍّ: اطْلُبْ مَنْزِلا.
فَطَلَبَ عَلِيٌّ مَنْزِلا فَأَصَابَهُ مُسْتَأْخِرًا عن رسول الله
قليلا، فبنى بها فيه، فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم إِلَيْهِمَا
فَقَالَ: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحَوِّلَكَ إِلَيَّ» فَقَالَ [6] : يَا
رَسُولَ اللَّهِ، فَكَلِّمْ حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانِ أَنْ
يَتَحَوَّلَ عَنِّي [7] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [قَدْ] تَحَوَّلَ حَارِثَةُ عنا [8] حتى قد
استحييت [منه] » [9] فبلغ ذلك حارثة فَتَحَوَّلَ، وَجَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَوِّلُ فَاطِمَةَ إِلَيْكَ،
وَهَذِهِ مَنَازِلِي [وَهِيَ أَسْقَبُ بُيُوتِ بَنِي النَّجَّارِ بِكَ]
[10] ، وَإِنَّمَا أنا وَمَالِي للَّه وَلِرَسُولِهِ، وَاللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ [المال] [11] الّذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 13 (ط الشعب) .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 14 (ط الشعب) .
[4] بعدها في الطبقات: « ... سنة أو نحوها» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من ابن سعد 8/ 14.
[6] في ابن سعد: «فقالت لرسول الله: فكلم» .
[7] في الأصل: «كلم حارثة بن النعمان أن يتحول علي» .
[8] في الأصل: «يحول حارثة عنا» . وما أوردناه من أ، بالموافقة مع ابن
سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
(3/87)
تَأْخُذُ [مِنِّي] [1] أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنَ الَّذِي تَدَعُ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ»
فَحَوَّلَهَا [2] رَسُولُ الله/ إِلَى بَيْتِ حَارِثَةَ. أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طاهر البزار قَالَ: أخبرنا ابن حيويه قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف قال:
أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا خَبَّابُ بْنُ مُوسَى الْعَبْدِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
بِتْنَا لَيْلَةً بِغَيْرِ عَشَاءٍ، فَأَصْبَحْتُ فَخَرَجْتُ، ثُمَّ
رَجِعْتُ إِلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ مَحْزُونَةٌ، فَقُلْتُ: مَالَكِ؟
قَالَتْ: لَمْ نَتَعَشَّ الْبَارِحَةَ، وَلَمْ نَتَغَدَّ الْيَوْمَ،
وَلَيْسَ عِنْدَنَا عَشَاءٌ، فَخَرَجْتُ فَالْتَمَسْتُ فَأَصَبْتُ مَا
اشْتَرَيْتُ طَعَامًا [وَلَحْمًا] [3] ، ثُمَّ أَتَيْتُهَا بِهِ،
فَخَبَزَتْ وَطَحَنَتْ، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ إِنْضَاجِ الْقِدْرِ
قَالَتْ: لَوْ أَتَيْتَ أَبِي فَدَعَوْتَهُ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ
وَهُوَ يَقُولُ: «أَعُوذُ باللَّه مِنَ الْجُوعِ ضَجِيعًا» . قُلْتُ:
بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدَنَا طَعَامٌ، فَهَلُمَّ.
فَتَوَكَّأَ عَلَيَّ حَتَّى دَخَلَ وَالْقِدْرُ تَفُورُ، فَقَالَ:
«اغْرُفِي لِعَائِشَةَ» فَغَرَفَتْ فِي صَحْفَةٍ، ثُمَّ قَالَ:
«اغْرُفِي لِحَفْصَةَ» فَغَرَفَتْ فِي صَحْفَةٍ، حَتَّى غَرَفَتْ
لِجَمِيعِ نِسَائِهِ التِّسْعِ، ثُمَّ قَالَ: «اغْرُفِي لابْنِكِ
وَزَوْجِكِ» فَغَرَفَتْ، ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِدْرَ وَإِنَّهَا
لَتَفِيضُ، فَأَكَلْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ
. [غزوة الأبواء]
[4] وفي هذه السنة كانت غزاة الأبواء.
قال مؤلف الكتاب [5] : وهي أول غزاة غزاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم بنفسه، واستخلف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[2] في أ: «فحوله» . وفي الطبقات: «فحولها» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] العنوان غير موجود بالأصول.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 11، 12، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 3، 4، وتاريخ
الطبري 2/ 407، وسيرة ابن هشام 1/ 598، والبداية والنهاية 3/ 246،
والإكتفاء 2/ 8، ودلائل النبوة.
[5] نقل المصنف قوله هذا من طبقات ابن سعد باختلاف يسير.
(3/88)
على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في
المهاجرين فقط حتى بلغ «الأبواء» ، يعترض لعير قريش حتى بلغ «ودان» -
ولذلك يقال لها أيضا غزاة «ودان» - ولم يلق كيدا، فوداع مخشي بن عمرو
الضمري- وهو سيد بني ضمرة- على أن لا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا
يعينوا عليه، فكتب بذلك بينهم وبينه كتابا- وضمرة من بني كنانة- ثم
انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غيبته خمس عشرة ليلة
. [غزاة بواط]
[1] وفيها كانت غزاة بواط.
خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم/ في شهر ربيع الأول على رأس
ثلاثة عشر شهرا من الهجرة، وحمل لواءه سعد بن معاذ، وخرج في مائتين من
الصحابة يعترض عير قريش، وكان فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش
وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ «بواط» [2]- وهي جبال «جهينة» من ناحية
«رضوى» وهو قريب من «ذي خشب» مما يلي طريق الشام، وبين «بواط» و
«المدينة» نحو من أربعة برد- فلم يلق كيدا، فرجع إلى المدينة [3]
. [غزوة طلب كرز بن جابر الفهري]
[4] فلم يمض إلا ليال حتى أغار كرز بن رجاء الفهري على سرح [5]
المدينة، فخرج
__________
[1] العنوان: إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 12، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 3، 4 وتاريخ
الطبري 3/ 407، وسيرة ابن هشام 1/ 598، والبداية والنهاية 3/ 246،
والاكتفاء 2/ 8، ودلائل النبوة
[2] في الأصل: «فبلغ بواطا» .
[3] نقل المصنف هذه الغزوة بأكملها بالنص من ابن سعد.
[4] العنوان إضافة من عندنا، وقد سقط ذكر هذه الغزوة من أ.
انظر: المغازي للواقدي 1/ 12، وسماها غزوة بدر الأولى، وطبقات ابن سعد
2/ 1/ 4، وتاريخ الطبري 2/ 407، وسيرة ابن هشام 1/ 601، وسماها غزوة
صفوان وهي غزوة بدر الأولى، والاكتفاء 2/ 9، ودلائل النبوة للبيهقي 3/
8.
[5] السرح: المال السارح، ولا يسمى من الأموال سرحا: إلا ما يغدى به
ويراح، أي الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة.
(3/89)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه،
واستخلف زيد بن حارثة على المدينة، ومضى حتى بلغ «سفوان» وهو واد،
وفاته كرز، فرجع إلى المدينة.
وفيها: ولد النعمان بن بشير بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا في ربيع الآخر
. [غزاة ذي العشيرة]
[1] وفي هذه السنة كانت غزاة ذي العشيرة في جمادى الآخرة على رأس ستة
عشر شهرا من الهجرة، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في خمسين ومائة راكب- وقيل: في مائتين- من المهاجرين، ولم
يكره أحدا على الخروج، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد،
ومضى يعترض لعير قريش، وكانوا قد بعثوا فيها أموالهم، فبلغ «ذا
العشيرة» - وهي لبني مدلج [2] بناحية «ينبع» ، وبينها وبين المدينة
تسعة برد، ففاتته العير، وهي العير التي رجعت من الشام، فخرج لطلبها،
وخرجت قريش تمنعها، فكانت وقعة «بدر» ، وبذي العشيرة كنى عليا: أبا
تراب، لأنه رآه نائما على التراب فقال: «اجلس أبا تراب» . وقد روي أن
ذلك كان بالمدينة، رآه نائما في المسجد على التراب [3] .
وفي غزاة [ذي] [4] العشيرة وادع مدلج [5] وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع
ولم يلق كيدا.
__________
[1] العنوان إضافة من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 12، 13، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 4، 5، وتاريخ
الطبري 2/ 408، وسيرة ابن هشام 1/ 598، والبداية والنهاية 3/ 246،
والإكتفاء 2/ 8، 9، ودلائل 3/ 8.
[2] في الأصل: «مدحج» .
[3] قال السهيليّ: «وأصح من ذلك ما رواه البخاري في جامعه، وهو أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجده في المسجد نائما وقد ترب جنبه، فجعل يحث
التراب عن جبينه ويقول: قم أبا تراب، وكان قد خرج إلى المسجد مغاضبا
لفاطمة. وما ذكره ابن إسحاق هو أنه صلّى الله عليه وسلّم كناه بذلك في
الغزوة مخالف له، إلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم كناه بها مرتين: مرة في المسجد، ومرة في هذه الغزوة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «مدحج» .
(3/90)
[سرية عبد الله بن
جحش الأسدي]
[1] وفي هذه السنة كانت سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة، في رجب
على رأس سبعة عشر شهرا/ من الهجرة، بعثه في اثني عشر رجلا من المهاجرين
[2] ، كل اثنين يعتقبان بعيرا إلى بطن نخلة [3] ، وأمره أن يرصد بها
عير قريش، فوردت عليه، فهابهم أهل العير، فحلق عكاشة بن محصن رأسه،
فاطمأن القوم، وقالوا: هم عمار، وشكوا في ذلك اليوم، هل هو من الشهر
الحرام أم لا؟ ثم قاتلوهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن
الحضرمي فقتله، وشد المسلمون عليهم، [فاستأسر عثمان بن عبد الله بن
المغيرة، والحكم بن كيسان، وأعجزهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة] [4] ،
واستاقوا العير، [وكان فيها خمر وأدم وزبيب جاءوا به من الطائف، فقدموا
بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقفه وحبس الأسيرين، وكان
الّذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو، فدعاه رسول الله صلى الله
عَلَيْهِ وسلم إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيدا.
وكان سعد بن أبي وقاص زميل عتبة بن غزوان على بعير لعتبة في هذه
السرية، فضل البعير بحران- وهي ناحية معدن بني سليم- فأقاما عليه يومين
يبغيانه، ومضى أصحابهم إلى نخلة فلم يشهدها سعد وعتبة، وقدما المدينة
بعدهم بأيام.
__________
[1] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر: المغازي للواقدي 1/ 13- 19، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 5، وتاريخ
الطبري 2/ 410، وسيرة ابن هشام 1/ 601، والبداية والنهاية 3/ 248،
والإكتفاء 2/ 9، ودلائل النبوة 3/ 17، والدرر لابن عبد البر 99،
والنويري 17/ 6.
[2] هذا قول ابن سعد، وقال الواقدي 1/ 19: «ويقال كانوا اثني عشر،
ويقال كانوا ثلاثة عشر، والثابت عندنا ثمانية» . وذكرهم، وهم: «عبد
الله بن جحش، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعامر بن ربيعة، وواقد بن
عبد التميمي، وعكاشة بن محصن، وخالد بن أبي البكير، وسعد بن أبي وقاص،
وعتبة بن غزوان» .
وقال الطبري عن ابن إسحاق أنهم كانوا ثمانية، ثم قال: وأما الواقدي
فإنه زعم أنهم اثنا عشر رجلا من المهاجرين.
وذكرهم ابن هشام في السيرة كما ذكرهم الواقدي، وزاد: «سهيل بن بيضاء» .
[3] في ابن سعد 2/ 1/ 5: «وهو بستان ابن عامر الّذي قرب مكة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
(3/91)
ويقال: إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة
خمس ما غنم، وقسم بين أصحابه سائر الغنائم، فكان أول خمس خمس في
الإسلام.
ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر،
فقسمها مع غنائم بدر، وأعطى كل قوم حقهم.
وفي هذه السرية سمى عبد الله بن جحش أمير المؤمنين] [1] .
وقال عروة [2] : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش
كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ويمضي ولا
يستكره أحدا من أصحابه فلما سار يومين نظر فيه، فإذا فِيهِ: «وإذا نظرت
في كتابي هذا، فسر حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها قريشا [وتعلم لنا من
أخبارهم] [3] » وأخبر أصحابه، فمضوا معه، ولم يتخلف منهم أحد، فنزل
نخلة، فمرت بهم [4] عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة [من تجارة قريش]
[5] فيها [منهم] [6] عمرو بن الحضرمي [7] ، وعثمان بن عَبْد اللَّه بن
المغيرة، وأخوه نوفل، والحكم بن كيسان، فتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر
يوم من رجب.
وفي رواية عن جندب بن عبد الله قال [8] : لم يدروا ذلك اليوم من رجب أو
جمادى الآخرة.
ثم اجمعوا [9] على الإقدام عليهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو
بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
وإلى هنا انتهى ما في الطبقات، ومن هنا إلى آخر خبر الغزوة ساقط من أ.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 410، وابن هشام 1/ 604، وتفسير الطبري 4/
302- 305.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من تاريخ الطبري 2/
411.
[4] في الطبري: «فمرت به» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناها من تاريخ الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من تاريخ الطبري.
[7] قال ابن هشام: «واسم الحضرميّ عبد الله بن عباد، أحد الصدف، واسم
الصدف عمرو بن مالك، أحد السكون بن المغيرة بن أشرس بن كندة، ويقال
الكندي» .
[8] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 415، وتفسير الطبري 4/ 306، 307.
[9] هنا رجع الحديث لعروة.
(3/92)
الحضرمي [بسهم] [1] فقتله واستأسر عثمان بن
عبد الله والحكم، وأفلت نوفل، وقدموا بالأسيرين والعير على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» فسقط في
أيديهم، وعنفهم المسلمون، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر
الحرام. فأنزل الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ
قِتالٍ فِيهِ ... 2: 217 [2] الآية.
[تحويل القبلة إلى الكعبة] [3]
ومن الحوادث في هذه السنة: تحويل القبلة إلى الكعبة.
قال محمد بن حبيب الهاشمي: حولت في الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان.
زَارَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم بشر بن
البراء بن معرور في بني سلمة/ فتغدى وأصحابه وجاءت الظهر، فصلى بأصحابه
في مجلس القبلتين بركعتين من الظهر إلى الشام، ثم أمر أن يستقبل القبلة
وهو راكع في الركعة الثانية، فاستدار إلى الكعبة ودارت الصفوف خلفه، ثم
أتموا الصلاة، فسمي مسجد القبلتين.
قَالَ الواقدي [4] : كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب، على رأس سبعة
عشر شهرا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري
قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا
محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أو سبعة عشر
شهرا،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] سورة: البقرة، الآية: 217.
[3] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 3 (ط- الشعب) ، وتاريخ الطبري 2/ 415،
وسيرة ابن هشام 1/ 606، والبداية والنهاية 3/ 252، ودلائل النبوة
للبيهقي 2/ 571.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 4.
(3/93)
وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ
قِبْلَتَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ،
فَخَرَجَ رَجُلٌ [1] مِمَّنْ كَانَ [صَلَّى] [2] مَعَهُ [فَمَرَّ] [3]
عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ باللَّه
لَقَدْ صَلَّيْتُ مع [4] رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قبل مكّة، فداروا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ [5] . قَالَ ابْنُ
سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ
حُوِّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ. وروى السدي عن
أشياخه: أن القبلة حولت على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره.
وكذلك قال ابن إسحاق، والواقدي، والجمهور [6]
. [بناء مسجد قباء] [7]
ومن الحوادث: بناء مسجد قباء.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قال:
أخبرنا ابن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة قَالَ:
حدثنا محمد بن سعد قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي
أَنَسٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. / قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَلْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ إِسْحَاقَ
بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بن حارثة. عن أبي
غزيّة.
__________
[1] في أ: «فخرج قوم ممن» . وما أوردناه من الأصل وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من طبقات ابن سعد.
[4] في أ: «أشهد باللَّه لصليت مع» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 4 (ط الشعب) .
[6] راجع تاريخ الطبري 2/ 416.
[7] العنوان إضافة من عندنا.
وانظر طبقات ابن سعد 1/ 2/ 5.
(3/94)
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ
أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ
قُبَاءَ فَقَدَّمَ جِدَارَ الْمَسْجِدِ إِلَى مَوْضِعِه الْيَوْمَ.
وَأَسَّسَهُ بِيَدِهِ، وَنَقَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهِ، وَكَانَ
يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ
الْوُضُوءَ، ثُمَّ جَاءَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فصلى فِيهِ كَانَ لَهُ
أَجْرُ عُمْرَةَ» . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يَأْتِيهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ويوم الخميس، وقال: لو كان بطرف
من الأَطْرَافِ لَضَرَبْنَا إِلَيْهِ أَكْبَادَ الإِبِلِ.
وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ يَقُولُ: هُوَ الْمَسْجِدُ
الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى.
وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ من أصحاب رسول الله صلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]
. [نزول فريضة رمضان وزكاة الفطرة]
[2] ومن الحوادث: نزول فريضة رمضان في شعبان من هذه السنة، والأمر
بزكاة الفطر.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر بْن حيويه قَالَ:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا
محمد بن سعد قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ [3] ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 5، 6.
[2] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 8، 9، وتاريخ الطبري 2/ 417، والبداية
والنهاية 3/ 254.
[3] في الأصل: «عبد الله بن عمر، وساقطة من أ، وما أثبتناه من ابن سعد.
(3/95)
قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ ربيح بن عبد الرحمن، عن أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدِّهِ، قالوا:
نزل فرض شهر رمضان بعد ما صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ
بِشَهْرٍ، فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهَرًا مِنْ
مُهَاجِرِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم في هَذِهِ السَّنَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ،
وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الزَّكَاةُ فِي الأَمْوَالِ، وَأَنَّ
تُخْرَجَ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، /
وَالذكر وَالأُنْثَى: صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ زَبِيبٍ،
أَوْ مُدَّانِ [مِنْ] [1] بُرٍّ، وَكَانَ يَخْطُبُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَيَأْمُرُ
بِإْخِرَاجِهَا قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى [2] .
ومن الحوادث: أنه خرج صلى الله عليه وسلم يوم العيد، فصلى بالناس صلاة
العيد، وحملت بين يديه العنزة [3] إلى المصلى، فصلى إليها، وكانت هذه
الحربة للنجاشي، فوهبها للزبير بن العوام، وكانت تحمل بَيْنَ يَدَيْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الأعياد [4] .
وفي هذه السنة: ولد عبد الله بن الزبير بن العوام بعد الهجرة بعشرين
شهرا، وهو أول مولود ولد من المهاجرين بالمدينة، فكبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد تحدثوا بينهم أن اليهود قد سحرتهم،
فلا يولد لهم، وكان تكبيره [صلى الله عليه وسلم] سرورا بذلك.
وقيل: إن أسماء بنت أبي بكر هاجرت إلى المدينة وهي حامل به.
__________
[1] في الأصل: «أو مدّ من بر» ، وفي أ: «أو مدين من بر» . وما أثبتناه
من ابن سعد.
[2] في الأصل: «يغدوا إلى المصلى» ، والتصحيح من ابن سعد والخبر في
طبقات ابن سعد 1/ 2/ 8، 9.
[3] في شرح مواهب القسطلاني للزرقاني 3/ 437: «العنزة، بفتح المهملة
والنون والزاي، قال الحافظ:
عصا أقصر من الرمح يقال لها سنان، وقيل: هي الحربة القصيرة، وفي رواية:
عصا عليها زج. وفي طبقات ابن سعد أن النجاشي أهداها للنّبيّ صلّى الله
عليه وسلم ... ، وروى أنها للزبير أخذها من مشرك يوم أحد. ونقل عن ابن
سيد الناس أن الزبير قدم بها من الحبشة» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 2/ 418.
(3/96)
[غزوة بدر]
[1] ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة بدر، وكانت في صبيحة سبعة عشر يوما
من رمضان يوم الجمعة. وقيل: تسعة عشر. والأول أصح.
قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا ابْن حيوية قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن معروف قَالَ: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا
محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أَخْبَرَنَا زكريا، عن
عامر:
أن بدرا إنما كانت لرجل يدعى بدرا، يعني: بئرا.
قال: وقال الواقدي وأصحابنا من أهل المدينة ومن يروي السيرة يقولون:
بدر اسم الموضع [2] .
وكان الذي هاج هذه الوقعة وغيرها من الحروب بين رسول الله صلى الله
عليه وسلم وبين المشركين قتل عمرو بن الحضرمي. فتحين رسول الله صلى
الله عليه وسلم انصراف العير التي طلبها بذي العشيرة، فبعث طلحة، وسعيد
بن زيد يتحسسان خبرها، فلما رجعا وجدا النبي صلى الله عليه وسلم قد
خرج، وكان قد ندب أصحابه وأخبرهم بما مع أبي سفيان من المال مع قلة
عدده [3] / فخرج أقوام منهم لطلب الغنيمة، وقعد أخرون لم يظنوا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا فلم يلمهم، لأنه لم يخرج لقتال،
وكان خروجه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان- وقيل لثلاث خلون
من رمضان- على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة، واستخلف على المدينة عمرو
بن أم مكتوم، وخرجت معه الأنصار ولم يكن غزا بأحد منهم قبلها، وضرب
عسكره ببئر أبي عتبة [4] على ميل من المدينة يعرض أصحابه، وردّ من
__________
[1] العنوان مضاف من عندنا.
وانظر المغازي 1/ 19، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 6 (ط الشعب) ، تاريخ الطبري
2/ 421، سيرة ابن هشام 1/ 606، والبداية والنهاية 3/ 256، والاكتفاء 2/
14، والكامل لابن الأثير 2/ 14، ودلائل النبوة 3/ 25،
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 27 (بيروت) .
[3] في أ: «مع قلة عدوه» .
[4] في ابن سعد 2/ 12: «أبي عنبة» .
(3/97)
استصغر، وخلف عثمان على رقية وكانت مريضة،
وبعث طلحة وسعيدا على ما ذكر، فقدما وقد فاتت بدر، وخلف أبا لبابة بن
عبد المنذر على المدينة، وعاصم بن عدي على أهل العالية، والحارث بن
حاطب رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث بن
الصمة كسر بالروحاء. وخوات بن جبير كسر أيضا، وكل هؤلاء ضرب له سهمه
وأجره، وكانت الإبل معه سبعين، يتعاقب النفير على البعير، وكانت الخيل
فرسين: فرس للمقداد، وفرس لمرثد بن أبي مرثد. وفي رواية: وفرس للزبير.
وَقَدْ رَوَى زِرٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ [1] : كُنَّا يَوْمَ
بَدْرٍ كُلُّ ثَلاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ
وَعَلِيٌّ زَمِيلَيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالا: ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِي عَنْكَ. فَيَقُولُ: «مَا
أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى الْمَشْيِ، وَمَا أَنَا بِأَغْنَى
عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا» . قال العلماء: وقدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم عينين له إلى المشركين: بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء. وجعل
على الساقة: قيس بن أبي صعصعة، فلما بلغ أبا سفيان خروج رسول الله
ليأخذ ما معه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة ليستنفر
قريشا لأجل أموالهم، فخرج ضمضم سريعا.
وكانت [2] عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال
رؤيا أفزعتها، فأخبرت بها أخاها العباس/ وأمرته أن يكتم ذلك. قالت:
رأيت راكبا على بعير له حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: أن انفروا
يا أهل غدر [3] لمصارعكم في ثلاث. فاجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس
يتبعونه، فبينا هم حوله [4] مثل به بعيره [5] على ظهر الكعبة يصرخ [6]
بأعلى صوته: انفروا يا أهل غدر [7]
__________
[1] البداية والنهاية 3/ 261.
[2] تاريخ الطبري 2/ 428، والبداية والنهاية 3/ 257
[3] «غدر» ساقطة من أ.
[4] «حوله» ساقطة من أ.
[5] «بعيره» ساقطة من أ.
[6] «يصرخ» ساقطة من أ.
[7] «غدر» ساقطة من أ.
(3/98)
لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس
أبي قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت
بأسفل الجبل ارفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلت
منها فلقة.
فقال لها العباس: اكتميها. ثم لقي الوليد بن عتبة- وكان صديقا له-
فذكرها له واستكتمه، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت
به قريش.
فقال العباس: فلقيني أبو جهل فقال: يا أبا الفضل، متى حدثت فيكم هذه
النبية؟
قلت: وما ذاك؟ قال: الرؤيا التي رأت عاتكة. قلت: وما رأت؟ قال: يا بني
عبد المطلب، أما رضيتم أن تتنبى رجالكم حتى تتنبى نساؤكم؟! وقد زعمت
عاتكة أنه قال: انفروا في ثلاث فنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يكن ما قالت
حقا فسيكون، وإن مضى الثلاث، ولم يكن من ذلك شيء فنكتب عليكم كتابا
أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
قال العباس: فجحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا، ثم تفرقنا، فلما أمسيت
لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت: أقررتم لهذا الفاسق
الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن
عندك غيرة لما قد سمعت؟
فقلت: قد والله فعلت ذَلكَ، وأيم الله لأتعرضن له، فإن عاد لأكفيتكموه.
قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا مغضب أرى أن قد فاتني
منه أمر أحبّ أن أدركه، فدخلت المسجد فرأيته، فو الله إني لأمشي نحوه
أتعرض له ليعود لبعض ما قال، فأقع فيه، إذ خرج نحو باب المسجد/ يشتد،
فقلت في نفسي: ما له لعنه الله؟ أكل هذا فرقا من أن أشاتمه، وإذا هو قد
سمع ما لم أسمع: صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا
على بعيره قد جدع بعيره، وشق قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة
اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن
تدركوها، الغوث الغوث.
قال: فشغلني عنه، وشغله عني ما جاء من الأمر، فتجهز الناس سراعا
وقالوا:
يظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا والله ليعلمن غير ذلك.
وكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا، وأوعبت قريش ولم
(3/99)
يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بعث
مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان أمية بن خلف شيخا ثقيلا فأجمع
القعود، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار، فوضعها بين يديه، ثم
قال له: استجمر فإنما أنت من النساء، قال: قبحك الله وقبح ما جئت بِهِ.
ثم تجهز وخرج [مع] [1] الناس، فلما أجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين
كنانة، فقالوا: نخشى أن يأتونا من خلفنا. فتبدى لهم إبليس في صورة مالك
بن جعشم، وكان من أشراف كنانة، فخرجوا سراعا معهم القيان والدفوف،
وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا، وكانت خيلهم مائة فرس.
وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر عن
قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو
بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قام المقداد فقال: امض يا
رسول الله لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو
إسرائيل لموسى: اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا
قاعِدُونَ 5: 24 [2] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو
الّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى «برك الغماد» - يعني مدينة الحبشة-
لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خيرا.
قال ابن إسحاق: ثُمَّ قَالَ/ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أيها الناس، أشيروا علي» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم
قالوا حين بايعوه بالعقبة: إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا
وصلت إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع به نساءنا وأبناءنا.
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها
نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى
عدو، فلما قال ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله. قال:
«أجل» قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق،
وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت، فو الّذي بعثك
بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما نكره أن تلقى
بنا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك
منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله تعالى.
فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول سعد
ونشطه ذلك، ثم قال: «سيروا على بركة الله،
__________
[1] في الأصل: من.
[2] سورة المائدة، آية: 24.
(3/100)
وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى
الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» .
ثم سار حتى نزل قريبا من بدر، فنزل هو ورجل من أصحابه حتى وقف على شيخ
من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم؟ فقال الشيخ:
لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أخبرتنا أخبرناك» فقال:
وذاك بذاك؟ فقال: «نعم» . قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه
خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا
وكذا- للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم- وبلغني أن قريشا
خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان كذا
وكذا- للمكان الذي به قريش- فلما خبره قال: ممن أنتما؟ فَقَالَ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نحن من ماء» وانصرف. قال
مؤلف الكتاب: أوهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من العراق، /
وكان العراق يسمى:
ماء، وإنما أراد بِهِ: خلق من نطفة ماء.
قال ابن إسحاق: ثم رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى أصحابه، فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب، والزبير بن
العوام، وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون لَهُ
الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها: أسلم غلام [بني] [1] الحجاج، وعرباص
أبو سيار غلام [بني] [2] العاص بن سَعِيد، فأتوا بهما رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم يصلي فسألوهما، فقالوا: نحن سقاة
قريش، بعثوا بنا لنسقيهم من الماء. فرجا القوم أن يكونا [3] لأبي
سفيان، فضربوهما، فقالا: نحن لأبي سُفْيَان فتركوهما، فلما قضى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: «إذا صدقاكم
ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش، أخبراني:
أين قريش؟» قالوا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى،
والكثيب العقنقل. قال: «كم القوم؟» قالا: كثير. قال: «كم عدتهم؟» قالا:
لا ندري. قال: «كم ينحرون؟» قالا: يوما تسعا ويوما عشرا. قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل ابن.
[3] في الأصل: «أن يكونوا» .
(3/101)
«القوم ما بين التسعمائة إلى الألف» قال:
«فمن منهم من أشراف قريش؟» قالا: عتبة، وشيبة، وأبو البختري، وحكيم بن
حزام، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وزمعة بْن
الأسود، وأبو جهل، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن
عمرو، وعمرو بن عبد ود. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي الناس فقال:
«هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» . وأما أبو سفيان [1] فإنه أسرع
بالعير على طريق الساحل، وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رَأَى جهم بن
الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال: إني رأيت فيما يرى
النائم، أو أني بين النائم [2] واليقظان، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس
حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة، وشيبة، وأبو الحكم بن هشام،
وأمية، وفلان وفلان- فعد رجالا ممن قتل يومئذ من أشراف قريش- ورأيته
ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر
إلا/ أصابه نضح من دمه.
قال: فبلغت أبا جهل، فقال: وهذا [أيضا] [3] نبي آخر من بني عبد المطلب،
سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
ولما رأى أبو سفيان [أنه] [4] قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: أنكم إنما
خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل
بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا- وكان بدر موسما من مواسم العرب
يجتمع لهم بها سوق كل عام- فنقيم عليه ثلاثا، وننحر [5] الجزور، ونطعم
الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا
يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا.
فقال الأخنس بن شريق: يا بني زهرة، قد نجا الله أموالكم فارجعوا ولا
تسمعوا ما يقول هذا فرجعوا ولم يشهدها زهري.
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 439، والبداية والنهاية 3/ 265، 266.
[2] في أ: «وكأني بين النائم واليقظان» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وننحرر» .
(3/102)
وبلغ أبا سفيان قول أبي جهل فقال: وا
قوماه، هذا عمل عمرو بن هشام- يعني أبا جهل- ثم لحق المشركين، فمضى
معهم فجرح يوم بدر جراحات [1] ، وأفلت هاربا على قدميه، ومضت قريش حتى
نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل، وبعث الله عز وجل السماء،
وكان الوادي دهسا، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لبد لهم
الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريش منها ماء لم يقدروا على أن
يرتحلوا معه.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبادرهم
إلى الماء، حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به.
فحدثت [2] عن رجال من بني سلمة: أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر قال:
يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه
ولا نتأخره، أم هو الرأي في الحرب؟ قال: «بل هو الرأي [بالحرب] » [3]
فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بالناس [4] حتى نأتي
أدنى ماء من القوم [فننزله، ثم نغور ما سواه من القلب [5] ، ثم نبني
عليه حوضا فنملؤه، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.
فنزل جبريل فقال: الرأي ما أشار به الحباب. فنهض ومن معه حتى أتى أدنى
ماء من القوم] [6] فنزل عليه [7] ، وأمر بالقلب فغورت [8] ، وبنى حوضا
على القليب الذي كان عليه، [ثم] [9] قذفوا فيه الأنية. فَحَّدَثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ/ مُعَاذٍ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْنِي لَكَ عَرِيشًا مِنْ جَرِيدٍ فَتَكُونُ
فِيهِ، وَتُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبِكَ، ثم نلقى [عدونا] [10] ، فإن
أعزنا الله
__________
[1] في الأصل: «يوم بدر جراحا» .
[2] يعني: ابن إسحاق، وفي الأصل: «فحدثت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ابن كثير 3/ 267: «فامض بالناس» .
[5] في ابن كثير: «ما وراءه من القلب» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «ففعل ونزل عليه» .
[8] في أ: «فعقدت» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/103)
وَأَظْهَرَنَا كَانَ ذَلِكَ مَا
أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ
فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ
أَقْوَامٌ مَا نَحْنُ بِأَشَّدَ حُبًّا لَكَ مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا
أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ الله
تعالى بهم، يناصحونك ويجاهدون معك.
فدعى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِخَيْرٍ، وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَقَالَ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ هَذِهِ
قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَارِبُكَ
وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرُكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي» .
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام عَلَى فرس له، فَقَالَ رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دعوهم» . فما شرب منهم رجل إلا أسر أو
قتل إلا حكيم بن حزام، فإنه نجا على فرس له، ثم أسلم، فكان يقول إذا
حلف:
لا والذي نجاني يوم بدر.
فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب اللخمي فقالوا: أحرز لنا أصحاب
محمد، فجال بفرسه نحو العسكر، ثم رجع فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا
أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين، فضرب في الوادي حتى
أبعد، فلم ير شيئا، فرجع فقال: ما رأيت شيئا، ولكني قد رأيت يا معشر
قريش الولايا [1] تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس
لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل
منكم رجالا، فإذا أصابوا أعدادهم فما خير في العيش بعد ذلك، فردوا
رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى إلى عتبة فقال: يا أبا الوليد،
إنك كبير قريش وسيدها، هل لك في أن لا تزال تذكر بخير [إلى آخر] [2]
الدهر؟ قال:
وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل دم حليفك [3] عمرو بن
الحضرمي. قال:
قد فعلت. أنبأنا/ الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر
بن المسلمة
__________
[1] في أ: «رأيت معشر قريش الولايا» وفي ابن كثير «قريش البلايا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ابن هشام: «وتحمل أمر حليفك» .
(3/104)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص
قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال:
أَخْبَرَنَا الزُّبْيَرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمَامَةُ
بْنُ عَمْرٍو [1] السَّهْمِيُّ، عَنْ مُسَوَّرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْيَرْبُوعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ [2] قَالَ:
خَرَجْنَا حَتَّى إِذَا نَزَلْنَا الْجُحْفَةَ رَجِعَتْ قَبِيلَةٌ مِنْ
قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِأَسْرِهَا، وَهِيَ: زُهْرَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ
أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِيهِمْ بَدْرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى نَزَلْنَا
الْعُدْوَةَ، فَجِئْتُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا
الْوَلِيدِ، هَلْ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ بِشَرَفِ هَذَا الْيَوْمِ مَا
بَقِيتَ؟ قَالَ: أَفْعَلُ مَاذَا؟
قُلْتُ: إِنَّكُمْ لا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلا دَمَ
الْحَضْرَمِيَّ وَهُوَ حَلِيفُكَ، فَتَحَمَّلْ بِدَيَتِهِ، وَتَرْجِعُ
بِالنَّاسِ.، فَقَالَ لِي: فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُ
بِدِيَةِ حَلِيفِي، فَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ- يَعْنِي:
أَبَا جَهْلٍ- فَقُلْ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ الَيْوَم بِمَنْ
مَعَكَ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ؟
فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
وَرَائِهِ، وَإِذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيُّ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِهِ
وَهُوَ يَقُولُ: فَسَخْتُ عَقْدِي مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَقْدِي
إِلى بَنِي مَخْزُومٍ. فقلت له: يقول لك عُتْبَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ
تَرْجِعَ بِالنَّاسِ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: أَمَا وَجَدَ رَسُولا
غَيْرَكَ؟ فَخَرَجْتُ أُبَادِرُ إِلَى عُتْبَةَ، وَعُتْبَةُ مُتَّكِئٌ
عَلَى إِيمَاءِ بْنِ رُخْصَةَ [3] ، وَقَدْ أَهْدَى إِلَى
الْمُشْرِكِينَ عَشْرَ جَزَائِرَ، فَطَلَعَ أَبُو جَهْلٍ وَالشَّرُّ
فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لِعُتْبَةَ: انْتَفَخَ سِحْرُكَ! فَقَالَ لَهْ
عُتْبَةُ:
سَتَعْلَمُ! فَسَلَّ أَبُو جَهْلٍ سَيْفَهُ، فَضَرَبَ بِهِ مَتْنَ
فَرْسَهُ، فَقَالَ إِيمَاءُ بْنُ رُخْصَةَ [3] : بِئْسَ الْفَأْلُ
هَذَا! فَعِنْدَ ذَلِكَ قَامَتِ الْحَرْبُ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ قَالَ:
أخبرنا أحمد بن جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قال: حدثني أبي قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عن
أبي إسحاق قال: سمعت حَارِثَةُ بْنُ مُضَرِّبٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: [4] لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ
وَمَا مِنَّا [5] إِنْسَانٌ إِلا نَائِمٌ إِلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يصلي إلى
__________
[1] في تاريخ الطبري 2/ 443: «عثامة» وفي الطبعة الأوربية «عمامة» .
[2] والخبر في تاريخ الطبري 2/ 442، 443، والبداية والنهاية 3/ 270،
والأغاني 4/ 186، 187.
[3] في الأصل: «على أنمار رخصة» .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 427، ومسند أحمد بن حنبل 1/ 138.
[5] في الطبري: «وما فينا» .
(3/105)
شَجَرَةٍ وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ، وَمَا
كَانَ مِنَّا فَارِسٌ يَوْم بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ/ بْنِ
الأَسْوَدِ.
قال ابن إسحاق [1] : وقام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله
ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، فو الله لئن أصبتموه لا يزال
رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إِلَيْهِ، قتل ابن عمه أو ابن خاله، أو
رجالا من عشيرته، فارجعوا أو خلوا بين محمد وسائر العرب، فإن أصابوه
فذاك الذي أردتم، فإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه لما تريدون.
قال حكيم: وجئت إلى أبي جهل فوجدته قد نثل [2] درعا له من جرابها، فهو
يهيئها، فقلت: إن عتبة أرسلني بكذا وكذا، فقال: انتفخ والله سحره حين
رأى محمدا، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما
بعتبة ما قال، لكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه فقد
تخوفكم عليه- يعني أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم- ثم بعث إلى عامر
بْن الحضرمي فقال له: هذا حليفك، يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك
بعينك، فقم فانشد مقتل أخيك.
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: وا عمراه! فحميت الحرب، وطلب عتبة
بيضة يدخلها رأسه فما وجد في الجيش بيضة تمنعه من عظم رأسه [3] ،
فاعتجز ببرد له [4] .
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية، فكان لواء رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعظم، لواء المهاجرين مع مصعب بْن
عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ،
وجعل شعار المهاجرين: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد
الله، وشعار الأوس: يا بني عُبَيْد اللَّه. وقيل: كان شعار الكل: يا
منصور أمت.
وكان مع المشركين ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع
النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة، كلهم من بني عبد الدار.
__________
[1] الخبر في سيرة ابن هشام 1/ 623، وتاريخ الطبري 2/ 444، والبداية 3/
270.
[2] في الأصل، أ: «قد مثل» .
[3] في الأصل: «تمنعه من عظم رأسه» .
[4] الخبر إلى هنا في ابن هشام وابن كثير والطبري.
(3/106)
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى
بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.
فخرج الأسود [1] بن/ عبد الأسد المخزومي، فقال: أعاهد الله لأشربن من
حوضهم، ولأهدمنه، أو لأموتن دونه. فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب،
فضربه في ساقه فوقع على ظهره تشخب رجله دما، ثم حبا إلى الحوض حتى
اقتحم، يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله.
ثم خرج بعده عتبة وأخوه شيبة، وابنه الوليد، فدعا إلى المبارزة [2] ،
فخرج إليه فتية من الأنصار عوف [3] ومعوذ ابنا الحارث، وعبد الله بن
رواحة، فقالوا: من أنتم؟
قالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة. ثم نادى مناديهم:
يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فَقَالَ: رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قم يا علي»
فقالوا: أكفاء كرام، فبارز عبيدة- وهو أسن القوم- عتبة بن ربيعة، وبارز
حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فقتل حمزة شيبة، وقتل علي
الوليد، واختلف عبيدة وعتبة ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي
بأسيافهما على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة، فجاءا به إلى أصحابه ( [4]
، وقد قطعت رجله، فمخها يسيل، فلما أتوا بعبيدة إلى رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ألست شهيدا يا رسول الله؟
فقال: «بلى» فقال عبيدة: لو كان أبو طلحة حيا لعلم أني أحق بما قال منه
حيث يقول:
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ثم تزاحف الناس، ودنا بعضهم من بعض، وقد أمر رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: «إن اكتنفكم
القوم فانضحوهم بالنبل» وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي العريش معه أبو بكر لَيْسَ معه غيره. وذكر ابن إسحاق عن
أشياخه: [5] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدّل صفوف أصحابه يوم بدر
__________
[1] من هنا في ابن هشام 1/ 624، والطبري 2/ 445،
[2] في الأصل: «فدعا إلى البراز» .
[3] في الأصل: «الأنصار عود» .
[4] الخبر إلى هنا في ابن هشام.
[5] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 446.
(3/107)
وفي يده قدح [1] يعدل به القوم، فمر بسواد
بن غزية وهو/ مستنتل [2] من الصف، فطعن في صدره بالقدح [3] ، وقال:
«استويا سواد» فقال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق،
فأقدني [4] . فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: «استقد»
فاعتنقه وقبل بطنه فقال: «ما حملك على هذا يا سواد» . فقال: حضر ما
ترى، فلم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك.
فدعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم عدل الصفوف، ورجع إلى العريش يناشد ربه وما وعده من النصر، فخفق [5]
رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش خفقة ثم انتبه فقال: «يا أبا
بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع»
[6] .
ثم خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم [إلى الناس] [7] يحرضهم ونفل
كل امرئ منهم ما أصاب، وقال: «والّذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم
رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة» .
فقال عمير بن الحمام- وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ [8] ، فما بيني وبين
[أن أدخل] [9] الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء! ثم قذف التمرات من يده، وأخذ
سيفه، فقاتل القوم حتى قتل [10] ، وهو يقول:
ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبرّ والرّشاد
__________
[1] القدح: السهم.
[2] في الأصل: «متبتل» ، وما أوردناه من أ، والطبري ومستنتل: متقدم.
وقال ابن هشام: «يقال مستنصل»
[3] في الطبري: «فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح» .
[4] أقدني: أي اقتص لي من نفسك.
[5] خفق: نام نوما عميقا.
[6] النقع: التراب.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري
[8] بخ، بكسر الخاء وإسكانها كلمة تقال للإعجاب.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[10] الخبر إلى هنا في سيرة ابن هشام 1/ 627، وهو أيضا في الأغاني 4/
192، 193
(3/108)
فلما التقى الناس، قال أبو جهل [1] :
اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وآتنا بما لا يعرف، فأحنه [2] الغداة، فكان هو
المستفتح [3] على نفسه.
ثم إن رسول الله أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشا، ثم قال:
«شاهت الوجوه» ثم نفخهم بها، وقال لأصحابه: شدوا، فكانت الهزيمة، فقتل
الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم، فلما وضع القوم أيديهم
يأسرون، ورسول الله في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش [4]
متوشحا السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله/ صلى الله عليه وسلم
يخافون عليه كرة العدو، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في وجه سعد الكراهية لما يصنع النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لكأنك يا سعد تكره ما يصنع
الناس» ، فقال: أجل والله يا رسول الله، كانت [أول] [5] وقعة أوقعها
الله بالمشركين، فكان الإثخان في القتل أعجب إلي من استبقاء الرجال [6]
. [قتلى وأسرى المشركين]
[7] :
وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، فممن قتل: عتبة، وشيبة، والوليد
بن عتبة، والعاص بن سعيد، وأبو جهل، وأبو البختري، وحنظلة بن أبي
سفيان، والحارث ابن عامر، [وطعيمة بن عدي] [8] وزمعة بن الأسود، ونوفل
بن خويلد [9] ، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن هشام
خال عمر، وأمية بن خلف، وعلي بن أمية، و [منبه] [10] بن الحجاج، ومعبد
بن وهب.
__________
[1] الخبر من هنا في ابن هشام 1/ 628، والأغاني 4/ 193، 194.
[2] أحنه: أهلكه.
[3] يريد أنه حكم على نفسه بهذا الدعاء،
[4] بعدها في الطبري 2/ 449: «الّذي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من الطبري 2/ 449.
[6] إلى هنا الخبر في ابن هشام والطبري.
[7] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 11.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] في الأصل: «نوفل بن خالد» ، وكذا في أ، وما أوردناه من ابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وفي أ: «ومنبه الحجاج» .
(3/109)
وممن أسر: نوفل بن الحارث، وعقيل بن أبي
طالب، وأبو العاص بن الربيع، وعدي بن الحباب، وأبو عزيز بن عمير،
والوليد بن [الوليد بن] [1] المغيرة، وعبد الله بن أبي بن خلف، وأبو
عزة عمرو [2] بن عبد الله الجمحي الشاعر، ووهب بن عمير، وأبو وداعة بن
ضبيرة، وسهيل بن عمرو.
وكان فداء الأسارى [كل رجل منهم] [3] أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى
ألفين إلى ألف، إلا قوما لا مال لهم من عليهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم منهم أبو عزة [الجمحي] [4] .
أَخْبَرَنَا أبَوُ بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أبو محمد
الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد
بْن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد،
قال: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ [5] قَالَ:
أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
بَدْرٍ سَبْعِينَ [أَسِيرًا،] [6] فَكَانَ يُفَادِي بِهِمْ عَلَى
قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَكْتُبُونَ، وَكَانَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ لا يَكْتُبُونَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِدَاءٌ
دُفِعَ إِلَيْهِ عَشْرَةٌ مِنْ/ غِلْمَانِ الْمَدِينَةِ فَعَلَّمَهُمْ،
فَإِذَا حَذَقُوا فَهُوَ فِدَاؤُهُ.
وَفِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ [7] : وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ
مِمَّن عُلِّمَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [8] : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: «إِنِّي قَدْ عَرِفْتُ
أَنَّ رِجَالا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا
كُرْهًا، لا حَاجَةَ لَهُمْ بِقَتَالِنَا، فمن لقي منكم أحدا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] في الأصل: «عمير» . والتصحيح من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 14.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] في أ: «قال الشعبي» . والخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 14.
[8] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 449، 450، والأغاني 4/ 194، 195 وسيرة
ابن هشام 1/ 628.
(3/110)
بَنِي هَاشِمٍ فَلا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ
لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ فَلا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ
إِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا» .
فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا [وأبناءنا] [1]
وإخواننا وعشيرتنا، ونترك الْعَبَّاس، [والله] [2] لئن لقيته لألحمنه
[3] السيف، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول لعمر بن
الخطاب يا أبا حفص، أما تسمع قول أبي حذيفة، [يقول] [4] أضرب وجه عم
رسول الله بالسيف، فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف
فو الله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا
أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيدا.
وإنما [5] نهى رسول الله عن قتل أبي البختري، لأنه كان أكف القوم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه
شيء يكرهه، وكان فيمن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم
وبني المطلب.
وقال ابن عباس: وكان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو، فقال رسول
الله: «كيف أسرته» ؟ قال: أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده،
قال: «لقد أعانك عليه ملك كريم» ، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساهرا أول ليلة، فقال أصحابه: ما لك لا تنام، فقال: «سمعت صوت تضور
الْعَبَّاس في وثاقه» ، فقاموا إلى العباس، فأطلقوه، فنام رسول الله.
وقد روى ابن إسحاق عن أشياخه [6] ، أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية
بن خلف صديقا لي بمكة، فلما كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه عليّ
آخذا بيده،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري، أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] لألحمنه، أي لأطعنن لحمه بالسيف ولأخالطنه. وقال ابن هشام: «ويقال:
لألحمنه بالسيف» . أي لأضربنه به في وجهه.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «قال مؤلف الكتاب: إنما نهى» وحذفناها لأن هذا قول ابن
عباس.
[6] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 451، وسيرة ابن هشام 1/ 631، والأغاني
14/ 196، 197.
(3/111)
ومعي ادراع قد استلبتها، فقال: يا عبد
الله، هل لك في، فأنا خير لك من هذه الأدراع؟
فطرحت الأدراع من يدي/ وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يمشي ويقول: ما رأيت
كاليوم قط.
ثم قال لي: من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت: حمزة، قال: ذاك
الذي فعل بنا الأفاعيل، قال عبد الرحمن: فو الله إني لأقودهما إذ رآه
بلال، وهو الذي كان يعذب بلالا بمكة على أن يترك الإسلام يخرجه إلى
رمضاء [1] مكة فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على
صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد،
فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا [2] ، [قلت:
أي بلال، أسيري، قَالَ: لا نجوت إن نجوا] [3] فقلت تسمع [4] يا ابن
السوداء، فقال: لا نجوت إن نجوا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله رأس
الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا [ثم جعلونا في المسكة]
[5] وأنا أذب عنه [6] ، فضرب رجل ابنه فوقع، فصاح أمية صيحة ما سمعت
بمثلها قطّ، فقلت: أنج بنفسك [7] ، فو الله ما أغني عنك شيئا. فضربوهما
بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا، ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري [8]
.
أَخْبَرَنَا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: حدّثنا أحمد بن
جعفر،
__________
[1] الرمضاء: الرمل الحار من الشمس.
[2] كذا في الأصل، وابن هشام، وفي الطبري «لا نجوت إن نجوت» . وفي أكما
في الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[4] التسميع: التشهير، وفي ابن هشام: «أتسمع» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري. وفي مثل
المسكة، أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا.
[6] في ابن هشام بعدها: «قال فأخلف رجل السيف» ، ويقال: أخلف الرجل
السيف، إذا سله من غمده.
[7] بعدها في الطبري 2/ 453: «ولا نجاء» .
[8] سيرة ابن هشام 1/ 632، والأغاني 4/ 197، 198.
