المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة ثلاث من الهجرة
[غزوة قرقرة الكدر]
[1] فمن الحوادث فيها: غزوة قرقرة الكدر، والكدر ماء من مياه بني سليم [2] ، وكانت للنصف من المحرم.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكان بلغه أن بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان، فسار إليهم فلم يجد أحدا، فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار، فسأله عن الناس، فقال: لا علم لي بهم، فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ظفر بالنعم، وكانت خمسمائة بعير، وصار يسار في سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وكانت غيبته خمس عشرة ليلة. هذا قول الواقدي.
وأما ابن إسحاق، فإنه يقول: هذه الغزاة كانت في شوال سنة اثنتين من الهجرة
. [غزوة السويق]
[3] ومن الحوادث في هذه السنة: غزوة السويق. وذلك أن أبا سفيان حرم الدهن بعد
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 182، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 21، تاريخ الطبري 2/ 482، وابن هشام، ودلائل النبوة، والكامل لابن الأثير 2/ 35، وابن سيد الناس 1/ 297.
[2] في ابن سعد: «وهي بناحية معدن بني سليم قريب من الأرخصية وراء سد معونة، وبين المعدن وبين المدينة ثمانية برد» .
[3] المغازي للواقدي 1/ 181، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 20، تاريخ الطبري 2/ 483، وسيرة ابن هشام، والكامل لابن الأثير 2/ 36، والاكتفاء 2/ 77، والبداية والنهاية 3/ 344، وابن سيد الناس 1/ 296، دلائل النبوة 3/ 164، الدرر 139، وابن حزم 152، وعيون الأثر 1/ 354، والنويري 17/ 70، والسيرة الحلبية 2/ 277.

(3/156)


بدر حتى يثأر من محمد وأصحابه، فخرج في مائتي راكب إلى أن بقي بينه وبين المدينة ثلاثة أميال، فقتل رجلا من الأنصار وأجيرا له، وحرق أبياتا هناك وتبنا، ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فخرج في أثره في مائتي رجل من [المهاجرين والأنصار] [1] ، واستخلف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة، فجعل أبو سفيان، وأصحابه يتخففون للهرب فيلقون جرب السويق، وكانت عامة أزوادهم، فأخذها المسلمون، فسميت غزاة السويق فلم يلحقهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى المدينة، وكانت غيبته خمسة أيام
. [غزوة غطفان بذي أمر]
[2] ومن الحوادث في هذه السنة: غزوة غطفان، / وهي ذو أمر، ويقال لها: غزوة أنمار.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما بلغه أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا شيئا من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فندب المسلمين وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلا، واستخلف عثمان بن عفان، فأصابوا رجلا من المشركين بذي القصة يقال له حبار، من بني ثعلبة، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم، وقال: لن يلاقوك إذ سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال، فأسلم حبار، ولم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا غير أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه وألقاهما على شجرة ليجفا واضطجع، فجاء رجل من العدو، يقال له دعثور بن الحارث [ومعه سيفه] [3] حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من يمنعك مني اليوم، قال
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] المغازي للواقدي 1/ 193، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 23، وتاريخ الطبري 2/ 487، وسيرة ابن هشام 2/ 45 والكامل لابن الأثير 2/ 38، والاكتفاء 2/ 78، ودلائل النبوة 3/ 167، والبداية والنهاية 4/ 2، والنويري 17/ 77 والسيرة الحلبية 2/ 279، وعيون الأثر 1/ 362.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.

(3/157)


[رسول الله صلى الله عليه وسلم] [1] : «الله» ، ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «من يمنعك مني» ؟ قال: لا أحد، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم أتى قومه، فجعل يدعوهم إلى الإسلام، ونزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ 5: 11 [2] ورجعوا إلى المدينة، ولم يلقوا كيدا وكانت غيبتهم إحدى عشرة ليلة.
قال مؤلف الكتاب: هكذا ذكر ابن سعد [3] وغيره أن هذا كان في هذه السنة.
وذكروا أن اسم الرجل دعثور، وقد روي في الصحيح أن اسمه عورب، وروي أن هذا كان في سنة خمس من الهجرة
. [سرية قتل كعب بن الأشرف]
[4] ومن الحوادث في هذا الشهر من هذه السنة: سرية قتل كعب بن الأشرف/ وذلك لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، وكان سبب قتله أنه كان شاعرا، فهجا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وشبب بنسائهم، [وبكى] [5] على قتلى بدر، وحرض المشركين بالشعر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لي بابن الأشرف [6] ؟ فقال له محمد بن مسلمة: أنا فاجتمع هو وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس، وكان أبو نائلة أخا كعب من الرضاعة، فجاءه، فقال له: إن قدوم هذا الرجل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: المائدة، الآية: 11.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 23، 24.
[4] المغازي للواقدي 1/ 184، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 21، تاريخ الطبري 2/ 487، وسيرة ابن هشام 2/ 51، والكامل لابن الأثير 2/ 38، الإكتفاء 2/ 82، والبداية والنهاية 4/ 5، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 187، والمحبر لابن حبيب 282، والدرر في اختصار المغازي والسير 142، وابن حزم 154، وعيون الأثر 1/ 356، والنويري 17/ 72.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] في ابن سعد: « ... ثم قدم المدينة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر، وقوله الأشعار، وقال أيضا: من لي بابن الأشرف» .

(3/158)


كَانَ علينا من البلاء، حاربتنا العرب فرمتنا عن قوس واحدة، ونحن نريد التنحي عنه، ومعي رجال من قومي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك [فيه] [1] ثقة، فقال: جيء بهم متى شئت، فاجتمعوا وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثم وجههم وقال: امضوا على بركة الله، فمضوا حتى انتهوا إلى حصنه، فخرج إليهم فقتلوه، وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
. [زواج عثمان بن عفان أم كلثوم]
[2] ومن الحوادث في هذا الشهر من هذه السنة: تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة
. [غزوة بني سليم]
[3] وفي هذه السنة: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني سليم، وذلك لست ليال خلون من جمادى الأولى. [على رأس سبع وعشرين شهرا من مهاجرته] [4] ، ببحران، وهو بناحية [الفرع] [5] وبين الفرع والمدينة ثمانية برد [6] .
وذلك أنه بلغه أن بها جمعا من بني سليم، فخرج في ثلاثمائة واستخلف ابن أم مكتوم فوجدهم تفرقوا، فرجع ولم يلق كيدا، وكانت غيبته عشر ليال.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] تاريخ الطبري 2/ 491، 492، والكامل 2/ 40.
[3] المغازي للواقدي 1/ 196، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 24، تاريخ الطبري 20/ 487، ابن هشام 2/ 445، وابن حزم 153، وعيون الأثر 1/ 363، والبداية والنهاية 4/ 3، ودلائل النبوة 3/ 172، والنويري 17/ 79، والسيرة الحلبية 2/ 280.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ.
[6] في الأصل: «وبينه وبين المدينة ثمانية برد» .

(3/159)


[سرية زيد بن الحارث]
[1] وفيها: كانت سرية زيد بن حارثة إلى القردة، لهلال جمادى الآخرة، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميرا.
والقردة ماء من مياه نجد بين الربذة/ وغمرة. [بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] يعترض عيرا لقريش، فمضى زيد في مائة راكب، فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم، وقدموا بالعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم، وأسر فرات بن حيان، وأسلم
. [زواجه صلى الله عليه وسلم حفصة]
[3] وفيها: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة في شعبان، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي في الجاهلية، فتوفي عنها مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر، فعرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه بشيء، ثم على عثمان فلم يجبه بشيء، فشكى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يا رسول الله عرضت على عثمان حفصة فأعرض عني، فقال: إن الله قد زوج عثمان خيرا من ابنتك، وزوج ابنتك خيرا من عثمان، وكان [ذلك] [4] متوفى رقية، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان، على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد، ثم طلقها فأتاها خلالها عثمان وقدامة، فبكت وقالت: والله ما طلقني رسول الله عن شبع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها، فجلست، فقال: إن جبريل أتاني فقال لي: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة. قال مؤلف الكتاب [5] : وفي رواية إنه هم بطلاقها.
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 197، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 24، وتاريخ الطبري 2/ 492، والاكتفاء 2/ 81، وسيرة ابن هشام 2/ 50. والبداية والنهاية 4/ 5.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 2/ 499، والكامل 2/ 43، وابن سعد 8/ 56.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل، وأوردناها من أ.
[5] «قال مؤلف الكتاب» : ساقطة من أ.

(3/160)


[زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت خزيمة] [1]
وفيها: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت خزيمة، وكانت تسمى في الجاهلية أم المساكين، وكانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب فطلقها، فتزوجها أخوه عبيدة ابن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيدا، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رمضان هذه السنة.
وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا، فمكثت عنده ثمانية أشهر وتوفيت.
وفيها: ولد الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنهما.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، قَالَ/: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو علي أحمد بن علي ابن الْحَسَنِ بْنِ شُعَيْبٍ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّرَقِيُّ قَالَ:
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَفِيهَا: حَمَلَتْ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ فِي شَوَّالٍ.
وَفِيهَا وُلِدَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَائِلَةَ، وَمَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ
. [غزوة أحد] [2]
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة أحد. وكانت يوم السبت لسبع خلون من شوال، وكان سببها أنه لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سُفْيَان موقوفة في دار الندوة، فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان، فقالوا:
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 82.
[2] المغازي للواقدي 1/ 199، طبقات ابن سعد 1/ 2/ 25، تاريخ الطبري 2/ 499، والكامل لابن الأثير 2/ 44، وابن سيد الناس 2/ 2، والبداية والنهاية 4/ 9، والاكتفاء 2/ 87، وسيرة ابن هشام 2/ 60، ودلائل النبوة البيهقي 3/ 201، والأغاني 15/ 179- 207، وصحيح البخاري 5/ 93، ومسلم بشرح النووي 12/ 147، وأنساب الأشراف 1/ 148، وابن حزم 156، والدرر في اختصار المغازي والسير 145، والنويري 17/ 8، والسيرة الحلبية 2/ 284، والسيرة الشامية 4/ 271.

(3/161)


نحن طيبوا الأنفس بأن تجهز بربح هذه العير جيشا إلى محمد، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك، وبنو عبد مناف معي، فباعوها فصارت ذهبا، وكانت ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العير رءوس أموالهم، وعزلت الأرباح، وبعثوا الرسل إلى العرب يستنصرونهم، وأجمعوا على إخراج الظعن [1] معهم ليذكرنهم قتلى بدر [فيحفظنهم] [2] فيكون أجد لهم في القتال.
وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فخرجت قريش ومعهم أبو عامر الراهب، وكان عددهم ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، وكانت الظعن خمسة عشرة امرأة، فساروا حتى نزلوا ذا الحليفة فأقاموا يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وبات سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير بباب رسول/ الله صلى الله عليه وسلم فِي عدة من الناس، وحرست المدينة، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه في درع حصينة، وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم، وكأن بقرا تذبح، وكأنه مردف كبشا، [فأولها] [3] فقال: أما الدرع فالمدينة، والبقر قتل في أصحابي، وانقصام سيفي مصيبة في نفسي، والكبش كبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة، وكان ذلك رأي الأكابر من أصحابه، وطلب فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا أن يخرجوا حرصا على الشهادة فغلبوا على الأمر، فصلى الجمعة ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد، ثم صلى العصر، ثم دخل بيته ومعه أبو بكر، وعمر فعمماه ولبساه وصف الناس له، فخرج صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع، وحزم وسطها بمنطقة من أدم واعتم، وتقلد السيف، وألقى الترس في ظهره، فندموا جميعا على ما صنعوا، وقالوا: ما كَانَ لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، فقال: صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه فامضوا على اسم الله، فلكم النصر إن صبرتم [4] .
__________
[1] الظعن: جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناها من ابن سعد 1/ 2/ 26.
[4] في ابن سعد: «ما صبرتم» .

(3/162)


فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى الحباب، وقيل: إلى سعد بن عبادة، ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل: إلى مصعب بْن عمير، واستخلف عبد الله بن أم مكتوم على المدينة، ثم ركب صلى الله عليه وسلم فرسه، وتقلد قوسه، وأخذ قناة في يده، وفي المسلمين مائة دارع، وخرج السعدان أمامه: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، والناس على يمينه وشماله، وعرض من عرض، ورد من رد، وكان فيمن رد: ابن عمر، وزيد بن ثابت [1] ، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس [2] ، وهو [3] الذي قال فيه الشماخ حيث يقول/: [4]
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
وأذن بلال المغرب، فصلى بأصحابه واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين [رجلا] [5] يطوفون بالعسكر. وبات بالشيخين اطمأن في طرق المدينة، وكان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فسميا بالشيخين لذلك، وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، فصلى بأصحابه الصبح وانخزل ابن أبيّ في ثلاثمائة [6] وكان رأيه أن لا يخرج من المدينة فقال: عصاني وأطاع الولدان، فبقي رسول الله في سبعمائة، وأقبل يسوي الصفوف، وجعل أحدا وراء ظهره واستقبل المدينة، وجعل عينين- جبلا بقناة- عن يساره، وجعل عليه خمسين من الرماة، عليهم ابن جبير، واستعمل المشركون [على ميمنتهم] [7] خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بْن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية، وقيل عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن
__________
[1] في أ: «وأبا سعيد الخدريّ» وهو صحيح.
[2] في أ: «عرابة بن أبي أوس» .
[3] من هنا إلى آخر الأبيات ساقط من أ.
[4] ديوان الشماخ 96، 97.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] في الأصل: «مائة» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(3/163)


أَبِي ربيعة، وكانوا مائة رام، وقال أبو سفيان بن حرب لبني عبد الدار يومئذ: إنكم أضعتم اللواء يوم بدر، فأصابنا ما رأيتم، فادفعوا إلينا اللواء نكفيكم، وإنما أراد تحريضهم عَلَى الثبات، فغضبوا وأغلظوا له القول، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة، وحضرت الملائكة ولم تقاتل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، قال أبو دجانه: وما حقه؟ قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني، قال: أنا. فأخذه وجعل يتبختر في الصفين، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن» . وكان أول من أنشب الحرب أبو عامر الراهب، طلع في خمسين من قومه، فنادى: أنا أبو عامر/ فقال المسلمون: لا مرحبا بك، فتراموا بالحجارة حتى ولى أبو عامر، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والأكبار، ويحرضن ويقلن:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق [1]
فصاح طلحة من يبارز، فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه على رأسه [حتى] [2] فلق هامته- وهو كبش الكتيبة- فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون، ثم شدوا على المشركين، وحمل لواءهم أخوه عثمان بن أبي طلحة، فضربه حمزة بالسيف، فقطع يده [3] ، ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة [فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله، فحمله مسافع بن طلحة] [4] فرماه عاصم فقتله، [ثم حمله الحارث بْن طلحة فرماه عاصم فقتله] [5] ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير، ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه، ثم حمله
__________
[1] «الوامق» المحب، يقال: إن هذا الرجز لهند بنت طارق بن بياضة الإيادية في حرب الفرس- (الروض الأنف 2/ 129) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «وكنفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره، ثم رجع وهو يقول أنا ابن ساق الحجيج» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(3/164)


شريح بن فارط، فقتله بعض المسلمين، ثم حمله صؤاب غلام لهم، فقتله بعض المسلمين [1] .
فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح، ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون الغنائم.
فلما رأى الرماة ذلك أقبل جماعة منهم وخلوا الجبل، فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل، وتبعه عكرمة فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم، وقتلوا أميرهم عَبْد اللَّه بن جبير وانتقضت صفوف المسلمين، ونادى إبليس: قتل محمد، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة من الصحابة أربعة عشر فيهم أبو بكر فأصيبت رباعيته وكلم في وجهه.
وفي الّذي فعل به ذلك قولان: أحدها أنه عتبة بن أبي وقاص، قال سعد بن أبي وقاص: كنت حريصا على قتل عتبة، فكفاني منه قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله» . الثاني: أنه ابن قميئة فإنه علا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فضربه على شقة الأيمن فاتقاها طلحة بيده فشلت يده.
قال السدي [2] : وابن قميئة هو الذي رمى وجه رسول الله بحجر، فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَيْوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سعيد، عن أبي بشر الْمَازِنِيُّ، قَالَ:
حَضَرْتُ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا غُلامٌ فَرَأَيْتُ ابْنَ قَمِيئَةٍ عَلا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بالسيف، فرأيت
__________
[1] في ابن سعد: «قال قائل: قتله سعد بن أبي وقاص، وقال قائل قتله علي بن أبي طالب، وقال قائل: قتله قزمان، وهو أثبت القول» .
[2] تاريخ الطبري 2/ 519.

(3/165)


رسول الله وَقَعَ عَلَى كَتِفَيْهِ فِي حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتَّى توارى، فجعلت أَصِيحُ وَأَنَا غُلامٌ حِينَ رَأَيْتُ النَّاسَ ثَابُوا إِلَيْهِ، فَأَنْظُرُ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخَذَ يَحْضُنُهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
أخبرنا أبو منصور عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ مخلد، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الحكيمي، قال: حدّثنا الفتح ابن شخرف، قال: سَمِعْتُ محمد بن خلف العسقلاني، قال: سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول:
لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يولد لهم صبي فثبت له رباعية.
قال علماء السير: وترس أبو دجانة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكانت النبل تقع في ظهره وهو منحن عليه.
ومر أنس بن النضر على عمر وطلحة في رجال من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: أقتل رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
[قال المصنف رحمه الله] [2] وكان أربعة نفر قد تحالفوا وتعاقدوا يوم أحد: لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه عمرو بن قميئة، وأبي بن خلف، وعبد الله بن شهاب، وعتبة/ بْن أبي وقاص.
وكان أبي قد قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ: لأقتلنك، فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صاح الشيطان: قتل محمد، رآه أبي، فقال: لا نجوت إن نجوت، فقالت الصحابة: أيعطف عليه أحدنا، فقال: دعوه، فرماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة، فكسرت ضلعا من أضلاعه.
أَنْبَأَنَا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٌ الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنُ دَاوِدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بكار، قال:
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 244، 245 ألوفا 1375.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من أ.

