المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة ست من
الهجرة
فمما حدث فيها:
سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء [1]
بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعشر خلون من المحرم
سنة ست في ثلاثين راكبا إلى القرطاء، وهم بطن من بني بكر بن كلاب،
وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار وأغار عليهم فقتل
نفرا منهم وأخذ ثمامة بن أثال الحنفي وهرب سائرهم واستاق نعما وشاء ولم
يعرض للظعن، وانحدر إلى المدينة، فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
جاء به وفض على أصحابه ما بقي، وكانت النعم مائة وخمسين بعيرا، والغنم
ثلاثة آلاف شاة، وغاب تسع عشرة ليلة، وقدم لليلة بقيت من المحرم.
وفيها: قدم مسعود بن رخيلة الأشجعي في سبعمائة من قومه، فنزلوا بسلع في
صفر فوادعوا رسول الله ووادعهم وفيهم نزلت: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ
صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا 4: 90 [2]
. ثم كانت غزاة بني لحيان [3]
/ وكانوا بناحية عسفان في ربيع الأول سنة ست، وذلك أن رسول الله صَلى
اللهُ عَلَيه وسلم وجد
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 56، والمغازي للواقدي 2/ 543، والكامل 2/ 92،
والبداية والنهاية 4/ 149 شرح الزرقاني على المواهب 2/ 173.
[2] سورة: النساء، الآية: 90.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 56، والمغازي للواقدي 2/ 535، وسيرة ابن هشام
2/ 279، وتاريخ الطبري 2/ 595، والاكتفاء 2/ 206، والبداية والنهاية 4/
81، والكامل 2/ 78، ودلائل النبوة 3/ 364.
(3/249)
عَلَى عاصم بن ثابت وأصحابه وجدا شديدا-
وكانوا قتلوا في غزاة الرجيع- فأظهر أنه يريد الشأم، وعسكر لغرة هلال
ربيع الأول في مائتي رجل، ومعهم عشرون رجلا، واستخلف عبد الله بْن أم
مكتوم، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران [1]- وبينها وبين عسفان
[2] خمسة أميال- حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، فسمعت بهم
بنو لحيان، فهربوا في رءوس الجبال، فلم يقدروا منهم على أحد، ثم خرج
حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم،
فأتوا الغميم [3] ، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا، ثم انصرف صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة، وغاب أربع عشرة ليلة، وقال في رجوعه: «آئبون تائبون
[لربنا حامدون] » [4] فكان أول من قالها.
وفي هذه الغزاة جاز على قبر أمه صلى الله
عليه وسلم:
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْعَلافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْحِمَامِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْحَرِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ
الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ
التُّرْجُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُشَمْعِلُ بْنُ مِلْحَانَ
[5] ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذْ وَقَفَ عَلَى عَسَفَانَ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالا
فَأَبْصَرَ قَبْرَ أُمِّهِ آمِنَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ، فَتَوَضَّأَ
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يُفَاجِئْنَا إِلا بِبُكَائِهِ،
فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [ثُمَّ انْصَرَفَ إلينا
__________
[1] في سيرة ابن هشام 2/ 280: «وغزان واد بين أمج وعسفان إلى بلد يقال
له: ساية» . وفي وفاء ألوفا 2/ 353: «وغران اسم وادي الأزرق خلف أمج
بميل» .
[2] «عسفان قرية جامعة بين مكة والمدينة على نحو يومين من مكة» . (وفاء
ألوفا 2/ 353، 345) .
[3] في ابن هشام: «كراع الغميم» ، وفي معجم البلدان: «موضع بناحية
الحجاز بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد، وفي سيرة
ابن هشام: «آئبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون، أعوذ باللَّه من
وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال.
وفي المغازي: «آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، اللَّهمّ أنت الصاحب
في السفر، والخليفة على الأهل، اللَّهمّ أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة
المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، اللَّهمّ بلغنا بلاغا صالحا
يبلغ إلى الخير، مغفرة منك ورضوانا» .
[5] في الأصل: «إسماعيل بن ملحان» .
(3/250)
فَقَالَ: «مَا الَّذِي أَبْكَاكُمْ؟»
قَالُوا: بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ] [1] وَقَالَ
«وَمَا ظَنَنْتُمْ؟» قَالُوا:
ظَنَنَّا أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ عَلَيْنَا، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ
مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ» ، قَالُوا: فَظَنَنَّا أَنَّ أُمَّتَكَ كُلِّفُوا
[2] مِنَ الأَعْمَالِ مَا لا يُطِيقُونَ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ
ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَكِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرِ أُمِّي، فصليْتُ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا
فَنُهِيتُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ عُدْتُ فصليْتُ رَكْعَتَيْنِ،
وَاسْتَأْذَنْتُ/ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لها، فزجرت زجرا، فعلا
بكائي» ثم دعي بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا فَمَا سَارَتْ إِلا هَيْنَةَ
حَتَّى قَامَتِ النَّاقَةُ بِثِقَلِ الْوَحْيِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... 9: 113 [3] إِلَى آخِرِ
الآيَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ آمِنَةَ كَمَا تَبَرَّأَ
إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِيهِ
. ثم كانت غزاة الغابة [4]
وهي على بريد من المدينة على طريق الشام في ربيع الأول.
قالوا: كانت لقاح [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم-[وهي] [6] عشرون
لقحة- ترعى بالغابة [وكان أبو ذر فيها] [7] فأغار عليها عيينة بن حصن
ليلة الأربعاء في أربعين [فارسا] [8] فاستاقوها وقتلوا راعيها [9] ،
وجاء الصريخ فنادى: « [الفزع الفزع، فنودي:] [10] يا خيل الله اركبي» ،
فكان أول ما نودي بها، وركب رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ غداة الأربعاء في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: «كلفت» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 113.
[4] وتسمى أيضا «غزوة ذي قرد» . وذو قرد: ماء على نحو بريد من المدينة
مما يلي بلاد غطفان، وقيل على مسافة يوم منها.
والغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة،
(راجع معجم البلدان) . (ووفاء ألوفا 2/ 360) .
[5] اللقاح: الإبل الحوامل ذوات الألبان، (شرح أبي ذر 329) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[9] كذا في الأصل، وفي أ، وابن سعد: «وقتلوا أبو ذر» . وكلاهما صحيح.
[10] في الأصل: «فقال: «يا خيل الله اركبي» . فكان أول» . وما أوردناه
من ابن سعد، أ.
(3/251)
الحديد مقنعا، [فوقف، فكان أول من أقبل
إليه المقداد بن عمرو، وعليه الدرع والمغفر، شاهرًا سيفه، فعقد لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء في رمحه،
وقال: «امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك» ] [1] ، واستخلف [رسول
الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة] [2] عبد الله بن أم
مكتوم، وخلّف سعد بن عبادة في ثلاثمائة [من قومه] [3] يحرسون المدينة
[4] .
قال المقداد: فخرجت فأدركت أخريات العدو وقد قتل أبو قتادة مسعدة،
فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسه
وسلاحه، وقتل عكاشة [بن محصن أثار بن عمرو بن أثار] [5] ، وقتل المقداد
[بن عمرو: حبيب بن عيينة بن حصن، وقرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر] [6] .
وقتل من المسلمين محرز بن نضلة، قتله مسعدة. وأدرك سلمة بن الأكوع
القوم وهو على رجليه، فجعل يراميهم بالنبل، ويقول [7] :
«خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرضع» [8]
حتى انتهى بهم إلى ذي قرد ناحية خيبر [مما يلي المستناخ] [9] .
قال سلمة: فلحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [والناس] [10] والخيول
عشاء، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ فلو
بعثتني في مائة رجل استنقذت ما في أيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم
[11] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ملكت فأسجح» [12] ، [ثم قال:
«إنهم الآن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من طبقات ابن سعد،
وأ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] بعدها في الأصل: «وعقد لواء المقداد، وقال: «أمض فنحن على أثرك» .
وحذفناها لأنها في غير موضعها، وسبقت.
[5] ما بين المعقوفتين: في الأصل هكذا: «عكاشة رجلا» . وما أوردناه من
أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: في الأصل هكذا: «وقتل المقداد رجلين» .
[7] في الأصل: «وجعل سلمة بن الأكوع يرامي القوم بالنبل ويقول» . وما
أوردناه عن أ، وابن سعد.
[8] الرضع: جمع راضع، وهو اللئيم، والمعنى أن هذا اليوم هو يوم هلاك
اللئام. (شرح أبي ذر 329) .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] في الأصل: «وأخذت بأعناقهم» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[12] أي: قدرت فسهل وأحسن العفو، وهو مثل سائر. (النهاية 2/ 146) .
(3/252)
ليقرون في غطفان» . وذهب الصريخ إلى بني
عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم
وعلى الإبل حتى انتهوا] [1] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد
[2] ، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر [3] ، وصلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف، وأقام به يوما وليلة
[يتحسس الخبر، وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها- وكانوا
خمسمائة، ويقال سبعمائة- وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر وبعشر
جزائر، فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد، والثبت عندنا] [4]
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر على/ هذه السرية سعد بن زيد
الأشهلي، ولكن الناس نسبوها إلى المقداد [لقول حسان بن ثابت:
غداة فوارس المقداد
[5] فعاتبه سعد بن زيد، فقال: اضطرني الروي إلى المقداد] [6] .
ورجع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة يوم الاثنين، وقد
غاب خمس ليال [7]
. ثم كانت سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى
الغمر، غمر مرزوق [8] .
وهو ماء لبني أسد على ليلتين من فيد [طريق الأول إلى المدينة وكانت]
[9] في [شهر] [10] ربيع الأول [سنة ست من مهاجرة رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم] [11] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وطبقات ابن
سعد.
[2] في الأصل: «وَانْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم جماعة لحقوه» . وما أوردناه من أ، والأصل.
[3] في الأصل: «وأفلت القوم بعشر» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] انظر ديوان حسان ص 60، وصدر البيت:
ولسر أولاد اللقيطة أننا ... سلّم غداة فوارس المقداد
وقد أورد ابن هشام أبيات حسان في السيرة 2/ 285، 286.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] إلى هنا من أول الغزوة انتهى النقل من ابن سعد 2/ 1/ 58، 59.
[8] المغازي للواقدي 2/ 550، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 61، وتاريخ الطبري
2/ 640، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
(3/253)
[قال ابن سعد] [1] : وجه رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عكاشة [بن محصن] [2] إلى الغمر في أربعين
رجلا، فخرج سريعا يغذ السير، ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم
ووجدوا دارهم خالية، [فبعث شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا
فأصابوا ربيئة لهم، فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له، فأغاروا عليها]
[3] فاستاقوا مائتي بعير، [فأرسلوا الرجل وحدروا النعم] [4] إلى
المدينة. وقدموا [على رسول الله صلى الله عليه وسلم] [5] ، ولم يلقوا
كيدا
. ثم كانت سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة
[6] .
في [شهر] [7] ربيع الآخر [سنة ست من مهاجر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [8] .
[قَالَ ابن سعد] [9] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة
[10] إلى بني [ثعلبة، وبني عوال من ثعلبة- وهم] [11] بذي القصة وبينها
وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا [طريق الرَّبَذَة] [12]- في عشرة نفر،
فوردوا [عليهم] [13] ليلا فأحدق به القوم، وهم مائة رجل [14] ، فتراموا
ساعة [من الليل] [15] ، ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] المغازي للواقدي 2/ 551، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 61، 62، وتاريخ
الطبري 2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] في الأصل: «وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث محمد بن
مسلمة» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[13] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[14] في الأصل: «ليلا فأحدق بهم العدو وكانوا مائة رجل» .
[15] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
(3/254)
فقتلوهم [1] ، فوقع محمد بن مسلمة جريحا
[فضرب كعبه فلا يتحرك، وجردوهم من الثياب. ومر بمحمد بن مسلمة رجل من
المسلمين] [2] فحمله حتى ورد به المدينة [3] ، فبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا
أحدا ووجدوا نعما وشاء فساقه ورجع
. ثم كانت سرية أبي عبيدة إلى ذي القصة
أيضا [4] .
في [شهر] [5] ربيع الآخر [سنة ست من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم]
[6] .
[قالوا] [7] : أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار [8] ، ووقعت سحابة بالمراض
[إلى تغلمين [9]- والمراض على ستة وثلاثين ميلا من المدينة] [10]-
فسارت بنو محاربة وثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة، وأجمعوا أن يغيروا
على سرح المدينة [وهو يرعى بهيفا- موضع على سبعة أميال من المدينة]
[11] فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين
رجلا من المسلمين] [12] حين صلوا المغرب، فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا
القصة مع [عماية الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال، وأصاب
رجلا واحدا فأسلم فتركه، وأخذ نعما من نعمهم، فاستاقه ورثة [13] من
متاعهم، وقدم [بذلك] المدينة فخمسه رسول الله/ صلى الله عليه وسلم وقسم
ما بقي عليهم [14] .
__________
[1] في الأصل: «ثم حمل العدو عليهم فقتلوهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] في الأصل «وحمله رجل من المسلمين إلى المدينة» .
[4] المغازي للواقدي 2/ 552، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 62، وتاريخ الطبري
2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] في الأصل: «وذلك أن بلاد بني ثعلبة وأنمار أجدبت» . وما أوردناه من
أ، وابن سعد.
[9] تغلمين: موضع من بلاد بني فزارة قبل ريم (معجم ما استعجم 203) .
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[13] في الأصل: وشيئا.
[14] في الأصل: «وقسم باقيه عليهم» .
(3/255)
ثم كانت سرية زيد بن
حارثة إلى بني سليم بالجموم [1]
في [شهر] [2] ربيع الآخر [سنة ست من مهاجر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] .
[قَالَ ابن سعد] [4] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة
إلى بني سليم [5] فسار حتى ورد الجموم ناحية بطن نخل [عن يسارها- وبطن
نخل من المدينة على أربعة برد] [6]- فأصابوا عليه امرأة [من مزينة]
يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا في تلك
المحلة نعما [7] وشاء وأسرى. وكان فيهم زوج حليمة [المزنية] [8] ، فلما
قفل زيد [بن حارثة] بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة
نفسها وزوجها، [فقال بلال بن الحارث المزني في ذلك شعرا:
لعمرك ما أخنى المسول ولا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معا]
[9]
ثم كانت سرية زيد [بن حارثة] [10] أيضا إلى
العيص [11] .
وبينها وبين المدينة أربع ليال [12] في جمادى الأولى [سنة ست من مهاجر
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 62، وتاريخ الطبري 2/ 641، والكامل 2/ 92،
والبداية والنهاية 4/ 178.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] في الأصل: «وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث زيد إلى
بني سليم» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] في الأصل: «فأصابوا منها نعما» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[11] المغازي للواقدي 2/ 553، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 63، وتاريخ الطبري
2/ 641، والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[12] في أ: «ليلة» .
(3/256)
قال ابن سعد [1]] : لما بلغ [2] رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عيرا لقريش قد أقبلت
من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكبا يتعرض لها، فأخذوها
وما فيها، وأخذوا يومئذ [فضة] [3] كثيرة [وكانت] [4] لصفوان بن أمية،
وأسروا ناسا ممن كان في العير، منهم أبو العاص بن الربيع، [وقدم بهم
إلى المدينة] [5] ، فاستجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأجارته [ونادت في الناس حين صلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الفجر: إني أجرت أبا العاص] [6] ، فَقَالَ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «وما علمت بشيء من هذا و] [7] قد
أجرنا من أجرت» . ورد عليه ما أخذ منه
. ثم كانت سرية زيد [بن حارثة] [8] أيضا
إلى الطرف [9]
[في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد] [10] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة
إلى الطرف- وهو ماء [11] قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين
ميلا من المدينة طريق النقرة [على المحجة] ، فخرج إلى بني ثعلبة في
خمسة عشر رجلا، فأصاب نعما وشاء، وهربت الأعراب، وصبح زيد بالنعم
المدينة، وهي عشرون بعيرا، ولم يلق كيدا، وغاب أربع ليال، وكان شعارهم:
«أمت أمت» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] في الأصل: «وذلك انه بلغ» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] المغازي للواقدي 2/ 552، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 63، وتاريخ الطبري
2/ 164، والكامل لابن الأثير 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[11] في الأصل: «بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
جمادى الآخرة، والطرف ماء قريب» .
(3/257)
ثم كانت سرية زيد
[بن حارثة] [1] أيضا في هذا الشهر إلى حسمى [2]
وهي وراء وادي/ القرى [في جمادى الآخرة سنة ست من مهاجر رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد] [3] أن دحية بن خليفة الكلبي [4] أقبل من عند قيصر وقد
أجازه وكساه، فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض [بن الهنيد] في ناس من
جذام بحسمى، فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب، فسمع
بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية
على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره [بذلك] [5] ، فبعث زيد [بن
حارثة] [6] في خمسمائة [رجل] [7] ورد معه دحية، وكان زيد يسير الليل
ويكمن النهار ومعه دليل [له] [8] من بني عذرة، فأقبل بهم حتى هجم بهم
مع الصبح على القوم، فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا وقتلوا الهنيد
وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم، فأخذوا [من النعم] [9] ألف
بعير، و [من الشاء] [10] خمسة آلاف شاة، و [من السبي] [11] مائة من
النساء والصبيان. فرحل زيد بن رفاعة [الجذامي فِي نفر من قومه] [12]
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم كتابه الذي كتب له ولقومه [13] ليالي قدم عليه فأسلم، [وقال: يا
رسول الله، لا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] المغازي للواقدي 2/ 555، وطبقات ابن سعد. 2/ 1/ 63، 64، وتاريخ
الطبري 2/ 641، 642 والكامل 2/ 92، والبداية والنهاية 4/ 178، 179.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] في الأصل: «وذلك أن دحية الكلبي» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[12] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[13] في الأصل: «فدفع إليه كتابا كان كتبه به ولقومه» .
(3/258)
حراما] [1] ، فقال: كيف أصنع بالقتلى؟ فقال
[أبو يزيد بن عمرو] [2] : أطلق لنا [يا رسول] [3] من كان حيا [ومن قتل
فهو تحت قدمي هاتين، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «صدق أبو يزيد» ] [4] فبعث معهم عليا رضي اللَّه عنه إلى
زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم، [فتوجه علي
رَضِيَ اللَّهُ عنه فلقي رافع بن مكيث الجهني بشير زيد بن حارثة على
ناقة من إبل القوم، فردها علي على القوم، ولقي زيدا بالفحلتين، وهي بين
المدينة، وذي المروة، فأبلغه أمر رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ [5]] فردوا إلى الناس كل ما كان أخذ منهم
. ثم كانت سرية زيد [بن الحارث] [6] أيضا
إلى وادي القرى [7]
في رجب سنة ست [من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
زيدا أميرا سنة ست] [8]
. ثم كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة
الجندل [9]
في شعبان [سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد] [10] أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن عوف،
فأقعده بين يديه وعممه بيده، وقال: «اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل
من كفر باللَّه، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 64، وتاريخ الطبري 2/ 642، والكامل 2/ 93.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[9] المغازي للواقدي 2/ 560، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 64، وتاريخ الطبري
2/ 642، والكامل 2/ 93.
[10] في الأصل: «قالوا ان» .
(3/259)
وليدا» وبعثه إلى كلب بدومة الجندل، فقال:
إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم. فسار عَبْد الرحمن حتى قدم دومة
الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بْن عمرو
الكلبي، وكان نصرانيا/ وكان رأسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام
من أقام عَلَى إعطاء الجزية [1] ، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ،
فقدم بها إلى المدينة، وهي أم أَبِي سلمة بن عبد الرحمن
. ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي الله
عنه إلى بني سعد بن بكر بفدك [2]
في شعبان [سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد] [3] أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن لهم جمعا يريدون
أن يمدوا يهود خيبر، فبعث إليهم عليا رضي الله عنه في مائة رجل، فسار
الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج- وهو ما بين خيبر وفدك، وبين
فدك والمدينة ست ليال- فوجدوا به رجلا فسألوه [عن القوم] [4] ، فقال:
أخبركم على أنكم تؤمنوني فآمنوه فدلهم فأغاروا عليهم فأخذوا خمسمائة
بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعن ورأسهم وبر بن عليم، فعزل [علي
رضي الله عنه صفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقوحا تدعى الحفذة، ثم
عزل] [5] الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه، وقدم المدينة ولم يلق
كيدا
. ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة
بوادي القرى [6]
على سبع ليال من المدينة في شهر رمضان [سنة ست من مهاجر رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
__________
[1] في الأصل: «على أداء الجزية» .
[2] فدك: قرية قريبة من خيبر، بينها وبين المدينة ست ليال. (وفاء ألوفا
2/ 255) .
المغازي للواقدي 2/ 562، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 65، وتاريخ الطبري 2/
642، والكامل 2/ 93، والبداية والنهاية 4/ 178.
[3] ما بين المعقوفتين: في الأصل مكانها: «وذلك أن» وما أوردناه من أ،
وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] المغازي للواقدي 2/ 564، وابن سعد 2/ 1/ 65، وتاريخ الطبري 2/ 642،
والكامل 2/ 94. وهي في الأصل: «إلى أم مروة» وكذلك في نص الأصل.
(3/260)
ذكر ابن سعد] أن زيد بن حارثة [1] خرج في
تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فلما كان دون وادي القرى لقيه قوم [2] من فزارة من بني بدر
فضربوه وضربوا أصحابه، وأخذوا ما كان معهم. [ثم استبل] [3] زيد وقدم
على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبره فبعثه [رسول الله
صلى الله عليه وسلّم] إليهم، فكمنوا النهار وساروا الليل [ونذرت بهم
بنو بدر] [4] ، ثم صبحهم [زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر] [5]
وأخذوا أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وابنتها جارية [بنت مالك
بن حذيفة بن بدر، وكان الذي أخذ الجارية مسلمة بن الأكوع، فوهبها لرسول
الله صلّى الله عليه وسلّم فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
ذلك لحزن بن أبي وهب.
وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة- وهي عجوز كبيرة- فقتلها قتلا عنيفا،
ربط بين رجليها حبلا ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها.
وقتل النعمان وعبيد الله ابني مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر] [6] .
وقدم زيد [بن حارثة من وجهه ذلك] [7] ، فقرع باب النبي صلى الله عليه
وسلم، فقام إليه عريانا يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبله [وسايله فأخبره بما
ظفره الله عز وجل به] [8]
. ثم كانت سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي
رافع سلام بن أبي الحقيق النضري [9] .
بخيبر في شهر رمضان [سنة ست من مهاجر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ابن سعد أنه] [10] كان أبو رافع [بن أبي الحقيق] [11] قد أجلب في
غطفان ومن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل: «وذلك أن زيدا» وما أوردناه
من أ، وابن سعد.
[2] في الأصل: «لقيه ناس» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل واستبل: برأ (الصحاح 1640) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 66.
[10] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل: «وكان» وما أوردناه من أ،
وابن سعد.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
(3/261)
حوله من مشركي العرب، وجعل لهم/ الجعل
العظيم لحرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث النبي
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن عتيك، وعبد
الله بن أنيس، وأبا قتادة، والأسود بن خزاعي، ومسعود بن سنان. وأمرهم
بقتله.
فذهبوا إلى خيبر، فكمنوا، فلما هدأت الرجل جاءوا إلى محله [1] فصعدوا
درجة له، فقدموا عَبْد اللَّه بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية،
فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت لَهُ امرأته، فلما رأت السلاح
أرادت أن تصيح، فأشار إليها بالسيف، فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه إلا
ببياضه كأنه قبطية، فعلوه بأسيافهم.
قال ابن أنيس: وكنت رجلا أعشى لا أبصر، فاتكأت بسيفي على بطنه حتى سمعت
خسه في الفراش، [وعرفت أنه قد قضى عليه] [2] ، وجعل القوم يضربونه
جميعا، ثم نزلوا فصاحت امرأته فتصايح أهل الدار، واختبأ القوم [في بعض
مناهر خيبر] [3] ، وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم
يطلبونهم بالنيران، فلم يروهم فرجعوا.