(3/112)
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُوحٍ
قُرَادٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ
الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ
بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثلاثمائة وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ فَاسْتَقْبَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ
مَدَّ يَدَيْهِ يَدْعُو [1] وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ
قَالَ: « [اللَّهمّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي؟] [2] اللَّهمّ أَنْجِزْ
مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهمّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ
أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ أَبَدًا» ، قَالَ: فَمَا
زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ.
فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ
الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ
مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ
مُرْدِفِينَ 8: 9 [3] فلما [كان يومئذ و] [4] التقوا، هَزَمَ اللَّهُ
الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ/ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلا، وَأُسِرَ
مِنْهُمْ سَبْعُونَ [رَجُلا] [5] .
فَاسْتَشَارَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا
بَكْرٍ وَعِلًّيا وَعُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ] ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَؤُلاءِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ
وَالإِخْوَانُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدْيَةَ،
فَيَكُونَ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ قُوَّةً لَنَا عَلَى الْكُفَّارِ،
وَعَسَى أَنْ يَهْدِيَهُمُ اللَّهُ [6] ، فَيَكُونُوا لَنَا عَضُدًا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ [7] مَا أَرَى
مِثْلَ [8] مَا رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ
تُمِكِّنَنِي مِنْ فُلانٍ- قَرِيبٍ لِعُمَرَ- فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ،
وَأَرَى أَنْ تُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عُقَيْلٍ [9] [فَيَضْرِبَ
عُنُقَهُ] ، وَتُمَكِّنَ حَمْزَةَ مِنْ فُلانٍ ابْنِ أَخِيهِ
فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، حَتَّى يعلم
__________
[1] في المسند: «ثم مد يديه وعليه رداؤه» ، بإسقاط «يدعو» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] سورة: الأنفال، الآية: 9.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول. وأوردناه من المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[6] في المسند، والطبري 2/ 474: «وعسى الله أن يهديهم» .
[7] كذا في الأصول، والمسند، وفي الطبري 2/ 474: «لا والله» .
[8] «مثل» : ساقطة من المسند.
[9] في المسند: «وتمكن عليا من عقيل» .
(3/113)
اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ فِي
قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ [1] ، هَؤُلاءِ صَنَادِيدُهُمْ
وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ، فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا
قُلْتُ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ،
قَالَ عُمَرُ: غَدَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر و [إذا] [2] هُمَا يَبْكِيَانِ، قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا يُبْكِيكَ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ،
فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً
تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ
الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ ( [3] أَدْنَى مِنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ» . لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ
فِي الْأَرْضِ 8: 67 إِلَى قَوْلِهِ: لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ
لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ 8: 68 من الفداء ثم أجل الله الغنائم
عَذابٌ عَظِيمٌ 8: 68 [4] .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عُوقِبُوا
بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمْ من الفداء فقتل مِنْهُمْ
سَبْعُونَ، وَفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ، وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى
رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ من عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ 3:
165 [5] بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ [6]
. وَفِي إِفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَهُوَ/ فِي
قُبَّتِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهمّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ،
اللَّهمّ إِنْ تَشَأْ لا تُعْبَدُ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَأَخَذَ أَبُو
بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَحْتَ
عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ ثَبِتٌ فِي الدِّرَاعِ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 54: 45 [7]
. ذكر مقتل أبي جهل
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ،
قَالَ: أخبرنا ابن أعين، قال: أخبرنا
__________
[1] في الطبري: «للكفار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول والطبري، وأوردناه من المسند.
[3] في أ «عذابهم» ، وما أوردناه من المسند والأصل، والطبري.
[4] سورة: الأنفال، الآية: 67.
[5] سورة: آل عمران، الآية: 165.
[6] الخبر في المسند 1/ 30، وصحيح مسلم 5/ 156، 157، 158، وتاريخ
الطبري 2/ 447، 474، وتفسير الطبري 13/ 409، والأغاني 4/ 191، 192.
[7] سورة: القمر، الآية: 45. والخبر في تاريخ الطبري 2/ 447، والأغاني
4/ 192.
(3/114)
الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: بَيَّنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي
الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ [1] ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ
شِمَالِي [2] ، فَإِذَا أَنَا بِغُلامَيْنِ [3] مِنَ الأَنْصَارِ.
حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا [4] ، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ
أَضْلَعَ مِنْهُمَا [5] ، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ
هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ
يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ الله صلى
الله عليه وسلم، والذي نفسي بِيَدِهِ لِئَنْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُفَارِقْ
[6] سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا [7] ، قَالَ
[8] : فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَتَعَجَّبْتُ
لِذَلِكَ ثُمَّ لَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ
يَجُولُ [9] فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ [لَهُمَا] [10] : أَلا تَرَيَانِ
هَذَا صاحبكما الّذي تسألان عنه [11] فابتداره فَاسْتَقْبَلَهُمَا
فَضَرَبَاهُ [12] حَتَّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ:
«أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» [13] فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا
قَتَلْتُهُ، قَالَ: «مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» [14] قَالا: لا، فنظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ:
«كِلاكُمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسِلْبِهِ لمعاذ [بن عمرو [15] بن
الجموح.
__________
[1] في الأصل: «إني لواقف يوم بدر بالصف» وما أوردناه من البخاري 6/
246.
[2] في البخاري: «فنظرت عن يميني وشمالي» .
[3] في الأصل: «فإذا أنا بين غلامين» وما أوردناه من أ، والبخاري.
[4] في الأصل: «حديثة انساخهما» وما أوردناه من أ، والبخاري.
[5] في البخاري: «تمنيت أن أكون بين أضلع منهما» .
[6] في الأصول: «لو رأيته لم يفارق» .
[7] في البخاري: «الأعجل منهما» .
[8] «قال» . ساقطة من البخاري.
[9] في الأصول: «يزول في الناس» .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وغير موجود في البخاري.
[11] في البخاري: «ألا إن صاحبكما الّذي سألتماني» .
[12] في البخاري: «فافبتدراه بسيفهما فضرباه» .
[13] في الأصل: «أيكم» .
[14] في أ: «سحبتما سيفيكما» .
[15] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والبخاري.
(3/115)
وَهُمَا [1] مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو،
وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ.
[قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ] [2] : أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
[3] .
وفي رواية ابن مسعود ( [4] : أن [معاذ] [5] بن عفراء ضرب أبا جهل هو
وأخوه عوف بن الحارث، حتى أثبتاه، فعطف عليهما فقتلهما، ثم وقع صريعا
فوقف عليه معوذ [6] .
وفي رواية، عن معاذ بن عمرو بن الجموح، قال: / ضربت أبا جهل [بن هشام]
[7] ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة
تطيح من تحت مرضخة النوى، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي
فتعلقت بجلدة من جنبي فقاتلت عليه يومي [8] ، وإني لأسحبها خلفي، فلما
أذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت [9] بها حتى طرحتها. وعاش معاذ إلى
زمان عثمان. قال: [10] ثم مر بأبي جهل- وهو عقير- معوذ بن عفراء، فضربه
حتى أثبته وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل، فمر به عبد الله بن
مسعود، فوضع رجله على عينيه، فقال: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى
صعبا، فقال: لمن الدائرة؟ فقال: للَّه ولرسوله، ثم اجتز رأسه، فأتى به
رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر،
__________
[1] في الأصل: «قال مؤلف الكتاب وهما معاذ» . وساقطة من أ، وهو الأصح
لأنها من أصل الرواية.
[2] «قال مؤلف الكتاب» . جاءت في الأصل ترتيبها خطأ كما نبهنا عنها في
الحاشية السابقة، ووضعناها هنا في الوضع الصحيح، وهي ساقطة في الموضعين
من أ،
[3] الخبر في الطبري 2/ 455 صحيح البخاري في الخمس، الباب 18، حديث 1
(3141) (فتح الباري 6/ 246) ، وفي المغازي، الباب 8، حديث 6 (3964) ،
والباب 10/ حديث 5 (3988) ، وصحيح مسلم في المغازي، الباب 15، حديث 4،
عن يحيى، عن يوسف بن الماجشون به.
[4] «ابن مسعود» ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «ابن مسعود» وما أوردناه من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ.
[8] «فتعلقت بجلدة من جنبي فقاتلت على يومي» : ساقطة من أ.
[9] في أ: «حتى تمطيت» .
والخبر في الطبري 2/ 36 ط. دار الكتب العلمية.
[10] في أ: «إلى زمن عثمان» .
(3/116)
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ، قَالَ: حدثني أبي، قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ [قَالَ]
[1] : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ. انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ
بَدْرٍ، وَقَدْ ضَرَبْتُ رِجْلَهُ، وَهُوَ صَرِيعٌ، وَهُوَ يَذُبُّ
النَّاسَ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي
أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ [2] : هَلْ هُوَ إِلا رَجُلٌ
قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ [قَالَ] [1] : فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ
لِي غَيْرَ طَائِلٍ، فَأَصَبْتُ يَدَهُ، فَنَدَرَ سَيْفُهُ [3] ،
فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ، حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: ثُمَّ
خَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ [4] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا أُقَلُّ مِنَ الأَرْضِ [5] ، فَأَخْبَرْتُهُ،
فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ [6] »
فَرَدَّدَهَا ثَلاثًا قَالَ:
قُلْتُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، [قَالَ] فَخَرَجَ يَمْشِي
مَعِي حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي
أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، هَذَا كَانَ فِرْعَوْنُ هَذِهِ
الأُمَّةِ» [7] . وَقُتِلَ أَبُو جَهْلٍ [لَعَنَهُ اللَّهُ] [8] وَهُوَ
ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً
. ذكر نزول الملائكة
قال علماء السير: جاءت يوم بدر ريح لم يروا مثلها ثم ذهبت، ثم جاءت [9]
ريح أخرى، فكانت الأولى جبريل/ في ألف من الملائكة مع رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثانية [10] ميكائيل في ألف من الملائكة
عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، [والثالثة إسرافيل في ألف من
الملائكة عن ميسرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم] [11] . وكان سماء
الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور، والصوف في
نواصي خيلهم، وكانت خيلا بلقاء.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] في الأصل: قال.
[3] أي: سقط ووقع.
[4] في المسند: النبي.
[5] أقل من الأرض: أرفع من الأرض، دلالة على فرحه وسروره لقتله أبا
جهل.
[6] في المسند «اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ» قَالَ.
[7] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 444.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] في أ: «فجاءت» .
[10] في الأصل: الثاني.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
(3/117)
وقاتلت الملائكة يوم بدر ولم تقاتل في غير
ذلك اليوم، كانت تحضر ولا تقاتل.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [1] : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ،
قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي حَتَّى أَصْعَدْنَا
الْجَبَلَ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ، وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ،
نَنَتَظِرُ [الْوَقْعَةَ] [2] عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّائِرَةُ [3] ،
فَنَنْهَبُ مَعَ مَنْ يَنْهَبُ [4] . فَبَيَّنَا [5] نَحْنُ فِي
الْجَبَلِ إِذْ دَنَتْ مِنَّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ
الْخَيْلِ، فَسَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَأَمَّا
ابْنُ عَمِّي فَرَاعَ قَلْبُهُ فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمَّا أَنَا
فَكِدْتُ أَهْلِكُ ثُمَّ تَمَاسَكْتُ.
قال ابن حبيب الهاشمي: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: «من القائل [أقدم] [6] حيزوم؟» فقال جبريل:
ما كل أهل السماء أعرف. أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَازِنٍ، عَنْ
أَبِي دَاوُدَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ:
إِنِّي لأَتْبَعُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لأَضْرِبَهُ إِذْ وَقَعَ
رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرِفْتُ أَنْ قَدْ
قَتَلَهُ غَيْرِي [7] .
وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ لِي أَبِي:
يَا بُنَيَّ لَقَدْ رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بِسَيْفِهِ إِلَى
الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ
إِلَيْهِ السَّيْفُ [8] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كان يومئذ يبدر رَأْسُ الرَّجُلِ لا يَدْرِي مَنْ
ضَرَبَهُ، [وَتُبْدَرُ يد الرجل لا يدرى من ضربه] [9] .
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 453.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[3] في الطبري: «الدبرة» .
[4] في الأصل: «فننبهت مع من ينتهب» وفي أ: مع من نهب. وما أوردناه من
الطبري.
[5] في الأصل: «فبينما» . وما أوردناه من أ، والطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 2/ 453.
[8] تاريخ الطبري 2/ 454.
[9] ما بين المعقوفتين: من أ.
(3/118)
وقال عطية بن قيس: لما فرغ رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتال بدر، جاءه جبريل عليه السلام
على فرس أنثى حمراء عليه درعه ومعه رمحه قد عصم ثنيتيه الغبار، فقال:
يا محمد إن الله تعالى بعثني إليك وأمرني أن/ لا أفارقك حتى ترضى، هل
رضيت؟ قال:
«نعم قد رضيت» [فانصرف] [1]
. ذكر إلقاء رؤسائهم في القليب
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ،
قَالَ: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذكر
لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نَبِيَّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ
بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا
فِي طُوًى مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخَبَّثٍ، وَكَانَ إِذَا
ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرَصَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا
كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشَدَّ
عَلَيْهَا رَحْلَهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا:
مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شفة
الرّكيّ [2] ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يا فُلانِ بْنِ
فُلانٍ، وَيَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ [3] ، أَيَسُّرُّكُمْ أَنَّكُمْ
أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا
وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ
رَبُّكُمْ حَقًّا» ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا
تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لا أَرْوَاحَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» . قَالَ
قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ،
تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً وحسرة وندما.
أخرجاه في الصحيحين [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «شفير الركي» . والمعنى طرف البئر.
[3] «ويا فلان بن فلان» : ساقطة من أ.
[4] الخبر أخرجه البخاري في الصحيح في الجهاد 184، وفي المغازي، الباب
8 حديث 18 (3976، فتح 7/ 300) ، ومسلم في الجنة والنار، الباب 18، حديث
14، وأبو داود في الجهاد، الباب 132، والترمذي في السير الباب 3، حديث
2.
(3/119)
وروى ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما أمر [أن] [1] يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب
إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة بن
عتبة فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: «يا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك
شيء» قال: لا والله يا نبي الله، ولكن كنت أعرف من أبي رأيا وحلما
وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت
ما مات عليه من الكفر أحزنني ذلك، فدعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ بخير ثم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم أمر بما في العسكر فجمع، فقال من جمعه:
هو لنا، قد كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نفل كل امرئ ما أصاب، وقال الذين قاتلوا: لولا نحن ما أصبتموه [نحن أحق
به] [2] ، وقال الذين يحرسون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أنتم
بأحق منا.
قال عبادة بن الصامت: فلما اختلفنا في النفل نزعه الله عز وجل من
أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء.
قال ابن حبيب: وتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار، وكان
لنبيه بن الحجاج، وغنم جمل أبي جهل، فكان يغزو عليه وكان يضرب في لقاحه
. فصل
ثم بعث [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح [4] عبد الله بن
رواحة بشيرا إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله صلّى الله عليه
وسلّم [وعلى المسلمين] [5] ، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة.
قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا [التراب] على رقية بنت
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم التي كانت عند عثمان بن
عفان، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
و «لولا نحن ما أصبتموه» ساقطة من أ.
[3] تاريخ الطبري 2/ 458، والأغاني 4/ 203.
[4] «عند الفتح» : ساقطة من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناها من الطبري 2/ 458.
(3/120)
فأتيت أبي وهو واقف بالمصلى [1] قد غشيه
الناس، وهو يقول: قتل عتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأبو البختري [2] ، وأمية
بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج ( [3] ، فقلت: يا أبه [4] أحق هذا؟
قال: نعم والله يا بني.
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة: [فاحتمل معه
النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن زيد
بن عوف ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق
الصفراء] [5] ، نزل على كثيب في طريقه، فقسم النفل.
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم [6] فلقيه المسلمون بالروحاء
يهنئونه بما فتح الله عليه، فقال رَجُل [7] : وما الذي تهنئون به، فو
الله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة، فنحرناها، فَتَبَسَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «لا يا
ابن أخي أولئك الملأ» [8] . وكان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الأسارى [من المشركين] [9] وهم أربعة وأربعون [10] .
فلما كان بالصفراء أمر عليا بقتل النضر بن الحارث، [11] حتى إذا كان
بعرق الظبية [12] ، قتل عقبة بن أبي معيط، فقال حين أمر به أن يقتل:
فمن للصبية يا محمد، قال: النار، قال: فقتله عاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح.
__________
[1] في الطبري: «ثم قدم زيد بن حارثة فجئته وهو واقف بالمصلى» .
[2] في الطبري: «قتل عتبة بن ربيعة، وشعبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام،
وزمعة بن الأسود، وأبو البختري بن هشام» .
[3] في الأصل: «وأمية بن خلف وفلان وفلان» . وما أوردناه من الطبري.
[4] في أوصل: «يا أبت» . وما أوردناه من أ. والطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[6] من قوله: «قافلا إلى المدينة» ، حتى قوله: «ثم ارتحل رسول الله صلى
الله عليه وسلّم» . ساقط من أ.
