المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثُمَّ دخلت سنة إحدى عشرة
فمن الحوادث فيها أنه قدم على رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وفد النخع من اليمن للنصف من المحرم
[1] وهم مائتا رجل مقرين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن.
قال الواقدي [2] : وهم آخر من قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ من الوفود
. ومن الحوادث استغفار رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لأهل البقيع
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُصَرِّفُ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاغُونِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ السِّخْتِيَانِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ،] [3] عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ:
أَهَبَّنِي [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في المحرم مرجعه من حَجَّتَهِ وَمَا أَدْرِي مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ
__________
[1] طبقات ابن سعد 1/ 1/ 77.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 1/ 1/ 77.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي مويهبة» . والخبر في البداية والنهاية 5/ 223، وتاريخ الطبري 3/ 188.
[4] في الطبري والبداية: «بعثني» .

(4/14)


أَكْثَرُ أَوْ مَا بَقِيَ/ فَقَالَ: «انْطَلِقْ، فَإِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ» ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ طَوِيلا، ثُمَّ. قَالَ: «لِيَهْنُكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ مِثْلَ قِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى، يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْجَنَّةِ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي والجنة» ، فقلت:
بأبي أنت وأمي خذ خزائن الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، قَالَ: «لا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» . وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَاشْتَكَى بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ محمد بْنِ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَهْيَمُ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا هِاشَمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَكْثَمُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ] [1] ، عَنْ أَبِي مويهبة مولى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ:
أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ فصلى عَلَيْهِمْ فِي لَيْلَةٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ أَسْرِجْ لِي دَابَّتِي» ، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَأَمْسَكْتُ الدَّابَّةَ وَوَقَفْتُ وَوَقَفَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: لِيَهْنُكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ، أَتَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ [الْمُظْلِمِ] [2] يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى، فَلْيَهْنُكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ» ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي أُعْطِيتُ- أَوْ خُيِّرْتُ [بَيْنَ مَفَاتِيحِ] [2] مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي وَالْجَنَّةِ أَوْ لِقَاءِ رَبِّي» قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاخْتَرْنَا، قَالَ: « [لأَنْ تُرَدَّ عَلَى عَقِبِهَا مَا شاء الله] فاخترت لقاء ربي» . فلما لَبِثَ بَعْدَ ذَلِكَ الاسْتِغْفَارِ إِلا سَبْعًا أَوْ ثمانيا حتى قبض صلّى الله عليه وآله وسلم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ. وفي الأصل: «روى المؤلف باسناده عن أبي مويهبة» .
[2] ما بين المعقوفتين من البداية.

(4/15)


ومن الحوادث سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل أبنى، وهي أرض السراة ناحية البلقاء
[1] .
وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم في يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد، فقال: «سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، فإن أظفرك الله/ فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك. فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده، ثم قال: «اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر باللَّه» . فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزاة، فيهم أبو بَكْر الصديق، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة، وقتادة بن النعمان، فتكلم قوم وقالوا [2] : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فغضب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ غضبا شديدًا، فخرج وقد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: «أما بعد، أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، فلئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في تأميري من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم» . ثم نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ويمضون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مغمور- وهو اليوم الذي لدوه فيه- فطأطأ أسامة فقبله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ثم يضعها على أسامة. قال: فعرفت أنه يدعو لي، ورجع إلى معسكره، ثم دخل إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ؟ يوم الاثنين، فقال له: أغد
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 1/ 36.
[2] في الأصل: «وقال» .

(4/16)


عَلَى بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل.
فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يموت، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وهو يموت، فتوفي عليه السلام حين زالت الشمس يوم الاثنين، فدخل المسلمون الذين عسكروا إلى المدينة، وكان لواء أسامة مَعَ بريدة بن الخصيب، فدخل بريدة بلواء أسامة حتى غرزه عند باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى أسامة ليمضي لوجهه، فمضى بريدة، إلى معسكرهم الأوّل، فلما ارتدت العرب كلم أبو بكر في حبس أسامة فأبى، وكلم أبو بكر أسامة في عمر أن يأذن له في التخلف ففعل، فلما كان هلال ربيع الآخر سنة احدى عشر خرج أسامة فسار إِلى أهل أبنى عشرين ليلة، فشن عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وقتل قاتل أبيه ورجع إلى المدينة، فخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة، يتلقونهم سرورًا بسلامتهم
[1] .
ومن الحوادث في مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مجيء الخبر بظهور مسيلمة والعنسي
[2] قد ذكرنا أن مسيلمة قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فيمن أسلم ثم ارتد لما رجع إلى بلده، وكتب إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. وكان يستغوي أهل بلدته، وكذلك العنسي إلا أنه لم يظهر أمرهما [3] إلا في حالة مرض رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قد لحقه مرض بعد عوده من الحج ثم عوفي ثم عاد فمرض مرض الموت.
قال أبو مويهبة مولى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: لما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ من حجه طارت الأخبار بأنه قد اشتكى/، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، فجاء الخبر عنهما إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ وثب طليحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
__________
[1] في الأصل: «أهل المدينة تلقوهم بالسرور وبالسلام» . وما أوردناه من أ.
[2] تاريخ الطبري 3/ 227.
[3] في الأصل: «أمرهم» .

(4/17)


روى سيف بن عمر بإسناده عن علي وابن عباس رضي الله عنهما [1] : أول ردة كانت على عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وأول من ارتد الأسود [العنسي] في مذحج، ومسيلمة في بني حنيفة وطليحة في بني أسد.
وقال الشعبي [2] : قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر مسيلمة والعنسيّ الكذابين بعد ما ضرب على النّاس بعث أسامة بن زيد
. ومن الحوادث في مرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [3]
أنه رأى في منامه سوارين من ذهب، فخرج فحدث. فَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ مِنَ الصُّدَاعِ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ فِي عَضُدِي سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتُهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا هَذَيْنِ الْكَذَّابَيْنِ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ وَصَاحِبَ الْيَمَنِ»
. ذكر أخبار الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة
أما الأسود فاسمه عبهلة بن كعب، يقال له: «ذو الخمار» ، لقب بذلك لأنه كان يقول:
يأتيني ذو خمار. وكان الأسود [كاهنا] [4] مشعبذا [5] ويريهم الأعاجيب، ويسبي بمنطقه قلب من يسمعه، وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فكاتبته مذحج وواعدته [6] بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم، وخالد بن سعيد بن العاص، وأنزلوه منزلهما، ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد، فأجلاه ونزل
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 185.
[2] الخبر في تاريخ الطبري الموضع السابق.
[3] تاريخ الطبري 3/ 186.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ.
[5] شعباذا: شعبذا، والشعبذة والشعوذة: أخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين.
في الأصل: «يتعبد» ، وفي أ: «مشعبذ» .
[6] في الأصل: «وواعدوه» .

(4/18)


منزله، فلم يلبث عبهلة بحران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب فروة بن مسيك إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره، ولحق بفروة من بقي على إسلامه من مذحج/ ولم يكاتب الأسود رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن وقوي أمره [1] .
واعترض على الأسود وكاثره عامر بن شهر [2] الهمداني في ناحيته وفيروز وداذويه في ناحيتهما، ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به.
ثم خرج الأسود في سبعمائة فارس إلى شعوب [3] فخرج إليه شهر بن باذام وذلك لعشرين ليلة من خروجه، فقتل شهرا، وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء لخمس وعشرين ليلة من خروجه. وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مر بأبي موسى وهو بمأرب [4] ، فاقتحما حضرموت، فنزل معاذ السكون، ونزل أبو موسى السكاسك، ورجع عمرو وخالد إلى المدينة، وغلب الأسود وطابقت [5] عليه اليمن وجعل أمره يستطير استطارة الحريق. ودانت له سواحل البحر، وعامله المسلمون بالتقية.
وكان خليفته في مذحج عمرو بن معديكرب، وكان قد أسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الأنباء إلى فيروز وداذويه.
ثم استخف بهم وتزوج امرأة شهر، وهي ابنة عم فيروز، فأرسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن يجاولوا الأسود إما غيلة وإما مصادمة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالا سماهم لهم ممن خرجوا حولهم من حمير وهمدان، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم، فدعوا قيس بن عبد يغوث حين رأوا الأسود قد تغير عليه، فحدثوه الحديث وأبلغوه عن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فأجاب ودخلوا على زوجته، فقالوا: هذا قتل أباك، فما عندك؟ قالت: هو أبغض خلق الله إلي وهو متحرز والحرس يحيطون بقصره
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 229.
[2] في الأصل: «عمرو بن شهر، وما أوردناه من أوالطبري» .
[3] شعوب: قصر باليمن معروف بالارتفاع، أو بساتين بظاهر صنعاء.
[4] في الأصل: «وهو هارب» ، وما أوردناه من أوالطبري.
[5] في الأصل: «وطائفته» ، وما أوردناه من أ.

(4/19)


إلا هذا البيت، فانقبوا عليه فنقبوا ودخل فيروز فخالطه فأخذ برأسه فقتله، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب، فقالوا: ما هذا؟ قالت المرأة: النبي يوحى إليه فإليكم ثم خمد.
وقد كان يجيء إليه/ شيطان فيوسوس له فيغط ويعمل بما قال له، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان، وقالوا فيه: نشهد أن محمدا رسول الله وأن عبهلة كذاب، وشنوها غارة. وتراجع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى أعمالهم، وكتبوا إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بالخبر فسبق خبر السماء إليه، فخرج قبل موته بيوم أو بليلة، فأخبر الناس بذلك، ثم ورد الكتاب، ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قد مات، إلى أبي بكر، وكان من أول خروج الأسود إلى أن قتل أربعة أشهر.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرَقِنْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعد، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أبي القاسم الشَّنَوِيِّ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ عمر، قال: أتي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْعَنْسِيُّ فَخَرَجَ لِيُبَشِّرَنَا، فَقَالَ: «قُتِلَ الْعَنْسِيُّ الأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُبَارَكِينَ» ، قِيلَ: وَمَنْ [هُوَ] [2] ؟
قَالَ: «فَيْرُوزُ، فَازَ فَيْرُوزُ» . ذكر أخبار مسيلمة [3] قد ذكرنا أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ في وفد بني حنيفة، فلما عاد الوفد ارتد،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عمر قال:» والخبر في تاريخ الطبري 3/ 236.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 381، والكامل 2/ 218.

(4/20)


وكان فيه دهاء فكذب لهم وادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة، لأنه كان يقول: الذي يأتيني اسمه رحمان، وخاف أن لا يتم له مراده لأن قومه شاغبوه، فقال: هو كما يقولون إلا أنني قد أشركت معه، فشهد لرسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بأنه نبي، وادعى أنه قد أشرك معه في النبوة، وجعل يسجع لهم ويضاهي القرآن، فمن قوله: سبح اسم ربك الأعلى الذي يستر على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين أضلاع وحشي. ويا ضفدعة بنت الضفدعين نقي ما تنقين وسبحي فحسن ما تسبحين للطين تغني سنين والماء تلبسين، ثم لا تكدرين ولا تفسدين فسبحي لنا فيما تسبحين. وكانوا قد سمعوا منه.
ومن قوله لعنه الله: والليل الأطحم [1] ، والذئب الأدلم [2] والجذع الأزلم [3] ما انتهكت أسيد من محرم. وكان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصوم لهم.
وقال: / والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس.
وقال: والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، ما لكم لا تمجعون.
وكان يقول: والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا [4] ، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه.
وأتته امرأة، فقالت: ادع الله لنخلنا ولمائنا فإن محمدا دعا لقوم فجاشت آبارهم، فقال: وكيف فعل محمد؟ قالت: دعي بسجل، فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومجه فيه، فأفرغوه في تلك الآبار، ففعل هو كذلك فغارت تلك المياه.
وقال له رجل: برك على ولدي، فإن محمدا يبرك على أولاد أصحابه، فلم يؤت
__________
[1] الأطحم، الطحمة: سواد الليل.
[2] الأدلم: الأسود الطويل.
[3] الجذع الأزلم: الدهر.
[4] ثرد الخبز ثردا: فتّه ثم بله بمرق.

(4/21)


بصبي مسح على رأسه أو حنكه إلا لثغ [1] وقرع [2] .
وتوضأ في حائط فصب وضوءه فيه فلم ينبت.
وكانوا إذا سمعوا سجعه، قالوا: نشهد أنك نبي، ثم وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك، فأصفقت معه بنو حنيفة إلا القليل وغلب على حجر اليمامة وأخرج ثمامة بن أثال، فكتب ثمامة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره- وَكَانَ عامل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ على اليمامة وانحاز ثمامة بمن معه من المسلمين، وكتب مسيلمة إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد، فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم لا يعدلون ويعتدون.
وبعث الكتاب مع رجلين: عبد الله بن النواحة، وحجير بن عمير، فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: نعم، قال: «أتشهد أن مسيلمة/ رسول الله؟» قالا: نعم قد أشرك معك، فقال: «لولا أن الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما» . ثم كتب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
«من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد: فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء، والعاقبة للمتقين، وقد أهلكت أهل حجر، أقادك الله ومن صوب معك» . ذكر أخبار سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية كانت [3] قد تنبّأت في الردة بعد موت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بالجزيرة في بني تغلب فاستجاب لها الهذيّل وترك التنصر وأقبل معها جماعة فقصدت قتال أبي بكر فراسلت مالك بن نويرة فأجابها ومنعها من قصد أبي بكر وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابت فقالت: أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فذهبوا فكانت بينهم
__________
[1] اللثغ: تحول اللسان من السين إلى الثاء، أو من الراء إلى الغين.
[2] القرع: ذهاب الشعر عن الرأس، وهو أشد من الصلع.
[3] تاريخ الطبري 3/ 269، والكامل 2/ 213.

(4/22)


مقتلة، ثم قصدت اليمامة فهابها مسيلمة، وخاف أن يتشاغل بحربها فيغلبه ثمامة بن [أثال وشرحبيل بْن حسنة] [1] ، فأهدى لها واستأمنها فجاء إليها.
وفي رواية أخرى أنه قال لأصحابه [2] : اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه، ففعلوا فلما أتته قالت له: اعرض ما عندك، فقال لها: إني أريد أن أخلو معك حتى نتدارس، فلما خلت معه قالت: اقرأ علي ما يأتيك به جبريل، فقال لها: إنكن معشر النساء خلقتن أفواجا، وجعلتن لنا أزواجا نولجه فيكن إيلاجا، ثم نخرجه منكن إخراجا، فتلدن لنا أولادا ثجاجا فقالت: صدقت، أشهد أنك نبي، فقال لها: هل لك أن أتزوجك فيقال نبي تزوج نبية؟ فقالت: نعم، فَقَالَ:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد هيّي لك المضجع
فإن شئت على اثنين ... وإن شئت على أربع
/ وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع [3]
فقالت: بل به أجمع فهو أجمع للشمل، فضربت العرب بها المثل، فقالت:
«أغلم من سجاح» . فأقامت معه ثلاثا وخرجت إلى قومها، فقالت: إني قد سألته فوجدت نبوته حقا، وإني قد تزوجته [فقالوا: مثلك لا يتزوج بغير مهر، فقال مسيلمة:
مهرها أني قد رفعت عنكم صلاة الفجر والعتمة] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 3/ 273.
[3] الأبيات في أهكذا:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد بني لك المضجع
وإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع
وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
وهذه الأبيات في تاريخ الطبري باختلاف أيضا، راجعه في تاريخ الطبري 3/ 273.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(4/23)


ثم صالحته على أن يحمل إليها النصف من غلات اليمامة وخلفت من يقبض ذلك، فلم يفجأهم إلا دنو خالد منهم، فأرفضوا.
وبعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى ثمامة بن أثال ومن يجتمع معه أن يجادلوا مسيلمة وأمره أن يستنجد رجالا قد سماهم ممن حولهم من تميم وقيس، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوه، وكانت بنو حنيفة فريقين: فرقة مع مسيلمة وهم أهل حجر، وفرقة مع ثمامة.
وأنهم التقوا فهزمهم مسيلمة، ولم تزل سجاح في بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه، فأسلمت وحسن إسلامها
. ذكر أخبار طليحة بن خويلد
خرج طليحة بعد الأسود فادعى النبوة وتبعه عوام ونزل بسميراء، وقوي أمره، فكتب بخبره إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ سنان بن أبي سنان، وبعث طلحة خبالا ابن أخيه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره خبره، ويدعوه إلى الموادعة وتسمى بذي النون، يقول إن الذي يأتيه يقال له ذو النون، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لرسوله: «قتلك الله» ورده كما جاء، فقتل خبال في الردة، وأرسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى عوف أحد بني نوفل بن ورقاء، وإلى سنان بن أبي سنان وقضاعا أن يجادلوا طليحة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالا قد سماهم لهم من تميم وقيس، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم، ففعلوا ذلك ولم يشغل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عن مسيلمة وطليحة غير مرضه، وأن جماعة من المسلمين حاربوا طليحة وضربه مخنف ابن السليل يوما بسيف فلم يهلك، لكنه غشي عليه، فَقَالَ قوم: إن السلاح لا يحيك في طليحة، فصار ذلك فتنة، وما زال في نقصان والمسلمون في زيادة إلى أن جاءت وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فتناقص أمر المسلمين وانفض جماعة إلى طليحة مع عيينة بن حصن، وتراجع المسلمون إلى أبي بكر فأخبروه الخبر وهو يسمع ولا يكترث.
وكان من كلام طليحة: إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا بتقبيح أدباركم شيئا، فاذكروا الله قياما.
ومن كلامه: والحمام واليمام. والصرد الصوام، قد ضمن من قبلكم أعوام ليبلغن

(4/24)


ملكنا العراق والشام، والله لا نسحب ولا نزال نضرب حتى نفتح أهل يثرب.
وخرج إلى بزاخة وجاء خالد بن الوليد فنازله، فجاء عيينة إلى طليحة فقال:
ويلك، جاءك الملك؟ قال: لا فارجع فقاتل فرجع، فقاتل، ثم عاد فقال: جاءك الملك؟
قال: لا فعاد فقال: جاءك الملك؟ قال: نعم قال ما قال، قال: إن لك حديثا لا تنساه، فصاح عيينة: الرجل والله كذاب، فانصرف الناس منهزمين، وهرب طليحة إلى الشام فنزل على كلب فبلغه أن أسدا وغطفان وعامر قد أسلموا فأسلم.
وخرج نحو مكة معتمرا في إمارة أبي بكر، فمر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر:
هذا طليحة، قال: ما أصنع به خلوا عنه فقد أسلم وقد صح إسلامه وقاتل حتى قتل في نهاوند
. وكان مما جرى في مرض رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أواخر صفر
قال الواقدي: لليلتين بقينا منه، وقال غيره: لليلة، وقيل: بل في مفتتح ربيع.
قالت عائشة بدأ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يتأوه وهو في [1] بيت ميمونة فاشتد وجعه، فاستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له فخرج إلى بيتها تخط رجلاه.
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقُوتِ، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حدثنا البخاري (، حدثنا إِسْمَاعِيلُ) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي] [2] ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ يَسْأَلُ/ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فأذن له أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عائشة حتى مات عندها.
أخرجه البخاري [3] .
__________
[1] في أ: «مرضه وهو في» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» . و «حدثنا إسماعيل» ساقطة من أ.
[3] صحيح البخاري 3/ 255، حديث 1389، 8/ 144، حديث 455، 9/ 317، حديث 5217، وله بقية.

(4/25)


ومن الحوادث أن أبا بكر طلب أن يمرضه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يوسف، حدّثنا السري، عن يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفَضْلِ] [1] عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأُمَرِّضُكَ وَأَكُونُ الَّذِي أَقُومُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي إِنْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَزْوَاجِي وَبَنَاتِي وَأَهْلَ بَيْتِي عِلاجِي ازْدَادَتْ مُصِيبَتِي عَلَيْهِمْ عِظَمًا، وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» . وقد اختلف في مدة مرضه، فذكرنا ثلاث عشرة ليلة، وقيل اثنتي عشرة ليلة
. ومن الحوادث في مرضه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أن الوجع اشتد عليه
قَالَتْ عَائِشَةُ: جَعَلَ يَشْتَكِي وَيَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجَدْتَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ لا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» . [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا قبيصة، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ] [2] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذيّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم] [3] ، عن أبي سعيد الخدريّ، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سالم، عن أبيه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 12.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ» ، والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 12.