ومكث القوم في مكانهم يومين حتى سكن الطلب، ثم خرجوا مقبلين إلى
المدينة كلهم يدعي قتله، فقدموا على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم
فقال: «أفلحت الوجوه» فقالوا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه، وأخبروه خبرهم
فأخذ أسيافهم فنظر إليها فإذا أثر الطعام في ذباب سيف عبد الله بن
أنيس، فقال عليه الصلاة والسلام: «هذا قتله»
. ثم كانت سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير
بن زارم اليهودي بخيبر [4]
في شوال [سنة ست من مهاجر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ ابن سعد] [5] : لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، أمرت يهود
عليهم أسير بن زارم، فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبلغ ذلك
__________
[1] في الطبقات: منزله.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أ، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[4] مغازي الواقدي 2/ 566، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 66 وفي الأصل: أسيد
[5] في الأصل: في شوال، وذلك أنه.
(3/262)
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فوجه عبد
الله بن رواحة في ثلاثة نفر في [شهر] [1] رمضان سرا فسأل عن خبره
وغرته، فأخبر بذلك، فقدم على رسول/ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره
بذلك، فندب [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [2] الناس، فانتدب له
ثلاثون رجلا، فبعث عليهم عبد الله بن رواحة، فقدموا على أسير، فقالوا:
نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له، قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك؟
فقالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه،
فيستعملك على خيبر، ويحسن إليك، فطمع في ذلك، فخرج وخرج معه ثلاثون من
يهود مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كنا بقرقرة ثبار [3] ندم
أسير، فقال عبد الله بْن أنيس وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي
ففطنت [له ودفعت بعيري] [4] وقلت: غدرا أي عدو الله [فعل ذلك مرتين]
[5] فنزلت فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير، فضربته بالسيف فأندرت [6]
عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره [وبيده مخرش من شوحط] [7] فضربني فشجني
مأمومة، وملنا على أصحابه، فقتلناهم كلهم غير رجل واحد [أعجزنا شدا ولم
يصب من المسلمين أحد] [8] ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحدثناه [الحديث] [9] فقال:
«قد نجاكم الله من القوم الظالمين»
. ثم كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى
العرنيين في شوال [10]
قالوا: قدم نفر من عرينة [ثمانية] [11] على رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأسلموا واستوبئوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] «في مغازي موسى بن عقبة: قرقرة تيار» . (وفاء ألوفا 2/ 361) وثبار:
موضع على ستة أميال من خيبر.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[6] أندره: أسقطه، ويقال: ضرب يده بالسيف فأندرها. (الصحاح 835) .
[7] المخرشة: عصا معوجة الرأس (النهاية 1/ 388) . الشوحط: ضرب من شجر
الجبال (الصحاح 1136) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[10] المغازي للواقدي 2/ 568، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 67، وتاريخ الطبري
2/ 644، والكامل 2/ 94.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
(3/263)
المدينة [1] ، فأمر بهم رسول الله صلى الله
عَلَيْهِ وسلم إلى لقاحه [2] [وكانت على ستة أميال من المدينة، وكانوا
فيها حتى صحوا وسمنوا] [3] فاستاقوها وقتلوا الراعي [4] وقطعوا يده
ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وبلغ رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرزا
فأدركوهم، وأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم حتى قدموا بهم المدينة، وكأن
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالغابة، فخرجوا بهم نحوه، فأمر بهم
فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبوا هناك، وكانت اللقاح خمس عشرة
لقحة فردوها إلا واحدة [نحروها] [5] أَخْبَرَنَا/ هِبَةُ الله بن محمد،
قال: أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ مالك، قَالَ: حدثنا عبد الله بن أحمد، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ [أَبِي] [6] عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ،
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَسْلَمَ نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوُوا
الْمَدِينَةَ، فَقَالَ لَهُمْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لو خَرَجْتُمْ إِلَى ذَوْدٍ لَنَا فَشَرِبْتُمْ مِنْ
أَلْبَانِهَا» ، قَالَ حُمَيْدٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ:
«وَأَبْوَالِهَا» ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا صَحُّوا كَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلامِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مُؤْمِنًا أَوْ مُسْلِمًا] [7] وَسَاقُوا ذَوْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَرِبُوا
مُحَارِبِينَ، فَأَرْسَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في آثَارِهِمْ فَأُخِذُوا فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأْرَجُلَهُمْ
وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا.
أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [8] .
__________
[1] استوبئوا المدينة: أي وجدوها وبئة. (الصحاح 79) .
[2] في أ: «إلى ذود له» ، وما أوردناه موافق لابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] الراعي كما في ابن سعد «يسار مولى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من المسند، وفي أ:
اختصر الناسخ السند.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[8] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 3/ 107، 205.
(3/264)
ثم كانت سرية عمرو
بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بمكة [1]
وكان سبب ذلك أن أبا سفيان قال لنفر من قريش: ألا رجل يغتال محمدا فإنه
يمشي في الأسواق، فقال له رجل من العرب [2] : إن قويتني خرجت إليه حتى
أغتاله ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأعطاه بعيرا ونفقة، فخرج ليلا،
فسار على راحلته خمسا وصبح [ظهر] [3] الحرّة صبح سادسة، وأقبل يسأل عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دل عليه، فعقل راحلته، ثم أقبل إلى
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد في مسجد بني عبد
الأشهل، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «إن هذا ليريد غدرا» ، فذهب ليجني على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره، فإذا بالخنجر فسقط
في يديه، وقال: دمي دمي، فأخذ أسيد بلبته فدعته فَقَالَ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أصدقني» ، فأخبره الخبر وأسلم،
فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية
الضمري، وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان وقال: «إن أصبتما منه غرة
فاقتلاه، فدخلا مكة فمضى عمرو يطوف بمكة [4] ليلا فرآه معاوية فعرفه،
فأخبر قريشا بمكانه/ فطلبوه وكان فاتكا في الجاهلية- فهرب هو وسلمة،
فلقي عمرو بن عُبَيْد اللَّه بن مالك فقتله، وقتل آخر من بني الديل
سمعه يقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا
ولقي رسولين لقريش بعثتهما [5] يتحسسان الخبر، فقتل أحدهما، وأسر الآخر
فقدم به [المدينة] [6] وجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره
والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك.
هذا قول محمد بن سعد، كاتب الواقدي [7] .
وذكر ابن إسحاق عن أشياخه [8] : إن هذا كان في سنة أربع، وأن عمرو بن
أمية
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 68، وتاريخ الطبري 2/ 542، والكامل 2/ 60،
والبداية والنهاية 4/ 69.
السيرة 2/ 633- 635.
[2] في أ، وابن سعد: «فأتاه رجل من الأعراب فقال» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في أ، وابن سعد: «يطوف بالبيت ليلا» .
[5] في الأصل: ولقي رسول الله لقريش رجلين» والتصحيح من الطبقات.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[7] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 68.
[8] تاريخ الطبري 2/ 542.)
(3/265)
قَالَ: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد قتل خبيب وأصحابه، وبعث معي رجلا من الأنصار، فقال: ائتيا أبا
سفيان فاقتلاه فخرجنا وليس مع صاحبي بعير، فلما وصلنا عقلت بعيري، وقلت
لصاحبي إني أريد أن أقتل أبا سفيان فإن أصبت شيئا فالحق ببعيري فاركبه
والحق بالمدينة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما دخلنا مكة
قال لي صاحبي هل لك أن تطوف، فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك، فلم يزل بي
حتى طفنا، فمررنا بمجلس فعرفني رجل منهم، فصاح بأعلى صوته: هذا عمرو بن
أمية الضمري، فتبادر أهل مكة، قالوا:
والله ما جاء عمرو لخير، فقاموا فِي طلبي، فقلت لصاحبي: «النجاء، فهذا
الذي كنت أخاف، وليس إلى الرجل سبيل فانج بنفسك» ، فخرجنا نشتد حتى
أصعدنا في الجبل، فدخلنا غارا فبتنا فيه ليلتنا فأعجزناهم فرجعوا، فإذا
عثمان بن مالك التميمي قد وقف بباب الغار، فخرجت إليه فوجأته بخنجر معي
فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فأتوا إليه، ورجعت إلى مكاني، فجاءوه وبه رمق،
فقالوا: ويلك من؟ قال: عمرو بن أمية، ثم مات ولم يستطع أن يخبرهم
بمكاننا، فقالوا: والله لقد علمنا أنه ما جاء لخير، فاشتغلوا بصاحبهم،
فأقمنا في الغار يومين، ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا خشبة خبيب/ وحوله من
يحرسه، فقلت للأنصاري: إن خشيت فخذ الطريق إلى جملي فاركبه، والحق
برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر واشتددت إلى خشبته
فاحتللته واحتملته على ظهري، فو الله ما مشيت به إلا نحو ذراعين [1]
[حتى نذروا بي فطرحته] [2] فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثري
فأخذت طريق الصفراء، فرجعوا وانطلق صاحبي فركب بعيري ثم أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، وأقبلت أمشي حتى أشرفت على ضجنان،
فدخلت غارا، فدخل علي رجل من بني الديل، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني
بكر، قال:
وأنا من بني بكر، ثم اضطجع معي، ثم رفع عقيرته يتغنى، ويقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا
فقلت: سوف تعلم، فنام فقمت فقتلته شر قتلة، وخرجت فلقيت رجلين من قريش
يتحسسان أمر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقُلْتُ: استأسرا، فقالا: أنحن نستأسر لك،
__________
[1] في أ، والطبري: «نحو أربعين ذراعا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
(3/266)
فرميت أحدهما بسهم فقتلته، ثم قلت للآخر:
استأسر، فاستأسر فأوثقته، فقدمت بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقد شددت إبهامه بوتر قوسي، فنظر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فضحك ودعا لي بخير
. وفي هذه السنة كانت غزوة الحديبية [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم خرج للعمرة في ذي القعدة سنة
ست، فاستنفر [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [2] أصحابه للخروج معه،
فأسرعوا وتهيأوا، وَدَخَلَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ] [2] بيته فاغتسل ولبس ثوبين، وركب راحلته القصواء، وخرج في
يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، واستخلف على المدينة [عبد الله] بن أم
مكتوم، ولم يخرج بسلاح إلا السيوف في القرب، وساق بدنا، وساق أصحابه
أيضا بدنا، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بالبدن التي ساق فجللت [3]
ثم أشعرها [4] في الشق الأيمن وقلدها وأشعر أصحابه أيضا، وهي سبعون
بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين/ بذلك، وأحرم
ولبى، وقدم عباد بن بشر أمامه طليعة في عشرين فرسا من خيل المسلمين،
وفيهم رجال من المهاجرين والأنصار، وخرج معه [من المسلمين] [5] ألف
وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون
رجلا، وأخرج معه زوجته أم سلمة رضي الله عنها، وبلغ المشركين خروجه
فأجمعوا رأيهم على
__________
[1] مغازي الواقدي 2/ 517، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 69، وسيرة ابن هشام 2/
308، وتاريخ الطبري 2/ 620، والكامل في التاريخ 2/ 86، والاكتفاء 2/
233، والبداية والنهاية 4/ 164.
والحديبيّة (بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء،
وقد اختلف فيها فمنهم من شدد ومنهم من خفف) : قرية متوسطة ليست
بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحتها، وبينها وبين مكة مرحلة، وبينها وبين
المدينة تسع مراحل. (معجم البلدان، وشرح الزرقاني على المواهب 2/ 216)
.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] تجليل الفرس: أن تلبسه الجل، أي الغطاء.
[4] أشعر: ضرب صفحة السنام اليمنى بحديدة فلطخها بدمها إشعارا بأنه هدي
(شرح الزرقاني على المواهب 2/ 218) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
(3/267)
صده عن المسجد الحرام، وعسكروا ببلدح
وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم [1] ، وعليهم خَالِد بن الوليد،
ويقال: عكرمة بن أبي جهل، ودخل بسر [2] بن سفيان الخزاعي مكة فسمع
كلامهم وعرف رأيهم، فَرَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فلقيه بغدير الأشطاط من وراء عسفان [3] فأخبره بذلك.
ودنا خالد [بن الوليد في خيله] [4] حتى نظر إلى أصحاب رسول الله صلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [4]
عباد بن بشر فتقدم في خيله فأقام بإزائه وصف أصحابه، وحانت صلاة الظهر،
وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [بأصحابه] [4] صلاة الخوف، وسار
حتى دنا من الحديبية- وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة- فوقفت به
[5] راحلته على ثنية تهبط على غائط القوم فبركت. فقال المسلمون: حل حل،
يزجرونها، فأبت، فقالوا:
خلأت [6] القصواء، فقال [النبي صلى الله عليه وسلم] [4] : «ما خلأت،
ولكن حبسها حابس الفيل، أما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم
حرمة الله إلا أعطيتهم إياها» ، ثم زجرها، فقامت فولى راجعا عوده على
بدئه حتى نزل بالناس على ثمد من أثماد الحديبية قليل الماء، فانتزع
سهما من كنانته فغرزه فيها فجاشت [7] لهم بالرواء [8] حتى اغترفوا
بآنيتهم جلوسا على شفير البئر.
ومطر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية
مرارا، وكثرت المياه. وجاءه بديل بن ورقاء وركب معه فسلموا وقالوا: [9]
جئناك من عند قومك: كعب بن لؤي، وعامر بن لؤيّ قد استنفروا
__________
[1] كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو واد أمام
عسفان بثمانية أميال.
[2] في الأصل: بشر، والتصحيح من الطبقات، والإصابة 1/ 154.
[3] عسفان: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقيل: هي بين
المسجدين، وهي من مكة على مرحلتين، وقيل غير ذلك.
[4] كل ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[5] في الطبقات: فوقعت يدا.
[6] خلأت: بركت، قال أبو ذر: الخلاء في الإبل بمنزلة الحران في الدواب،
وقال بعضهم: لا يقال: لا للناقة خاصة.
[7] جاشت: ارتفعت.
[8] الرواء، بفتح الراء: الكثير.
[9] في ابن سعد: قال بديل.
(3/268)
لك الأحابيش ومن أطاعهم، معهم العوذ
والمطافيل والنساء والصبيان/ يقسمون باللَّه لا يخلون بينه وبين البيت
حتى تبيد خضراؤهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا
عنه قتلناه. فرجع بديل فأخبر [بذلك] [1] قريشا، فبعثوا عروة بن مسعود
[الثقفي] [2] فكلمه [رسول الله صلى الله عليه وسلم] [2] بنحو ذَلكَ،
فأخبر قريشا، فقالوا: نرده عن البيت في عامنا هذا ويرجع من قابل فيدخل
مكة ويطوف بالبيت.
وبعث رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى قريش خراش بن أمية ليخبرهم
بما جاء له [3] فأرادوا قتله، فمنعه من هناك من قومه، فأرسل عثمان بن
عفان، فقال: اذهب إلى قريش فأخبرهم أنا لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا
زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف، فأتاهم
وأخبرهم، فقالوا: لا كان هذا أبدا ولا يدخلها العام.
وبلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عثمان
قد قتل، فذلك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة
وبايع لعثمان فضرب بشماله على يمينه لعثمان، وقال:
إنه ذهب في حاجة الله ورسوله. وجعلت الرسل تختلف بينهم، فأجمعوا على
الصلح، فبعثوا سهيل بن عمرو فِي عدة رجالهم فصالحه على ذلك، وكتبوا
بينهم:
«وهذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، واصطلحا على وضع
الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال
ولا إغلال وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد
وعقده فعل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم فعل، وأنه من أتى محمدا
منهم بغير إذن وليه رده إليه، وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم
يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا قابلا في
أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف
في القرب» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] في الأصل: «ليخبرهم بحاله» .
(3/269)
شهد أبو بكر [وعمر بن الخطاب] [1] وعبد
الرحمن بن عوف، وابن أبي وقاص وعثمان/ وأبو عبيدة، وابن مسلمة [2] ،
وحويطب، ومكرز.
وكتب علي [صدر هذا الكتاب] [3] فكان هذا الكتاب عند النبي صلى الله
عليه وسلم، ونسخته عند سهيل بن عمرو.
وخرج أبو جندل بن سهيل من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرسف في
الحديد، فَقَالَ سهيل: هَذَا أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ، فرده النبي صلى
الله عليه وسلم، وقال: يا أبا جندل، قد تم الصلح بيننا فاصبر حتى يجعل
الله لك فرجا ومخرجا. ووثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده،
ووثبت بنو بكر، فقالوا: نحن ندخل في عهد قريش وعقدها، فلما فرغوا من
الكتاب انطلق سهيل وأصحابه ونحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هدية وحلق رأسه، حلقه خراش بن أمية الخزاعي [ونحر أصحابه]
[4] ، وحلق عامتهم وقصر الآخرون.
فقال [النبي صلى الله عليه وسلم] «رحم الله المحلقين» ثلاثا. قيل: [يا
رسول الله والمقصرين؟
قال:] [5] والمقصرين فأقام صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية بضعة وعشرين
يوما، وقيل: عشرين ليلة، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم، فلما كان بضجنان
نزل عليه: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 48: 1 [6] . فقال:
جبريل عليه السلام يهنئك يا رسول الله، وهنأه المسلمون [7] . فلما قدم
صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه أبو بصير [8] ، رجل من قريش وقد أسلم،
فبعثوا رجلين في طلبه فرده معهما، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب الآخر،
فقدم أبو بصير على
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: وأبو عتبة وأبو سلمة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[6] سورة: الفتح، الآية: 1.
[7] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد.
[8] هو عتبة بن أسيد، كما في مغازي الواقدي.
(3/270)
رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم فقال: وفيت
بذمتك يا رسول الله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمه مسعر حرب»
[1] ، ففهم أنه سيرده، فذهب إلى ساحل البحر فجلس في طريق قريش، وخرج
إليه جماعة ممن كان محبوسا بمكة، منهم: أبو جندل. فصاروا نحوا من
سبعين، وكانوا يعترضون أموال قريش [2] ، فأرسلت قريش إلى رسول اللَّه
صلى الله عليه وسلم يناشدونه أن يرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن،
فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا المدينة.
وفي هذه الهدنة [3] : هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- وكانت قد
أسلمت وبايعت بمكة- فخرجت في زمن الهدنة، وهي أول من هاجر من النساء،
فخرجت وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة. فخرج في أثرها
أخواها: / الوليد، وعمارة [ابنا عقبة] حتى قدما المدينة، فقالا: يا
محمد ف لنا بشرطنا، فقالت أم كلثوم: يا رسول الله، أنا امرأة وحال
النساء في الضعف ما قد علمت، فتردني إلى الكفار فيفتنوني عن ديني ولا
صبر لي؟ فنقض الله العهد في النساء في صلح الحديبية وأنزل فيهن المحنة
وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم، ونزل في أم كلثوم:
فَامْتَحِنُوهُنَّ الله [أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ] 60: 10 [4] .
فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتحن النساء بعدها، يقول:
«والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله [والإسلام] [5] ، ما خرجتن لزوج
ولا مال» فإذا قلن ذلك تركن ولم يرددن إلى أهليهن [6] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد
الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن
سعد، قال: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ:
__________
[1] في الطبري، والواقدي: «محشّ حرب» . ومعناها واحد. أي: هيج الحرب،
ويقال: حششت النار، وأرثتها، وأذكيتها، وأثقبتها وسعرتها بمعنى واحد،
وفي الصحيح: «ويل أمه مسعر حرب» .
[2] في الأصل: «فكانوا يتعرضون بأموال قريش» .
[3] في أ: «وفي هذه السنة» . وراجع هجرة أم كلثوم في ابن هشام 2/ 325.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، والآية رقم: 10 من سورة:
الممتحنة.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] سيرة ابن هشام 2/ 325، وطبقات ابن سعد 8/ 167، وتاريخ الطبري 2/
460.
(3/271)
«كنا يوم الحديبيّة ألفا وأربعمائة» [1] .
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ [2] : وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَعْقِلِ بْنِ
يَسَارٍ، وَجَابِرٍ فِي الْعَدَدِ. وَقَالَ جَابِرٌ فِي رواية: «كنا
ألفا وخمسمائة» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: «كُنَّا
يومئذ ألفا وثلاثمائة» .
وَفِي إِفْرَادِ مُسْلِمٍ حَدِيثُ ابْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: «قَدِمْتُ
الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعُ عَشْرَةَ مِائَةٍ، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ
شَاةً مَا نَرْوِيهَا، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جُبَاهَا فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَزَقَ،
فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا [3] .
أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قَالَ: أخبرنا
أبو عمرو بن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ:
انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: مَا
هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيِه وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ،
فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ/ فِيمَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا
خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ
عَلَيْهَا [4] .
قَالَ سَعِيدٌ: إِنْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ،
فَأَنْتُمْ أَعْلَمْ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ، عَنْ
نَافِعٍ، قَالَ:
كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: شَجَرَةُ
الرِّضْوَانِ، فيصلون عندها، فبلغ
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 71.
[2] من هنا ساقط من أ: إلى: «فسقينا واستقينا» وسنشير إلى نهاية السقط.
[3] إلى هنا السقط في أ.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 72.
[5] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 73.
(3/272)
ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
فَأَوْعَدَهُمْ فِيهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ.
وفي عمرة الحديبية: أصاب كعب بن عجرة الأذى في رأسه، وأمر رسول الله
صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ صاحب هديه واسمه ناجية بما عطب من الهدي
أن ينحره، وأن يغمس نعله في دمه.
وفيها: صاد أبو قتادة حمار وحش.
وفيها: مطر النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أصبح الناس رجلان: مؤمن باللَّه كافر بالكواكب، وكافر
باللَّه مؤمن بالكواكب» [1] .
وفيها: هبط قوم ليغتالوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
وفِي إفراد مسلم من حديث أنس، قال: لما كان [2] يوم الحديبية هبط على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من أهل مكة في السلاح من
قبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم
فأخذوا، ونزلت: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ 48: 24 [3] .
[وفي هذه السنة] : ذبح عويم بن أشقر أضحيته قبل أن يغدو، فأمره رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يعيد.
قال أبو الحسن المدائني: ووقع في هذه السنة طاعون، وهو أول طاعون كان]
[4] .
وفي هذه السنة [5] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل، ستة نفر،
فخرجوا مصطحبين
__________
[1] فِي الأصل: «أصبح الناس مؤمن باللَّه وكافر بالكواكب» .
[2] في أ: «قال: أراد قوم يوم الحديبيّة أن يغتالوا رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم فهبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه
ثمانون» .
[3] سورة: الفتح، الآية: 24.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 2/ 644.
(3/273)
فِي ذي الحجة: حاطب بن أبي بلتعة إلى
المقوقس، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وعبد الله بن حذافة إلى
كسرى، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، وشجاع بن وهب [1] إلى الحارث بن
أَبِي شمر الغساني، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي.
وفي هذه السنة اتخذ الخاتم، وذلك أنه قيل له: إن الملوك لا تقرأ كتابا
إلا مختوما [فاتخذ الخاتم] [2]
. ذكر ما جرى من هؤلاء الملوك حين/ بعث
إليهم [3]
قال مؤلف الكتاب [4] :
أما المقوقس [5] فإنه لما وصل إليه حاطب بن أبي بلتعة أكرمه وأخذ كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب في جوابه:
«قد علمت أن نبيا قد بقي، وقد أكرمت رسولك» ، وأهدى إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أربع جوار، منهن مارية أم إبراهيم [ابْن رسول الله صَلى
اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ] [6] ، وحمارا يقال له: عفير [7] ، وبلغة يقال
لها: الدلدل، ولم يسلم.
فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته، وقال: «ضن الخبيث بملكه ولا
بقاء لملكه» .
واصطفى مارية لنفسه، وأما الحمار فنفق في منصرفه من حجة الوداع، وأما
البغلة فبقيت إلى زمن معاوية.
__________
[1] في الأصل: «مجدع بن وهب» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 16، وتاريخ الطبري 2/ 645، والبداية والنهاية
4/ 255، 268، والكامل 2/ 95.
[4] «قال مؤلف الكتاب» : ساقط من أ.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 16، 17، وتاريخ الطبري 2/ 645. (6) في الطبري
أربعة جوار، وفي ابن سعد: «جاريتان» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] لم يذكر ابن سعد «عفير» .
