المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة تسع من الهجرة
فمن الحوادث فيها: سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في المحرم [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث عيينة في خمسين فارسا ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري. فكان يسير الليل ويكمن النهار، فهجم عليهم في صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فهربوا، وأخذ منهم أحد عشر رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيا فحبسوا بالمدينة، فقدم فيهم عدة من رؤسائهم منهم: عطارد بن حاجب، والزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس.
فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري، فعجلوا فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا: يا مُحَمَّد أخرج إلينا، فنزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ من وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ 49: 4 [2] فرد عليهم الأسراء والسبي.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي الجوهري، قَالَ:
[أخبرنا] أبو عمرو بن حيوية، قال: حدثنا أبو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عن الزهري، قال: أخبرنا محمد بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ/ وَيُقَالُ: النَّحَّامَ عَلَى صَدَقَاتِ بني كعب،
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 116 الطبري 2/ 188، ما بعد ط الدار. والبداية والنهاية 5/ 38 وما بعد.
[2] سورة: الحجرات، الآية: 4.

(3/352)


فَاسْتَكْبَرَ ذَلِكَ بَنُو تَمِيمٍ وَشَهَرُوا السُّيُوفَ، فَقَدِمَ الصَّدْقُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ:
مَنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ، فَانْتَدَبَ لَهُمْ عُيَيْنَةَ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِينَ فَارِسًا مِنَ الْعَرَبِ لَيْسَ فِيهِمْ مُهَاجِرِيُّ وَلا أَنْصَارِيُّ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً وَثَلاثِينَ صَبِيًّا، فَجَلَبَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَ فِيهِمْ عِدَّةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي تَمِيمٍ: عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعَيْمُ بْنُ سَعْدٍ، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَيُقَالُ: كَانُوا تِسْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَذَّنَ بِلالٌ الظُّهْرَ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَجِلُوا وَاسْتَبْطَئُوا فَنَادَوْهُ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا، فَخَرَجَ فَأَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ فصلى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ أَتَوْهُ، فَقَالَ الأَقْرَعُ:
ائْذَنْ لِي فو الله إِنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كذبت ذَاكَ اللَّهُ تَعَالَى» . ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ فَخَطَبَ خَطِيبُهُمْ وَهُوَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: أَجِبْهُ، فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ائْذَنْ لِشَاعِرِنَا، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ فَأَنْشَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: أجبه، فأجابه بِمِثْلِ شِعْرِهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَخَطِيبُهُ أَبْلَغُ مِنْ خَطِيبِنَا وَلَشَاعِرُهُ أَبْلَغُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَهُمْ أَحْلَمُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ 49: 4 [1] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: «هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ» ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَسْرَى وَالسَّبْيَ، وَأَمَرَ لَهُمْ بُالْجَوَائِزِ كَمَا كَانَ يُجِيزُ الْوُفُودَ
. وفي هذه السنة تتابعت الوفود
قدوم وفد فزارة [2]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن عبد الباقي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الجوهري، [قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف] [3] قال: / أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، [قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ] [4] ، قال: أخبرنا
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 4.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2، 59. البداية والنهاية 5/ 79.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/353)


عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ، قَالَ: لَمَّا رَجِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تَبُوكَ- وَكَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ- قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا- فِيهِمْ خَارِجَةُ بن حصن، والحرب بْنُ قَيْسٍ- أَوْ قِيلَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسِ- بْنِ حِصْنٍ- عَلَى رِكَابٍ عِجَافٍ، فَجَاءُوا مُقِرِّينَ بِالإِسْلامِ، وَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بلادهم، فقال أحده: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْنَتَتْ بِلادُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا، وَغَرِثَ عِيَالُنَا، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ، فَصَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، وَدَعَا فَقَالَ: «اللَّهمّ اسْقِ بِلادَكَ [وَبَهَائِمَكَ] [1] ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأِحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا مُطْبِقًا وَاسِعًا عَاجِلا غَيْر آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهمّ اسْقِنَا سُقْيَا رَحْمَةٍ لا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلا هَدْمٍ وَلا غَرَقٍ وَلا مَحْقٍ، اللَّهمّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الأَعْدَاءِ» . [فَمَطِرَتْ فَمَا رَأُوا السَّمَاءَ سِتًّا، فَصَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَدَعَا، فَقَالَ] [2] : «اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، عَلَى الآكَامِ، وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» . قَالَ: فَانْجَابَتِ السَّمَاءُ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ
. وفد تجيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم [3]
وَبِالإِسْنَادِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ تُجِيبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَهُمْ ثَلاثَةُ عَشَرَ رَجُلا، وَسَاقُوا مَعَهُمْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ [الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ] ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «مَرْحَبًا بِكُمْ» وَأَكْرَمَ مَنْزِلَتَهُمْ [وَحَيَّاهُمْ] وَأَمَرَ بِلالا أَنْ يُحْسِنَ ضِيَافَتَهُمْ وَجَوَائِزَهُمْ، وَأَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يُجِيزُ بِهِ الْوَفْدَ، وَقَالَ: «هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟» قَالُوا: غُلامٌ خَلَّفْنَاهُ عَلَى رِحَالِنَا وَهُوَ أَحْدَثُنَا سِنًّا قَالَ: «أَرْسِلُوهُ إِلَيْنَا» ، فَأَقْبَلَ الْغُلامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ بَنِي أَبْنَاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَتَوْكَ آَنِفًا فَقَضَيْتَ حَوَائِجَهُمْ فَاقْضِ/ حَاجَتِي، قَالَ: «مَا حاجتك؟» ، قال:
__________
[1] في الأصل: «وأمال» والتصحيح من الطبقات.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد وانظر مسند أحمد 4/ 235 و 236.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 60 البداية والنهاية 5/ 84.

(3/354)


أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي وَيَرْحَمَنِي وَيْجَعَلَ غِنَايَ فِي قَلْبِي، فَقَالَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ» ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا رَاجِعِينَ إِلَى أَهْلِيهِمْ ثُمَّ وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى سَنَةَ عَشْرٍ، فَسَأَلَهُمْ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1] عَنِ الْغُلامِ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ أَقْنَعَ مِنْهُ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَرْجُو أَنْ نَمُوتَ جَمِيعًا» ] [2]
. وفيها قدم وفد بني أسد [3]
وقالوا: أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث لنا بعثا، فنزلت فيهم: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا 49: 17 [4]
. وفيها قدم وفد كلاب [5]
فيهم لبيد [6] بن ربيعة، وجبار بن سلمى، قالوا: إن الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنتك [التي أمرته] ، ودعانا إلى الله عز وجل فاستجبنا للَّه ولرسوله، وإنه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردها على فقرائنا
. وفيها قدم وفد بلي [7]
في ربيع الأول، فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوي
. وفيها قدم وفد عروة بن مسعود الثقفي
فأسلم، وقد سبق خبره فيما ذكرنا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 39 البداية والنهاية 5/ 79.
[4] سورة: الحجرات، الآية: 17.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 44 البداية والنهاية 5/ 80.
[6] في الأصل: أسد.
[7] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 65.

(3/355)


[وفيها قدم وفد الداريين من لخم]
[1] وهم عشر: هانئ بن حبيب، والفاكه بن النعمان وجبلة بن مالك، وأبو هند بن ذر، وأخوه الطيب سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتميم بن أوس، ونعيم بن أوس، ويزيد بن قيس، وعزيز بن مالك سماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرحمن، وأخوه [مرة] [2]
. وفيها قدم وفد الطائف
مع عبد ياليل بن عمرو، فأسلموا، [وذلك] في رمضان.
[وفيها قدم وفد بهراء
[3] ثلاثة عشر رجلا، ونزلوا على المقداد بن عمرو
. وفيها قدم وفد البكاء] [4]
وفيها قدم وفد طيِّئ ووفد سعد هزيم [5]
وهم من أهل اليمن.
[أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ] [6] فَرْوَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ معديكرب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءه وَفْدُ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَحْيَانَا اللَّهُ بِبَيْتَيْنِ مِنْ شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: «وَمَا هُمَا؟» ، قَالُوا: أَقْبَلْنَا نُرِيدُكَ حتى إذا كنا
__________
[1] سقط ذكر هذا الوفد من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع: طبقات ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 66.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 47، وما بين المعقوفتين: من أوانظر البداية والنهاية 5/ 81.
[5] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 59، 65.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ. وورد في الأصل: روى فروة.