(3/166)


قُتِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِبَدْرٍ، وَكَانَ أَخُوهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَدْ أُسِرَ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا فُدِيَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عِنْدِي فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ فِرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أنا أقتلك عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى شِعْبِ أُحُدٍ بَصُرَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَشَدَّ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَمَعَ الزُّبَيْرِ الْحَرْبَةُ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: دَعْهُ وَشَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ بِهَا، فَدَقَّ تَرْقُوَتَهُ، وَخَرَّ صَرِيعًا، وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَارْتَثَوْهُ وَلَهُ خُوَارٌ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا بِكَ بَأْسٌ، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: أنا أَقْتُلُكَ، فَحَمَلُوهُ حَتَّى مَاتَ بِمَرِّ الظُّهْرَانِ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ أَهْلِ التَّارِيخِ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَأَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه قَاتِلُكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا سَارَ النَّاسُ إِلَى بَدْرٍ أَرَادَ أَنْ لا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ أُمَيَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَتَلَ أُبَيًّا يَوْمَ أُحُدٍ، وَيُحْتَمَلُ/ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: «إِنَّهُ قَاتِلُكَ» أَيْ بِقَتْلِكَ أَصْحَابِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ قَتَلَهُ الصَّحَابَةُ.
قال علماء السير: كان اللواء مع مصعب بن عمير، فقتل فأخذ اللواء ملك في صورته.
فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ سَعْدٍ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْن ربيعة بْن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ اللِّوَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُتِلَ مُصْعَبٌ، فَأَخَذَهُ مَلَكٌ فِي صُورَةِ مُصْعَبٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ فِي آخر النهار: « [تقدّم] [1] يا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.

(3/167)


مُصْعَبٌ» ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِمُصْعَبٍ، فَعَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَلَكٌ أُيِّدَ بِهِ [1] . قال علماء السير: قتل يومئذ حمزة، وأصيبت عين قتادة بن النعمان، فوقعت على وجنته، فجاء بها إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها بيده، فكانت أحسن عينيه.
قال مؤلف الكتاب: وكان ممن جرح فقاتل حميئة، ومات وهو معدود من المنافقين.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب، قال [2] : جعل رسول الله عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ- وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلا- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَوَضَعَهُمْ مَوْضِعًا وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَى الْقَوْمِ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ:
فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الْخَيْلِ وَقَدْ بَدَتْ أَسْوَاقُهُنَّ وَخَلاخِيلُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمٌ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْظِرُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: إِنَّا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ/ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أُخْراكُمْ 3: 153 [3] . فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ رَجُلا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً وَسَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ [4] : أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاثًا، قَالَ: فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الَقْوُمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قُتِلُوا وَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ، فما ملك عمر نفسه أن
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 85.
[2] تاريخ الطبري 2/ 507، 508. وفي الأصل: أبو إسحاق بن البراء.
[3] سورة: آل عمران، الآية: 153.
[4] تاريخ الطبري 2/ 526، 527.

(3/168)


قَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَهُمْ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُؤُكَ، فَقَالَ: يَوْمُ أُحُدٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مَثَلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا تُجِيبُوهُ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ: لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تُجِيبُوهُ» ، قَالُوا: يا رسول الله وما نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ» [1] .
قال علماء السير: وقامت هند في نسوة معها يمثلن بالقتلى، يجدعن الأنوف والأذان حتى اتخذت هند من ذلك خدما [2] وقلائد، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها [3] فلفظتها.
فلما أراد أبو سفيان أن ينصرف، نادى: موعدكم بدر العام، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل من أصحابه: «قل نعم بيننا موعد» ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: «أخرج في آثار القوم، فإن اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل: فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدون المدينة، فو الّذي نفسي بيده لئن أرادوها لأناجزنهم» .
قال علي رضي الله عنه: فخرجت في آثار القوم، فاجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة [4] .
فصل
ثم أقبل المسلمون/ على قتلاهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ فمضى رجل فوجده جريحا بين القتلى وبه رمق، فَقَالَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت، أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام، وقل له: يقول لك سعد بن الربيع: جزاك الله خير ما جزى نبيا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 507، 508، 526، 527.
[2] الخدم: جمع خدمة، بالتحريك، وهي الخلخال.
[3] تاريخ الطبري 2/ 527.
[4] تاريخ الطبري 2/ 527، 528.

(3/169)


عن أمته، وأبلغ قومك السلام عني، وقل لهم لا عذر لكم عند الله، إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف» ثم مات [1] .
وخرج رسول الله يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي، وقد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فقال: لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي، لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني الله على قريش، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فقال المسلمون: والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله عز وجل: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به 16: 126 [2] . وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنها الزبير: القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فلقيها، فقال لها: يا أمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت: ولم، وقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله قليل، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فجاءت إليه واستغفرت له [3]
. فصل
قال مؤلف الكتاب [4] : قتل من المسلمين يوم أحد حمزة قتله وحشي، وعبد الله بن جحش قتله أَبُو الحكم بن الأخنس، ومصعب بن عمير قتله ابن قميئة، وشماس بن عثمان قتله أبي بن خلف، وعبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا الهبيب، ووهب بن قابوس، وابن أخيه الحارث بن عقبة.
وقتل من الأنصار سبعون، وقتل من المشركين ثلاثة/ وعشرون منهم [5] .
ولما أراد المسلمون دفن قتلاهم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احفروا وأعمقوا وقدموا أكثرهم قرآنا» .
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 528.
[2] سورة: النحل، الآية: 126.
[3] تاريخ الطبري 2/ 528، 529.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 30.
[5] هكذا في الأصل، وفي ابن سعد: «ثلاثة وعشرين فيهم حملة اللواء» وعدهم.

(3/170)


قال المؤلف للكتاب: واختلف الناس، هل صلى على شهداء أحد أم لا على قولين.
وممن دفن في قبر واحد، عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجموح، وسعد بن الربيع، وخارجة بن زيد، والنعمان بن مالك، وعبدة بن الحسحاس، وكان الناس قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ردوا القتلى إلى مضاجعهم» ، فأدرك المنادي رجلا لم يكن دفن، وهو شماس بن عثمان المخزومي.
أَخْبَرَنَا أَبُو غَلابٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَرَابِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْزُبَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ الْحَرُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لُوَيْنٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قُتِلَ أَبِي وَخَالِي يَوْمَ أُحُدٍ فَحَمَلَتْهُمَا أُمِّي عَلَى بَعِيرٍ فَأَتَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُدُّوا الْقَتْلَى إِلَى مَصَارِعِهِمْ» .
قَالَ ابن إسحاق [1] : ولما أمر رسول الله بِدَفْنِ الْقَتْلَى، قَالَ: «انْظُرُوا عْمَرَو بْنَ الْجَمُوحِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ. فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا احْتَفَرَ مُعَاوِيَةُ الْقَنَاةَ أُخْرِجَا وَهُمَا يَنْثَيَانِ كَأَنَّمَا دُفِنَا بِالأَمْسِ.
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ [فَنُعِيَ لَهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ] [2] فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمَّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثُمَّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زوج المرأة مِنْهَا لَبِمَكَانٍ» ، لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبُّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا. أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ: ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا/ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أخبرنا
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 532.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(3/171)


عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن فضالة، عن ليث، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَبَّرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخِيهَا وَأَبِيهَا وَزَوْجِهَا، لا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلا، فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: أَمَامَكِ، حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: بأبي أنت وأمي يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُبَالِي إِذْ سَلِمْتَ مِنْ عَطْبٍ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ:
«اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيَّةٌ»
. [غزوة حمراء الأسد] [1]
وفي هذه السنة: كان غزاة حمراء الأسد.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم رجع إلى المدينة يوم السبت يوم الوقعة، فلما كان الغد وهو يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فكلمه جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله: إن أبي كان خلفني على أخوات لي، فاذن لي بالخروج معك ولم يخرج معه ممن لم يشهد القتال غيره.
وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، فخرج حتى انتهى إلى حمراء الأسد، ودفع لواءه وهو معقود لم يحل إلى علي بن أبي طالب، وقيل:
إلى أبي بكر رضي الله عنهما، واستخلف عَلَى المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 334، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 34، وتاريخ الطبري 2/ 534، والكامل 2/ 57، والاكتفاء 2/ 112، والبداية والنهاية 4/ 48، وسيرة ابن هشام 3/ 44، ودلائل النبوة 30/ 312، وابن حزم 175، وعيون الأثر 2/ 52، والنويري 17/ 126، والسيرة الحلبية 2/ 336، والسيرة الشامية 4/ 438.

(3/172)


وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية وشفته العليا [1] قد كلمت في باطنها وهو متوهن المنكب/ الأيمن من ضربة ابن قميئة، ونزل إليه أهل العوالي، فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد، وهي من المدينة على عشرة أميال، وقيل: ثمانية وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم، فبصروا بالرجلين، فرجعوا إليهما فقتلوهما، ومضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلان في قبر واحد، وأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وكان [2] المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار فذهب صوت معسكرهم ونارهم في كل وجه فكبت اللَّه بذلك عدوهم، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عزة فقتله صبرا، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة، وكانت غيبته خمس ليال.
أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان بن داود، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال:
أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزَّةَ الشَّاعِرَ وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وكان ذا بنات، فقال له:
دعني لبناتي، فَرَحِمَهُ فَأَطْلَقَهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لا يُكْثِرَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا، فَلَمَّا جَمَعَتْ قُرْيَشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَكَلَّمَهُ صَفْوُانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةِ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ يَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ فَأَبَى، وَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَمِنَ عَلَيَّ وَأَعْطَيْتُهُ أَنْ لا أُكْثِرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ صَفْوَانُ يُكَلِّمُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ، فَحَرَّضَهُمْ عَلَى الخروج مع قريش والنصر لَهُمْ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
أَنْتُمْ بَنُو الْحَارِثِ وَالنَّاسُ الْهَامٌ ... أَنْتُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَاةِ الرِّدَامُ
أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامٍ ... لا تَعِدُوا نَاصِرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ
لا تُسْلِمُونَا لا يَحِلُّ إِسْلامٌ
فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَنْ أُحُدٍ تَبِعَهُمْ رَسُولُ الله حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الأَسَدِ فَأَصَابَ بِهَا عُمَرَا فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَفْوَكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: «لا تَمْسَحْ لِحْيَتَكَ بِمَكَّةَ وتقول، خدعت محمدا مرتين» .
__________
[1] في ابن سعد 1/ 2/ 34: «شفته السفلى» .
[2] في الأصل: وكانوا.

(3/173)


قَالَ الزُّبَيْرُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، عَنْ أَبِي جَعْدِيَةَ وَالأَبْرَصُ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لا تُوَاكِلُهُ وَلا تُجَالِسُهُ، فَقَالَ: الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، فَأَخَذَ حَدِيدَةً وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ مَكَّةَ، فَطَعَنَ بِهَا فِي مَوْضِعِ مَغَدِهِ وَالْمَغَدُ مَوْضِعُ عِقْصِ الرَّاكِبِ مِنَ الدَّابَّةِ فَمَادَتْ الْحَدِيدَةُ بَيْنَ الجلد والصفاق فسال منه ماء أصفر وبريء فَقَالَ:
اللَّهمّ رَبَّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتَّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ
وَرَبَّ مَنْ يُوعَى بَيَاضَ نَجْدِ ... أَصْبَحْتُ عَبْدًا لَكَ وَابْنَ عَبْدِ
أَبْرَأْتَنِي مِنْ وَضَحٍ بجلدي ... من بعد ما طَعَنْتُ فِي مَغْدِي
وفي ذي القعدة من هذه السنة: علقت فاطمة بابنها الحسين رضي الله عنهما، وكان بين ولادتها الحسن وعلوقها بالحسين خمسين ليلة.
وفي هذه السنة: ولد السائب بن يزيد ابن أخت النمر
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
28- أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام، عم أنس بن مالك:
شهد أحدا، ورأى جولة المسلمين فقاتل حتى قتل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ، فَقَالَ:
غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِئَنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مَشْهَدًا] [1] لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَفْعَلُ، فَلَقِيَ يَوْمَ أُحِدٍ [2] فَهُزِمَ النَّاسُ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَعْتِذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاءِ- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ. فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا سَعْدٌ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في أ: «ما أضع، فتشهد يوم أحد» .

(3/174)


أُحُدٍ. فَمَضَى فَقُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرِفَتْهُ [أُخْتُهُ] ( [1] بِشَامَةٍ أَوْ/ بِبِنَانَةٍ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةِ سَهْمٍ
. 29- أنيس بن قتادة بن ربيعة:
قال مؤلف الكتاب: كذا سماه ابن إسحاق والواقدي. وقال أبو معشر: أنس، وقال ابن عقبة: إلياس. وهو زوج خنساء بنت خذام، شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 30- ثابت بن الدحداح- قال مؤلفه: ويقال: ابن الدحداحة- بن نعيم بن غنم بن إياس [2] ، ويكنى أبا الدحداح:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، [قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُهْتَدِي] [3] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ أَبِي صَخْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ 2: 245 [4] . قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ الأَنْصَارِيُّ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ] ، وإن اللَّهُ لَيُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ» قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَّ يَدَهُ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حَائِطِي، قَالَ: وَحَائِطُهُ لَهُ فيه ستمائة نَخْلَةٍ، وَأُمُّ الدَّحْدَاحِ فِيهِ وَعِيَالُهَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَنَادَى: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ، قَالَتْ: لَبَّيْكَ، قَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ- وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَعَمَدَتْ إِلَى صِبْيَانِهَا تُخْرِجُ مَا فِي أَفْوَاهِهِمْ وَتَنْفُضُ مَا فِي أَكْمَامِهِمْ.
وَحَضَرَ ثَابِتٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فَصَاحَ: إِلَيَّ يَا مَعْشَر الأَنْصَارِ. إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ. فَنَهَضَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَقَدْ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «ابن نعيم بن إياس» . والترجمة في الاستيعاب ص 203 برقم 251 والإصابة 1/ 199 تحت رقم 874.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] سورة: البقرة، الآية: 245.
وسورة: الحديد، الآية: 11.

(3/175)


وَقَفَتْ لَهُ كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعِكْرِمَةُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذَهُ فَوَقَعَ مَيِّتًا وَقُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ بَرَأَ مِنْ جِرَاحَاتِهِ وَمَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، مَرْجِعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ جِنَازَتَهُ
. 31- ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي:
شهد بدرا وأحدا، وقتل/ يومئذ شهيدا [1]
. 32- جندع بن ضمرة الضمري:
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، [قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفَهْمِ] [2] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد، قال:
أخبرنا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أخبرنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط:
أن جندع بن ضمرة كان بمكة فمرض فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فإنه قد قتلني [غمها] [3] ، فقالوا: إلى أين؟ فأومأ بيده: إلى ها هنا، [نحو المدينة] [4] ، يريد الهجرة، فخرجوا به فلما بلغوا أضاة بني عفان [5] مات، فأنزل الله تعالى فيه: وَمن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً 4: 100 [6]
. 33- الحارث بن أوس بن معاذ بن النعمان، أبو أوس [7] :
شهد بدرا، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، وأصابه بعض أصحابه تلك الليلة
__________
[1] «شهيدا» : ساقطة من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] في الأصل: «عفار» .
[6] سورة: النساء، الآية: 100.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 14.

(3/176)


[بسيفه] [1] وهم يضربون كعبا فجرحه فنزف الدم، فاحتمله أصحابه حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بعد ذلك أحدا، وقتل يومئذ، [وهو ابن ثمان وعشرين سنة] [2]
. 34- الحارث بن أنس [3]- قال مؤلف الكتاب: وأنس هو أبو الحسن بن رافع [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ [5]
. 35- الحارث بن سويد بن الصامت بن خالد بن عطية:
شهد أحدا، وروى محمد بن سعد، عن أشياخه، قالوا: كان سويد [6] قد قتل زيادا أبا مجذر في وقعة التقوا فيها، فلما كان بعد ذلك لقي [مجذر] [7] سويدا خاليا في مكان وهو سكران ولا سلاح معه، فقال له: قد أمكن الله منك، قال: وما تريد؟ قال:
قتلك، قال: فارفع عن الطغام، واخفض عن الدماغ وإذا رجعت إلى أمك فقل: قد قتلت سويد بن الصامت، فقتله. فهيج قتله وقعة بعاث- وذلك قبل الإسلام- فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد، ومجذر بْن زياد، فجعل الحارث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه- فلما كان يوم أحد وجال الناس الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب/ عنقه، فلما رجع [8] النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فأخبره أن الحارث قتل مجذرا غيلة، وأمره أن يقتله به، فركب رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى قباء في ذلك اليوم وهو يوم حار، فدخل مسجد قباء فصلى فيه، وسمعت به الأنصار فجاءت تسلم عليه، وأنكروا إتيانه في [تلك] [9] الساعة حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم دعي عويم بن ساعدة، فقال: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في الأصل: «الحارث بن أوس» .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 14، 15.
[5] في الأصول: «وهو ابن ثمان وعشرين سنة» وهذه العبارة خاصة بالترجمة السابقة.
[6] «شهر أحدا.. كان سويد» العبارة ساقطة من أ.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ.
[8] في أ: «فلما قدم» .
[9] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/177)


فاضرب عنقه بمجذر بن زياد فإنه قتله غيلة، فقال الحارث: قد والله قتلته وما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكنه حمية الشيطان، وأمر وكلت فيه إلى نفسي، فإني أتوب إلى الله وإلى رسوله، وجعل يمسك بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاب ورجل في الأرض، وبنو مجذر حضور لا يقول لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا، فلما استوعب كلامه، قال: «قدمه يا عويم فاضرب عنقه» ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه عويم فضرب عنقه، فقال حسان بن ثابت:
يا حار في سنة من يوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل
36- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف [1] :
أمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وكان له من الولد يعلى، وبه كان يكنى، وعامر، وعمارة [وقد كان يكنى به] [2] أيضا، وأمامة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد، وكان ليعلى أولاد درجوا فلم يبق لحمزة عقب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف، قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [4] ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ [5] : أَنَّ حَمْزَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: «إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ [أَنْ تَرَاهُ] [6] » قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَاقْعُدْ [مَكَانَكَ] » [7] ، فَنَزَلَ/ جِبْرِيلُ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْكَعْبَةِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهَا إِذَا طَافُوا فِي البيت، فقال: ارفع
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 3.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] في أ: «أبو بكر بن عبد الباقي» .
[4] في أ: «أخبرنا إسماعيل بن سلمة» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 6.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.