(4/26)


جئنا إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فَإِذَا عَلَيْهِ صَالِبٌ مِنَ الْحُمَّى مَا تَكَادُ تَقَرُّ يَدُ أَحَدِنَا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى، فَجَعَلْنَا نُسَبِّحُ، فَقَالَ لَنَا: «لَيْسَ أَحَدٌ أَشَدُّ بَلاءً مِنَ الأَنْبِيَاءِ، كَمَا يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلاءُ كَذِلَكَ يُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ»
. ومن الحوادث أنهم لدوه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [1]
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زِنَادٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،] [2] عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَالَتْ:
كَانَتْ تَأْخُذُ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ الْخَاصِرَةُ [فَاشْتَدَّ بِهِ جِدًّا] [3] فَأَخَذَتْهُ يَوْمًا فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، فَلَدَدْنَاهُ فَلَمَّا أَفَاقَ عَرَفَ أَنَّا قَدْ لَدَدْنَاهُ، فَقَالَ: كُنْتُمْ تَرَوْنُ أَنَّ اللَّهَ كَانَ مُسَلِّطًا عَلَيَّ ذَاتَ الْجَنْبِ؟ / مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ لَهَا عَلَيَّ سُلْطَانًا، وَاللَّهِ لا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لَدَدْتُمُوهُ إِلا عَمِّي الْعَبَّاسَ» ، قَالَتْ: فَمَا بَقِيَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لُدَّ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ نِسَائِهِ تَقُولُ: أَنَا صَائِمَةٌ، قَالُوا: تَرَيْنَ أَنَّا نَدَعُكِ [4] ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلا لُدَّ؟ فَلَدَدْنَاهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ
. وَمِنَ الْحَوَادِثِ أَنَّهُ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: أَهْرِيقُوا [5] عَلَيَّ الْمَاءَ
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا
__________
[1] اللد: أن يجعل الدواء في شق الفم.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» . والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 31.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: «ترين أن تدخل» .
[5] في الأصل: أهو يقوى.

(4/27)


أحمد بن الحجاج، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [1] ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمَّا ثَقُلَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ اشْتَدَّ [عَلَيْهِ] وَجَعُهُ فَقَالَ: أَهْرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحَلَّلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مَخْضَبٍ لِحَفْصَةَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ عَلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فصلى بِهِمْ وَخَطَبَهُمْ
. ومن الحوادث أنه خرج عاصبا رأسه فقام على المنبر وقال: إن عبدا خيره الله فبكى أبو بَكْر رضي الله عنه [2]
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابن المذهب، أخبرنا أَبُو بَكْر بْن مَالِك، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بِسْرِ بْنِ سَعِيدٍ] [3] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [الْخُدْرِيِّ] [4] قَالَ:
خَطَبَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [قَالَ] : فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا مِنْ بُكَائِهِ أَنْ خَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ [5]
. ومن الحوادث أنه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خرج فاقتص من نفسه [6] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا علي بن المديني، حدّثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[2] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 28.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سعيد» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول.
[5] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 3/ 18، وبقيته في المسند: «فقال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا غَيْرَ رَبِّي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام أو مودته، لا يَبْقَى بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلا سُدَّ إلا باب أبي بكر» .
[6] تاريخ الطبري 3/ 189.

(4/28)


مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ] [1] الْفَضْلِ بن العباس قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مَوْعُوكًا قَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «خُذْ بِيَدِي [فَضْلُ] [2] ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَ [3] حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: «نَادِ فِي النَّاسِ» فَلَمَّا اجْتَمَعُوا [4] إِلَيْهِ حَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: «أما بعد، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ [5] مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، مَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظهرا فهذا/ ظهري فليستفد مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْهُ [6] ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا [فَهَذَا عِرْضِي] [7] فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدٌ إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [8] ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي [9] وَلا مِنْ شَأْنِي، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا كَانَ لَهُ [10] أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيُّبُ النَّفْسِ، وَإِنِّي أَرَى [11] أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُغْنٍ [عَنِّي] [12] حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا» .
ثُمَّ نَزَلَ فصلى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ الأُولَى فِي الشَّحْنَاءِ وَغَيْرِهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِذَنْ وَاللَّهِ لِي عِنْدَكَ ثَلاثَةُ [13] دَرَاهِمَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّا لا نكذب
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المصنف بإسناده عن الفضل» . والخبر في تاريخ الطبري 3/ 189.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول.
[3] «فانطلق» : ساقط من الطبري.
[4] في الطبري: «فاجتمعوا» .
[5] في الأصل: خفوف، والتصحيح من الطبري.
[6] «وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فليأخذه» : العبارة ساقطة من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[8] «ولا يقولن أحد ... من رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» : العبارة ساقطة من الطبري.
[9] في الطبري: «ليست من طبعي» .
[10] في الطبري: «من أخذ مني حقا كان له» .
[11] في الطبري: «وقد أرى» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[13] في الطبري: «يا رسول الله إن لي عندك ثلاثة» .

(4/29)


قَائِلا وَلا نَسْتَحْلِفُ، فَبِمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَذكر يَوْمَ مَرَّ بِكَ الْمِسْكِينُ فَأَمَرْتَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ [1] ، قَالَ: أَعْطِهِ يَا فَضْلُ، فَأَمَرَ بِهِ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيُؤَدِّهِ فَلا يَقُولَنَّ رَجُلٌ فُضُوحُ الدُّنْيَا، فَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ» فَقَام رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: «وَلِمَ غَلَلْتَهَا؟» قَالَ: كُنْتُ مُحْتَاجًا، قَالَ: «خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ خَشِيَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ فَلْنَدْعُ لَهُ» [2] فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَكَذَّابٌ [إِنِّي لَفَاحِشٌ] [3] وَإِنِّي لَنَوَّامٌ [4] ، فَقَالَ: «اللَّهمّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا أَرَادَ» .
ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَكَذَّابٌ وَإِنِّي لَمُنَافِقٌ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ [مِنَ الأَشْيَاءِ] [5] إِلا وَقَدْ جَنَيْتُهُ، قَالَ عُمَرُ: فَضَحْتَ نَفْسَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
«يا بن الْخَطَّابِ فُضُوحُ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَإِيمَانًا، وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى خَيْرٍ» قَالَ: فَتَكَلَّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكَلامٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: «عُمَرُ مَعِي وَأَنَا مَعَ عُمَرَ، وَالْحَقُّ مَعَ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ» . قال مؤلف الكتاب: في هذا الحديث/ إشكال، والمحدثون يروونه ولا يعرف أكثرهم معناه، وهو قوله عليه السلام: «من كنت جلدت له ظهرا فليستقد» . وقد أجمع الفقهاء أن الضرب لا يجري فيه قصاص، وإنما أراد أن يعرف الناس أن من فعل ذلك ظلما فينبغي تأديته، وإلا فهو منزه عن الظلم.
ومن الحوادث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان يصلي بالناس في مدة مرضه وإنما انقطع ثلاثة أيام، وقيل: سبع عشرة
__________
[1] «فقال: أما أنا لا نكذب ... ثلاثة دراهم» : ساقط من الطبري.
[2] في الأصل: «ادع له» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[4] في الطبري: «إني لنؤوم» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/30)


صلاة، فلما أذن بالصلاة في أول ما امتنع قال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ] [1] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ [2] : لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جَاءَهُ بِلالٌ لِيُؤْذِنَهُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لا يَسْمَعُ النَّاسُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ، قَالَتْ:
فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ [3] ، فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ [مَتَى] [4] يَقُومُ مَقَامَكَ لا يَسْمَعُ النَّاسُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: «إِنَّكُنَّ صُوَيْحِبَاتُ يُوسُفَ [5] ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» .
قَالَتْ: فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ وَجَدَ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يَتَهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ [6] وَرِجْلاهُ [7] تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ قُمْ كَمَا أَنْتَ، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[2] الخبر في المسند 6/ 34، 96، 159، 202، 210، 224، 229، 270.
[3] في الأصل: «قولوا له» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول.
[5] في المسند: «إنكن لأنتن صواحب» .
[6] في الأصل: اثنين.
[7] في الأصل: «بين اثنين رجلاه» . وما أوردناه من أ، والمسند.
[8] البخاري في الصلاة، الباب 190، حديث 1 عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، والباب 219. عن

(4/31)


[ومنها أن وجعه اشتد به يوم الخميس فأراد أن يكتب كتابا]
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ] [1] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: «ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ/ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ» ، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ، قَالَ: أَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2]
. ومنها أنه أخرج شيئا من المال كان عنده
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ] [3] ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَتْ عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَضَعَهَا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كان في مرضه
__________
[ () ] قتيبة عن أبي معاوية، والباب 218 عن مسدد، عن عبد الله بن داود.
ومسلم في الصلاة، الباب 21، حديث 9 عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية ووكيع، وعن يحيى بن يحيى عن أبي معاوية والحديث رقم 7 عن منجاب بن الحارث، عن علي بن سهر، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، كلهم عن الأعمش به.
وأخرجه النسائي أيضا في الصلاة، الباب 232، حديث 2، عن أبي كريب، عن أبي معاوية.
وابن ماجة في الصلاة، الباب 181، حديث 1، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن علي بن محمد، عن وكيع.
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة.» .
[2] مسند أحمد بن حنبل 6/ 47.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سهل بن سعد» .

(4/32)


قَالَ: «يَا عَائِشَةُ ابْعَثِي بِالذَّهَبِ إِلَى عَلِيٍّ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَشَغَلَ عَائِشَةَ مَا بِهِ، فَبَعَثَتْ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَتَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ أمسى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ فِي جَدِيدِ الْمَوْتِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ النِّسَاءِ بِمِصْبَاحِهَا، فَقَالَتْ: اقْطُرِي لَنَا فِي مِصْبَاحِنَا مِنْ عَكْتَكِ السَّمْنِ، فإن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَمْسَى فِي جَدِيدِ الْمَوْتِ [1] .
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو] [2] ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ وَهِيَ مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِهَا: «يَا عَائِشَةُ، مَا فَعَلَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ؟» قَالَتْ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ: «فَأَنْفِقِيهَا» ثُمَّ غُشِيَ عَلَى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى صَدْرِهَا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أنفقتيه يا عائشة؟» قالت: لا. قالت: فدعى بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ فَعَدَّهَا فَإِذَا هِيَ سِتَّةٌ، فَقَالَ: «مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِرَبِّهِ أَنْ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ» ، فَأَنْفَقَهَا كُلَّهَا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم
. ومن الحوادث أنه صلّى الله عليه وآله وسلم أعتق في مرضه جماعة من العبيد
[أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُخْلِصِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبد السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ] [3] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
أَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ نَفْسًا
. ومن الحوادث في مرضه أنه صلّى الله عليه وآله وسلم جمع أصحابه فأوصاهم
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 34.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 32. وقد ورد في الأصل: «روى ابن سعد باسناده» .
[3] في الأصل «روى المؤلف باسناده عن سهل بن يوسف» .

(4/33)


عُمَرَ بْنُ حَيْوَيَةَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَعَى لَنَا نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا نَفْسَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي/ وَنَفْسِي لَهُ الْفِدَاءُ، فَلَمَّا دَنَا الْفِرَاقُ جَمَعَنَا فِي بَيْتِ أُمِّنَا عَائِشَةَ وَتَشَدَّدَ لَنَا، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِكُمْ حَيَّاكُمُ اللَّهُ بِالسَّلامِ [2] ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ، حَفِظَكُمُ اللَّهُ، جَبَرَكُمُ اللَّهُ، رَزَقَكُمُ اللَّهُ، رَفَعَكُمُ اللَّهُ، نَفَعَكُمُ اللَّهُ، أَحَلَّكُمُ اللَّهُ، وَقَاكُمُ اللَّهُ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأُوصِي اللَّهَ بِكُمْ وَأَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ وَأُحَذِّرُكُمُ اللَّهَ، إني لكم منه نَذِيرٌ مُبِينٌ أَلا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَبِلادِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ لِي: وَلَكُمْ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 28: 83 [3] وقال: أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ 39: 60 [4] قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى أَجَلُكَ؟ قَالَ: «دَنَا الْفِرَاقُ وَالْمُنْقَلَبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى جَنَّةِ الْمَأْوَى وَإِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِلَى الرَّفِيقِ الأَعْلَى وَالْكَأْسِ الأَوْفَى وَالْحَظِّ وَالْعَيْشِ الْهَنِيِّ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ يُغَسِّلُكَ؟ فَقَالَ: «رِجَالٌ مِنْ أَهْلِي الأَدْنَى فَالأَدْنَى» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ؟ قَالَ: «فِي ثِيَابِي هَذِهِ إِنْ شِئْتُمْ أَوْ ثِيَابِ مِصْرَ أَوْ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ وَبَكَيْنَا وَبَكَى، فَقَالَ: «مَهْلا رَحِمَكُمُ اللَّهُ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ خَيْرًا، إِذَا أَنْتُمْ غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي فِي بَيْتِي [هَذَا] ، ثُمَّ اخْرُجُوا عِنِّي سَاعَةً، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ حَبِيبِي وَخَلِيلِي جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَهُ جُنُودٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ بِأَجْمَعِهِمْ، ثم ادخلوا فوجا فوجا. فصلوا عَلَيَّ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَّةٍ وَلا بِرَنَّةٍ، وَلْيَبْتَدِئْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِي ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْدُ، وَاقْرَءُوا السَّلامَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِي، وَاقْرَءُوا السَّلامَ عَلَى من تبعني على [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن مسعود» . والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 46، 47.
[2] في الأصل: «وحماكم الله بالإسلام» . وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[3] سورة: القصص الآية: 83.
[4] سورة: الزمر الآية: 60.
[5] في الأصل: «من» .

(4/34)


دِينِي مِنْ يَوْمِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُدْخِلُكَ قَبْرَكَ؟ / قَالَ:
أَهْلِي مَعَ مَلائَكَةٍ كَثِيرٍ يَرَوْنَكُمْ وَلا تَرَوْنَهُمْ
. ومن الحوادث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خير عند موته
[أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بن محمد، أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة [1] ، حدثنا محمد بن سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ] [2] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كُنْتُ أَسْمَعُ [3] أَنَّهُ لا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فِي مَرَضِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً 4: 69 [4] . فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ [5]
. ومن الحوادث في مرضه صلّى الله عليه وآله وسلم ما جرى له مع ابنته فاطمة رضي الله عنها.
[أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ] [6] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي» ، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يمينه- أو عن شماله- ثم أنه أسر إليها حديثا
__________
[1] في أ: «الحسن بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة» . وساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عائشة» .
[3] في المسند، وابن سعد والأصل: «كنت سمعت» .
[4] سورة: النساء، الآية: 69.
[5] الخبر في المسند 6/ 176، وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 26، 27.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن عائشة» .

(4/35)


[فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: اسْتَخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ثُمَّ تَبْكِينَ. ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا] [1] فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا قُبِضَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ] [2] سَأَلْتَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيَّ فَقَالَ: «إن جبريل عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَاهُ إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقًا بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ» فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «أَلا ترضين أن تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ- أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ» ، قَالَتْ: فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [3]
. ومن الحوادث في مرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ تردد جبريل عليه السلام إليه ثلاثة أيام قبل أن يموت برسالة من الله عز وجل
يقول له: كيف تجدك، وكان ذلك في يوم السبت والأحد [والاثنين] ، واستئذان ملك الموت عليه في يوم الاثنين.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَرْمَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْفَرَضِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرِّيَاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْجَوْنِ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ] [4] ، عن أبي هريرة:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والمسند.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من المسند.
[3] مسند أحمد بن حنبل 6/ 282، والبخاري في المناقب الباب 25، حديث 51، عن أبي نعيم، عن زكريا بن أبي زائدة، وفي الاستئذان، الباب 43، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عوانة، كلاهما عن فراس، عن الشعبي.
ومسلم في الفضائل، الباب 61، حديث 7، عن أبي كامل الجحدري، عن أبي عوانة، والحديث 8، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عَبْد الله بن نمير، كلاهما عن عبد الله بن نمير، عن زكريا.
وأخرجه أيضا النسائي في الكبرى على ما في تحفة الأشراف (12/ 312) .
وأخرجه ابن ماجة في الجنائز، الباب 64، حديث 4، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ» .

(4/36)


أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكَ السَّلامَ/ وَيَقُولُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي وَجِعًا يَا أَمِينَ اللَّهِ» . ثُمَّ جَاءَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا أَمِينَ اللَّهِ وَجِعًا» ثم جاءه الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا أَمِينَ اللَّهِ وَجِعًا، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟» قَالَ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ، وَهَذَا آخِرُ عَهْدِي بِالدُّنْيَا بَعْدَكَ، وَآخِرُ عَهْدِكَ بِهَا، وَلَنْ آسَى عَلَى هَالِكٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بَعْدَكَ، وَلَنْ أَهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ أَبَدًا، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَكْرَةَ الْمَوْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، فَكُلَّمَا وَجَدَ سَكْرَةَ الْمَوْتِ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَقُولُ: «اللَّهمّ أَعِنِّي عَلَى سَكْرَةِ الْمَوْتِ» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، بِإِسْنَادِهِ [1] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: حَدَّثُونَا] [2] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا بَقِيَ مِنْ أَجَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ثَلاثٌ نَزَلَ جِبْرِيلُ مَغْمُومًا [3] ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا [لَكَ] [4] وَتَفْضِيلا لَكَ، وَخَاصَّةً بِكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ [لَكَ] [5] : كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» . فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي هبط إليه جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلا لَكَ وَخَاصَّةً بِكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ:
كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: «أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا» . فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثِ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، وَهَبَطَ [مَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَنَزَلَ] [6] مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ يَسْكُنُ الْهَوَاءَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاءِ قَطُّ وَلَمْ يَهْبِطْ إِلَى الأَرْضِ مُنْذُ يَوْمِ كَانَتِ الأرض على
__________
[1] إسناده كما سبق: «مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن سعد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جعفر بن محمد» . والخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 48.
[3] «مغموما» : ساقط من ابن سعد، وفي أ: «نزل عليه جبريل فقال» .
[4] ، (5) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.

(4/37)


سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لَيْسَ مِنْهُمْ مَلَكٌ إِلا عَلَى سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَسَبَقَهُمْ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلا لَكَ، وَخَاصَّةً بِكَ، يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، وَيَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: / يَا أَحْمَدُ، هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ وَلَمْ [يَسْتَأْذِنْ عَلَى آدَمِيٍّ كَانَ قَبْلَكَ وَلا] [1] يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ، قَالَ: «ائْذَنْ لَهُ» ، فَدَخَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُنِي، إِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ نَفْسَكَ قَبَضْتُهَا، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهَا تَرَكْتُهَا، قَالَ: «وَتَفْعَلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟» قَالَ: أُمِرْتُ بِذَلِكَ أَنْ أُطِيعَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: [يَا أَحْمَدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَيْكَ، قَالَ:
«فَامْضِ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ» ، قَالَ جِبْرِيلُ] [2] : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا آخِرُ مَوَاطِئِي الأَرْضَ [3] ، إِنَّمَا كُنْتَ حَاجَتِي مِنَ الدُّنْيَا.
فتوفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَالْحِسَّ وَلا يرون الشخص: السلام عليكم يا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ 3: 185 [4] ، فِي اللَّهِ عَزَاءً عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فباللَّه فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، إِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ
. ومن الحوادث استعماله للسواك قبل موته صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابن أعين، حدثنا الفربري، حدثنا البخاري، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن أَبَا عَمْرٍو ذكر، أَنَّ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، أن] [5] عائشة كانت تقول:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] في الأصل: موطني من الأرض.
[4] سورة: آل عمران، الآية 185.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأوردناه من ابن سعد.

(4/38)


إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنّ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ [فِي بَيْتِي] وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَدَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ سِوَاكٌ وَأَنَا مِسْنَدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ وَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نعم، فناولته فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ وَأَخَذَهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ- أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عَمْرٌو- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٌ» [1] ، ثُمَّ يَصُبُّ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «في الرفيق الأعلى» ، حتى قبض/ وَمَالَتْ يَدَهُ.
ومن ذلك أنه عاتب نفسه على كراهة الموت.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَن أَبِي الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَكِ شَكْوَى إِلا سَأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ حَتَّى كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيه، فإنه لَمْ يَكُنْ يَدْعُو بِالشِّفَاءِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: «يَا نَفْسُ مَالَكِ تَلُوذِينَ كُلَّ مَلاذٍ»
. ومن الحوادث عند موته صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وصيته بالصلاة
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الَقاضِي أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ أَخِي سُمَيٍّ، حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْبَلَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتْ وصية رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: «الصَّلاةُ وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم» حتى جعل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لسانه.
__________
[1] في الأصل: «للموت حسرات» .