(3/356)


بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا أَخْطَأْنَا الْمَاءَ، فَكُنَّا لا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَوْضِعِ طَلْحٍ وَسَمُرٍ، فَانْطَلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا إِلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ لِيَمُوتَ فِي ظِلِّهَا، فَبَيْنَا نَحْنُ فِي آَخِرِ رَمَقٍ إِذَا رَاكِبٌ قَدْ أَقْبَلَ، فَلَمَّا رَآَهُ بَعْضُنَا تَمَثَّلَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الشريعة همها ... وَأَنَّ الْبَيَاضَ فِي فَرَائِضِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طَامِي
[1] فَقَالَ الرَّاكِبُ: مَنْ يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: امْرُؤُ الْقَيْسِ، فَقَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ ضَارِجٌ أَمَامَكُمْ، وَقَدْ رَأَى مَا بِنَا مِنْ الْجَهْدِ، فَرَجِعْنَا إِلَيْهَا فَإِذَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِذَا هِيَ كَمَا وَصَفَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: عَلَيْهَا الْعَرْمَضُ يَفِيءُ عَلَيْهَا الظِّلُّ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ فِي الدُّنْيَا خَامِلٌ فِي الآخرة، مذكور في الدنيا منسي في الآخرة، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ يَقُودُهُمْ إِلَى النَّارِ»
. وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة يصدقهم
وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد، فلما سمعوا بدنوه خرج منهم عشرون يتلقونه بالجزر والغنم فرحا به، فلما رآهم ولى راجعا إلى المدينة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لقوه بالسلاح، فهم أن يبعث من يغزوهم، فقدموا لما بلغهم الخبر، ونزلت: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا ... 49: 6 [2] . وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عباد بن بشر يأخذ صدقاتهم.
وروي عن ضرار الخزاعي، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا لا تأت كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يبعث إليه احتبس عليه الرسول
__________
[1] ديوان امرئ القيس 161- 162 ط. الدار.
[2] سورة: الحجرات، الآية: 6.

(3/357)


فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخط/ من الله ورسوله، فدعى بسروات قومه، فقال لهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث وقد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال:
ولم؟ قالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بته ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منعت الزكاة وأردت قتل رسولي» قال: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خشيت أن تكون قد كانت سخطة من رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ... 49: 6 [1] الآية
. وفيها سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم في صفر [2] .
روى كعب بن مالك [3] ، قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث قطبة بن عامر بن حديدة فِي عشرين رجلا إلى حي من خثعم بناحية تبالة، وأمره أن يشن الغارة عليهم، فانتهوا إلى الحاضر وقد ناموا وهدءوا، فكبروا وشنوا الغارة، فوثب القوم فاقتتلوا قتالا/ شديدا حتى كثر الجراح في الفريقين جميعا وكسرهم [أصحاب] [4] قطبة فقتلوا من قتلوا وساقوا
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 6. تفسير الطبري 26/ 78.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 117.
[3] هذه الرواية في الطبقات 2/ 1/ 117.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/358)


النعم والشاء إلى المدينة، فأخرج منه الخمس، ثم كانت سهامهم بعد ذلك أربعة أبعرة لكل رَجُل، والبعير يعدل بعشر من الغنم. وكانت هذه السرية في صفر سنة تسع قال ابن سعد [1] : قال أبو معشر: رمى قطبة بن عامر يوم بدر بحجر بين الصفين، ثم قَالَ: لا أفر حتى يفر هذا الحجر، وبقي قطبة حتى توفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وليس له عقب
. [وفيها سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في ربيع الأول [2]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث جيشا إلى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان يدعوهم إلى الإِسْلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم]
. وفيها سرية علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في ربيع الآخر [3] .
وذلك أنه بلغ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ناسا من الحبشة قد أتاهم أهل جدة، فبعث إليهم علقمة في ثلاثمائة فهربوا منه، فتعجل بعض القوم: إلى أهلهم، وكان فيمن تعجل عبد الله بن حذافة، فأمره رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي من تعجل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فهم بعضهم بذلك، فقال: أنا كنت أضحك معكم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من أمركم بمعصية فلا تطيعوه» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنُ عُبَيْدَةَ] [4] ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنَ الأنصار، [قال] : [5] فلما
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 117.
[2] هذه السرية ساقطة من الأصل، وأوردناها من أ،
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 117، 118.
[4] ما بين المعقوفتين: في الأصل: «وروي عن أبي عبد الرحمن» وما أوردناه من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: من المسند.

(3/359)


خَرَجُوا وَجَدَ [1] عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ [لَهُمْ] : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟
قَالُوا: بَلَى، قَالَ: اجْمَعُوا حَطَبًا، ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا. قَالَ: فَهَمَّ الْقَوْمُ بِدُخُولِهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ [مِنْهُمْ] [1] : إِنَّمَا فَرَرْتُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ فَلا/ تَعْجَلُوا حَتَّى تَلْقَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا. قَالَ: فَرَجِعُوا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ دَخَلْتُمُوهَا مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّما الطَّاعَةُ بِالْمَعْرُوفِ» . قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] ، وَهَذَا الأَمِيرُ الَّذِي قَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ، وَقَوْلُ الرَّاوِي رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غَلَطٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ
. وفيها سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الفلس وهو صنم طيِّئ ليهدمه [3]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بعث عليا في خمسين ومائة من الأنصار في مائة بعير وخمسين فرسا إلى صنم طيِّئ [ليهدمه] في ربيع الآخر، وبعث معه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة وخرجوا الفلس، وأخذوا سيفين كانوا في بيت الصنم، وملئوا أيديهم من السبي والنعم، وكان في السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام وروى محمد بن إسحاق، عن شيبان بن سعد الطَّائِيِّ [4] ، قَالَ: كَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَقُولُ: ما رجل من العرب [كان] [5] أَشَدَّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسلم حين سمع به مني [أما أنا] [6] فكنت نصرانيا، وكنت شريفا في قومي، فلما سمعت بجيوش محمد احتملت أهلي وولدي لألحق بأهل ديني من النصارى وخلفت ابنة حاتم في الحاضر فأصيبت فيمن
__________
[1] في الأصل: وجدوا والتصحيح من المسند وما بين المعقوفتين منه.
[2] الحديث أخرجه أحمد في المسند 1/ 82، والبخاري في الأحكام 9/ 79، ومسلم في الإمارة 6/ 15، وأبو داود في الجهاد 1/ 259، وابن ماجة بمعناه عن أبي سعيد 2/ 955، 956، والنسائي عن علي في البيعة 7/ 159، 160.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 118.
[4] في الأصل: «عن سنان بن مسعود الطائي» . والخبر في تاريخ الطبري 3/ 112.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.

(3/360)


أصيب، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في سبي طيِّئ، فجعلت في حظيرة بباب المسجد كانت تحبس بها السبايا، فلما مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت إليه، فقالت: هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ الله عليك، قال: «فمن وَافِدُكِ؟» قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: «الْفَارُّ من الله ورسوله» ، ثم مضى، ثم عاد من الغد، فقالت مثل ذلك، فقال: «قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك» ، فلما رأت ثقة أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكساها/ وحملها وأعطاها نفقة، فقدمت على عدي فجعلت تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك، قال: والله ما لي عذر، ما ترين في هذا الرجل، قالت: أرى والله أن تلحق به، فأتيته فَقَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ؟» فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فانطلق بي إلى بيته، فلقيته امرأة ضعيفة فوقف لها طويلا، فقلت: ما هذا بملك. ثم مضى حتى دخل بيته، فتناول وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٍ لِيفًا فَقَدَّمَهَا إِلَيَّ وجلس على الأرض، فقلت: ما هذا بأمر ملك، فأسلمت [1]
. ومن الحوادث سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب [2] .
أرض عذرة [وبلي] [3] وذلك في ربيع الآخر
. وفيها هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه.
وقال: ما أنا بداخل عليكن شهرا. قال مؤلف الكتاب: وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: أنه حين حرم أم إبراهيم أخبر بذلك حفصة واستكتمها، فأخبرت بذلك.
والثاني: أنه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش بنصيبها، فردته، فقال: زيدوها، فزادوها ثلاثا كل ذلك ترده، فقال: «لا أرضى عليكن شهرا» . فاعتزل في مشربة له، ثم نزل لتسع وعشرين، فبدأ بعائشة رضي الله
__________
[1] الخبر في البداية والنهاية 5/ 57 وما بعد.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 118.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ.