[7] في الطبري: «فقال: سلمة بن سلامة بن وقش» .
[8] الملأ: الأشراف.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول وأوردناه من الطبري 2/ 459.
[10] في الطبري: «وكانوا أربعة وأربعين أسيرا» .
[11] إلى هنا الخبر في الأغاني 4/ 203.
[12] في أ «فلما كان يعرق الطيب» .
(3/121)
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قبل/ الأسرى بيوم، وقال: «استوصوا بالأسرى
خيرا» . فكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير، [فقال أبو
عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير] [1] ورجل من الأنصار يأسرني، فقال له:
شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها أن تفتديه منك. وكنت فِي رهط من
الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر
لوصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم بنا، ما يقع
في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها فيردها علي
ما يمسها [2]
. فصل
قال ابن إسحاق [3] : وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد
الله بن إياس الخزاعي.
وقال أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [4] : كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ [بْنِ عَبْدِ المطلب] [5]
، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان
العباس يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، [وكان يكتم] إسلامه، وكان ذا مال
كثير متفرق. فلما جاء الخبر عن مصاب أهل بدر [من قريش] [6] وجدنا في
أنفسنا قوة وعزّا، فو الله إني لجالس في حجرة زمزم أنحت القداح، وعندي
أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر
رجليه بشر، فجلس، فأقبل أبو سفيان بن الحارث، فقال له أبو لهب: هلم إلي
يا ابن أخي، فعندك الخبر، فأقبل فجلس إِلَيْهِ، فقال: أخبرني كيف كان
أمر الناس، قال: لا شيء، والله إن كان إلا لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا،
يقتلون ويأسرون كيف شاءوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[2] إلى هنا الخبر في الطبري 2/ 461.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 461، وسيرة ابن هشام 1/ 646. والبداية
والنهاية.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 461، وسيرة ابن هشام 1/ 646، والأغاني 4/
205، 206.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] في الأصل: فيكتم.
(3/122)
بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، ما
[تليق شيئا، ولا] [1] يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فقلت: فتلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة
شديدة، فثاورته، فاحتملني، فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني، فقامت أم
الفضل إلى عمود فضربته به ضربة شجته، وقالت: تستضعفه إن/ غاب عنه سيده،
فقام موليا ذليلا، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى مات.
قال ابن إسحاق [2] : وحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، قال: ناحت قريش على
قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا [3] بنا،
ولا تبعثوا في فداء الأسارى حتى تستأنوا [4] بهم لئلا يشتط عليكم في
الفداء [5] .
وكان الأسود بن عبد يغوث [6] قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل،
والحارث [7] ، وكان يحب أن يبكي [على] [8] بنيه، فسمع نائحة في الليل،
فقال لغلامه: انظر هل أحل النحيب؟ هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي
على زمعة، فإن جوفي قد احترق. فقال الغلام: إنما هي امرأة على بعير [9]
لها قد أضلته.
وخرج مطلب بن وداعة بفداء أبيه، فأخذه بأربعة آلاف درهم [10] .
ثم خرج مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فلما انتهى إلى رضاهم في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من الطبري.
[2] ثاورته: وثبت إليه.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 463، وسيرة ابن هشام 1/ 647، والأغاني 4/
206.
[4] كذا في ابن هشام والأغاني، وفي الطبري: «فيشمت بكم» .
[5] حتى تستأنوا بهم: أي تؤخروا فداءهم.
[6] في الطبري وابن هشام: «لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء» .
[7] كذا في الأصول، وفي أحد نسخ الطبري المخطوط. وقد اختار محقق
المطبوعة ما في نسخة أخرى «الأسود بن عبد المطلب» ، وقال: كذا في
السيرة، وهو الموافق لما في حماسة أبي تمام، والاشتقاق لابن دريد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري، وابن
هشام.
[9] في الأصل: «على غلام» ، والتصحيح من الطبري.
[10] مختصرا من رواية في الطبري 2/ 465.
(3/123)
الفداء، قالوا: هات، قال: ضعوا رجلي مكانه
وخلوا سبيله يبعث إليكم بالفداء [1] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس [2]
: افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة
بن عمرو، فإنك ذو مال. فقال: [يا رسول الله] [3] إني كنت مسلما ولكن
القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما ذكرت حقا فاللَّه
يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وكان معه عشرون أوقية حين أخذ
[4] ، فقال: احسبها لي في فدائي، قال: لا، ذاك شيء أعطاناه الله عز وجل
منك، قال: فليس لي مال، قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت من
عند أم الفضل، ليس معكما [5] أحد. ثم قلت لها: إن أصبت في سفري هذا
فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا، ولعبيد الله
كذا وكذا، قال: والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني
أعلم أنك رسول الله حقا، ففدى/ نفسه وابني أخيه [6] وحليفه.
وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع، زوج زينب، وكانت زينب قد آمنت
برسول الله، فأقام أبو العاص على شركه معها، فخرج يوم بدر فأسر، فبعثت
زينب في فدائه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، حين
بنى بها، فلما رآها رسول الله رق لها رقة شديدة، وقال: إن رأيتم أن
تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم يا
رسول الله، فأطلقوه، وردوا عليها ذلك. وكان قد شرط لرسول الله أن يخلي
سبيل زينب إليه، فقدم أبو العاص مكة، وأمر زينب باللحوق برسول الله،
فتجهزت وقدم إليها حموها كنانة بن الربيع وزوجها بعيرا فركبته، وأخذ
قوسه وكنانته، وخرج بها نهارا يقود بها، وهي في الهودج، فتحدث بذلك
رجال قريش، فخرجوا في طلبها فأدركوها بذي طوى، فأول من سبق إليها هبّار
بن
__________
[1] مختصرا من رواية في الطبري نفس الموضع.
[2] أخرج الخبر الطبري في التاريخ 2/ 465، والأغاني 4/ 207، عن ابن
عباس.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الطبري: «وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين
أوقية من ذهب» .
[5] في الأصب: «معكم» .
[6] في الطبري: «وابني أخيه» .
(3/124)
الأسود بالرمح، وكانت حاملا، فألقت حملها،
ونزل حموها فنثر كنانته، وقال، والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه
سهما، فرجع الناس عنه، فجاء أبو سفيان، فقال ويحك قد عرفت مصيبتنا ثم
خرجت بالمرأة علانية، فيظن الناس إن ذلك عن ذل منا، ولعمري ما لنا حاجة
فِي حبسها عن أبيها، ولكن ردها، فإذا هدأ الصوت، وتحدث الناس أنا قد
رددناها، فسلها سرا فألحقها بأبيها، ففعل وأقام أبو العاص بن الربيع
بمكة، وزينب عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة،
قد فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا،
فلما لحقته سرية لرسول الله، فأصابوا ما معه وهرب، فأقبل تحت الليل حتى
دخل على زينب فاستجار بها، فلما خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم
إلى الصبح صاحت زينب: أيها الناس إني قد/ أجرت أبا العاص بن الربيع،
فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، أقبل
عليهم، فقال: هل سمعتم ما سمعت، قالوا: نعم، قَالَ: والذي نفسي بيده ما
علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم.
ثم دخل على ابنته، فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك، فإنك لا
تحلين له.
وقال للسرية التي أصابت ماله: إن تحسنوا تردوا عليه، وإن أبيتم فهو
فيء، وأنتم أحق بِهِ، قالوا: بل نرده فردوه.
ثم ذهب إلى مكة فرد ما للناس عنده من مال، ثم قال: يا معشر قريش، هل
بقي لأحد منكم عندي مال، قالوا: لا، قال: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام
إلا خوفا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، ثم خرج فقدم عَلَى
رسول الله [1] .
قال ابن عباس: فرد رسول الله زينب بالنكاح الأول، لم يحدث شيئا بعد ست
سنين ( [2] .
وفي رواية أخرى ردها بنكاح جديد.
قال ابن إسحاق [3] : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: جلس
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 469.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 472، وسيرة ابن هشام 1/ 658، 659.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 472، وسيرة ابن هشام 1/ 661.
(3/125)
عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد
مصاب أهل بدر من قريش بيسير، وهو في الحجر، وكان عمير شيطانا من شياطين
قريش، وكان يؤذي رسول الله وأصحابه، وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى
بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن ليس في العيش
خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس عندي
قضاؤه، وعيال أخشى عليهن الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي
قبلهم علة ابني أسير في أيديهم.
فقال صفوان: فعلي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أسوتهم ما بقوا،
قال عمير: فاكتم علي شأني وشأنك، قال افعل.
ثم إن عميرا أمر بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فرآه/
عمر قد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا السيف، فقال: هذا عدو الله
عمير ما جاء إلا لشر، وهو الَّذِي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم
دخل عمر على رسول الله، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير، قد جاء
متوشحا، قال: فأدخله علي.
قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، أدن
يا عمير، فدنا ثم قَالَ: أنعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم،
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أكرمنا الله
بتحية خيرا من تحيتك يا عمير، بالسلام، تحية أهل الجنة، ما جاء بك يا
عمير» ؟ قال: جئت لفداء الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما
بال السيف في عنقك قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا، قال:
أصدقني بالذي جئت له، قال: ما جئت له، قال: ما جئت إلا لذلك، قال: بلى،
قعدت أنت وصاحبك صفوان بن أمية في الحجر، فذكرت ما أصاب أصحاب القليب
من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعلي عيال لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل
لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله عز وجل حائل بيني وبينك.
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا نكذبك، وهذا أمر لم يحضره إلا
أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد للَّه الذي
هداني للإسلام، وساقني هذا المساق. ثم تشهد شهادة الحق، فَقَالَ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه
القرآن، واطلقوا له أسيره.
(3/126)
ففعلوا، ثم قال يا رسول الله، إني كنت
جاهدا في إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحب
أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله أن
يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.
فأذن لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلحق
بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم
الآن في أيام/ تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم
راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا،
فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه، فأسلم على
يديه ناس كثير
. ذكر فضل من شهد بدرا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا السَّرْخَسِيُّ، قَالَ: أخبرنا الفربري، قال:
أخبرنا البخاري، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
قَالَ: حَّدَثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ
بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ-[وَكَانَ
أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ] [1] ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلُ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا:
«مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ» أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. قَالَ:
وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلائِكَةِ.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ [2] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ،
فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
. ذكر عدد أهل بدر
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَن بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من البخاري.
[2] صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 312، رقم (3992) .
(3/127)
جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، وَسُفْيَانُ،
وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،
قَالَ:
كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ على عدة أصحاب طالوت
يوم جالوت ثلاثمائة وَبِضْعَةَ عَشَرَ، الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ
النَّهْرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ النَّهْرَ إِلا مُؤْمِنٌ.
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ [1] .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دِيَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ
الْحَكَمِ، عِنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:
أَهْلُ بَدْرٍ كانوا ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، وَكَانَ
الْمُهَاجِرُونَ سِتَّةً وَسَبْعِينَ، وَكَانَ هَزِيمَةُ يَوْمِ بَدْرٍ
لِسَبْعَ عَشَرَةَ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ [2] .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُقْسَمٍ/، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعَةَ وَسَبْعِينَ رَجُلا،
وَالأَنْصَارُ مَائَتَيْ وسِتَّةٍ وَثَلاثِينَ.
[وكان صاحب راية رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي بن أبي
طالب،] [3] وكان صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة [4] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو محمد بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن
معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد،
قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ، قَالَ:
كَانَ عدة أصحاب بدر ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ
عَشَرَ: سَبْعُونَ وَمِائَتَانِ من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس [5]
.
__________
[1] مسند أحمد بن حنبل 4/ 290، وتاريخ الطبري 2/ 431، وطبقات ابن سعد
2/ 1/ 10، والبداية والنهاية 3/ 314.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 431، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 11.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 431، والأغاني 4/ 175.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 10.
(3/128)
قال محمد بن سعد: جميع من شهد بدرا من
المهاجرين الأولين من قريش وحلفائهم ومواليهم في عدد ابن إسحاق ثلاثة
وثمانون، وفي عدد الواقدي: خمسة وثمانون.
وجميع من شهد بدرا من الأوس ومن ضرب له بسهمه وأجره في عدد موسى بن
عقبة والواقدي ثلاثة وستون، وفي عدد ابن إسحاق وأبي معشر أحد وستون.
وجميع من شهدها من الخزرج في عدد الواقدي مائة وخمسة وسبعون. [وفي عدد
ابن إسحاق وأبي معشر مائة وسبعون] [1] .
فجميع من شهدها من المهاجرين والأنصار ومن ضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره في عدد ابن إسحاق
ثلاثمائة وأربعة عشر، وفي عدد أبي معشر والواقدي ثلاثمائة وثلاثة عشر،
وفي عدد موسى بن عقبة ثلاثمائة وستة عشر.
[قال المصنف رحمه الله: وقد ذكر قوم زيادة على هذا العدد] [2] ، وأنا
أذكر ما صح من ذلك عَلَى حروف المعجم، وقد استقصيت أنسابهم والخلاف
فيهم في كتاب «التلقيح» ، والله الموفق.
حرف الألف:
أبي بن كعب، أبي بن ثابت، الأرقم بن أبي الأرقم، أربد بن حمير، أسعد بن
يزيد بْن الفاكة، أسير بن عمرو، أنس بن قتادة، أنس بن معاذ، أنسة [مولى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] ، أوس بْن الصامت،
أوس بن ثابت، أوس بن خولي، إياس بن البكير.
حرف الباء:
بجير، بحاث، بسبس، بشر بن البراء، بشير بن سعد، بلال بن رباح.
حرف التاء:
تميمى بن يعار، تميمى مولى خداش، تميمى مولى بني غنم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/129)
حرف الثاء:
ثابت بن أقرم [1] ، ثابت بن ثعلبة، [ثابت بن خالد، ثابت بن هزال، ثعلبة
بن حاطب، ثعلبة بن عمرو] [2] ، ثعلبة بن غنمة، ثقيف بن عمرو.
حرف الجيم:
جابر بن خالد، جابر بن عبد الله بن رئاب، جبار بن صخر [3] ، جبر بن
عتيك، جبير بن إياس.
حرف الحاء:
الحارث بن أنس، الحارث بن أوس، الحارث بن حرمة، الحارث بن ظالم، الحارث
بن قيس بن خالد، الحارث بن النعمان بن أمية، حارثة بن النعمان بن رافع،
حارثة بن النعمان بن نفيع، حارثة بن سراقة، حاطب بن أبي بلتعة، حاطب بن
عمرو، الحباب بن المنذر، حبيب بن الأسود، حرام بن ملحان، حريث بن زيد
[4] ، حصين ابن الحارث، حمزة بْن عبد المطلب، حارثة بن الحمير، وقيل:
حمرة.
حرف الخاء:
خالد بن البكير، خالد أبو أيوب الأنصاري، خالد بن قيس، خارجة بن زيد،
خباب بن الأرت، خباب مولى عتبة بن غزوان، خبيب بن يسار، خداش بن الصمة،
خلاد [5] بن رافع، خلاد بن سويد، خلاد بن عمرو، خليد بن قيس بن نعمان،
خليفة بن عدي، خنيس بن حذافة، خولي بن أبي خولي.
حرف الدال:
وليس في حرف الدال أحد.
حرف الذال:
ذكوان بن عبد قيس، ذو الشمالين.
__________
[1] في أ: «أرقم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل. وأوردناه من أ.
[3] في أ: «جابر بن صخر» .
[4] في أ: «حريث بن يزيد» .
[5] في الأصل: خالد والتصحيح من الطبقات.
(3/130)
حرف الراء:
رافع بن الحارث، رافع بن عنجدة، رافع بن المعلى، الربيع بن إياس، ربيعة
بن أكثم، ربعي بن رافع، رجيلة بن ثعلبة، رفاعة بن رافع رفاعة بن عبد
المنذر، رفاعة بن عمرو.
حرف الزاي:
الزبير بن العوام، زيد بن أسلم، زيد بن حارثة، زيد بن الخطاب، زيد بن
سهل أبو طلحة، زيد بن وديعة، زياد بن كعب، زياد بن لبيد.
حرف السين:
سالم بن عمير، سالم مولى أبي حذيفة، السائب بن عثمان بن مظعون، سبيع بن
قيس، سراقة بن عمرو، سراقة بن كعب، سعد بن خولة، سعد بن خيثمة، سعد بن
الربيع، سعد بْن سهيل، سعد بن عثمان الزرقي، سعد بن عمير أبو زيد، سعد
بن أبي وقاص، سعد بن معاذ، سعيد بن قيس، سفيان بن بشر، سلمة بن أسلم،
سلمة بن ثابت، سلمة بن سلامة، سليم بن الحارث، سليم بن عمرو، سليم بن
قيس، سليم بن ملحان، سليم أبو كبشة، سليط بن قيس، سماك أبو دجانة، سماك
بن سعد، سنان بن صيفي، سنان بن أبي سنان، سواد بن رزن، سواد بن غزية،
سويبط، سهل بن حنيف، سهل بن عتيك، سهل بن عدي، سهل بن قيس، سهل بن
رافع، سهيل بن بيضاء.