(4/39)


ومن الحوادث في مرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أنه كشف الستر يوم الاثنين وقت صلاة الفجر فنظر إلى الناس وهم يصلون
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ [2] :
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي وَجَعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ وَهُمْ [صُفُوفٌ] [3] فِي الصَّلاةِ، فَكَشَفَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ فَضَحِكَ [4] فَهَمَمْنَا أَنْ نُفْتَتَنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلاةِ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنْ أَتِّمُوا صَلاتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ [5] فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ
. ذكر وقت موته صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ
توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يوم الاثنين نصف النهار، وربما قيل عند اشتداد الضحى لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
__________
[1] كذا في الأصول المخطوطة، وإسناده عن عبد الأول إلى البخاري كما في الروايات السابقة: «عن عبد الأول، عن ابن المظفر، عن العزيزي، عن البخاري» .
[2] أخرجه البخاري في صحيحه في الصلاة، الباب 197، حديث 3، عن أبي اليمان 2/ 164، حديث رقم 680.
[3] ما بين المعقوفتين من البخاري.
[4] من البخاري: «يضحك» .
[5] في البخاري: «وأرخى» .

(4/40)


ولد النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، [وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ] [1] ، وَتُوُفِّيَ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وَرَفَعَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ» [2] .
وَقَالَ غَيْرُهُ: بُعِثَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ
. ذكر الثياب التي توفي فيها رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحسن بن علي، أخبرنا أَبُو بَكْر بْن مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ:
أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً مُلَبَّدًا، وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في هذين.
أخرجاه في الصحيحين [3] .
__________
[1] في الأصول: وقدم يوم الإثنين وتوفي يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَرَفَعَ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
[2] الخبر في المسند 1/ 277، وأورده الهيثمي في المجمع 1/ 196، وعزاه للطبراني في الكبير، وزاد فيه «وفتح بدرا يوم الإثنين ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين، قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وبقية رجاله من أهل الصحاح.
[3] أخرجه البخاري في اللباس، الباب 19، حديث 3، عن محمد عن إسماعيل بن علية، وفي الخمس، الباب 5، حديث 3، عن ابن بشار، عن عبد الوهاب الثقفي، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ أَبِي بردة، وقال عقب حديث الثقفي: وزاد سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عن أبي بردة: أخرجت إلينا عائشة إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة.
وأخرجه مسلم في اللباس، الباب 5، حديث 1، عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، وحديث 2 عن علي بن حجر ومحمد بن حاتم ويعقوب بن إبراهيم، ثلاثتهم عن إسماعيل بن علية، وحديث رقم 3 عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب.
وأخرجه أبو داود في اللباس، الباب 7، حديث 1 عن موسى عن حماد وسليمان بن المغيرة، كلاهما عن حميد بن هلال.

(4/41)


ومن الحوادث اختلاف أصحابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هل مات أو لا فأعلمهم بموته أبو بكر والعباس رضي الله عنهما
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ [بْنُ إِبْرَاهِيمَ] [1] بْنِ سَعْدٍ، [عَنْ أَبِيهِ] [2] ، عَنْ صَالِحِ [بْنِ كَيْسَانَ] [3] ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا [4] ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ [خَطِيبًا] [5] فَقَالَ: لا أَسْمَعَنَّ أَحَدًا يَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَلَكِنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِ كَمَا أُرْسِلَ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. فَلَبِثَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَاتَ [6] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَا زَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَكَلَّمُ وَيُوعِدُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى أَزْبَدَ شِدْقَاهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَأْسَنُ كَمَا يَأْسَنُ الْبَشَرُ، وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ، أَيُمِيتُ أَحَدُكُمْ إِمَاتَةً وَيُمِيتُهُ إِمَاتَتَيْنِ؟ هُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ فَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ التُّرَابَ فَيُخْرِجُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [7] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَقْتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَرْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بكير، قال: حدّثنا الليث، عن
__________
[ () ] الترمذي في اللباس الباب 10، حديث 1، عن أحمد بن منيع، عن إسماعيل، وقال: حسن صحيح.
وابن ماجة في اللباس، الباب 1، حديث 2 عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن سليمان.
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[4] «بكاء شديدا» : ساقط من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 53.
[7] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 53.

(4/42)


عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سلمة، أن وعائشة أَخْبَرَتْهُ [1] :
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنُحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ أَحَدًا [2] حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَهُوَ مَغْشِيٌّ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى. ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَاللَّهِ لا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مِتَّهَا.
وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ [3] : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: «أَمَّا بَعْدُ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً] وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ 3: 144 [4] قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاهَا أَبُو بكر: فتلقاها منه النَّاسُ كُلُّهُمْ [5] ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا إِلا يَتْلُوهَا.
وَأَخْبَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ [6] : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ
__________
[1] أخرجه البخاري 8/ 145، حديث 4452، 4453 في كتاب المغازي الباب 84، وأخرجه أيضا في الجنائز، الباب 3، حديث 1، عن بشر بن محمد، عن ابن المبارك، عن معمر ويونس، وفي المناقب الباب 34، حديث 9 عن إسماعيل بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عن هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ نحوه.
وأخرجه النسائي في الجنائز، الباب 11، حديث 3، عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك.
وأخرجه ابن ماجة في الجنائز، الباب 65، حديث 1 عن علي بن محمد، عن أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة، عن عائشة.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 2/ 253، 256.
[2] «أحدا» ساقطة من البخاري.
[3] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 56.
[4] سورة: آل عمران، الآية: 144.
[5] في الأصل: «فتلقاها الناس منه كلهم» والتصحيح من ابن سعد.
[6] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 56.

(4/43)


سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاهَا فَعَقَرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلاي، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، [وَعَرَفْتُ] [1] حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاهَا [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ] [2]
. ذكر سنة يوم مات صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
[أَخْبَرَنَا الْكَرُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الأَزْدِيُّ، وَأَبُو بكر التبوذجي، قال: أخبرنا الجراحي، حدّثنا الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدّثنا محمد بن بشار، حدّثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ] [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [4] .
وَقَدْ رَوَى خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَرَوَى سِتِّينَ، [وَالأَوَّلُ أَصَحُّ] [5]
. ذكر غسله وتكفينه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حسين بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من طبقات ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[4] أخرجه البخاري بهذا الإسناد في المبعث، المناقب، الباب 88، عن أحمد بن أبي رجاء، عن النضر، والباب 105، حديث 6 عن مطر بن الفضل، عن روح، كلاهما عن هشام، وبه زيادة.
وأخرجه الترمذي في المناقب، الباب 6، حديث 1، عن محمد بن إسماعيل به وقال: حسن صحيح.
وأخرجه أيضا في نفس الموضع حديث 2، عن محمد بن إسماعيل بهذا الإسناد، بلفظ: «قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو ابن خمس وستين سنة، وقال: هكذا هو، وروي عنه محمد بن إسماعيل ذلك، وفيه: «توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/44)


عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ] [1] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلا أَهْلُهُ: عَمُّهُ الْعَبَّاسُ [بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ] [2] ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ [بْنِ حَارِثَةَ] ، وَصَالِحٌ مَوْلاهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِغُسْلِهِ نَادَى مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ الأَنْصَارِيُّ-[ثَمَّ أَحَدُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ] [3] ، وَكَانَ بَدْرِيًّا- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ، نَشَدْتُكَ اللَّهَ، وَحَظُّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ادْخُلْ، فَدَخَلَ فَحَضَرَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلِ مِنْ غُسْلِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ أُسَامَةُ وَصَالِحٌ يَصُبَّانِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يُغَسِّلُهُ، وَلَمْ يَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ شَيْئًا/ مِمَّا يُرَى مِنَ الْمَيِّتِ [4] ، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمِيِّتًا. حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، جَفَّفُوهُ، ثُمَّ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ، ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ حِبَرَةٍ، ثُمَّ دَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ- وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَصْرُخُ لأَهْلِ مَكَّةَ- وَلِيَذْهَبِ الآخَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيِّ- وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يُلَحِدُّ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْعَبَّاسُ لَهُمَا حِينَ سَرَّحَهُمَا: اللَّهمّ خِرْ لِرَسُولِكَ [5] قَالَ: فَذَهَبَا، فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أبا عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [6] .
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو منصور محمد بن محمد العكبريّ، أخبرنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «مما يراه من الميت» .
[5] في الأصل: «اللَّهمّ خر لرسول الله» ، وما أوردناه من أ، والمسند.
[6] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 260.

(4/45)


أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ] [1] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَغُسِّلَ ثَلاثَ غَسْلاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: [وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن عروة، عن أبيه] [2] ، عن عائشة، قالت:
كفن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حدثنا عبد الله بن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ] [3] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا نَصْنَعُ؟
أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ كما نجرد موتانا، أن نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟
[قَالَتْ] : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السِّنَةَ، حَتَّى وَاللَّهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ مِنْ رَجُلٍ إِلا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ نَائِمًا.
قَالَتْ: ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ، فَقَالَ: اغْسِلُوا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. قَالَتْ: فَثَارُوا إِلَيْهِ فَغَسَّلُوا رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [4] وَهُوَ فِي قَمِيصِهِ يُفَاضُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ، وَتُدَلِّكُهُ الرِّجَالُ بِالْقَمِيصِ. وَكَانَتْ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ/ مِنَ الأَمْرِ [5] مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلا نساؤه [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين من أ، والأصل: «روى المؤلف باسناده عن جعفر بن محمد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى أبو بكر بإسناده عن عائشة» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن عائشة» .
[4] في الأصل: «فغسلوه» .
[5] في الأصل: «من أمري» .
[6] الخبر في المسند 6/ 267.

(4/46)


[قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ] [1] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قال:
كان الماء يستبقع فِي جُفُونِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَكَانَ عَلِيٌّ يَحْسُوهُ
. ذكر الصلاة عَلَيْهِ عَلَيْهِ السلام
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعُكْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ] [2] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
صُلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِغَيْرِ إِمَامٍ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ [3] الْمُسْلِمُونَ زُمُرًا فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَيْهِ نَادَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَلُّوا الْجِنَازَةَ وَأَهْلَهَا [4] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ] [5] ، قَالَ:
لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وُضِعَ فِي أَكْفَانِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى سريره، فكان الناس يصلون عليه رفقا رُفَقًا وَلا يَؤُمُّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، دَخَلَ الرِّجَالُ فصلوا عليه ثم النساء
[6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ، والأصل: «روى الإمام أحمد بإسناده عن جعفر بن محمد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد بن جعفر» .
[3] في الأصل: «يدخلون المسلمون» والتصحيح من الطبقات.
[4] في الأصل: «خلوا الجنازة لأهلها» .
والخبر في طبقات ابن سعد، عن محمد بن عمر، عن سفيان به 2/ 2/ 70.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل، «روى المؤلف بإسناده عن سهل بن سعد الساعدي قال:» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 69.

(4/47)


ذكر قبره صلّى الله عليه وآله وسلم
[أخبرنا هبة الله بن محمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ] [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي.
أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلّى الله عليه وآله وسلم حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سمعت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلا حَيْثُ يَمُوتُ» فَأَخَّرُوا فِرَاشَهُ وَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ محمد بن محمد العكبري، أخبرنا أبو الحسين بن شران، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ] [2] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا مات النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالُوا: أَيْنَ نَدْفِنُهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ [3] .
[قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ] [4] ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
جُعِلَ فِي قبر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: جَعَلُوهَا لأَنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ سَبَخَةٌ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ علي بن أبي طالب، عن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي جريح، قال» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 71.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى أبو بكر بإسناده عن الحسن، وأبو بكر هو ابن أبي الدنيا» .

(4/48)


أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّهُ نَزَلَ فِي حفرة النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ هُوَ وَعَبَّاسٌ وَعُقَيْلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ] [1] ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، وَهُمُ الَّذِينَ وَلُوا كَفَنَهُ [2] . [قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ صَالِحٍ مُوْلَى التَّوْأَمَةِ] [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
نَزَلَ فِي حفرة رسول الله/ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَشُقْرَانُ [4] .
[وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ] [5] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ فِي السَّحَرِ [6] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ] [7] ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
رُشَّ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْمَاءُ [8]
. ندب فاطمة رضي الله عنها
[9] [أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابن أعين، حدّثنا الفربري، حدّثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن عمرو أن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ وَهُمُ الَّذِينَ وَلُوا كَفَنَهُ» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 76.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن ابن عباس» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 77.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن عائشة» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 79.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن جابر بن عبد الله» .
[8] الخبر في طبقات ابن سعد.
[9] في الأصل: «ندب فاطمة عليها السلام» .

(4/49)


الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا ثَقُلَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ [2] ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السلام: وا كرب أَبَتَاهُ [3] ، فَقَالَ [لَهَا] : «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ أَنْعَاهُ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ التُّرَابَ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [4]
. ندب أبي بكر رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الباقي، أخبرنا الجوهري، أخبرنا ابن حيوية، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابِنُوسَ] [5] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا توفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَرَفَعَ الْحِجَابَ فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَاسْتَرْجَعَ، فَقَالَ: مات والله رسول الله، ثم تحول من قبل رأسه، فقال:
وا نبياه، [ثُمَّ حَدَرَ فَمُهُ فَقَبَّلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رأسه فقال: وا خليلاه] [6] ، ثُمَّ حَدَر فَمُهُ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ رَفَعَ رأسه، فقال: وا صفياه، ثُمَّ حَدَرَ فَمُهُ فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ سَجَّاهُ بالثوب ثم خرج [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[2] «الكرب» ساقطة من البخاري طبعة الحلبي.
[3] في البخاري: «وا كرب أباه» .
[4] صحيح البخاري 3/ 68، 69 (الحلبي) ، حديث رقم 4462، فتح الباري 8/ 149، وابن ماجة في الجنائز، الباب 65، حديث 4، وطبقات ابن سعد 2/ 2/ 83.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة، قالت» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. أوردناه من ابن سعد.
[7] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 52.

(4/50)


ندب حسان بن ثابت
روى السكري، عن ابن حبيب، أن حسان قال يرثي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بهذه الأبيات [1] :
ما بال عيني [2] لا تنام كأنها ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد؟
جزعا على المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد [3]
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم؟ ... يا لهف نفسي ليتني لم أولد
بأبي وأمي من شهدت وفاته ... في يوم الاثنين النبي المهتدي
/ فظللت بعد وفاته متلددا ... يا ليتني أسقيت سم الأسود [4]
يا بكر آمنة المبارك ذكره ... ولدتك محصنة بسعد الأسعد [5]
نورا أضاء على البرية كلها ... من يهد للنور المبارك يهتد
والله أسمع ما حييت بهالك ... إلا بكيت على النبي محمد [6]
صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على النبي محمد [7]
وقال أيضا:
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما ... يضربن فوق قفا ستر [8] بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المسوح وقد ... أيقنّ بالبؤس بعد النّعمة البادي
__________
[1] الأبيات في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 91، 92.
[2] في أ، والأصل: «ما بال عينك» . وما أوردناه من ابن سعد.
[3] في ابن سعد: «ليتني كنت المغيب في الضريح الملحد» .
[4] في ابن سعد: «يا ليتني صبحت سم» .
[5] هذا البيت والّذي يليه جاءا في ابن سعد بعد البيت الثاني هنا.
[6] في الأصل: «والله ما أسمع» وكلما «ما» زائدة تخل بالوزن.
[7] في طبقات ابن سعد: «على المبارك أحمد» .
[8] في ابن سعد: «خلف قفا ستر» .

(4/51)


ذكر ما جرى من الخلاف في المبايعة يوم موته صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرَقِنْدِيُّ، قَالا: أخبرنا أبو الْحَسَنُ بْنُ النَّقُّورِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ عمَرْوِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلِيفَةَ الْمَازِنِيِّ] [1] ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ:
لَمَّا تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ بَلَغَ الْمُهَاجِرِينَ أن لأنصار قَدْ أَقْعَدُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَبَايَعُوهُ بِالْخِلافَةِ، فَدَخَلَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ ذَلِكَ وَحْشَةٌ، وَأَطَافَ كُلُّ بَنِي أَبٍ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَالِسٌ لا يَشْعُرُ حَتَّى خَرَجَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بُنِيَتْ له وسادة، ودعي إِلَى نَفْسِهِ وَأَجَابَهُ مَنْ أَجَابَهُ نَقْضًا لِعَهْدِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، انْهَضْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حين دَعَا الْقَبَائِلَ وَوَعَدَهُمُ الظُّهُورَ، قَالُوا: لِمَنِ الْخِلافَةُ بعدك، فإذا قال لقريش تركوه، وكان أول مَنْ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ الأَنْصَارُ.
[حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ] [2] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
[صَلَّى] [3] أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الظَّهْرَ لِلنَّاسِ يَوْمَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ جَاءَ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ قَدْ أَمَّرَتْ سَعْدَ بن عبادة، ولما انصرف الناس من الظهر تَخَلَّفُوا وَأَقْبَلَ الْعَبَّاسُ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ [4] ، فَقَالَ: [يَا] [5] أَيُّهَا النَّاسُ/ مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ، إِنَّ مُخْبِرًا أَخْبَرَنِي وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَانْهَضْ إِلَيْهِمْ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَيَدُلُّنَا عَلَى صِدْقِ الَّذِي أَتَاكَ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَنَّهُ لم يصلّ معنا منهم أحد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الضحاك بن خليفة» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عباس» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في أ: «حتى أوقف عليهم» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(4/52)


قال مؤلف الكتاب [1] : وسيأتي حديث السقيفة في بيعة أبي بكر رضي الله عنه إن شاء الله
. ذكر خلافة أبي بكر الصديق وأحواله ذكر اسمه ونسبه
[2] اسمه عبد الله بن أبي قحافة، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة بن كعب بن لؤي، ويكنى أبا بكر. وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر.
قال أبو الحسن بن البراء ولد أبو بكر بمنى.
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال:
[أحدهما: مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي] [3] عَنْ عَائِشَةَ [4] :
أَنَّهَا سُئِلَتْ: لِمَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَتِيقًا؟ فَقَالَتْ: نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَذَا عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتُ طَلْحَةَ] [5] ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ:
إِنَّنِي لَفِي بيتي ورسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِنَاءِ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمُ السِّتْرُ، إذ أقبل أبو
__________
[1] في الأصل: «قال المؤلف» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 119.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 120.
[5] من أ، وفي الأصل: «قال محمد بن سعد عن عائشة» .

(4/53)


بَكْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» . [قَالَتْ:] وَإِنَّ اسمه الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ [بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرٍو] [1] ، لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ عَتِيقٌ [2] .
والثاني: أنه اسمه، سمته به أمه. قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه. قاله الليث بن سعد. وقال ابن قتيبة: لقبه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بذلك لجمال وجهه. وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ صِدِّيقًا، قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خليفة، أبو بكر الصديق لا يَلْبَثُ إِلا قَلِيلا» . وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَحْلِفُ باللَّه أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقَ. [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، حَدَّثَنَا] [3] أَبُو وَهْبٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هريرة: أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لِجِبْرِيلَ: «إِنَّ قَوْمِي لا يُصَدِّقُونِي» ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ الصِّدِّيقُ
. ذكر صفته رضي الله عنه
كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفا أبيض، حسن القامة، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتىء الجبهة، أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع [4] ، يخضب بالحناء والكتم، وكان كريما عالما بأنساب العرب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 120.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي وهب مولى أبي هريرة» والخبر في الطبقات 3/ 1/ 120.
[4] هذا القول من طبقات ابن سعد في رواية عن محمد بن عمر بإسناده عن عائشة.

(4/54)


[أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعَنْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخْلِصُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، عَنْ حُمَيْدٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن الفهم، أخبرنا محمد بن سعد، أخبرنا عمرو بن الهيثم، حدثنا الربيع] [2] ، عن حيان الصائغ، قال:
[كان] نقش خاتم أبي بكر رضي الله عنه «نعم القادر الله» .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ] [3] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَتَّمَ فِي الْيَسَارِ
. ذكر تقدم إسلامه رضي الله عنه
[قَدْ رُوِينَا] [4] عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِبْرَاهِيمِ النَّخْعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجُشُونَ، وَعُثْمَانَ بْنِ محمد الأَخْنَسِيِّ، كُلُّهُمْ قَالُوا:
أَوَّلُ الْقَوْمِ إِسْلامًا أَبُو بَكْرٍ [5] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وعن أنس» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حيان الصائغ» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن جعفر» .
[4] في الأصل: «روى المؤلف» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 121.

(4/55)


الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] [1] :
أَوَّلُ مَنْ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِأَبْيَاتِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذكر أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا ... إِلا النَّبِيَّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا
الثَّانِي التَّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا
ذكر أزواجه وأولاده رضي الله عنه
تزوج في الجاهلية امرأتين، إحداهما: قتيلة بنت عبد العزى، فولدت له عبد الله وأسماء ذات النطاقين. والثانية: أم رومان بنت عامر، وولدت له عبد الرحمن وعائشة.
وتزوج في الإسلام امرأتين، إحداهما: أسماء بنت عميس، فولدت له محمدا، وكانت عند جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قبله، فولدت له محمدا، وتزوجها بعد أبي بكر علي رضي الله عنهما، فذكر أنها ولدت منه ولدا اسمه محمد، فكان يقال لها أم المحمدين.
والزوجة الثانية: حبيبة بنت خارجة بن زيد، فولدت له أم كلثوم بعد وفاته، وكان أبو بَكْر لما هاجر إلى المدينة نزل على أبيها خارجة بن زيد فتزوجها
. ذكر أفعاله الجميلة في الإسلام وفضائله ونفقته رضي الله عنه
قد بينا أنه أول من أسلم وشهد بدرا والمشاهد كلها.
[أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الحسن، حدّثنا بشر بن
__________
[1] في الأصل: «روى المؤلف عن ابن عباس قال:» .