(3/361)


عَنْهَا فقالت: يا رسول الله، كنت أقسمت ألا تدخل علينا شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين أعدها عدا، فقال: «الشهر تسع وعشرون» وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين
. وفي هذه السنة كانت غزوة تبوك وذلك في رجب [1]
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم بلغه أن الروم قد جمعت جموعا كبيرة، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فندب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس، وأعلمهم المكان/ الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب ليستنفرهم، وذلك في حر شديد، وخلف علي بن أبي طالب على أهله، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة، وجاء البكاءون يستحملونه.
واختلف في عددهم وأسماءهم، فروى أبو صالح عن ابن عباس، قال: هم ستة:
عبد الله بن معقل، وصخر بن سلمان. وعبيد الله بن كعب، وعلية بن زيد، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة.
وذكر محمد بن مسلمة مكان صخر بن سلمان، سلمة بن صخر، ومكان ثعلبة بن غنمة، عمرو بْن غنمة، قال: وقيل منهم معقل بن يسار.
وروى ابن إسحاق عن أشياخ له [2] : أن البكاءين سبعة من الأنصار: سالم بن عمير، وعلية بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام، وعبد الله بن معقل، وبعض الناس تقول عَبْد اللَّه بن عمرو المزني، وعرباض بن سارية، وهرمي بن عبد الله.
وقال مجاهد: نزلت في بني مقرن، وهم سبعة وقد ذكرهم محمد بن سعد، فقال:
النعمان بن عمرو بن مقرن، وسنان بن مقرن، وعقيل بن مقرن، وعبد الرحمن بن مقرن، وعبد الرحمن بن عقيل بن مقرن، وقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا أجد ما أحملكم عليه» فولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا.
__________
[1] المغازي للواقدي 3/ 989، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 118، 119، وابن هشام 2/ 515، تاريخ الطبري 3/ 100، والبداية والنهاية 5/ 2، والكامل 2/ 149.
[2] تاريخ الطبري 3/ 102.

(3/362)


وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم [في التخلف] [1] من غير علة فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجلا، وجاء المعذرون من الأعراب، فاعتذروا فلم يعذرهم، وهم اثنان وثمانون رجلا، وكان عبد الله بن أبي قد عسكر في حلفائه من اليهود والمنافقين على ثنية الوداع، واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة محمد بن مسلمة، وجاء واثلة بن الأسقع فبايعه ثم لحق به، فلما سار تخلف [عبد الله] بن أبي ومن معه، وبقي نفر من المسلمين، منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وأبو خيثمة السالمي، وأبو/ ذر الغفاري فقدم تبوكا في ثلاثين ألفا من الناس، وكانت الخيل عشرة آلاف فرس، وكان على حرسه عباد بْن بشير، ولقوا في الطريق شدة.
قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن ساعة العسرة، قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش شديد ظننا أن رقابنا ستقطع حتى أن الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته تتقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه [2] فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، إن اللَّه قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا، قال: «تحب ذلك» ، قال:
نعم، فرفع يديه فلم يرجعها حتى [قالت السماء] [3] فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. وفي هذه السفرة: اشتد بهم العطش ومعهم إداوة فيها ماء فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء ففاضت حتى روي العسكر وهم ثلاثون ألفا، والإبل اثنا عشر ألفا، والخيل عشرة آلاف.
وفيها: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر [من] أرض ثمود، واستقى الناس من أبيارهم فنهاهم.
قال ابن عمر: أن الناس نزلوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرض ثمود الحجر فاستسقوا من أبيارها وعجنوا به، فأمرهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يهريقوا ما استقوا من أبيارها وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من النهر التي كانت ترده الناقة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[2] في ابن سعد: فيعصر كرشه.
[3] في الأصل: حتى قال فملئوا.

(3/363)


أخرجاه في الصحيحين.
فصل
قال علماء السير: أقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك عشرين ليلة، ولحقه أبو خيثمة وأبو ذر، وكان أبو خيثمة قد رجع من بعض الطريق، فوجد امرأتين له، [قد] هيأت كل واحدة منهما عريشا وبردت فيه ماء وهيأت طعاما، فوقف/ فَقَالَ: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الضح [1] والريح وأبو خيثمة في ظلال وماء بارد، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فلحقه ثم انصرف رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ ولم يلق كيدا، وكان هرقل يومئذ بحمص
. فصل
فبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بن الوليد في أربع مائة وعشرين فارسا إِلَى أُكَيْدَرِ بْنِ عَبْد الْمَلِكِ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة، وكان أكيدر قد ملكهم وكان نصرانيا، فانتهى إليه خالد بن الوليد وقد خرج من حصنه في ليلة مقمرة إلى بقر يطاردها هو وأخوه حسان، فشدت عليه خيل خالد فاستأسر أكيدر، وامتنع أخوه حسان فقاتل حتى قتل وهرب من كان معه، فدخل الحصن وأجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول اللَّه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفيا خالصا، ثم قسم الغنائم، فأخرج الخمس ثم قسم ما بقي فقدم به وبأخيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم أكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له هدية وصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب لهما كتابا فيه أمانهم.
وفي طريق رجوع رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة من تبوك قال من قال من المنافقين:
إنما كنا نخوض ونلعب.
وَرَوَى صَالِحٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جَدَّ بْنَ قَيْسٍ، وَوَدِيعَةَ بْنَ خِدَامٍ وَالْجَهِيرُ بْنُ جُمَيْرٍ كَانُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تبوك، فجعل رجلان منهم
__________
[1] الضح: الشمس.

(3/364)


يَسْتَهْزِئَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّالِثُ يَضْحَكُ مِمَّا يَقُولانِ وَلا يَتَكَلَّمُ/ بِشَيْءٍ، فنزل جبريل فأخبره بما يستهزءون بِهِ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ، فَقَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «اذْهَبْ فَسَلْهُمْ عَمَّا كَانُوا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَقُلْ لهم أحرقكم اللَّهُ» وَلَمَّا سَأَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَحْرَقَكُمُ اللَّهُ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ فِيهِمْ قُرَآنٌ، فَأَقْبَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْجَهِيرُ: وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْتُ بِشَيْءٍ وإنما ضحكت تعجبا من قولهم، فنزل قوله: لا تعتذروا- يَعْنِي جَدَّ بْنَ قَيْسٍ وَوَدِيعَةَ- إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ 9: 66- يعني الجهير- نعذب طائفة [1]- يَعْنِي الْجَدَّ وَوَدِيعَةَ.
وَفِي طَرِيقِ رُجُوعِهِ مَنْ تَبُوكَ، قَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو بن حيوية، قال: حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ [الطَّوِيلُ] [2] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَجَعْنَا من غزاة تَبُوكَ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إًلا كَانُوا مَعَكُمْ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟
قَالَ: «نَعَمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» [3]
. فصل
فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في رمضان، وجاءه من تخلف فعذرهم واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب بن مالك وصاحبيه حتى نزلت توبتهم وجعل الناس يبيعون أسلحتهم ويقولون: قد انقطع الجهاد، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فنهاهم، وقال: «لا تزال طائفة [4] من أمتي يجاهدون على الحق حتى يخرج الرجال» .
__________
[1] سورة: التوبة، الآية: 66.
[2] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 1/ 121.
[4] في أ: «لا تزال عصابة» .

(3/365)


فأما قصة كعب وصاحبيه
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن جعفر القَطِيعيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بن مسلم الزهري، قال: أَخْبَرَنِي/ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ] [1] بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ:
سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِهِ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا لأَنَّهُ إِنَّمَا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَافَقْنَا عَلَى الإِسْلامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرُ أَشْهَرُ فِي النَّاسِ مِنْهَا وَأَذكر، وَكَانَ مِنْ خَبَرِي [حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوكَ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسَرَ مِنِّي] [2] حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةَ، وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُرِيدُ غَزَاةً يَغْزُوهَا إِلا وَرَى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزَاةُ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ لا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ، يُرِيدُ الدِّيوَانَ، فَقَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيُخْفَى لَهُ مَا لَمْ يُنَزَّلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزَاةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلُّ، وَأَمَّا النَّهَارُ أَصْغَرَ، فَتَجَهَّزَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أنا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى شَمَّرَ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاديا والمسلمون
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.