(3/178)


طَرْفَكَ فَانْظُرْ، فَنَظَرَ فَإِذَا قَدَمَاهُ مِثْلَ الزَّبْرْجَدِ الأَخْضَرِ، فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. قال علماء السير: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة، وآخى بينه وبين زيد بن حارثة، وإليه أوصى حمزة حين حضر القتال يوم أحد وقتله وحشي يومئذ وشق بطنه وأخذ كبده وجاء بها إلى هند بنت عتبة، فمضغتها ثم لفظتها، ثم جاءت فمثلت بحمزة، وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.
ودفن حمزة وعبد الله بن جحش في قبر واحد، وحمزة خال عبد الله، ونزل في قبر حمزة أبو بَكْر وعمر وعلي والزبير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على حفرته.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الدار الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْدُونٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَىَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَحْشُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو الضَّمْرِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخَيَّارِ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ فَسَلَّمْنَا فرد السلام وعبيد الله معتمر بِعِمَامَتِهِ مَا يُرَى مِنْهُ إِلا عَيْنَاهُ وَرِجْلاهُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي؟ فَنَظَرَ إليه ثم قَالَ: لا وَاللَّهِ إِلا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخَيَّارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لَهُ غُلامًا فَاسْتَرْضَعَتْهُ فَحَمَلَتْ ذَلِكَ الْغُلامَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلَتْهَا إِيَّاهُ فَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْهِ، فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِِ حَمْزَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ [1] ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ- قَالَ: وَعَيْنَيْنُ جَبَلٌ تَحْتَ أُحُدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ- فَخَرَجْتُ/ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا أَنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سُبَاعٌ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ، فَقَالَ: يَا سُبَاعُ يَا ابْنَ [أُمِّ] [2] أَنْمَارٍ مُقَطَّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ وَكَانَ كَأَمْسٍ الذَّاهِبِ، وَكَمُنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ حَتَّى مَرَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعْتُهَا في ثنيته حتى دخلت
__________
[1] في أ: «بلى» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/179)


بَيْنَ وِرْكَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ آَخِرَ الْعَهْدِ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ [إِلَى مَكَّةَ] [1] رَجَعْتُ مَعَهُمْ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا، فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يَهِيجُ الرُّسُلَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآَنِي قَالَ: «أَنْتَ وَحْشِيٌّ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟» قُلْتُ:
قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي» . قَالَ: فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ، قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلَمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئُ بِهِ حَمْزَةَ، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ.
قَالَ: وَإذَِا رَجُلٌ قائم في ثلمة جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرٌ رَأْسُهُ. [قَالَ] : فَأَرْمِيهِ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ من بَيْنَ كَتِفَيْهِ [2] ، قَالَ: وَدَبَّ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ.
[انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي الزُّبَيْرُ:
أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى إِذَا كَادَتْ أَنْ تُشْرِفَ عَلَى الْقَتْلَى قَالَ:
فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ، فَقَالَ: الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: فَتَوَسَّمْتُ أَنَّهَا أُمِّي صَفِيَّةُ، فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا، فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى الْقَتْلَى، قَالَ: فَلَزِمَتْ فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً، قَالَتْ: إِلَيْكَ لا أُمَّ لَكَ [3] ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَيْكِ، قَالَ: فَوَقَفَتْ وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا، فَقَالَتْ: هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لأخي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] في أ: «بين منكبيه» .
[3] في المسند: «لا أرض لك» .

(3/180)


حَمْزَةَ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ، فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا، قَالَ: فَجِئْتُ بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ، قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ، وَالأَنْصَارِيُّ لا كَفَنَ لَهُ، فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ، فَقَدَّرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ] [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارِكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو الحسن بْنُ الْمُهْتَدِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضِل بْنِ الْمَأْمُونِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاحِيَةَ [الْقَتْلَى] فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ تَؤُمُّ الْقَتْلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهَا/ فتوسمتها فإذا هي صفية، فقلت لها: يا أُمَّاهُ ارْجِعِي فَلَزِمَتْ صَدْرِي وَقَالَتْ: لا أُمَّ لَكَ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْزِمُ عَلَيْكِ، فَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ وَقَالَتْ: كَفِّنُوا أَخِي فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، فَنَظَرْنَا إِلى جَانِبِ حَمْزَةَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ وَلَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، فَرَأَيْنَا غَضَاضَةً عَلَيْنَا أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنَ وَالأَنْصَارِيُّ لَيْسَ لَهُ كَفَنٌ، وَكَانَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ أَوْسَعُ مِنَ الآخَرِ، فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا وَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ أَقْبَلَتْ صَفِيَّةُ تَطْلُبُهُ لا تَدْرِي مَا صَنَعَ، فَلَقِيَتْ عَلِيًّا والزبير،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والخبر في مسند أحمد 1/ 165.
[2] هذا الخبر ساقط كله من أ.
[3] الخبر ساقط من أ.

(3/181)


فَقَالَ عَلِيٌّ لِلزُّبَيْرِ [1] : اذكر لأُمِّكَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: لا بَلِ اذكر أَنْتَ لِعَمَّتِكَ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ حَمْزَةُ؟ قَالَ: فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لا يَدْرِيَانِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا» فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا وَدَعَا لَهَا فَاسْتَرْجَعَتْ وَبَكَتْ، ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَلَيْهِ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: «لَوْلا جَزَعُ النِّسَاءِ لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ وَبُطُونِ السِّبَاعِ» قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى فَجَعَلَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَيَضَعُ تِسْعَةً وَحَمْزَةَ فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُرْفَعُونُ وَيَتْرُكُ حَمْزَةَ، ثُمَّ يُجَاءُ بِغَيْرِهِمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي جعفر، قال: كانت فَاطِمَةُ تَأْتِي قَبْرَ حَمْزَةَ فَتَرُمُّهُ وَتُصْلِحُهُ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ [3] بْنُ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي آَخَرِينَ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُخْلِصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيَ عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [4] : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ حِينَ اسْتُشْهِدَ فَنَظَرَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى شَيْءٍ قَطُّ كَانَ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ قَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ فَعُولا لِلْخَيْرَاتِ وَصُولا لِلرَّحِمِ، وَلَوْلا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ أَفْوَاهٍ شَتَّى، أَمَا وَاللَّهِ مَعَ ذَلِكَ لأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ، فَنَزَلَ جبريل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 7، 8.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 11.
[3] من هنا ساقط من الأصل، وسننبه عن نهاية السقط.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 7.

(3/182)


وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ يَعُدُّ خَوَاتِيمَ النَّحْلِ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به ... 16: 126 [1] إِلَى آخِرِ السُّوَرَةِ، فَصَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الحسين بْن الفهم، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، أَخْبَرَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَرْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُجْرِيَ عَيْنَهُ الَّتِي بِأُحُدٍ كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُجْرِيَهَا إِلا عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، فَكَتَبَ: انْبِشُوهُمْ، فَقَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ نِيَامٌ، وَأَصَابَتِ الْمِسْحَاةُ طَرَفَ رِجْلِ حَمْزَة، فَانْبَعَثَتْ دَمًا] [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي، قال: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبَغَوِيُّ [3] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ/ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُجْرِيَ عَيْنًا إِلَى أُحُدٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَامِلُهُ: إِنَّهَا لا تَجْرِي إِلا عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ أَنْفِذْهَا، قَالَ: فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهَ يَقُولُ: فَرَأَيْتُهُمْ يَخْرُجُونَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ كَأَنَّهُمْ رِجَالٌ نُوَّمٌ حَتَّى أَصَابَتِ الْمِسْحَاةُ قَدَمَ حَمْزَةَ فَانْبَعَثَ دَمًا
. 37- حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة:
وجروة هو الذي يقال له اليمان، لأنه حالف اليمانية، وحسيل أبو حذيفة، خرج هو وحذيفة يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزاة بدر فلقيهما المشركون فقالوا: إنكما تريدان مُحَمَّدًا، فقالا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا عليهما عهد الله وميثاقه أن لا يقاتلا مع محمد، فأتيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه [4] ، وقالا: إن شئت قاتلنا معك، فقال: بل نفي
__________
[1] سورة: النحل، الآية: 126.
[2] إلى هنا انتهى السقط من الأصل، والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 5.
[3] السند هكذا في أ: «أخبرنا عاليا يحيى بن علي الطراح، أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور، أَخْبَرَنَا أحْمَد بْن مُحَمَّد بن عمران، حَدَّثَنَا البغوي» .
[4] «فأخبراه» ساقط من أ.

(3/183)


بعهدهم ونستعين [1] الله عليهم، وشهدا غزاة أحد، فالتقت سيوف المسلمين على حسيل وهم لا يعرفونه، فجعل حذيفة يقول: أبي أبي، فلم يفهموا حتى قتل، فتصدق حذيفة بدمه على المسلمين
. 38- حنظلة بن [أبي] [2] عامر، واسمه عبد عمرو، وهو الراهب ابن صيفي بن النعمان بن مالك:
قال خزيمة بن ثابت: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه، كان يألف اليهود ويسألهم عن الدين فيخبرونه بصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن هذه دار هجرته، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى فأخبروه بصفته فرجع وهو يَقُولُ: أنا على دين الحنيفية، فأقام مترهبا ولبس المسوح، وزعم أنه على دين إبراهيم يتوكف خروج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حينئذ حسده وبغى ونافق، وقال: يا محمد أنت تخلط الحنيفية بغيرها، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتيت بها/ بيضاء نقية، أين ما كان يخبرك الأحبار من صفتي؟» قال:
لست بالذي وصفوا لي، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «كذبت» ، قال: ما كذبت، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكاذب أماته الله طريدا وحيدا» فقال: آمين.
ثم خرج إلى مكة فكان مع قريش يتبع دينهم، وترك الترهب، ثم حضر أحدا معهم كافرا ثم انصرف معهم كافرا، فلما كان يوم الفتح ورأى الإسلام قد ضرب بجرانه خرج هاربا إلى قيصر فمات هناك طريدا. فقضى قيصر بميراثه لكنانة بن عبد يا ليل، وقال: أنت وهو من أهل المدر، وكان ابنه حنظلة لما أسلم قال: يا رسول الله أقتل أبي؟
قال: لا.
وتزوج حنظلة جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، فأدخلت عليه في الليلة فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال إليها فأجنب وأراد الخروج، فأرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدت عليه أنه دخل بها، فقيل لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت:
رأيت كأن السماء قد فرجت له فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة وعلقت بعبد الله.
__________
[1] في الأصل: نعني ونعين والتصحيح من مسند أحمد 5/ 395.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/184)


وخرج حنظلة فقاتل واعترض أبا سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه، فوقع أبو سفيان وجعل يصيح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب، فعاد الأسود بن عبد يغوث فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، فمر عليه أبوه وهو إلى جانب حمزة وعبد الله بن جحش، فقال:
إن كنت لأحذرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع، والله إن كنت لبرا بالوالد، شريف الخلق، وإن مماتك لمع سراة أصحابك، فإن جزى الله هذا القتيل- يعني حمزة- أو أحدا من أصحاب محمد خيرا فجزاك الله خيرا. ثم نادى: يا معشر قريش، حنظلة لا بمثل به، وإن كان خالفني فإنه لم يأل بنفسه فيما يرى خيرا/ فقال أبو سفيان: حنظلة بحنظلة- يعني حنظلة بن أبي سفيان. وكان قتل يوم بدر.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن» ، فأرسل إلى امرأته فأخبرته أنه خرج وهو جنب، فولده يقال لهم بنو غسيل [الملائكة] [1]
. 39- خارجة بن زيد بن أبي زهير، يكنى أبا زيد [2] :
وله من الولد زيد، وهو الذي تكلم بعد موته في زمن عثمان، وحبيبة بنت خارجة، تزوجها أبو بكر الصديق وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين خارجة وأبي بكر وشهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ
. 40- خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد، يكنى أبا حذافة [3] :
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكان زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتوفي ودفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع إلى جانب قبر عثمان بن مظعون
. 41- خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب، أبو سعد بن خيثمة [4] :
كان أراد الخروج إلى بدر، فقال لابنه سعد: لا بد لي أو لك من أن يقيم أحدنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 78.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 285. وفي الأصل: يكنى أبا حذيفة.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 47.

(3/185)


في أهله ونسائه، فقال ابنه: يا أبه لو كان غير الجنة لآثرتك به، ولكن ساهمني، فأينا خرج سهمه خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر، وأقام الآخر. فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فاستشهد يومئذ، وكان أحد النقباء.
وأقام خيثمة فلما كان يوم أحد خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتل شهيدا
. 42- ذكوان بن قيس بن خلدة
[1] :
كان قد خرج إلى مكة هو وأسعد بن زرارة يتنافران فسمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما ورجعا إلى المدينة، وكان مهاجريا أنصاريا، وكذلك زياد بن لبيد جرى له مثل هذا.
وشهد ذكوان بدرا وأحدا وقتل يومئذ، قتله أبو/ الحكم بن الأخنس، فشد علي بن أبي طالب عَلَى أبي [الحكم بن] ( [2] الأخنس فقتله
. 43- رافع بن مالك بن العجلان أبو مالك [3] :
وقيل إنه هو ومعاذ بن عفراء أول من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من الأنصار، فأسلما وقدما بالإسلام المدينة، وشهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، ولم يشهد بدرا وشهد أحدا فقتل يومئذ
. 44- رافع بن يزيد بن كرز [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 45- رفاعة بن [عبد] [5] المنذر [6] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا وأحدا وقتل يومئذ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 127.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 149.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 18.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 28.

(3/186)


46- رفاعة بن عمرو بن زيد، أبو الوليد [1] :
شهد العقبة أيضا مع السبعين وبدرا واحدا، وقتل يومئذ
. 47- سهيل بن قيس بن أبي كعب بن القين [2] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ، وقبره معروف بأحد
. 48- سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير [3] :
شهد العقبة، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 49- سلمة بن ثابت بن وقش بن زغبة [4] :
أمه ليلى بنت اليمان أخت حذيفة، شهد بدرا وأحدا، وقتله يومئذ أبو سفيان
. 50- سليم بن الحارث بن ثعلبة [5] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 51- سليم بن عمرو بن حديدة [6] :
شهد العقبة مع السبعين، وشهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ
. 52- شماس بن عثمان بن الشريد [7] :
كان اسم شماس عثمان، فسمي شماسا لوضاءته، يقول: كأنه شمس، فغلب على اسمه، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية في بعض الأقوال.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيويه،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 92.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 119، وفي الأصل: «سهيل بن قيس» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 77.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 17.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 76.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 118.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 174، وهذه الترجمة ساقطة من أ.

(3/187)


قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ/ بْنِ يَرْبُوعَ، قَالا ( [1] :
شَهِدَ شَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا وَجَدْتُ لِشَمَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ شَبِيهًا إِلا الْجَنَّةَ» . مِمَّا يُقَاتِلُ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَرْمِي بِبَصَرِهِ يَمِينًا وَلا شِمَالا إِلا رَأَى شَمَّاسًا فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ حَتَّى غَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَسَ بِنَفْسِهِ دُونَهُ حَتَّى قُتِلَ. فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ رَمَقٌ، فَأُدْخِلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ابْنُ عَمِّي يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِي؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلُوهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ» فَحُمِلَ إِلَيْهَا فَمَاتَ عِنْدَهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يرد إِلَى أُحُدٍ فَيُدْفَنَ هُنَاكَ كَمَا هُوَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا. وَقَدْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَذُقْ شَيْئًا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُغَسِّلْهُ، وَكَانَ يَوْمَ قُتِلَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ. رَحِمَهُ اللَّهُ
. 53- عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية [2] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا وأحدا، واستعمله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ على الرماة، فلما انكشفوا يطلبون الغنيمة لم يبق معه إلا نحو من عشرة فرمى حتى نفذ نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر وقاتل حتى قتل، ومثلوا به أقبح المثل.
قال خوات بن جبير: أخذت بضبعيه وأخذ أبو حية برجليه وقد شددت جرحه بعمامتي، فبينا نَحْنُ نحمله والمشركون ناحية [إلى أن] [3] سقطت عمامتي من جرحه فخرجت حشوته، ففزع صاحبي وجعل يتلفت وراءه يظن أنه العدو، فضحكت في مكان ما ضحك فيه عدو. وكان الذي قتله عكرمة بن أبي جهل
. 54- عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة، ويكنى أبا محمد:
وأمه أميمة بنت عَبْد المطلب [بْن هاشم بْن عَبْد مناف] . أسلم قبل دخول رسول
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 170.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 42.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.

(3/188)


الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وبعثه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم إلى نخلة، وفيها تسمى بأمير المؤمنين، وهو أول من دعي/ بذلك، وأول لواء عقد في الإسلام لواؤه. وأول مغنم قسم في الإسلام ما جاء به.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا عفان [بْنُ مُسْلِمٍ] [1] ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالا:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَجُلا سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَقُولُ قَبْلَ أحد بيوم:
اللَّهمّ إنّا لاقو هَؤُلاءِ غَدًا فَإِنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ لَمَّا يَقْتُلُونِي وَيَبْقُرُونَ بَطْنِيَ وَيَجْدَعُونَ أَنْفِيَ، فَإِذَا قُلْتَ لِي: لِمَ فُعِلَ بِكَ هَذَا؟ فَأَقُولُ: اللَّهمّ فِيكَ.
فَلَمَّا الْتَقَوُا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ الّذي سمعه: أما هذا فقد اسْتُجِيبَ لَهُ وَأَعْطَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ فِي جَسَدِهِ فِي الدَّنْيَا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أُعْطَى مَا سَأَلَ فِي الآَخِرَةِ [2]
. 55- عبد الله بن عمرو بن حزام، أبو جابر [3] :
شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن أبي طاهر البزاز، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَوْنَنِي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَنْهَانِي، وَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو تبكي عليه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 63.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 105.

(3/189)


فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَكِّيهِ أَوْ لا تَبْكِيهِ» ، مَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» [1]
. 56- عبد الله بن سلمة بن مالك [بن الحارث] [2] :
شهد بدرا وأحدا، وقتله عبد الله بن الزبعري
. 57- عبيد بن التيهان أخو أبي الهيثم ربما سماه بعضهم عتيكا [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا/ وأحدا، وقتله يومئذ عكرمة بن أبي جهل
. 58- عامر بن مخلد بن الحارث [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 59- عمرو بن قيس بن زيد بن سواد [5] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 60- عمرو بن ثابت بن وقش بن زغبة:
أمه ليلى أخت حذيفة بن اليمان، عن له أن يسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فأسلم وأخذ سيفه ثم خرج حتى دخل في القوم فقاتل حتى أثبت فدنوا منه وهو في آخر رمق، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ قال: الإسلام، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك من أهل الجنة» . وكان أبو هريرة يقول: أخبروني برجل يدخل الجنة لم يصل للَّه تعالى سجدة قط، فسكتوا، فقال: عمرو بن ثابت
. 61- عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة، يكنى أبا السائب [6] :
كان قد حرم الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب شيئا يذهب عقلي ويضحك
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 105.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 37، وما بين المعقوفتين: من أ.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 23، وفي الأصل عبد الله بن التيهان.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 56.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 57، وفي الأصول «بن قيس بن زياد» .
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 286.