حرف الشين:
شجاع بن وهب، شماس بن عثمان.
حرف الصاد:
صالح وهو شقران، صفوان بن بيضاء.
حرف الضاد:
الضحاك بن عبد عمرو، ضمرة بن عمرو.
(3/131)
حرف الطاء:
الطفيل بن الحارث، الطفيل بن مالك، الطفيل بن النعمان.
حرف العين:
عاصم بن ثابت، عاصم بن البكير، عاصم بن قيس، عاقل بن البكير، عامر بن
أمية، عامر بن ربيعة، عامر بن سلمة، عامر أبو عبيدة الجراح، عامر بن
فهيرة، عامر بن مخلد، عائذ بن ماعص، عباد بن بشر، عباد بن قيس، عبادة
بن الخشخاش، عبادة بن قيس بن عبسة، عبد الله بن أنيس، عبد الله بن
ثعلبة، عبد الله بن جبير، عبد الله بن جحش، عبد الله بن الجد بن قيس،
عبد الله بن الربيع، عبد الله بن رواحة، [عبد الله بن زيد] [1] ، عبد
الله بن سراقة، عبد الله بن سلمة، [عبد الله بن سهل، عبد الله بن سهيل
بْن عمرو، عبد الله بن طارق، عبد الله بن عبد الله بن أبي، عبد الله هو
أبو سلمة] [2] ، عَبْد اللَّه بن عبد مناف، عبد الله بن عبس، عبد الله
أبو بكر الصديق، عبد الله بن عرفطة، عبد الله بن عمرو بن حرام، عبد
الله بن عمر، عبد الله بن قيس بن صخر، عَبْد اللَّه بن قيس بن خالد،
عبد الله بن مخرمة، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن مظعون، عبد الله بن
النعمان، عبد الرحمن بن جبير، عبد الرحمن بن عبد الله، عبد الرحمن بن
عوف، عبد رب الأنصاري، عبيد بن أوس، عبد بن زيد، عتبة بن غزوان، عتبة
بن عَبْد الله، عتيك بن التيهان، عثمان بن مظعون، عدي بن أبي الزغباء،
عصمة حليف الأنصار من بني أسد، عصيمة حليف لهم من أشجع، عقبة بن عامر،
عقبة بن وهب بن كلدة، عقبة بن وهب بن ربيعة، عكاشة بن محصن، علي بن أبي
طالب، عمارة بن حزم، عمار بن ياسر، عمر بن الخطاب، عمرو بن إياس، عمرو
بن ثعلبة، عمرو بن سراقة، عمرو بن طلق، عمرو بن معاذ، عمرو بن أبي سرح
ويقال معمر، عمير بن الحارث، عمير بن الحمام، عمير بن عامر، عمير بن
عوف ويقال عمرو، عمير بن أبي وقاص، عمير بن معبد وقيل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
(3/132)
عُمَر، عمرة بن عمرو، عوف بن أثاثة وهو
مسطح، عوف بن عفراء، عويمر بن ساعدة، عياض بن زهير/.
حرف الغين:
غنام بن أوس.
حرف الفاء:
الفاكه بن بشر، فروة بن عمرو.
حرف الكاف:
كعب بن جماز، كعب بن زيد، كعب أبو اليسر، كناز بن الحصين.
حرف الميم:
مالك بن التيهان، مالك بن نميلة، مالك بن الدخشم، مالك بن ربيعة أبو
أسيد، مالك أخو ... ، مالك أبو حبة، مالك بن أبي خولي، مالك بن قدامة،
مالك بن مسعود، ميسرة بن عبد المنذر، المجذر [بن زياد] [1] ، محرز بن
عامر، محرز بن نضلة، مُحَمَّد بْن مسلمة، مدلاج، مرثد، مسعود بن أوس،
مسعود بن خالد، مسعود بن الربيع، مسعود بن سعد الحارثي، مسعود بن سعد
الزرقي، مصعب بن عمير، معاذ بن جبل، معاذ بن عفراء، معاذ بن عمرو، معاذ
بن ماعص، معبد بن عبادة، معبد بن قيس، معتب بن عبدة، معتب بن حمراء،
معتب بن قشير، معقل بن المنذر، معمر بن الحارث، معن بن عدي، معوذ بن
عفراء، معوذ بن عمرو، المقداد، مليك بن وبره، المنذر بن عمرو، المنذر
بْن قدامة، المنذر بن محمد، مهجع.
حرف النون:
نصر بن الحارث، النعمان بن ثابت، النعمان بن سنان، النعمان بن عبد
عمرو، النعمان بن عمرو، النعمان بن عصر، النعمان بن مالك، النعمان بن
أبي حلقة، نوفل بن عبد الله.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن هشام.
(3/133)
حرف الهاء:
هاني بن نيار، هشام بن عتبة، هلال بن المعلى.
حرف الواو:
واقد بن عبد الله، وديعة بن عمرو، وذفة، وهب بن سعد، وهب بن محصن.
حرف الياء:
يزيد بن الحارث، يزيد بن رقيش، يزيد بن عامر، يزيد بن/ المنذر يزيد بن
المزين.
وممن يعرف بكنيته ممن شهدها:
أبو الحمراء، أبو خزيمة، أبو سبرة، أبو مليك.
وامتنع من شهودها ثمانية لأعذار، فضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم
بسهامهم وأجورهم، فكانوا كمن شهدها، وهم:
عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد، والحارث بن حاطب، والحارث بن الصمة،
وخوات، وعاصم بن عدي، وأبو لبابة
. فصل
ولما التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين يوم بدر، فنصر
عليهم، وافق ذلك اليوم التقاء فارس بالروم، فنصرت الروم، ففرح [1]
المسلمون بالفتحين.
قال مؤلف الكتاب [2] : وإنما فرحوا لأن الروم أصحاب كتاب، وفارس لا
كتاب لهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خيرون، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال:
أخبرنا أحمد بن كامل، قال: حدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله:
__________
[1] في الأصل: ففرحت.
[2] «قال مؤلف الكتاب» : ساقط من أ.
(3/134)
يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ
بِنَصْرِ الله 30: 4- 5 [1] ، كَانَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ فَارِسَ
وَالرُّومِ، كَانَتْ فَارِسُ قَدْ غَلَبَتْهُمْ- يَعْنِي الرُّومَ-
بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَقِيَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ يَوْمَ الْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ،
فَنَصَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ
مَعَهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَنَصَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى
مُشْرِكِي الْعَجَمِ، [فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ
أَتَاهُمْ] [2] ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله 30: 4- 5
. [سرية عمير بن عدي]
[3] ومن الحوادث في هذه السنة: سرية عمير بن عدي بن خرشة إلى عصماء بنت
مروان، لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة.
وكانت عصماء تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول
الشعر. فجاءها عمير [في جوف الليل] [4] حتى دخل عليها بيتها وحولها/
نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فنحى الصبي عنها ووضع سيفه
في صدرها حتى أنفذه [5] من ظهرها. وصلى الصبح مع النبي صلى الله عليه
وسلم بالمدينة. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: «أقتلت ابنة مروان؟» ، قال:
نعم [6] قال: «لا ينتطح فيها عنزان» . فكانت هذه الكلمة أول مَا سمعت
من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
. [سرية سالم بن عمير]
[7] ومن الحوادث: سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي في شوال [على
رأس
__________
[1] سورة: الروم، الآية: 4، 5.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] المغازي للواقدي 1/ 172، وسماها: «سرية قتل عصماء بنت مروان» ،
طبقات ابن سعد 1/ 2/ 18.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[5] في الأصل: «أنفذها» .
[6] في ابن سعد بعدها: «فهل علي في ذلك شيء» .
[7] المغازي للواقدي 1/ 174، وسماها: «سرية قتل أبي عفك، وطبقات ابن
سعد 1/ 2/ 19.
والبداية والنهاية 4/ 5.
(3/135)
عشرين شهرا من الهجرة] [1] . وكان أبو عفك
شيخا كبيرا يهوديا قد بلغ مائة وعشرين سنة، وكان يحرض على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ويقول الشعر. فقتله سالم بن عمير
. [غزوة بني قينقاع]
[2] ومن الحوادث: غزوة [3] بني قينقاع، وكأن رسول الله صلي الله عليه
وسلم قد وادع حين قدم المدينة يهودها على أن لا يعينوا عليه أحدا، وأنه
إذا دهمه بها عدو نصروه. فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغي،
وقالوا: لم يلق محمدا من يحسن القتال، ولو لاقيناه لاقى عندنا قتالا لا
يشبهه قتال أحد، ثم أظهروا له نقض العهد.
قال ابن إسحاق [4] : فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع،
وكانوا [5] أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى اللَّه عليه
وسلم، فقال لهم: «يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل [مثل] [6] ما
نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل» ، فقالوا:
يا محمد، إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم
بالحرب، [فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن
الناس] [7] .
فخرج للنصف من شوال، وحمل لواءه يومئذ حمزة، واستخلف على المدينة أبا
لبابة، فتحصنوا في حصونهم، فحاصرهم خمسة عشر ليلة، فنزلوا على حكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمه فيهم عبد الله
بن أبي، فقال: يا محمد، أحسن في موالي- وكانوا حلفاء الخزرج- فأعرض عنه
فأعاد السؤال، فأعرض عنه فأدخل يده
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] المغازي للواقدي 1/ 176، طبقات ابن سعد 1/ 2/ 19، وتاريخ الطبري 2/
479، والبداية والنهاية 4/ 3، والكامل لابن الأثير 2/ 33، وابن سيد
الناس 1/ 294، والاكتفاء 2/ 79، وسيرة ابن هشام 2/ 47، والدلائل 3/
173، وابن حزم 154، والسيرة الحلبية 2/ 272، والسيرة الشامية 4/ 265.
[3] في الأصل: «غزاة» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 479، وسيرة ابن هشام 2/ 47.
[5] في الأصل: وكان.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
(3/136)
في جيب/ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يا رسول الله، أحسن [1] ، قال: «ويحك أرسلني» ،
قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي، أربع مائة حاسر، وثلاث
مائة دارع وقد منعوني من الأسود والأحمر، تحصدهم في غداة واحدة،
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هم لك» [2] .
ثم أمر بإجلائهم، وغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان
لهم من مال، فكان أول مال خمس في الإسلام بعد بدر، ثم انصرف إلى
المدينة.
وبعض العلماء يرى أن غزاة بني قينقاع كانت في سنة ثلاث، وكانت قبلها
غزوات.
ومن الحوادث في هذه السنة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فصلى
صلاة العيد وضحى هو والأغنياء من أصحابه، وهو أول عيد أضحى رآه
المسلمون يومئذ، وكان ذلك في سنة ثلاث من هجرته صلى الله عليه وسلم
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
8- حارثة بن سراقة
[3] :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ: أَنَّ أُمَّ الرَّبِيعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ
حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلا تُحَدَّثَنِي عَنْ
حَارِثَةَ- وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرِبٌ [4]-
فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَأَحْسَنْتُ [5] ، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. فَقَالَ: «يَا أم
حارثة
__________
[1] في تاريخ الطبري: «فأدخل يده في جيب رسول الله صلى اللَّه عليه
وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني» .
[2] تاريخ الطبري 2/ 480.
[3] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 68) .
[4] سهم غرب: لا يعرف راميه، أو لا يعرف من أين أتى.
[5] «وأحسنت» ساقطة من البخاري.
(3/137)
إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ
ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى» . [أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ] [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: قَتَلَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ حِبَّانَ
بْنَ الْعَرَقَةِ [2] ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ،
فَقَتَلَهُ
. 9- رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد [3] :
شهد بدرا، فقتله عكرمة بن أبي جهل
. 10-/ رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [4] :
كان تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النبوة، فلما بعث رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأنزل الله عليه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ 111: 1 [5] ، قال له أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق
ابنته. ففارقها ولم يكن دخل بها.
قال مؤلف الكتاب [6] : وهذا وأخوه معتب ابنا أبي لهب أسلما [وثبتا] [7]
مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [في] [8] غزوة خيبر،
وبايعت رقية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها عثمان، وهاجرت معه
الهجرتين إحداهما إلى أرض الحبشة [9] ، وكانت قد أسقطت من عثمان سقطا،
ثم ولدت له بعد ذلك ابنا فسماه عبد الله، وكان يكنى به في الإسلام،
ومرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، فخلف عليها عثمان،
فتوفيت في رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، فدخل المدينة وقد
سوي عليها التراب.
__________
[1] فتح الباري 6/ 25، 26، حديث رقم (2809) وراجع أيضا (3982، 6550،
6567) .
[2] في أ: «حبان بن العرقة على ما سبق بيانه» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من أ، وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/
133) .
[4] طبقات ابن سعد 8/ 24.
[5] سورة: المسد، الآية: 1.
[6] «قال مؤلف الكتاب» : ساقطة من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[9] في أ: «وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين» .
(3/138)
11- سعد بن خيثمة [1]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ،
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ سَعْدُ] [2] بْنُ خَيْثَمَةَ أَحَدَ نُقَبَاءِ الأَنْصَارِ
الاثْنَيْ عَشَرَ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ الأَخِيرَةَ مَعَ السَّبْعِينَ
وَلَمَّا نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم الناس إلى
غزاة بدر، قال له أبو خَيْثَمَةُ: إِنَّهُ لا بُدَّ لأَحَدِنَا مِنْ
أَنْ يُقِيمَ فَآَثِرْنِي بِالْخُرُوجِ وَأَقِمْ مَعَ نِسَائِكَ،
فَأَبَى سَعْدٌ وَقَالَ: لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنَّةِ لآَثَرْتُكَ
بِهَا، إِنِّي لأَرْجُو الشَّهَادَةَ فِي وَجْهِي. فَاسْتَهَمَا
فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ، فَخَرَجَ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ [3]
. 12- سعد بن مالك بن خلف بن ثعلبة بن حارثة [4] :
تجهز ليخرج إلى بدر فمرض فمات، فضرب لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره [5]
. 13- صفوان بن بيضاء [6] :
قتل يوم بدر، قال الواقدي [7] : وقد روي لنا أنه لم يقتل ببدر، وأنه
شهد المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي/
في سنة ثمان وثلاثين [8]
. 14- عاقل بن أبي البكير بن عبد يا ليل بن ناشب [9] :
كذلك كان يقول أبو معشر، والواقدي [10] . وقال موسى بن عقبة: عاقل بن
البكير [11] .
__________
[1] في الأصل: «سعد بن أبي خيثمة» . وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد
3/ 2/ 47) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 47.
[4] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/ 150) .
[5] جاء في أبعد هذه الترجمة ترجمة سعيد بن العاص أبو أحيحة، وهذا ليس
موضعها، وستأتي في من مات من الكفار بعد قليل.
[6] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303) .
[7] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 303.
[8] وهذه الترجمة ساقطة من أ، وجاء مكانها ترجمة سعيد بن العاص أبو
أحيحة.
[9] في الأصل ثابت، وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 1/ 282) .
[10] في الأصل: «كان يقول أبو معشر كذلك والواقدي» ، وما أوردنا من
ألوضوحه.
[11] ساقطة من أ، وفي الطبقات ما يفيد أنه قول ابن إسحاق والكلبي أيضا.
(3/139)
أسلم في دار الأرقم، وخرج بنو البكير كلهم
من مكة للهجرة، فأوعبوا رجالهم ونساؤهم، حتى غلقت أبوابهم.
قال مؤلف الكتاب [1] : قتل عاقل يوم بدر شهيدا، وهو ابن أربع وثلاثين
سنة. قتله مالك بن زهير الجشمي
. 15- عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي،
ويكنى أبا الحارث [2] :
كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وأسلم قبل دخول
رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وآخى النَّبِيّ صلى الله
عليه وسلم بينه وبين بلال.
وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة لحمزة
ثم لعبيدة. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا، فلقوا
أبا سفيان، ولم يكن بينهم إلا الرمي.
وقتل عبيدة يوم بدر، قتله شيبة بن ربيعة، فدفنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالصفراء، وكان ابن ثلاث وستين سنة
. 16- عمير بن الحمام [3] :
آخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عبيدة بن
الحارث، وقتلا جميعا ببدر.
وكان عمير أول من قتل من الأنصار يومئذ. قتله خالد بن الأعلم.
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن
حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ
بَدْرٍ، فَقَالَ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ
وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» . فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ
الْحَمَّامِ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لم
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب» ساقطة من أ.
[2] انظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 1/ 34) .
[3] هذه الترجمة ساقطة من أ. وانظر ترجمته في: (طبقات ابن سعد 3/ 2/
108) .