(3/366)


مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: الْجِهَازُ بَعْدَ يَوْمٍ/ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فغدوت بعد ما فصلوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا مِنْ جِهَازِي، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا [مِنْ جِهَازِي] [1] ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَضَ الْغَزْوُ [2] فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَ أَنِّي فَعَلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي، فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُِ فِي النَّاسِ بَعْدَ خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فطفت فيهم] يحزنني أَنْ لا أُرَى إِلا رَجُلا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ أَوْ رَجُلا مِمَّنْ عَذَّرَهُ اللَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ» ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ:
حَبَسَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِرَداُهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَهُّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلا مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي فَطَفِقْتُ أَتَفَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ، غَدًا أَسْتَعِينُ [3] عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَصَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُتَخَلِّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَتَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَّلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تعالى حتى جئت، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَتَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَّلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضِبِ ثُمَّ قَالَ لِي: «تَعَالَ» ، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدْيَهِ، فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَمَرَّ ظَهْرُكَ؟» . قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيْتُ جَدَلا وَلَكِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْْتُكَ [الْيَوْمَ] بِكَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى/ يُسْخِطُكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ بِصِدْقٍ تَجِدْ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو قُرَّةَ عَيْنِي عَفْوًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَفْرَغَ وَلا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يقضي الله تبارك وتعالى فيك» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من المسند.
[2] في الأصل: «العدو» والتصحيح من المسند والبداية والنهاية.
[3] في الأصل: واسعنيت.

(3/367)


فَقُمْتُ وَبَادَرْتُ رِجَالا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجِزْتَ أَنْ لا تُكونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اعتذر به المتخلفون، لقد كَانَ كَافِيكَ مِنْ ذَنْبِكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأَكْذِبُ نَفْسِي. [قَالَ] : ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلانِ قَالا مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمَا: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَامِرِيُّ، وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، قَالَ: فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فَقُلْتُ: لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ، قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، قَالَ: وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرْتُ فِي نَفْسِي الأَرْضَ، فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَنَّا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أنا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ بِالأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَأُسَلِّمُ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدّ السَّلامِ أَمْ لا، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعَرْضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا أَطَالَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَجْرِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ حَائِطَ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَسَكَتَ، قَالَ: / فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَنَزَلْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ.
فَبَيْنَمَا أنا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا بِنِبْطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى كَعْب بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ وَكُنْتُ كَاتِبًا، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ،. فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيَعَةٍ، فَالْحِقْ بِنَا نُوَاسِكَ.
قَالَ فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاءِ. قَالَ: فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التنور فسجرته بها، حتى إذا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: بَلِ

(3/368)


اعْتَزِلْهَا فَلا تَقْرَبْهَا. قَالَ: وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِي بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحِقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأمر.
قال: فجاءت امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلالا شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ قَالَ: «لا وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ» قَالَتْ: فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا يَزَالُ يَبْكِي مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِكَ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا.
قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِنَ لامْرَأَةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدِمَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ.
قَالَ فَلَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى عَنْ كَلامِنَا. قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَمَا أنا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذكر اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وَضَاقَتِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَارِخًا أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سِلْعٍ [1] يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَالَ:
فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وعرفت أن قد جَاءَ فَرَجٌ/ وَآَذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ يُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ وَأَوْفَى الْجَبَلِ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ [يُبَشِّرُنِي] نَزَعْتُ لَهُ ثوبي فكسوته إياهما ببشارته، وو الله مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ، فَلَبِسْتُهُمَا فَانْطَلَقْتُ أَؤُمُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ يقولون يهنك توبة اللَّهُ عَلَيْكَ، حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طَلْحَةُ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ.
قَالَ فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ: قُلْتُ:
أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» . قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قطعة قمر حتى يعرف ذلك منه.
__________
[1] في الأصل: «صارخا على جبل شامخ» .

(3/369)


قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رسول الله، إن مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَتَخَلَّعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . قَالَََ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا نَجَّانِي اللَّهُ تَعَالَى بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا ما بقيت. قال: فو الله مَا أْعَلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاهُ اللَّهُ مِنَ الصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلانِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَاللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبًا مُنْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ/ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ.
قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ 9: 117- 119 [1] . قال كعب: فو الله مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلإِسْلامِ أَعْظَمُ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَنْ لا أَكُونَ كَذَبْتُهُ [2] فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوهُ [حِينَ كَذَبُوهُ] ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوهُ حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا يُقَالُ لأَحَدٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ 9: 95- 96 [3] .
قَالَ: وَكُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لهم فأرجئ رسول الله أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ [تَعَالَى فِيهِ] ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا 9: 118 [4] وَلَيْسَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا الَّذِي ذكر مِمَّا خَلَّفَنَا بِتَخَلُّفِنَا عَنِ الْغَزْوِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّنَ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ [5] .
__________
[1] سورة: التوبة، الآية: 117، 119.
[2] في الأصل: أن لا أكذبه» .
[3] سورة: التوبة، الآية: 95، 96.
[4] سورة: التوبة، الآية: 118.
[5] الخبر في المسند 3/ 456- 459 والبداية والنهاية 5/ 23- 24.

(3/370)


قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: أَخْرَجاُه فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وقوله: «تفارض الغزو» ، أي: تقدم وتباعد، وربما قرأه من لا يعرف، فقال:
«العدو» وأطل بالطاء ومعناه دنا، وقوله: «رجلين شهدا بدرا» ، وهم من الزهري، فإنهما لم يشهدا بدرا
. [ومن الحوادث إسلام خريم بن أوس] [2]
ومن الحوادث بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ من تبوك إسلام خريم بن أوس، وامتداح العباس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأبياته المعروفة.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الشَّيْخِ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمُّ أَبِي زُحَرَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جده حميد بن شهاب] [2] ، قَالَ: قَالَ خُرَيْمُ بْنُ أَوْسٍ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ، فَأَسْلَمْتُ، وَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ لا يَفْضُضُ اللَّهُ فَاكَ» ، فَأَنْشَأَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعِ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلادَ لا بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلا مُضْغَةٌ وَلا عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْرًا وَأْهَلَهُ الْغَرَقُ
تَنَقَّلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى انْتَهَى [3] بَيْتُكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ ... وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَا وَفِي ... النُّورِ لَسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ
__________
[1] صحيح البخاري 5/ 208، وصحيح مسلم 2/ 500 كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والخبر أورده ابن كثير في البداية 5/ 27. وعزاه للبيهقي الدلائل:
5/ 268- 268 وقد ورد في الأصل: قال حميد بن صهيب.
[3] في البداية والدلائل: «حتى احتوى» .

(3/371)


ومن الحوادث فيها بعد مقدمه من تبوك قدم عليه كتاب ملوك حمير بإسلامهم
فَرَوَى بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم على رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ مَقْدِمَهُ مِنْ تَبُوكَ وَرَسُولُهُمْ إِلَيْهِ بِإِسْلامِهِمْ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذِي رُعَيْنٍ وَهَمْدَانُ وَمُعَافِرٌ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ زُرْعَةَ بْنَ ذِي يَزَنٍ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ الرُّهَاوِيَّ بِإِسْلامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمُ الشِّرْكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كَلالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين وهمدان وَمُعَافِرٍ/ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمُ [اللَّهُ] الَّذَيِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ، فَإِنَّهُ وَقَعَ إِلَيْنَا رَسُولُكُمْ مَقْفَلَنَا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَلَقِيَنَا بِالْمَدِينَةِ، فَبَلَّغَ مَا أَرْسَلْتُمْ وَخَبَّرَ مَا قُلْتُمْ، وَأَنْبَأَنَا بِإِسْلامِكُمْ وَإِسْلامِ مَنْ قِبَلِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [1] ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهِدَايَتِهِ، إِنْ أصلحتم وأطعمتم اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمُ من الْمَغَانِمَ خُمْسَ اللَّهِ، وَخُمْسَ نَبِيِّهِ وَصَفِيِّهِ، وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ وَنَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لا يُغَيَّرُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ الله مُحَمَّدًا أَرْسَلَ إِلَى زُرْعَةَ بْنِ ذِي يَزَنٍ [2] أَنَّ إِذَا أَتَتْكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَمِيرُهُمْ مُعَاذُ [بْنُ جَبَلٍ] فَلا يَتَقَلَّبَنَّ إِلا رَاضِيًا، ثُمَّ إِنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَنِي أَنَّكَ [قَدْ] أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ، وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ فَابْشِرْ بِخَيْرٍ وَآمُرُكَ بِحِمْيَرَ خَيْرًا
. وفي هذه السنة حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس في ذي الحجة [3]
قاله محمد، وقال مجاهد: وافقت حجة أبي بكر ذي القعدة، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة، وذلك حين قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته
__________
[1] في أ، والطبري 3/ 120: «إسلامكم وقتلكم المشركين» .
[2] في الطبري: «زوعة ذي يذن» .
[3] المغازي للواقدي 3/ 1076، وتاريخ الطبري 3/ 122، وسيرة ابن هشام 2/ 543، والبداية والنهاية 5/ 36.