(3/190)


بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد.
وحضر عند رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزل عليه الوحي قبل أن يسلم، وأسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم.
وكان كثير التعبد، ولما هاجر إلى المدينة هاجر آل مظعون كلهم رجالهم ونساؤهم حتى غلقت دورهم.
وشهد عثمان بن مظعون بدرا وتوفي في شعبان من هذه السنة، وهو أول من دفن بالبقيع، والأنصار تقول: بل أسعد بن زرارة.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيّ المدبر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاهِبِ الْحَارِثُّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ [1] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ [2] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ بَكَى طَوِيلا، فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى السَّرِيرِ/ قَالَ: طُوبَى لَكَ يَا عُثْمَانُ لَمْ تَلْبَسْكَ الدُّنْيَا وَلَمْ تَلْبَسْهَا»
. 62- عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام:
كان له صنم اسمه مناف، فأخذوه فكسروه ثم ربطوه مع كلب في بئر، فأسلم وجعل يرتجز ويقول:
الحمد للَّه العلي ذي المنن ... الواهب الرازق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في القرن
والآن فتشناك عن شر الغبن
وكان عمرو أعرج فلم يشهد بدرا، فلما حضر أحدا أراد الخروج فمنعه بنوه،
__________
[1] في الأصل «بن عبيد بن عمير» .
[2] في أ: «يحيى بن سعيد القاسم» خطأ.

(3/191)


وقالوا: قد عذرك الله، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج، والله إني أرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال: «أما أنت فقد عذرك الله» وقال لبنيه: «لا عليكم أن تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة» ، فتركوه. قالت امرأته هند: كأني أنظر إليه موليا قد أخذ رقبته، وهو يقول: اللَّهمّ لا تردني إلى أهل حزبي وهي منازل بني سلمة.
فقتل هو وابنه خلاد جميعا، ودفن هو وعبد الله بن عمر وأبو جابر في قبر واحد
. 63- عمرو بن معاذ بن النعمان، أخو سعد [1] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة
. 64- قرمان بن الحارث بن بني عبس:
كان من المنافقين، فلما كانت غزاة أحد عيره نساء بني ظفر، وقلن: قد خرج الرجال وبقيت، استحي مما صنعت، ما أنت إلا امرأة، فخرج في الصف الأول، وكان أول من رمى بسهم، ثم استل السيف ففعل الأفاعيل، فلما انكشف المسلمون كسر جفن السيف وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما أصنع، وجعل يدخل وسط المشركين حتى يقال قد قتل، ثم يطلع وهو يقول: أنا الغلام الظفري حتى قتل سبعة، وكثرت/ جراحاته، فمر به قتادة بن النعمان، فقال: هنيئا لك الشهادة، فقال: أي والله ما قاتلت على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ لئلا تشير قريش إلينا حتى تطأ سعفنا، وآذته الجراحة فقتل نفسه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»
. 65- قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر:
شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 66- مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، أبو أبي سعيد الخدري:
شهد أحدا، فلما نزعت حلقتا المغفر من وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد جعل
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 13.

(3/192)


الدم يسرب، فجعل يأخذه بفيه ويزدرده، وقتل مالك يومئذ، قتله غراب بن سفيان الكناني، ولما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحد تلقاه أبو سعيد الخدري، فعزاه النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه
. 67- مالك بن نميلة [1] :
وهي أمه، وأبوه ثابت، وهو من مزينة، شهد بدرا وأحدا، وقتل يومئذ
. 68- مالك بن عمرو النجاري [2] :
توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إلى أحد، فصلى عليه، ثم ركب إلى أحد
. 69- مالك ونعمان ابنا خلف بن عوف [3] :
كانا طليعتين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فقتلا جميعا يومئذ ودفنا في قبر واحد
. 70- مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، ويكنى أبا محمد [4] :
تزوج حمنة بنت جحش فولدت له زينب. وكان شابا جميلا عطرا حسن الكسوة، وكانا أبواه ينعمانه، فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في دار الأرقم، فدخل فأسلم وكتم إسلامه من قومه وأمه، وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا، فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر أمه وقومه، فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين/، وأقبل يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة من نمرة قد وصلها بإهاب، فنكس أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رءوسهم رحمة له، وليس عندهم ما يغيرون عليه، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقال: «لقد رأيت هذا وما بمكة فتى [من قريش] [5] أنعم عند أبويه منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة [في الخير] [6] في حب الله ورسوله» .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 38.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 151.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 179.
[4] حدث خطأ في الترتيب هنا في أ، جاءت ترجمة وهب بن قابوس هنا وجاءت بعدها هذه الترجمة.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.

(3/193)


ثم هاجر إلى المدينة أول من هاجر، وذلك أن الأنصار كتبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ابعث لنا رجلا يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن، فبعث إليهم مصعب بن عمير، فنزل على أسعد بن زرارة وكان يأتي الأنصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام، وأظهر الإسلام فِي دور الأنصار، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يستأذن أن يجمع بهم في دار ابن خيثمة، وكانوا يومئذ اثني عشر رجلا، وهو أول من جمع في الإسلام يوم الجمعة.
وقد قيل: إن أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة.
ثم خرج مصعب بن عمير من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية، فقدم مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقرب منزله، فجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسراع الأنصار إلى الإسلام فسر بذلك.. وبعثت إليه أمه: يا عاق، أتقدم بلدا أنا به ولا تبدأ بي، فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أمه فأرادت حبسه [1] ، فقال: إن حبستني لأحرضن على قتل من يتعرض لي، فبكت وقالت: اذهب لشأنك، فقال: يا أماه، إني لك ناصح وعليك شفيق، فأسلمي، قالت: والثواقب لا أدخل في دينك.
وأقام مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، وقدم قبل رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة مهاجرا لهلال ربيع الأول قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنتي عشرة ليلة.
وكان لواء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعظم لواء المهاجرين يوم بدر معه ويوم أحد.
ولما جال/ المسلمون ثبت به وأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يَقُولُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... 3: 144 [2] .
فأخذ اللواء بيده اليسرى، وحنا عَلَيْهِ فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3: 144 الآية. ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط
__________
[1] في الأصل: «أن تحبسه» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 144.

(3/194)


اللواء، فابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط بن سعد، وأبو الروم بن عمير، فأخذه أبو الروم ولم يزل في يديه حتى دخل به المدينة.
قال محمد بن عمر [1] : قال إبراهيم بن محمد، عن أبيه: ما نزلت هذه الآية:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3: 144 [2] يومئذ حتى نزلت بعد ذلك.
ووقف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي مصعب بن عمير، فقرأ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ 33: 23 [3] .
وقتل وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد [4] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ [قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ] [5] ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ خرج رأسه، فقال لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِيمَا يَلِي رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فهو يهد بها.
71- النعمان بن مالك بن ثعلبة [6] :
قال مؤلف الكتاب: وثعلبة/ هو الذي يسمى قوقل، كان يقول للخائف [7] : قوقل حيث شئت فإنك آمن.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 85.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 144.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 23.
[4] الخبر في ابن سعد 3/ 1/ 85، والسند ساقط من أإلى ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 95.
[7] في أ: «كان يقول للقاتل» .

(3/195)


شهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ، قتله صفوان بن أمية
. 72- نوفل بن عبد الله بن نضلة [1] بن مالك بن العجلان:
شهد بدرا وأحدا وقتل يومئذ
. 73- وهب بن قابوس المزني [2] :
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أنبأنا البرمكي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن حيوية، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَقْبَلَ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بِغَنَمٍ لَهُمَا مِنْ جَبَلِ مُزَيْنَةَ، فَوَجَدَا الْمَدِينَةَ خَالِيَةً، فَسَأَلا: أَيْنَ النَّاسُ؟ فَقَالُوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالا: لا نَسْأَلُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، فَأَسْلَمَا، ثُمَّ خَرَجَا فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، فَإِذَا الدُّولَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَغَارَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّهْبِ، وَقَاتَلا أَشَدَّ الْقِتَالِ. وَكَاَنَتْ قَدِ افْتَرَقَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِهَذِهِ الْفِرْقَةِ؟» فَقَالَ وَهْبٌ: أنا، فَرَمَاهُمْ بِالنِّبْلِ حَتَّى انْصَرَفُوا، ثُمَّ رَجَعَ فَانْفَرَقَتْ أُخْرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِهَذِهِ؟» فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: أنا، [فَذَبَّهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى وَلَّوْا وَرَجَعَ الْمُزَنِيُّ، ثُمَّ طَلَعَتْ كَتِيبَةٌ أُخْرَى، فَقَالَ: «مَنْ يَقُومُ لَهَا؟» ، فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: أنا] [3] ، فَقَالَ: «قُمْ وَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ» ، فَقَامَ الْمُزَنِيُّ مَسْرُورًا يَقُولُ:
وَاللَّهِ لا أَقِيلُ وَلا أَسْتَقِيلُ، فَجَعَلَ يَدْخُلُ فِيهِمْ فَيَضْرِبُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَقْصَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُ وَمَثَّلُوا بِهِ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ فَقَاتَلَ نَحْوَ قِتَالِهِ حَتَّى قُتِلَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلْيَهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا مَقْتُولانِ فَقَالَ: «رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ فَإِنِّي عَنْكَ رَاضٍ» . ثُمَّ قَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَقَدْ نَالَ مَا نَالَ مِنَ الْجِرَاحِ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى وُضِعَ الْمُزَنِيُّ فِي لَحْدِهِ. وَكَانَ عُمَرُ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولانِ: مَا حَاٌل نَمُوتُ عَلَيْهَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَالِ الْمُزَنِيِّ.
__________
[1] في الأصول: «بن ثعلبة» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 181.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/196)


ثم دخلت سنة أربع من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
سرية أبي سلمة بن عبد الأسد [1]
إلى قطن [2]- وهو جبل- في هلال المحرم، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسلم أن طليحة [3] ، وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا أبا سلمة، وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا، وقال: سر حتى تنزل أرض بني أسد، فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك خيولهم [4] ، فخرج فأغذ السير عن سنن الطريق وانتهى إلى أدنى قطن، فأغار على سرح لهم، وأخذوا رعاء ثلاثة، وأفلت سائرهم، فجاءوا فحذروا أصحابهم، فتفرقوا في كل ناحية، ففرق أبو سلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء، فآبوا سالمين قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا، فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة
. ثم كانت:
سرية عبد الله بن أنيس [5]
في يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم إلى سفيان بن خالد [بن نبيح الهذلي
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 340، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 35، ودلائل النبوة 3/ 319.
[2] وهو جبل بناحية فيد به ماء لبني أسد بن خزيمة.
[3] في الأصل: طلحة.
[4] في ابن سعد: «عليك جمعوعهم» .
[5] المغازي للواقدي 301 وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 35.

(3/197)


بعرنة، وذلك أنه بلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ سفيان بن خالد] [1] قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث عَبْد اللَّه بن أنيس ليقتله، فقال: صفه لي يا رسول الله، فقال: «إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان» ، قال: وكنت لا أهاب الرجال، واستأذنت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أقول فأذن لي، فأخذت سيفي وخرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش، فعرفته بنعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال:
أجل إني لأجمع له، فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي حتى انتهى إلى خبائه، وتفرق عنه أصحابه حتى إذا نام الناس اغتررته فقتلته وأخذت/ رأسه، ثم دخلت غارا في الجبل فضربت العنكبوت [علي] [2] ، وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فرجعوا، ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما رآني قال: «أفلح الوجه» ، قلت: أفلح وجهك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع إلي عصا، وقال «تخصر بهذه في الجنة» ، فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى إلى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا. وكانت غيبته ثماني عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم.
قال مؤلف الكتاب وقد ذكر محمد بن حبيب أن هذا كان في سنة خمس
. ثم كانت:
سرية المنذر بن عمرو الساعدي [3] إلى بئر معونة
في صفر، وذلك أنه لما قدم عامر بن مالك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم، وقال: لو بعثت معي رجالا من أصحابك [4]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] الزيادة من الطبقات.
[3] المغازي للواقدي 1/ 346، تاريخ الطبري 2/ 545، وسيرة ابن هشام 2/ 183، والكامل 2/ 63، والاكتفاء 2/ 142، والبداية والنهاية 4/ 71، دلائل النبوة 3/ 338، والنويري 17/ 130، وعيون الأثر 2/ 61، وابن حزم 178 والطبقات 2/ 1/ 39.
[4] في ابن سعد: «نفرا من أصحابك» .

(3/198)


لرجوت أن يجيب قومي دعوتك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال: أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد، فبعث معه صلّى الله عليه وسلّم سبعين رجلا من الأنصار شببة يسمون القراء، وأمر عليهم المنذر، فلما نزلوا ببئر معونة- وهو ماء من مياه بني سليم- نزلوا بها وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عامر بن الطفيل، فوثب على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا، وقالوا: لا يخفر جوار أبي براء فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعلا وذكوان، فنفروا معه، واستبطأ المسلمون حراما، فأقبلوا في إثره فلقيهم القوم، فأحاطوا بهم فكاثروهم، فلما أحيط بهم، خبرنا [فأخبره قالوا: اللَّهمّ إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك، فأقرئه منا السلام، وأخبره جبريل عليه السلام] [1] ، فقال: «وعليهم السلام» وكان معهم عمرو بن أمية/ الضمريّ، فقال عامر ابن الطفيل قد كان على أمي نسمة فأنت حر عَنْهَا ثم جز ناصيته.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ حَرَامًا خَالَهُ [2] أَخَا أُمِّ أَنَسٍ، وَهِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ [3] فِي سَبْعِينَ رَجُلا فَقُتِلُوا يَوْم بِئْرِ مَعْونَةَ، وَكَانَ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَكَانَ هُوَ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اخْتَرْ مِنِّي ثَلاثَ خِصَالٍ يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ [4] ، وَيَكُونُ لِي أَهْلُ الْوَبَرِ [5] ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَةً مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِغَطَفَانَ أَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ، قَالَ: فَطُعِنَ [6] فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلانٍ، فَقَالَ [غدة كغدة البعير [7] في بيت
__________
[1] ما بين المعقوفتين من الطبقات.
[2] أي بعث خال أنس، وهو حرام بن ملحان، شهد بدرا مع أخيه سليم بن ملحان، وشهد أحدا.
[3] اختلف في اسم أم سليم، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: ملكية.
[4] أهل السهل: أهل البوادي.
[5] في البخاري والدلائل: «أهل المدر» ، وهم أهل البلاد.
[6] أي أصابه الطاعون.
[7] في البخاري والدلائل: «غدة كغدة البكر» ، وفي أثر عن عائشة أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 6/ 145، أنها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الطعن قد عرفناه، فما الطاعون: قال: غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط» .

(3/199)


امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلانٍ] [1] ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَأُتِيَ بِهِ فَرَكِبَهُ فَمَاتَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ [أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ] [2] وَرَجُلانِ مَعَهُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ [3] ، وَرَجُلٌ أَعْرَجُ [4] ، فَقَالَ:
كُونُوا قَرِيبًا مِنِّي حَتَّى آتِيهِمْ، فَإِنْ أَمِنُونِي وَإِلا كُنْتُمْ قَرِيبًا فَإِنْ قَتَلُونِي أَعْلَمْتُمْ أَصْحَابِي بِكُمْ قال: فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: نَعَمْ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ، فَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ خَلْفِهِ، فَطَعَنَهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَزْتُ وَرَبُّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: ثُمَّ قَتَلُوهُمْ كُلَّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، قَالَ أَنَسٌ: وَأُنْزِلَ عَلَيْنَا وَكَانَ مِمَّا يُقْرَأُ فَنُسِخَ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [5] .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
. ثم كانت:
سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع في صفر [6]
روى ابن إسحاق عن أشياخه [7] : أن قوما من المشركين [8] قدموا على رسول
__________
[1] وقيل: امرأة من آل سلول، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[3] اسم الرجل: المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي.
[4] والأعرج، هو: كعب بن زيد من بني دينار بن النجار، وقال الذهبي: بدري قائل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
[5] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل 3/ 210، وأعاده في 3/ 289 مع اختلاف يسير في اللفظ، والبخاري في 64، كتاب المغازي (28) باب غزوة الرجيع، حديث (4091، وفتح الباري 3/ 210 7/ 385- 386) .
[6] المغازي للواقدي 1/ 354، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 29، وتاريخ الطبري 2/ 238، وسيرة ابن هشام 2/ 169، والكامل 2/ 59، والاكتفاء 2/ 134، والبداية والنهاية 4/ 62، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 323، وصحيح البخاري 4/ 67، وابن حزم 176، وعيون الأثر 2/ 56، والنويري 17/ 133، والأغاني 4/ 225.
[7] ابن سعد 2/ 1/ 29، وتاريخ الطبري 2/ 538، وابن هشام 2/ 169.
[8] في الطبري، وابن هشام، وباقي المراجع أنهم عضل والقارة.

(3/200)


اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا/ ويقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عشرة [1] ، منهم: عاصم بن ثابت، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد اللَّه بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد.
وفيمن أمره عليهم، قولان: أحدهما: مرثد، والآخر عاصم.
فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء لهذيل، غدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلا، فخرجوا بني لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف، فأخذ أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السيوف بأيديهم، فقالوا للمشركين: إنا والله ما نريد إلا أن نصيب بكم ثمنا من أهل مكة، ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم.
فأما عاصم، ومرثد، وخالد، ومعتب فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا، فقاتلوهم حتى قتلوا.
وأما زيد، وخبيب، وابن طارق فاستأسروا [وأعطوا بأيديهم] وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد- وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر- لأنه قتل ابنيها يوم أحد فحمته الدبر [2] ، فلم يقدروا عليه، فقال: أمهلوه حتى يمسي فتذهب عنه، فبعث الله الوادي فاحتملته وخرجوا بالنفر الثلاثة، حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده منهم، وأخذ سيفه، واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بمر الظهران، وقدموا بخبيب وزيد إلى مكة فابتاع حجير بن أبي أهاب خبيبا لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله بابنه وابتاع صفوان بن أمية زيدا ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما.
وقال قائل لزيد عند قتله: أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمدا [عندنا] مكانك، فقال: والله ما أحب أن محمدا يشاك في مكانه بشوكة وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت من قوم قط أشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد [له] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ، قَالَ: / أَخْبَرَنَا ابْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قال: أخبرنا
__________
[1] في الطبري، وابن هشام: «ستة» ، والأصح كما ورد هنا.
[2] الدبر: الزنابير والنحل.