(4/56)


مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ تَدْرُسَ] [1] ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ:
أَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي [بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] ، فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبَكَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا وَإِنَّ لَهُ غَدِائِرَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ: [وَيْلَكُمْ] [2] أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، قَالَ: فَلَهُوا عن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ [فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ] فَجَعَلَ لا يُمِيرُ شَيْئًا مِنْ غَدَائِرِهِ إِلا جَاءَ مَعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: تَبَارَكْتَ يَا ذَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ] [3] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم الْحَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْعَطُوفِ، قَالَ: سَمِعْتُ] [3] الزُّهْرِيَّ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: «هَلْ قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا» ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ:
«قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ» ، فَقَالَ:
وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمَنِيفِ وَقَدْ ... طَافَ الْعَدُوُّ بِهِ إِذْ صَعَدَ الْجَبَلا
وَكَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلا
فَضَحِكَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: «صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ، هُوَ كَمَا قُلْتَ» [4] .
[أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانُ ابْنُ ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هشام بن سعد] [5] ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسماء» . والخبر في مسند الحميدي ص 155، برقم 323.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الزهري قال» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 123.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن زيد بن أسلم» .

(4/57)


بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
«مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ [1] ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ] [2] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ/ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ:
وهل أنا ومالي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ [3] . [أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمْدَانَ بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ يُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ] [4] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَى بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلا سُدَّ إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» [5] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [6] .
وَفِي إِفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ فِي أَمْرٍ جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين» .
__________
[1] «حدثنا أبو معاوية» ساقطة من أ، وأوردناها من المسند.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي هريرة» .
[3] الخبر في المسند 2/ 253، وأيضا 2/ 366 مع اختلاف في اللفظ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سعيد» .
[5] على هامش أ: «لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر، كذا في صحيح البخاري» .
[6] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل بلفظه 3/ 18.

(4/58)


ومن أعظم فضائل أبي بكر رضي الله عنه فتواه في حضرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ] [1] ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [عَلا رَجُلا] [2] مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بينة فله سلبه، فقمت فقلت: من يشهد لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ [ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قتيلا له عليه بينة فله سلبه. فقمت، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ] [3] ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْتُ عليه الْقِصَّةَ] فَقَالَ رَجُلٌ: صِدِّيقٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلْبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه: لاها اللَّهُ إِذًا لا تَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ نعطيك سلبه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: «صدق فأعطه» [4]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي قتادة» .
[2] في الأصل: «على رجل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، استدركناه من البخاري.
[4] الحديث في صحيح البخاري 6/ 347، حديث رقم 3142، كتاب فرض الخمس، باب: «من لم يخمس الاسلاب» ، وفي البيوع الباب 37 عن القعنبي، وفي المغازي، الباب 55، حديث 7 عن عبد الله بن يوسف، كلاهما عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ عمر بن كثير بن أفلح، وفي الأحكام الباب 21، حديث 1، عن قتيبة.
وأخرجه مسلم في المغازي، الباب 15، حديث 2، عن قتيبة، وحديث 1 عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن يحيى بن سعيد، وحديث 3 عن أبي الطاهر بن السرح، عن ابن وهب، عن مالك.
وأخرجه أبو داود في الجهاد، الباب 147، حديث 1 عن القعنبي.
وأخرجه الترمذي في السير، الباب 13، حديث 1 عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن معن، عن

(4/59)


[أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ] [1] ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدً، قَالَ:
كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي [2] عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ/ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: «يَا بِلالُ إِنْ حَضَرَتِ الصَّلاةُ وَلَمْ آتِ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» . [قَالَ] [3] : فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ بِهِمْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعد ما دَخَلَ [4] أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ صَفَّحُوا وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَشُقُّ [5] النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، [قَالَ] : [6] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ، فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لا يُمْسَكُ عَنْهُ، الْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنِ امْضِهِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ كَهَيْئَتِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى، [قَالَ] [7] : فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فصلى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ [8] ، مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ [أَنْ] لا تَكُونَ مَضَيْتَ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَكُنْ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ: «إِذَا نَابَكُمْ فِي صَلاتِكُمْ [شَيْءٌ] فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيَصَفِّحِ النِّسَاءُ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [9] .
__________
[ () ] مالك، وحديث 2 عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، وقال: حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في الجهاد، الباب 29، حديث 3 عن محمد بن الصباح، عن سفيان.
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الإمام أحمد بإسناده عن سهل» .
[2] في الأصول: «كان فتاك في بني عمرو» وما أوردناه من المسند.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[4] في الأصل: «وما دخل» .
[5] في الأصل: «فلما رآه الناس صفحوا فجاء يشق» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من المسند.
[8] في الأصل: «يا أبا حكم» .
[9] مسند أحمد بن حنبل 5/ 332، والبخاري في الأحكام الباب 36، عن أبي النعمان، وسليمان بن حرب. وأبو داود في الصلاة. الباب 174، الباب 3 عن عمرو بن عون.
والنسائي في الصلاة، الباب 207 عن أحمد بن عبده.

(4/60)


[أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْجَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الْعَشْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ شَمْعُونَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ] [1] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدِّرِه بِخِلالٍ، [فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا لِي أَرَى أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلالٍ؟] [2] فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَيَّ قَبْلَ الْفَتْحِ» [3] ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: قُلْ لَهُ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟» ، فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه: أأسخط عَنْ رَبِّي، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف [4] ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، قَالَ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرُوفًا بِالتِّجَارَةِ، وَلَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَكَانَ يَعْتِقُ مِنْهَا وَيُقَوِّي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِخَمْسَةِ آلاف درهم، ثم كان يفعل فيها مَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ.
قال علماء السير: لم يفته مشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، حضر يوم بدر، ويوم أحد ودفع/ إليه رايته العظيم يوم تبوك، واشترى بلالا فأعتقه، وأول من جمع القرآن، وأسلم على يده من العشرة خمسة: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن، ولم يشرب مسكرا لا في جاهلية ولا إسلام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عمر» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من: أ.
[3] في الأصل: «الصبح» والتصحيح في أ.
[4] في أ: «حيويه بن معروف» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن زيد بن أسلم» .

(4/61)


ذكر ورعه رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ، ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْفَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زيد بن أَسْلَمَ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ] [1] ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كَانَ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مملوك يغل عليه، فأتاه ليلة بطعام فتناول مِنْهُ لُقْمَةً، فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: مَا لَكَ كُنْتَ تَسْأَلُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَمْ تَسْأَلْنِي اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ الْجُوعُ، مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذَا؟ قَالَ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَقَيْتُ لَهُمْ فَوَعَدُونِي، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ مَرَرْتُ بهم فَإِذَا عُرْسٌ لَهُمْ، فَأَعْطُونِي، فَقَالَ: أُفٌّ لَكَ، كِدْتَ أَنْ تُهْلِكَنِي، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي حَلْقِهِ فَجَعَلَ يَتَقَيَّأُ وَجَعَلَتْ لا تَخْرُجُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ لا تَخْرُجُ إِلا بِالْمَاءِ، فَدَعَا مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ يَشْرَبُ وَيَتَقَيَّأُ حَتَّى رَمَى بِهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ هَذِهِ اللُّقْمَةِ، قَالَ: لَوْلا تَخْرُجُ إِلا مَعَ نَفْسِي لأَخْرَجْتُهَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» . فَخَشِيتُ أَنْ يَنْبُتَ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِي مِنْ هَذِهِ اللُّقْمَةِ.
روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم النخلي قال:
كان أبو بكر يسمى الأواه، لرأفته ورحمته
. ذكر خوفه وزهده رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ كَثِيرِ النَّوَاءِ] [2] ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلا إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أواه منيب القلب. [قال محمد بن سعد: وأخبرنا عفان [3] ، حدثنا عبد الواحد بن زياد، [قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن زيد بن أرقم» .
[2] من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي سريحة» .
[3] في أ: «أخبرنا عبدان» والتصحيح من ابن سعد 3/ 1/ 120.

(4/62)


حَدَّثَنَا] [1] الحسن بن عبد الله، [قال: حدثنا] [2] إبراهيم النخعي، قال: كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته] [3] .
وقال قيس: رأيت أبا بكر رضي الله عنه آخذا بطرف لسانه وهو يقول: هذا أوردني الموارد. [4] قال الحسن: قال أبو بكر الصديق: ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل.
وقال أبو عمران الجوني: قال أبو بكر: لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
. ذكر فضله على [جميع] [5] الصحابة رضي الله عنهم
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، قَالَ: حدثنا البخاري، قال: حدثنا ابن أبي كثير [6] ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا جامع بن أبي راشد، قَالَ: حدثنا أبو يعلى] [7] عن/ محمد بن الحنفية، قال:
قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟
قال: ثم عمر، وخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول عثمان، فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين [8] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عتيق، عن الحسن بن أبي الحسن،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم النخعي» .
[3] الخبر ساقط من الأصل وأوردناه من «أ» .
[4] أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، وأحمد في المسند.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في البخاري طبعة الحلبي: «ابن كثير» .
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن محمد بن الحنفية» .
[8] الخبر في صحيح البخاري 2/ 198، 199 (ط الحلبي) .

(4/63)


أَنَّ] [1] عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
وَدِدْتُ أَنِّي فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ أَرَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
. ذكر بيعة أبي بكر رضي الله عنه
ذكر الواقدي عن أشياخه: أن أبا بكر رضي الله عنه بويع يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [2] .
وقال ابن إسحاق: بويع أبو بكر رضي الله عنه يوم الثلاثاء من الغد الذي قبض فيه رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في سقيفة بني ساعدة.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بن عبد الله [بن عتبة بن مَسْعُودٍ] [3] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] [4] :
كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] بنت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفَتْ [5] عَنَّا الأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمُّهُمْ حَتَّى لَقِيَنَا رَجُلانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ، وَقَالا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمر» .
[2] «ذكر الواقدي ... يوم قبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» العبارة ساقطة من أ.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من أ، وأوردناه من المسند.
[4] ما بين المعقوفتين من أ، أو في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمر بن الخطاب أو الخبر في المسند 1/ 54، وهو جزء من حديث السقيفة.
[5] في الأصل: «وتخلف عنا» .

(4/64)


إِخْوَانَنَا هَؤُلاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالا: لا عَلَيْكُمْ، لا تَقْرَبُوهُمْ، وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ [يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ] . فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ.
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةْ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ رَجُلٌ مُزَمَّلٌ [1] ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟
قَالُوا: وَجِعٌ. فَلَمَّا جَلَسْنَا قَامَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ [2] مِنْكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَخْزِلُونَا [3] مِنْ أَصْلِنَا، وَتَحْصُنُونَا مِنَ الأَمْرِ [4] . فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ [5] مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أَرَدْتُ [6] أَنْ أَقُولَهَا بَيْنَ يَدَيْ/ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ كُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ [7] ، وَهُوَ كَانَ أَحْلَمُ مِنِّي وَأَوْقَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، [وَكَانَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ] [8] ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ وَأَفْضَلَ، حَتَّى سَكَتَ.
قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ هَذَا الأَمْرَ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَيُّهُمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، وَكَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمُ فَتُضْرَبُ عُنُقِي، لا يَقْرَبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، إلا أن تغفر نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ:
__________
[1] مزمل: أي ملفوف في ثوبه.
[2] الدافة: القوم يسيرون جماعة سيرا ليس بالشديد.
[3] وروي: «يختزلونا» ، أي يقتطعونا.
[4] يحصنونا من الأمر: أي يخرجون.
[5] زورت: أعددت وأحسنت.
[6] في الأصل: «أريد» .
[7] الحد: الغضب.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند.

(4/65)


أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكِّكُ [1] وَعُذَيْقُهَا [2] الْمُرَجِّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ [يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَالَ:] [3] فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، حَتَّى خَشِيتُ الاخْتِلافَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فبسط يده فبايعته، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الأَنْصَارُ [4] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم، قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هارون، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ] [5] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَتَى عُمَرُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَلأُبَايِعُكَ فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِعُمَرَ:
مَا رَأَيْتُ لَكَ فَهَةً قَبْلَهَا مُنْذُ أَسْلَمْتَ، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟ [6] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [7] .
لَمَّا قبض النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لِدِينِنَا، فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ [8] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حدّثنا] [9] ابن عون، [عن محمد] [10] .
__________
[1] أي: يستشفى برأيه.
[2] كناية عن جودة الرأي.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من المسند، وبعدها في المسند: «فقلت لمالك: ما معنى جذيلها المحك وعذيقها المرجب؟ قال: كأنه يقول: أنا داهيتها» .
[4] الحديث أخرجه البخاري في الحدود 8/ 2099، 210، 211، وفي الاعتصام مختصرا 8/ 168، وروى مسلم بعضه في صحيحه 2/ 33، وللحديث بقية في المسند.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 128.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن علي قال:» .
[8] الخبر في طبقات ابن سعد.
[9] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن عون» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/66)


أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي/، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ قُوَّتِي بِكَ مَعَ فَضْلِكَ.
وقال ابن إسحاق: بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُخْلِصِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ، حَدَّثَنَا السَّرِيرُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُيَسَّرٍ] [1] ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَوْمَئِذٍ لأَبِي بَكْرٍ: إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ حَسَدْتُمُونِي عَلَى الإِمَارَةِ، وَإِنَّكَ وَقَوْمِي أَجْبَرْتُمُونِي عَلَى الْبَيْعَةِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ أَجْبَرْنَاكَ عَلَى الْفُرْقَةِ فَصِرْتَ إِلَى الْجَمَاعَةِ كُنْتَ فِي سِعَةٍ وَلَكُنَّا أَجْبَرْنَاكَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَلا إِقَالَةَ لَهَا، لأَنْ نَزَعْتَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، أَوْ فَرَّقْتَ جَمَاعَةً لأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ.
[روى سيف، عن ثابت بن معاذ الزيات، عن الزهري، عن يزيد بن معن] [2] السلمي، قال:
قام سعد بن عبادة يوم السقيفة فبايع، فقال له أبو بكر: لئن اجتمع إليك مثلها رجلان لأقتلنك.
[وحدثنا سَيْفٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ] [3] ، عَنْ سَعِيدِ بن المسيب، قال:
أول من بايع أبا بكر المهاجرون إلى الظهر، ثم الأنصار في دورهم إلى العصر، ثم رجع إلى المسجد فبايعه البقايا، وجاء أهل الجرف فيما بين ذلك إلى الصباح.
قال ابن إسحاق: بايع أبا بكر المهاجرون والأنصار كلهم غير سعد بن عبادة، لأن الأنصار كانت قد أرادت أن تجعل البيعة له، فقال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له بشير بن سعد أبو النعمان وكان أول من صفق على يدي أبي بكر: إنه قد لج وليس بمبايعكم أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته، فإن تركتموه فليس تركه بضاركم، إنما هو واحد، فقبل أبو بكر نصيحة بشير ومشورته، وكف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جابر» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن السلمي، قال» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن سعيد بن المسيب» .

(4/67)


عَن سعد، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يصوم بصيامهم، وإذا حج لم يفض بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر وولي عمر، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج [مجاهدا] [1] إلى الشام فمات بحوران في أول خلافة عمر، ولم يبايع أحدا
. ذكر طرف من/ خطب أبي بكر [الصديق رضي الله عنه] [2] فِي خلافته
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن علي الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الفهم، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ] [3] بْنُ عُرْوَةَ- قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِيهِ- قَالَ: [4] لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ وُلِّيتُ أَمْرَكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَسَنَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فَعَلَّمَنَا فَعَلِمْنَا، اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التَّقْوَى، وَأَنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ، وَأَنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضعيف حتى آخذ له بِحَقِّهِ، وَأَنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيَّ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي [5] .
قَالَ [ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ] [6] الْحَسَنَ قَالَ:
لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا، وَلا وَاللَّهِ مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدُ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: أما بَعْدُ، فَإِنِّي وُلِّيتُ هَذَا الأَمْرَ، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ، أَلا وَإِنَّكُمْ إِنْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ مِثْلَ عمل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لم أقم به، كان
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عروة» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 129.
[5] في الأصل: «فقيموني» .
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن الحسن» .

(4/68)


رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ، وَعَصَمَهُ، أَلا وَإِنَّمَا أنا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدِكُمْ، فَرَاعُونِي فَإِنْ رَأَيْتُمُونِي [اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي، وَإِذَا رَأَيْتُمُونِي] [1] زِغْتُ فَقَوِّمُونِي [2] . وَاعْلَمُوا أَنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي [3] ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي، لا أُوثِرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَرِيَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى] [4] بْنُ أَبِي كَثِيرٍ.
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَيْنَ الْوَضَاءَةُ الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ؟ أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ بَنَوُا الْمَدَائِنَ وَحَصَّنُوهَا بالحيطان؟ أين الذين كانوا يعطون الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِِ الْحَرْبِ، قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهْرُ فَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ، الْوَحَا الْوَحَا، النَّجَا النَّجَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَجِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ ذُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ] [5] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ:
خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بِالرَّهْبَةِ وَتَجْمَعُوا الإِلْحَافَ بِالْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ 21: 90 [6] ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ قَدِ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ أَنْفُسَكُمْ، وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقَكُمْ، وَاشْتَرَى مِنْكُمُ الْقَلِيلَ الْفَانِي بِالْكَثِيرِ الْبَاقِي، وَهَذَا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فقيموني» .
[3] في الأصل: «سلطان يعتريني» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن يحيى» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن حكيم» .
[6] سورة: الأنبياء، الآية: 90.

(4/69)


كِتَابُ اللَّهِ فِيكُمْ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلا يُطْفَأُ نُورُهُ، فَصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَانْتَصِحُوا قَوْلَهُ وَاسْتَضِيئُوا مِنْهُ لِيَوْمِ الظُّلْمَةِ، وَإِنَّمَا خَلَقَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَوَكَّلَ بِكُمُ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمُهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْقَضِيَ الآَجَالُ وَأَنْتُمْ فِي عَمَلِ اللَّهِ فَافْعَلُوا وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلا باللَّه، فَسَابِقُوا فِي مَهْلِ آَجَالِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ آَجَالُكُمْ فَيَرُدُّكُمْ إِلَى أَسْوَأِ أَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا آَجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ وَنَسَوْا أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْهَاكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ، الْوَحَا الْوَحَا، النَّجَا النَّجَا، إِنَّ وَرَاءَكُمْ طالبا حَثِيثًا أَمْرُهُ سَرِيعٌ.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمَأْمُونِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ [حَدَّثَنَا التَّيْهَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ] [1] حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا] [2] هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مِنْبَرِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فجاء الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ [3] ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، وَقَالَ: انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مِنْبَرُ أَبِيكَ لا مِنْبَرُ أَبِي، مِنْبَرُ أَبِيكَ لا مِنْبَرُ أَبِي، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ: إِنْ كَانَتْ لَعَنْ غَيْرِ أَمْرِي
. ذكر أسماء قضاته وعماله على الصدقات
لما ولي قال له عمر: أنا أكفيك القضاء، فجعله قاضيا فمكث سنة لا يخاصم إليه أحد، وكان يكتب له زيد بن ثابت، وفي بعض الأوقات عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن حضر.
وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن هشام بن عروة» .
[3] هنا في الأصل جاء في المتن: «فجاء الحسين بن علي، ووجدت في نسخة غير هذه الحسن بن علي، ولا أعلم أيهما أصح» . هذا كلام الناسخ فعادته أن يكتب تعليقاته في المتن.

(4/70)


وعلى صنعاء المهاجر بن أبي أمية، وعلى حضرموت زياد بن لبيد، وعلى خولان يعلى بن أمية، وعلى الجند معاذ بن جبل، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي، وبعث جماعة من الصحابة في أعمال، وأمر أبا عبيدة، وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة
. ومن الحوادث التي كانت حين استخلف أبو بكر رضي الله عنه من ذلك أنه خرج عقيب ولايته ليتجر في السوق على عادته
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، قال: أخبرنا مسلم بن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا] [1] عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ [2] :
لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَصْبَحَ غَادِيًا إِلىَ السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتْجَرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] [3] وَأَبُو عُبَيْدَةَ [بْنُ الْجَرَّاحِ] [4] فَقَالا لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: السُّوقَ، قَالا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالا لَهُ: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَكَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا، فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ] [5] ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ:
لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: افرضوا لخليفة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مَا يُغْنِيهِ، قَالُوا: نَعَمْ، بُرْدَاهُ إِذَا أَخْلَقَهُمَا وَضَعَهُمَا وَأَخَذَ مِثْلَهُمَا، وَظَهْرَهُ إِذَا سَافَرَ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا كَانَ يُنْفِقُ قَبْلَ أَنْ يستخلف، قال أبو بكر: رضيت.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عطاء بن السائب» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 130.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حميد بن هلال» .