(3/372)


يوم خلق الله السموات والأرض» وذلك أن العرب كانوا يستعملون النسيء فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة كلها، فوافقت حجة أبي بكر ذي القعدة.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم استعمله على الحج، فحج في ثلاثمائة رجل، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة، فلما كان بالعرج لحقه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقته القصواء، فقال أبو بكر: استعملك رسول الله على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد/ عهده، فمضى أبو بكر فحج بالناس، وقرأ علي رضي الله عنه براءة، وقال: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم رجعا قافلين إلى المدينة. روى أبو سعيد الخدري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الموسم، وبعث بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في الطريق، فأخذ علي رضي الله عنه السورة والكلمات وكان يبلغ وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته.
فلما رجعا قال أبو بكر رضي الله عنه: ما لي هل نزل في شيء؟ قال: لا إلا خيرا، قال: وما ذاك؟ قال: إن عليا رضي الله عنه لحق بي فأخذ مني السورة والكلمات.
قال: أجل لم يكن يبلغها إلا أنا أو رجل مني
. وفيها أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدم مسجد الضرار [1] .
وذاك أنه لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فيه حسدهم أخوتهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه وليصلي أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، فأخبر الله عز وجل رسوله فأمر بهدمه وإحراقه.
__________
[1] البداية والنهاية 5/ 19.

(3/373)


وفيها رجم الغامدية
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ] [1] : إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ زنيت وأنا أريد أن تطهرني، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي» . فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ أَيْضًا فَاعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زنيت وأنا أريد أن تطهرني، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي» ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ أَيْضًا فَاعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ:] [2] يَا نَبِيَّ اللَّهِ، طَهِّرْنِي فَلَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بن مالك، فو الله إِنِّي لَحُبْلَى، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي/ حَتَّى تَلِدِي» .
فَلَمَّا وَلَدَتْ جَاءَتْ بِالصَّبِيِّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَا قَدْ وَلَدْتُ، قَالَ:
«فَاذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطُمِيهِ» ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ جَاءَتْ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَا قَدْ فَطَمْتُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبِيِّ فَدَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا فُحِفُرَ لَهَا حُفَيْرَةٌ فَجُعِلَتْ فِيهَا إِلَى صَدْرِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرْجُمُوهَا، فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْنَةِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلا يَا خَالِدُ [بْنَ الْوَلِيدِ، لا تسبها] فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صاحب مكس لغفر له» فأمر بها فصلي عليها ودفنت [3]
وفيها لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عويمر بن الحارث العجلاني وبين امرأته
بعد العصر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد قذفها بشريك بن سحماء.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ورد في الأصل: «قال عبد الله بن بريدة، قال:» وما أوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] الخبر في المسند 5/ 348.

(3/374)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
125- النجاشي، واسمه أصحمة [1] :
وهو الذي هاجر إليه المسلمون وأسلم وله الأفعال الحميدة، والإعانة للمسلمين، وهو الَّذِي أمهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته أم حبيبة، وتوفي في رجب هذه السنة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ أَصْحَابَهُ خَلْفَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا.
وروى أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:
لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور
. 126- أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] :
كان تزوجها عتبة بن أبي لهب قبل النوبة فلما/ نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1 [3] ، قال أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها. فلم تزل بمكة مع رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجرت، فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان بن عفان في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة، فماتت عنده في شعبان هذه السنة، فغسلتها أسماء بِنْت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وأم عطية، ونزل في حفرتها أبو طلحة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أخبرنا أبو عمرو بن حيوية. قال: أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي فُلَيْحٌ، عَنْ هِلالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أنس بن مالك، قال:
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 122، والبداية والنهاية 5/ 39.
[2] طبقات ابن سعد 8/ 25.
[3] سورة: المسد، الآية: 1.

(3/375)


رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى قَبْرِهَا، وَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: «فِيكُمْ أَحَدٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ» ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «انْزِلْ» [1]
. 127- سهيل بن بيضاء:
قال المصنف: هي أمه، واسمها دعد بنت جحدم، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال، ويكنى أبا مُوسَى.
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي بعد رجوع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك وهو ابن أربعين سنة، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
وكان أسن أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وسهيل بن بيضاء
. 128- عبد الله بن عبد نهم بن عفيف، ذو النجادين:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ: كَانَ ذُو النِّجَادَيْنِ يَتِيمًا لا مَالَ لَهُ، مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يُوَرِّثْهُ شَيْئًا، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ حَتَّى أَيْسَرَ، وَكَانَ لَهُ إِبِلٌ وَغَنَمٌ وَرَقِيقٌ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَعَلَتْ نَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَى الإِسْلامِ وَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لأَجْلِ عَمِّهِ حَتَّى مَضَتِ السُّنُونَ وَالْمَشَاهِدُ، فَقَالَ لِعَمِّهِ: يَا عَمُّ، إِنِّي انْتَظَرْتُ إِسْلامَكَ فَلَمْ أَرَكَ تُرِيدُ مُحَمَّدًا، فَأْذَنْ لِي فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لِئِنِ اتَّبَعْتَ مُحَمَّدًا لا أَتْرُكُ بِيَدِكَ شَيْئًا/ كُنْتَ أَعْطَيْتُكَهُ [إِلا نَزَعْتُهُ مِنْكَ] [2] حَتَّى ثَوْبَيْكَ، فَقَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ مُتَّبِعٌ مُحَمَّدًا وَتَارِكٌ عِبَادَةَ الْحَجَرِ وَالْوَثَنِ، وَهَذَا مَا بِيَدِي فَخُذْهُ. فَأَخَذَ كُلَّ مَا أَعْطَاهُ حَتَّى جَرَّدَهُ مِنْ إِزَارِهِ، فَأَتَى أُمَّهُ فَقَطَعَتْ لَهُ نِجَادًا لَهَا بِاثْنَيْنِ، فَأْتَزَرَ بِوَاحِدَةٍ، وَارْتَدَى الآخَرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ بِرُوقَانَ- وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مُزَيْنَةَ- فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ فِي السَّحَرِ، فصلى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، وَكَانَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَ النَّاسِ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ: «مَن أنت؟» فانتسب له، وكان اسمه عبد
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 26.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(3/376)


الْعُزَّى، فَقَالَ: «أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو النِّجَادَيْنِ» ، ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ مِنِّي قَرِيبًا» . فَكَانَ فِي أَضْيَافِهِ، وَيُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ حَتَّى قَرَأَ قُرْآنًا كَثِيرًا، وَكَانَ رَجُلا صَيِّتًا، فَكَانَ يَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَسْمَعُ هَذَا الأَعْرَابِيَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، قَدْ مَنَعَ النَّاسَ الْقِرَاءَةَ، فَقَالَ: «دَعْهُ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ» .
ثم خرجوا إلى تبوك، قال ذو النجادين: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة ابغني لحا سمرة، فربطها رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي عضده، وقال: «اللَّهمّ إني أحرم دمه على الكفار» ، قال: يا رسول اللَّه، ليس هذا أردت، قال: «إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتك دابتك فأنت شهيد [1] ولا تبالي بأية كان» .
فلما نزلوا بتبوك أقاموا بها أياما، فتوفي عبد الله، وكان بلال بن الحارث يقول:
حضرت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي القبر، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: «أدنيا إلي أخاكما» ، فلما هيأه لشقه في اللحد، قال: «اللَّهمّ قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه» ، فقال ابن مسعود: يا ليتني صاحب هذا القبر.
129- عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد، وهو ابن سلول:
وسلول امرأة من خزاعة، وهي أم أبي بن مالك. كان عبد الله سيد الخزرج في جاهليتهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد/ جمعوا له خرزا ليتوجوه فحسد ابن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافق، فاتضع شرفه وهو ابن خالة أبي عامر الراهب.
وكان لعبد الله من الولد، عبد الله، فأسلم وشهد بدرا، وكان معه خال أبيه وتثقل عليه صحبة المنافقين مرض عبد الله بن أبي عشرين يوما بعد أن رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، ومات في ذي القعدة، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهده وصلى عليه ووقف على قبره وعزى ابنه عبد الله عليه.
__________
[1] «أو وقصتك دابتك فأنت شهيد» ساقط من أ.

(3/377)


130- معاوية بن معاوية الليثي، ويقال: المزني:
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ، عَنِ الْجَوْهَرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيَّوَيْهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الفهم، قَالَ: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَلاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بِضِيَاءٍ وَشُعَاعٍ وَنُورٍ لَمْ [نَرَهَا طَلَعَتْ بِهِ فِيمَا مَضَى، فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا لِي أَرَى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم] [1] أَرَهَا طَلَعَتْ بِهِ فِيمَا مَضَى؟» ، قَالَ: ذَاكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيُّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ فَبَعَثَ اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، قَالَ: «وَفِيمَ ذَاكَ؟» قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ قِرَاءَةَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي مَمْشَاهُ أَوْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، فَهَلْ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَقْبِضَ لَكَ الأَرْضَ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: فصلّى عليه ثم رجع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.