(3/140)
تُبَخْبِخُ» / قَالَ: رَجَاءً أَنْ أَكُونَ
مِنْ أَهْلِهَا [1] ، [قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا» ] [2] ،
قَالَ: فَانْتَثَلَ تَمْرَاتٍ مِنْ قْرَنِهِ فَجَعَلَ يَلُوكُهُنَّ،
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ حَتَّى أَلُوكَهُنَّ إِنَّهَا
لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ.
فَنَبَذَهُنَّ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ [3]
. 17- عمير بن عبد عمرو بن نضلة، ذو الشمالين من خزاعة، يكنى أبا محمد
[4] :
كان يعمل بعمل يديه، ويقال فيه: ذو الشمالين، وذو اليدين، إلا أن
الصحيح أنهما اثنان.
قدم إلى مكة، قتل يوم بدر وهو ابن بضع وثلاثين سنة
. 18- عمير بن أبي وقاص، أخو سعد [5] :
وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن
فَهْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَخِي عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلْخُرُوجِ إِلَى بَدْرٍ يَتَوَارَى، فَقُلْتُ: مَا لَكَ
يَا أَخِي؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَرَانِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَصْغِرُنِي فَيَرُدُّنِي،
وَأَنَا أُحِبُّ الْخُرُوجَ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ.
قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: «ارْجِعْ» ، فَبَكَى عُمَيْرٌ
فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
سَعْدٌ: وَكُنْتُ أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ،
فَقُتِلَ بِبَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً، قَتَلَهُ
عَمْرُو بْنُ عبد ودّ [6] .
__________
[1] في ابن سعد: «أرجو أن أكون من أهلها» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقطت من الأصل، وأوردناها من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 108. والطبري 2/ 33 ط دار الكتب
العلمية.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 118.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 106.
(3/141)
19- عوف بن عفراء:
استشهد يوم بدر
. 20- معوذ بن عفراء:
قتل ببدر
. 21- مبشر بن عبد المنذر بن رفاعة [1] :
شهد بدرا، وقتل يومئذ شهيدا
. 22- مهجع مولى عمر بن الخطاب [2] :
كان من المهاجرين، وهو أول قتيل قتل يوم بدر، قتله عامر بن الحضرمي
. 23- هلال بن المعلى [3] :
قتل ببدر
. 24- يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك:
شهد بدرا وقتل يومئذ
. فصل وفي هذه السنة مات/ جماعة من رؤساء
الكفار منهم
25- أمية بن أبي الصلت: [4]
واسم أبي الصلت ربيعة بن عوف، كان أمية قد قرأ الكتب المتقدمة، ورغب عن
عبادة الأوثان، وأخبر أن نبيا قد أظل زمانه، [وأنه سيخرج] ، وكان يؤمل
أن يكون هو ذلك النبي، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم
كفر به حسدا له، ولما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره، قال:
«آمن لسانه وكفر قلبه» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الَّلِه، هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يحيى بن ثعلب، قال: أخبرنا
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 28.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 285.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 33.
[4] أخبار أمية بن أبي الصلت في البداية والنهاية 2/ 205 وما بعد.
(3/142)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامٍ
الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الطَّرِيحِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ تُجَّارًا إِلَى
الشَّامِ، قَالَ: فَكُلَّمَا نَزَلْنَا مَنْزِلا أَخْرَجَ أُمَيَّةُ
سِفْرًا يَقْرَأُهُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا [1] كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلْنَا
بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى النَّصَارَى فَرَأَوْهُ [وَعَرِفُوهُ] [2]
وَأَهْدُوا لَهُ وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بِيَعِهِمْ، ثُمَّ رَجِعَ فِي
وَسَطِ النَّهَارِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ وَاسْتَخْرَجَ ثَوْبَيْنِ
أَسْوَدَيْنِ فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَلْ
لَكَ فِي عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى إِلَيْهِ تَنَاهَى عِلْمُ
الْكُتُبِ تَسْأَلُهُ عَمَّا بَدَا لَكَ؟ قُلْتُ: لا، فَمَضَى هُوَ
وَجَاءَنَا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ ثُمَّ
انجدل على فراشه، فو الله مَا نَامَ وَلا قَامَ حَتَّى أَصْبَحَ،
فَأَصْبَحَ كَئِيبًا حَزِينًا مَا يُكَلِّمُنَا وَلا نُكَلِّمُهُ،
فَسِرْنَا لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا بِهِ مِنَ الْهَمِّ، فَقُلْتُ لَهُ:
مَا رَأَيْتَ مِثْلَ الَّذِي رَجِعْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِكَ؟
قَالَ: لِمُنْقَلَبِي، قُلْتُ: هَلْ لَكَ مِنْ مُنْقَلَبٍ؟
قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ لأَمُوتَنَّ وَلأُحَاسَبَنَّ، قُلْتُ: فَهَلْ
أَنْتَ قَابِلٌ أَمَانِي عَلَى، مَا قُلْتَ عَلَى أَنَّكَ لا تُبْعَثُ
وَلا تُحَاسَبُ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: بَلَى وَاللَّهِ/ لَتُبْعَثُنَّ
وَلَتُحَاسَبُنَّ وَلَيَدْخُلَنَّ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ
فِي النَّارِ، قُلْتُ: فَفِي أَيِّهِمَا أَنْتَ أَخْبَرَكَ صَاحِبُكَ؟
قَالَ: لا عِلْمَ لِصَاحِبِي بِذَلِكَ فِيَّ وَلا فِي نَفْسِهِ،
فَكُنَّا فِي ذَلِكَ لَيْلَنَا يَعْجَبُ مِنَّا وَنَضْحَكُ مِنْهُ
حَتَّى قَدِمْنَا غُوطَةَ دِمْشَقَ.
فَبِعْنَا مَتَاعَنَا وَأَقَمْنَا شَهْرَيْنِ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا
حَتَّى نَزَلْنَا قَرْيَةً مِنْ قُرَى النَّصَارَى، فَلَّمَا رَأَوْهُ
جَاءُوهُ، وَأَهْدُوا لَهُ، وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بِيَعِهِمْ حَتَّى
جَاءَنَا مَعَ نِصْفِ اللَّيْلِ [3] ، فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ
الأَسْوَدَيْنِ، فَذَهَبَ حَتَّى جَاءَنَا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ
اللَّيْلِ، فَطَرَحَ ثَوْبَهُ ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ،
فو الله مَا نَامَ وَلا قَامَ فَأَصْبَحَ مَبْثُوثًا حَزِينًا لا
يُكَلِّمُنَا وَلا نُكَلِّمُهُ.
فَرَحَلْنَا فَسِرْنَا لَيَالِيَ [4] ، ثُمَّ قَالَ: يَا صَخْرُ
حَدِّثْنِي عَنْ عُتْبَةَ بن ربيعة، أيجتنب
__________
[1] في أ: «وكان كذلك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[3] في أ: «مع نصف النهار» .
[4] في أ: «فسرنا ليلتنا» .
(3/143)
الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ؟ قُلْتُ [1] :
إِيْ وَاللَّهِ، قَالَ: وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرُ بِصِلَتِهَا؟
قُلْتُ: إِيْ وَاللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تَعْلُمُ قُرَيْشًا أَشْرَفَ
مِنْهُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: أَوُ مُحْوَجٌ هُوَ؟ قُلْتُ: لا بَلْ هُوَ
ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ: كَمْ أَتَى عَلَيْهِ مِنَ السِّنِّ؟ قُلْتُ:
هُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً قَدْ قَارَبَهَا، قَالَ: وَالسِّنُّ
وَالشَّرَفُ أَزْرَيَا بِهِ؟ قُلْتُ: لا وَاللَّهِ بَلْ زَادَهُ
خَيْرًا، قَالَ: هُوَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الَّذِي رَأَيْتَ بِي
[الْبَارِحَةَ] [2] ، إِنِّي جِئْتُ هَذَا الْعَالِمَ فَسَأَلْتُهُ
عَنْ هَذَا الَّذِي نَنْتَظِرُ، فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ
مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَحُجُّهُ الْعَرَبُ، قَالَ: هُوَ مِنْ
إِخْوَانِكُمْ وَمِنْ جِيرَانِكُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَصَابَنِي شَيْءٌ
مَا أَصَابَنِي مِثْلُهُ، إِذْ خَرَجَ مِنْ يَدِي فَوْزُ الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ:
فَصِفْهُ لِي، فَقَالَ: رَجُلٌ شَابٌّ حِينَ دَخَلَ فِي الْكُهُولَةِ
بَدَوَ أَمْرُهُ، إِنَّهُ [يَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ،
وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرِ بِصِلَتِهَا، وَهُوَ مُحْوَجٌ] [3]
كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْعَشِيرَةِ، وَأَكْثَرُ
جُنْدِهِ مِنَ الْمَلائِكَةِ، قُلْتُ: وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ:
رَجَفَتِ الشَّامُ مُنْذُ هَلَكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ثَمَانِينَ
رَجْفَةً، كُلُّهَا فِيهَا مُصِيبَةٌ، وَبَقِيَتْ رَجْفَةٌ عَامَّةٌ
فِيهَا مُصِيبَةٌ يَخْرُجُ عَلَى أَثَرِهَا، فَقُلْتُ: هَذَا هُوَ
الْبَاطِلُ، لَئِنْ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا لا يَأْخُذُهُ إِلا/ مِنَّا
شَرِيفًا.
قَالَ أُمَيَّةُ: وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ إِنَّهُ لَهَكَذَا،
فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَكَّةَ
لَيْلَتَانِ أَدْرَكَنَا رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِنَا، فَإِذَا هُوَ
يَقُولُ: أَصَابَتِ الشَّامُ بَعْدَكُمْ [رَجْفَةٌ] دَمَّرَتْ [4]
أَهْلَهَا فِيهَا وَأَصَابَهُمْ مَصَائِبُ عَظِيمَةٌ، فَقَالَ
أُمَيَّةُ: كَيْفَ تَرَى يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا
أَظُنُّ صَاحِبَكَ إِلا صَادِقًا.
وَقَدِمْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ أَرْضَ
الْحَبَشَةِ تَاجِرًا، فَمَكَثْتُ بِهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ
قَدِمْتُ مَكَّةَ [5] فَجَاءَنِي النَّاسُ يُسَلِّمُونَ [عَلَيَّ] [6]
وَفِي آخِرِهِمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَهِنْدً تُلاعِبُ صِبْيَانَهَا، فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي
وَسَأَلَنِي عَنْ سَفَرِي وَمَقْدِمِي ثُمَّ انْطَلَقَ.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْفَتَى لَعَجَبٌ، مَا جَاءَنِي
أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ مَعِي بِضَاعَةٌ إلا سألني
__________
[1] في الأصل: قال.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] في الأصل: بعدكم دمر، والتصحيح من البداية والنهاية.
[5] في أ: «ثم جئت مكة» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
(3/144)
عَنْهَا وَمَا بَلَغْتُ، 9 وَاللَّهِ إِنَّ
لَهُ مَعِي بِضَاعَةً مَا هُوَ أَغْنَاهُمْ عَنْهَا وَمَا سَأَلَنِي
عنها، فقالت هند: أو مَا عَلِمْتَ شَأْنَهُ، فَقُلْتُ وَقَدْ فَزِعْتُ:
وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَتْ: يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ،
فَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّصْرَانِيُّ وَوَجِمْتُ، فَخَرَجْتُ
فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ بِضَاعَتَكَ قَدْ بَلَغَتْ كَذَا
وَكَذَا، فَأَرْسِلْ فَخُذْهَا فَلَسْتُ آخُذُ مِنْكَ مَا آخُذُ مِنْ
قَوْمِكَ. فَأَبَى وَأَرْسَلَ فَأَخَذَهَا وَأَخَذْتُ مِنْهُ مَا
كُنْتُ آخُذُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجْتُ تَاجِرًا
إِلَى الْيَمَنِ، فَقَدِمْتُ الطَّائِفَ فَنَزَلْتُ عَلَى أُمَيَّةَ
بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ، هَلْ تَذكر
حَدِيثَ النَّصْرَانِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَقَدْ كَانَ [مَا
قَالَ] [1] ، قَالَ: وَمَنْ؟ قُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
فَتَصَبَّبَ عَرَقًا، [قَالَ:] [2] وَقَالَ: إِنْ ظَهَرَ وَأَنَا حَيٌّ
[لأَطْلُبَنَّ مِنَ] [3] اللَّهِ فِي نَصْرِهِ عُذْرًا، فَعُدْتُ مِنَ
الْيَمَنِ [4] فَنَزَلْتُ عَلَى أُمَيَّةَ بِالطَّائِفِ، فَقُلْتُ:
قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الرَّجُلِ مَا بَلَغَكَ فَأَيْنَ أَنْتَ
مِنْهُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأُومِنَ بِرَسُولٍ مِنْ غَيْرِ
ثَقِيفٍ أَبَدًا، فَأَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدْتُ أَصْحَابَهُ
يُضْرَبُونَ وَيُقْهَرُونَ، فَقُلْتُ: فَأَيْنَ جُنْدُهُ مِنَ
الْمَلائِكَةِ وَدَخَلَنِي مَا يَدْخُلُ النَّاسَ مِنَ النَّفَاسَةِ.
/ وروى الزهري أن أمية بن أبي الصلت كان يقول [5] :
ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
قال: ثم خرج أمية إلى البحرين، فأقام بالبحرين ثمان سنين، ثم قدم
الطائف فقال لهم: ما يَقُولُ محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي،
فهو الذي كنت تتمنى، فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه، فقال: يا ابن عبد
المطلب، ما هذا الذي تقول؟ قال:
«أقول إني رسول الله، وأن لا إله إلا الله» ، قال: فإني أريد أن أكلمك،
فعدني غدا، قال: «فوعدك غدا» ، قال: أفتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من
أصحابي، وتأتي وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ فَقَالَ رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أي ذلك شئت» ، قال:
إني آتيك في جماعة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في الأصل «لا يلين الله» ، والتصحيح من البداية والنهاية.
[4] في أ: «فقدمت من اليمن» .
[5] بعدها في الأصل: «شعر بيت» .
(3/145)
قال: فلما كان من الغد غدا أمية في جماعة
من قريش، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه حتى
جلسوا في ظل البيت، قال: فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر حتى إذا
فرغ، قال: أجبني يا ابن عبد المطلب، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ 36: 1- 3 [1] حتى إذا فرغ منها وثب أمية [يجر برجليه]
[2] إلى راحلته. قال: وتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: أشهد
أنه على الحق، قالوا: فهل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره. ثم خرج أمية
إلى الشام، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما قتل أهل
بدر، أقبل من الشام حتى نزل بدرا. ثم ترجل يريد [3] رسول الله، فتصور
له إبليس، فقال له: يا أبا الصلت ما تريد؟ قَالَ: أريد محمدا، قال:
تدري من في القليب؟ قال: فيه عتبة بن ربيعة وشيبة، ابنا الخالة [4] ،
فجدع أذني ناقته وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول:
ماذا ببدر فالعقنقل ... من مرازبة جحاجح
[5] قال: / ورجع إلى مكة وترك الإسلام، فخرج حتى قدم الطائف فقدم على
أخته، فقال: دعيني أنام، فوضع رأسه، قالت أخته: فإني أنظر فانشقت ناحية
من سقف البيت، فإذا طائران أبيضان، فوقع أحدهما على بطن أمية فنقر صدره
نقرة فشقته، فأخرج قلبه، فقال له الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال:
أقبل، قال: أبى، قال:
ثم رد قلبه وطار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
__________
[1] سورة: يس، الآية: 1- 3.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في أ: «ترجل يدنو» .
[4] في أ: «ابنا خالك» .
[5] العقنقل: الكثيب من الرمل المنعقد.
المرازبة: الرؤساء، الواحد مرزبان، وهي كلمة أعجمية.
الجحاجح: السادة، وأحدهم جحجاح.
والبيت ذكره ابن هشام في السيرة في عدة أبيات، (سيرة ابن هشام 2/ 30) .
(3/146)
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا مال
يغنيني ولا عشيرة تحميني.
فأقبل الطائران حتى وقع أحدهما على بطنه فنقر صدره فأخرج قلبه ثم شق
قلبه، فقال الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، قال:
فرده ثم طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا بريء فأعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر.
فأقبل الطائر فوقع على صدره فنقر نقرة فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر
الأعلى:
أوعى، قال: وعى، قال: أفقبل، قال: أبى، فرده ثم طار، فاتبعهما أمية
ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما بالنعم محمود وبالذنب محصود.
فأقبل الطائر فوقع على صدره فنقر [1] صدره نقرة شقته ثم أخرج قلبه،
فقال الطائر الأعلى: أوعى، قال: وعى، قال: أقبل، قال: أبى، فرده ثم
طار، فاتبعهما أمية ببصره، فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
إن تغفر اللَّهمّ تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
واستوى السقف، فاستوى أمية جالسا، فقالت أخته: يا أخي هل تجد شيئا،
قال: لا إلا حرا في صدري، وجعل يمسح صدره، وأنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
/ فاجعل الموت بين عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
ثم خرج من عندها حتى إذا كان بين بيتها وبيته أدركه الموت. قال: ففيه
نزل قوله تعالى [2] : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ
آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها 7: 175 [3] .