(4/71)


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَحَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ] [1] عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ:
أَنَّ رَجُلا رَأَى عَلَى عُنُقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَبَاءَةً، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ هَاتِهَا أَكْفِيكَهَا، فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي لا تُغَيِّرْنِي [2] أَنْتَ وَابْنُ الْخَطَّابِ عَنْ عِيَالِي [3] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ] [4] ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلُوا لَهُ أَلْفَيْنِ، فَقَالَ: زِيدُونِي فَإِنَّ لِي عِيَالا وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة [5] .
قَالَ [6] : وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا بُويِعَ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآَنَ لا تَحْلِبُ لَنَا مَنَاتِحَ دَارِنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلَى [لِعَمْرِي] [7] لأَحْلِبَنَّهَا/ لَكُمْ [8] ، وَأَنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرُنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ.
وروى الواقدي عن أشياخه، قال [9] : كان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى منزله [10] بالمدينة، وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، وكان إذا لم يحضر صلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عمر» .
[2] في أ، وابن سعد «لا تغرني» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 130.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عمرو» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 131.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 132.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[8] في الأصل: «لا يحلبها لكم غيري» .
[9] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 131، 132.
[10] في أ: «يغدو على راحلته إلى منزله» .

(4/72)


بهم عمر، وكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالنسغ، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح إلى الجمعة.
وكان رجلا تاجرا، وكان كل يوم يغدو إلى السوق فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عَلَيْهِ، وربما خرج هو بنفسه فيها، [وكان يحلب للحي أغنامهم] [1] ، وأنه نزل المدينة، وقال: ما يصلح أمر الناس والتجارة، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه [ويصلح عياله] يوما بيوم، وكان الذي فرضوا له في السنة ستة آلاف درهم، فلما حضرته الوفاة، قال: أرضي التي بمكان كذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر، ولقوح، وعبد صيقل، وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم، فقال عمر: لقد أتعب من بعده.
وفي رواية أخرى أنه قال: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه، فنظر عمر فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف في ولايته
. ومن ذلك أنه أنفذ جيش أسامة بن زيد [وارتد من ارتد] [2]
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ] [3] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ [4] :
نَادَى مُنَادِي أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ توفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [5] : لِيُتِمَّ بَعْثَ أُسَامَةَ، أَلا لا يَبْقَيَنَّ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ مِنْ جُنْدِ أُسَامَةَ إِلا خَرَجَ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالْجُرْفِ. وَقَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أُيَّهَا النَّاسُ، إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عاصم بن عدي» .
[4] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 22.
[5] في الأصل: «من متوفى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» .

(4/73)


لَعَلَّكُمْ سَتُكَلِّفُونَنِي مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُطِيقُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ وَعَصَمَهُ مِنَ الآفَاتِ.
/ [وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ] [1] عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ وَجَمَعَ الأَنْصَارَ عَلَى الأَمْرِ [2] الَّذِي افْتَرَقُوا عَنْهُ، قَامَ لِيُتِمَّ بَعْثَ أُسَامَةَ، وَقَدِ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَنُجِّمَ النِّفَاقُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لفقد نبيهم صلّى الله عليه وآله وسلم وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: إِنَّ هَؤُلاءِ جُلُّ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَرَبُ عَلَى مَا تَرَى [قَدِ انْتَقَضَتْ بِكَ] [3] ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُفَرِّقَ عَنْكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي بَكْرٍ بِيَدِهِ، لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّ السِّبَاعَ تَخَطَّفُنِي لأَنْفَذْتُ بَعْثَ أُسَامَةَ كَمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْقُرَى غَيْرِي لأَنْفَذْتُه.
فَلَمَّا [4] فصل أُسَامَةُ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَتُرُوخِيَ عَنْ مُسَيْلَمَةَ [5] وَطُلَيْحَةَ، فَاسْتَغْلَظَ أَمْرُهُمَا وَارْتَدَّتْ غَطْفَانُ إِلا مَا كَانَ مِنْ أَشْجَعَ وَخَواصٍّ مِنَ الأَفْنَاءِ، وَقَدَّمَتْ هَوَازِنُ رِجْلا وَأَخَّرَتْ أُخْرَى، أَمْسَكُوا الصَّدَقَةَ إِلا مَا كَانَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَارْتَدَّتْ خَوَاصٌّ مِنْ سُلَيْمٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّاسِ بِكُلِّ مكان، وقدمت رسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ وَالْيَمَامَةِ وَبِلادِ بَنِي أَسَدٍ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ صَادَمَ أَبُو بَكْرٍ عَبْسًا وَذُبْيَانَ، عَاجَلُوهُ فَقَاتَلَهُمْ قَبْلَ رُجُوعِ أُسَامَةَ.
قال ربيعة الأسدي: قدمت وفود أسد وغطفان وهوازن وطئ فعرضوا الصلاة على أن يعفوا من الزكاة، واجتمع جماعة من المسلمين على قبول ذلك منهم، فأتوا أبا بكر فأبى إلا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم يأخذ، وأجلهم يوما وليلة، فتطايروا إلى عشائرهم.
قال الشعبي: قال أبو بكر لعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد وأمثالهم: أترون ذلك- يعني قبول الصلاة منهم دون الزكاة- قالوا: نعم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف عن هشام» .
[2] في الطبري: «الأنصار في الأمر» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[4] الخبر في الطبري 3/ 242.
[5] في الطبري: «وتوخّى مسيلمة» .

(4/74)


حتى تسكن الناس وترجع الجنود، فقام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: لو منعوني عقالا مما أعطوه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ما قبلت منهم ألا برئت الذمة من رجل من هؤلاء الوفود وجد بعد يومه وليلته، فتواثبوا يتخطون رقاب الناس، ثم أمر عليا رضي الله عنه بالقيام على نقب من أنقاب المدينة، وأمر الزبير بالقيام على نقب، وأمر طلحة بالقيام على نقب آخر، وأمر عَبْد الله بن مسعود بالعسيس بالليل وجد في أمره وقام على رجل.
وقال إبراهيم النخعي: أول ما ولي أبو بكر ولى عمر القضاء وأمر ابن مسعود بعسس المدينة.
قال علماء السير [1] : وجاء المشركون فطرقوا المدينة بعد ثلاث، فوافقوا أنقاب المدينة محروسة [فبهتوهم] [2] ، وخرج أبو بكر في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانقش العدو [3] فاتبعهم المسلمون فإذا للمشركين ردء بأنحاء قد نفخوها، ثم دهدهوها [4] بأرجلهم في وجوه الإبل، فنفرت بالمسلمين [وهم عليها] [5] حتى دخلت بهم المدينة، [فلم يصرع مسلم ولم يصب] [6] .
وبات أبو بكر ليلتئذ يتهيأ، فعبى الناس، وخرج على تعبيته في آخر الناس يمشي، وعلى ميمنته النعمان بن مقرن، وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن، وعلى الساقة سويد بن مقرن [معه الركاب] ، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولى المشركون الأدبار. واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، ونزل بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة فدك بها المشركون، فوثب بنو ذبيان وعبس على من كان فيهم من المسلمين، فقتلوهم.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 245.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انقش العدو انقشاشا: انهزم وفشل، وفي أ: «فانقض العدو» .
[4] دهدهوها: دفعوها.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.

(4/75)


وقدم [1] أسامة بعد أن غاب شهرين وأياما، فاستخلفه أبو بكر على المدينة، وقال له ولجنده: أريحوا وارعوا ظهوركم.
ثم خرج في الذين خرجوا إلى ذي القصة، والذين كانوا على الأنقاب، فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامك أشد على العدو، / فابعث رجلا، فإن أصيب أمرت آخر، فقال:
والله لا أفعل ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبيته إلى ذي القصة، فنزلها وهي على بريد من المدينة فقطع فيها الجنود.
فلما أراح [2] أسامة وجنده ظهرهم وحموا قطع أبو بكر البعوث، وبلغ عقد الألوية، أحد عشر لواء على أحد عشر جندا، وأمر أمير كل جند باستنفار [3] من مر به من المسلمين من أهل القوة، فعقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد، فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة، وعقد لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وللمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي، ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت. ولخالد بن سَعيد بن العاص إلى الشام، ولعمرو بن العاص إلى قضاعة ووديعة والحارث، وما زال يعين لكل أمير قوما يقصدهم [4] .
وقال ابن إسحاق: ارتدت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عامة العرب، فأشار الناس على أبي بكر رضي الله عنه بالكف عنهم، وأن يقبل منهم أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة، وقالوا:
نخاف أن تلج العرب كلها في الرجوع عن الإسلام، فقال: والله لو منعوني عقالا مما كانوا يؤدون إلى رَسُول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، وو الله لو كان الناس كلهم كذلك لقاتلتهم بنفسي حتى تذهب أو يكون الدين للَّه.
قال عمر بن الخطاب: ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لا أنا ولا غيري إلا وقد داخله فشل وطابت نفسه على ترك الزكاة لمن منعها غير أبي بكر، فو الله ما هو إلا أن رأيت ما شرح الله صدر أبي بكر من القيام بأمر الله، فعرفت أنه الحق.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 247.
[2] تاريخ الطبري 3/ 249.
[3] في الأصل: «باستفسار» ، والتصحيح من الطبري.
[4] في الأصل: «يعضدهم» ، والتصحيح من: أ.

(4/76)


وقال ابن إسحاق: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بعث الزبرقان بن بدر/ السعدي على صدقات قومه بني سعد بن زيد مناة، وبعث مالك بن نويرة الحنظلي على صدقات بني حنظلة، وبعث عدي بن حاتم عَلَى صدقات طيِّئ، فبلغهم وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وقد كانوا قبضوا الصدقات.
فأما مالك بن نويرة فإنه ردها إلى قومه، وأما عدي والزبرقان فإن قومهما سألوهما أن يرداها عليهم فأبيا وقالا: لا نرى إلا أنه سيقوم بهذا الأمر قائم بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فإن كَانَ ذلك دفعناها إليه، وإن كان غير ذلك فأموالكم في أيديكم. فأمسكا الصدقة حتى قدما بها على أبي بكر، فلم يزل لهما بذلك شرف على من سواهما من أهل نجد، وكانت [تلك] الصدقة مما قوي بها أبو بكر على قتال أهل الردة.
فلما أراد [1] أن يتجهز لحرب أهل الردة خرج بالناس حتى نزل بذي القصة، فعبأ هنالك جنوده، فبعث خالد بن الوليد في المهاجرين والأنصار، وجعل ثابت بن قيس على الأنصار وأمره إلى خالد، وأمره أن يصمد لطليحة وعيينة، وكانا على بزاخة وهي ماء من مياه بني أسد، فسار خالد حتى إذا دنا من القوم بعث عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعة، فقدما وكان طليحة وأخوه مسلمة قد خرجا ليستخبرا، فإذا هما بعكاشة وثابت، فقتلاهما، فلما مر بهما خالد مقتولين اشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سيدان من سادات المسلمين وفرسانهم.
فمال خالد إلى طيِّئ فاستعان بهم على الحرب، فسار حتى أتى بزاخة، وبها عيينة في بني فزارة وطليحة في بني أسد، وكانت بنو عامر في ناحية ينتظرون الدبرة على من تكون، وكان طليحة متلففا في كساء له قد غطى وجهه ليجيئه الوحي/ زعم، وعيينة في الحرب، فكان إذا أضجرته الحرب جاء إلى طليحة فيقول: هل جاءك جبريل؟
فيقول: لا، إلى أن قال عيينة: يا بني فزارة، إن هذا كذاب فاجتنبوه، فتفرقوا عنه، فقال:
له قومه: ما تأمرنا، فقال طليحة: اصنعوا مثل ما أصنع، ثم جال في متن فرسه، وحمل امرأته ثم مضى هاربا إلى الشام، فشد خالد بمن معه على بني فزارة فقتل من قتل منهم، وأخذ عيينة أسيرا، ثم كر على بني عامر ففضهم، وأخذ قرة بن هبيرة أسيرا، فأوثقه مع
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 254.

(4/77)


عيينة، ثم بعث بهما إلى أبي بكر، ومضى طليحة وأصحابه إلى الشام فأصابهم في طريقهم عطش شديد، فقالوا: يا عامر، هلكنا عطشا فما بقي من كهانتك، فقال لرجل منهم: يا محراق اركب فرسا ويبالا، ثم شن عليه إقبالا، فإنك سترى فارات طوالا، ثم تجد عندها حلالا.
فركب مخراق فرأى الفارات وعندها عين، فشربوا وسقوا دوابهم، ثم مضى إلى الشام، فلما علم من هناك من المسلمين بطليحة أخذوه فأوثقوه ثم وجهوا به إلى أبي بكر، فتوفي أَبُو بَكْر وطليحة في الطريق، فقدم به على عمر فأسلم وحسن إسلامه.
فصل
[ذكر قصة البطاح]
[1] فلما فرغ خالد من أسد وغطفان وهوازن سار إلى البطاح وعليها مالك بن نويرة فلم يجد هناك أحدا، ووجد مالكا قد فرقهم في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع، وذلك حين تردد على مالك أمره، فبث خالد السرايا وأمرهم أن يأتوه بكل من لم يجب، فإن امتنع قتلوه.
وكان مما أوصى به أبو بكر: إذا نزلتم فأذنوا وأقيموا، فإن أذن القوم وأقاموا فكفوا عنهم، وإلا فالغارة، وإن أجابوا إلى الإسلام فسائلوهم، فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم، وإن أبوا فالغارة، فجاءت الخيل إلى خالد بمالك/ بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع، فاختلف أصحاب خالد فيهم، فشهد أبو قتادة بن ربعي الأنصاري عند خالد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا.
وقال بعض الناس: لم نسمع منهم آذانا ولا رأيناهم صلوا. فراجع مالك خالدا في كلام، فَقَالَ فيه مالك: قد كان صاحبكم يقول ذلك- يعني رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ- فقال خالد: يا عدو الله وما تعده لك صاحبا، فضرب عنقه وقتل أصحابه، وكانت له امرأة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
وراجع تاريخ الطبري 3/ 276، والأغاني 15/ 229- 302.

(4/78)


يقال لها: أم تميم بنت المنهال من أجمل الناس والنساء فتزوجها خالد. وكان يقول الذي قتل مالكا بيده عبد بن الأزور الأسدي، أخو ضرار، فقال متمم يرثي أخاه:
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... نحو الكنيف فقتلك ابن الأزور
ومعنى تناوحت جاءت من كل موضع.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ] [1] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ:
أَنَّ خَالِدًا لَمَّا نَزَلَ الْبِطَاحَ بَثَّ السَّرَايَا فَأَتَي بِمَالِكٍ وَكَانَ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ فَاخْتَلَفَ فِيهِمُ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ شَهِدَ أَنْ لا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى أَصْحَابِهِ، وَشَهِدَ الأَعْرَابُ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤَذِّنُوا وَلَمْ يُقِيمُوا وَلَمْ يُصَلُّوا، وَجَاءَتْ أُمُّ تَمِيمٍ كَاشِفَةً وَجْهَهَا حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَى مَالِكٍ، وَكَانَتْ أَجْمَلَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فَقَدْ وَاللَّهِ قَتَلْتِينِي، فَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو قَتَادَةَ فَنَاشَدَهُ وَنَهَاهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَرَكِبَ أَبُو قَتَادَةَ وَلَحِقَ بِأَبِي بَكْرٍ وَحَلَفَ لا يَسِيرُ فِي جَيْشٍ تَحْتَ لِوَاءِ خَالِدٍ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَقَالَ:
تَرَكَ قَوْلِي وَأَخَذَ بِشَهَادَةِ الأَعْرَابِ الَّذِينَ فَتَنَتْهُمُ الْغَنَائِمُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا، وَإِنْ يَكُنْ هَذَا حَقًّا فَعَلَيْكَ أَنْ تُقَيِّدَهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ/ أَبُو بَكْرٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقْدِمَ لِيَنْظُرَ فِيمَا فَعَلَ بِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ
. قصة أهل اليمامة
[2] [قال المصنف] [3] : ولما فرغ خالد من البطاح أقبل إلى المدينة فدخل المسجد وعليه ثياب [عليها] [4] صدأ الحديد، وعليه عمامة قد غرز فيها ثلاثة أسهم، فلما رآه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده إلى محمد بن جعفر بن الزبير وغيره» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 280، 281.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(4/79)


عُمَر رضي الله عنه قال: أرئاء يا عدو الله، عدوت على رجل من المسلمين فقتلته ثم تزوجت امرأته، لئن أمكنني الله منك لأرجمنك، ثم تناول الأسهم فكسرها وخالد ساكت لا يرد عليه شيئا يظن أن ذلك عن رأي أبي بكر، فلما دخل على أبي بكر أخبره الخبر واعتذر إِلَيْهِ فصدقه وقبل عذره، وكان عمر يحرض أبا بكر على عزله، وأن يقيد منه، فقال أبو بكر: مه يا عمر، ما هو بأول من أخطأ، فارفع لسانك عن خالد، ثم ودى مالكا وأمر خالدا أن يتجهز للخروج إلى مسيلمة الكذاب، ووجه معه المهاجرين والأنصار، وكان ثمامة بن أثال الحنفي قد كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره أن أمر مسيلمة قد استغلظ.
فبعث أبو بكر عكرمة بن أبي جهل واتبعه شرحبيل بن حسنة، وقال: الحق بعكرمة فاجتمعا عَلَى قتال مسيلمة وهو عليك، فإن فرغتم فانصرفا إلى قضاعة، وأنت عليه، فلما أحس عكرمة بذلك أغذ السير فقدم على ثمامة فأنهضه [1] ، فقال ثمامة: لا تفعل فإن أمر الرجل مستكثف وقد بلغني أن خلفك جندا فيتلاحقون، فأبى عكرمة وعاجلهم مسيلمة فالتقوا فاقتتلوا فأصيب من المسلمين، فبعث أبو بكر إلى عكرمة فصرفه إلى وجه آخر.
فلما قدم خالد من البطاح أمره أبو بكر بالسير إلى مسيلمة، فخرج حتى إذا كان قريبا من اليمامة تقدمت خيل المسلمين، فإذا هم بمجاعة بن مرارة/ الحنفي في ستة نفر من بني حنيفة، فجاءوا بهم إلى خالد، فقال لهم: يا بني حنيفة ما تقولون؟ فقالوا:
منا نبي ومنكم نبي، فعرضهم على السيف، فبقي منهم مجاعة ورجل يقال له: سارية بن عامر.
فلما قدم سارية ليقتل قال لخالد: إن كنت تريد بأهل هذه القرية خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل يعني مجاعة، ففعل ذلك، وأوثقه في الحديد ثم دفعه إلى امرأته، وقال: استوصي بِهِ خيرا، ثم مضى حتى نزل منزلا من اليمامة، فعسكر به، فخرج إليه مسيلمة، وكان عدد بني حنيفة أربعين ألف مقاتل، وقدم مسيلمة أمامه الرحال [2] بن عنفوة، وقد كان الرحال قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم وقرأ سورة البقرة.
__________
[1] «فأنهضه» : سقطت من أ.
[2] في أ: «الرجال» . قال الطبري 3/ 280 «هكذا قال ابن حميد بالحاء» .

(4/80)


فلما رجع إلى مسيلمة شهد له في جماعة من بني حنيفة أنه سمع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يشركه في الأمر، وأنه قد أعطي النبوة كما أعطيها، وكان قوله أشد على أهل اليمامة من فتنة مسيلمة.
قال أبو هريرة [1] : جلست في رهط عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «إن فيكم لرجلا ضرسه في النار مثل أحد» . فهلك القوم وبقيت أنا والرحال فكنت متخوفا لها حتى خرج الرحال مع مسيلمة، فشهد له بالنبوة قالوا: الرجال.
فخرج يومئذ في مقدمة مسيلمة ومعه محكم اليمامة، وهو محكم بن طفيل، والتقى الناس، فكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، فقالوا له: انظر كيف تكون؟ إياك أن تفر، قال: بئس حامل القرآن أنا إذن، فقاتل حتى قتل. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن، زينوا القرآن بالأفعال، وحمل فأنفذهم حينئذ [وقتل] .
وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، واقتتل الناس قتالا شديدا، فقتل الرحال ومحكم اليمامة، أما الرحال فقتله زيد بن الخطاب، وأما محكم فقتله عبد الرحمن بن أبي بَكْر، وثبت مسيلمة، ثم جال/ المسلمون حوله فتراجعوا، فدخلت بنو حنيفة في فسطاط خالد فرعلوه بسيوفهم، وحمل رجل منهم على أم تميم بالسيف، فألقى مجاعة عليها رداءه، وقال: إنها في جواري فنعم الحرة ما علمت، فأصيب من المسلمين ألف ومائتا رجل، وانكشف باقيهم. فلما رأى ذلك ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، قال: يا معشر المسلمين، بئس ما عودتم أنفسكم، ثم قال: اللَّهمّ إني أبرأ إليك من هؤلاء- يعني المشركين- وأعتذر إليك مما فعل هؤلاء- يعني المسلمين- ثم قاتل [2] وجالد بسيفه حتى قتل. وكان قد ضرب فقطعت رجله فرمى بها قاتله. فقتله. وقاتل زيد بن الخطاب أخو عمر حتى قتل. فلما رجع عبد الله بن عمر، فقال له: هلا هلكت قبل زيد، فقال: قد عرضت على ذلك ولكن الله أكرمه بالشهادة.
وفي رواية أخرى أنه قال له: ما جاء بك وقد هلك زيد، ألا واريت وجهك عني.
__________
[1] الخبر في الطبري 3/ 289.
[2] «ثم قاتل» : سقطت من أ.