(3/274)
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا
الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال:
أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا
محمد بن عمر، قال: أخبرنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ:
لما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ
بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ
الْقِبْطِيِّ صَاحِبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَتَبَ إليه معه كتابا
يدعوه إلى الإسلام، فلما قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ لَهُ خَيْرًا،
وَأَخَذَ الْكِتَابَ- وَكَانَ مَخْتُومًا- فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ
عَاجٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ، وَكَتَبَ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابَ كِتَابِهِ
وَلَمْ يُسْلِمْ وَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : إِلا أَنَّ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ وَصَلَتْ فِي
سَنَةِ سَبْعٍ، وَسَنَذكر هَذَا.
وأما قيصر وهو هرقل ملك الروم [2] فإنه كان قد ظهر على من كان بأرضه من
فارس، وأخرجهم منها، وانتزع [له منهم] [3] صليبه الأعظم، وكانوا قد
استلبوه إياه، فخرج من حمص يمشي على قدميه شكرا للَّه حين رد عليه ما
رد تبسط له البسط، وتلقى عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء وقضى
فيها صلاته، وأنه أصبح يوما مهموما يقلب طرفه في السماء، فقالت له
بطارقته:
لقد أصبحت أيها الملك مهموما، قال: / أجل أريت في هذه الليلة أن ملك
الختان ظاهر، قالوا: ما تعلم أمة تختتن إلا يهود، وهم في سلطانك وتحت
يدك، فابعث إلى من لك عليه سلطان في بلادك، فمره أن يضرب أعناق من تحت
يده من يهود، واسترح من هذا الهم، فبينما هم في ذلك من رأيهم أتاه رسول
صاحب بصرى برجل من العرب يقوده، فقال: أيها الملك إن هذا من العرب يحدث
عن أمر يحدث ببلاده عجب، قال هرقل لترجمانه: سله ما هذا الحدث الذي كان
ببلاده؟ فسأله فقال: خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فاتبعه ناس
وخالفه آخرون، وكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك،
__________
[1] «قال مؤلف الكتاب ... وسنذكر هذا» : ساقط من أ.
[2] تاريخ الطبري 2/ 646.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
(3/275)
فقال: جردوه، فجردوه، فإذا هو مختون، فقال
هرقل: هذا والله الذي رأيت، أعطوه ثوبه، انطلق عنا ثم دعي صاحب شرطته،
فقال: قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل- يعني
النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سفيان: وكنت قد خرجت في تجارة في زمان الهدنة، فهجم علينا صاحب
شرطته، فقال: أنتم قوم هذا الرجل؟ قلنا: نعم فدعانا.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي التميمي، قَالَ: أخبرنا أحمد بن
جعفر بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ [بْنِ
مَسْعُودٍ] [1] ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ
إِلَى الإِسْلامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ [2] مَعَ دِحْيَةَ
الْكَلْبِيُّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى [لِيَدْفَعَهُ] [3]
إِلَى قَيْصَرَ، [فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى] [4] ، وَكَانَ قَيْصَرَ
لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى
مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَا [5] ، عَلَى الزَّرَابِيِّ [6] تُبْسَطُ
لَهُ.
قَالَ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ
كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
حِينَ قَرَأَهُ:
الْتَمِسُوا لِي مِنْ قَوْمِهِ مَنْ/ أَسْأَلُهُ عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ
حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا
تُجَّارًا وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وبين كفار [قريش] [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من المسند (1/ 262) .
[2] في المسند: «وبعث كتابه مع دحية» .
[3] بصرى: مدينة بالشام وهي التي وصل إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم
للتجارة. وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[5] إيلياء: مدينة بيت المقدس، وهي كلمة عبرية قيل معناها: بيت الله.
[6] الزرابي جمع زريبة- بفتح الزاي وسكون الراء- وهي الوسادة تبسط
للجلوس عليها.
[7] ما بين المعقوفتين: من المسند.
(3/276)
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَتَى رَسُولُ
قَيْصَرَ، فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي، حَتَّى قَدِمْنَا إِيلْيَا،
فَأَدْلَجْنَا عَلَيْهِ [1] فَإِذَا هَوُ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ
مُلْكِهِ، عَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ،
فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا
الرَّجُلِ الَّذَيِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ [إِلَيْهِ] [2] نَسَبًا، قَالَ: مَا
قَرَابَتُكَ مِنْهُ؟ [قَالَ] [3] : قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي
عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي. [قَالَ:] [4] فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ
[مِنِّي] [5] ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي
[عِنْدَ كَتِفِي] [6] ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ
لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُم
أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.
قَالَ أبو سفيان: فو الله لولا استحيائي يومئذ يَأْثِرَ أَصْحَابِي
عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي، وَلَكِنِّي
اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي الْكَذِبَ، فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ،
ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ:
قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ [قَالَ] [7] قَلْتُ:
هَوُ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ [قَالَ] [8] هَذَا الْقَوْلَ
مِنْكُمْ أَحَدٌ [قَطُّ] [9] قَبْلَهُ؟ قَالَ: قَلُتْ: لا، قَالَ:
[فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ:]
[10] فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ:
قُلْتُ:
بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ:
قُلْتُ: [بَلْ] [11] يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدَّ أَحَدٌ
سَخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ:
فَهَلْ يَغْدِرُ؟ [قَالَ:] [12] قُلْتُ:
لا، وَنَحْنُ الآنَ منه في مدة، ونحن نخاف ذلك.
__________
[1] في المسند: «فأدخلنا عليه» .
[2] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[6] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[7] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[8] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[9] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[10] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[11] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[12] ما بين المعقوفتين: من المسند.
(3/277)
قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ
تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ
غَيْرَهَا، لا أَخَافُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي. قَالَ: فَهَلْ
قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ [قَالَ] : [1] قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: كَيْفَ كَانَتْ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَتْ
دُوَلا سِجَالا نُدَالُ عَلَيْهِ الْمَرَّةَ، وَيُدَالُ عَلَيْنَا
الأُخْرَى، قَالَ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا
أَنْ نَعْبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا،
وَيْنَهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا
بِالصَّلاةِ/ وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ،
وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.
قَالَ: فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ: قُلْ [2]
لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ
فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ
قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الَقْوَلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
قَطُّ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لا. فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ
بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ
بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا،
فَقَدْ عَرِفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى
النَّاسِ، وَيَكْذِب عَلَى اللهَ تَعَالَى، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ
مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ
مَنْ آبائه ملك قُلْتُ:
رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ
يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ
اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرَّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ
يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ،
وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ لا
يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا،
وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ
وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكَمُ
وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلا يُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ
عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَيَكُونُ لَهَا
الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟
فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ وَحْدَهُ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [3] وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا
كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصِّدْقِ وَالصَّلاةِ،
وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ،
وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ،
وَلَكِنْ لَمْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنْ يَكْنُ مَا قُلْتَ
فِيهِ [4] حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ
هَاتَيْنِ، وَاللَّهِ لَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ
لَتَجَشَّمْتُ لُقْيَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ
قَدَمَيْهِ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ، فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ
اللَّهِ ورسوله إلى هرقل عظيم الروم،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] في الأصل: حين قلت ذلك قال: قل.
[3] في الأصل: «وحده لا شريك له» .
[4] في الأصل: ما قلته.
(3/278)
سلام على من اتبع الهدى أما بعد. فَإِنِّي
أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ
يُؤْتِكَ/ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ
فَعَلَيْكَ إثم الأريسيّين [1]- يعني الأكّارة يا أَهْلَ الْكِتابِ
تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ
إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا
بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 64 [2] . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ
عُلَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا.
وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَصْتُ
قُلْتُ لَهُمْ: أُمِرَ أَمْرُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ [3] ، هَذَا مَلِكُ
بَنِي الأَصْفَرِ [4] يَخَافُهُ.
قال أبو سفيان: فو الله مَا زِلْتُ ذَلِيلا مُسْتَيْقِنًا أَنَّ
أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبِي
الإِسْلامَ وَأَنَا كَارِهٌ [5] .
قال مؤلف الكتاب: وروينا عن الزهري، قال [6] : حدثني أسقف النصارى: أن
هرقل قدم عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله بين فخذيه
وخاصرته. ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرءونه
يخبره بما جاء إليه صاحب رومية: إنه للنبي الذي كنا ننتظر، لا شك فيه،
فاتبعه وصدقه.
__________
[1] الأريسيون: أي أتباعك من الفلاحين والأجراء.
[2] سورة: آل عمران، الآية: 64.
[3] أمر امر ابن أبي كبشة: أي عظم شأنه، وأراد بذلك النبي صلّى الله
عليه وسلّم. وقد ذكر النووي أن أبا كبشة رجل من خزاعة خالف قريشا في
عبادة الأوثان فعبد الشعري فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة في
دينهم.
[4] بنو الأصفر: هم الروم.
[5] أخرجه أحمد بن حنبل في المسند واللفظ له 1/ 262، والبخاري في فضل
الجهاد والسير 4/ 54- 57، وفي التفسير سورة آل عمران 6/ 43- 46، ومسلم
في الجهاد والسير 5/ 163- 166، وعبد الرزاق في المصنف في المغازي 5/
344- 347، وأبو داود مختصرا في الأدب 14/ 45، 46، والترمذي في أبواب
الاستئذان، والآداب 7/ 500، 501، والطبري في التاريخ 2/ 646،
والأصبهاني في الأغاني 6/ 345- 349.
[6] تاريخ الطبري 2/ 649، والأغاني 6/ 348، 349.
(3/279)
فأمر ببطارقة الروم، فجمعوا له في دسكرة
[1] ، فأشرجت [2] أبوابها [عليهم] [3] ، ثم اطلع عليهم من عَلَيْهِ له،
وقد خافهم على نفسه، وقال: يا معشر الروم، إنه قد أتاني هذا الرجل
يدعوني إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا،
فهلموا فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.
فنخروا نخرة رجل واحد، ثم ابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها قد أغلقت،
فقال:
ردوهم، ثم قَالَ: يا معشر الروم، إنما قلت لكم [ما قلت] [4] لأنظر كيف
صلابتكم على دينكم، وقد رأيت منكم الَّذِي أسر به، فوقعوا له سجودا؟
وانطلقوا.
وروى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم [5] ، أن هرقل قال لدحية: والله إني
لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وإنه الذي كنا ننتظره، ولكني أخاف الروم على
نفسي، ولولا ذلك لا تبعته، فاذهب إلى فلان الأسقف فاذكر له أمر صاحبك،
فهو والله أعظم في الروم/ مني.
فجاءه دحية، فأخبره، فقال له: صاحبك والله نبي مرسل نعرفه. ثم دخل
فألقى ثيابا سودا كانت عليه، ولبس ثيابا بيضاء، ثم خرج، فقال: قد جاءنا
كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى اللَّه عز وجل، وإني أشهد أن لا إله إلا
الله وأن أحمد عبده ورسوله.
فوثبوا عليه [وثبة رجل واحد] [6] ، فضربوه حتى قتلوه. فرجع دحية فأخبر
هرقل، فقال: قد قلت ذَلكَ، إنا نخافهم على أنفسنا.
وذكر ابن إسحاق، عن خالد بن يسار [7] ، عن رجل من قدماء أهل الروم [8]
، قال: لما أراد هرقل الخروج من أرض الشام إلى القسطنطينية، لما بلغه
من أمر رسول
__________
[1] الدسكرة: القرية، والصومعة، والأرض المستوية، وبيوت الأعاجم
والملاهي، وبناء بالقصر حوله بيوت، وهو المراد هنا.
[2] أشرجت: سدت. وفي الأصل: «واسترخت» .
[3] ، (4) ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 2/ 650.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، تاريخ الطبري.
[7] في الأصول: «خالد بن سنان» والتصحيح من الطبري.
[8] في الطبري: «من قدماء أهل الشام» .
(3/280)
اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع الروم،
وقال: إني عارض عليكم أمورا، فانظروا [فيم قد أردتها] [1] قالوا: وما
هي؟ قَالَ: تعلمون والله أن هذا الرجل لنبي مرسل نجده في كتبنا ونعرفه
بصفته، فهلم نتبعه. فقَالُوا: نكون تحت أيدي العرب، قال: فأعطيه الجزية
كل سنة، اكسروا عني شوكته وأستريح من حربه، قالوا: نعطي العرب الذل
والصغار، لا والله، قال: فأعطيه أرض سورية- وهي فلسطين، والأردن،
ودمشق، وحمص، وما دون الدرب- قالوا: لا نفعل، قال: أما والله لترون
أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم. ثم جلس على بغل له،
[فانطلق] [2] حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، فقال: السلام
عليك أرض سورية سلام الوداع، ثم ركض يطلب القسطنطينية.
وأما كسرى فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليه
بكتاب مع عبد الله بن حذافة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ،
[قَالَ: أخبرنا أحمد بن جَعْفَرٍ] [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ دَاوُدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ [بْنُ
كَيْسَانَ] ، [4] وَابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله/
بن حُذَافَةَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، [فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ
الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى] [5] ،
فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى خَرَّقَهُ [6] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
فَحَسِبْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِأَنْ] يُمَزَّقُوا كُلَّ
ممزق [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: في هامش الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[6] هكذا في جميع الأصول المخطوطة، وفي المسند: «مرقة» .
[7] الخبر أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 1/ 243، والبخاري بنحوه في
المغازي 6/ 10، وفي الجهاد 4/ 54. وقد ورد في الأصل: فمزّقوا كل ممزق.
(3/281)
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فُهَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ الْغُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قُبَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
مُحَّمَدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله
بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ مَلِكِ
فَارِسٍ، وَكَتَبَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، من محمد رسول الله إِلَى كِسْرَى
عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلامُ اللَّهِ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
وَآَمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
وَأَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنِّي أنا رَسُولُ
اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا
وَيِحِقُّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَأَسْلِم تَسْلَمْ، فَإِنْ
أَبَيْتَ، فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ» .
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَقَّقَهُ [1] ، وَقَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا
الْكِتَابِ وَهُوَ عَبْدِي. فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُزِّقَ مُلْكُهُ» حِينَ بَلَغَهُ
أَنَّهُ شَقَّقَ كِتَابَهُ [2] .
ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ، وَهُوَ عَلَى الْيَمَنِ، أَنِ
ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ مِنْ
عِنْدِكَ جَلْدَيْنِ، فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ
قَهْرَمَانَهُ، وَهُوَ ابْنُ بَابَوَيْهِ- وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا-
وَبَعَثَ معه بِرَجُلٍ مِنَ الْفُرْسِ يُقَالَ لَهُ: خَرَخْسَرَه،
وَكَتَبَ مَعُهَما إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا إِلَى كِسْرَى،
وَقَالَ لِبَابَوَيْهِ: وَيْلَكَ انْظُرْ مَا الرَّجُلُ؟ وَكَلِّمْهُ
وَاتِنِي بِخَبَرِهِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الطَّائِفَ، فَسَأَلا
عَنْهُ، فَقَالُوا هُوَ بِالْمَدِينَةِ/ وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا:
قَدْ نَصَبَ [3] لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ، كَفَيْتُمُ
الرَّجُلَ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ بَابَوَيْهِ، وَقَالَ لَهُ:
إِنَّ شَاهَانْشَاهَ مَلِكَ الْمُلُوكِ كِسْرَى قَدْ كَتَبَ إِلَى
الْمَلِكِ بَاذَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ بِأَمْرِهِ أَنْ
يَأْتِيَهُ بِكَ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لتنطلق معي، فإن
__________
[1] في الطبري: «شقة» .
[2] في الطبري: «شق الكتاب» .
[3] نصب: جد واهتم.
(3/282)
فَعَلْتَ كُتِبَ فِيكَ إِلَى مَلِكِ
الْمُلُوكِ بِِكِتَابٍ يَنْفَعُكَ وَيُكُفُّ عَنْكَ بِهِ، وَإِنْ
أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ، فَهُوَ مُهْلِكُكَ وَمُهْلِكُ
قَوْمِكَ، وَمُخْرِبُ دِيَارِكَ. وَكَانَا قَدْ دَخَلا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا
وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا، فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ:
«وَيْلَكُمَا، مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟» قَالا: أَمَرَنَا بِهَذَا
رَبُّنَا- يَعْنِيَانِ كِسْرَى- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ِصَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ
لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي» . ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: «ارْجِعَا حَتَّى
تَأْتِيَانِي غَدًا» . وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ [مِنَ السَّمَاءِ] [1] : أَنَّ اللَّهَ
قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ، فَقَتَلَهُ فِي
شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ.
فَلَمَّا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهُمَا: «إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكُمَا لَيْلَةَ كَذَا
وَكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ،
سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالا: هَلْ
تَدْرِي مَا تَقُوِلُ، إِنَّا قَدْ نَقَمْنَا مِنْكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ
مِنْ هَذَا، أَفَنَكْتُبُ بِهَا عَنْكَ، وَنُخْبِرُ الْمَلِكَ. قَالَ:
نَعَمْ أَخْبِرَاهُ ذَلِكَ عَنِّي، وَقُولا لَهُ: إِنَّ دِينِي
وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى، وَيَنْتَهِي إِلَى
مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، قُولا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ
أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ
الأَبْنَاءِ، ثم أعطى خرّ خسره مِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ
كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ. فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ
حَتَّى قَدِمَا عَلَى بَاذَانَ، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ:
وَاللَّهِ مَا هَذَا بِكَلامِ مَلِكٍ وَإِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ
نَبِيًّا/ كَمَا يَقُولُ وَلْتَنْظُرَنَّ مَا قَدْ قَالَ وَلَئِنْ
كَانَ مَا قَدْ قَالَ حَقًّا مَا فِيهِ كَلامٌ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ
مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَنَرَى فِيهِ رَأْيَنَا. فَلَمْ
يَلْبَثْ بَاذَانُ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ أَبِي كِسْرَى، وَلَمْ
أَقْتُلْهُ إِلا غَضَبًا لًفاَرسً لِمَا كَانَ اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ
أَشْرَافِهِمْ وَتَجْمِيرِهِمْ فِي ثُغُورِهِمْ [2] ، فَإِذَا جَاءَكَ
كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِي الطَّاعَةَ مِمَّنْ قِبَلَكَ، وَانْظُرِ
الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ كِسْرَى كَتَبَ إِلَيْكَ فِيهِ فلا تهجه حتى
يأتيك أمري فيه.
فلما انْتَهَى كِتَابُ شِيرَوَيْهِ إِلَى بَاذَانَ، قَالَ: إِنَّ هذا
الرجل لرسول الله، فأسلم الأبناء من فارس من كان منهم باليمن [3]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: وتجهيزهم في بعوثهم وما أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 2/ 654.
(3/283)
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنِ
الْمَقْبَرِيِّ، قَالَ:
جَاءَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى بَاذَانَ:
بَلَغَنِي أَنَّ فِي أَرْضِكَ رَجُلا نَبِيًّا فَارْبُطْهُ وَابْعَثْهُ
إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ عَلَى رَبِّكَ فَقَتَلَهُ
وَدَمُهُ يَثْخِنُ السَّاعَةَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَمِعَ
الْخَبَرَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ.
قال علماء السير [1] : كان أبرويز قد جمع من الأموال ما لم يجمعه أحد،
ومن الجواهر والأمتعة والكراع، وافتتح من بلاد أعدائه، وبلغت خيله
القسطنطينية وإفريقية، وكان شديد الفطنة، قوي الذكاء، بعث الإصبهبذ مرة
إلى الروم فأخذ خزائن الروم وبعثها إلى كسرى، فخاف كسرى أن يتغير عليه
الإصبهبذ لما قد نال من الظفر، فبعث من يقتله، فجاء إِلَيْهِ الرجل،
فرأى من عقله وتدبيره، فقال: مثل هذا لا يقتل، فأخبره بما جاء لأجله،
فبعث إلى قيصر: إني أريد أن ألقاك.
فالتقيا فقال له: إن الخبيث قد هم بقتلي، وإني أريد إهلاكه، فاجعل لي
من نفسك ما أطمأن إِلَيْهِ، وأعطيك من بيوت أمواله مثل ما أصبت منك.
فأعطاه المواثيق.
فسار قيصر في أربعين ألفا فنزل بكسرى، / فعلم كسرى كيف جرت الحال، فدعا
قسا نصرانيا، فقال: إني كاتب معك كتابا لطيفا لتبلغه إلى الإصبهبذ ولا
تطلعن على ذلك أحدا، فأعطاه ألف دينار، وقد علم كسرى أن القس يوصل
كتابه إلى قيصر لأنه لا يحب هلاك الروم، وكان في الكتاب: إن الله قد
أمكن منهم بتدبيرك فلا عدمت صواب الرأي، وأنا ممهل قيصر حتى يقرب من
المدائن، ثم أغافصه في يوم كذا فأغير على من قبلك فإنه استئصالهم، فخرج
القس بالكتاب فأوصله إلى قيصر، فقال قيصر:
ما أراد إلا هلاكنا. فانهزم واتبعه كسرى فنجى في شرذمة، وبلغ من فطنة
كسرى أن منجميه قالوا: إنك ستقتل، فقال: لا قتلن من يقتلني [2] .
فلما بعث ابنه إليه ليقتله قال للرجل: إني أدلك على شيء فيه غناك
الصندوق
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 215.
[2] في أ: «لأقتلن قاتلي» .
(3/284)
الفلاني. فذهب إلى شيرويه فأخبره، فأخرج
الصندوق وفيه حق وفي الحق حب، وهناك مكتوب: من أخذ منه حبة افتض عشرة
أبكار، فأخذه شيرويه وأعطى الرجل مالا، ثم أخذ منه حبة، فكان فيها
هلاكه.
فكان كسرى أول ميت أخذ بثأره من حي.
قالوا: كان كسرى يشتي بالمدائن، ويصيف ما بينها وبين همذان، وكانت له
اثنا عشر ألف امْرَأَة وجارية.
وقال بعض العلماء: كان في قصره ثلاثة آلاف امرأة يطؤهن، وألوف جواري
[اتخذهن] للخدمة والغناء، وثلاثة آلاف رجل يقومون بخدمته، وثمانية آلاف
وخمسمائة دابة لمراكبه، واثني عشر ألف بغلا لثقله، وكان له خمسون ألف
دابة، وألف فيل إلا واحدا.
وبعضهم يقول: سبعمائة وستون فيلا، وبنى بيوت النيران، وأقام فيها اثني
عشر ألف موبذ للزمزمة، وأحصي ما جبي من خراج بلاده وغير ذلك من المال
المرتفع في سنة ثمان عشرة من ملكه، فكان/ أربعمائة ألف ألف مثقال
وعشرين ألف ألف مثقال من الورق.
ثم حسد الناس على ما في أيديهم من المال وولي جباية الخراج من يظلم،
واحتقر الأشراف، وأمر بقتل من في السجون وكانوا ستة وثلاثين ألفا،
فتعلل المأمور وذهب الناس من العظماء إلى بابل وفيه شيرويه ابنه
فأقبلوا به فلزموه ودخلوا به المدائن ليلا، فأطلق الأشراف، ودخل دار
المملكة، واجتمع إليه الوجوه فملكوه، وأرسل إلى أبيه يقرعه بما كان
منه.
واسم شيرويه [1] قباذ بن أبرويز، فلما ملك وحبس أباه دخل عليه عظماء
الفرس، فقالوا له: إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان، فإما أن تقتل كسرى
ونحن راجعون لك [2] بالطاعة، وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة على ما كنا
عليه، فكسرته هذه المعادلة، وأمر
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 218.
[2] في الطبري: «الباخعون لك» .
(3/285)
بتحويل كسرى من دار المملكة إلى دار رجل
يقال له مارسفند، فحمل كسرى على برذون، وقنع رأسه، وسير به إلى تلك
الدار ومعه ناس من الجند، فمروا به على إسكاف [جالس] [1] في حانوت
عَلَى الطريق، فعرفه فحذفه بقالب، فعطف إليه رجل من الجند فضرب عنقه.