(3/378)


ثم دخلت سنة عشر من الهجرة
فمن الحوادث فيها:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب [1]
فروى ابن إسحاق [عن عبد الله بن أبي بكر] [2] ، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربيع الآخر- أو في جمادى الأولى- في سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا لك فاقبل منهم، وعلمهم كتاب اللَّه وسنة رسوله، ومعالم الإسلام، فإن لم يقبلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه، ويدعون الناس إلى الإسلام، ويقولون: يا أيها الناس أسلموا تسلموا. فأسلم الناس/ ودخلوا فيما دعاهم إليه، وأقام خَالِد فيهم وعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة رسوله، ثم كتب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد النبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خالد بن الوليد، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا اله إلا هو، أما بعد يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام فإن أسلموا قبلت منهم، وإني قدمت عليهم ودعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام، وبثثت فيهم ركبانا: يا بني الحارث، أسلموا فتسلموا، فأسلموا وأنا مقيم أعلمهم معالم الإسلام.
فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البسملة: «إلى خالد بن الوليد السلام عليك، فإني أحمد إليك
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 72، وتاريخ الطبري 3/ 126 والبداية والنهاية 5/ 88.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(3/379)


الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، فبشرهم وأنذرهم، واقبل منهم وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» .
فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بني الحارث بن كعب وفيهم:
قيس بْن الحصين، فسلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول الله، وأن لا إله إلا الله، فَقَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» ، وأمر عليهم قيسا، فلم يمكثوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعث إلى بني الحارث بن كعب بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حرام الأَنْصَارِيّ يفقههم ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم.
قال الواقدي [1] : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حرام عامله على نجران
. وفيها قدم وفد سلامان في شوال على رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قال:
أخبرنا أبو عمرو بن حَيَّوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا/ [الْحُسَيْنُ [3] بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كُتُبِ أَبِي أَنَّ حَبِيبَ بْنَ عَمْرٍو السَّلامَانِيُّ كَانَ يُحَدِّثُ، قَالَ: قدمنا وَفْدُ سَلامَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ سَبْعَةٌ، فَصَادَفْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى جِنَازَةٍ دُعِيَ إِلَيْهَا، فَقُلْنَا: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَعَلَيْكُمْ، مَنْ أَنْتُمْ؟» ، قُلْنَا: نَحْنُ مِنْ سَلامَانَ، قَدِمْنَا لِنُبَايِعَكَ عَلَى الإسلام، ونحن على من وراءنا
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 130.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 67.
[3] من هنا سقط من الأصول، وحدث تداخل بين هذا السند، وسنشير إلى نهاية السقط عند وفد محارب، وما أوردناه من ابن سعد.

(3/380)


مِنْ قَوْمِنَا، فَالْتَفَتَ إِلَى ثَوْبَانَ غُلامِهِ، فَقَالَ: «أَنْزِلْ هَؤُلاءِ الْوَفْدَ حَيْثُ يَنْزِلُ الْوَلَدَ» ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ جَلَسَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَبَيْتِهِ، فَتَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ الصَّلاةِ وَشَرَائِعِ الإِسْلامِ، وَعَنِ الرُّقَى وَأَسْلَمْنَا، وَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا خَمْسَ أَوَاقٍ، وَرَجِعْنَا إِلَى بِلادِنَا، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ
. وفيها قدم وفد محارب في حجة الوداع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا] [1] الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، قَالَ:
قَدِمَ وَفْدُ مُحَارِبٍ سَنَةَ عَشْرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُمْ عَشْرَةُ نَفَرٍ: سَوَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُهُ خُزَيْمَةُ [بْنُ سَوَاءَ] ، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يَكُنْ [أَحَدٌ] [2] قَطُّ أَفَظَّ وَلا أَغْلَظَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي الْوَفْدِ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَعْرِفُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَبْقَانِي حَتَّى صَدَّقْتُ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللَّهِ» وَمَسَحَ وَجْهَ خُزَيْمَةَ [بْنَ سَوَاءَ] فَصَارَتْ لَهُ غُرَّةٌ بَيْضَاءُ، وَأَجَازَهُمْ كَمَا يُجِيزُ الوفد وَانْصَرَفُوا
. وفيها قدم وفد الأزد [3] .
رأسهم صرد بن عبد الله الأزدي في بضعة عشر.
روى ابن إسحاق، عن عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَسْلَمَ فَأَمَّرَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ [مِنْ أهل بيته] [4] من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن.
__________
[1] إلى هنا انتهى النقل من ابن سعد، وانتهى السقط بالأصول.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 71، وتاريخ الطبري 3/ 130، والبداية والنهاية 5/ 84 وقد حدث في الأصول هنا خطأ في الترتيب، فقد جاء ما تحت هذا العنوان تحت العنوان الآتي.
[4] ما بين المعقوفتين: من الطبري.

(3/381)


وفيها قدم وفد غسان ووفد عاملة [1] .
كلاهما في رمضان
. وفيها قدوم وفد زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم [2] .
فروى ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: قدم عمرو بن معديكرب فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ فَأَسْلَمُوا، فَلَمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّ عَمْرُو ثُمَّ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ
. وفيها قدوم وفد عبد القيس [3] .
قال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس، وكان نصرانيا فأسلموا
. وفيها قدم الأشعث بن قيس في وفد كندة [4] .
فأسلموا
. وفيها قدم وفد بني حُنِيفَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب [5] .
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض علمائنا: أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ومعه عسيب من سعف النخل، في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه/ بالثياب، كلم
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 71، وتاريخ الطبري 3/ 130.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 64، وتاريخ الطبري 3/ 130.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 64، وتاريخ الطبري 3/ 136.
[4] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 64، وتاريخ الطبري 1/ 2/ 64.
[5] تاريخ الطبري 3/ 137 والبداية والنهاية 5/ 45.

(3/382)


رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك» . وروى ابن إسحاق، عن شيخ من بني حنيفة، قال: كان حديث مسيلمة على غير هذا: أتى وفد بني حنيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه، وقالوا: إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا، فأمر لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل ما أمر به القوم، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وادعى النبوة.
قال مؤلف الكتاب: وسيأتي خبره إن شاء الله تعالى
. وفيها قدم وفد بجيلة [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمرو بن حَيَّوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ سَنَةَ عَشْرٍ وَمَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مُلْكٍ» .
فَطَلَعَ جَرِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ قَوْمُهُ فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوا.
قَالَ جَرِيرٌ: فَبَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَنِي وَقَالَ: «عَلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقَيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَتُطِيعَ الْوَالِي وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا» فَقَالَ: نَعَمْ. وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَمَّا وَرَاءَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ، [وَأَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلامَ] والأذان في [مساجدهم وساحاتهم] [2] وهدمت القبائل أَصْنَامُهَا الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ، قَالَ: «فَمَا فَعَلَ ذُو الْخُلَصَةِ؟» قَالَ: هُوَ عَلَى حَالِهِ، فَبَعَثَهُ [3] رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى هَدْمِ ذِي الْخُلَصَةِ وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً، فَقَالَ: إني
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 77.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] في الأصل: فبعث.

(3/383)


لا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ، وَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ وَهُمْ زُهَاءَ مَائَتَيْنِ، فَمَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ حَتَّى/ رَجِعَ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَهَدَمْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، وَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ، فَتَرَكْتُهُ كَمَا يَسُوءُ أَهْلَهُ، فَبَرَّكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على خيل أحمس ورجالها
. تم الجزء الثالث من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن ابن علي بن محمد بن الجوزي غفر الله له يتلوه في الجزء الرابع: وفي سنة عشر من الهجرة أيضا: قدم العاقب والسيد من نجران وكتب لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب صلح [1]
__________
[1] في الأصل كتب في آخر الجزء: «كتبه العبد الفقير، المعترف بالذنب والتقصير، علي بن إبراهيم بن الياس، عرف بالواسطي الواعظ، عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين، أجمعين، والحمد للَّه رب العالمين، صلواته على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلّم تسليما.