(4/81)


وكان البراء بن مالك أخو أنس إذا حضر الحرب أخذته العدواء- يعني الرعدة- حتى يقعد عَلَيْهِ الرجال، ثم ينهم كالأسد، فلما رأى ما أصاب الناس أخذه ما كان يأخذه، فثاب إليه ناس من المسلمين، فقاتلوا قتالا شديدا حتى انحازت بنو حنيفة واتبعهم المسلمون حتى أصاروهم إلى حديقة فدخلوها ثم أغلقوا [1] عليهم، فقال البراء: احملوني والقوني إليهم، فألقوه إليهم ففتح الباب للمسلمين وقد قتل عشرة، فقتل في هذه الحديقة وفي هذه المعركة بضعة عشر ألف مقاتل. وكانت بنو حنيفة تقول لمسيلمة حين رأت خذلانها: أين ما كنت تعدنا؟ فيقول: قاتلوا عن أحسابكم. وقتل الله عز وجل مسيلمة، اشترك في قتله رجلان: رَجُل/ من الأنصار، ووحشي مولى جبير بن مطعم. وكان وحشي يقول: وقعت فيه حربتي وضربه الأنصاري والله يعلم أينا قتله.
وكان يقول: قتلت خير الناس وشر الناس، حمزة ومسيلمة. وكانوا يقولون: قتله العبد الأسود، فأما الأنصاري فلا شك أن أبا دجانة سماك بن خرشة قتله.
فلما أخبر خالد بقتل مسيلمة خرج بمجاعة يرسف [2] في حديده ليدله على مسيلمة، فمر بمحكم بن الطفيل، فقال خالد: هذا صاحبكم؟ قال: لا هذا والله خير منه وأكرم، ثم دخل الحديقة، فإذا رويجل أصيفر أخينس [3] ، فقال له مجاعة: هذا صاحبكم قد فرغتم [منه] [4] ، فقال خالد: هذا فعل بكم ما فعل، قال: قد كان ذلك يا خالد، وإنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس [5] ، وإن جماهير النّاس لفي الحصون.
قال: ويلك ما تقول؟
قال: هو والله الحق، فهلم لأصالحك على قومي. فدعني حتى آتيهم وأصالحهم عنك، فإنهم يسمعون مني، ودخل الحصن، فأمر الصبيان والنساء فلبسوا السلاح ثم أشرفوا عليه وخالد يظنهم رجالا، فلما نظر إليهم وقد قتل أكثر أصحابه صالح مجاعة
__________
[1] «أغلقوا» : سقطت من أوفي الأصل: «أغلوا» .
[2] في الأصل: «خرج بمجاعة بن سيف» .
[3] أخينس تصغير أخنس، والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[5] سرعان الناس: بالتحريك. ويخفف أوائلهم المستبقون.

(4/82)


عنهم الربع من السبي والحمراء والبيضاء والحلقة، ثم علم بعد ذلك أنهم كانوا صبيانا ونساء، فقال لمجاعة: خدعتني، فقال: قومي أفنتهم الحرب، فلا تلمني فيهم.
فلما فرغ من صلحهم إذا كتاب من أبي بكر رضي الله عنه قد جاءه أن يقتل منهم كل من أنبت، فجاءه الكتاب بعد الصلح، فمضى عليهم الصلح، فلم يقتلوا، ثم خطب خالد إلى مجاعة ابنته، فقال له: مهلا أيها الرجل إنه قاطع ظهري وظهرك عن صاحبك تزوج النساء وحول أطنابك دماء ألف ومائتي رجل من المسلمين، فقال: زوجني لا أبا لك، فزوجه فبلغ ذلك أبا بَكْر رضي الله عنه، فكتب إليه: لعمري يا ابن أم خالد، إنك لفارغ حين تتزوج النساء وحول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد، فإذا جاءك كتابي فالحق بمن معك من جموعنا/ بأهل الشَّام، واجعل طريقك على العراق، فقال وهو يقرأ الكتاب: هذا عمل الأعيسر- يعني عمر بن الخطاب.
قال علماء السير: قتل من المسلمين يوم اليمامة أكثر من ألف، وقتل من المشركين نحو عشرين ألفا، وكانت حرب اليمامة سنة إحدى عشرة في قول جماعة منهم أبو معشر. فأما ابن إِسْحَاق فإنه قال: فتح اليمامة واليمن والبحرين، وبعث الجنود إلى الشام في سنة اثنتي عشرة
. قصة أهل البحرين
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قد بعث على أهل البحرين المنذر بن ساوي، واشتكى هو ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم في شهر واحد، ومات المنذر بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بقليل [1] .
وارتد أهل البحرين، فأما عبد القيس ففاءت، وأما بكر فتمت على ردتها، وكان الذي ثنى عَبْد القيس الجارود بن عمرو [2] حتى فاءوا.
وذلك أنهم قالوا: لو كان محمد نبيا ما مات، فقال الجارود [3] : تعلمون أنه كان
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 301، والأغاني 15/ 255.
[2] في الأغاني: وكان الذي ثنى عَبْد القيس الجارود بن علي.
[3] تاريخ الطبري 3/ 302.

(4/83)


قبله أنبياء؟ قالوا: نعم، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمدا قد مات كما ماتوا، فعادوا إلى الإسلام.
فلما فرغ خالد من اليمامة بعث أبو بكر العلاء بن الحضرميّ إلى البحرين في ستة عشر فارسا، فقال ابن عبد القيس: إن لم يرتدوا فهم جندك فسار مع العلاء حتى بلغه عبد القيس، فكتب الجارود إلى العلاء: إن بيني وبينك أسود النهار وضباع الليل، ففهم فبعث العلاء جنوده تحت الليل فقتلوهم وسار وأمده ثمامة بقومه، فنزل العلاء بأصحابه ليلة فنفرت الإبل فما بقي عندهم لا زاد ولا مزاد، وأوصى بعضهم إلى بعض فصلى بهم العلاء الفجر وجثى فدعا فلاح لهم ماء، فذهبوا إليه فشربوا، فإذا الإبل [تكرد من كل وجه] [1] ، فقام كل رجل منهم إلى ظهره، فما فقدوا سلكا [2] ، وخندق المسلمون وتراجعوا وتراوحوا القتال شهرا، ثم كر المرتدون، فتحصن المسلمون، منهم بحصن بالبحرين يقال له: جواثا حتى كادوا يهلكون جوعا، فنزل بعض المسلمين/ ليلا، فجال في عسكر القوم ثم عاد فقال: إن القوم سكارى، فخرج إليهم العلاء وأصحابه، فوضعوا فيهم السيوف، وأخذوا غنائمهم.
ولما فرغ العلاء من البحرين سار إلى هجر فافتتحها صلحا وكان فيها راهب، فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام فقال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني [الله] [3] بعدها إن لم أسلم: فيض في الرمال، وتمهيد أثباج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر، قالوا: اللَّهمّ أنت الرحمن الرحيم، لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، [والحي] [4] الّذي لا يموت، وخالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، علمت اللَّهمّ كل شيء بغير تعلم، فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله [5] .
فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمعون من ذلك الهجريّ بعد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري، والكرد: الطرد.
[2] السلك، جمع سلكة، وهو الخيط الّذي يخاط به الثوب.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من أ.
[5] الخبر مختصر من الطبري 3/ 312، والأغاني 15/ 257.

(4/84)


ثم سار العلاء إلى الحطم، ووجه بعض أصحابه فافتتحوها عنوة، وندب الناس إلى دارين، فأتى ساحل البحر، فدعا الله واقتحموا، فأجازوه كأنهم يمشون على مثل رملة [ميثاء] [1] فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وكان بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر، فالتقوا واقتتلوا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف، والراجل ألفين، ثُمَّ رجعوا عودهم على بدئهم كما عبروا. وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر [2] :
ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار [3] الأوائل
ولما قفل العلاء بالناس مروا على ماء لبني قيس بن ثعلبة فرأوا على ثمامة بن أثال خميصة الحطم، فقالوا: هذه خميصة الحطم وأنت قتلته، قال: لست قاتله لكن اشتريتها من الفيء فقتلوه
. ذكر قصة أهل عمان ومهرة واليمن
[4] قال علماء السير [5] : نبغ بعمان لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسمى [6] في الجاهلية الجلندي، فادعى ما ادعاه من تنبأ، وغلب على عمان مرتدا، وارتد أهل عمان، فبعث أبو بكر حذيفة بن محصن إلى عمان وعرفجة البارقي إلى مهرة وأمرهما أن يبدءا بعمان، وكان أبو بكر قد بعث عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة، واستعجل قبل أن يلحقه المدد، فقاتل وأصيب جماعة من المسلمين، فكتب إليه أبو بكر يعنفه على سرعته، ويقول: لا أرينك، ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، والحق بعمان حتى تقاتل أهل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول أوردناه من الطبري 3/ 311.
[2] في الأصول: سيف بن المنذر، خطأ والتصويب من الطبري.
[3] في الأغاني: «من شق البحار» .
[4] في الأصل: «ومهرة والبحرين» . وما أوردناه عن أ، والطبري.
[5] تاريخ الطبري 3/ 314.
[6] كذا في الأصول، ونسختين من الطبري، وفي المطبوع من الطبري: «وكان يسامى» .

(4/85)


عمان وتعين حذيفة وعرفجة، فإذا فرغتم فامض إلى مهرة، ثم ليكن وجهك منها إلى [1] اليمن، فأوطئ ما بين عمان واليمن ممن ارتد، وليبلغني بلاؤك.
فلما اجتمعوا جمع لقيط فاقتتلوا، فرأى المسلمون في أنفسهم خللا فإذا مواد قد أقبلت إليهم من عبد القيس وغيرهم، فوهن الله الشرك، وقتل من المشركين في المعركة عشرة آلاف فأثخنوا فيهم وسبوا الذراري وقسموا ذلك على المسلمين وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر رضي الله عنه مع عرفجة
. ذكر ردة مهرة [2]
ولما فرغ عكرمة وعرفجة وحذيفة من ردة عمان خرج عكرمة في جنده نحو مهرة، واستنصر من حول عمان وأهل عمان، وسار حتى أتى مهرة والتقوا، فكشف الله جنود المرتدين، وقتل رئيسهم، وركبهم المسلمون، فقتلوا ما شاءوا، فخمس عكرمة الفيء، فبعث بالأخماس إلى أبي بَكْر، وقسم الأربعة أخماس على المسلمين
. ذكر خبر ردة اليمن [3]
كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولى المهاجر بن أمية صنعاء، وزياد بن لبيد حضرموت، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهما على عملهما، / فانتقضت كندة على زياد بن لبيد إلا طائفة منهم ثبتوا معه، فقيل له: إن بني عمرو بن معاوية قد جمعوا لك فعاجلهم فثبتهم وحاز غنائمهم ثم أقبل بها راجعا، فمر بالأشعث بن قيس، فخرج الأشعث في قومه يعترض لزياد، فأصيب ناس من المسلمين وانحاز زياد ثم كتب إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره بذلك، وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى المهاجر بصنعاء أن يمد زيادا بنفسه، فسار إليه المهاجر، ثم أنهما جمعا ولقوا المشركين، فأثخنوهم.
__________
[1] في الأصل: «ثم ليكن وجهك فيها» . وما أوردناه من أ، والطبري.
[2] تاريخ الطبري 3/ 316.
[3] تاريخ الطبري 3/ 318.

(4/86)


ووجه أبو بكر رضي الله عنه عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة مددا لزياد، فقدموا عليه وقد قتل أولئك وغنم أموالهم فأشركهم في الغنيمة.
وتحصنت ملوك كندة ومن بقي معهم في النجير وأغلقوا عليهم فجثم عليهم زياد والمهاجر وعكرمة، وكان في الحصن الأشعث بن قيس، فلما طال الحصار، قال الأشعث: أنا أفتح لكم باب الحصن وأمكنكم ممن فيه على أن تؤمنوا لي عشرة، فأعطوه ذلك، ففتح باب الحصن، ثم عزل عشرة [1] أنفس ولم يعد فيهم نفسه وهو يرى أنهم لا يحسبون به في العشرة، فقالوا: إنما صالحناك على عشرة، فنحن نعفو عن هؤلاء ونقتلك لأنك لم تعد نفسك فيهم، فقال لهم: وإن ظنكم ليدلكم على أني أصالح عن غيري وأخرج بغير أمان، فجادلهم وجادلوه، فقالوا: نرد أمرك إلى أبي بكر رضي الله عنه فيرى فيك رأيه، وأمر زياد بكل من في الحصن أن يقتلوا فقتلوا، وكانوا سبعمائة، وسبى نساءهم وذراريهم، وحمل الأشعث إلى أبي بكر رضي الله عنه، فزعم أنه قد تاب ودخل في الإسلام، وقال: من علي وزوجني أختك، فإني قد أسلمت، فزوجه أبو بَكْر رضي الله عنه أم فروة بنت أبي قحافة، فولدت له محمدا، وإسحاق، وإسماعيل، فأقام بالمدينة، ثم خرج إلى الشام في خلافة عمر رضي الله عنه، وكانت ردة اليمن سنة إحدى عشرة.
روى المؤلف بإسناده عن أبي رجاء العطاردي [2] ، قال: دخلت المدينة فرأيت/ الناس مجتمعين، ورأيت رجلا يقبل رأس رجل وهو يقول: أنا فداؤك، لولا أنت لهلكنا، فقلت: من المقبل ومن المقبل، قالوا: ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر رضي الله عنهما في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين
. وفي هذه السنة كتب معاذ بن جبل وعمال اليمن إلى أبي بكر يستأذنونه في القدوم، فكتب إليهم:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثكم لما بعثكم له من أمره، فمن كان أنفذ أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشاء أن
__________
[1] في أ: «ثم عد عشرة» .
[2] في أ: «قال أبو رجاء العطاردي» .

(4/87)


يرجع فليرجع وليستخلف على عمله، ومن شاء أن يقيم فليقم، فرجعوا.
فلما قدم معاذ لقي عمر بن الخطاب فاعتنقا وعزا كل واحد منهما صاحبه برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان مع معاذ الخراج، وكان معه وصفاء قد عزلهم، فقال عمر: ما هؤلاء؟
قال: أهدوا لي، فقال عمر: أطعني وائت بهم أبا بكر فليطيبهم لك، قال معاذ: لا لعمري آتي أبا بكر بمالي يطيبه لي، فقال عمر: إنه ليس لك. فلما كان الليل وأصبح أتاه فقال له: لقد رأيتني البارحة كأني أدنو إلى النار، وأنت آخذ بحجزتي، إني وجدت الأمر كما قلت. فأتى أبا بَكْر فاستحلها فأحلهم.
فبينما معاذ قائم يصلي رأى رقيقه يصلون كلهم، فقال لهم: ما تصنعون؟ قالوا:
نصلي، قال: لمن؟ قالوا: للَّه عز وجل، [قال] : [1] فاذهبوا فأنتم للَّه، فأعتقهم.
وفي هذه السنة حج بالناس عمر بن الخطاب، وقيل: بل عبد الرحمن بن عوف، وقيل:
عتاب بن أسيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
134- ثابت بن أقرن بن ثعلبة بن عدي [2] :
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع خالد [3] بن الوليد إلى أهل الردة، فبعثه مع عكاشة فقتلا
. 135- ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس: [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 36.
[3] في الأصل: «وخرج معه خالد» . وما أوردناه عن ابن سعد، أ.
[4] البداية والنهاية 6/ 377.

(4/88)


شهد أحدا، والخندق، والمشاهد بعدها [1] / مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان خطيبا جهير الصوت.
[أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَنْبَأَنَا الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ] [2] ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ جَاءَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَقَدْ تَحَنَّطَ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ تَكَفَّنَ فِيهِمَا، وَقَدِ انْهَزَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَهُ هَؤُلاءُ [3]-[يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلاءِ- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ-] [4] ، ثُمّ قَالَ: بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ مُنْذُ الْيَوْمِ، خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَاعَةً، فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ
. 136-[ثابت بن هزال بن عمرو [5] :
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم اليمامة]
. 137- ثمامة بن أثال:
قتل في هذه السنة
. 138- حبيب بن يزيد مولى عمارة:
كان يقول له مسيلمة: أتشهد أني رسول الله، فيسكت، فيقول: [أتشهد أن محمدا رسول الله، فيقول:] نعم، فقطعه أعضاء
. 139- حزن بن أبي وهب:
قتل يوم اليمامة
. 140- زيد بن الخطاب، [أخو عمر] [6] :
كان أسن من عمر، وأسلم قبل عمر، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ
__________
[1] في أ: «والمشاهد كلها» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» .
[3] في الأصل: «مما صنع هؤلاء» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 98. والترجمة كلها ساقطة من الأصل، أوردناه من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 274، ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.

(4/89)


الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وقَالَ عمر رضي الله عنه: سبقني زيد الإسلام والشهادة، وما هبت الصبا قط إلا أتتني بريح زيد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَخِيهِ زَيْدٍ يَوْمَ أُحُدٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا لَبِسْتَ دِرْعِي، فَلَبِسَهَا ثُمَّ نَزَعَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ لِنَفْسِي مَا تُرِيدُ لِنَفْسِكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي] [2] الْحَجَّافُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْمِلُ رَايَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَقَدِ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى غَلَبَتْ حَنِيفَةُ عَلَى الرِّجَالِ، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ: أَمَّا الرِّجَالُ فَلا رِجَالَ، ثُمَّ جَعَلَ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: اللَّهمّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ فِرَارِ أَصْحَابِي، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ، وَجَعَلَ يَشْتَدُّ بِالرَّايَةِ يَتَقَدَّمُ بِهَا فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ضَارَبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى قُتِلَ وَوَقَعَتِ الرَّايَةُ، فَأَخَذَهَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
. 141- سالم مولى أبي حذيفة [3] :
قال ابن سعد: كان لثبيتة بنت يعار الأنصارية، وكانت تحت أبي حذيفة بن عتبة فأعتقته، فتولى أبا حذيفة، وتبناه أبو حذيفة.
وقال الخطيب: اسم الذي أعتقته سلمى بنت يعار.
وقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ سالما شديد الحب للَّه» . وكان سالم يؤم المهاجرين/ من مكة حين قدموا، وكان أقرأهم وفيهم أبو بكر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عمر» .
وقد جاءت هذه الرواية في الأصل بعد رواية الجحاف بن عبد الرحمن الآتية بعدها.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «عن الجحاف» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 60.

(4/90)


وعمر، وكان اللواء يوم اليمامة بيد زيد بن الخطاب، فلما قتل أخذه سالم، فقالوا له: إنا نخاف أن نؤتى من قبلك، فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي، فقطعت يمينه، فتناولها بشماله فقطعت، فاعتنق اللواء وجعل يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3: 144 [1] ووقف بالراية حتى قتل، فعرض ميراثه على مولاته، فأبت وقالت: أنا سيبته للَّه تعالى. فجعل عمر ميراثه في بيت المال
. 142- سماك بن خرشة، أبو دجانة [2] :
شهد بدرا وأحدا، وثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وبايعه على الموت، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: «من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقال: أنا، فأخذه ففلق به هام المشركين.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حدثنا محمد بن سعد، عن عبد الله بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقَبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُلَيْحِ] [3] ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفُوا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ: خُذِي السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كُنْتِ أَحْسَنْتِ الْقِتَالَ فَقَدْ أَحْسَنَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ وَأَبُو دُجَانَةَ» [4] .
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قال: حدثنا هشام بن سعد] [5] ، عن زيد بن أسلم، قال:
إنه دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل: ما لوجهك يتهلل؟
__________
[1] سورة: آل عمران، الآية: 144.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 101.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ميمون» .
[4] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 102.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن زيد بن أسلم» .