(3/201)


مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أُسَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَّةِ بَيْنَ عَسَفَانَ وَمَكَّةَ، ذَكَرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ، فَقَالُوا: تَمْرُ يَثْرِبَ فَاتَّبِعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عاصم وأصحابه، لجئوا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيَثاقُ أَنْ لا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَمَّا أَنَا فَلا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهمّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَمُوهُمْ بِالنِّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ، وَزَيْدُ بْنُ الدُّثُنَّةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لي بهؤلاء أسوة يريد الْقَتْلَى، فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَقَتَلُوهُ.
وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ بن نوفل خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها للقتل فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرِفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَتْ:
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسَيِرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قَطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَأَنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، فَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا/ خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْجَبَلِ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ فصلى رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ. لَزِدْتُ، اللَّهمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَقَالَ:
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ فِي أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

(3/202)


ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوعَةِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الَّذِي سَنَّ لِكُلُّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاةَ [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو سِرْوعَةَ، وَرَوَى الْحَدِيثَ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثَلاثَةَ أَحَادِيثَ
. ثم كانت:
غزاة بني النضير في ربيع الأول [2]
وكانت منازلهم بناحية الغرس وما والاها، وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم السبت، فصلى في مسجد قباء، ومعه نفر من أصحابه، ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية رجلين، كان قد أمنهما، فقتلهما عمرو بن أمية وهو لا يعلم، فقالوا:
نفعل، وهموا بالغدر بِهِ، فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فنهض سريعا فتوجه إلى المدينة فلحقه أصحابه فقالوا: أقمت ولم نشعر؟ فقال: «همت يهود بالغدر فأخبرني الله عز وجل بذلك فقمت» ، وبعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي ولا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به، وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا أياما يتجهزون، وتكاروا من ناس إبلا فأرسل إليهم ابن أبي لا تخرجوا وأقيموا فإن معي ألفين وغيرهم يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع/ حيي فيما قال ابن أبي، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج، فاصنع ما بدا لك،
__________
[1] أخرجه البخاري في صحيحه 64- كتاب المغازي، باب (10) ، حديث رقم 3989، وأبو داود في الجهاد، باب في الرجل يستأسر.
[2] المغازي للواقدي 1/ 363، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 40، وطبقات ابن هشام 2/ 190، وتاريخ الطبري 2/ 550، والكامل 2/ 64، والاكتفاء 2/ 146، وصحيح البخاري 5/ 88، وفتح الباري 7/ 329، وأنساب الأشراف 1/ 163، وابن حزم 181، وعيون الأثر 2/ 61، والدرر لابن عبد البر 164، والبداية والنهاية 4/ 74، والنويري 17/ 137، والسيرة الحلبية 2/ 344، والسيرة الشامية 4/ 9، ودلائل النبوة للبيهقي 3/ 176، 354.

(3/203)


فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: «حاربتنا اليهود» ، فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فِي أصحابه، فصلى العصر بفناء بني النضير، وعلي رضي الله عنه يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي حصونهم معهم النبل والحجارة، واعتزلهم قريظة، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، فقالوا: نحن نخرج عن بلادكم، فأجلاهم عن المدينة، وولى إخراجهم محمد بن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اخرجوا ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل إلا الحلقة» فقبض رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ الأموال والحلقة، فوجد من الحلقة خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا، وكان بنو النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له حبسا لنوائبه، ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناسا منها.
وفي هذه السنة: ولد الحسين بن علي، لثلاث ليال خلون من شعبان.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن المظفر، قال: حدثنا أحمد بن علي بن شعيب المدائني، قال:
أخبرنا أبو بكر البرقي، قال:
ولد الحسين بن علي رضي الله عنهما في ليال خلون من شعبان من سنة أربع من الهجرة
. ثم كانت غزاة بدر الموعد لهلال ذي القعدة [1]
وذلك أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد: نادى الموعد بينا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: «قل نعم إن شاء الله» . فافترق الناس على ذلك، وتهيأت قريش للخروج، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 384، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 42، وتاريخ الطبري 2/ 559، وسيرة ابن هشام 2/ 209، والكامل 2/ 68، والاكتفاء 2/ 155، والبداية والنهاية 4/ 87، وأنساب الأشراف 1/ 163، وابن حزم 184، وعيون الأثر 2/ 74، والسيرة الحلبية 2/ 360، والسيرة الشامية 4/ 478، ودلائل النبوة 3/ 384.

(3/204)


الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة، فقال له أبو/ سفيان: إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر، وقد جاء ذلك الوقت، وهذا عام جدب، وإنما يصلحنا عام خصب، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجترئ علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو عَلَى أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد، قال:
نعم. ففعلوا وحملوه على بعير، فأسرع السير، وقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد» .
واستخلف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة عبد الله بن رواحة، وحمل لواءه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسار معه ألف وخمسمائة، والخيل عشرة أفراس، وخرجوا ببضائع لهم وتجارات، وكانت بدر الصغرى [1] مجتمعا يجتمع فيه العرب وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه، ثم يتفرق الناس إلى بلادهم، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقامت السوق صبيحة الهلال، فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا تجاراتهم وربحوا للدرهم درهما، وانصرفوا وقد سمع الناس بمسيرهم، وخرج أبو سفيان من مكة في قريش وهم ألفان ومعه خمسون فرسا، حتى انتهوا إلى مجنة- وهي وراء الظهران- ثم قال: ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب نرعى فِيهِ الشجر ونشرب فيه اللبن، وهذا عام جدب، فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق، يقولون: خرجوا يشربون السويق، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد نهيتك أن تعد القوم، وقد اجترأوا علينا ورأونا قد أخلفناهم، ثم أخذوا في الكيد والتهيؤ لغزاة الخندق.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا حجاج بن محمد، عن ابن/ جريح، عن مجاهد: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً 3: 173 [2] . قال: هذا أبو سفيان قال يوم أحد: يا محمد موعدكم بدر
__________
[1] في طبقات ابن سعد: «وكانت بدر الصفراء» .
[2] سورة: آل عمران، الآية: 173.

(3/205)


حيث قتلتم أصحابنا، فقال محمد صلى الله عليه وسلم عسى! فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزلوا بدرا، فوافقوا السوق فذلك قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ 3: 174 [1] والفضل ما أصابوا من التجارة، وهي غزاة بدر الصغرى.
وفي هذه السنة: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود، وَقَالَ:
«إِنِّي لا آمَنُهُمْ أَنْ يُبَدِّلُوا كِتَابِي» ، فتعلمه في خمس عشرة ليلة [2] .
وفيها: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية في ذي القعدة، ونزل قوله تعالى:
وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 5: 47 [3]
. وفيها: ذكر ما فعل ابن أبيرق
وذلك أن طعمة بن أبيرق سرق درعا لعبادة بن النعمان، وكان الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق يتنثر من خرق في الجراب، ثم خبأها عند رجل من اليهود، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف ما لي بها علم، فنظروا في أثر الدقيق، فانتهوا إلى منزل اليهودي، فقالوا له، فقال: دفعها إلي طعمة، فقال قوم طعمة: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجادل عن صاحبنا، فهم أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فنزل قوله: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً 4: 105 [4]
. [زواجه صلى الله عليه وسلم أم سلمة]
وفي هذه السنة: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة في شوال.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن محمد القاضي، ويحيى بن علي
__________
[1] سورة: آل عمران، الآية: 174.
[2] تاريخ الطبري 2/ 516.
[3] سورة: المائدة، الآية: 47.
[4] سورة: النساء، الآية: 105.

(3/206)


الْمُدَبِّرُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اْبُن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ جَاءَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ حَدِيثًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا لا أَدْرِي مَا عِدْلٌ به، سمعت رسول الله يَقُولُ: لا يُصِيبُ أَحَدًا مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ ذلك ويقول: اللَّهمّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي، اللَّهمّ اخْلُفْنِي فِيهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا أُصِبْتُ بِأَبِي سَلَمَةَ، قُلْتُ اللَّهمّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي هَذِهِ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَقُولَ اللَّهمّ اخْلُفْنِي فِيهَا خَيْرًا مِنْهَا ثُمَّ قَالَتْ:
مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، ثُمَّ قَالَتْ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُهَا فَأَبَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهَا عُمَرُ يَخْطُبُهَا، فَأَبَتْ، ثُمَّ أَرْسَلَ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فقالت:
مرحبا برسول الله، إِنَّ فِيَّ خِلالا ثَلاثًا، أَنَا امْرَأَةٌ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ لَيْسَ لي ها هنا أحد من أولياي يُزَوِّجُنِي، فَغَضِبَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ لِنَفْسِهِ حِينَ رَدَّتْهُ، فَأَتَاهَا عُمَرُ فَقَالَ: أَنْتِ الَّتِي تَرُدِّينَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَرُدِّينَهُ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فِيَّ كَذَا وَكَذَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ غَيْرَتِكِ، فَأَنَا أَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُذْهِبُهَا عَنْكِ، وأما ما ذكرت من صِبْيَتَكِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيَكْفِيكِهِمْ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ فَلَيْسَ مَنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلا غَائِبٌ يَكْرَهُنِي، وَقَالَ: لابْنِهَا زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوَّجَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَمَا أَنِّي لا أَنْقُصُكَ مِمَّا أَعْطَيْتَ فُلانَةً، قَالَ ثَابِتٌ: قُلْتُ لابْنِ أُمِّ سَلَمَةَ: مَا أَعْطَى فُلانَةً، قَالَ:
أَعْطَاهَا جَرَّتَيْنِ تَضَعُ فِيهِمَا حَاجَتَهَا، وَرَحَاءَ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أُدْمٌ حَشْوُهَا لِيفٌ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَتْهُ وَضَعَتْ زَيْنَبُ أَصْغَرَ وَلَدِهَا فِي حِجْرِهَا، فَلَمَّا رَآهَا انْصَرَفَ، وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ مُسْرِعًا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَزَعَهَا مِنْ حِجْرِهَا، وَقَالَ: هَاتِي هَذِهِ الْمَشُومَةَ الَّتِي قَدْ مَنَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ، فَجَاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لَمْ يَرَهَا فِي حِجْرِهَا قَالَ/ أَيْنَ زَنَابُ؟ قَالَتْ: أَخَذَهَا عَمَّارٌ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِهِ، قَالَ: وَكَانَتْ فِي النِّسَاءِ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِنَّ لا تَجِدُ مَا تَجِدْنَ مِنَ الْغَيْرَةِ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهَا إِلَى بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَدَخَلَتْ فَرَأَتْ جَرَّةً فِيهَا شَعِيرٌ، وَرَحَاءُ، وَبُرْمَةٌ، فَطَحَنَتْهُ ثُمَّ عَقَدَتْهُ فِي الْبُرْمَةِ، وَأَدْمَتْهُ بِإِهَالَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَهْلِهِ لَيْلَةَ عُرْسِهِ،

(3/207)


فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدُورَ، فَأَخَذَتْ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتِ أَنْ أَزِيدَكِ ثُمَّ قَاصَصْتُكِ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةِ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِعَائِشَةَ مِنِّي شُعْبَةٌ مَا نَزَلَهَا [مِنِّي] [1] أَحَدٌ» ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ سُئِلَ، فَقِيلَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الشُّعْبَةُ؟ فَسَكَتَ، فَعُرِفَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدْ نَزَلَتْ عِنْدَهُ [2] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ حَزِنْتُ حُزْنًا شَدِيدًا لَمَّا ذكر النَّاسُ جَمَالَهَا، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا فَرَأَيْتُهَا وَاللَّهِ أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، وَكَانَتَا يَدًا وَاحِدَةً، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِنْ هَذِهِ إِلا الْغَيْرَةَ، مَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ، فَتَلَطَّفَتْ لَهَا حَفْصَةُ حَتَّى رَأَتْهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ وَلا قَرِيبٌ، وَإِنَّهَا لَجَمِيلَةٌ، قَالَتْ: فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ، وَلَكِنْ كُنْتُ غَيْرَى [3]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
74- الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك، أبو سعد [4] :
خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فلما كان بالروحاء كسر فرده النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها. وشهد أحدا فثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وقتل يوم بئر معونة شهيدا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد 8/ 66.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 66.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 66.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 67.

(3/208)


75- حرام بن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد [1] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا
. 76- الحكم بن كيسان، مولى لبني مخزوم [2] :
وكان في عير قريش التي أصابها عبد الله بن جحش بنخلة، فأسره المقداد، وأراد عبد الله بْن جحش ضرب عنقه، فقال له المقداد: دعه حتى نقدم بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما قدموا به جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه إلى الإسلام وأطال دعاءه، فقال عمر:
علام تكلم هذا يا رسول اللَّه؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد، دعني أضرب عنقه [3] ، ويقدم إلى أمه الهاوية، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتفت إلى عمر وأسلم الحكم، وجاهد وقتل ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه
. 77- خبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن حججبا:
شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فيمن بعثه مع بني لحيان فأسروه هو وزيد بن الدثنة، فنال من قريش فحبسوه عند رجل يقال له موهب، فقال: يا موهب، أطلب إليك ثلاثا: أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب [4] ، وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي. ثم أخرجوه ليقتلوه، فصلى ركعتين عند القتل ودعا عليهم، فقال: اللَّهمّ احصهم عددا واقتلهم بددا» .
قال معاوية بن أبي سفيان: فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض فرقا/ من دعوة خبيب. وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زالت عنه الدعوة.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا كيفية قتل خبيب في الحوادث.
أخبرنا ابن الحصين [5] ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا ابن جعفر،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 71.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 101.
[3] في الأصل: «دعني أقدم عنقه» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] في أ: «أن لا تخصني ما ذبح على النصب» .
[5] هذا الخبر ساقط كله من أ.

(3/209)


قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ] [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَحْدَهُ عَيْنًا إِلَى قُرَيْشٍ. قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى خَشَبَةِ خُبَيْبٍ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ مِنَ [2] الْعُيُونِ فَرَقَيْتُ فِيهَا فَحَلَلْتُ خُبَيْبًا فَوَقَعَ إِلَى الأَرْضِ، فَانْتَبَذْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ الْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ خُبَيْبًا وَلَكَأَنَّمَا ابْتَلَعَتْهُ الأَرْضَ، فَلَمْ يُرَ لِخُبَيْبٍ أَثَرٌ حَتَّى السَّاعَةِ [3]
. 78-[خالد بن أبي البكير [4] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم الرجيع في صفر هذه السنة، وكان له يوم قتل أربع وثلاثون
. 79- زينب بنت خزيمة [5] :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثلاث، وتوفيت آخر ربيع الآخر من هذه السنة، وكان لها من العمر نحوا من ثلاثين سنة
. 80- سليم بن ملحان [6] :
شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة
. 81- عبد الله [بن عثمان] بن عفان من رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
ولد في الإسلام فاكتنى به عثمان، فبلغ ست سنين، فنقره ديك في عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرته عثمان.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] «من» ساقطة من المسند.
[3] الخبر في المسند 4/ 139.
[4] من هنا حتى ترجمة عاصم بن ثابت بن قيس ساقط من الأصل. وراجع طبقات ابن سعد 3/ 1/ 283.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 82.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 72.

(3/210)


82- عَبْد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سلمة [1] :
وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان له من الولد سلمة، وعمر، وزينب، ودرة. وأمهم أم سلمة.
أسلم أبو سلمة قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة، وقدم إلى المدينة [مهاجرا] [2] قبل جميع من هاجر.
وشهد بدرا وأحدا، وجرحه أبو أسامة الجشمي في عضده، فمكث شهرا يداويه فبرأ واندمل على فساد، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ثم عاد فانتقض الجرح فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة وأغمضه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
. 83- عَبْد الله بن طارق بن عمرو:
شهد بدرا وكان فيمن خرج في غزاة الرجيع، وقد ذكرنا كيف قتل بمر الظهران
. 84- عامر بن فهيرة مولى أَبِي بَكْر الصديق رضي اللَّه عَنْهُ، يكنى أبا عمرو [3] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة [وهو ابن أربعين سنة] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ أَخِي عَائِشَةَ لأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، فَأَسْلَمَ عَامِرٌ فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهُ، وَكَانَ يَرْعَى مَنِيحَةً مِنْ غَنَمٍ لَهُ [4] .
قال محمد بن سعد [5] : أسلم عامر بن فهيرة قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 170.
[2] ما بين المعقوفتين: من على هامش أ.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.

(3/211)


وقال عروة بن الزبير [1] : كان عامر بن فهيرة من المستضعفين من المؤمنين، وكان ممن يعذب بمكة ليرجع عن دينه.
قال محمد بن عمر، عمن سمى من رجاله [2] : إن جبار بن سلمى الكلبي طعن عامر بن فهيرة يوم بئر معونة فأنفذه، فقال عامر: فزت ورب الكعبة. قال: وذهب بعامر علوا في السماء حتى ما أراه، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين» وسأل جبار بن سلمى لما رَأَى من أمر عامر: ما قوله فزت والله؟ قالوا: الجنة.
وأسلم جبار لما رأى من أمر عامر، وحسن إسلامه.
قال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء، عن الطفيل، قال: كان يقول من رجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه، قالوا: هو عامر بن فهيرة] [3]
. 85- عاصم بن ثابت بن قيس، يكنى أبا سليمان [4] :
شهد بدرا وأحدا وثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ حين ولى الناس، وبايعه على الموت، وكان من الرماة المذكورين، وقتل يوم أحد من أصحاب ألوية المشركين:
مسافعا، والحارث. فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف [رأس] [5] عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة، فقدم ناس من بني هذيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم، فوجه عاصما في جماعة، فقال لهم المشركون: استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمنا، فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك، فجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقال: اللَّهمّ إني حميت دينك أول النهار فاحم لي لحمي آخره، فجرح رجلين وقتل واحدا، فقتلوه وأرادوا أن يحتزوا رأسه، فبعث الله الدبر فحمته، ثم بعث الله سيلا في الليل فحمله، وذلك يوم الرجيع.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 164.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 165.
[3] إلى هنا انتهى السقوط من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 33.
[5] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.

(3/212)


86- فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أم علي بن [1] أبي طالب رضي الله عنه:
أسلمت وكانت صالحة، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها.
توفيت هذه السنة، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه.
قال علي بن أبي طالب: قلت لأمي فاطمة بنت أسد: اكفي فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك خدمة الداخل، الطحن والعجين
. 87- مرثد بن أبي مرثد الغنوي [2] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم الرجيع- وكان أمير هذه السرية- وذلك في صفر من هذه السنة
. 88- معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة [3] :
شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا، رضي الله عنه
. 89- معتب بن عبيد بن إياس [4] :
وقيل: معتب بن عبدة، شهد بدرا وأحدا وقتل يوم الرجيع بمر الظهران
. 90- المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، ويكنى أبا عبده [5] :
شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا
. 91- المنذر بن عمرو بن خنيس [بن لوذان] [6] :
شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، شهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 161.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 32.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 129.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 28.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 41.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 100، وما بين المعقوفتين من أ.