(3/384)


[المجلد الرابع]
[تتمة سنة عشر من الهجرة]
بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين
وفي سنة عشر من الهجرة أيضا قدم العاقب والسيد من نجران [1]
وكتب لهم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ كتاب صلح
. وفيها قدم وفد خولان
[2] وهم عشرة
وفيها قدم وفد الرهاويين ووفد تغلب [3]
قال ابن حبيب الهاشمي: وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك
. وفيها قدم وفد [بني] عامر بن صعصعة [4]
روي عن محمد بن إسحاق [5] ، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وفد بني عامر، فيهم: عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وحيان بن سليم، وهؤلاء الثلاثة رؤساء القوم، وقد كَانَ قال لعامر قومه: أسلم فإن الناس قد أسلموا، قال:
والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى، ثم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 139.
[2] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 61، وتاريخ الطبري 3/ 140.
[3] طبقات ابن سعد 1/ 2/ 76.
[4] تاريخ الطبري 3/ 144.
[5] في الأصل: روى ابن إسحاق.

(4/3)


قَالَ لأربد: إذا قدمنا على الرجل فأنا أشغل وجهه عنك، فاعْلُهُ بالسيف. فلما قدموا [على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ] ، جعل عامر يكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وينتظر من أربد ما أمره به، فلم يحر شيئا، فَقَالَ له: والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا، فلما ولى، قال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل» ، فقال عامر لأربد: ويلك، أين ما أوصيتك به؟
قال: والله ما هممت بالذي أمرتني إلا دخلت بيني وبين الرجل [حتى ما أرى غيرك] [1] أفأضربك بالسيف.
وخرجوا راجعين إلى بلادهم، فبعث الله الطاعون على عامر في بعض طريقهم فقتله الله في بيت امرأة من [بني] سلول، فجعل يقول: أغدة كغدة البعير، وأرسل على أربد صاعقة فأحرقته، وكان أربد أخا لبيد بن ربيعة من أمه.
وروى الزبير بن بكار بإسناده [2] ، أن عامر بن الطفيل أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فوسده وسادة، وقال لَهُ: «أسلم يا عامر» قال: على أن لي الوبر ولك المدر، فأبى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فقام عامر مغضبا وقال: والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخلة فرسا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لو أسلم وأسلمت بنو عامر لراحمت قريشا في منابرها» . ثم عاد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقال: «يا قوم آمنوا» ، ثم قال: «اللَّهمّ اهد بني عامر.
واشغل عني عامر بْن الطفيل كيف وأنى شئت» ، فخرج فأخذته غدة مثل غدة البعير في بيت سلولية، فقال: يا موت ابرز لي، وأقبل يشتد وينزو إلى السماء، ويقول: غده كغدة البعير وموت في بيت سلولية.
قال الحسن بن علي الحوماري: كان الطفيل بن مالك بن جعفر يكنى أبا علي، وكان من أشهر فرسان العرب بأسا ونجدة وأبعدها اسما حتى بلغ به ذلك أن قيصر كان قدم عليه قادم من العرب، قال له: ما بينك وبين عامر بن الطفيل، فإن ذكر نسبا عظم به عنده.
ولما مات عامر منصرفه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نصب عليه بنو عامر نصابا ميلا في ميل حمي على قبره ولا تسير فيه راعية ولا ترعى ولا يسلكه راكب ولا ماش.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] البداية والنهاية 5/ 57.

(4/4)


وفيها: كان قد خرج ابن أبي مارية مولى العاص بن وائل في تجارة إلى الشام، وصحبه تميم الداري، وعدي بن بدا، وهما على النصرانية، فمرض ابن أبي مارية وقد كتب وصيته وجعلها في ماله، فقدموا بالمال والوصية، ففقدوا جاما أخذه تميم وعدي، فأحلفهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعد العصر ثم ظهر عليه فحلف عبد الله بن عمرو بن العاص، والمطلب بن وداعة واستحقا
. وفيها سرية علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن في رمضان
[1] بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وعقد له لواء وعممه بيده، وقال: «امض ولا تلتفت، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك» . فخرج في ثلاثمائة فارس، ففرق أصحابه فأتوا بنهب [وغنائم] [2] ونساء وأطفال، ودعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة، فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي، ثم حمل عليهم بأصحابه فقتلوا عشرين ثم أسلموا
. وفيها كانت حجة الوداع
[3] قال المؤلف [4] : لما عزم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ على الحج أذن بالناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير ليأتموا برسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم في حجته، فخرج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ من المدينة مغتسلا مدهنا مترجلا متجردا في ثوبين إزار ورداء، وذلك في يوم السبت لخمس [ليال] [5] بقين من ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين، وأخرج معه نساءه كلهن في هوادج، وأشعر هديه وقلده، ثم ركب ناقته، فلما استوى بالبيداء أحرم من يومه ذلك.
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 132، والبداية والنهاية 5/ 104.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[3] وتسمى حجة البلاغ وحجة الإسلام.
[4] «المؤلف» : ساقط من أ.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.

(4/5)


وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف، ثم أصبح واغتسل ودخل مكة نهارا وهو على راحلته، فدخل من أعلى مكة من كداء حتى انتهى إلى باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، وقال: «اللَّهمّ يزد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرا» . ثم بدأ فطاف بالبيت، ورمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر وهو مضطبع بردائه، ثم صلى خلف المقام ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته من فوره ذلك.
وخطب بمكة خطبا في أيام حجه.
قال المؤلف:
ومما جرى بعد حجه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
أن باذام والي اليمن مات، ففرق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عمالها بين شهر بن باذام/ وعامر بن شهر الهمداني، وأبي موسى الأشعري، وخالد بن سعيد بن العاص، ويعلى بن أمية، وعمرو بن حزم، وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت، وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون.
وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين: اليمن وحضرموت، وقال له: «يا معاذ إنك تقدم على قوم أهل كتاب وإنهم سائلوك عن مفاتح الجنة، فأخبرهم أن مفاتح الجنة لا إله إلا الله، وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل، لا تحجب دونه، من جاء بها يوم القيامة مخلصًا رجحت بكل ذنب» فقال: أرأيت ما سئلت عنه واختصم إلي فيه مما ليس في كتاب الله ولم أسمع منك سنة [1] ؟ فقال: «تواضع للَّه يرفعك، ولا تقضين إلا بعلم، فإن أشكل عليك أمر فسل ولا تستحي، واستشر ثم اجتهد، فإن الله إن يعلم منك الصدق يوفقك، فإن التبس عليك فقف حتى تتبينه أو تكتب إلي فيه، واحذر
__________
[1] في الأصل: العبارة مضطربة هكذا: «مما ليس في كتاب ولا أسمع منه» .

(4/6)


الهوى فإنه قائد الأشقياء إلى النار وعليك بالرفق» . وروى الإمام أحمد [في المسند] [1] ، قال: إن معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى اليمن خرج معه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يمشي تحت راحلته، فلما فرغ،: قال: «يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ثم التفت وأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: «إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا» . وروي عن عبيد بن صخر، قال: أمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عمال اليمن جميعا، فقال:
تعاهدوا الناس بالتذكرة واتبعوا الموعظة فإنها أقوى للعاملين على العمل بما يحب الله
. وفيها كتب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ/ إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام
فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وأهدى له هدية ثم لم يزل مسلما حتى كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فارتد. قال المؤلف: سنذكر قصته عند ذكر موته في سنة ثلاث وخمسين من الهجرة
. وفيها بعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي كلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم
وأسلمت امرأته ضريبة بنت أبرهة [2] بن الصباح، واسم ذي الكلاع سميفع بن حوشب.
[أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أنبأنا علي بن أحمد بْن السَّرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ، حَدَّثَنَا أبو بكر الأنباري، أخبرنا أبو الحسن بن البراء، قال: حدّثني أبو
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فأسر، وأسلمت أمه ضريبة بنت إبراهيم» ، وما أوردناه من أ، والطبري.