وقال شيرويه لرجل [2] : انطلق إلى الملك أبينا فقل له: إنا لم نكن
للبلية التي أصبحت فيها ولا أحد من رعيتنا سببا، ولكن الله قضاها عليك
جزاء لسيئ عملك وفتكك بأبيك هرمز، وإزالتك الملك عنه، وسملك عينيه،
وقتلك إياه شر قتلة، ومنها سوء صنيعك إلى أبنائك، ولقد حظرت علينا
مجالسة الأخيار، وكل من لنا فيه دعة وغبطة. ومنها إساءتك إلى أهل
السجون فلقوا الشدائد، ومنها حبسك النساء لنفسك مكرهات مع ترك العطف
عليهن، ومنها ما انتهكت من رعيتك في أمر الخراج وجمعك الأموال من وجوه
المضار، وعدد عَلَيْهِ من هذا الفن، ثم قال: فإن كانت لك حجة فاذكرها،
وإلا فتب إلى الله تعالى حتى نأمر فيك بأمرنا.
فمضى الرجل، فاستأذن عليه/ الحاجب، فقال كسرى: إن كان له إذن فليس
لشيرويه ملك، وإن كَانَ لشيرويه ملك فلا إذن لنا معه. فدخل الرجل فبلغ
الرسالة، وكانت بيد أبرويز سفرجلة فتدحرجت وتلوثت بالتراب، فقال كسرى:
الأمر إذا أدبر فاتت الحيلة في إقباله، وإذا أقبل أعيت الحيلة في
إدباره، فإن هذه السفر جلة سقطت من علو ثم لم تلبث أن تلطخت بالتراب،
وفي ذلك دليل على سلب الملك، فإنه لا يلبث في أيدي عقبنا حتى يصير إلى
من ليس من أهل المملكة.
فلما سمع الرسالة، قال: بلغ عني شيرويه القصير العمر أنه لا ينبغي [لذي
عقل أن يبث من أحد الصغير من الذنب، ولا اليسير من السيئة] [3] إلا بعد
تحقق ذلك عنده، ثم أخذ يعتذر عن ما نسب إليه.
فعاد بالجواب، فعاد عظماء الفرس تقول: لا يستقيم لنا ملكان، فأمر
شيرويه بقتل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في أ: «فقال شيرويه لبعض أصحابه» .
[3] في الأصل: «لا ينبغي أن يذكر أحد لأحد سيئة» .
(3/286)
كسرى، فانتدب لقتله رجال كان وترهم كسرى،
فلما دخلوا عليه شتمهم فلم يقدموا على قتله، فتقدم منهم شاب كان كسرى
قد قطع يد أبيه، فضربه بطبرزين على عاتقه فلم يحك فيه، ففتش كسرى، فإذا
به قد شد على عضده خرزة لا يحبك السيف في من علقت عليه، فنحيت عنه، ثم
ضربه أخرى فهلك.
وبلغ شيرويه فخرق جيبه وبكى منتحبا، وأمر بحمل جثته إلى الناووس،
وشيعها العظماء، وأمر بقتل قاتل كسرى.
وكان ملك كسرى ثمانيا وثلاثين سنة، وخلف في بيت المال يوم قتل من الورق
أربعمائة ألف بدرة، سوى الكنوز والذخائر والجواهر وآلات الملوك، فلما
ملك شيرويه لم يتمتع بشيء من اللذات، بل جزع وبكى وعاش مهموما حزينا،
ثم مات بعد ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر.
أنبأنا مُحَمَّد بْن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن
بْن خيرون، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين بن دوما، قال: أخبرنا جدي لأبي
إسحاق بن محمد الثعالبي، قال:
أخبرنا عبد الله بن إِسْحَاق المدائني، قال: أخبرنا/ قعنب بن المحور
قال أخبرنا بكار، قال حدثنا عوف، عن غالب بْن عجرد، قال:
وجدنا صرة من حنطة في كنوز كسرى بن هرمز بن زياد، فإذا كل حبة مثل
النواة، ووجدنا فيها كتابا: هذا ما كانت تنبت الأرض حين كان يعمل فيها
بالصلاح زمن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام.
وأما النجاشي فقال ابن إسحاق [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أَبِي طالب وأصحابه،
وكتب معه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النجاشي ملك الحبشة، فإني أحمد إليك اللَّه
الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 652. الكامل 2/ 96.
(3/287)
مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم
البتول الطيبة، فحملت بعيسى، وإني أدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له،
[والموالاة على طاعته] [1] ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول
اللَّه، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، والسلام
على من اتبع الهدى» .
فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله، من النجاشي، سلام عليك يا
نبي الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى
الإسلام.
أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه
السلام، فو ربّ السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا [2]
، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت بِهِ إلينا، وقد قرينا [3] ابن عمك
وأصحابه، وأشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على
يديه للَّه رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله فإن شئت أن آتيك يا
رسول الله فعلت، وإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته.
قال ابن إسحاق: وذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتى إذا
توسطوا البحر غرقتهم سفينتهم فهلكوا.
وقال الواقدي عن أشياخه [4] : إن أول/ [رسول] [5] بعثه رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية إلى النجاشي، وكتب
إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذ
كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره
وجلس على الأرض متواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق، وقال: لو كنت أستطيع
أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب.
وفي الكتاب الآخر [يأمره] أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب،
وكانت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[2] يقال: ما له ثفروق، أي شيء، وأصله قمع التمر، أو ما يلتزق به
قمعها.
[3] في الأصل: «وقدم» والتصحيح من الطبري.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 15، 16.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، والإضافة من ابن سعد.
(3/288)
قد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن
جحش الأسدي، فتنصر هناك ومات، وأمره صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن
يبعث لمن قبله من أصحابه وعلمهم، ففعل ذلك.
قال مؤلف الكتاب: وهذه الأخبار دالة على أن النجاشي هو الذي كانت
الهجرة إلى أرضه.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ الْحَسَنِ، قال: أخبرنا عبد الغفار بْنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد الْجَلْوَدِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، قال: حدّثنا
مسلم بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ:
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى
كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ
يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ
الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
كَتَبَ إِلَى آَخَرٍ مِنْ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ
إِلَى ذَاكَ.
وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فروى الواقدي عن أشياخه [1] ، قَالُوا:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شجاع بن وهب
الأسدي إلى الحارث بن أَبِي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه
كتابا، قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهيئة الإنزال
والإلطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت/ على بابه يومين أو
ثلاثة، فقلت [لحاجبه] [2] : إني رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إليه] ، فقال [3] : لا تصل إليه حيث يخرج
يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه- وكان روميا- يسألني عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وما يدعو إليه، فكنت أحدثه عن صفة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء،
ويقول: إني قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي بعينه، فأنا أومن به
وأصدقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي. وخرج
الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي،
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 17.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فقالوا» .
(3/289)
فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقرأه ثم رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي، أنا سائر إِلَيْهِ
ولو كان باليمن جئته. علي بالناس. فلم يزل يعرض حتى قام، وأمر بالخيول
تنعل، ثم قَالَ: أخبر صاحبك ما ترى.
وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر ألا تسير إليه
وأله عنه ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد
أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني حاجبه
بنفقة وكسوة، وقال: أقرئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام،
فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: «باد ملكه» .
ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.
وأما هوذة بن علي الحنفي قال مؤلف الكتاب: كان من الملوك العقلاء، إلا
أن التوفيق عزيز، دخل على كسرى أبرويز، فقال له: أي أولادك أحب إليك،
قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يبرأ، فقال: ما
غذاؤك؟ قال: الخبز، فقال كسرى: هذا عقل الخبز لا عقل اللبن والتمر.
وكان من يأكل الخبز عندهم ممدوحا.
وروى الواقدي عن أشياخه، قال [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، وكتب
معه كتابا فقدم عليه فأنزله وحباه، وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، [وكتب إليه] وقال: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي/
وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، وأجاز سليط بن
عمرو جائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأخبره عنه بما كان وما قال، وقرأ كتابه، وقال: «لو
سألني سيابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه» . فلما انصرف رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جاءه جبريل عليه السلام، وأخبره
أنه قد مات.
وفي هذه السنة: أهدى ابن أخي عيينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة
يقال لها «السمراء» ،
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 18.
(3/290)
فأثابه ثلاثا، فسخط وقال: «لقد هممت أن لا
أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو دوسي» . وفي هذه السنة: أجدبت
الأرض فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في رمضان.
وفيها: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإبل، فسبقت القصواء،
وسبق بالخيل فسبق فرس أبي بكر.
وفيها: استجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأجارته.
قال مؤلف الكتاب: وردها إليه على ما أشرنا إليه في ذكر غزوة بدر، وقد
ذكرنا فيما تقدم أنه استجار بها، فلعله أشير إلى هذه الحالة.
وفيها: جاءت خولة بنت ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت، فَأَخْبَرْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ظاهر منها.
وفيها: تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه جميلة بنت ثابت، فولدت له
عاصما، وطلقها عمر.
وفيها: وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمواله بثمغ
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
99- أم رومان بنت عامر بن عويمر [1] :
تزوجها الحارث بن سخبرة، فولدت له الطفيل ثم مات فتزوجها أبو بكر،
وأسلمت بمكة قديما، وبايعت. وولدت لأبي بكر/ رضي الله عنه: عبد الرحمن،
وعائشة، وهاجرت إلى المدينة، وكانت صالحة، وتوفيت في ذي الحجة من هذه
السنة.
أَنْبَأَنَا أَبُو بكر بن عبد الباقي، قَالَ: أنبأنا أبو محمد الجوهري،
قال: أخبرنا أبو
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 202.
(3/291)
عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَد بْن مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ،
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ [1] : لَمَّا دُلِّيَتْ أُمُّ
رُومَانَ فِي قَبْرِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ
الْحُورِ الْعِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أُمِّ رُومَانَ» ، وَنَزَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا.
100- عتبة بن أسيد بن جابر، أبو بصير:
وكان حليفا لبني زهرة، أسلم بمكة قديما فحبسه المشركون عن الهجرة، وذلك
قبل عام الحديبية، فلما نزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم الحديبية، وقاضى قريشا على ما قاضاهم عليه وقدم المدينة أفلت أبو
بصير من قومه فسار على قدميه سعيا حَتَّى أتى رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عبد عوف إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أن يرده إليهم على ما اصطلحوا
عليه، وبعثاه مع خنيس بن جابر، فخرج خنيس ومعه مولاه كوثر فدفعه إليهما
فخرجا به، فلما كانا بذي الحليفة عدى أبو بصير على خنيس فقتله، [وهرب
كوثر حتى قدم المدينة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع أبو بصير]
[2] فقال: وفت ذمتك يا رسول اللَّه، دفعتني إليهم فخشيت أن يفتنوني عن
ديني فامتنعت، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لكوثر: «خذه فاذهب به» فقال: إني أخاف أن يقتلني، فتركه ورجع إلى مكة،
فأخبر قريشا بما كان. وخرج أبو بصير إلى العيص فنزل ناحية على طريق
قريش إلى الشام، فجعل من بمكة من المحتبسين يتسللون إلى أبي بصير،
فاجتمع عنده منهم قريب من سبعين، فجعلوا لا يظفرون بأحد من قريش إلا
قتلوه، ولا بعير لهم إلا اقتطعوها/ فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم يسألونه بأرحامهم ألا أدخل أبا بصير وأصحابه إليه فلا حاجة
لنا بهم، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير أن يقدم عليه مع
أصحابه، فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه ويقبله ويضعه على عينيه،
فمات وهو في يديه، فغسله أصحابه وصلوا عليه ودفنوه هناك وبنوا عند قبره
مسجدا، ثم قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأخبروه
فترحم عليه.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 202.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
(3/292)
ثم دخلت سنة سبع من
الهجرة
فمن الحوادث فيها: غزوة خيبر [1]
في جمادى الأولى، وخيبر على ثمانية برد من المدينة. وذلك أن رسول الله
صَلى اللهُ عَلَيه وسلم أمر بالتهيؤ لغزوة خيبر، [وخرج] [2] واستخلف
على المدينة سباع بن عرفطة، وأخرج معه أم سلمة زوجته، فلما نزل بساحتهم
أصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم، وغدوا إلى أعمالهم معهم المساحي
[والكرازين] والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: محمد والخميس-[يعنون بالخميس الجيش] [3]- فولوا هاربين إلى
حصونهم، وجعل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فَساءَ صَباحُ
الْمُنْذَرِينَ 37: 177» . ووعظ الناس وفرق عليهم الرايات [4] ، ولم
تكن الرايات إلا يوم خيبر إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي صلى
الله عليه وسلم السوداء من بحرد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب،
ولواؤه أبيض ودفعه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وراية إلى الحباب
بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم: «يا منصور أمت» .
وكان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائتا فرس، فقاتل
المشركين وقاتلوه أشد قتال، وقتلوا من أصحابه، وقتل منهم، وفتحها حصنا
حصنا، وهي حصون ذوات/ عدد، منها: النطاة،
__________
[1] مغازي الواقدي 2/ 633، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 77، تاريخ الطبري 3/
9، الكامل 2/ 99، والبداية والنهاية 4/ 181، والاكتفاء 2/ 251، وسيرة
ابن هشام 2/ 328.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 77: «وفرق فيهم الرايات» .
(3/293)
ومنها حصن الصعب بن معاذ، وحصن ناعم، وحصن
قلعة الزبير، والشق [وبه] [1] حصون، منها: حصن أبي، وحصن النزار، وحصون
الكتيبة، منها: القموص والوطيح وسلالم، وهو حصن ابن أبي الحقيق، وأخذ
كنز آل أبي الحقيق- وكانوا قد غيبوه في خربة- فدله الله عليه فاستخرجه
وقتل منهم ثلاثة وتسعين رجلا من يهود، منهم:
الحارث أبو زينب، ومرحب، وأسير، وياسر، وعامر، وكنانة بْن أبي الحقيق،
وأخوه.
واستشهد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أبو ضياح بن النعمان
في خمسة عشر رجلا، وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها فروة بن عمر
البياضي، ثم أمر [بذلك] [2] فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه،
وأمر ببيع الأربعة أخماس في من يزيد، فباعها فروة وقسم ذلك بين أصحابه.
وكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة، والخيل
مائتي فرس، وقدم الدوسيون فيهم أبو هريرة، وقدم الأشعريون ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بخيبر، [فلحقوه بها] [3] ، فكلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم أصحابه [4] أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا، وقدم جعفر بن أبي
طالب وأهل السفينتين من عند النجاشي بعد فتح خيبر، فَقَالَ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما أدري بأيهما أسر: بقدوم جعفر،
أو بفتح خيبر» ؟ وكانت صفية بنت حيي ممن سبى رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر فأعتقها وتزوجها.
قال ابن عمر: قاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل،
فصالحهم على أن تحقن دماءهم ولهم ما حملت ركابهم، وللنبي صلى الله عليه
وسلم الصفراء والبيضاء والسلاح ويخرجهم، وشرطوا للنبي صلى الله عليه
وسلم أن لا يكتموه شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فلما وجد
المال الَّذِي غيبوه في مسك/ الجمل سبى نساءهم، وغلبهم على الأرض
والنخل ودفعها إليهم على الشطر، فكان ابن رواحة يخرصها عليهم ويضمنهم
الشطر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو
محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: فيكلم أصحابه.
(3/294)
عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَد بْن مَعْرُوفٍ الْخَشَّابُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ
أَبِي أسامة، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بن الأكوع، قال: أخبرني أبي، قال:
بارز عَمِّي يَوْمَ خَيْبَرَ مَرْحَبَ الْيَهُودِيَّ، فَقَالَ
مَرْحَبُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبٌ ... شَاكِي السِّلاحِ [1]
بَطَلٌ مُجَرَّبٌ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تُلْهِبُ
[2] فَقَالَ عَمِّي:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ ... شَاكِ السِّلاحَ بَطَلٌ
مُغَاوِرٌ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تِرْسِ
عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يُسْفِلُ لَهُ، فَوَقَعَ السَّيْفُ عَلَى
سَاقِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، فَقَالَ نَاسٌ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَطُلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَجِئْتُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [أَبْكِي] [3] ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبَطُلَ عَمَلُ عَامِرٍ؟ قَالَ:
«وَمَنْ قَالَ ذَاكَ» ، قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، قَالَ:
«كَذِبَ مَنْ قَالَ ذَاكَ، بل له أَجْرُهِ [ُمَرَّتَيْنِ] [4] » ،
إِنَّهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ جَعَلَ يَرْتَجِزُ بِأَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وَفِيهِمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] يَسُوقُ الرِّكَابَ
وَهُوَ يَقُولُ:
تاللَّه لَوْلا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا
صَلَّيْنَا
وَالْكَافِرُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً
أَبَيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا ... فَثَبِّتِ الأَقْدَامَ
إِنْ لاقَيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
[6] فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ «من هَذَا»
؟ قَالُوا: عَامِرٌ، قَالَ: «غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ» ، قال: وما
__________
[1] شاكي السلاح: حاده.
[2] في الطبري، وابن هشام: «إذا الليوث أقبلت تحرب» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ذكر الطبري، وابن هشام والزرقاني هذا الرجز باختلاف يسير في
الألفاظ.
(3/295)
اسْتَغْفَرَ لإِنْسَانٍ قَطُّ يَخُصُّهُ
إِلا اسْتُشْهِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْلا
مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ، فَتَقَدَّمَ فَاسْتُشْهِدَ.
قَالَ سَلَمَةُ: ثُمَّ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ: «لأُعْطِيَنَّ
الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلا يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ،
ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَخَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ،
فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبٌ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ
مُجَرَّبٌ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تُلْهِبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُجِيبًا:
أنا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ غَابَاتٍ
كَرِيهِ الْمَنْظَرَةِ
أُوفِيهُمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَةِ
فَفَلَقَ رَأْسَ مَرْحَبٍ، وَكَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ [1] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [2] : وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا
أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَخْرُجَ مِنْ خَيَبَرَ، قَالَ الْقَوْمُ: الآنَ نَعْلَمُ أَسُرِّيَةٌ
صَفِيَّةٌ أَمِ امْرَأَةٌ، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً فَإِنَّهُ
سَيَحْجِبُهَا، وَإِلا فَهِيَ سُرِّيَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ أَمَرَ
بِسِتْرٍ يُسْتَرُ دُونَهَا، فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهَا امْرَأَةٌ،
فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَرْكَبَ أَدْنَى فَخْذَهُ [مِنْهَا
لِتَرْكَبَ عَلَيْهَا، فَأَبَتْ وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى
فَخْذِهِ] [3] ثُمَّ حَمَلَهَا، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ نَزَلَ
فَدَخَلَ الْفُسْطَاطَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ، وَجَاءَ أَبُو أَيُّوبَ
فَبَاتَ عِنْدَ الْفُسْطَاطِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ الْحَرَكَةَ، فَقَالَ: «مَنْ
هَذَا» ؟ فَقَالَ: أَنَا أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ:
«مَا شَأْنُكَ» ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ
حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، وَقَدْ صَنَعَتْ بِزَوْجِهَا مَا صَنَعَتْ،
فَلَمْ آمَنْهَا، قُلْتُ إِنْ تَحَرَّكَتْ كُنْتُ قَرِيبًا مِنْكَ.
فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا أيوب» مرتين.
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 80، 81.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 84، عن بكر بن عبد الرحمن قاضي أهل
الكوفة، عن عِيسَى بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عِنْ مُقْسَمٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
(3/296)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : وَأَخْبَرَنَا
عَفَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا/ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
وَقَعَتْ صَفِيَّةُ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ- وَكَانَتْ جَارِيَةً
جَمِيلَةً- فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ
تَصْنَعُهَا وَتُهَيِّئُهَا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقْطَ [وَالسَّمْنَ]
[2] ، قَالَ: فَفُحِصَتِ الأَرِضُ أَفَاحِيصَ وَجِيءَ بِالأَنْطَاعِ
فَوُضِعَتْ فِيهَا ثُمَّ جِيءَ بِالأَقْطِ وَالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ،
فَشَبِعَ النَّاسُ.
قال ابن سعد [3] : قال أنس: كان في ذلك السبي صفية بنت حيي، فصارت إلى
دحية الكلبي، ثم صارت بعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها ثم
تزوجها، وجعل عتقها صداقها.
قال محمد بن حبيب: في هذه الغزاة أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
النساء والصبيان سهما، وأسهم لمن غزا معه من اليهود.
وفيها: سم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمته زينب امرأة [سلام] [4]
بن مشكم، أهدت له شاة مسمومة، فأكل منها، فدعاها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فاعترفت فقتلها، ويقال: بل عفى عنها
. [غزوة وادي القرى]
[5] ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر ذهب إلى وادي
القرى، وهي غزاة أيضا.
وبعضهم يعدها مع خيبر واحدة، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لم يعد إلى منزله، ولما نزل بوادي القرى حط رحله غلام له
أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي، فأتاه سهم غرب [6] ، فقتله، فقالت
الصحابة: هنيئا له الجنة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كلا والّذي نفسي بيده إنّ
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 84.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 85.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 3/ 16، سيرة ابن هشام 2/ 338 الاكتفاء 2/ 261،
والبداية والنهاية 4/ 218.
[6] سهم غرب: هو الّذي لا يعلم من رماه، أو من أين الشاه.
(3/297)
شملته الآن لتلتهب عليه نارا» . وكان غلها
[1] يوم خيبر.
وفيها: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس
حين أحد على وادي القرى.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [حين] [2] قفل
من غزاة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى أعرس، وقال لبلال: أكلأنا
الليلة، فصلى بلال ما قد رآه، ونام رَسُولُ/ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى
راحلته فلم يستيقظ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم،
فقال: أي بلال ما هذا؟ قال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت
وأمي يا رسول الله، قال: اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى
بهم الصبح، فلما قضى الصلاة، قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن
الله عز وجل قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 20: 14 [3]
. ومن الحوادث في هذه السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى
النجاشي أن يزوجه أم حبيبة، وكانت قد خرجت مهاجرة إلى الحبشة، وأن يبعث
إليه من بقي من أصحابه من الذين هاجروا إلى الحبشة، ففعل فقدموا
المدينة، فوجدوا رسول الله صلي الله عليه وسلم قد فتح خيبر، فكلم
المسلمون أن يدخلوهم في سهامهم، ففعلوا.
ومن الحوادث في هذه السنة
[قتل شيرويه أباه كسرى] [4]
أن شيرويه قتل أباه كسرى على ما سبق ذكره. قال الواقدي: كان ذلك في
ليلة
__________
[1] غلها: أختانها من المغنم.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: طه، الآية: 14.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/298)
الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الآخرة، سنة
سبع لست ساعات مضت من الليل
. ومن الحوادث [في هذه السنة] هلاك شيرويه [1] فإنه لما أمر بقتل أبيه
قتل معه سبعة عشر أخا له ذوي أدب وشجاعة، فابتلي بالأسقام، وجزع بعد
قتلهم جزعا شديدا، [إذ] دخلت عليه أختاه: بوران، وآزرميدخت، فأغلظتا
له، وقالتا: حملك الحرص على ملك لا يتم لك على قتل أبيك وجميع أخوتك،
فبكى بكاء شديدا، ورمى بالتاج عن رأسه، ولم يزل مدنفا، وفشا الطاعون في
أيامه، فهلك أكثر الناس.
ومن الحوادث [في هذه السنة]
وصول هدية المقوقس
فإنها وصلت في سنة سبع، وهي: مارية، وسيرين، ويعفور، والدلدل. وكانت
بيضاء، فاتخذ لنفسه مارية، ووهب سيرين/ لحسان بن ثابت.
أَخْبَرَنَاَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أخبرنا
الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد،
قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، قَالَ:
بَعَثَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ
الْهِجْرَةِ مَارِيَةَ وَأُخْتَهَا سِيرِينَ، وَأَلْفَ مِثْقَالٍ
ذَهَبًِا، وَعِشْرِينَ ثَوْبِاً [لَيِّنًا] [2] ، وَبَغْلَتَهُ
الدُّلْدُلَ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ: وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَمَعُهْم
خَصِيٌّ يُقَالُ لَهُ: مَابُورُ [3] شَيْخٌ كَبِيرٌ كَانَ أَخَا
مَارِيَةَ، وَبَعَثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي
بَلْتَعَةَ، فَعَرَضَ حَاطِبٌ عَلَى مَارِيَةَ الإِسْلامَ وَرَغَّبَهَا
فِيهِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَتْ أُخْتُهَا وَأَقَامَ الْخَصِيُّ
عَلَى دِينِهِ حَتَّى أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْجَبًا بِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ وكانت
بيضاء جميلة، فانزلها
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 229.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: أبو.