(4/91)


فَقَالَ: ما من عملي شيء أوثق من اثنتين، أما إحداهما، فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: شهد أبو دجانة اليمامة، وهو فيمن شرك في قتل مسلمة الكذاب، وقتل أبو دجانة يومئذ شهيدا [1]
. 143-[السائب بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى: [2]
شهد أحدا والخندق والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتل يوم اليمامة
. 144- سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ [3] :
قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم إلى المدينة، وشهد أحدا وما بعدها، وكأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه بكتاب إلى هوذة بن علي الحنفي، وقتل سليط يوم اليمامة
. 145- شجاع بن وهب [4] :
شهد بدرا والمشاهد [كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [5] وقتل يوم اليمامة] [6]
. 146- عبد الله بن أبي بكر الصديق:
أمه قتيلة، أسلم قديما ولم يسمع له بمشهد إلا يوم الطائف، فإنه شهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرماه أبو محجن بسهم فبقي منه جريحا مدة، ثم اندمل ثم انتقض به في شوال سنة/ إحدى عشرة في خلافة أبيه فمات، ونزل في حفرته عبد الرحمن بن أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
__________
[1] بعدها في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 102: «سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق، ولأبي دجانة عقب اليوم بالمدينة وبغداد» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 88، ومن هنا حتى آخر ترجمة شجاع بن وهب ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 149، وهذه الترجمة أيضا ساقطة من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 61، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين من ابن سعد.
[6] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.

(4/92)


147- عبد الله بن سهيل بن عمرو [1] :
[هاجر [2] إلى الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدم مكة أخذه أبوه فأوثقه وفتنه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الجوهري، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا ابن معروف، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قال: قال محمد بن عمر: حدثني عطاء [3] بن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبيه، قال:
خرج عبد الله بن سهيل إلى نفير بدر مع المشركين وهو [4] مع أبيه سهيل في نفقته وحملانه، [5] ولا يشك أبوه أنه رجع إلى دينه، فلما التقوا انحاز عبد الله بن سهيل إلى المسلمين حتى جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل القتال، فشهد بدرا مسلما وهو ابن سبع وعشرين سنة، فغاظ ذلك أَبَاهُ غيظا شديدا. قال عبد الله: فجعل الله عز وجل لي وله في ذلك خيرا كثيرا.
وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها] [6] وقتل يوم اليمامة شهيدا [وهو ابن ثمان وثلاثين سنة] [7] فلما حج أبو بكر الصديق في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر بعبد الله [8] ، [فقال [9] سهيل: لقد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله، فأنا أرجو ألا يبدأ ابني بأحد قبلي
. 148- عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى، أبو محمد [10] :
هاجر إلى الحبشة الهجرتين، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 295، وفي الأصل: «بن عمر» . وقد جاءت هذه الترجمة في أبعد ترجمة عبد الله بن مخرمة الآتية.
[2] من هنا إلى العلامة المماثلة ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في أ: «قال محمد بن عمرو وابن عطاء قال: «والتصحيح من ابن سعد» .
[4] «وهو» ساقط من أ.
[5] «في نفقته وحملانه» ساقطة من أ، أوردناها من ابن سعد.
[6] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[8] في الأصل: «ولما دخل أبو بكر مكة عزى لأبيه فيها» وما أوردناه من أ، وابن سعد.
[9] من هنا إلى آخر ترجمة عبد الله بن مخرمة ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وابن سعد.
[10] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 96، والترجمة ساقطة من الأصل.

(4/93)


الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم اليمامة شهيدا] [1]
. 149- عباد بن بشر بن وقش بن زغبة، أبو بشر [2] :
أسلم بالمدينة على يدي مصعب بن عمير، وشهد بدرا، وكان ممن قتل كعب بن الأشرف، وجعله رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي مقاسم حنين، واستعمله على حرسه بتبوك مدة إقامته هناك، وكانت إقامته عشرين يوما، وشهد يوم اليمامة فقتل شهيدا وهو ابن خمس وأربعين سنة
. 150- عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة، أبو عقيل [3] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتل يوم اليمامة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا] [4] جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ [5] :
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ وَاصْطَفَّ النَّاسُ [لِلْقِتَالِ] [6] . كَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ أَبُو عُقَيْلٍ، رُمِيَ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ بَيْنَ مِنْكَبَيْهِ وَفُؤَادِهِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَأَخْرَجَ السَّهْمَ، وَوَهِنَ لَهُ شِقُّهُ الأَيْسَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَجُرَّ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَّا حَمِيَ الْقِتَالُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَجَاوَزُوا رِحَالَهُمْ وَأَبُو عُقَيْلٍ وَاهِنٌ مِنْ جُرْحِهِ سَمِعَ مَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ يَصِيحُ: يَا للأنصار، الله اللَّهُ وَالْكَرَّةُ عَلَى عَدُوِّكُمْ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَنَهَضَ أَبُو عُقَيْلٍ يُرِيدُ قَوْمَهُ، فَقُلْتُ: مَا فِيكَ قِتَالٌ، قَالَ:
قَدْ نَوَّهَ الْمُنَادِي بِاسْمِي. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقُلْتُ: إِنَّمَا يقول يا للأنصار، ولا يعني الجرحى،
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 16.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 41. وهذه الترجمة جاءت في أبعد ترجمة عقبة، ومكانها جاءت ترجمة عمارة بن حزم وستأتي.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن جعفر» .
[5] طبقات ابن سعد/ 3/ 2/ 41، 42.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.

(4/94)


قال أَبُو عُقَيْلٍ: أنا [رَجُلٌ] [1] مِنَ الأَنْصَارِ وَأَنَا أُجِيبُهُ وَلَوْ حَبْوًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَتَحَزَّمَ أبو عقيل وأخذ السَّيْفَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى [مُجَرَّدًا] [2] ، ثُمَّ جَعَلَ يُنَادِي: يَا لَلأَنْصَارِ كَرَّةً كَيَوْمِ حُنَيْنٍ.
فَاجْتَمَعُوا رَحِمَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا، يَقْدُمُونَ الْمُسْلِمِينَ [3] [دُرْبَةً دُونَ عَدُوِّهِمْ] [4] حتى أقحموا [[5] عدوهم الحديقة فَاخْتَلَطُوا وَاخْتَلَفَتِ السُّيُوفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.
قَالَ ابْنُ عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يَدُهُ الْمَجْرُوحَةُ مِنَ الْمِنْكَبِ فَوَقَعَتْ بِالأَرْضِ، وَقُتِلَ عَدُوُّ اللَّهِ مُسَيْلَمَةُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعْتُ عَلَى أَبِي عُقَيْلٍ وَهُوَ صَرِيعٌ بِآَخِرِ رَمَقٍ، فقلت: أَبَا عُقَيْلٍ، فَقَالَ: [6] لَبَّيْكَ [بِلِسَانٍ مُلْتَاثٍ] ، لِمَنْ الدَّبَرَةُ؟ قَالَ:
قُلْتُ: أَبْشِرْ قَدْ قُتِلَ عَدُوُّ اللَّهِ، فَرَفَعَ إِصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمْتُ خَبَرَهُ كُلَّهَ، فَقَالَ: رحمه الله، ما زال يطلب الشهادة ويطلبها، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ نبينا صلّى الله عليه وسلّم وقديم إسلامهم
. 151- فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم [7] :
ولدت قبل النبوة بخمس سنين، ومرضت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضا شديدا، فقالت لأسماء بنت عميس: ألا ترين ما قد بلغت فأحمل على سرير ظاهر، فقالت: لا لعمري ولكن نعشا كما يصنع الحبشة، فقالت: فأرينيه، فأرسلت إلي جرائد رطبة، فقطعت ثم جعلتها على السرير نعشا، فتبسمت فاطمة عليها السلام وما رئيت متبسمة إلا يومئذ، وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان هذه السنة وهي بنت تسع وعشرين سنة، وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو، وعلي، والفضل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[3] في الأصل: «فاجتمعوا رحمكم الله جميعا فتقدموا المسلمون» . والتصحيح من أ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] من هنا إلى بداية أحداث سنة عشر ساقط من الأصل وأوردناه من أ.
[6] «وهو صريع ... فقال» العبارة ساقطة من أ، وأوردناها من ابن سعد.
[7] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.

(4/95)


وقال ابن عباس، وعروة: صلى عليها علي رضي الله عنه. وقال الشعبي وإبراهيم: صلى عليها أبو بكر رضي الله عنه ودفنت ليلا
. 152- معن بن عدي بن العجلان [1] :
شهد العقبة مع السبعين، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين زيد بن الخطاب، فقتلا جميعا يوم اليمامة.
شهد معن بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما توفي رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى النَّاسُ وقالوا: وددنا أنا متنا قبله، نخشى أن نفتن بعد، فقال معن: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا
. 153- نعمان بن عصر بن عبيد بن وائلة [2] :
كذا قال الأكثرون: عصر بكسر العين. وقال هشام بن الكلبي: عصر بفتح العين والصاد. قال ابن عمارة: اسمه لقيط بن عصر.
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم اليمامة
. 154- هشام بن عتبة بن ربيعة، أبو حذيفة، وقيل هشيم:
[3] شهد بدرا والمشاهد كلها، وقتل يوم الميامة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 35، والترجمة ساقطة من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 79.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 59.

(4/96)


ثُمَّ دخلت سنة اثنتي عشرة
فمن الحوادث فيها [مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة] [1]
لما فرغ خالد من أمر اليمامة كتب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو مقيم باليمامة: إني قد وليتك حرب العراق، فاجسر على من ثبت على إسلامه] [2] وقاتل أهل الردة، ممن بينك وبين العراق من تميم وأسد/ وقيس وعبد القيس، وبكر بن وائل، ثم سر نحو فارس فادخل بهم العراق من أسفلها، فابدأ بفرج الهند، وهي يومئذ الأبلة، وكان صاحبها بساحل أهل السند والهند في البحر، وبساحل العرب في البر، فسار في المحرم إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني، وجعل طريقه البصرة، وفيها قطبة بن قتادة السدوسي.
قال الواقدي: من الناس من يقول: مضى خالد من اليمامة إلى العراق، ومنهم من يقول: رجع من اليمامة فقدم المدينة ثم سار إلى العراق، فمر على طريق الكوفة حتى انتهى إلى الحيرة.
وروى ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان [3] : أن أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى خالد يأمره أن يسير إلى العراق، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريّات من [4]
__________
[1] العنوان ما بين المعقوفتين غير موجود بالأصول.
[2] إلى هنا انتهى السقط من الأصل الّذي بدأ أثناء ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 343.
[4] كذا في الأصول، وأصول الطبري أيضا.

(4/97)


السواد، يقال [لها] : بانقيا وباروسما وأليس، فصالحه أهلها، وكان الذي صالحه عليها ابن صلوبا، وذلك في سنة اثنتي عشرة، فقبل منهم خالد الجزية، وكتب لهم كتابا فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي- ومنزله بشاطئ الفرات- إنك آمن بأمان الله- إذ حقن دمه بإعطاء الجزية- وقد أعطيت عن نفسك وعن أهلك خرجك وجزيرتك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلتها منك ورضي من معي من المسلمين بها منك، ولك ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذمة المسلمين على ذلك. وشهد هشام بن الوليد.
ثم أقبل خالد بن الوليد بمن معه حتى نزل الحيرة، فخرج إليه أشرافهم مع قبيصة بن إياس الطائي، وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر، فقال له خالد ولأصحابه: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على/ الموت منكم عَلَى الحياة، فنجاهدكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم.
فقال له قبيصة بن إياس: ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك [الجزية] [1] ، فصالحهم على تسعين ألف درهم، فكانت أول جزية وقعت بالعراق هي والقريات التي صالح عليها ابن صلوبا.
وقال هشام بن الكلبي [2] : إنما كتب أبو بكر إلى خالد وهو باليمامة أن يسير إلى الشام، وأمره أن يبدأ بالعراق فيمر بها، فأقبل خالد يسير حتى نزل النّباج.
[قال: وقال أبو مخنف: حدثني حمزة بن علي، عن رجل من بكر بن وائل] [3] :
أن المثنى بن حارثة سار حتى قدم على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أمرني على من قبلي من قومي، أقاتل من يليني من أهل فارس وأكفيك ناحيتي، ففعل ذلك، فأقبل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في أ: «وقال هشام بن محمد» والخبر في الطبري 3/ 344.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري، وفي الأصل: «وروي أن المثنى بن حارثة» . والخبر في تاريخ الطبري 3/ 344، 345.

(4/98)


يجمع قومه وأخذ يغير ناحية كسكر مرة، وفي أسفل الفرات مرة، ونزل خالد بن الوليد النّباج والمثنى بن حارثة [بخفان] [1] معسكر، فكتب إليه خالد بن الوليد ليأتيه، وبعث إليه بكتاب من أبي بكر رضي الله عنه يأمره فيه بطاعته، فانقض إليه [جوادا] [2] حتى لحق به [3] .
فأقبل خالد يسير، فعرض له جابان صاحب أليس [4] ، فبعث إليه المثنى بن حارثة، فقاتله فهزمه، وقتل جل أصحابه، إلى جانب نهر، فدعي نهر دم لتلك الوقعة، وصالح أهل أليس [5] ، وأقبل حتى دنا من الحيرة، فخرجت إليه خيول آزاذبه [6] صاحب خيل كسرى التي كانت في مسالح ما بينه وبين العرب، فلقوهم بمجتمع الأنهار، فتوجه إليهم المثنى بن حارثة، فهزمهم [الله] [7] .
ولما رأى ذلك أهل الحيرة خرجوا يستقبلونه، فيهم عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة، وهاني بْن قبيصة، فقال خالد لعبد المسيح: من أثرك؟ قال: من ظهر أبي، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: ويحك على أي شيء أنت؟ قال: على الأرض، قال: ويلك في أي شيء أنت؟ قال: في ثيابي، قَالَ: ويحك، تعقل؟ قال:
نعم وأقيد، قال: إنما أسألك، قال: وأنا أجيبك، قال: أسلم أنت أم حرب؟ قَالَ: بل سلم، قال: فما هذه الحصون التي أرى؟ قال: بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجيء الحليم فينهاه [8] ، قال خالد: إني/ أدعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[3] بعدها في تاريخ الطبري: «وقد زعمت بنو عجل أنه كان خرج مع المثنى بن حارثة رجل منهم يقال له:
مذعور بن عدي، نازع المثنى بن حارثة، فتكاتبا إلى أبي بكر، فكتب أبو بكر إلى العجليّ يأمره بالمسير مع خالد إلى الشام، وأقر المثنى على حاله، فبلغ العجليّ مصر، فشرف بها وعظم شأنه، فداره اليوم بها معروفة» .
[4] في الأصل: «الليس» .
[5] في الأصل: «أهل الليس» . وما أوردناه من الطبري.
[6] في أ: «خيول دادبه» ، وفي الأصل: «خيول بادبه» ، وما أوردناه من الطبري.
[7] لفظ الجلالة ساقط من الأصول.
[8] في الأصل: «حتى يجيء الحكيم» وما أوردناه من أ، والطبري.

(4/99)


قاتلتكم، قالوا: لا حاجة لنا في حربك، فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم، فكانت أول جزية حملت إلى المدينة من العراق.
وفي رواية أخرى: أن عبد المسيح لما حضر عند خالد وجد معه شيئا يقلبه في كفه، فقال: ما هذا؟ قال: سم، قال: وما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي حمدت الله وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلا أشربه وأستريح من الحياة، قال: هاته. فأخذه خالد، وقال: بسم الله، وباللَّه رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم أكله فجللته غشية، ثم ضرب بذقنه صدره طويلا ثم عرق وأفاق كأنما نشط من عقال، فرجع ابن بقيلة إلى قومه، فقال: جئتكم من عند شيطان أكل سم ساعة فلم يضره فصانعوا القوم وادرءوهم عنكم فإنهم مصنوع لهم، فصالحوهم على مائة ألف درهم.
[قال مؤلف الكتاب] [1] : وهذا عبد المسيح هو ابن [2] عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة، واسم بقيلة ثعلبة، وقيل: الحارث، وإنما سمي بقيلة، لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا: ما أنت إلا بقيلة. وعاش عبد المسيح ثلاثمائة وخمسين سنة، وكان نصرانيا، وخرج بعض أهل الحيرة يخط ديرا في ظهرها، فلما حفر وأمعن وجد كهيئة البيت، ووجد رجلا على سرير من زجاج وعند رأسه كتابة: أنا عَبْد المسيح بن بقيلة ومكتوب بعده:
حلبت الدهر أشطر، حياتي ... ونلت من المنى فوق المزيد
وكافحت الأمور وكافحتني ... ولم أجعل بمعضلة كؤود
وكدت أنال في الشرف الثريا ... ولكن لا سبيل إلى الخلود
روى مجالد، عن الشعبي [3] : أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد إلى أهل المدائن:
«من خالد بن الوليد إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد/
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في الأصل: «هو عمرو بن قيس» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 346، والبداية 6/ 386.

(4/100)


فالحمد للَّه الذي سلب ملككم، ووهن كيدكم، وإنه من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم الّذي له ما لنا وعليه ما علينا أما بعد، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي [بالرهن] [1] بالتي هي أحسن، [2] واعتقدوا مني الذمة، وإلا فو الّذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة.
فلما قرءوا الكتاب أخذوا يتعجبون، وذلك في سنة اثنتي عشرة.
قال الشعبي [3] : ولما فرغ خالد من اليمامة، كتب إليه أبو بكر رضي الله عنه: إن الله فتح عليك فعارق حتى تلقى عياضا. وكتب إلى عياض بن غنم وهو بين النباج والحجاز: أن سر حتى تأتي المصيخ فابدأ بها، ثم ادخل العراق من أعلاها، وعارق حتى تلقى خالدا. وإذنا لمن شَاءَ بالرجوع، [ولا تستفتحا بمتكاره] [4] .
فلما أذنا للناس ارفضوا، فاستمد خالد أبا بكر رضي الله عنه، فأمده بالقعقاع بن عمرو التميمي وحده، فقيل أتمده برجل واحد، فقال: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا، فأمد عياضا بعبد بْن عمرو الحميري، وكتب إليهما أن استنفرا من قاتل أهل الردة، ومن ثبت على الإِسْلامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يغزون معكم أحد ارتد حتى أرى رأيي، فلم يشهد الأيام مرتد.
فقدم خالد الأبلة وحشر من بينه وبين العراق، فلقي هرمز في ثمانية عشر ألفا، وكتب خَالِد إلى هرمز: أما بعد، وأسلم تسلم، واعقد لنفسك ولقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.
وقال المغيرة بن عيينة وهو قاضي الكوفة: فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى العراق جنده ثلاث فرق، ولم يحملهم على طريق واحدة، فسرح المثنى قبله بيومين ودليله ظفر، وسرح عدي بن حاتم، وعاصم بن عمرو ودليلهما [مالك] [5] بن عباد،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] «بالتي هي أحسن» : ساقط من أ، والطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 346.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناها من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/101)


وسالم بن نصر، أحدهما قبل صاحبه بيوم، وخرج ودليله رافع، فوعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به وليصادفوا عدوهم، وكان فرج الهند [1] / أعظم فروج فارس شأنا واشده شوكة، وكان صاحبه يحارب العرب في البر والهند في البحر. ولما قدم كتاب خالد على هرمز، كتب بالخبر إلى شيري بن كسرى، وإلى أردشير بن شيري، وجمع جموعه وتعجل وجعل على مجنبتيه قباز والنوشجان، ونزلوا على الماء، فجاء خالد، فقال لأصحابه: جالدوهم على الماء، فليصيرن الماء لأصبر الفريقين، وتنازل هرمز وخالد وانهزم أهل فارس وأفلت قباز والنوشجان.
وأول ملوك فارس قاتله المسلمون شيري بن كسرى، وبعث خالد بالنفل إلى أبي بكر رضي الله عنه ومعه فيل، فكان يطاف به في المدينة، وكان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، وكان هرمز قد تم شرفه فنفل أَبُو بكر رضي الله عنه خالدا قلنسوته، وكانت مفصصة بالجوهر
. [وقعة المذار] [2]
وبعث شيري إلى هرمز قارن بن قريانس مددا له، فلما انتهى إلى المذار بلغته هزيمة القوم، فعسكر هنالك واستعمل على مجنبته قباذ والنوشجان، وقتل من فارس ثلاثون ألفا سوى من غرق وأعطى خالد الأسلاب من سلبها، وقسم الفيء وبعث ببقية الأخماس مع سعيد بن النُّعمان، وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة
. [ذكر وقعة الولجة] [3]
وأتى الخبر أردشير، فبعث الأندر في خلق كثير، فلقوا خالدا فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان لخالد كمين، فخرج على القوم من وجهين، فانهزمت صفوف الأعاجم، وأخذوا من بين أيديهم ومن خلفهم، ومضى الأندر منهزما فمات عطشا.
__________
[1] في الأصل: «فروج الهند» ، وما أوردناه من أ، والبداية 6/ 386، 387.
[2] تاريخ الطبري 3/ 351، والبداية والنهاية 6/ 385.
[3] تاريخ الطبري 3/ 353. والبداية والنهاية 6/ 353.