(4/7)


عَبْد الله الوصافي، حدثنا سليمان بن معبد أبو داود المروزي، حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا] [1] علوان بن داود، عن رجل من قومه، قال:
بعثني قومي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية، قال: فمكثت سنة لا أصل إليه، ثم إنه أشرف بعد ذلك من القصر فلم يره أحد إلا خر له ساجدا، ثم رأيته بعد ذلك في الإسلام قد اشترى لحما بدرهم، فسمطه على فرسه، وأنشأ يقول:
أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها كل يوم في أذى
ولقد كنت إذا ما قيل من ... أنعم الناس معاشا قيل ذا
ثم أبدلت بعيشي شقوة ... حبذا هذا شقاء حبذا
وروى الرياشي عن الأصمعي، قال: كاتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله يدعوه إلى الإسلام، وكان قد استعلى أمره حتى دعي إلى الربوبية فأطيع، ومات النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قبل عود جرير، وأقام ذو الكلاع على ما هو عليه إلى أيام عمر بن الخطاب، ثم رغب في الإسلام، فوفد على عمر [رضي الله عنه ومعه ثمانية آلاف عبد، فأسلم عَلَى يديه وأعتق من عبيده أربعة آلاف، فقال عمر/ [رضي الله عنه] : يا ذا الكلاع بعني ما بقي من عبيدك حتى أعطيك ثلث أثمانهم ها هنا، وثلثا باليمن، وثلثا بالشام، قال: أجلني يومي هذا حتى أفكر فيما قلت. ومضى إلى منزله فأعتقهم جميعا، فلما غدا على عمر قال [له] : ما رأيك فيما قلت لك في عبيدك؟ قال: قد اختار الله لي ولهم خيرا مما رأيت، قال: وما هو؟ قَالَ: هم أحرار لوجه الله، قال: أصبت يا ذا الكلاع، قال: يا أمير المؤمنين لي ذنب ما أظن الله يغفره لي، قال: ما هو؟ قال: تواريت مرة عن من يتعبد لي ثم أشرفت عليهم من مكان عال، فسجد لي زهاء عن مائة ألف إنسان، فقال عمر: التوبة بإخلاص، والإنابة بإقلاع يرجى معها رأفة الله عز وجل والغفران.
وقال يزيد بن هارون: أعتق ذو الكلاع اثني عشر ألف بيت.
__________
[1] ما بين المعقوفتين وأوردناه من أ، وفي الأصل: «وفيها روى علوان بن داود» .

(4/8)


وفيها أسلم فروة الجذامي
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ:
حدثنا مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن محمد بن عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ] [1] ، قَالَ [2] :
كَانَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجُذَامِيُّ عَامِلا لِلرُّومِ فَأَسْلَمَ، فَكَتَبَ إِلَى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِإِسْلامِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رَجُلا مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودُ بْنُ سَعِيدٍ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِبَغْلَةٍ [3] بَيْضَاءَ وَفَرٍس وَحِمَارٍ وَأَثْوَابٍ وَقِبَاءٍ سُنْدُسٍ مُخَوَّصٍ بِالذَّهَبِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُكَ وَبَلَّغَ مَا أَرْسَلْتَ بِهِ وَخَبَّرَ عَمَّا قِبَلُكُمْ وَأَتَانَا بِإِسْلامِكَ وَإِنَّ اللَّهَ هَدَاكَ بِهُدَاهُ» ، وَأَمَر بِلالا فَأَعْطَى رَسُولَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْقِيَّةً وَنِشًا. وَبَلَغَ مَلِكَ الرُّومِ إِسْلامُ فَرْوَةَ فَدَعَاهُ فَقَالَ [لَهُ] : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ نُمَلِّكُكَ، فَقَالَ: لا أُفَارِقُ دِينَ مُحَمَّدٍ وَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ عِيسَى [قَدْ] [4] بَشَّرَ بِهِ، وَلَكِنَّكَ تَضِنُّ بِمُلْكِكَ، فَحَبَسَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ
. وفي هذه السنة أن رسول الله/ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعث عمرو بن العاص بعد رجوعه من الحج لأيام بقين من ذي الحجة إلى جيفر وعبد ابني الجلندي بعمان يدعوهما إلى الإسلام [5] .
وكتب معه كتابا إليهما وختم الكتاب، قال عمرو: فلما قدمت عمان عمدت إلى عبد، وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت: إني رسول رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إليك وإلى أخيك، فقال [أخي] المقدم بالسر والملك: وأنا أوصلك إليه حتى تقرأ كتابك، فمكثت أياما ببابه، ثم إنه دعاني فدخلت عليه فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه وقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إِلى أخيه فقرأه، إلا أني رأيت أخاه أرق منه فقال: دعني يومي هذا وارجع
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن واصل الجذامي» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 82 برواية أخرى.
[3] في الأصل: وبعث به مع رجل من ... ببغلة وما أوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 2/ 68.

(4/9)


إليَّ غدا، فلما كان الغد رجعت إليه، فقال: إني فكرت فيما دعوتني إليه، فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي، قلت: فإني خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي أصبح فأرسل إلي فدخلت عليه، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا، وصدقا بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونا على من خالفني، فأخذت الصدقة من أغنيائهم، فرددتها في فقرائهم [1] ، ولم أزل مقيما بينهم حتى بلغنا وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. وذكر الواقدي أن هذا كان في سنة ثمان.
قال المؤلف [2] : وما ذكرناه أصح. وقال ابن مسعود: هذا آخر بعث النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إلى الملوك
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
131- إبراهيم ابن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
ولد في ذي الحجة من سنة ثمان، وتوفي في ربيع الأول غرة سنة عشر، ودفن بالبقيع.
رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَال: أخذ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى النَّخْلِ الَّذِي فِيهِ إِبْرَاهِيمُ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ/ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَبْكِي يَا رَسُولَ الله، أولم تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ، وَعَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نَغَمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصَيبَةٍ وَخَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ» [3] .
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ: [4] «إِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ وَمَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ، يَا إِبْرَاهِيمُ لَوْلا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ وَوَعْدٌ صِدْقٌ وَأَنَّهَا سَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَلْحَقُ أَوَّلَنَا لحزنا عليك
__________
[1] في الأصل: «فرددتها على فقرائهم» . وكتب على الهامش «الأصل: في» .
[2] في أ: «قال المصنف» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 88.
[4] الخبر في طبقات ابن سعد الموضع السابق.

(4/10)


حُزْنًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [1] [حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ] [2] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ، وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ تُكْمِلانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [عَنْ وَكِيعِ بن الجراح، وهشام بن عبد الملك أبو أَيُّوبَ الطَّيَالِسِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ،] [3] عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ» . [وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْبَرَاءِ أَيْضًا، قَالَ: صلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ لَظِئْرًا تُتِمُّ رِضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ صِدِّيقٌ» ] [4] .
وروى ابن سعد، عن جابر، عن عامر، قال: توفي إبراهيم وهو ابن ثمانية عشر شهرا.
قال مؤلف الكتاب [5] : وفي يوم [موت] [6] إبراهيم كسفت الشمس.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 89.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والطبقات، وفي الأصل: «روى محمد بن سعد باسناده عن عمرو» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والطبقات، وفي الأصل: «روى ابن سعد باسناده عن البراء» ، والخبر في الطبقات 1/ 1/ 89.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 90.
[5] في الأصل: «قال المؤلف» .
[6] ما بين المعقوفتين: من أ.

(4/11)


أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنِ] [1] الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ [2] : انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَلا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ حَتَّى يُكْشَفَا» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عُبَيْدٍ] [3] ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانِ [بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّهِ] [4] سِيرِينَ، قَالَتْ:
حَضَرْتُ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كُلَّمَا صِحْتُ أَنَا وَأُخْتِي مَا يَنْهَانَا، فَلَمَّا مَاتَ نَهَانَا عَنِ الصِّيَاحِ، وَغَسَّلَهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ جَالِسَانِ، ثُمَّ حُمِلَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ وَالْعَبَّاسُ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ/ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَا أَبْكِي عِنْدَ قَبْرِهِ مَا يَنْهَانِي أَحَدٌ، وَخَسَفَتِ الشَّمْسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ النَّاسُ [ذَلِكَ] [5] لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لا تَخْسِفُ لِمَوْتِ [6] أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ» . ورأى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فُرْجَةً فِي اللِّبْنِ، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُسَدَّ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهَا لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَكِنْ تُقِرُّ عَيْنَ الْحَيِّ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ عَمَلا أَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُتْقِنَهُ» . ومات يوم الثلاثاء لعشر [ليال] خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن المغيرة» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 91.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عبد الرحمن بن حسان» .
[4] ما بين المعقوفتين: مكانه بياض في الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[6] في الأصل: «لا تكسف لموت أحد» وأوردناه من أ، وابن سعد.

(4/12)


132- باذام ملك اليمن:
كان أسلم وأسلم أهل اليمن، فجمع له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ اليمن كلها فتوفي في هذه السنة
. 133-[عبد الله بْن] [1] عمرو بن صيفي، أبو عامر الراهب:
كان قد ترهب وانتظر خروج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فلما خرج حسده وجحد نبوته، وقاتل يوم أحد، فلما فتحت مكة هرب إلى قيصر، فمات هناك في هذه السنة.
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : وقد ذكرنا طرفا من أخباره في قصة ولده حنظلة في سنة ثلاث من الهجرة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: «قال المؤلف» .

(4/13)