(3/299)
[رسول الله صلى الله عليه وسلم] [1] فِي
الْعَالِيَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ [الْيَوْمَ] [2]
مَشْرَبَةُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا هُنَاكَ وَضَرَبَ
عَلَيْهَا الْحِجَابَ، وَكَانَ يَطَأُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ،
فَلَمَّا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ [هُنَاكَ] [2] وَقَبَّلَتْهَا سَلْمَى
مَوْلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ
أَبُو رَافِعٍ زَوْجُ سَلْمَى فَبَشَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْرَاهِيمَ فَوَهَبَ لَهُ عَبْدًا،
وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَتَنَافَسَتِ
الأَنْصَارُ فِي إِبْرَاهِيمَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يُفْرِغُوا [3] مارية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ هَوَاهُ فِيهَا
[4] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، [عَنِ
الزُّهْرِيِّ] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَتْ أُمُّ
إِبْرَاهِيمَ فِي مَشْرَبَتِهَا، وَكَانَ قِبْطِيٌّ يَأْوِي إِلَيْهَا
وَيَأْتِيهَا بِالْمَاءِ وَالْحَطَبِ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ:
عِلْجٌ يَدْخُلُ عَلَى عِلْجَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَجَدَهُ عَلَى نَخْلَةٍ، فَلَمَّا
رَأَى السَّيْفَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ فَأَلْقَى الْكِسَاءَ الَّذِي
كَانَ عَلَيْهِ وَتَكَشَّفَ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ/، فَرَجِعَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عنه [إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ] [6] فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
[أَرَأَيْتَ] [7] إِذَا أَمَرْتَ أَحَدَنَا بِالأَمْرِ ثُمَّ رَأَى
غَيْرَ ذَلِكَ أَيُرَاجِعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى
مِنَ الْقِبْطِيِّ. قال مؤلف هذا الكتاب [8] : [فإن قال قائل:] [9]
ظاهر هذا الحديث يدل على أن عليا رضي الله عنه أراد قتله، وقد روي في
حديث آخر صريحا، وأن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ له: «يا علي، خذ السيف فإن وجدته عندها فأقتله» . فكيف
يجوز القتل على التهمة؟
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: يدعوا.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 153.
[5] طبقات ابن سعد 8/ 154- 155.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[8] في أ: «قال المصنف» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
(3/300)
فقد أجاب عنه ابن جرير الطبري، وقال: من
الجائز أن يكون قد كان من أهل العهد وأنه لم يسلم، وقد كان تقدم إليه
بالنهي عن الدخول إلى مارية، فلم يقبل فأمر بقتله لنقض العهد
. ومن الحوادث سرية عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
إِلَى تربة في شعبان [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث عمر رضي الله عنه في
ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن [2] بتربة- وهي بناحية العبلاء على أربع
ليال من مكة [طريق صنعاء ونجران] [3]- وخرج معه دليل من بني هلال، فكان
يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر رضي الله
عنه محالهم فلم يلق كيدا، فانصرف راجعا إلى مكة
. ومن الحوادث
سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني
كلاب بنجد ناحية ضرية [4]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ يَرْفَعُهُ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ
الْقَاسِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا
إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ الأَكْوَعُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إِلَى فَزَارَةَ، وَخَرَجْتُ
مَعَهُ حَتَّى إِذَا [مَا] دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ عَرَّسَ أَبُو
بَكْرٍ حَتَّى إِذَا مَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ [أَمَرَنَا فَشَنَنَّا
الْغَارَةَ فَوَرَدْنَا الْمَاءَ، فَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ مَنْ قَتَلَ
وَنَحْنُ مَعَهُ] [5]- وَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ- فَقَتَلْتُ
بيدي سبعة [أهل] [6] أبيات من
__________
[1] المغازي للواقدي 2/ 722، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 85، وتاريخ الطبري
3/ 22، والكامل 2/ 106.
[2] عجز هوازن: بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم بن بكر (القاموس المحيط 2/
281) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] مغازي الواقدي 2/ 722، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 85، وتاريخ الطبري 3/
22، والبداية والنهاية 4/ 220.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
(3/301)
الْمُشْرِكِينَ، وَرَأَيْتُ عُنُقًا مِنَ
النَّاسِ فِيهِمُ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى
الْجَبَلِ، فَأَدْرَكْتُهُمْ [فَرَمَيْتُ] [1] بِسَهْمٍ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأُوا السَّهْمَ قَامُوا، فَإِذَا
امْرَأَةٌ مِنْ فَزَارَةَ فِيهِمْ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أُدْمٍ،
مَعَهَا ابْنَتُهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَجِئْتُ أَسُوقُهُمْ
إِلَى/ أَبِي بَكْرٍ فَنَفَلَنِي ابْنَتَهَا فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا
ثَوْبًا [حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ بَاتَتْ عِنْدِي فَلَمْ
أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ
لِي الْمَرْأَةَ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ
أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا] [2] فَسَكَتَ حَتَّى
إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السُّوقِ وَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا،
فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ للَّه أَبُوكَ» قَالَ:
فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَعَثَ بها رسول الله صلى
الله عَلَيْهِ وسلم إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَفَدَى بِهَا أَسْرَى مِنَ
الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ [3]
. [ومن الحوادث
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك في
شعبان [4]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث بشير بن سعد في ثلاثين
رجلا إلى بني مرة بفدك، فخرج يلقى رعاء الشاة، فسأل عن الناس، فقيل: في
بواديهم، فاستاق النعم والشاء وانحدر إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم
فأدركه الدهم منهم عند الليل، فأتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل
أصحاب بشير وأصبحوا، فحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير، وقاتل
بشير حتى ارتث وضرب كعبه فقيل قد مات، ورجعوا بنعمهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول كلها، وأوردناه من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 85، 86، وعزاه ابن كثير في البداية
4/ 221: لمسلم، والبيهقي.
[4] في كل الأصول المخطوطة جاء مكان هذه السرية «سرية علي بن أبي طالب
رضي الله عنه إلى بني سعد ابن بكر بفدك في شعبان» .
ولم تذكر الأصول سرية بشير بن سعد، وسرية علي بن أبي طالب كانت سنة ست
باتفاق المؤرخين، بل أوردها المصنف سنة ست وتكررت هنا كما هي، لذلك
رأينا أن تحذفها ونورد مكانها سرية بشير بن سعد من طبقات ابن سعد 2/ 1/
86.
وراجع هذه السرية في المغازي للواقدي 2/ 723، والبداية والنهاية 4/
221، والكامل 2/ 106.
(3/302)
وشائهم. وقدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قدم من بعده بشير بن سعد]
. ومن الحوادث
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة
في رمضان [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعثه إلى الميفعة- وهي وراء
بطن نخل إلى النقرة قليلا بناحية نجد وبينها وبين المدينة ثمانية برد-
في مائة وثلاثين رجلا، ودليلهم يسار مولى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهجموا عليهم [جميعا ووقعوا وسط [2] مجالهم]
فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعما وشاء فحذروه إلى المدينة ولم يأسروا
أحدا.
ومن الحوادث [في هذه السرية] [3] : قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا
إله إلا الله، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا شققت عن قلبه
فتعلم صادق هو أم كاذب» ؟ فقال أسامة: لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله
إلا الله. ويروى أن قتل أسامة هذا الرجل كان في غير هذه السرية/
. [ومن الحوادث
سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار
في شوال [4]
وذلك أنه بلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن ليكون معهم ليزحفوا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ
وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل
وكمنوا النهار حتى أتوا إلى يمن وجبار [5] ، فدنوا من القوم فأصابوا
لهم نعما كثيرا وتفرق الرعاء، فحذروا الجمع فتفرقوا ولحقوا بعلياء
بلادهم، وخرج بشير في أصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس فيها أحد،
فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسروهما وقدم بهما إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فأسلما فأرسلهما] .
__________
[1] المغازي للواقدي 726، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 86، والكامل 2/ 106.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] هذه السرية ساقطة كلها من الأصل، وأوردناه من أ.
راجع: مغازي الواقدي 2/ 727، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 87، والكامل 2/ 106.
[5] «جبار» ساقطة من أ.
(3/303)
[وفي هذه السنة
قدم وفد الأشعريين [1]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا
الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سَعْدٍ [عَنْ أَشْيَاخِهِ] [2] ،
قَالُوا: قَدِمَ وَفْدُ الأَشْعَرِيِّينَ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم، وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلا فِيهِمْ أَبُو مُوسَى
الأَشْعَرِيُّ، وَأُخْوَةٌ لَهُمْ وَمَعَهُمْ رَجُلانِ مِنْ عَكٍّ،
وَقَدِمُوا فِي سُفُنٍ [فِي الْبَحْرِ] وَخَرَجُوا بِجَدَّةَ، فَلَمَّا
دَنَوْا فِي الْمَدِينَةِ جَعَلُوا يَقُولُونَ: غَدًا نَلْقَى
الأَحِبَّةَ، مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ، ثُمَّ قَدِمُوا فَوَجَدُوا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي سَفَرِهِ]
بِخَيْبَرَ، [ثُمَّ لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ] فَبَايَعُوا وَأَسْلَمُوا، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [3] : [ «الأَشْعَرُونَ فِي النَّاسِ
كَصُرَّةٍ فِيهَا مِسْكٌ» ]
. [وفي هذه السنة
قدم الدوسيون [4]
قالوا: ولما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي دعا قومه فأسلموا، وقدم معه
منهم المدينة سبعون أو ثمانون أهل بيت، وفيهم: أبو هريرة، وعبد الله بن
أزيهر الدوسي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فساروا إليه فلقوه
هناك، ثم قدموا معه المدينة، فقال أبو هريرة في هجرته حين خرج من دار
قومه:
يا طولها من ليلة وعناءها ... على أنها من بلدة الكفر نجت]
ومن الحوادث
عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية
[5]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم أمر أصحابه حين رأوا هلال ذي
القعدة أن يعتمروا قضاء
__________
[1] خبر وفد الأشعريين كله ساقط من الأصل وأوردناه من أ. وراجع: طبقات
ابن سعد 1/ 2/ 79.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش أ.
[4] وخبر وفد الدوسيين ساقط أيضا من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع: طبقات ابن سعد 1/ 2/ 81.
[5] مغازي الواقدي 2/ 731، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 87، وسيرة ابن هشام 2/
370، والاكتفاء 2/ 272، والكامل 2/ 106، والبداية والنهاية 4/ 226
وتسمى أيضا عمرة القضاء، وعمرة الصلح، وغزوة القضية
(3/304)
لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها
بالحديبية، وأن لا يتخلف أحد شهد الحديبية، فلم يتخلف منهم أحد إلا من
استشهد بخيبر ومن مات.
وخرج مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من المسلمين
عمارا، فكانوا في عمرة القضية ألفين، واستخلف عَلَى المدينة أبا رهم
الغفاري، وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين بدنة، وجعل على هديه
ناجية بن جندب الأسلمي، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح
[البيض] [1] والدروع والرماح، وقاد مائة فرس، وخرجت قريش من مكة إلى
رءوس الجبال وأخلوا مكة، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الثنية التي تطلعه على الحجون وعبد الله بن
رواحة آخذ بزمام راحلته، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم يلبي حتى استلم الركن بمحجنه وعبد الله بن رواحة يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير مع رسوله
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله [2]
ضربا يزيا الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله [3]
[أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي حَسَنٍ الْبَسْطَامِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ
الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عِيسَى] [4] التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ
وَابْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يديه وهو يقول:
__________
[ () ] وعمرة القصاص، وهذا الاسم أولى بها لقوله تعالى: الشَّهْرُ
الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 2: 194. (الروض
الأنف 2/ 87.
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في ابن هشام 2/ 371: «كما قتلناكم على تنزيله» والمعنى أي: نحن
نقاتلكم على تأويله، كما قتلناكم على إنكار تنزيله.
[3] قيله: قوله.
[4] في الأصل: «وعن الترمذي» والسند: ساقط من الأصل، وما أوردناه من أ.
(3/305)
خَلَّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
... الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ على تنزيله
/ ضربا يزيل الهام عن مقيله ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلِ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ شِعْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ،
فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النِّبْلِ [1] . وَأَمَر
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا فَأَذَّنَ عَلَى
ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلاثًا، فَلَّمَا كَانَ
عِنْدَ الظُّهْرِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ
عَمْرٍو، وَحَاطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَقَالا: قَدِ انْقَضَى
أَجَلُكَ فَاخْرُجْ عَنَّا، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ فَنَادَى
بِالرَّحِيلِ، وَقَالَ: «لا يُمْسِيَنَّ بِهَا أَحَدٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ» . وَخَرَجَتْ بِنْتُ حَمْزَةَ فَاخْتَصَمَ فِيهَا
عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ لأَنَّ خَالَتَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ
عُمَيْسٍ عِنْدَهُ. وَرَكِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نَزَلَ
بِسَرَفٍ- وَهِيَ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ- فَتَزَوَّجَ
مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، زَوَّجَهُ إِيَّاهَا الْعَبَّاسُ
وَكَانَ يَلِي أَمْرَهَا، وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ وَلَدِهِ، وَكَانَتْ
آخِرَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا وَبَنَى بِهَا فِي سَرَفٍ
. [ومن الحوادث في هذه السنة
سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم في ذي
الحجة [2] .
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث ابن أبي العوجاء السلمي
في خمسين رجلا إلى بني سليم، فخرج وتقدمه عين لهم كان معه فحذرهم
فجمعوا، فأتاهم وهم معدون له، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا فتراموا
بالنبل، وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا، وقدموا المدينة في أول يوم من
صفر سنة ثمان]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
101- بشر بن البراء بن معرور بن صخر [3] :
شهد العقبة وكان من الرماة المذكورين، وشهد بدرا وأحدا والخندق
والحديبيّة
__________
[1] في الأصل: الليل.
[2] هذه السرية ساقطة من الأصل كلها. وراجع طبقات ابن سعد 2/ 1/ 89.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 111.
(3/306)
وخيبر. وأكل مع رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشاة المسمومة فمات مكانه، ويقال: بل بقي سنة
مريضا ومات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سيدكم [يا بني سلمة] ؟» [1] .
قالوا: الجد بن قيس على أنه رجل فيه بخل. قال: «وأي داء أدوأ من البخل؟
بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور» [2]
. 102-[ثقيف بن عمر، ويقال: بقاف:
شهد بدرا وتوفي في هذه السنة] [3]
. 103- ثويبة، مولاة أبي لهب [4] :
أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حليمة. وذكر أبو نعيم
الأصفهاني أن بعض العلماء اختلف في إسلامها.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الباقي، أخبرنا أبو محمد الجوهري،
أخبرنا أبو عمرو بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا]
[5] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمر، عن
غير واحد من أهل العلم، قالوا: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِلُ ثُوَيْبَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ
خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا/ تُكْرِمُهَا وَهِيَ يَوْمَئِذٍ
مَمْلُوكَةٌ، وَطَلَبَتْ إِلَى أَبِي لَهَبٍ أَنْ تَبْتَاعَهَا مِنْهُ
لِتُعْتِقَهَا فَأَبَى أَبُو لَهَبٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَعْتَقَهَا
أَبُو لَهَبٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَيْهَا بِصِلَةٍ وَكُسْوَةٍ، حَتَّى جَاءَهُ
خَبَرُهَا أَنَّهَا قَدْ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سَبْعٍ مَرْجِعَهُ مِنْ
خَيْبَرَ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ؟» فَقِيلَ: مَاتَ
قَبْلَهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَرَابِتِهَا أَحَدٌ [6]
. 104-[الحارث بن حاطب بن عمرو [7] :
رده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الروحاء حين توجه
إلى بدر إلى بني عمرو بن عوف في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 112.
[3] الترجمة ساقطة كلها من أ.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 67.
[5] ما بين المعقوفتين: مكانها في الأصل: «قال محمد بن سعد» ، وما
أوردناه من أ.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 267، 268.
[7] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 32، وهذه الترجمة حتى آخر ترجمة محمود بن
مسلمة بن سلمة ساقط من الأصل.
(3/307)
حاجة له، فضرب له بسهمه وأجره، وكان كمن
شهدها، وشهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يومئذ شهيدا، رماه رجل
من فوق الحصن فدمغه
. 105- ربيعة بن أكثم [بن سخبرة] [1] بن عمرو بن لكيز، يكنى أبا يزيد
[2] :
شهد بدرا وهو ابن ثلاثين سنة، وشهد أحدا والخندق والحديبية، وقتل بخيبر
شهيدا
. 106- رفاعة بن مسروج:
قتل بخيبر
. 107- سليم بن ثابت بن وقش:
أمه ليلى أخت حذيفة بن اليمان، شهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقتل
يومئذ شهيدا
. 108- عامر بن الأكوع:
أصاب نفسه بسيفه فمات على ما سبق ذكره
. 109- عبد الله بن أبي لهب بن وهب:
قتل بخيبر
. 110- عدي بن مرة بن سراقة:
قتل بخيبر
. 111- عمارة بن عقبة:
قتل بخيبر
. 112- قباذ بن كسرى:
وهو الذي يقال له: شيرويه، قتل أباه، فأخذته الأسقام والحزن، فبقي بعده
ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر ثم مات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في الترجمة في الطبقات 3/ 1/ 67.
(3/308)
113- محمود بن مسلمة بن سلمة بن خالد:
شهد أحدا والخندق والحديبية وخيبر، ودليت عليه يومئذ رحى فأصابت رأسه،
فمكث ثلاثا ثم مات، وقبر هو وعامر بن الأكوع في قبر واحد في غار هناك]
[1]
. 114- الوليد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بن عمر بن
مخزوم [2] :
خرج مع قومه إلى بدر وهو على دينهم، فأسره عبد الله بن جحش، فقدم في
فدائه أخواه: خَالِد، وهشام، فافتكّاه بأربعة آلاف، وأبى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يفديه إلا بشكة أبيه،
وكانت درعا فضفاضة وسيفا وبيضة، فأقيم ذلك مائة دينار. فلما قبض ذلك
خرجا بالوليد حتى بلغا ذا الحليفة فأفلت [منهما] [3] فَرَجَعَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له خالد: هلا كان
هذا قبل أن تفتدي وتخرج مأثرة أبينا [من أيدينا] [3] ، قال: ما كنت
لأسلم حتى أفتدى، ولا تقول قريش: إنما اتبع مُحَمَّدا فرارا من الفداء.
فلما دخل مكة حبسوه، وكأن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام،
وعياش بن أبي ربيعة» ، ثم أفلت الوليد فقدم المدينة، وبها توفي في هذه
السنة، فقالت أم سلمة:
يا عين بكي للوليد ... بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد [4] ... أبو الوليد فتى العشيرة
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تقولي
هكذا، ولكن قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 50: 19 [5]
. 115- يسار الحبشي:
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من الأصل من ترجمة «الحارث بن حاطب» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 97، وفي أ: «الوليد بن الوليد بن عبد الرحمن
بن عمرو بن مخزوم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل من ابن سعد.
[4] في ابن سعد «فكل الوليد بن الوليد» .
[5] سورة: ق الآية: 19.
(3/309)
عَمْرِو بْنُ حَيْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابن الفهم، حدثنا] [1] محمد بن سعد، قال:
كَانَ يَسَارُ عَبْدًا لِعَامِرٍ الْيَهُودِيِّ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ،
فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم خيبر
وقع الإسلام بقلبه فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
إِلَى مَا تَدْعُو؟
قَالَ: / «إِلَى الإِسْلامِ، تَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وأني رسول
الله» قَالَ: فَمَا لِي؟ قَالَ:
«الْجَنَّةُ إِنْ ثَبِتَ عَلَيَّ ذَلِكَ» . فَأَسْلَمَ وَقَالَ: إِنَّ
غَنَمِي وَدِيعَةٌ، فَقَالَ: «أَخْرِجْهَا مِنَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ صِحْ
بِهَا وَارْمِيهَا بِحَصَيَاتٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ
أَمَانَتَكَ» ، فَفَعَلَ فَخَرَجَتِ الْغَنَمُ إِلَى سَيِّدِهَا،
فَعَلِمَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ غُلامَهُ قَدْ أَسْلَمَ. وَخَرَجَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرَّايَةِ، وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ
الأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حتى قتل. فاحتمل فادخل خِبَاءً مِنْ أَخْبِيَةِ
الْعَسْكَرِ، فَاطَّلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْخِبَاءِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ هَذَا
الْعَبْدَ الأَسْوَدَ وَسَاقَهُ إِلَى خَيْرٍ، قَدْ رَأَيْتُ
زَوْجَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ العين عند رأسه» .
__________
[1] في الأصل: قال ابن سعد، والسند ساقط وقد أوردناه من أ.
(3/310)
ثم دخلت سنة ثمان
[من الهجرة [1]]
فمن الحوادث فيها:
ملك أردشير بن شيرويه [2]
وكان له سبع سنين لأنه لم يكن هناك محتنك من [أهل] [3] بيت المملكة،
وكان شهربراز [4] الذي ذكرنا أن أبرويز استعمله في قتال هرقل قد احتقر
أردشير، فأقبل إليه فحاصره وخدع بعض حرسه، ففتح له المدينة فقتل خلقا
من الرؤساء واستصفى أموالهم وفضح نساءهم، وقتل أردشير، وملك. وامتعض
قوم من قتله أردشير فتحالفوا على قتله، فقتلوه وجروه بحبل
. ومن الحوادث
[ملك بوران بنت كسرى أبرويز] [5]
أنهم ملكوا بعده بوران بنت كسرى، فقالت يوم ملكت: البر أوثر، وبالعدل
آمر، واستوزرت فسفروخ وأحسنت السيرة وبسطت العدل، ورممت [القناطر] ،
ووضعت بقايا من الخراج، وكتبت إلى الناس تعلمهم ما هي عليه من الإحسان
إليهم، وأنهم سيعرفون بمكايدها أنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد، ولا
بمكايدهم ينال الظفر، وإنما ذلك بعون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 2/ 230.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصول: «شهريار» وما أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: غير موجود. بالأصول.
(3/311)
اللَّه، وردت خشبة الصليب على ملك الروم،
وكان ملكها سنة وأربعة أشهر. ولما بلغ الخبر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لن يفلح قوم يملكهم امرأة»
. [ملك جشنسدة]
[1] ثم ملك من بعد بوران رجل يقال له جشنسدة [2] من بني عم أبرويز،
وكان ملكه أقل من شهر
. [ملك آزر ميدخت بنت كسرى]
[3] ثم ملك آزر ميدخت بنت كسرى قالت: حين ملكت: منهاجنا منهاج أبينا
كسرى، وكان عظيم فارس يومئذ فرّخهرمز [4] فأرسل إليها فسألها أن
يتزوجها، فأرسلت إليه: إن التزويج للملكة غير جائز، ولكن صر إلي ليلة
ذا وكذا، فإن مرادك قضاء الشهوة، وتقدمت إلى صاحب حرسها بقتله، فجاء
فقتل ورمي في رحبة المملكة، فبلغ الخبر إلى ولده رستم، فأقبل في جند
عظيم وسمل عيني إزر ميدخت، ثم قتلها، وكان ملكها ستة أشهر
. [كسرى بن مهراجشنس]
[5] ثم أتي برجل من عقب أردشير بن بابك، فملكوه ثم قتل بعد أيام، ثم
ولوا غيره وقتل.
[ملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز]
[6] ثم ولي يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وكان المنجمون قد قالوا [7] :
سيولد لبعض
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «خشيشدة» والتصحيح من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصول: «يرزجمهر» . وما أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 2/ 217.