(3/213)


ثم دخلت سنة خمس من الهجرة
فمن الحوادث فيها: غزاة ذات الرقاع [1]
وكانت في المحرم [2] ، وإنما سميت ذات الرقاع، لأنها كانت عند جبل فيه سواد وبياض وحمرة، فسميت بذلك [3] .
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 395، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 43، وسيرة ابن هشام 2/ 203، وتاريخ الطبري 2/ 55، والاكتفاء 2/ 152، والكامل 2/ 66، ودلائل النبوة 3/ 369، وأنساب الأشراف 1/ 163، وصحح مسلم بشرح النووي 12/ 17، وصحيح البخاري 5/ 113، وابن حزم 182، وعيون الأثر 2/ 72، والبداية والنهاية 4/ 83، والنويري 17/ 158، والسيرة الحلبية 2/ 353.
[2] قال ابن إسحاق إنها بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى، وجزم أبو معشر أنها بعد بني قريظة.
[3] قال ابن هشام: «إنها قيل لها غزوة ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع: شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع» .
وقال أبو ذر: «إنما قيل لها ذات الرقاع لأنهم نزلوا بجبل يقال له ذات الرقاع، وقيل أيضا: إنما قيل لها ذلك لأن الحجارة أوهنت أقدامهم، فشدوا رقاعا، فقيل لها ذات الرقاع» .
وقال السهيليّ بعد عرض رأي ابن هشام: «وذكر غيره أنها أرض بها بقع سود وبقع بيض، كلها مرقعة برقاع مختلفة قد سميت ذات الرقاع لذلك، وكانوا قد نزلوا فيها في تلك الغزاة.
وأصح هذه الأقوال كلها ما رواه البخاري من طريق أبي موسى الأشعري، قال: خرجنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزاة، ونحن ستة بيننا بعير نتعقبه، فنقب أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الحرق، فسميت الرقاع، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا.
قال الزرقاني في شرح المواهب: «وهي غزوة محارب، وغزوة بني ثعلبة، وغزوة بني أنمار، وغزوة صلاة الخوف لوقوعها بها، وغزوة الأعاجيب لما وقع فيها من الأمور العجيبة» .

(3/214)


وكان سببها، أن قادما قدم المدينة بجلب له، فأخبر أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان أنمارا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، وخرج ليلة السبت لعشر خلون/ من المحرم في أربعمائة، وقيل: في سبعمائة، فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع- وهو جبل- فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة، فهربت الأعراب إلى رءوس الجبال، فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، وكان أول ما صلاها.
وانصرف راجعا إلى المدينة، فابتاع من جابر بن عبد الله جمله وناقته، وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه فأخبره، فقال: إذا قدمت المدينة فأردت أن تجذ نخلك فأذني، واستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جابر في تلك الليلة خمسا وعشرين مرة، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وبعث جعال بن سراقة بشيرا إلى المدينة بالسلامة.
ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة دومة الجندل ( [1]
في ربيع الأول، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بلغه أن بدومة الجندل جمعا كثيرا، وأنّهم يظلمون من مر بهم، وكان بين دومة الجندل وبين المدينة مسيرة خمس عشرة ليلة، أو ست عشرة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، واستخلف ابن عرفطة، وخرج لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين، وكان يسير الليل ويكمن النهار، ودليله يقال له مذكور، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم وأصاب من أصاب وهرب من هرب، وتفرق أهل دومة الجندل، ولم يجد بساحتهم أحدا، وأخذ منهم رجلا فسأله عنهم، فقال: هربوا حين سمعوا أنك أخذت نعمهم، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر ليال بقين من ربيع الآخر، ولم يلق كيدا.
__________
[1] المغازي للواقدي 1/ 402، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 44، وسيرة ابن هشام 2/ 213، وتاريخ الطبري 2/ 564، والبداية والنهاية 4/ 92، دلائل النبوة 3/ 389، وأنساب الأشراف 1/ 164، وابن حزم 184، وعيون الأثر 2/ 75، والنويري 17/ 162، والسيرة الحلبية 2/ 362، والسيرة الشامية 4/ 484.

(3/215)


وفي هذه السنة: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن، وذلك أن بلاد عيينة أجدبت فوادع رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي أن يرعى في أماكن معلومة.
وفي جمادى/ الأخرة من هذه السنة: بعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى مشركي قريش بمال، وكان قد بلغه أن سنة شديدة قد أصابتهم.
[وفد سعد بن بكر]
[1] وفي هذه السنة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد سعد بن بكر.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ [2] بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ [3] ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمَّا عَرَفَهُ، قَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغْلِظٌ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ. قَالَ: «لا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَنْ مَا بَدَا لَكَ» قَالَ:
أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ، آَللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا [4] ، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الأَنْدَادَ الَّتِي كَانَتْ آَبَاؤُنَا تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ: «اللَّهمّ نَعَمْ» ، قَالَ: وَأَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكَ آَللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، قَالَ: «اللَّهمّ نَعَمْ» ، قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ يَذكر فَرَائِضَ الإِسْلامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً: الزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَشَرَائِعَ الإسلام كلها،
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 43.
[2] في الأصل: «عاصم» ، وأوردناه عن المسند، أ.
[3] بعدها في المسند: «وكان ضمام رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه» (المسند 1/ 264) .
[4] في الأصل: شريك له شيئا.

(3/216)


يناشده عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ، كَمَا يُنَاشِدُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأشهد أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، ثُمَّ لا أَزِيدُ وَلا أَنْقُصُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وَلَّى: «إِنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» . قَالَ: فََأَتَى إِلَى بَعِيرِهِ وَأَطْلَقَ عُقَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ/ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: بِئْسَتِ الْلاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالُوا: مَهٍ يَا ضِمَامُ اتّق الْبَرَصَ اتَّقِ الْجُذَامَ اتَّقِ الْجُنُونَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ مَا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَعَثَ رَسُولا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عنه، قال: فو الله مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلا مُسْلِمًا، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: مَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ [1] .
قال مؤلف الكتاب: وقد روى هذا الحديث شريك بن عبد الله، عن كريب، فقال فيه: «بعثت بنو سعد بن بكر ضماما في رجب سنة خمس» ، أخرجه البخاري في صحيحه مختصرا من حديث شريك، عن أنس. وأخرجه مسلم من حديث ثابت، عن أنس على اختصار واختلاف ألفاظ
. وفي هذه السنة وفد وفد مزينة [2]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ البَاقِي الْبَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا كُثَيْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُضَرَ أربعمائة من مزينة، وذلك في رجب
__________
[1] الخبر في مسند أحمد 1/ 264.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 38.

(3/217)


سَنَةَ خَمْسٍ، فَجَعَلَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِجْرَةَ فِي دَارِهِمْ، وَقَالَ: «أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ فَارْجِعُوا إِلَى أَمْوَالِكُمْ» فَرَجَعُوا إِلَى بِلادِهِمْ [1] . وروى ابن سعد، عن أشياخه أنه كان فيهم خزاعي بن عبد نهم، وأنه بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي قومه من مزينة، فلما مضى إليهم لم يجدهم كما ظن، / فأقام ثم أنهم أسلموا، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء مزينة يوم الفتح إلى خزاعي، وكانوا ألف رجل وهو أخو المغفل بن عبد الله بن المغفل، وأخو عبد الله ذي البجادين [2]
. [غزوة المريسيع]
[3] وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع في شعبان، وذلك أن بني المصطلق كانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها: المريسيع، وكان سيدهم الحارث بن أبي ضرار، فسار في قومه ومن قدر عَلَيْهِ فدعاهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجابوه، وتهيأوا للمسير معه، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فبعث بريدة بن الحصيب ليعلم علم ذلك، فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسا، وخرج معهم جماعة من المنافقين، واستخلف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [علي المدينة] زيد بن حارثة، وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان [4] ، وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قد قتل عينه
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 38.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 38، 39.
[3] المغازي للواقدي 1/ 404، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 45، وسيرة ابن هشام 2/ 289، وتاريخ الطبري 2/ 593، والكامل 2/ 81، والاكتفاء 2/ 217، والبداية والنهاية 4/ 156.
[4] قال ابن إسحاق انها كانت في شعبان سنة ست.
وفي وقت هذه الغزوة خلاف ذكر الزرقاني وعقب عليه بقوله: «وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره إنها كانت سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق، قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك منها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا، لأنه مات أيام قريظة، وكانت في سنة خمس على الصحيح، وإن كانت كما قيل سنة أربع، فهو أشد غلطا، فظهر أن المريسيع كانت

(3/218)


الَّذِي كان يأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك فخاف وتفرق من معه من العرب، وانتهى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المريسيع [1] ، فضرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة، فتهيئوا للقتال، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، فحملوا حملة رجل واحد، فقتل من العدو عشرة وأسر الباقون، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء، فكانت الإبل ألفي بعير، والشاء خمسة آلاف، والسبي مائتي أهل بيت، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل/ واحد.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ حَدَّث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ وَنِعَمُهُمْ يُسْقَى عَلَى الْمَاءِ.
قال مؤلف الكتاب: والأول أصح.
ولما رجع المسلمون بالسبي قدم أهاليهم فافتدوهم، وجعلت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فكاتباها، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فأدى عَنْهَا وتزوجها وسماها برة، وقيل: إنه جعل صداقها عتق أربعين من قومها.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائي بشيرا إلى المدينة بفتح المريسيع.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَخْرَجَ الْخُمْسَ مِنْهُ، ثُمَّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّجُلَ سَهْمًا، فَوَقَعَتْ جُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَاتَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قبس عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً لا يكاد أحد
__________
[ () ] في سنة خمس في شعبان قبل الخندق، لأنها كانت في شوال سنة خمس أيضا، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع ورمى بها بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته في قريظة.
[1] وهو ماء لخزاعة، بينه وبين الفرع مسير يوم. (وفاء ألوفا 2/ 373) .

(3/219)


يَرَاهَا إِلا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَبَيَّنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جويرية، فسألته في كتابتها فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا، فَكَرِهْتُ دُخُولَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرِفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا جُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ عَلَمِتَ، فَوَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَكَاتَبَنِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي، فَقَالَ: «أَوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ» قَالَتْ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أُودِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ» قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: / «قَدْ فَعَلْتُ» وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَرَقُّونَ، فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُصْطَلِقِ، فَبَلَغَ عِتْقُهُمْ إِلَى مِائَةِ بَيْتٍ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا، فَلا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا [1]
. [نزول آية التيمم]
وفي هذه الغزاة: سقط عقد عائشة رضي الله عنها فنزلت آية التيمم.
أَنْبَأَنَا زَاهِرٌ، وَأَخْبَرَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
خَرَجْنَا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ وَبِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بكر وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ فِي خَاصِرَتِي فَلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا.
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هَذَا بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ بَكْرٍ، قَالَتْ:
فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الّذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 83.

(3/220)


وفي هذه الغزاة كان حديث الإفك [1]
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ/ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ.
قَالَتْ عَائِشَةُ فَأْقَرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ أَذِنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظُفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجِعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي [2] ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَّلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ.
قَالَتْ: وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ وَلَمْ يَغَشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعَلَقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَّلُوهُ وَرَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةٌ حَدِيثَةَ السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت بها منازلهم
__________
[1] في الأصل: جاءت هنا العبارة الآتية: «وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة ثمانية وعشرين يوما، وقدم لهلال رمضان» . وهذه العبارة مكانها في آخر الغزوة. وحذفناها من هنا لورودها في مكانها» .
[2] في المسند: «فاحتبسني» .

(3/221)


وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلا مُجِيبٍ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الّذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ.
فَبَيَّنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي/ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرِفَنِي حِينَ رَآنِي، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرِفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي فو الله مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً، وَلا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الجيش بعد ما نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ الإِفْكِ، وَلا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنَّي لا أَرَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَعْرِفُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ فَيَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ، فَذَاكَ يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نَقَهْتُ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُبَرَّزُنَا، وَلا نَخْرُجُ إِلا لَيْلا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدَ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامُرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَمَا قُلْتِ تَسُبِّينَ رَجُلا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أي هنتاه أو لم تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجِعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ» ؟ قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَّقَن الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: / يَا أُمَّاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ، فقالت: أي بنية هوّني عليك، فو الله لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوَ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ

(3/222)


حَتَّى أَصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، وَدَعَا رَسُولُ الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي بن أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ لِيَسْتَشِيرَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ، وَلا نَعْلَمُ إِلا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ.
قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ» ؟ فَقَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطَّ أُغْمِضُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بيتي، فو الله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا لِي رَجُلا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا وَكَانَ لا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي» ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَعْذُرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلا صَالِحًا، وَلَكِنَّهُ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ [لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ] : لَعَمْرُكَ لا تَقْتُلُه وَلا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَتَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ/ عَنِ الْمُنَافِقِينَ.
فَثَارَ الْحَيَّانُ: الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ.
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبَلَةَ لا يَرْقَأُ دَمْعٌ وَلا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي.
قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عندي وأنا أبكي استأذن عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعَيِ، فَبَيَّنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شيء. قالت: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةَ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ

(3/223)


فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ.
قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، فَاضَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت لأمي: أجيبي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ يَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ عَرِفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، فَلا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ تُصَدِّقُونِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدْ لِي وَلَكُمْ مَثَلا إِلا كَمَا قَالَ أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ 12: 18 [1] .
قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ/ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يبرئني الله عز وجل بها، قالت: فو الله ما رام رسول الله مَجْلِسَهُ، وَلا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَّانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَا وَاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ» ، فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلا أَحْمَدُ إِلا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ 24: 11 [2] عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ 24: 22 [3] إِلَى قَوْلِهِ: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ 24: 22.
__________
[1] سورة يوسف، الآية 18.
[2] سورة: النور، الآية: 11.
[3] سورة: النور، الآية: 22.

(3/224)


فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، وَمَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ أَوْ مَا سَمِعْتِ أَوْ مَا بَلَغَكِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخُّتَها حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا، فهلكت فيمن هلكت. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا من أمر هؤلاء الرهط.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة/ ثمانية عشر يوما، وقدم لهلال رمضان
. [زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش] [2]
وفي هذه السنة: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش بن رئاب، أمها أميمة بنت عبد المطلب، وكانت فيمن هاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد، فقالت: لا أرضاه لنفسي، قال: «فإني قد رضيته لك» ، فتزوجها زيد بن حارثة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بن عبد الباقي، قَالَ: أنبأنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يَطْلُبُهُ، وَكَانَ زَيْدٌ إِنَّمَا يُقَالُ له زيد بن
__________
[1] والحديث في مسند أحمد 6/ 194- 197.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 71، ودلائل النبوة 3/ 465.

(3/225)


مُحَمَّدٍ، فَرُبَّمَا فَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّاعَةَ، فَيَقُولُ: «أَيْنَ زَيْدٌ» ؟ فَجَاءَ مَنْزِلَهُ يَطْلُبُه فَلَمْ يَجِدْهُ، وَتَقُومُ إِلَيْهِ زَوْجَتُهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فُضُلٌ، فَأَعْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْهَا، فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ هَا هُنَا فَادْخُلْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يَدْخُلَ، وَإِنَّمَا عَجَلَتْ زَيْنَبُ أَنْ تَلْبَسَ لَمَّا قِيلَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَابِ، فَوَثَبَتْ عَجْلَى، فَأَعْجَبَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَلَّى وَهُوَ يُهَمْهِمُ بِشَيْءٍ، لا يَكَادُ يُفْهَمُ مِنْهُ إِلا رُبَّمَا أَعْلَنَ مِنْهُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ مُصَرِّفِ الْقُلُوبِ» ، فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتَى مَنْزِلَهُ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَلا قُلْتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ؟ قَالَتْ: قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَأَبَى، قَالَ:
فَسَمِعْتِ مِنْهُ شَيْئًا؟ قَالَتْ: سَمِعْتُهُ حِينَ وَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لا أَفْهَمُهُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ/ مُصَرِّفِ الْقُلُوبِ» .
فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ جِئْتَ مَنْزِلِي فَهَلا دَخَلْتَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَعَلَّ زَيْنَبَ أَعْجَبَتْكَ فَأُفَارِقَهَا؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» ، فَمَا اسْتَطَاعَ زَيْدٌ إِلَيْهَا سَبِيلا بَعْدَ ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله فَيُخْبِرَهُ، فَيَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «أمسك عليك زَوْجَكَ» ، فَيَقُولَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُفَارِقُهَا. فَيَقُولَ:
«احْبِسْ عَلَيْكَ زْوَجَكَ» ، فَفَارَقَهَا زَيْدٌ وَاعْتَزَلَهَا وَحَلَّتْ.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ مَعَ عَائِشَةَ أَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ فَسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ وَيَقُولُ:
«مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ زَوَّجَنِيهَا مِنَ السَّمَاءِ؟ وَتَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله 33: 37 [1] .
الْقِصَّةُ كُلُّهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ لِمَا يُبَلِّغُنَا ِمْن جَمَالِهَا، وَأُخْرَى هي أعظم الأمور وَأَشْرَفَهَا مَا صَنَعَ اللَّهُ لَهَا زَوَّجَهَا اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ: هِيَ تَفْخَرُ عَلَيْنَا بِهَذَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَتْ سَلْمَى خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْتَدُّ، فَحَدَّثَتْهَا بِذَلِكَ فَأَعْطَتْهَا أَوْضَاحًا عَلَيْهَا [2] .
وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
__________
[1] سورة: الأحزاب، الآية: 37.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 71، 72.

(3/226)


ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي [1] وَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانَعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدَها وَنَزَلَ الْقُرْآَنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِلا إِذْنٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَطْعَمْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حَتَّى امْتَدَّ النَّهَارُ
. وفي سبب زينب نزلت آية الحجاب
/ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرَبْرِيُّ، قَالَ: أخبرنا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.
أَنَّهُ كَانَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ يَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يُوَاطِئْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا عَرِيسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، فخرج وخرجت معه لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ إِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ السِّتْرَ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
. وفي هذه السنة كانت غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب [2]
قال مؤلف الكتاب: كانت في ذي القعدة [3] ، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما أجلى
__________
[1] في الأصل: قلبي، والتصحيح من صحيح مسلم (باب زواج النبي صلى الله عليه وسلم) زينب بنت جحش 1/ 600 ط. الدار.
[2] المغازي للواقدي 2/ 440، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 47، وسيرة ابن هشام 2/ 214، وإمتاع الأسماع 1/ 217، والاكتفاء 2/ 158، وتاريخ الطبري 2/ 564 والكامل 2/ 70، والبداية والنهاية 4/ 92، وأنساب الأشراف 1/ 165، وصحيح البخاري 5/ 107، وصحيح مسلم 12/ 145، وابن حزم 184، وعيون الأثر 2/ 76، والنويري 17/ 166، والسيرة الحلبية 2/ 401، والسيرة الشامية 4/ 512 ودلائل النبوة 13/ 392.
[3] في الأصل: «ذي الحجة» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد، والواقدي. وفي باقي المراجع أنها في شوال.