__________
[1] في أ: «فوقع على بطنه فنقر» .
[2] في أ: «ففيه أنزل الله عز وجل» .
[3] سورة: الأعراف، الآية: 175.
(3/147)
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ [1] عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ وَازِعَةَ
بِنْتَ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيَّ جَاءَتْهُ فَسَأَلَهَا عِنْ
قِصَّةِ أَخِيهَا أُمَيَّةَ، فَقَالَتْ: قَدِمَ أَخِي مِنْ سَفَرٍ،
فَوَثَبَ عَلَى سَرِيرِي، فَأْقَبَلَ طَائِرَانِ فَسَقَطَ أَحَدُهُمَا
عَلَى صَدْرِهِ، فَشَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِهِ إِلَى ثَنِيَّتِهِ
فَانْتَبَهَ، فَقُلْتُ: يَا أَخِي هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ قَالَ: لا
وَاللَّهِ إِلا تَوْصِيبًا.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَمَعْنَى قَوْلِهَا: «وَثَبَ عَلَى
سَرِيرِي» اتكئ، أَيْ نَامَ، وَهِيَ لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ، يُقَالَ:
وَثَبَ الرَّجُلُ إِذَا قَعَدَ. وَالتَّوْصِيبُ يَجِدُهُ الإِنْسَانُ
فِي نَفْسِهِ.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا أبو عبد الله الموصلي، قال: أخبرنا أبو
القاسم بن بشران، قَالَ: حدثنا أبو سهل بن زيد، قال: أخبرنا إسماعيل بن
إسحاق القاضي، قال:
حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك، قال: حدثني محمد بن إسماعيل بن
الطريح بن إسماعيل الثقفي، عن أبيه، عن جد أبيه قال: [2] شهدت أمية بن
أبي الصلت حين حضرته الوفاة فأغمي عليه طويلا، فرفع رأسه ونظر إلى باب
البيت فقال:
لبيكما [3] لبيكما ها أنا ذا لديكما لا قوي فأنفر ولا بريء فأعتذر.
ثم أغمي عليه طويلا ثم أفاق، فرفع رأسه ونظر إلى باب البيت فقال:
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا عشيرتي تحميني ولا ذو [4] مال
يفديني.
ثم أغمي عليه طويلا ثم أفاق فرفع رأسه، فقال:
كل حي وإن تطاول دهر ... صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
ثم فاضت نفسه.
__________
[1] من هنا ساقط من أ.
[2] إلى هنا ساقط من أ.
[3] من هنا ساقط من أ.
[4] في الأصل غير موجودة.
(3/148)
/ أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا
أحمد بْن عَلي بْن ثَابِت، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن مُحَمَّد
الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قال: حدثني
خالي إبراهيم بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن فرج المقرئ، قال [1] :
حدثني يعقوب بن السائب [2] ، قال:
كان أمية بن أبي الصلت جالسا [يشرب] [3] ، فجاء غراب فنعب [نعبة] [4] ،
فقال له أمية: لفيك التراب، ثم نغب أخرى، فقال له: بفيك التراب، ثم
أقبل على أصحابه، فقال: تدرون ما قال هذا الغراب، زعم أني أشرب هذا
الكاس [ثم أتكئ] فأموت، ثم نعب النعبة الأخرى، فقال: يقول: وآية ذلك
أني أقع على هذه المزبلة، فأبتلع عظما ثم أقع فأموت. قال: فوقع الغراب
على المزبلة فابتلع عظما فمات. فقال أمية: أما هذا فقد صدقني عن نفسه،
ولكن لا نظرت أيصدقني عن نفسي، قال: ثم شرب الكأس، ثم اتكأ فمات.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ [5] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاغُونِيُّ، قَالَ:
أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ الزَّاغُونِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُبَانَةَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَعِيرَةَ، عَنْ
سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ، عَنِ الشَّرِيدِ
الْهَمَذَانِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَبَيْنَمَا أنا
أَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ وَقْعُ نَاقَةٍ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ
فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
«الشَّرِيدُ» ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَلا أَحْمِلُكَ» ، قُلْتُ:
بَلَى، وَمَا فِيَّ إِعْيَاءٌ وَلا لُغُوبٍ وَلَكِنِّي أَرَدْتُ
الْبَرَكَةَ فِي رُكُوبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنَاخَ فَحَمَلَنِي، فَقَالَ: أَمَعَكَ مِنْ
سِفْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
«هَاتِ» ، فَأَنْشَدْتُهُ، قَالَ: أَظُنُّهُ مِائَةَ بَيْتٍ، قَالَ:
وَقَالَ: عِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ،
عِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ أُمَيَّةَ بْنِ أبي الصلت.
__________
[1] إلى هنا ساقط من أ.
[2] في أ: «يعقوب بن السكيت» . والخبر في البداية والنهاية 2/ 211.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] من هنا ساقط من أ.
(3/149)
وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ
الْبَسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي
الْمَنْصُورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ
الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ/ بْنُ كُلَيْبٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مَنِيعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطائفي [1] ، عن عمر بْنِ
الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ مِنْ شِعْرِ
أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا قَالَ:
«هِيهْ» حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةً- يَعْنِي بَيْتًا- فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَادَ
لَيُسْلِمُ» . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وذكر أبو الحسين بن المنادي في كتاب «صفايا حكم الأشعار» [2] ، قال: قد
صح بين علماء الناس بالشعر وأيام العرب، أن مما أسمع رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شعر أمية بن أبي الصلت قوله:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا
وقوله:
سبحان من سبحت طير السماء له
وقوله:
إله محمد حقا إلهي
وغير ذلك، قال: وكان أمية يحكي آثار قدرة الله تعالى وما ينتهي إليه
أمر الدنيا من الزوال والمعاد، وإلى الخلود في الجنة والنار، وتسخير
الشمس والقمر وغير ذلك على ما كَانَ قد قرأه في الكتب المتقدمة، وكان
يتوهم أن نبيا سيبعث فيكون هو ذلك، فلما بلغه خروج نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم انقمع وحسده.
قال أبو الحسين: فأخبرني جماعة منهم: أبو عبد الله محمد بن موسى
الفراء، وجعفر بن مُوسَى النحوي، وغيرهما عمن حدثهما عن أبي عبيدة معمر
بن المثنى والأصمعي وغيرهما قالوا:
__________
[1] إلى هنا ساقط من أ.
[2] في أ: «كلم الأشعار» .
(3/150)
إن أمية بن أبي الصلت، قال هذه القصيدة في
أول المبعث يذكر فيها دين الإسلام ونبوة نبينا محمد صلّى الله عليه
وسلّم، وهي:
لك الحمد والنعماء والملك ربنا ... ولا شيء [1] أعلى منك جدا وأمجد
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تضوي الوجوه [2] وتسجد
عليه حجاب النور والنور حوله ... وأنهار نور فوقه [3] تتوقد
/ فلا بصر يسمو إليه بطرفه ... ودون حجاب النور خلق مؤيد
[ملائكة أقدامهم تحت أرضه ... وأعناقهم فوق السماوات تسجد] [4]
فمن حامل إحدى قوائم عرشه ... بكفيه لولا الله كلوا وبلدوا
قيام على الأقدام عانون [5] تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعد
وبسط صفوف [6] ينظرون قضاءه ... مصيخون بالأسماع للوحي ركد
أميناه روح القدس جبريل فيهم ... وميكال ذو الروح القوي المسدد
وحراس أبواب السموات دونهم ... قيام عليها بالمقاليد رصد
فنعم العباد [7] المصطفون لأمره ... ومن دونهم جند كثيف مجند
[ملائكة لا يفتروا عن عبادة ... كروبية منهم ركوع وسجد] [8]
فساجدهم لا يرفع الدهر رأسه ... يعظم ربا فوقه ويمجد
وراكعهم يحنو له الظهر خاشعا ... يردد آلاء الإله ويحمد
[ومنهم ملف في جناحيه رأسه ... يكاد بذكر ربه يتفصد] [9]
من الخوف لا ذو سامة من عبادة ... ولا هو من طول التعبد يحمد
__________
[1] في أ: «فلا شيء» .
[2] في الأصل: «تعني الوجوه» .
[3] في الأصل: «نور حوله» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[5] في الأصل: غاشين والتصحيح من البداية والنهاية 2/ 211.
[6] في الأصل: وسبط صفوف» .
[7] في أ: «فعم العباد» .
[8] هذا البيت كتب على هامش الأصل.
[9] هذا البيت ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
(3/151)
وساكن أقطار بأرجاء مصعد ... وذو الغيب
والأرواح كل معبد
ودون كثيف الماء في غامض الهوا ... ملائكة تنحط فيها وتقصد
وبين طباق الأرض تحت بطونها ... ملائكة بالأمر فيها تردد
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد
ومن لم ينازعه الخلائق ملكه ... وإن لم يفرده العباد يفرد
مليك السموات الشداد وأرضها ... وليس بشيء عن هواه تأود
وسبحان ربي خالق النور لم يلد ... ولم يك مولودا بذلك أشهد
وسبحانه من كل إفك وباطل ... ولا والد ذو العرش أم كيف يولد
هو الله باري الخلق والخلق كلهم ... إماء له طوعا جميعا وأعبد [1]
هو الصمد الحي الذي [2] لم يكن له ... من الخلق كفؤ قد يضاهيه مضدد
وأنى يكون الخلق كالخالق الذي ... يدوم ويبقى والخليقة تنفد
/ وليس بمخلوق على الدهر جده ... ومن ذا على مر الحوادث يخلد
ويفنى ولا يبقى سوى القاهر الذي ... يميت ويحيى دائبا ليس يمهد
تسبحه الطير الحوائج في الخفا ... وإذ هي في جو السماء تصعد
ومن خوف ربي سبح الرعد فوقنا ... وسبحه الأشجار والوحش أبد
وسبحه البنيان والبحر زاخر ... وما ضم من شيء وما هو متلد
ألا أيها القلب المقيم على الهوى ... إلى أي حين منك هذا التمرد
عن الحق كالأعمى المحيط عن الهوى ... وقد جاءك النجد النبي محمد
بنور على نور من الحق واضح ... دليل على طرق الهدى ليس يخمد
ترى فيه أبناء القرون التي خلت ... وأخبار غيب في القيامة توجد
وحالات دنيا لا تدوم لأهلها ... وفيها منون ريبها متردد
ألا إنما الدنيا بلاغ وبلغة ... وبينا الفتى فيها مهيب مسود
إذ انقلبت عنه وزال نعيمها ... فأصبح من ترب القبور يوسد
وفارق روحا كان بين حياته ... وجاور موتى ما لهم متبدد
فأي فتى قبلي رأيت مخلدا ... له في قديم الدهر ما يتورد
__________
[1] هذا البيت ساقط من أ.
[2] في الأصل: «هو الصمد الله الّذي» .
(3/152)
ومن يبتليه الدهر منه بعثرة ... فيكبو لها
والنائبات تردد
لمن تسلم الدنيا وإن ظن أهلها ... نصيحتها والدهر قد يتجدد
ليوم وأقوام قد انكفأت بهم ... دهور وأيام ترافد عود
ألست ترى فيما مضى لك عبرة ... فمه لا تكن يا قلب أعمى تلدد
وقد جاء ما لا شك فيه من الهدى ... وليس يرد الحق إلا مفند
وكن خائفا للموت والبعث بعده ... ولا تك ممن غره اليوم والغد
فإنك في الدنيا غرور لأهلها ... وفيها عدو كاشح الصدر يوقد
/ من الحقد نيران العداوة بيننا ... لئن قال ربي للملائكة اسجدوا
لآدم لما أكمل الله خلقه ... فخروا له طوعا سجودا وركد
فقال عدو الله للكبر والشقا ... أطين على نار السموم يسود
فأخرجه العصيان من خير منزل ... فذاك الذي في سالف الدهر يحقد
علينا ولا يألو خبالا وحيلة ... ليوردنا منها الذي يتورد
جحيما تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها آخر الدهر يبرد
فما لك في الشيطان والناس أسوة ... إذا ما صليت النار بل أنت أبعد
هو القائد الداعي إلى النار جاهدا ... ليوردنا منها الّذي يتورد
ومالك من عذر بطاعة فاسق ... ولا بلظى نار عملت لها يد
وقال أيضا أمية:
إله محمد حقا إلهي ... وديني دينه غير انتحال
إله العالمين وكل أرض ... ورب الراسيات من الجبال
بناها وابتنى سبعا شدادا ... بلا عمد يزين ولا دجال
وسواها وزينها بنور ... من الشمس المضيئة والهلال
ومن شهب تلألأ في دجاها ... مراميها أشد من النصال
وأنشأ المزن تدلج بالروايا ... خلال الرعد مرسلة الغوال
ليسقي الحرث والأنعام منها ... سجال الماء حالا بعد حال
وشق الأرض فانبجست عيونا ... وأنهارا من العذب الزلال
وبارك في نواحيها وزكّى ... بها ما كان من حرث ومال
وأجرى الفلك في تيار موج ... تفيض على المداليج الثقال
(3/153)
وكل معمر لا بد يوما ... وذي دنيا يصير إلى
زوال
/ ويفنى بعد جدته ويبلى ... سوى الباقي المقدس ذي الجلال
كأنا لم نعش إلا قليلا ... إذا كنا من الهام البوالي
وصرنا في مضاجعنا رميما ... إلى يوم القيامة ذي الوبال
ونادى مسمع الموتى فجئنا ... من الأجداث كالشنن العجال
وأعطى كل إنسان كتابا ... مبينا باليمين وبالشمال
ليقرأ ما تقارف ثم يكفا ... حسابا نفسه قبل السؤال
وقام القسط بالميزان عدلا ... كما بان الخصيم من الجدال
فلا إنسان بين الناس يرجى ... [ولا رحم تمت إلى وصال
سوى التقوى ولا موت يرجى] [1] ... سوى الرب الرحيم من الموالي
وسيق المجرمون وهم عراة ... إلى دار المقامع والنكال
إلى نار تحش بصم صخر ... وما الأوصال من أهل الضلال
إذا نضجت جلودهم أعيدت ... كما كانت وعادا في سفال
ونادوا ويلنا ويلا طويلا ... على ما فاتنا أخرى الليالي
فهم متلاعنون إذا تلاقوا ... بها لعنا أشد من القتال
ونادوا مالكا ودعوا ثبورا ... وعجوا من سلاسلها الطوال
إذا استسقوا هناك سقوا حميما ... على ما في البطون من الأكال
شرابهم مع الزقوم فيها ... ضريع يجتلي عقد الخبال
فليسوا ميتين فيستريحوا ... وكلهم لحر النار صالي
وحل المتقون بدار صدق ... وعيش ناعم تحت الظلال
ظلال بين أعناب ونخل ... وبنيان من الفردوس عالي
لهم ما يشتهون وما تمنوا ... من اللذات فيها والجمال
ومن إستبرق يكسون فيها ... عطايا جمة من ذي المعالي
/ ومن خدم بها يسقون منها ... كدر خالص الألوان غالي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
(3/154)
وأشربة من العسل المصفى ... ومن لبن ومن
ماء السجال
وكأس لذة لا غول فيها ... من الخمر المشعشعة الحلال
على سرر مقابلة عوال ... معارجها أذل من البغال
صفوف متكون لدى عظيم ... بكفيه الجزيل من النوال
قال مؤلف الكتاب: وله أشعار كثيرة اقتصرنا على هذا منها، وكان له ولد
يقال له القاسم، وتعاطى الشعر الجيد
. ومن مات في هذه السنة من الكفار
26- المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، أبو وهب:
وكان من أشراف قريش، وكان أقلهم أذى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الذي أجار رَسُول اللَّهِ صلى الله
عَلَيْهِ وسلم حين رجع من الطائف، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه
وسلم خرج إلى الطائف، فلما عاد منعوه دخول مكة، فبعث إلى المطعم: «أدخل
في جوارك» قال: نعم، فأجاره فدخل.
ومات المطعم بمكة في صفر هذه السنة كافرا، ودفن بالحجون وهو ابن بضع
وتسعين سنة، [أقيم النوح سنة عليه] [1] .
فلما كانت غزاة بدر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في أسارى بدر: «لو كان المطعم حيا لوهبت له هَؤُلّاءِ السبي»
. 27- وفي هذه السنة مات أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية:
وكان حين ظهر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ: إنه ليكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث، فقال: بلغني
أنك تحسن القول في محمد، فكيف ذاك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في
النار، ويتوعد من لا يتبعه بالعذاب؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وذمه وعيب ما جاء به، فقويت بذلك نفوس المشركين.
وكان أبو أحيحة/ كبيرا في القوم عظيم الشرف، كان إذا اعتم لم يعتم أحد
بمكة، أو يعتم عَلَى غير لون عمامته، إعظاما له، وكان يدعى ذا التاج،
ومات بالطائف في هذه السنة وله تسعون سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
(3/155)
|