(3/312)
ولدك غلام يكون ذهاب هذا الملك على يديه،
وعلامته نقص في [بعض] [1] بدنه، فمنع ولده من النساء، فمكثوا حينا لا
يصلون إلى امرأة فشكى شهريار إلى شيرين الشبق وسألها أن تدخل إليه
امرأة وإلا قتل نفسه، وكانت شيرين قد تبنت شهريار، فأرسلت إليه:
إني لا أقدر على إدخال امرأة إليك إلا أن تكون لا يؤبه لها، ولا يجمل
بك أن تمسها، فقال: أنا لست أبالي ما كانت، فأرسلت إليه بجارية كانت
تحجم، وكانت فيما يزعمون من بنات أشرافهم إلا أن شيرين [كانت] [2] غضبت
عليها، فأسلمتها في الحجامين، فلما دخلت عليه وثب عليها، فحملت
بيزدجرد، فأمرت بها شيرين فقصرت [3] حتى ولدت، وكتمت أمر الولد خمس
سنين، ثم أنها رأت من كسرى رقة للصبيان حين كبر، فقالت له: هل يسرك
أيها الملك [أن] ترى ولدا لبعض بنيك على ما كان فيه من المكروه، فقال
لا أبالي، فأمرت بيزدجرد فطيب وحلي وأدخلته عليه، وقالت: هذا يزدجرد بن
شهريار. فأجلسه في حجره وقبله وعطف عليه وأحبه/ حبا شديدا، وكان يبيته
معه، فبينما هو يلعب ذات يوم بين يديه، إذ ذكر ما قيل له، فعراه عن
ثيابه فاستبان النقص في إحدى وركيه، فاستشاط غضبا وحمله ليجلد به
الأرض، فتعلقت به شيرين وناشدته الله ألا يقتله، وقالت له: إن يكن أمر
قد حضر في هذا الملك فليس له مرد. فقال: إن هذا المشئوم الذي أخبرت عنه
المنجمون فأخرجيه فلا أنظر إليه، فأمرت به فحمل إلى سجستان.
وقيل: بل كان في السواد عند ظؤورته. وقيل: لما قتل شيرويه أخوته هرب
يزدجرد إلى اصطخر ثم آل الأمر إلى أن ملك، وقتل في زمان خلافة عثمان بن
عفان رضي الله عنه، وانقضى ملك الفرس.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول.
[3] قصرت: حبست.
(3/313)
ومن الحوادث في هذه السنة
إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد،
وعثمان بن طلحة [1]
فقدموا المدينة في صفر، وكان عمرو لما رأى ظهور رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى النجاشي، فرأى النجاشي يدعو إلى
اتباع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ
قاصدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه خالد بن الوليد وهو على
تلك النية فأسلموا.
قال مؤلف الكتاب: وقصتهم ستأتي في أخبار عمرو بن العاص، وخالد بن
الوليد رضي الله عَنْهُمَا
. وفي هذه السنة
تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فاطمة
بنت الضحاك] [2] الكلابية فاستعاذت منه
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدّثنا علي بن عمر الدار الدَّارَقُطْنِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ،
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ] [2] ، عَنِ
الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ [3] وَسَأَلْتُهُ: أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ فَقَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ الْكِلابِيَّةِ لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَنَا مِنْهَا فقالت:
أعوذ باللَّه مِنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ»
. ومن الحوادث
سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني
الملوح بالكديد في صفر [4]
قال جندب بن مكيث الجهني: بعث رسول/ الله صلى الله عليه وسلم غالب [بن
عبد الله] [5] الليثي في سرية وكنت فيهم، فأمرهم أن يشنوا الغارة على
بني الملوح. فخرجنا حتى إذا
__________
[1] المغازي للواقدي 2/ 741، وسيرة ابن هشام 2/ 276، والبداية والنهاية
4/ 236، وتاريخ بغداد 3/ 29، والكامل 2/ 109.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] وفي الأصل: روى الأوزاعي عن الزهري.
[4] المغازي للواقدي 2/ 750، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 79. وتاريخ الطبري
3/ 27، والاكتفاء 2/ 412.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/314)
كُنَّا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء
[الليثي] ، فأخذناه فقال: إنما جئت أريد الإسلام، قُلْنَا: إن تكن
مسلما فلا يضرك رباطنا يوما وليلة. فشددناه وثاقا وخلفنا عليه رويجلا
[منا أسود] [1] وقلنا: إن ناوشك [2] فجز رأسه، فسرنا حتى أتينا الكديد
عند غروب الشمس، وكمنا في ناحية الوادي، وبعثني أصحابي ربيئة لهم،
فخرجت حتى آتي مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم إذ خرج رجل فقال لامرأته:
إني لأرى على هذا الجبل سوادا ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى
أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا، فنظرت فقالت: لا، فقال: فناوليني
قوسي وسهمي، فأرسل سهما فو الله ما أخطأ بين عيني، فانتزعته وثبت
مكاني، ثم أرسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته ووضعته وثبت مكاني، فقال:
والله لو كان ربيئة لقد تحرك. ثم دخل وراحت الماشية، فلما احتلبوا
وعطنوا واطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة واستقنا النعم. فخرج صريخ
القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به، فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا
بابن البرصاء فاحتملناه وأدركنا القوم ما بيننا وبينهم إلا الوادي، إذ
جاء اللَّه بالوادي من حيث شاء، والله ما رأينا سحابا يومئذ فامتلأ
جنباه ماء، ولقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا
. وفيها
سرية غالب أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد
بفدك في صفر [3]
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن
معروف الخشاب، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، أَخْبَرَنَا] [4] مُحَمَّدُ
بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: هَيَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الزُّبَيَّر بْنَ الْعَوَّامِ، وَقَالَ لَهُ: «سِرْ حَتَّى
تَنْتَهِيَ إِلَى مُصَابِ [أَصْحَابِ] [5] / بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ
فَإِنْ أَظْفَرَكَ اللَّهُ بِهِمْ فَلا تُبْقِ فِيهِمْ» [وَهَيَّأَ
مَعَهُمْ مائتي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في أ، وابن سعد: «إن نازعك» .
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 91.
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه في الأصل: قال محمد بن سعد، وأوردناه من
أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
(3/315)
رَجُلٍ] [1] ، وَعَقَدَ لِوَاءً، فَقَدِمَ
غَالِبُ [بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ] [2] مِنْ سَرِيَّتِهِ مِنَ
الْكَدِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلزُّبَيْرِ: «اجْلِسْ» ، وَبَعَثَ غَالِبَ فِي مَائَتَيْ رَجُلٍ،
وَخَرَجَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ [فِيَها حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَابِ
أَصْحَابِ بَشِيرٌ وَخَرَجَ مَعَهُ عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ فِيهَا] [3] ،
فَأَصَابُوا نِعَمًا وَقَتَلُوا [مِنْهُمْ] [3] قَتْلَى
. وفيها
سرية شجاع بن وهب [إلى بني عامر في ربيع
الأول [4]
قال عمر بن الحكم: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب] [5]
في أربعة وعشرين رجلا إلى جمع [من] [6] هوازن، فكان يسير الليل ويكمن
النهار حتى صبحهم وهم غارون، فأصابوا نعما كثيرا وشاء، واستاقوا [7]
ذلك، وغابوا خمس عشرة ليلة
: [ومن الحوادث
سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح
[8]
[وهي من وراء وادي القرى- في شهر ربيع الأول. قال الزهري: بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى
انتهوا إلى ذات أطلاح] [9] من أرض الشام، فوجدوا جمعا فدعوهم إلى
الإسلام فلم يستجيبوا ورموهم بالنبل [10] فقاتل أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فتحامل حتى أتى
النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره، فشق عليه] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد وفي الأصل: وخرج منها أسامة بن زيد
فأصابوا.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 91- 92.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[7] في الأصل وساقوا والتصحيح من أوالطبقات.
[8] هذه السرية ساقطة كلها من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع: المغازي للواقدي 2/ 752، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 92.
[9] ما بين المعقوفتين: من هامش أ، وابن سعد.
[10] في ابن سعد: «ورشقوهم بالنبل» .
(3/316)
ومن الحوادث
اتخاذ المنبر لرسول الله صلى الله عليه
وسلم
وقيل: في سنة سبع، والأول أصح.
[أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا الحسن بن عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن
أحمد، قال: حدثني أبي] [1] ، قال: أخبرنا وكيع، قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، قَالَ: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ
مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ لَهَا غُلامٌ نَجَّارٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنَّ لِي غُلامًا نَجَّارًا أَفَلا آمُرُهُ [2] أَنْ يَتَّخِذَ لَكَ
مِنْبَرًا تَخْطُبُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: بَلَى. [قَالَ] [3] : فَاتَّخَذَ
لَهُ مِنْبَرًا، [قَالَ] [4] : فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، [قَالَ] [5] : فَأَنَّ الْجِذْعُ [6]
الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا بَكَى
لِمَا فَقَدَ مِنَ الذكر» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ [7] ، وَأَخْرَجَاهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ. [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ
الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي
أسامة، حدثنا] [8] محمد بن سعد، قال: أخبرنا عبد الله بْنُ جَعْفَرٍ
الرَّقِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ
ابْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، فَكَانَ
يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ أن أعمل لك منبرا تقوم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: في الأصل: قال احمد وأخبرنا، وما أوردناه من أ.
[2] في المسند: «أفآمره» .
[3] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[6] في الأصل: «فحن الجذع» وما أوردناه من أ، والمسند.
[7] مسند أحمد بن حنبل 3/ 300، عن جابر، 1/ 249، 267 عن أنس، 1/ 263،
267 عن ابن عباس.
[8] ما بين المعقوفتين: في الأصل: قال محمد بن سعد وأخبرنا ... وما
أوردناه من أ.
(3/317)
عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى
يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعُهُمْ خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَصَنَعَ
لَهُ ثَلاثَ دَرَجَاتٍ [هُنَّ اللاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ أَعْلَى
الْمِنْبَرِ [1] ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ وَوُضِعَ فِي
مَوْضِعِهِ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ عَلَى/ الْمِنْبَرِ فَمَرَّ إِلَيْهِ، خَارَ
الْجِذْعُ حَتَّى تَصَدَّع وَانْشَقَّ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ
رَجِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، [وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَى ذَلِكَ
الْجِذْعِ] [2] ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ، أَخَذَ
ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَكَانَ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ
حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا [3]
. وفي هذه السنة
سرية مؤتة وهي بأدنى البلقاء دون دمشق في
جمادى الأولى سنة ثمان [4] .
قَالَ علماء السير: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمرو
الأزدي [أحد بني لهب] [5] إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له
شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
رسول غيره، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وندب الناس فأسرعوا
وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمير
الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن
رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون منهم رجلا، وعقد لهم صلى الله عليه
وسلم لواء أبيض، وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم،
وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام،
فإن أجابوا وإلا قاتلوهم.
فلما فصلوا [من المدينة] [5] سمع العدو بمسيرهم [6] ، فجمعوا لهم وقام
[فيهم]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 11.
[4] المغازي للواقدي 2/ 755، وطبقات ابن سعد 1/ 2/ 92 وتاريخ الطبري 3/
36، وسيرة ابن هشام 2/ 373، والاكتفاء 2/ 275، والبداية والنهاية 4/
241.
ومؤتة (مهموز الواو، وحكي فيه غير الهمز) : قرية من أرض البلقاء من
الشام، وتسمى أيضا غزوة جيش الأمراء، وذلك لكثرة المسلمين فيها وما
لاقوه من الحرب الشديد مع الكفار.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] في الأصل: سمع العدو بهم.
(3/318)
شرحبيل فجمع أكثر من مائة ألف، فمضوا إلى
مؤتة ووافاهم المشركون بما لا قبل لهم به، فأخذ اللواء زيد [بن حارثة]
[1] فقاتل حتى قتل، ثم أخذه جعفر فقاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم
فقطعه نصفين، فوجد في أحد نصفيه أحد وثلاثون جرحا، ثم أخذه عبد الله بن
رواحة فقاتل حتى قتل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ اللواء،
وانكشف الناس [فكانت الهزيمة] [2] فتبعهم المشركون [3] فقتل ثمانية ممن
يعرف من المسلمين، ورفعت الأرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظر
إلى معترك القوم. فلما أخذ اللواء خالد/ [بن الوليد] [4] قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآن حمي الوطيس» . فلما
سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم [بالجرف] [5] ، فجعل [الناس]
[5] يحثون في وجوههم التراب، ويقولون: يا فرار، أفررتم في سبيل الله؟
فَقَالَ رسول الله [6] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليسوا
بفرار ولكنهم كرار إن شاء الله تعالى» . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي الْقَاسِمِ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ
الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا أحمد بن محمد بن
أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ] [7] ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا تَجَهَّزَ الناس وتهيأوا لِلْخُرُوجِ إِلَى مُؤْتَةَ، قَالَ
الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمِْ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وضربة ذات فرغ [8]
تقذف الزّبدا [9]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: «فتبعهم المرهب» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] في الأصل: النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[7] ما بين المعقوفتين: في الأصل: أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناده
عن عروة.
[8] ذات فرغ: ذات سعة.
[9] الزبد: الرغوة.
(3/319)
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ
مُجْهِزَةً [1] ... بِحَرْبَةٍ تَنْفُذُ الأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَكَ اللَّهُ
مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا أَرْضَ الشَّامِ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ
هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ [مَآَبَ] [2] مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ [فِي] [2]
مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ
الْمُسْتَعْرِبَةُ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ وَبَلْقِينَ وَبَهْرَاءَ
وَبَلِي فِي مِائَةِ أَلْفٍ [مِنْهُمْ] [2] ، فَأَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ
يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ
عَدُوِّنَا، فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ:
وَاللَّهِ يَا قَوْمِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ لَلَّذِي خَرَجْتُمْ
لَهُ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةَ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعِدَّةٍ
وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ، وَمَا نُقَاتِلُهُمْ إِلا بِهَذَا
الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا، فَإِنَّمَا
هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ، وَإِمَّا شَهَادَةٌ،
فَقَالَ النَّاسُ: وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ. فَمَضَى النَّاسُ
[3] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، [وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي عُمَرَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ وَطِرَادٌ، قَالا:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ رَشْدَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ
صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ] [4] عَبْدِ
الْوَاحِدِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ
السَّلامِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:
أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قتل،
دعي النَّاسَ: يَا عَبْدَ/ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَهُوَ فِي جَانِبِ
الْعَسْكَرِ وَمَعَهُ ضِلْعُ جَمَلٍ يَنْهَشُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَاقَ
طَعَامًا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاثٍ، فَرَمَى بِالضِّلْعِ ثُمّ قَالَ:
وَأَنْتَ مَعَ الدُّنْيَا ثُمَّ تَقَدَمَّ فَقَاتَلَ ثُمَّ أُصِيبَتْ
أُصْبُعُهُ، فَارْتَجَزَ وَجَعَلَ يَقُولُ [5] :
هَلْ أَنْتِ إِلا أُصْبُعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا
لَقِيتِ
يَا نَفْسُ إِنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذِي حِيَاضُ الْمَوْتِ
قد صليت
__________
[1] مجهزة سريعة القتل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 36، 37.
[4] ما بين المعقوفتين: في الأصل: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر
بإسناد لَهُ عَنْ أبي بكر القرشي باسناده له عن عبد الواحد وأوردناه من
أ.
[5] تاريخ الطبري 3/ 40، وسيرة ابن هشام 2/ 379، طبقات ابن سعد 3/ 2/
84.
(3/320)
وَمَا تَمَّنَيْتِ فَقَدْ لَقِيتِ ... إِنْ
تَفْعَلِي فِعْلَهَا هُدِيتِ
وَإِنْ تَأَخَّرْتِ فَقَدْ شَقِيتِ
ثُمَّ قَالَ: يَا نَفْسُ أَيُّ شَيْءٍ تَتُوقِينَ؟ إِلَى فُلانَةٍ؟
فَهِيَ طَالِقٌ [ثَلاثًا] [1] ، وَإِلَى فُلانٍ وَفُلانٍ- عَبِيدٌ
لَهُ- فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِلَى مِعْجَفٍ- حَائِطٌ لَهُ- فَهِيَ للَّه
وَرَسُولِهِ، ثُمَّ ارْتَجَزَ وَقَالَ:
يَا نَفْسُ مَالَكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّةْ ... أَقْسَمْتُ باللَّه
لَتَنْزِلِنَّهْ
طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرَهِنَّهْ ... قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ
مُطْمَئِنَّهْ
هَلْ أَنْتِ إِلا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ ... قَدْ أَجْلَبَ النَّاسُ
شَدُّو الرَّنَّةْ
وَمِنَ الْحَوَادِثِ
سَرِيَّةُ عْمَرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى ذَاتِ السَّلاسِلِ وَهِيَ
وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ عَشْرَةَ
أَيَّامٍ فِي جُمَادَى الآخَرِةِ سَنَةَ ثَمَانٍ [2] .
قال علماء السير: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من قضاعة قد
تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا
[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض
وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار
ومعهم ثلاثون فرسا، فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن
لهم جمعا كبيرا، فبعث [رافع بن مكيث الجهني] [3] إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين، وعقد
له/ لواء، [وبعث] [4] معه سراة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر،
فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس، فقال عمرو: إنما قدمت علي مددا وأنا
الأمير، فأطاعه ثم لقي جمعا فهربوا ثم قفل.
وفي هذه السرية [5] : أجنب عمرو فصلّى بأصحابه وهو جنب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 95.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] في أ: «وفي هذه الغزاة» .
(3/321)
أخبرنا ابن الحصين، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَن بْن عَلِيٍّ [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي،
قَالَ: أَخْبَرَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لما
بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام ذات السلاسل،
قال: احتملت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ
إِنِ اغْتَسَلْتُ [2] أَنْ أَهْلِكَ. فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ
بِأَصْحَابِي صَلاةَ الصُّبْحِ، [قَالَ:] [3] فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ
لَهُ، فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ»
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إني احتملت فِي لَيْلَةٍ
بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ [2] ،
أَنْ أَهْلِكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً 4: 29 [4]
[فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ] فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا [5]
. ومن الحوادث
سرية الخبط
[6] قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أبا
عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار، وفيهم عمر بن
الخطاب رضي الله عنه في رجب إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل
البحر، وبينها وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم [في الطريق] [7] جوع
شديد، فأكلوا الخبط، وألقى لهم البحر حوتا عظيما، فأكلوا منه وانصرفوا
ولم يلقوا كيدا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْمُدَبِّرُ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي
أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ محمد
__________
[1] في الأصل: «أخبرنا المذهب» .
[2] في الأصل: أغتسل.
[3] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[4] سورة: النساء، الآية: 29.
[5] الخبر في المسند 4/ 203، 204.
[6] السرية كلها ساقطة من الأصل، وأوردناه من أ. راجع ابن سعد 2/ 1/
95. وانظر الطبري 2/ 147- 148 ط. الدار.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
(3/322)
السمناني، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ،
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ
السَّمَرْقَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شيبان، حدّثنا سفيان،
سمع عمر، وجابر ابن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
بَعَثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم في ثلاثمائة رَاكِبٍ،
وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي طَلَبِ عِيرِ
قُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا
وَأَكَلْنَا الْخَبَطَ، ثُمَّ أَنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إِلَيْنَا
دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ
شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا، وَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ
ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِهَا فَنَصَبَهَا وَنَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ
فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ رَجُلٍ، فَحَمَلُه عَلَيْهِ فَجَازَ
تَحْتَهُ.
وَقَدَ كَانَ رَجُلٌ يَجُرُّ ثَلاثَ حَرَائِرَ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْهُ
أَبُو عُبَيْدَةَ. وَكَانُوا يَرَوْنَهُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ.
قال المصنف: هو قيس بن سعد بلا شك، وله في ذلك قصة قد ذكرتها في
ترجمته]
. ومن الحوادث
سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة،
وهي أرض محارب بنجد في شعبان
[1] وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث أبا قتادة ومعه خمسة
عشر رجلا إلى غطفان، وأمره أن يشن عليهم الغارة، فسار الليل وكمن
النهار، فهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط بهم وقاتل منهم رجال، فقتلوا
[2] من أشرف لهم واستاقوا [النعم، فكانت] الإبل مائتي بعير، والغنم
ألفي شاة، وسبوا سبيا كثيرا، وجمعوا الغنائم، فأخرجوا الخمس فعزلوه،
وقسموا ما بقي على أهل السرية، فأصاب كل رجل اثنا عشر بعيرا، فصار في
سهم أبي/ قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فوهبها له، فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لمحمية بن جزء.
وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة
. ومن الحوادث
سرية أبي قتادة الأنصاري إلى بطن أضم في
رمضان
[3] .
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما هم بغزو أهل مكة بعث أبا
قتادة في ثمانية نفر سرية
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 95. تاريخ الطبري 2/ 148 ط. الدار.
[2] في الأصل: «وقتل» والتصحيح من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 10/ 96 تاريخ الطبري 2/ 148- 149. وردت في الأصل
«أطم» .
(3/323)
إلى بطن إضم- وبينها وبين المدينة ثلاثة
برد- ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية
وتذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة، فمر عامر بن الأضبط
فسلم بتحية الإسلام، فأمسك عنه القوم، وحمل عليه مسلم، فقتله وأخذ
سلبه، فلما لحقوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نزل فيهم القرآن: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ
[لَسْتَ مُؤْمِناً] 4: 94 [1] . ولم يلقوا جمعا فانصرفوا فبلغهم أن
رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ إلى
مكة فلقوه بالسقيا
. ومن الحوادث
غزاة الفتح وكانت في رمضان
[2] قال علماء السير: لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح
الحديبية كلمت بنو نفاثة- وهم من بني [بكر] [3]- أشراف قريش أن يعينوهم
على خزاعة بالرجال والسلاح، فوعدوهم ووافوهم [بالوتير] متنكرين فيهم
صفوان بن أمية، وحويطب، ومكرز فبيتوا خزاعة ليلا وهم غارون، فقتلوا
منهم عشرين [رجلا] . ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن هذا نقض للعهد
الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج عمرو بن سالم
الخزاعي في أربعين راكبا من خزاعة، فقدموا على رسول الله صَلى اللهُ
عَلَيه وسلم يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه، فقام وهو يجر رداءه،
ويقول: «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب [مما أنصر منه نفسي» ] [4] . وقدم
أبو سفيان بن حرب، فسأله أن يجدد العهد فأبى فانصرف/ فتجهز رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخفى أمره، وقال: «اللَّهمّ خذ على أبصارهم فلا
يروني إلا بغتة» ، فلما أجمع السير كتب حاطب بن أبي بلتعة [إلى قريش]
[5] يخبرهم بذلك، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليا والمقداد
فأخذوا كتابه ورسوله [6] .
__________
[1] سورة: النساء، الآية: 94.
[2] المغازي للواقدي 2/ 780، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 96 وتاريخ الطبري 3/
38، وسيرة ابن هشام 2/ 389، والاكتفاء 2/ 287، والكامل 2/ 116،
والبداية والنهاية 4/ 278.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[6] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد.
(3/324)
أخبرنا هبة الله بن محمد، [أخبرنا الحسن بن
عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ:
أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَقَالَ مرة: إِنَُّ عبَيْدَ
اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ] [1] عَلِيًّا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ
وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ
[2] ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً [3] مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا»
. فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا
الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي
الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا:
لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. قَالَ:
فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ مِنْ عِقَاصِهَا [4] ، فَأَخَذْنَا الْكِتَابَ
فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ [بِمَكَّةَ] [5] ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ
رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ
مَا هَذَا؟» قَالَ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً
مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ
مَنْ [كَانَ] مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٍ يَحْمُونَ
أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ
النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا
قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا عَنْ
دِينِي وَلا أَرْضَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ»
. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقَ،
فَقَالَ: «إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ
قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . رواه أحمد وأخرجاه
في الصحيحين [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وهو في الأصل:
«أخبرنا هبة الله بن محمد بإسناد له عن علي» .
[2] روضة خاخ: موضع بقرب حمراء الأسد من المدينة (معجم البلدان 2/ 335)
.
[3] الظعينة: المرأة في هودجها.
[4] العقاص: خيط تشد به أطراف الذوائب (المعجم 2/ 621) .
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[6] الحديث أخرجه أحمد في المسند 1/ 79، والبخاري في فضل الجهاد والسير
4/ 72، ومسلم 7/ 168، وأبو داود في الجهاد 1/ 262، والترمذي في التفسير
9/ 198 بتحفة الأحوذي.