(3/227)


بني النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة، فالتقوا [1] قريشا ودعوهم إلى الخروج، واجتمعوا معهم على قتاله، وواعدوهم لذلك موعدا، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك، وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب، فكانوا أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وألف وخمسمائة بعير، وخرجوا يقودهم/ أبو سفيان ووافتهم بنو سليم بمرّ الظهران، وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس، وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وخرجت فزارة وهم ألف، يقودهم عقبة بن حصين، وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة، وخرجت بنو مرة، وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف.
وروى الزهري أن الحارث رجع ببني مرة، فلم يشهد الخندق منهم أحد، والأول أثبت.
وكان جميع من وافوا الخندق [ممن ذكر] [2] من القبائل عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر، والجملة بيد أبي سفيان فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصولهم من مكة، ندب الناس، وأخبرهم خبرهم وشاورهم، فأشار سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى سفح سلع [3] ، وجعل سلعا خلف ظهره، وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم. ثم خندق على المدينة، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلّم معهم بيده لينشطوا، ففرغوا منه في ستة أيام [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
__________
[ () ] قَالَ الزرقاني: «واختلف في تاريخها، فقال موسى بن عقبة في مغازيه التي شهد مالك والشافعيّ بأنها أصح المغازي، كانت سنة أربع، قال الحافظ: وتابعه على ذلك الإمام مالك» .
[1] في الأصل: فالتقوا، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] الجبل المعروف الّذي بسوق المدينة. (وفاء ألوفا 2/ 324) .
[4] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد 2/ 1/ 48.

(3/228)


أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُوذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ حِينَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، عَرَضَتْ [1] لَنَا فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ لا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، قَالَ: فَشَكَيْنَا ذَلِكَ [2] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهَا أَلْقَى ثَوْبَهُ وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ/ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً، فَكَسَرَ ثُلُثَهَا، وقال: الله أكبر أعطيت مَفَاتِيحُ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرَ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الأَبْيَضِ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا السَّاعَةَ [3] . قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ [4] : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِثَمَانِي لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَكَانَ لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَلِوَاءُ الأَنْصَارِ مَعَ سَعْدً بْنِ عُبَادَةَ، وَدَسَّ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يَسْأَلُهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُوا مَعَهُمْ عَلَيْهِ، فَامْتَنَعُوا ثُمَّ أَجَابُوا، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَفَشِلَ النَّاسُ وَعَظُمَ الْبَلاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَخِيفَ عَلَى الذَّرُارِي وَالنِّسَاءِ، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمن أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ 33: 10 [5] .
__________
[1] في الدلائل 3/ 421: «عرض» . وكذا في البداية 4/ 101.
[2] في الدلائل وابن كثير: «فشكوا ذلك» .
[3] الخبر أخرجه النسائي في سننه الكبرى وتحفة الأشراف 2/ 65، والبيهقي في الدلائل 3/ 421، وابن كثير في البداية 4/ 101.
قال ابن كثير عقب الحديث: هذا حديث غريب، تفرد به ميمون وهو بصري، روى عن البراء وعبد الله بن عمرو وعنه حميد الطويل والجريريّ، وعوف الأعرابي، قال أبو حاتم عن ابن معين: كان ثقة. وقال علي بن المديني: كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 48.
[5] سورة: الأحزاب، الآية: 10.

(3/229)


وبعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمَا قَائِدَا غَطْفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ، وَكَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعِ الشَّهَادَةُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُرَاوَضَةً وَمُرَاجَعَةً، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَابْنِ عُبَادَةَ فَأْخَبَرَهُمَا بِذَلِكَ فَقَالا: هَذَا شَيْءٌ تُحِبُّهُ أَوْ [شَيْءٌ] أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، قَالَ: لا بَلْ أَصْنَعُهُ لأَجْلِكُمْ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عْنَ قْوَسٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالا: قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى الشِّرْكِ، وَهُمْ لا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تْمَرَةً، فَحِينَ أَذِنَ اللَّهُ بِالإِسْلامِ نَفْعَلُ هَذَا [1] مَا لَنَا إِلَى هَذَا حَاجَةٌ وَاللَّهِ لا نُعْطِيهِمْ إِلا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا/ قَالَ: فَأَنْتُمْ وَذَاكَ، فَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ الَّتِي كَتَبُوهَا فَمَحَاهَا، وَقَالَ لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ وُجَاهَ الْعَدُوِّ لا يَزُولُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ يعتقبون خَنْدَقَهُمْ وَيَحْرُسُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ فِي مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رَجُلٍ يَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ وَيُظْهِرُونَ التَّكْبِيرَ، وَكَانُوا يَخَافُونَ عَلَى الذَّرَارِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عَلَى حَرَسِ قُبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَشْرَةٍ مِنَ الأنصار يحرسونه كُلَّ لَيْلَةٍ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَنَاوَبُونَ بَيْنَهُمْ فَيَغْدُو أَبُو سُفْيَانَ يَوْمًا، وَيَغْدُو خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَوْمًا وَيَغْدُو عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَوْمًا، وَيَغْدُو هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَوْمًا، وَيَغْدُو عِكْرِمَةُ ِبْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمًا، وَيَغْدُو ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا، فَلا يَزَالُونَ يُجِيلُونَ خَيْلَهُمْ وَيَتَفَرَّقُونَ مَرَّةً وَيَجْتَمِعُونَ أُخْرَى، وَيُنَاوِشُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَدِّمُونَ رُمَاتَهُمْ فَيَرْمُونَ، فَرَمَى حِبَّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ» ، وَيُقَالُ: الَّذِي رَمَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن أبي طاهر البزاز، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [أَخْبَرَنَا يزيد بن هارون] [2] .
__________
[1] كذا في الأصل، وفي أ: «ثمرة، فكيف وقد أكرمنا الله بالإسلام نفعل هذا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وفي أ: أخبرنا ابن أبي طاهر بإسناده عن محمد بن سعد، ورواه الإمام أحمد أيضا قال: «أخبرنا يزيد بن هارون، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده، عن عائشة» .
وما أوردناه لإيضاح السند.

(3/230)


وأخبرنا عاليا بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الأَرْضِ مِنْ وَرَائِي- يَعْنِي حِسَّ الأَرْضِ- فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ رُمْحَهُ [1] ، فَجَلَسْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَمَرَّ سعد وَهُوَ يَرْتَجِزُ [2] ، وَيَقُولُ:
لَبِّثْ قَلِيلا يُدْرِكِ الْهَيَجَا حَمَلْ ... مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الأَجَلْ
/ قَالَتْ: وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ أَطْرَافُهُ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِمْ قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً، فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ [3] لَهُ- تَعْنِي الْمِغْفَرَ- قَالَتْ فَقَالَ لِي عُمَرُ: مَا جَاءَ بِكِ؟ وَاللَّهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، وَمَا يُؤْمِنْكِ أَنْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ أَوْ بَلاءٌ؟ قَالَتْ:
فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ انْشَقَّتْ [سَاعَتَئِذٍ] [4] فَدَخَلْتُ فِيهَا، قَالَتْ:
فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ [3] عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ وَأَيْنَ الْفِرَارُ [5] إِلا إِلَى اللَّهِ؟ قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ [6] مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرَقَةِ [بِسَهْمٍ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ] [7] فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَعْدٌ، فقال: اللَّهمّ لا تمتني حتى تشفيني من قُرَيْظَ [8]- وَكَانُوا مَوَالِيهِ وَحُلَفَاءَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- قَالَتْ: فرقأ كلمه ( [9] وبعث الله تعالى
__________
[1] في أ، وابن سعد، والمسند. «مجنّة» .
[2] كذا في أ، والأصل، والطبقات وفي المسند: «فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد وقد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، قالت فمر وهو يرتجز ويقول» .
[3] في الأصل: «مسبغة» و «المسبغة» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد والمسند.
[5] في الأصل: ورمى سعد رجلا، والتصحيح من الطبقات والمسند.
[6] في المسند، وابن سعد: «وأين التحوز أو الفرار» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد والمسند.
[8] كذا في الأصول، وابن سعد، وفي مسند أحمد: «لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة» .
[9] في الطبقات بعدها: «تعني جرحه» .

(3/231)


الريح على المشركين، ف كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً 33: 25 [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [2] : الْعَرَقَةُ أُمُّ حِبَّانَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ مُنْقَدِ بْنِ عُمَرَ وَسُمِّيَتِ الْعَرَقَةُ لِطِيبِ رِيحِهَا.
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ [3] : لَمَّا حَامَ الأَحْزَابُ حَوْلَ الْخَنْدَقِ أَيَّامًا أَجْمَعَ رُؤَسَاؤُهُمْ أَنْ يَغْدُوا يَوْمًا، فَغَدَوْا جَمِيعًا، وَطَلَبُوا مَضِيقًا مِنَ الْخَنْدَقِ يُقْحِمُونَ فِيهِ خَيْلَهُمْ فَلَمْ يَجِدُوا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا، فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ مَعَهُ رَجُلا فَارِسِيًّا فَهُوَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَصَارُوا إِلَى مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَعَبَرَ عِكْرِمَةُ وَنَوْفَلٌ وَضِرَارٌ وَهُبَيْرَةُ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وَدٍّ، فَجَعَلَ عَمْرٌو يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ، وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أنا أُبَارِزُهِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلْيَهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ وَعَمَّمَهُ، وَقَالَ: «اللَّهمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ» ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ، وَوَلَّى أَصْحَابُهُ هَارِبِينَ، وَحَمَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى نَوْفَلٍ فَقَتَلَهُ [4] . أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا ابن المسلمة، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر/ المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سلمان بن داود، قال: أخبرنا الزبير بن بكار، قال:
عمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب، وعكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة هُمُ الذين طفروا الخندق يوم الأحزاب، وفي ذلك يقول الشاعر [5] :
عمرو بن ود كان أول فارس ... جزع [6] المزاد وكان فارس يليل
قال مؤلف الكتاب: المزاد، موضع من الخندق فيه حفر، ويليل، واد قريب من بدر.
__________
[1] سورة الأحزاب الآية: 25 الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2، 3، ومسند أحمد بن حنبل 6/ 141.
[2] في أ: «وقال علماء السير» .
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 48، 49.
[4] إلى هنا طبقات ابن سعد 2/ 1/ 49.
[5] في سيرة ابن هشام 2/ 266: هو مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح.
[6] جزع: قطع.

(3/232)


ولما جزع عمرو بن عبد المزاد دعي البراز، وقال يرتجز: [1]
ولقد بحجت [2] من النداء ... بجمعكم [3] : هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجا ... ع بموقف البطل المناجز [4]
إني كذلك لم أزل ... متسرعا نحو الهزاهز [5]
إن الشجاعة والسماحة ... في الفتى خير الغرائز [6]
فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم أجابه يقول:
لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة ... والصدق منجي كل فائز
إني لأرجو أن أقيم ... م عليك نائحة الجنائز
من ضربة فوهاء [7] يبقى ... ذكرها عند الهزاهز
ثم دعاه أن يبارزه، فقال له علي: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لقريش لا يدعوك رجل إلى خلتين إلا أخذت إحداهما، قال عمرو: نعم [8] ، قال علي رضي الله عنه:
فإني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام، فقال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى المبارزة. قال: يا ابن أخي، والله ما أحب أن أقتلك، فقال له علي: لكني والله أنا أحب أن أقتلك فحمي عمرو واقتحم عن فرسه وعرقبه/، ثم أقبل فتناورا وتجاولا وثارت عليهما غبرة سترتهما عن المسلمين، فلم يرع المسلمين إلا التكبير، فعرفوا أن عليا رضي الله عنه قتله، فانجلت الغبرة وعليّ على صدره يذبحه.
__________
[1] الأبيات ليست من بحر الرجز وإنما من البحر الكامل.
[2] في الأصل: «ولقد ملكت» ، وما أوردناه من أ، ابن كثير، والدلائل.
[3] في ابن كثير: «بجمعهم» .
[4] في الدلائل وابن كثير: «.. إذا جبن المشجع موقف القرن المناجز» . وفي الاكتفاء: «وقفه الرجل المناجز» .
[5] في الدلائل وابن كثير: «ولذاك إني لم أزل متسرعا قبل الهزاهز» ، والهزاهز: الدواهي والشدائد» .
[6] في الدلائل، وابن كثير، والاكتفاء: «إن الشجاعة في الفتى والجود في خير الغرائز» .
[7] في الدلائل، وابن كثير، والاكتفاء: «ضربة نجلاء» .
[8] في أ: «قال عمرو: أجل» .

(3/233)


قال علماء السير: لما قتل عمرو رثته أمه، فقالت:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله. ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
ثم تواعدا أن يأتوا من الغد، فباتوا يعبئون أصحابهم ونحوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد، فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا عن مكانهم، ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ظهرا ولا عصرا حتى كشفهم الله عز وجل، فرجعوا منهزمين، فلم يكن لهم بعد ذلك قتال- يعني انصرفوا- إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي فاتته الصلاة فيه: «شغلونا عن الصلاة الوسطى» . أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى [صَلاةَ] الْعَصْرِ، مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا» ، ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ [الْعِشَاءَيْنِ] ، الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وحصر [2] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بضع عشرة ليلة، وقيل: أربعا وعشرين ليلة، حتى خلص إلى كل أمر منهم الكرب. ودعي رسول/ الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الأحزاب.
ويروى في مسجد الفتح.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قال:
حدّثني جابر:
__________
[1] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 82، 113، 122، 126، 135، 137، 146، 150، 152، ومسلم 2/ 111، والبخاري 6/ 37، 38، وابن ماجة 1/ 224، الدرامي 1/ 280، وأبو داود 1/ 43.
[2] في الأصل: وحصروا.

(3/234)


أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فِي مَسْجِدِ الْفَتْحِ ثَلاثًا: يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَيَوْمَ الأَرْبِعَاءِ [فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ] [1] بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، فَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَلَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ مُهِمٌّ [غَلِيظٌ] [2] إِلا تَوَخَّيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ، فَأَدْعُو فِيهَا فَأَعْرِفُ الإِجَابَةَ [3] .
قالوا: وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد أسلم وحسن إسلامه، فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم.
فَأْنَبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسن بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ.
وَبِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَاصِمٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا سَارَتِ الأَحْزَابُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرْتُ مَعَ قَوْمِي وَأَنَا عَلَى دِينِي، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِي الإِسْلامَ، فَكَتَمْتُ ذَلِكَ قَوْمِي، وَأَخْرُجُ حَتَّى آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَجِدُهُ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَآنِي جَلَسَ، وَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ يَا نُعَيْمٌ» ؟ وَكَانَ بِي عَارِفًا، قُلْتُ: إِنِّي جِئْتُ أُصَدِّقُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: «مَا اسَتَطَعْتُ أَنْ تَخْذِلَ عَنَّا النَّاسَ [فَخَذِّلْ] ، قُلْتُ: أَفْعَلْ، وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُولُ، قَالَ: «قُلْ مَا بَدَا لَكَ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ» ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى قُرَيْظَةَ، فَقُلْتُ: اكْتُمُوا عَلَيَّ، قَالُوا:
نَفْعَلُ، فَقُلْتُ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ عَلَى الانْصِرَافِ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَصَابُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِلا انْصَرَفُوا إِلَى بِلادِهِمْ، فَلا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رُهَنَاءً، قَالُوا:
أَشَرْتَ عَلَيْنَا وَالنُّصْحُ لَنَا، ثُمَّ خَرَجْتُ/ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَقُلْتُ قَدْ جِئْتُكَ بِنَصِيحَةٍ فَاكْتُمْ عَلَيَّ، قَالَ: أَفْعَلُ، قُلْتُ: تَعْلَمْ أَنَّ قُرَيظَةَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادُوا إِصْلاحَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ وَأَنَا عِنْدَهُمْ إِنَّا سَنَأْخُذُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ سَبْعِينَ رَجُلا مِنْ أَشْرَافِهِمْ نُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكَ، تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَنَكُونُ مَعَكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ حَتَّى نَرُدَّهُمْ عَنْكَ، وَتَرُدَّ جَنَاحَنَا الَّذِي كَسَرْتَ إِلَى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[3] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 3/ 332.

(3/235)


دِيَارِهِمْ- يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ- فَإِنْ بَعَثُوا إِلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ رَهْنًا فَلا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَحَدًا وَاحْذَرُوهُمْ، ثُمَّ أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَجُلا مِنْهُمْ فَصَدَّقُوهُ، وَأَرْسَلَتْ قُرَيْظَةُ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَخْرُجُ فَنُقَاتِلُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْكُمْ [يَكُونُونَ] عِنْدَنَا، فَإِنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَنْكَشِفُوا وَتَدَعُونَا وَمُحَمَّدًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: صَدَقَ نُعَيْمٌ.
وَأَرْسَلُوا إِلَى غَطَفَانَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالُوا جَمِيعًا: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُعْطِيكُمْ رَهْنًا وَلَكِنِ اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا مَعَنَا. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْلِفُ بِالتَّوْرَاةِ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي قَالَ نُعَيْمٌ لَحَقٌّ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ يَقُولُونَ: الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ، وَيَئِسَ هَؤُلاءِ مَنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ، وَهَؤُلاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلاءِ. وَاخْتَلَفَ أَمْرُهُمْ وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَكَانَ نُعَيْمٌ يَقُولُ: أَنَا خَذَلْتُ بَيْنَ الأَحْزَابِ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَأَنَا أَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِرِّهِ [1] .
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: فَلَمَّا اسْتَوْحَشَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ صَاحِبِهِ، اعْتَلَّتْ قُرَيْظَةُ بِالسَّبْتِ، فَقَالُوا: لا نُقَاتِلُ، وَهَبَّتْ لَيْلَةَ السَّبْتِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَسْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْخَفُّ وَالْحَافِرُ، وَأَجْدَبَ الْجُنَابُ وَأَخْلَفَتْنَا بنو قريظة، و [لقد] لَقِينَا مِنَ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَسَاكِرِ قَدِ انْقَشَعُوا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةَ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ.
فروى/ مسلم في أفراده من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت [2] ، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذَلكَ، لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر [3] ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة» فسكتنا فلم يجبه أحد، ثم قَالَ: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة» فسكتنا ولم يقم قائم، فقال: «قم يا حذيفة» فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم، قال: «اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي» [4] ، فلما وليت من عنده جعلت
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 20، 21.
[2] أي: بالغت في نصرته.
[3] القر: البرد.
[4] أي لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ضررا عليّ لأنك رسولي وصاحبي.