(3/325)
قال العلماء في السير [1] : وبعث رسول الله
صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى من حوله من العرب فجلهم أسلم وغفار ومزينة،
وجهينة وأشجع [وسليم] ، فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه في
الطريق/ وكان المسلمون في غزاة الفتح عشرة آلاف، واستخلف رسول الله
صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج
يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر، وقد أقام الزبير
فِي مائتين وعقد الألوية والرايات بقديد، ونزل مر الظهران عشاء، فأمر
أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نارا، ولم يبلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما
يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أَبَا سفيان يتحسس الأخبار، وقالوا: إن
لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا.
فخرج أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، فلما رأوا العسكر
أفزعهم، وقد استعمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على الحرس تلك الليلة
عمر بن الخطاب، فسمع العباس [بن عبد المطلب] [2] صوت أبي سُفْيَان،
فقال: أبا حنظلة، فقال: لبيك. قال: فما وراءك؟ قال:
هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عشرة آلاف، فأسلم
ثكلتك أمك وعشيرتك، فأجاره وخرج به وبصاحبيه حتى أدخلهم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وجعل لأبي سفيان أن من دخل داره فهو آمن،
ومن أغلق بابه فهو آمن.
ثم دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة في كتيبته
[الخضراء] [3] وهو على ناقته القصواء بين أبي بكر وأسيد بن حضير، فقال
أبو سفيان للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، فقال: ويحك إنه لَيْسَ
بملك ولكنها نبوة، قال: نعم.
وأمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ سعد بن عبادة أن يدخل لمن
كداء، والزبير أن يدخل من كدى، وخالد بن الوليد من الليط، وَدَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أذاخر، ونهى عن
القتال غير أنه أمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل فهرب ثم
استأمنت له امرأته أم حكيم بنت الحارث فأمنه رسول/ الله صلى الله عليه
وسلم، وهبار بن الأسود، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فاستأمن له عثمان
وكان أخاه من الرضاعة، ومقيس بن ضبابة قتله نميلة بن عبد الله
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 97.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
(3/326)
الليثي، والحويرث بن نفيل بن قصي قتله علي
بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله ابن هلال بن خطل قتله أبو برزة
وقيل سعيد بن حريث، وهند بنت عتبة فأسلمت، وسارة مولاة عمرو بن هاشم
[1] قتلت، وقريبة قتلت، [وفرتنا] [2] أومنت حتى ماتت في خلافة عثمان.
وكل الجنود لم يلقوا جمعا غير خالد فإنه لقيه صفوان بن أمية وسهيل بن
عمرو، وعكرمة في جمع من قريش بالخندمة، فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح
ورموه بالنبل، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين [رجلا]
من قريش وأربعة [نفر] [3] من هذيل، فلما ظهر رسول الله صلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وسلم [علي ثنية أذاخر رأى البارقة] [4] فقال: «ألم أنه عَن
القتال؟» فقيل: خَالِد قوتل فقاتل. وقتل من المسلمين رجلان أخطئا
الطريق:
كرز بن جابر، وخالد الأشقر.
وضربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة بالحجون، ودخل مكة عنوة،
فأسلم الناس طائعين وكارهين، وطاف بالبيت على راحلته، وحول الكعبة
ثلاثمائة وستون صنما فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده
ويقول: «جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» 17: 81 فيقع الصنم لوجهه،
وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة، فجاء إلى المقام وهو لاصق بالكعبة
فصلى خلفه ركعتين ثم جلس ناحية [من المسجد] [5] وأرسل بلالا إلى عثمان
بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به عثمان فقبضه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفتح الباب ودخل الكعبة فصلّى فيها ركعتين، وخرج يدعى عثمان/
بن طلحة فدفع إليه المفتاح، وقال: «خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة
لا ينزعها منكم إلا ظالم» . ودفع السقاية إلى العباس [بن عبد المطلب]
[6] ، وأذن بلال بالظهر فوق الكعبة، وكسرت الأصنام، وصلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الضحى يومئذ ثمان ركعات.
__________
[1] في الأصل: «وسارة بنت عمرو» وما أوردناه من ابن سعد، وفي أ: «وسارة
امرأة عمرو بن هاشم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
(3/327)
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن
المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى، قَالَ: مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنَّهُ رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ، فَإِنَّهَا
حَدَّثَتْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا
يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِ رَكْعَاتٍ مَا
رَأَتْهُ صَلَّى صَلاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ
يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1]
.
وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني، فقال: « [إن الله
قد] [2] حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ... » . وخطب على الصفا، وجلس
رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي الصفا يبايع الناس على
الإسلام، ثم بايع النساء، فجاءت هند متنكرة فبايعت، وجعلت تكسر صنمها
وتقول:
كنا منك في غرور.
وما صافح امرأة في البيعة، وإنما كان يقول بلسانه، وقال يوم الفتح: «لا
هجرة ولكن جهاد ونية» . أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ بِإِسْنَادٍ
لَهُ عَنِ ابن عباس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لا هِجْرَةَ وَلَكِنْ
جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» وَجَلَسَ عَلَى الصَّفَا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْحَقِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا علي بن عمر الدار
الدَّارَقُطْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنِيعٍ،
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ] [3] ، عن أبي هريرة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى
مَكَّةَ ليفتحها صعد الصفا، فخطب الناس، فقالت
__________
[1] الخبر في المسند 6/ 342،
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: «حرم الله مكة» ، وأوردناه من
ابن سعد 2/ 1/ 99.
[3] في الأصل: «أخبرنا عبد الحق بإسناد له عن الدار الدّارقطنيّ، عن
أبي هريرة» والسند أوردناه من أ.
(3/328)
الأَنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا
الرَّجُلُ فَأَخَذَتْهُ الرَّأْفَةُ بِقَوْمِهِ وَالرَّغْبَةُ فِي
قُرْبَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَحْيَ بِمَا قَالَتِ/
الأَنْصَارُ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، تَقُولُونَ
أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ الرَّأْفَةُ بِقَوْمِهِ
وَالرَّغْبَةُ فِي قُرْبَتِهِ، فَمَنْ أَنَا إِذَنْ، كَلا
وَاللَّهِ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ حَقًّا، الْمَحْيَا
مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» قَالُوا: وَاللَّهِ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إِلا مَخَافَةَ أَنْ
تُفَارِقَنَا، قَالَ: «أَنْتُمْ صَادِقُونَ عِنْدَ اللَّهِ
[وَعِنْدَ] رَسُولِهِ» . قَالَ: وَاللَّهِ مَا فِيهِمْ إِلا مَنْ
أَبْحَرَ بِالدُّمُوعِ. وهرب يومئذ عبد الله بن الزبعري، ثم عاد
فأسلم، وهرب هبيرة بن أبي وهب وأقام كافرا.
وكان فتح مكة [يوم الجمعة] [1] لعشر بقين من رمضان فأقام بها خمس
عشرة ليلة يصلي ركعتين ثم خرج إلى حنين، واستعمل على مكة عتاب بن
أسيد يصلي بهم، ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه،
أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي
أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا
الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ] [2] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ
مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ مِنْ
أَسْفَلِ مَكَّةَ [3]
. ومن الحوادث في رمضان هذه السنة
سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس
ليال بقين من رمضان
[4] وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعثه إلى العزى
ليهدمها، فخرج حتى انتهى إليها في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: «قال محمد بن سعد عن عائشة
... » وما أوردناه من أ.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 101.
[4] المغازي للواقدي 3/ 873، وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 151، وسيرة ابن
هشام 2/ 436، وتاريخ الطبري 3/ 65 والبداية والنهاية 42/ 314.
(3/329)
ثلاثين رجلا فهدمها ثم رجع إلى رسول الله
صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: «هل رأيت شيئا؟» قال: لا، قال: «فإنك
لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها» فرجع متغيظا فجرد سيفه، فخرجت إليه
امرأة عريانة سوداء ثائر الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد
فجز لها باثنتين ورجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «تلك
العزى وقد أيست أن تعبد ببلادكم أبدا» . وكانت بنخلة، وكانت لقريش
وجميع بني كنانة، وكانت أعظم أصنامهم، وكان سدنتها بنو/ شيبان. قال
مؤلف الكتاب: وقد اختلف العلماء في العزى على قولين، أحدهما: أنها
شجرة كانت لغطفان يعبدونها. قاله مجاهد. والثاني: صنم. قاله الضحاك
. وفي رمضان أيضا كانت
سرية عمرو بن العاص [إلى سواع] [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعثه حين فتح مكة إلى
سواع، وهو صنم لهذيل، ليهدمه، قال عمرو: فانتهيت إليه وعنده
السادن، فقال: ما تريد؟ قلت: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أهدمه، قال: لا تقدر على هدمه،
قلت: ولم؟ قال: تمنع، قلت: ويحك هل يسمع أو يبصر، فكسرته وأمرت
أصحابي فهدموا بيت خزانته وقلت للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت للَّه
عز وجل
. ومن الحوادث
سرية سعد بن زيد الأشهلي في رمضان أيضا
إلى مناة بالمشلل
[2] بعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين
فتح مكة إلى مناة ليهدمها، وكانت المشلل للأوس والخزرج وغسان، فخرج
في عشرين، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدمها، قال:
أنت وذاك؟! [فأقبل سعد يمشي إليها] [3] وتخرج إليه امرأة [4]
عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل والثبور وتضرب صدرها، فبصر
بها سعد فقتلها وهدموا الصنم.
قال مؤلف الكتاب: وسعد هذا قد شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 106.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: وخرجت امرأة.
(3/330)
ومن الحوادث
سرية خالد بن الوليد المخزومي إلى بني
جذيمة بن كنانة وكان أسفل مكة على ليلة ناحية يلملم
[1] وذلك أن خالدا لما رجع من هدم العزى بعثه رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني جذيمة داعيا إلى الإِسْلام،
ولم يبعثه مقاتلا، وذلك في شوال، فخرج في ثلاثمائة وخمسين، فلما
وصل إليهم قَالَ لهم: ما أنتم؟ قالوا: [2] مسلمون/ قد صلينا وصدقنا
بمحمد، وبنينا المساجد [في ساحاتنا] وأذنا [فيها] ، [3] قال: فما
بال السلاح عليكم؟ قالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا
أن تكونوا معهم، قال: فضعوا السلاح، فوضعوه، فقال:
استأسروا، فاستأسروا، فأمر بعضهم يكتف بعضا وفرقهم في أصحابه، فلما
كان السحر نادى خالد: من كان معه أسير فليجهز عليه بالسيف، فأما
بنو سليم من أصحابه فقتلوا من كان معهم، وأما المهاجرون والأنصار
فأرسلوا أسراهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد» . وبعث علي بن أبي طالب رضي
الله عنه فودى قتلاهم. وفيها: أسلم أبو سفيان بن الحارث، وعبد الله
بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل،
وهشام بن الأسود، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان، [والنضر بن
الحارث] [4]
. ومن الحوادث
غزوة حنين، وحنين واد بينه وبين مكة
ثلاث ليال وهي غزوة هوازن
[5] وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما فتح مكة مشت
أشراف هوازن وثقيف بعضها إلى
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 106 والبداية والنهاية 4/ 311.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] مغازي الواقدي 3/ 885، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 108، وتاريخ
الطبري 3/ 71، الاكتفاء 2/ 322، وسيرة ابن هشام 2/ 437، والكامل 2/
135، والبداية والنهاية 4/ 322.
(3/331)
بعض وحشدوا [وبغوا] [1] . وجمع أمرهم مالك
بن عوف النصري، فأمرهم فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأمهاتهم وحتى
نزلوا بأوطاس، وجعلت الأمداد تأتيهم، وأخرجوا معهم دريد بن الصمة
وهو أعمى ابن سبعين ومائة سنة يقاد وهو في شجار، وهو مركب من أعواد
يهيأ للنساء، فقال: بأي واد هم؟ [2] قالوا: بأوطاس، قال: نعم، مجال
الخيل، لا حزن ضرس، ولا سهل دهس- أي لين [3]- ما لي أسمع رغاء
الإبل [4] ويعار الشاء [5] ، قيل له: ساق مالك بن عوف مع الناس
الظعن والأموال، فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: أردت أن أحفظ/ الناس-
يعني أذمرهم من الحفيظة أن يقاتلوا عن أهاليهم وأموالهم فانقض به-
أي صفق بيده- وقال: راعي الضأن ما له وللحرب، وقال: أنت محل بقومك
وفاضح عورتك- أي قد أبحت شرفهم- لو تركت الظعن في بلادهم والنعم
فِي مراتعها، ولقيت القوم بالرجال على متون الخيل، والرجال [بين
أضعاف الخيل، ومقدمة ذرية، أما الخيل] [6] كان الرأي، والذرية
مقدمة الخيل.
فأجمع القوم السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة يوم السبت لست
ليال خلون من شوال في اثني عشر ألفا من المسلمين: عشرة آلاف من
المسلمين من [أهل] [7] المدينة، وألفان من المسلمين من أهل مكة.
فقال رجل [8] : لا نغلب اليوم من قلة. وخرج مع رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناس من المشركين كثير، منهم: صفوان ابن
أمية، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع
بأداتها، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من
شوال، فبعث مالك بن عوف ثلاثة [نفر] [9] يأتونه بخبر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[2] في الطبري: «بأي واد أنتم» .
[3] في الأصول: «مجال الحرب لا حرب وحرش والسهل وحش أي لين» . وما
أوردناه من الطبري.
والحزن: المرتفع من الأرض، والضرس: الّذي فيه حجارة محدده، الدهس:
اللين الكثير التراب.
[4] في الطبري: رغاء البعير.
[5] في الأغاني: «ثغاء الشاء» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[8] في ابن سعد الرجل هو أبو بكر.
[9] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
(3/332)
أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فرجعوا [إليه] [1] وقد تفرقت أوصالهم من الرعب.
ووجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله بن
أبي حدرد، فدخل عسكرهم فطاف به وجاء بخبرهم، فلما كان من الليل عمد
مالك إلى أصحابه فعبأهم [في وادي حنين] [2] فأوعز إليهم أن يحملوا
على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حملة واحدة، وعبأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم أصحابه في السحر وصفهم صفوفا ووضع الألوية
والرايات في أصحابه، فمع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب،
وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، [وراية يحملها عمر بن الخطاب] [3] ،
ولواء الخزرج يحمله حباب بن المنذر، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير،
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء التي تسمى
الدلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن شيء لم
يروا مثله قط من الكثرة، وذلك في غبش الصبح، وحملوا/ حملة واحدة،
فانهزم الناس، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يا أنصار 132/ أالله وأنصار رسوله، أنا عبد
الله ورسوله» . ورجع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى العسكر
وثاب إليه من النهزم، وثبت معه يومئذ علي، والفضل والعباس، وأبو
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث، وأبو بكر، وعمر،
وأسامة بن زيد في ناس من أهل بيته وأصحابه. أخبرنا ابن الحصين،
قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي،
قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
حدثنا معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ
عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ،
قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حُنَيْنًا قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلا أَنَا وأبو سفيان بن
الحارث [بن عبد المطلب] ، فَلَزِمْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ وَهُوَ عَلَى
بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ [4] ، -[وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ: بَيْضَاءَ]
[5]- أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نعامة الجذامي [6] ، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] البغلة الشهباء: هي التي خالط بياض شعرها سواد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[6] وقيل: فروة بن نفاثة كما في رواية مسلم.
(3/333)
الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ
وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ [1] قِبَلَ
الْكُفَّارِ.
قَالَ الْعَبَّاسُ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا، وَهُوَ لا
يَأْلُو مَا أَسْرَعَ [2] نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَبُو
سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِغَرْزِ [3] رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال [رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] : «يَا عَبَّاسُ، نَادِ يَا
أَصْحَابَ السَّمُرَةِ» [5] . قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلا صَيِّتًا [6]
، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أصحاب السمرة؟ قال: فو الله
لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ الْبِكْرِ
عَلَى أَوْلادِهَا [7] . فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ.
يَا لَبَّيْكَ، وَوَافَاهُمُ [8] الْمُسْلِمُونَ فَاقْتَتَلُوا
هُمْ وَالْكُفَّارُ، فَنَادَتِ الأَنْصَارُ [يَقُولُونَ] [9] : يَا
مَعْشَرَ الأَنْصَارِ. ثُمَّ قَصَّرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [10] ، فَنَادُوا: يَا بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ: فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ
عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ [رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [11] :
«هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» [12] . قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ
فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ قَالَ: «انْهَزَمُوا
وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، [انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ] » [13] .
قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ
فِيمَا أَرَى/، [قال] [14] : فو الله ما هو إلا أن رماهم رسول
__________
[1] أي: جعل يحثها برجله الشريفة لتسرع في السير.
[2] أي: لا يبطئ في الإسراع نحو المشركين.
[3] الغرز: ركاب الرجل من جلد مخروز يعتمد عليه في الركوب قد وردت
في الأصل: «بفرس» .
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] أي: أصحاب الشجرة المسماة بالسمرة والتي بايعوا تحتها بيعة
الرضوان.
[6] أي: قوي الصوت.
[7] أي: عودتهم إلى مكانهم وإقبالهم على رسول الله صلى الله عليه
وسلم عطفة البكر على أولادها فيها انجذاب الأمهات حين حنت على
أولادها.
[8] في المسند: «وأقبل المسلمون» .
[9] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[10] في رواية: «قصرت الدعوة» ، أي اقتصر النداء والاستغاثة على
بني الحارث بن الخزرج.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.
[12] حمي الوطيس: كناية عن شدة الحرب.
[13] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[14] ما بين المعقوفتين: من المسند.
(3/334)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِحَصَيَاتِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلا [1] ،
وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ. قَالَ:
وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ [2] .
قَالَ أَحْمَدُ [3] : وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْفِهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ
شَدِيدِ الحر، فنزلنا تحت ضلال شَجَرَةٍ، فَلَمَّا زَالَتِ
الشَّمْسُ لَبِسْتُ لأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي، فَانْطَلَقْتُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عليك يا رسول الله ورحمة
الله وبركاته، حَان الرَّوَاحُ، فَقَالَ: «أَجَلْ يَا بِلالُ»
فَثَارَ مَنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائِرٍ،
فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ، فَقَالَ:
«أَسْرِجْ لِي فَرَسِي» ، فَأْخَرَجَ سِرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ
لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلا بَطَرٌ، قَالَ: فَأَسْرَجَ
فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَصَادَفْنَاهُم عَشَّيَتَنَا
وَلَيْلَتَنَا، فَتَشَامَتِ الَخْيَلانِ فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ
مُدْبِرِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا
عِبَادَ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . ثُمَّ قَالَ:
«يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»
[قَالَ] [4] : ثُمَّ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسِهِ فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ،
فَأَخْبَرَنِي الَّذِي كَانَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنِّي أَنَّهُ
ضَرَبَ بِهِ وُجَوهَهُمْ، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» ،
فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قال يعلى بن عطاء: فحدثني
أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه
وفمه ترابا، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على
الطست الحديد.
__________
[1] أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
[2] الخبر أخرجه أحمد في المسند 1/ 207، ومسلم في الجهاد والسير
باب في غزوة حنين عن العباس 5/ 166، 167، والحاكم في المستدرك كتاب
معرفة الصحابة عنه 3/ 327، 328، ووهم في استدراكه على مسلم.
[3] مسند أحمد بن حنبل 5/ 286.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
(3/335)
قَالَ أَحْمَدُ: وَأَخْبَرَنَا عَارِمٌ،
[حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيُّ قَالَ
سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا السُّمَيْطُ السَّدُوسِيُّ]
[1] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا فَتَحْنَا مَكَّةَ
غَزَوْنَا حُنَيْنًا [2] ، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ
صُفُوفٍ رَأَيْتُ، فَصُفَّ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ
الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ/،
ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ، قَالَ:
وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آَلافٍ وَعَلَى
مَجْنَبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ
خُيُولُنَا تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا، قَالَ: فَلَمْ تَلْبَثْ
أَنِ انْكَشَفَتْ خُيُولُنَا وَفَرَّتِ الأَعْرَابُ وَمَنْ
تَعَلَّمَ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَنَاَدىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا لَلْمُهَاجِرِينَ يَا
لَلْمُهَاجِرِينَ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا لَلأَنْصَارِ يَا
لَلأَنْصَارِ» . قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عَمِّهِ، قَالَ:
قُلْنَا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، [قَالَ] : فَتَقَدَّمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَيْمُ
اللَّهِ مَا آَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، قَالَ:
فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ
فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجِعْنَا إِلَى
مَكَّةَ [3] . قال علماء السير [4] : لما انهزموا أمر رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان يقتل من قدر عليه منهم فحنق
المسلمون عليهم فجعلوا يقتلونهم حتى قتلوا الذرية، فنهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية، وكان سيماء الملائكة يوم حنين
عمائم حمر قد أسدلوها [بين أكتافهم] [5] .
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري لواء ووجهه
في طلبهم، فمنهم من ذهب إلى الطائف ومنهم من ذهب إلى نخلة، وقتل
أبو عامر ممن لحق تسعة ثم قتل، واستخلف أبو عامر أبا مُوسَى
الأشعري، فقاتلهم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف من سلك طريق نخلة قوما فلقي
منهم ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة، فقال له: ما تريد؟ قال: قتلك،
ثم ضربه ربيعة فلم يغن شيئا، فقال دريد: بئسما سلحتك أمك، خذ سيفي
من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: وأخبرنا عارم باسناد له عن
أنس وما أوردناه من أ، والمسند 3/ 157.
[2] في المسند: «فتحنا مكة ثم أنا غزونا حنينا» .
[3] الخبر في المسند 3/ 157، وله بقية.
[4] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 109.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناه من ابن سعد.
(3/336)
واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أقتل
الرجال، فإذا أتيت أمك فقل: قتلت دريد بن الصمة، فقتله.
وكان في تلك الغزوة أم سليم معها خنجر.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ/ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلْيَمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَلَمْ تَرَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ
[لَهَا] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
تَصْنَعِينَ بِهِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟» قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ
دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْهُمْ طَعَنْتُهُ [بِهِ] [1] .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَحَلَ فَانْتَهَى إِلَى الْجِعْرَانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ
لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنُ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، فَأَقَامَ بِهَا
ثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ إِلَى
الْمَدِينَةِ خَرَجَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ
لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ لَيْلا، وَأَحْرَمَ
بِعُمْرَةٍ وَدَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ رَأْسَهُ،
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ مِنْ لَيْلِهِ كَبَايِتٍ، ثُمَّ
انْصَرَفَ يَوْمَ الْخَمِيسِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَجَاءَ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو:
سَأَلُوا رَسُوَل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2]
: أَمْنُنْ عَلَيْنَا، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ
بْنِ بَكْرِ بن هوازن- وبنو سَعْدٍ هُمُ الَّذِينَ أَرْضَعُوا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَالُ لَهُ:
زُهَيْرُ بْنُ صَرْدٍ: لَوْ أنا سَأَلْنَا الْحَارِثَ بْنَ أَبِي
شَمْرٍ أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ وَرَجَوْنَا عَطْفَهُ،
ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ:
أَمْنُنُ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنَّكَ
الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ
فِي أَبْيَاتٍ أُخَرَ [3] ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكُمْ
أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أم أموالكم» ، فقالوا: نساؤنا
وَأَبْنَاؤُنَا، فَقَالَ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، فَإِذَا أنا صَلَّيْتُ بالناس،
فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول
الله فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا، فَإِنِّي سَأُعْطِيكُمْ
وَأَسْأَلُ لَكُمْ» ، فقاموا وقالوا، فقال: «أما ما
__________
[1] الخبر في مسند أحمد 3/ 112، 198.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[3] ذكرها السهيليّ في الروض الأنف 2/ 306 وابن كثير في البداية
والنهاية 4/ 352.
(3/337)
كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» ،
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ الله،
وَقَالَ الأَنْصَارُ كَذَلِكَ، وَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ:
أَمَّا أنا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلا، وَقَالَ/ عُيَيْنَةُ بْنُ
حِصْنٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلا، وَقَالَ عَبَّاسُ
بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمَّا أنا وَبَنُو سليم فلا، فقال بنو سليم: ما
كان لنا فهو لرسول الله.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
أَمْسَكَ حَقَّهُ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ ست فرائض من أول شيء
نصيبه، فَرُدُّوا إِلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الباقي [البزار، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أخبرنا
أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد]
[1] عن عبد الله بن جعفر، وابن أبي ميسرة وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا:
قَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ بَعْدَ مَا قَسَّمَ
الْغَنَائِمَ، وَفِي ِالْوَفْدِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أبو برقان، فقال
يومئذ: يا رسول إِنَّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ مَنْ كَانَ
يَكْلَئُوكَ مِنْ عَمَّاتِكَ وَخَالاتِكَ وَحَواضِنِكَ، قَدْ
حَضَنَّاكَ فِي حجورنا وأرضعناك ثدينا، وَلَقَدْ رَأَيْتُكَ
مُرْضَعًا فَمَا رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْكَ، وَرَأَيْتُكَ فَطِيمًا
فَمَا رَأَيْتُ فَطِيمًا خَيْرًا مِنْكَ، وَرَأَيْتُكَ شَابًّا
[فَمَا رَأَيْتُ شَابًّا] [2] خَيْرًا مِنْكَ، وَقَدْ تَكَامَلَتْ
فِيكَ خِلالُ الْخَيْرِ، وَنَحْنُ مَعَ ذَلِكَ أَهْلُكَ [3]
وَعَشِيرَتُكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدِ
اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ لا تُقْدِمُونَ»
وَقَدْ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
السَّبْيَ، وَجَرَتْ فِيهِ السُّهْمَانُ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ
أَرَبْعَةُ عَشَرَ رَجُلا مِنْ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، وَجَاءُوا
بِإِسْلامٍ مِنْ وَرَاءِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانَ رَأْسُ
الْقَوْمِ وَالْمُتَكَلِّمُ أَبُو صْرَدٍ زُهَيْرُ بْنُ صَرْدٍ،
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أصل وَعَشِيرَةٌ وَقَدْ
أَصَابَنَا مِنَ الْبَلاءِ مَا لا يَخْفَى عَلَيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّمَا فِي هَذِهِ الْحَظَائِرِ عَمَّاتُكَ وَخَالاتُكَ
وَحَواضِنُكَ، وَلَوْ مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ شَمْرٍ أَوِ
النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ثُمَّ نَزَلا مِنَّا مِثْلَ الَّذِي
نَزَلْتَ بِهِ رَجَوْنَا عَطْفَهُمَا عَلَيْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ
الْمَكْفُولِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ خير الحديث
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن
عَبْد الباقي بإسناد لَهُ، الى أبي محمد بن جعفر وما أوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: أهلك.
(3/338)
أصدقه، وعندي من تَرَوْنَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ
أَمْ/ أَمْوَالُكُمْ؟» قَالُوا: مَا كُنَّا نَعْدِلُ بِالأَنْسَابِ
شَيْئًا، فَرُدَّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ:
«أَمَّا مَا لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِِ فَهُوَ لَكُمْ،
وَأَسْأَلُ لَكُمُ النَّاسَ، فَإِذَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ
بِالنَّاسِ فقولوا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى
رسول الله، وَإِنِّي سَأَقُولُ لَكُمُْ مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَطْلُبُ لَكُمْ إِلَى
النَّاسِ» .
فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قَامُوا فَتَكَلَّمُوا بِمَا قَالَ
لَهُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: «مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ» وَرَدَّ الْمُهَاجِرُونَ وَرَدَّ الأَنْصَارُ،
وَسَأَلَ قَبَائِلَ الْعَرَبِ فَاتَّفَقُوا عَلَى قْوَلٍ وَاحِدٍ
بِتَسْلِيمِهِمْ بِرِضَاهُمْ، وَدَفْعِ مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ
[مِنَ السَّبْيِ إِلا قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ]
[1] فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِبِلا عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ. قال علماء السير: وسأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن عن مالك بن عوف، فقالوا:
هو بالطائف، فقال: «إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته
مائة من الإبل» فبلغه فأتى وأسلم، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستعمله على قومه وعلى من أسلم
من حول الطائف.
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد السبي ركب وتبعه الناس
يقولون: أقسم علينا الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فخطفت رداءه،
فقال: «ردوا علي ردائي، فو الله لو كان لي عدد شجر تهامة نعما
لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا» . ثم أمر رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغنائم فجمعت، فكان السبي ستة
آلاف رأس. [قال مؤلف الكتاب] [2] : وقد ذكرنا أنه رد ذلك، وكانت
الإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة
وأربعة آلاف أوقية فضة، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم
المؤلفة قلوبهم، وأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية، ومائة من
الإبل، [قال: ابني يزيد، قال: «أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل»
، قال: ابني معاوية، قال: «أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل» ،
وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل] [3] ثم سأله مائة أخرى فأعطاه،
[وأعطى النضر بن الحارث مائة من الإبل] [4] ، وكذلك أسيد بن حارثة،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
(3/339)
والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وسهيل بن
عمرو، وقيس/ بن عدي، وحويطب، والأقرع بن حابس، وعيينة، ومالك بن
عوف. وأعطى العلاء بن حارثة خمسين بعيرا، وكذلك مخرمة بن نوفل،
وعثمان بن وهب، وسعيد بن يربوع، وهشام بن عمرو، وذلك كله من الخمس،
وأعطى العباس بن مرداس أباعر، فلم يرض وقال:
أتجعل نهبي ونهب العنيد ... بين عيينة والأقرع
والعنيد اسم فرسه فزاده حتى رضي.
وكانت هذه القسمة بالجعرانة، وحينئذ تكلمت الأنصار، وقالوا: أما
[عند] القتال فنحن، وحينئذ قام ذو الخويصرة فقال: اعدل فإنك لم
تعدل.
رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعِرَّانَةِ وَهُوَ يَقْسِمُ
الْغَنَائِمَ وَالتِّبْرَ وَهُوَ فِي حِجْرِ بِلالٍ، فَقَامَ
رَجُلٌ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ،
فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ
هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا فِي أصحاب له، وإن أصحابا لهذا
يقرءون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ
الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» . قال مؤلف
الكتاب: وهذا الرجل يعرف بذي الخويصرة
. ومن الحوادث
[بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي بالبحرين يدعوه إلى
الإِسْلام] [1]
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الجعرانة بعث العلاء
بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى
الإسلام، وكتب له كتابا، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإسلامه: إني قد قرأت كتابك على أهل هجر، فمنهم من أعجبه الإسلام
ودخل فيه ومنهم من كرهه، وما رضي يهود ومجوس، فأحدث إلي في ذلك
أمرك.
فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك مهما
تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه
الجزية» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(3/340)
ومن الحوادث
سرية الطفيل بن/ عمرو السدوسي إِلى ذِي الْكَفَّيْنِ صَنَمِ
عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدوسي [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم لما أراد المسير إلى
الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين، وأمره أن يستمد قومه
ويوافيه بالطائف، فخرج فهدم ذا الكفين، وأخذ من قومه أربعمائة
فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف، وقدم على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفد ثعلبة فأجارهم
. ومن الحوادث في شوال
غزوة الطائف [2]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم خرج من حنين يؤم الطائف،
وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا
فيه ما يصلحهم لسنة، وتهيأوا للقتال.
وسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل قريبا من
حصن الطائف [وعسكر هناك] [3] فرموا المسلمين بالنبل حتى أصيب ناس
من المسلمين، ورمي عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ فاندمل الجرح
ثم انتقض به بعد ذلك فمات [منه] [4] ، فحاصرهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثمانية عشر يوما، وقيل: خمسة عشر يوما، ونصب عليهم
المنجنيق، ونادى منادي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر» . فخرج
بضعة عشر رجلا فيهم أبو بكرة فنزل في بكرة، فقيل أبو بكرة ولم يؤذن
للنبي صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف، فأذن بالرحيل، فقال
المسلمون: نرحل ولم يؤذن بفتح لنا، قال: «فاغدوا على القتال» ،
فقاتلوا وأصابتهم جراحات، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنا قافلون» فسروا بذلك. أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بن عبد الباقي [قال: أخبرنا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا قُبَيْصَةُ، حَدَّثَنَا سفيان،
عن ثور] [5] ، عن مكحول:
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 113.
[2] مغازي الواقدي 3/ 922، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 114، وتاريخ
الطبري 3/ 82، وسيرة ابن هشام 2/ 478.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن
عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن محمد بن سعد عن مكحول، وما أوردناه من
أ.
(3/341)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصَبَ
الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا [1]
. ومما جرى في هذا الحصار
مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ،
[وَمُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، قَالا: أَخْبَرَنَا طِرَادُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ
الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ
بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ] [2] أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي/
بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَعِنْدَهُ مُخَنَّثٌ جَالِسٌ، فَقَالا
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا
عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا
أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غِيلانَ امْرَأَةٍ مِنْ ثَقِيفٍ تُقْبِلُ
بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ- يَعْنِي عُكْنَاهَا، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ
هَذَا عَلَيْكُنَّ» . قال مؤلف الكتاب: اسم هذا المخنث هيت وقيل:
ماتع. وكان المخنثون على عهد رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم: ماتع، وهدر، وهيت
. إسلام عروة بن مسعود الثقفي.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن أبي طاهر، وأخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أحمد
بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمير الأَسْلَمِيُّ] [3] ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ، عَنْ مَنْ
أَخْبَرَهُ، قَالُوا: لَمْ يَحْضُرْ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ
وَغَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ حِصَارَ الطَّائِفِ، كَانَا بِجَرْشٍ
يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الْعَرَادَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ
وَالدَّبَّابَاتِ، فَقَدِمَا وَقَدِ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَنِ الطَّائِفِ] ، فَنَصَبَا
الْمَنْجَنِيقَ وَالْعَرَادَاتِ وَالدَّبَّابَاتِ، وَاعْتَدَّا
لِلْقِتَالِ، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ في قلب عروة بن مسعود
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 115.
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: عبد الله بن علي المقري
باسناد له يرفعه إلى أم سلمة، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: روى ابن سعد عن محمد.
وأوردناه من أ.
(3/342)
الإِسْلامَ وَغَيَّرَهُ عَمَّا كَانَ
عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
ثم اسْتَأْذَنَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى
الإِسْلامِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ إِذَا قَاتَلُوكَ؟ قَالَ: لا أنا
أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلادِهِمْ، ثُمَّ
اسْتَأْذَنَهُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنْ
شِئْتَ فَاخْرُجْ.
فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ فَقَدِمَ عِشَاءً فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ
فَجَاءَ قَوْمُهُ فَحَيَّوْهُ بِتَحِيَّةِ الشِّرْكِ، فَقَالَ:
عَلَيْكُمْ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلامُ، ثُمَّ
دَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ
يَأْتَمِرُونَ بِهِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْفَى عَلَى
غُرْفَةٍ لَهُ فَأَذَّنَ بِالصَّلاةِ، فَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ مِنْ
كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ، يُقَالُ
لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَلَمْ يَرَوْا دمه،
وقام غيلان بن سلمة وكانة بن عبد ياليل، وَالْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو،
وَوُجُوهُ الأَحْلافِ فَلَبِسُوا السِّلاحَ وَسَارُوا، فَلَمَّا
رَأَى ذَلِكَ/ عُرْوَةُ، قَالَ: قَدْ تَصَدَّقْتُ بِدَمِي عَلَى
صَاحِبِه لأُصْلِحَ بِذَلِكَ بَيْنَكُمْ، وَهِيَ كَرَامَةٌ
أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيَّ،
ادْفِنُونِي مَعَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مع رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ،
وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: «قَتْلُهُ كَقَتْلِ صَاحِبِ يَاسِينَ، دَعَا
قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ» [1]
. ومما جرى في مسير رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى الطائف
أنهم مروا بقبر أبي رغال
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، [أَخْبَرَنَا
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ السُّكَّرِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ،
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ إسماعيل بن أُمَيَّةَ
بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ] [2] عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَمْرٍو يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا
بِقَبْرٍ، فَقَالَ:
«هَذَا قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ، كَانَ مِنْ
ثَمُودَ، وَكَانَ هَذَا الْحَرَمُ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا
خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ
بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ
مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُم عَنْهُ
أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ» . فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فاستخرجوا منه
الغصن.
__________
[1] انظر الخبر في الطبري (احداث سنة تسع) .
[2] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: بإسناد له عن عبد الله،
وأوردناه من أ.
(3/343)
[وفي هذه السنة
طلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
سودة]
[1] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق سودة، فجعلت يومها لعائشة
فراجعها. كذا قال ابن حبيب الهاشمي.
وقال غيره: أراد طلاقها، فقالت: دعني أحشر في نسائك، واجعل يومي
لعائشة.
وفيها: سال بطحان سيلا عظيما لم يسل في الجاهلية ولا الإسلام
[مثله] [2] .
وفيها: غلا السعر، فقالوا: سعر لنا.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُرَيْجٌ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا: [3]
أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَلا السِّعْرُ
عَلَى عَهْدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ سَعَّرْتَ لَنَا؟ قَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ [الْقَابِضُ] [4] الْبَاسِطُ
الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ/، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ وَلا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا
إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ» [5]
. وفي هذه السنة ولد إبراهيم ابْن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه
وَسَلَّمَ من مارية وذلك في ذي الحجة
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد
الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ،
قال: أخبرنا يعقوب بن
__________
[1] في الأصل: ومن الحوادث.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] في الأصل: شريح عن يونس بن محمد قال والتصحيح من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[5] الخبر في المسند 3/ 156 و 286. بسند مختلف عن أنس.
(3/344)
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ،
قَالُوا [1] :
وَلَدَتْ مَارِيَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ [2] قَابِلَتُهَا سَلْمَى مَوْلاةُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَتْ إِلَى
زَوْجِهَا أَبِي رَافِعٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ
غُلامًا، فَجَاءَ أَبُو رَافِعٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرَهُ، فَوَهَبَ لَهُ عَبْدًا
وَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَقَّ عَنْهُ بِشَاةٍ يَوْمَ
سَابِعِهِ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ فَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ
فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَأَمَرَ بِشَعْرِهِ فَدُفِنَ فِي
الأَرْضِ، وَتَنَافَسَتْ فِيهِ نِسَاءُ الأَنْصَارِ أَيَّتُهُنَّ
تُرْضِعُهُ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ بُرْدَةَ [بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَيْدٍ،
وَزَوْجُهَا الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أُمَّ بُرْدَةَ] [3]
فَيَقِيلُ عِنْدَهَا وَيَرَى إِبْرَاهِيمَ. وَغَارَ نِسَاءُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ
عَلَيْهِنَّ حِينَ رُزِقَ منها الْوَلَدَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [4] : حَدَّثَنِي ابْنُ أبي سبرة، عن
إسحاق بن عَبْد اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَبَ
مَارِيَةَ، وَكَانَتْ قَدْ ثَقُلَتْ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغِرْنَ عَلَيْهَا وَلا مِثْلُ
عَائِشَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [5] : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ
يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [5] : [وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ
الْبُنَانِيُّ، حَدَّثَنَا] [6] أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُلِدَ لِي
اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ» . قَالَ:
ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ- امرأة
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 86، 87.
[2] في الأصل: «وكان» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 86.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 87.
[6] ما بين المعقوفتين ورد في الأصل: «وروى محمد بن سعد عن أنس؟
وما أوردناه من أ.
(3/345)
لِصَبِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ
أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ وَتَبِعْتُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي
سَيْفٍ، وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ وَقَدِ امْتَلأَ الْبَيْتُ
دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ فِي الْمَشْيِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَيْنَا
إِلَى أَبِي سَيْفٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ فَقَدْ
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَمْسِكْ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالصَّبِيِّ
فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ] [1] عروة، عن عائشة رضي الله
عنها، قالت: لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ جَاءَ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَقَالَ:
«انْظُرِي إِلَى شَبَهِهِ بِي» فَقُلْتُ: مَا أَرَى شَبَهًا،
فَقَالَ: «أَلا تَرَيْنَ إِلَى بَيَاضِهِ وَلَحْمِهِ» ، فَقُلْتُ:
إِنَّهُ مَنْ قُصِرَ عَلَيْهِ اللِّقَاحُ ابْيَضَّ وَسَمِنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ:] [2]
وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قِطْعَةُ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ وَلَبَنُ لِقَاحٍ [لَهُ]
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
116- جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم [3] :
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى
الحبشة الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك
عبد الله، ومحمدا، وعونا، ولم يزل بالحبشة حتى قدم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقبل بين عينيه، وقال: «ما أدري بأيهما أفرح، بقدوم جعفر أم
بفتح خيبر» . وقال له: «أشبهت خلقي وخلقي» . وكأن رسول الله صلي
الله عليه وسلم قد أمر زيدا يوم مؤتة، وقال: «إن قتل فجعفر» ، فقتل
زيد فتقدم جعفر فقاتل حتى قتل، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
الناس وأمهل آل جعفر ثلاثا، ثم قال: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم»
وقال «إن له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة» .
__________
[1] في الأصل: «وروى عروة ... وما بين المعقوفتين من طبقات ابن سعد
1/ 1/ 88.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 22.
(3/346)
117-[الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك
بن عبد الله، وهو الملقب بأبي اللحم:
وكان قد أبى أكل ما ذبح على الأصنام، وقتل مع رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين] [1]
. 118- زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، يقال
له الحب [2] :
وأمه سعدى بنت ثعلبة بن عامر، زارت قومها وزيد معها، فأغارت خيل
لبني القين في الجاهلية، فمروا على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا
وهو يومئذ غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ فعرض للبيع، فاشتراه حكيم
بن حرام لعمته/ خديجة بأربع مائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهبته له، وكان أبو حارثة حين فقد قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيّ فيرجى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدري وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرياح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيش في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فان وإن غره الأمل
وأوصي به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصي يزيدا ثم من بعدهم جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد، ويزيد أخو زيد لأمه، فحج ناس من كلب
فرأوا زيدا فعرفوا زيدا وعرفوه، فقال: بلغوا أهلي عني هذه الأبيات،
فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي، فقال:
ألكني إلى قومي وإن كنت نائيا ... بأني قطين البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... كرام معد كابرا بعد كابر
فانطلقوا فأعلموا أباه فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، فقدما
به مكة فسألا
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 27.
(3/347)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل هو
في المسجد، فدخلا إليه فقالا: يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم
أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني وتطعمون الأسير، جئناك في
ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنا سنرفع لك في
الفداء، قال: «من هو؟» ، قالوا: زيد/ بن حارثة، فَقَالَ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فهلا غير ذلك؟» قالوا: ما هو،
قال: «دعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فو
الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا» ، قالوا: قد زدتنا
على النصفة وأحسنت، فدعاه فقال: «هل تعرف هؤلاء؟» قال: نعم، هذا
أبي وهذا عمي، قال: «فأنا من قد علمت ورأيت محبتي لك، فاخترني أو
اخترهما» ، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا أنت مني بمكان
الأب والعم، قالا: ويحك يا زيد، أتختار العبودية على الحرية، وعلى
أبيك وعمك وأهل بيتك، قال: نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا
بالذي أختار عَلَيْهِ أحدا أبدا.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال:
«يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني» ، فلما رأى ذلك أبوه
وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي زيد بن محمد حتى جاء الإسلام،
وزوجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش،
فلما طلقها تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتكلم الناس في
ذلك، وقالوا: تزوج امرأة ابنه، فأنزلت: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا
أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ
النَّبِيِّينَ 33: 40 الآية [1] ، وقال: «ادعوهم لآبائهم» ، فدعي
يومئذ زيد بن حارثة. قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: أَخْبَرَنَا
بِهَذَا كُلِّهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، [قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عمر بْن حيويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ بْنُ مَعْرُوفٍ] [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] .
[وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ] [4] : وَأَخْبَرَنَا
الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ
أسامة بن زيد، عن أبيه، قال:
__________
[1] سورة: الأحزاب، الآية: 40.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 27.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 30، وما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل،
وأوردناه من أ.
(3/348)
كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ زَيْدٍ عَشْرُ سِنِينَ،
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ
مِنْهُ، وَكَانَ زَيْدٌ رَجُلا قَصِيرًا آدَمُ شَدِيدُ الأُدْمَةِ
فِي أَنْفَهِ فَطَسٌ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا أُسَامَةَ.
وقال الزهري: أول من أسلم زيد.
قال أهل السير: وشهد بدرا وأحدا، والخندق والحديبية وخيبر،
واستخلفه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي
المدينة حين خرج إلى المريسيع، وخرج أميرا في سبع سرايا، ولم يسم
أحد في القرآن من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
باسمه غيره، وكان/ له من الولد زيد- هلك صغيرا- ورقية، أمهما أم
كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأسامة أمه أم أيمن حاضنة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقتل في غزاة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين
سنة
. 119- زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [1] :
كانت أكبر بناته وأول من تزوج منهن، تزوجها ابن خالتها أبو العاص
بن الربيع، فولدت له عليا، وأمامة. وأسلمت زينب وهاجرت مع رسول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبى أبو العاص أن يسلم، ثم
أسر فِي بعض المشاهد فدخل عليها فاستجار بها فأجارته، ثم بعث
بفدائه ثم أسلم، فردها إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بنكاح جديد، وفي رواية: بنكاحها الأول.
توفيت زينب في أول هذه السنة، فغسلتها أم أيمن، وسودة، وأم سلمة
. 120-[سراقة بن عمرو بن عطية [2] :
شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وعمرة القضية، وقتل يوم
مؤتة
. 121- شهربراز [3] :
قتل أردشير بن شيرويه وملك مكانه أربعين يوما ثم قتل] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 20.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 74، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[3] هذه الترجمة أيضا ساقطة من الأصل.
(3/349)
122- عَبْد الله بن رواحة بن ثعلبة، أبو
محمد [1] :
شهد العقبة مَعَ السبعين، وَهُوَ أحد النقباء الاثني عشر، وشهد
بدرا وأحدا والخندق والحديبيّة وخيبر وعمرة القضية. واستعمله رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي المدينة حين خرج إلى
غزاة بدر الموعد.
ولما دخل رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى مكة في عمرة القضية
كان آخذا بزمام ناقته عند الكعبة، وهو يَقُولُ:
خَلَّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... الْيَوْمَ نضربكم
على تأويله
وسبقت الأبيات:
أَخْبَرَنَا اْبُن نَاصِرٍ، [أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ بَنْدَارٍ،
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ،
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيٍد السِّيرَافِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُزِيدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنِي
الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ
وَضَّاحٍ، عَنْ أَبِي الْحُصَيْبِ] [2] عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَثِيرًا: مَا
سَمِعْتُ بِأَحَدٍ أَجْرَأَ وَلا أَسْرَعَ شِعْرًا مِنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، يَوْمَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: قُلْ شِعْرًا، أَسْمِعْنِيهِ
السَّاعَةَ ثُمَّ أَنْدَهَ بَصَرَهُ، فَانْبَعَثَ ابْنُ رَوَاحَةَ
مَكَانَهُ يَقُولُ:
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ أَعْرِفُهُ ... وَاللَّهُ
يَعْلَمُ أَنْ مَا خَانَنِي الْبَصَرُ
/ أَنْتَ النَّبِيُّ وَمَنْ يُحْرَمْ شَفَاعَتَهُ ... يَوْمَ
الْحِسَابِ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ [3]
يُثَبِّتُ اللَّهُ مَا أَتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى
وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنْتَ
فَثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ» . قَالَ هِشَامٌ:
فَثَبَّتَهُ اللَّهُ أَحْسَنَ الثَّبَاتِ.
قُتِلَ شَهِيدًا وفتحت له الجنة ودخلها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 79.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقطة من الأصل، وأوردناه من أ. وفي الأصل:
«أخبرنا ابن ناصر بإسناد له عن هشام بن عروة» .
[3] هذا البيت ساقط من أ.
(3/350)
استشهد ابن رواحة بمؤتة، وكان ذلك في سنة
ثمان.
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا بعض أخباره في الحوادث
. 123-[عبادة بن قيس بن عبسة، عم أبي الدرداء [1] :
شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر، وقتل يوم مؤتة وله أربعون
سنة
. 124- عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب:
كان قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقتل يوم
الطائف شهيدا] [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 84، وهذه الترجمة ساقط من الأصل، أوردناه
من أ.
[2] وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
(3/351)
|