(3/236)


كأنما أمشي في حمام [1] حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره [2] بالنار فوضعت سهمي في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تذعرهم علي» فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته أخبرته خبر القوم وفرعت وقررت [3] ، فألبسني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، قال صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا نومان» [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ [5] لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وصحبتموه، قال: نعم يا ابن أَخِي، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، فَقَالَ الْفَتَى:
وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ يُصَلِّي هَوِيًّا [6] مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ [ثُمَّ يَرْجِعُ] » [7] وَشَرَطَ لَهُ أَنَّهُ إِذَا رَجِعَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَةَ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، ثُمَّ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» . / فَمَا قَامَ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَالْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ، فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ. فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ [وَجُنُودُ اللَّهِ] تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ فَلا تَتَرْكُ قِدْرًا وَلا نَارًا، وَلا بِنَاءً. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرَ امْرِؤٌ جَلِيسَهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الّذي كان إلى
__________
[1] أي: أنه لم يجد من البرد الّذي يجده الناس ولا من تلك الريح الشديدة شيئا، بل عافاه الله ببركة إجابته فيما وجه إليه.
[2] يدفئه.
[3] قررت: بردت.
[4] أي: يا كثير النوم.
والحديث أخرجه مسلم في 32، كتاب الجهاد والسير، 36، باب غزوة الأحزاب، حديث 99، ص 1414، والبيهقي في الدلائل 3/ 449، 450، وعزاه لمسلم.
[5] في الأصل: «من أهل مكة» . والتصحيح من أ، وابن هشام 2/ 231، والطبري 2/ 580.
[6] الهوي: الهزيع من الليل.
[7] ما بين المعقوفتين: من سيرة ابن هشام.

(3/237)


جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، [لَقَدْ] هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، فَارْتَحِلُوا [فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ] . فَرَجِعْتُ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] :
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمْ يُقْتَلْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا سِتَّةُ نَفَرٍ، وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثَلاثَةٌ
. ومن الحوادث في هذه السنة كانت غزاة بني قريظة [2]
وذلك في ذي القعدة، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما انصرف من الخندق جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل حصونهم.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَالِكٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فَرَغَ مِنَ الأَحْزَابِ دَخَلَ الْمُغْتَسَلَ لِيَغْتَسِلَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتُمُ السِّلاحَ مَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ انْهَضْ [3] إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جِبْرِيلَ مِنْ خَلالِ الْبَابِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ [مِنَ] [4] الْغُبَارِ [5] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُطَرِّزُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا/ بِشْرُ بن الْمَعْمَرِيِّ، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 2/ 580، وتفسير الطبري 21/ 80، وسيرة ابن هشام 2/ 231، 232.
[2] في أ: «وفي هذه السنة كانت غزوة بني قريظة» .
وانظر: المغازي للواقدي 2/ 496، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 53، وسيرة ابن هشام 2/ 233، وتاريخ الطبري 2/ 581، والاكتفاء 2/ 176، والبداية والنهاية 4/ 116، والكامل 2/ 75.
[3] في المسند: «انهد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[5] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 6/ 131، 280.

(3/238)


لما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَبَيَّنَا هُوَ عِنْدِي إِذْ دَقَّ الْبَابُ فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَثَبَ وَثْبَةً مُنْكَرَةً، وَخَرَجَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ عَلَى مَعْرَفَةِ الدَّابَّةِ يَكُلِّمُهُ، فَرَجِعْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي كُنْتَ تُكَلِّمُهُ؟ قَالَ: وَرَأَيْتِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «وَمَنْ تُشَبِّهِينَهُ» ؟ قُلْتُ:
بِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَمَرَنِي أَنْ أَمْضِيَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
قال علماء السير [1] : فدعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم عليا رضي الله عنه، فدفع إليه لواءه، وبعث بلالا فنادى في النَّاسُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، واستخلف [رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة عبد الله] [2] بن أم مكتوم، ثم سار في ثلاثة آلاف، وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسا، وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة، فحاصرهم خمسة عشر يوما، وقيل: خمسا وعشرين ليلة أشد الحصار ورموا بالنبل والحجر، فلم يطلع منهم أحد.
فلما اشتد الحصار عليهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم، فأشار إليهم بيده أنه الذبح، ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله، فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته، ثم نزلوا على حكم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية. وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية، وجمع أمتعتهم فكانوا [ألفا] [2] وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفي رمح، [وألفا] [3] وخمسمائة ترس وحجفة، وجمالا كانت نواضح وماشية كثيرة. وكان لهم خمر فأريق، وكلمت الأوس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم/ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم فيهم إلى سعد بن معاد، فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه الموسى [4] ، وتسبى النساء والذراري، وتقسم الأموال. فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه من فوق سبعة أرقعة» .
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 53.
[2] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[3] في الأصل: ألفين.
[4] في الأصل: المواشي.

(3/239)


ونزل ثعلبة وأسيد ابنا شعبة، وأسد بن عبيد ابن عمهم، فقالوا: إنكم لتعلمون أنه نبي، وأن صفته عندنا فأسلموا، فدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهليهم وأموالهم.
وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة، وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وحفر لهم أخدودا في السوق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أصحابه، وأخرجوا إليه فضرب أعناقهم، وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو لنفسه، فأسلمت وبقيت في ماله حتى توفي عنها، وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس، وأمر بالباقي فبيع فيمن يزيد، وقسمه بين المسلمين وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما، للفرس سهمان ولصاحبه سهم
. وفي هذه الغزاة [1] : نهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يفرق بين الأم وولدها. وفي ذي الحجة: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا إلى الغابة فسقط عنه، فخدش فخذه الأيمن فأقام في البيت خمسا يصلي قاعدا.
وفي هذا الشهر: رجفت المدينة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الله مستعتبكم فاعتبوا» . وفيها: دفت دافّة من بني عامر بن صعصعة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يبقى من ضحاياكم بعد ثالثة شيء» .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
92- ثعلبة بن غنمة بن عدي بن سنان بن نابئ:
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا والخندق، وقتل يومئذ.
__________
[1] من هنا حتى آخر أحداث السنة ساقط من أ.

(3/240)


93- جليبيب [1] :
/ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن جعفر القَطِيعيّ، قَالَ:
أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ [بْنِ حَنْبَلٍ] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، [قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ] [2] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي- وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، قال: أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَارِمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ( [3] : أَنَّ جليبيبا كان امرأ من الأنصار، وكان أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ لأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: «يَا فُلانُ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ» قَالَ: نَعَمْ وَنِعْمَ عَيْنٌ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» ، قَالَ: فَلِمَنْ، قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» ، قَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَلَمَّا أَتَاهَا، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، قَالَتْ: نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ لِنَفْسِهِ يُرِيدُهَا، قَالَتْ: فَلِمَنْ؟ قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ، قَالَتْ: لا نَعَمْ، وَاللَّهِ لا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا.
فَلَمَّا قَامَ أَبُوهَا لِيَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتِ الْفَتَاةُ مِنْ خِدْرِهَا لأَبَوَيْهَا: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمَا؟ قَالا: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَوَ تَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، ادْفَعُونِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي. فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: شَأْنُكَ بِهَا. فَزَوِّجْهَا جُلَيْبِيبًا.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِثَابِتٍ: أَتَدْرِي مَا دَعَا لَهَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: وَمَا دَعَا لَهَا بِهِ؟ قَالَ: قَالَ: «اللَّهمّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا صَبَّا وَلا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا» .
قَالَ ثَابِتٌ: فَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، فَبَيَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مغزى له، قال:
__________
[1] جاءت هذه الترجمة في أقبل الأخيرة، وفي متن أ «طبيب» وكتب على الهامش: «جلبيب كذا في جميع الأصول» . وقد وردت في الأصل: حليتيت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[3] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 4/ 422.

(3/241)


«هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلانًا وَنَفْقِدُ فَلانًا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا نَفْقِدُ فُلانًا ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ/ أَحَدٍ؟» قَالُوا:
لا، قَالَ: لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَقْتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ أَقْتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، أَقْتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . فَوَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي ساعديه [1] ، ثم حفروا له ما له سَرِيرٌ إِلا سَاعِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ. قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا فِي الأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقُ مِنْهَا
. 94- خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة [2] :
شهد بدرا والعقبة والخندق ويوم بني قريظة، وقتل يومئذ شهيدا، دلت عليه بنانة امرأة من بني قريظة رحى فشدخت رأسه، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «له أجر شهيدين» ، وقتلها [رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِهِ.
قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّها لَعِنْدِي تَتَحَدَّثُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ رجالهم إذ هتف هَاتَفْ بِاسْمِهَا، قَالَتْ: أَنَا وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَيْلَكِ مَا لَكِ، أُقْتَلُ، قُلْتُ: وَلِمَ قَالَتْ: حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ فَانْطَلَقَ بِهَا فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا فَمَا أَنْسَى مِنْهَا أَطْيَبَ نَفْسٍ وَكَثْرَةَ ضَحِكٍ وَقَدْ عَرِفْتُ أَنَّهَا تُقْتَلُ.
وَجَاءَتْ أُمُّ خَلادٍ وَقَدْ قِيلَ لَهَا: قُتِلَ خَلادٌ وَهِيَ مُنَقَّبَةٌ، فَقِيلَ لَهَا: قُتِلَ خَلادٌ وَأَنْتَ مُنَقَّبَةٌ، قَالَتْ: إِنْ كُنْتُ رُزِئْتُ خَلادًا فَلا أَرْزَأُ حَيَاتِي
. 95- سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس [بن زيد] [3] بن عبد الأشهل، ويكنى أبا عمرو [4] :
وأمه كبشة بنت رافع، وهي من المبايعات، وكان لسعد من الولد، عمرو، وعبد الله وأمهما [قيل:] [5] كبشة، وليس ذلك، وإنما الأصح [6] أنها هند بنت سماك بن
__________
[1] في الأصل: ساعده.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 82. وهذه الترجمة جاءت في أفي آخر من توفي هذه السنة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أوابن سعد.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 3/ 3.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] كبشة وليس ذلك وإنما الأصح» : الجملة ساقطة من أ.

(3/242)


عتيك من المبايعات خلف عليها سعد بعد أخيه أوس، وهي عمة أسيد بن حضير.
وكان إسلام سعد على يدي مصعب بن عمير، وكان مصعب قد قدم المدينة قبل العقبة الآخرة/ يدعو الناس إلى الإسلام، ويقرئهم القرآن، فلما أسلم سعد لم يبق أحد في بني عبد الأشهل إلا أسلم يومئذ، وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من دور الأنصار أسلموا جميعا رجالهم ونساؤهم، وحول سعد بن معاذ مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة إلى داره، فكانا يدعوان الناس إلى الإسلام في داره، وكان سعد وأسعد ابني خالة، وكان سعد وأسيد بْن حضير يكسران أصنام بني عبد الأشهل، وكان لواء الأوس يوم بدر مع سعد بن معاذ، وشهد يوم أحد وثبت مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولى الناس. وأصيب يوم الخندق في أكحله.
وكأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ذكر الحمى، فقال: «من كانت به فهو حظه من النار» ، فسألها سعد بن معاذ فلم تفارقه حتى فارق الدنيا [1] .
وأصيب يوم الخندق في أكحله، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في المسجد ليعوده من قريب.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: حدثنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، [قال: أخبرنا يزيد بن هارون] [2] .
وأخبرناه عاليا بن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا القطيعي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عمرو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ [3] :
رَمَى سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ [بِسَهْمٍ لَهُ] [4] يَوْمَ الخندق [5]
__________
[1] الخبر ساقط من أ. وراجع طبقات ابن سعد 3/ 32.
[2] السند ساقط كله من أ. ومكانه: «أخبرنا محمد بن أبي طاهر بإسناده عن محمد بن سعد» ولم يذكر إسناده لأحمد، وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 6/ 141، وطبقات ابن سعد 3/ 2/ 4.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[5] «يوم الخندق» : ساقط من المسند وابن سعد.

(3/243)


[فَقَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ] [1] ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ [2] ، فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهمّ لا تُمْتِنْيِ حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ قُرَيْظَةَ [3]- وَكَانُوا مَوَالِيهِ وَحُلَفَاءَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- قَالَتْ: فَرَقَأَ كَلْمُهُ [4] ، فَبَعَثَ اللَّهُ [عز وجل] الريح على المشركين ف كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً 33: 25 [5] ، فَلَحِقْ أَبُو سُفْيَانَ بِمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بِمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجِعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ، وَرَجِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ [6] فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدِ بْنِ/ مُعَاذٍ فِي الْمَسِجِد، [قَالَتْ] [7] : فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ [8] ، فَقَالَ: أوقد وضعت السلاح [فو الله مَا وَضَعَتِ الْمَلائِكَةُ السِّلاحَ] [9] بَعْدُ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ. [قَالَتْ] [10] : فَلَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لأمته، وأذن في النَّاسَ بِالرَّحِيلِ. [قَالَتْ: فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُمْ:
«مَن مَرَّ بِكُمْ؟» قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ- وَكَانَ دِحْيَةُ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسُنَّةُ وَجْهِهِ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَتْ] [11] : فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ [وَاشْتَدَّ الْبَلاءُ عَلَيْهِمْ] [12] ، قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ [بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ] [13] ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سعد بن معاذ» ، فنزلوا على
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد، وأ.
[2] في المسند: فأصاب أكحله فقطعه» .
[3] في المسند: حتى تقر عيني من قريظة» .
[4] كلمه، أي: جرحه.
[5] سورة: النور، الآية: 25، ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد والمسند.
[6] في المسند: «فوضع السلاح وأمر بقبة» .
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[8] في المسند: «وعلى ثناياه نقع الغبار» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[13] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.

(3/244)


حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ] [1] ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَحُمِلَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ، وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ [وَأَهْلُ النِّكَايَةِ] [2] وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ، وَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، حَتَّى إذا دنا مِنْ دُورِهِمْ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: قَدْ أَنَى لِي أَنْ لا أُبَالِيَ [3] فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، فَلَمَّا طَلَعَ [4] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ [5] :
«قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» . فَأَنْزَلُوهُ، فَقَالَ [6] لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللِّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْكُمْ فِيهِمْ» ، فَقَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمْ فِيهِمْ بِقَتْلِ مُقَاتِلِيهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ، وَتَقْسِيمِ أَمْوَالِهِمْ [7] ، فَقَالَ [رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رسوله» . قالت: ثم دعا الله سَعْدٌ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. قَالَتْ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ، وَقَدْ كَانَ بَرِأَ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ إِلا مِثْلُ الْخَرْمِ، وَرَجَعَ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر، قالت: فو الّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ 48: 29 [8] . قَالَ:
فَقَلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. فَقَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [9] : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مِنْ رَمْيَتِهِ.
قَالَ [مُحَّمَدُ] بْنُ سَعْدٍ [10] : / وَأَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ:
سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند وابن سعد.
[3] في الأصل: «قد آن أن أبالي» ؟
[4] في ابن سعد وفي المسند: «قال ابن سعد: فلما طلع» .
[5] في الأصل: فلما طلع قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[6] في المسند وابن سعد: «فأنزلوه، قال عمر: سيدنا الله عز وجل، قال أنزلوه، فقال له» .
[7] في المسند: «وتسبي ذراريهم، وقال يزيد ببغداد ويقسم أموالهم» .
[8] سورة: الفتح، الآية: 29.
[9] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 8.
[10] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 9.

(3/245)


لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ- وَكَانَ رَجُلا جَسِيمًا جَزْلا- جَعْلَ الْمُنَافِقُونَ وَهُمْ يَمْشُونَ خَلْفَ سَرِيرِهِ يَقُولُونَ [1] : لَمْ نَرَ كَالْيَوْمِ رَجُلا أَخَفَّ، وَقَالُوا: أَتَدْرُونَ لِمَ ذَاكَ؟ [ذَاكَ] لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ كَانَتِ الْمَلائِكَةُ تَحْمِلُ سَرِيرَهُ» . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وفيهما من حديث البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بثوب حرير فجعل يتعجب من حسنه ولينه، فقال: «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل- أو خير- من هذا» . وقد روى سلمة بن أسلم الأشهلي، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم البيت وما فيه إلا سعد مسجى، فرأيته يتخطاه، فوقف فأومأ إلي: «قف» ، فوقفت ورددت من ورائي، وجلس ساعة ثم خرج، فقلت: يا رسول الله، ما رأيت أحدا وقد رأيتك تتخطاه، فقال:
«ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه» فجلست ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هنيئا لك يا أبا عمرو» ثلاث مرات. قال سعد بن إبراهيم: حضرة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ وهو يغسل، فقبض ركبتيه، وقال:
دخل ملك فلم يكن لَهُ مكان فأوسعت له. وغسله أسيد بن حضير وسلمة بن سلام بن وقش ونزلا في قبره ومعهما الحارث بن أوس وأبو نائلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على القبر [3] . وكانت أمه تبكي وتقول:
__________
[1] في الأصل: جعل المنافقون يقولون وهم يمشون خلف سريره، يقولون» .
[2] في الأصل: رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) .
[3] «وغسله أسيد ... قائم على القبر» : العبارة كلها ساقطة من أ.

(3/246)


ويل أم سعد سعدا ... براعة ونجدا
[1] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: «كُلُّ البواكي يكذبن إلا أم سعد» . وجاءت أم سعد تنظر إليه [في اللحد] [2] فردها النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دعوها» . فنظرت إليه قبل أن يبنى عليه اللبن، فقالت: «احتسبك عند الله» وعزاها رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي قبره، وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سوي على قبره ورش عليه الماء، ثم جاء فوقف عليه فدعا له وانصرف. وكان سعد رجلا أبيض طوالا جميلا، وتوفي ابن سبع وثلاثين سنة، ودفن بالبقيع، وأخذ من تراب قبره فإذا هو مسك.
وَرَوَى [ابْنُ] [3] عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ يَنْزِلُوا الأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَقْد ضُمِّ ضَمَّةً ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ» يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [4] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزَوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ [5] : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَبْرَ سَعْدٍ فَاحْتَبَسَ، فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَبَسَكَ؟
[قَالَ: «ضُمَّ سَعْدٌ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً] [6] فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفُ عَنْهُ»
. 96- عبد الله بن سهل بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم [7] :
أمه الصعبة [8] بنت التيهان، أخت أبي الهيثم بن التيهان، وهو أخو رافع بن سهل،
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 9.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] من هنا ساقط من أإلى آخر وفيات هذه السنة.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 12.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 21.
[8] في الأصل: صعصعة.

(3/247)


وهما اللذان خرجا إلى حمراء الأسد، وهما جريحان يحمل أحدهما صاحبه ولم يكن لهما ظهر.
شهد عبد الله بدرا وأحدا والخندق، وقتل يومئذ شهيدا
. 97- عمرة بنت مسعود، أم سعد بن عبادة [1] :
توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في دومة الجندل ومعه سعد، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي قبرها فصلى عليها/ وسأله سعد عن نذر كان عليها فقال: «اقضه عنها» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّه سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ. أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فأتى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَنْهَا [2]
. 98- كعب بن مالك بن قيس بن مالك:
شهد بدرا وأحدا والخندق وقتل يومئذ.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 330، وهي عمرة الرابعة.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 144.

(3/248)