(4/102)


[ذكر خبر أليس وهي على صلب الفرات]
[1] ثم إن النصارى وفارس اجتمعوا بأليس وقد وضعوا الأطعمة يأكلون، فقال: كلوا ولا تحفلوا بهم، فعالجهم خالد فقاتلهم، وقال: اللَّهمّ إن لك علي إن منحتني أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم. فمنحه الله أكتافهم، فأمر مناديه: الأسر الأسر، ولا/ تقتلوا إلا من امتنع، فضرب أعناقهم في النهر، فقيل:
لو قتل أهل الأرض لم تجر دماؤهم، إن الدم لا تزيد على أن تترقرق أرسل عليه الماء تبر يمينك. وكان قد صد الماء عن النهر، فأعاده، فجرى دما عبيطا [2] ، فسمي نهر الدم لذلك إلى اليوم.
وكانت على الماء أرحاء، فطحنت قوت العسكر ثلاثة أيام بالماء الأحمر، وبلغ القتلى سبعين ألفا. ووقف [3] خالد على طعامهم، فقال لأصحابه: قد نفلتكم الطعام، فكان من لا يعرف خبز الرقاق يقول: ما هذه الرقاع البيض، وجعل من يعرفها [يقول] [4] : هل سمعتم برقيق العيش؟ هو هذا
. [حديث أمغيشيا] [5]
ونفذ خالد إلى أبي بكر رضي الله عنه بفتح أليس، فلما فرغ خالد من وقعة أليس جاء إلى أمغيشيا، وقد جلا أهلها فأمر بهدمها، وكانت مصرا كالحيرة، فأصابوا منها ما لم يصيبوا مثله قط، بلغ سهم الفارس ألف وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء
. [حديث يوم المقر وفم فرات بادقلي]
[6] ثم خرج آزاذبه وابنه نحو خالد في عسكر كبير، فقتلهم خالد حتى أتى منهم، وهرب آزاذبه، ثُمَّ قصد خالد الحيرة وسار حتى نزل الخورنق والنّجف، وأدخل خالد
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 355، والبداية والنهاية 6/ 386.
[2] أي: دما طريا.
[3] في الأصل: «ووقعت» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 3/ 358.
[6] تاريخ الطبري 3/ 3/ 359.

(4/103)


الحيرة الخيل، وأمر كل قائد من قواده بمحاصرة قصر من قصورها، فكان ضرار بن الأزور محاصرا للقصر الأبيض، وفيه إياس بن قبيصة الطائي، وكان ضرار بن الخطاب محاصرا قصر العدسيين [1] وفيه عدي بن عدي، وكان ضرار بن مقرن المازني محاصرا قصر بني مازن وفيه ابن أكال، وكان المثنى محاصرا قصر ابن بقيلة، وفيه عمرو بن عبد المسيح، فدعوهم جميعا، وأجلوهم يوما، فأبى أهل الحيرة [ولجوا] [2] ، فناوشهم المسلمون.
فكان أول القواد أنشب القتال ضرار بن الأزور، وصبح كل أمير ثغره، فأكثروا فيهم القتل، وصاحوا: كفوا عنا حتى تبلغونا إلى خالد، وكان أول من طلب الصلح عمرو بن عَبْد المسيح، وهو بقيلة.
فلما وصل الرؤساء إلى خالد، قال: اختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تدخلوا في ديننا، وإما الجزية، وإما المناجزة/، فقد والله أتيتكم بأقوام أحرص على الموت منكم على الحياة، قالوا: بل الجزية، فصالحوه على مائة ألف وتسعين ألفا في كل سنة.
فبعث بالهدايا والفتح إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقبلها أبو بكر رضي الله عنه، وكتب إلى خالد: احسب لهم هداياهم من الجزية، وصالحهم خالد في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. ثم أنهم كفروا بعد موت أبي بكر رضي الله عنه فحاربهم المثنى ثم عادوا فكفروا فقتلهم سعد
. فصل [خبر ما بعد الحيرة] [3]
ولما فتح خالد الحيرة قام شويل، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يذكر فتح الحيرة، فسألته كرامة بنت عبد المسيح، فقال: «هي لك إذا فتحت عنوة» . وشهد له بذلك،
__________
[1] في الأصل: «محاصرا قصر الفرس» ، وما أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 365.

(4/104)


[وعلى ذلك صالحهم] [1] ، فدفعها إليه، وكان يهزأ بها دهره، فاشتد ذلك على أهلها، فقالت: ما تخافون على امرأة قد بلغت ثمانين سنة، وإنما هذا رجل أحمق رآني في شبيبتي، فظن أن الشباب يدوم، فلما أخذها قالت: ما أربك إلى عجوز كما ترى، فادني، فقال: لست لأم شويل إن [نقصتك] [2] من ألف درهم، فاستكثرت ذلك لتخدعه ثم أتته بها.
فلما سمع الناس ذلك عنفوه، فقال: ما كنت أرى عددا يزيد على ألف.
ولما صالح خالد [3] أهل الحيرة خرج إليه صلوبا صاحب قس الناطف، فصالحه على بانقيا وبسما على ألوف في كل سنة.
وبعث خالد بن الوليد عماله وبعث آخرين على ثغور، ثم إن خالدا كتب إلى أهل فارس وهم في المدائن مختلفون لموت أردشير، وكتب كتابين: كتابا إلى الخاصة، وكتابا إلى العامة، وقال لرجل: ما اسمك؟ قال: مرة قال: خذ هذا الكتاب فأت به أهل فارس، لعل الله أن يمر عليهم عيشهم، وقال لآخر: ما اسمك؟ قال: هزقيل، قال: خذ هذا الكتاب، [وقال] : [4] اللَّهمّ أرهق نفوسهم، وكان في أحد الكتابين [5] :
«بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس، / أما بعد، فالحمد للَّه الذي حل نظامكم، ووهن كيدكم، وفرق كلمتكم، [ولو لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم] [6] ، فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم، ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة» .
وكان في الكتاب الآخر [7] : «بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 367.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[5] نص الكتاب في الطبري 3/ 370.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[7] نص الكتاب في الطبري 3/ 370.

(4/105)


مرازبة فارس، أما بعد، فالحمد للَّه الذي فرق كلمتكم، وفل حدكم، وكسر شوكتكم، فاسلموا تسلموا، وإلا فأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت، كما تحبون الخمر» .
وكان [1] أهل فارس لموت أردشير مختلفين في الملك، وكانوا بذلك سنة، والمسلمون يمخرون ما دون دجلة وليس لأهل فارس فيما بين الحيرة ودجلة أمر، وأمر خالد رسوليه أن يأتياه بالخبر، وأقام في عمله سنة، ومنزله الحيرة، ويصعد ويصوب، وأهل فارس يخلعون ويملكون، وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ، ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير، وبعد أردشير ابنه [2] ، فقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور، فبقوا لا يقدرون على من يملكونه ممن يجتمعون عليه.
واستقام لخالد من أسفل الفلاليج إلى أسفل السواد، وفرق سواد الحيرة على جماعة من أصحابه، وفرق سواد الأبلة على جماعة من أصحابه
. فصل [حديث الأنبار] [3]
قدم خالد إلى الأنبار، فطاف يخندقهم، وأنشب القتال، وكان قليل الصبر عَن القتال، وتقدم إلى رماته، فقال: إني أرى أقواما لا علم لهم بالقتال، فارموا عيونهم فرموا رشقا واحدًا [4] ، ففقئت ألف عين، فسميت تلك الوقعة ذات العيون، فأتى خالد أضيق مكان في الخندق [برذايا] [5] الجيش، فرماهم فيها، فأفعمه، ثم اقتحم الخندق، فقهرهم. وسميت الأنبار لأنه كان فيها أنابير الحنطة والشعير، والقت والتبن، وكان
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 370، 371.
[2] في الأصل: «وبعده ابنه» وما أوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 373.
[4] أي: فرموا وجها واحدا بجميع سهامهم.
[5] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، والرذايا، جمع رذية، وهي الناقة المهزولة من السير.

(4/106)


كسرى بن هرمز يرزق أصحابه/ منها، وكان يسميها الأهراء في زمان يزدجرد بن سابور، ثم صالح خالد من حولهم، وبعث إليهم أهل كلواذى، وكاتبهم على عيبته من وراء دجلة
. فصل [خبر عين التمر]
[1] ولما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر، وكان بها مهران بن بهرام في جمع عظيم، [وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب] [2] ، فقال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدا [3] ، فقال:
صدقتم أنتم أعلم، فخدعه واتقى به، فقالت الأعاجم: ما حملك على هذا، فقال: إن كانت له فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى تهنوا، فنقاتلهم وقد ضعفوا.
فالتقيا فحمل خالد، فأخذ عقة أسيرا وأسر أصحابه وهرب بعضهم، فلما سمع مهران هرب بجنده وترك الحصن، فاعتصم به قلال العرب، فحاصرهم خالد حتى استنزلهم وضرب أعناقهم وعنق عقة، وسبى منهم سبيا كثيرا، ووجد في بيعتهم أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل عليهم باب مغلق، فكسره عنهم، وقسمهم، في أهل البلاء، منهم أبو زياد مولى ثقيف، ونصير أبو موسى بْن نصير، وأبو عمرو جد عبد الله بن عبد الأعلى [الشاعر] [4] ، وسيرين أبو محمد بن سيرين، وحمران مولى عثمان، ومنهم ابن أخت النمر، ويسار مولى قيس بن مخرمة.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 376.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[3] في الأصل: «مدعا وحلدا» كذا بدون نقط، وفي أ: «قد علوا خالدا» ، وفي إحدى نسخ الطبري المخطوط:
«فدعها» ، وما أوردناه عن المطبوع في الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.

(4/107)


فصل [خبر دومة الجندل]
[1] ولما فرغ خالد من عين التمر خلف فيها عويمر بن الكاهن [2] الأسلمي، وخرج فلما بلغ دومة الجندل، وكان عليها رئيسان أكيدر بن عبد الملك [3] ، والجودي بن ربيعة، فاختلفا، فقال أكيدر: أَنَا أعلم الناس بخالد، لا يرى وجهه أحد إلا انهزم، فصالحوا، فأبوا، فقال: لن أمالئكم عَلَى حربه وخرج فعارضه جند خالد، فأخذوه فقتل ونجا خالد، فنزل على دومة/ الجندل، فخرج الجودي، فقتل وتحصن أقوام بالحصن فلم يحملهم، فقتل من تخلف، وقلع باب الحصن، فقتل، وسبى خَالِد بنت الجودي، وكانت موصوفة [بالجمال] [4] وأقام خالد على دومة الجندل، ورد الأقرع بن حابس إلى الأنبار، فتحركت الأعاجم، فكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة، فخرج زرمهر ومعه روزبة يريدان الأنبار، واتعدا حصيدا والخنافس، فكتب الزبرقان وهو على الأنبار إلى القعقاع بن عمرو وهو يومئذ خليفة خالد على الحيرة، فبعث القعقاع أعبد بن فدكي السعدي، وأمره بالحصيد، وبعث عروة بن الجعد البارقي [5] ، وأمره بالخنافس، فقتل زرمهر، وروزبة، وقتل من العجم مقتلة عظيمة، وغنم المسلمون يوم حصيد غنائم كثيرة، وأرز فلال [6] حصيد إلى الخنافس فقصدهم ابن فدكي، فهربوا إلى المصيخ.
قال عدي بن حاتم [7] : فبلغ الخبر خالدا فقصدهم فقتلهم على المصيخ، وإذا رجل يقال له: حرقوص بن النعمان من عين النمر، وإذا حوله بنوه وامرأته، وإذا بينهم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 378.
[2] كذا في الأصول، وإحدى نسخ الطبري المحفوظة، وابن كثير، والنويري: «عويم بن الطاهر» . وفي المطبوع: «عويم بن الكاهل» .
[3] في الأصل: «ابن المنذر بن عبد الملك» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[5] في الأصل: «الباقي» .
[6] فلال، جمع «فل» ، وهم القوم المنهزمون.
[7] تاريخ الطبري 3/ 382.

(4/108)


جفنة من خمر وهم عكوف يقولون له: ومن يشرب هذه الساعة، فقال: اشربوا شرب وداع، فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها، هذا خالد [بالعين] [1] وجنوده [بحصيد] [2] ، فسبق إليه بعض الخيل، فضربوا رأسه، فإذا هو في جفنته، وأخذنا بناته وقتلنا بنيه
. [الثني والزميل]
[3] ثم خرج خالد من المصيخ، فبدأ بالثني، فبيت أهله وسبى، وبعث بخمس الله إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الصهباء ابنة ربيعة بن بجير، فاتخذها فولدت له عَمْرو ورقية.
وكان خالد قد بعث بالمثنى إلى العراق، فأغار على سوق فيها جمع لقضاعة، وهي مكان بغداد اليوم وطعن خالد في البر، وأراد أن يمضي من قراقر إلى سواء، وهما ماءان لكلب، فخاف الضلال، فدلوه على رافع بن عمرو الطائي، وكان هاديا، فقال لخالد: إن الراكب المنفرد ليخاف على نفسه في هذه المفازة، وما يسلكها إلا مغرور، وأنت معك أثقال، فقال: لا بد أن أسلكها، فقال رافع: من استطاع منكم أن يصير أذن راحلته على ماء فليفعل، ثم قَالَ: ابغني عشرين جزورا عظاما سمانا، فأتى بها فأظمأهن حتى أجهدهن عطشا، ثم سقاهن من الماء حتى أرواهن، ثم قطع مشافرهن، ثم جمعهن حتى لا يحترزن فيفسد الماء في أجوافهن، ثُمَّ قال لخالد: سر، فسار فكلما نزلوا نحر من تلك الجزور أربعا فأخذ ما في بطونهن من الماء فسقاه الخيل وشرب الناس مما تزودوا، حتى إذا كان صبيحة اليوم السادس نحر الجزر كلها قال خالد لرافع: ويحك ما عندك؟ قال: أدركت الري إن شاء الله.
وكان رافع يومئذ أرمد، فقال: انظروا، هل ترون شجر عوسج على ظهر الطريق؟
قالوا: لا، قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قد والله إذن هلكت وأهلكت، لا أبا لكم انظروا، فما زوال يطلبونها حتى رأوها، فقال: التمسوا قربها ماء، فنظروا فوجدوا عينا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 382.

(4/109)


فشربوا وارتوا، فقال رافع: ما سلكتها قط إلا مع أبي وأنا غلام، فقال بعض المسلمين في ذلك ارتجازا:
للَّه در خالد أنى اهتدى ... في زمن قراقر إلى سوى
خمسا إذا ما ساره الجيش بكى ... ما سارها قبلك إنسان أرى
عند الصباح يحمد القوم السرى
قال: فأغار خالد على ناس من ثعلب وبهرا وعلى غسان
. فصل [حديث الفراض]
ثم قصد الفراض، فحميت الروم واغتاظت واستعانوا بمن يليهم من مشايخ أهل فارس، واستمدوا تغلبا وإيادا والنمر فأمدوهم، ثم ناهدوا خالدا حتى إذا صار الفراض [1] بينهم، قَالُوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر/ إليكم، قال خالد: بل اعبروا إلينا، قالوا:
فتنحوا حتى نعبر، فقال خالد: لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة، فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل عن دين، والله لينصرن ولنخذلن، فعبروا، فقالت الروم: امتازوا حتى نعرف الحسن والقبيح من أينا يجيء، ففعلوا فقاتلوا قتالا طويلا، ثم هزمهم الله، وقال خالد للمسلمين: ألحوا عليهم [ولا ترفهوا عنهم] [2] . فقتل يوم الفرار مائة ألف، وأقام هناك بعد الوقعة عشرا، ثم أذن في القفول إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم، وأمر شجرة بن الأغر أن يسوقهم، وأظهر خالد أنه في الساقة.
__________
[1] في الأصل: «الفراة» ، والتصحيح من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.

(4/110)


[حجة خالد] [1] وخرج خالد حاجا من الفراض [2] متكتما بحجه، يعتسف البلاد [3] حتى أتى مكة بالسمت [4] ، فتأتى له من ذلك ما لم يتأت له بدليل، وصار طريقا من طرق أهل الحيرة، فلما علم أبو بكر بذلك عتب عليه، وكانت عقوبته له أن صرفه إلى الشام، وكتب إليه:
سر حتى تأتي بجموع المسلمين باليرموك، وإياك أن تعود لما فعلت، وأتم يتم الله لك ولا يدخلك عجب فتخسر، وإياك أن تدل بعملك فإن الله له المن، وهو ولي الجزاء.
وهذا كله كان في سنة اثنتي عشرة
. ومن الحوادث في هذه السنة [عمرة أبي بكر رضي الله عنه في رجب]
إن أبا بكر اعتمر في رجب، فدخل مكة ضحوة، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره ومعه فتيان يحدثهم، فقيل له: هذا ابنك، فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم، ثم التزمه وقبل بين عينيه وهو يبكي فرحا بقدومه، وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هِشَام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله، وصافحوه جميعا، فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وسلموا/ على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: يا أبه لا حول ولا قوة إلا باللَّه، طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا باللَّه، وقال: هل أحد يشتكي ظلامة، فما أتاه أحد. وأثنى النّاس على واليهم
. وفي هذه السنة تزوج عمر بن الخطاب عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 384.
[2] في الأصل: «من الفراة» .
[3] اعتسف الطريق إذا قطعه دون صوب توخاه فأصابه.
[4] السمت: السير على الطريق بالظن.

(4/111)


وفيها: تزوج علي عليه السلام أمامة بنت أبي العاص بن الربيع.
وفيها: اشترى عمر أسلم مولاه.
وفي هذه السنة: حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس [1] ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
155-[بشير بن سعد بن ثعلبة [2] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا، وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وبعثه سرية إلى بني مرة بفدك، وقتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد
. 156- ثمامة بن حبيب، أبو مروان، وهو مسيلمة الكذاب:
وقد سبقت أخباره
. 157- السائب بن عثمان بن مظعون [3] :
هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وكان من الرماة المذكورين، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وأصابه سهم يوم اليمامة، فمات منه وهو ابن بضع وثلاثين سنة
. 158- عبد الله بن عبد الله بن أبي مالك: [4] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وكان يغمه أمر أبيه، وهو الذي قال له: والله لا تدخل المدينة حتى تقر أنك أذن ورسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الأعز. واستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في قتله فلم يأذن له، فمات أبوه، فشهده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ووقف على قبره، وعزا ابنه عنه.
وقتل عبد الله بن عبد الله يوم جواثا في هذه السنة.
__________
[1] في الطبري 3/ 386: «وقال بعضهم: حج بالناس عمر بن الخطاب» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 83، ومن هنا حتى آخر ترجمة كناز ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 292.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 89.

(4/112)


159- عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة، يكنى أبا محصن [1] :
شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، [وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] [2] بسرية إلى الغمر في أربعين رجلا، وقتل ببزاخة في هذه السنة، وهو ابن خمس وأربعين سنة
. 160- كناز بن الحصين بن يربوع بن طريف، أبو مرثد الغنوي [3] :
حليف حمزة بن عبد المطلب، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وتوفي في هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة] [4]
. 161- مهشم [5] بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو العاص [6] :
وأمه هالة بنت خويلد، وخالته خديجة زوج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ. تزوج زينب ابنة.
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ قبل الإسلام، فولدت له عليا وأمامة. فتوفي علي صغيرا، وبقيت أمامة، فتزوجها علي رضي الله عنه بعد موت فاطمة عليها السلام.
وكانت زينب قد أسلمت وهاجرت وأبى أبو العاص أن يسلم، فشهد بدرا مع المشركين، فأسره عَبْد الله بن جبير بن النعمان، فقدم في فدائه أخوه عمر بن الربيع، وبعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وهي يومئذ بمكة بقلادة لها كانت لخديجة من جزع ظفار، وظفار جبل باليمن، وكانت خديجة أدخلتها على أبي العاص بتلك القلادة، فلما بعثت بها في فداء زوجها عرفها رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، ورق لها وذكر خديجة وترحم عليها، وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها متاعها فعلتم» ، فأطلقوه وردوا القلادة، وأخذ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ على أبي العاص أن يخلي سبيلها ففعل.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 64.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش أ.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 32.
[4] إلى هنا انتهى السقط من الأصل من ترجمة بشير بن سعد» .
[5] في أ: «مقسم» .
[6] البداية والنهاية 6/ 398.

(4/113)


/ وفي رواية أن أبا العاص كان في عير لقريش، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ زيد بن حارثة في جماعة فأخذوها وأسروا أبا العاص، فدخل أبو العاص على زينب امرأته واستجار بها فأجارته، وسألت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أن يرد عليه ما أخذ منه، ورجع إلى مكة فأدى ما عليه من الحقوق، ثم أسلم ورجع إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مسلما مهاجرا، فرد إليه زينب.
وتوفي أبو العاص في ذي الحجة من هذه السنة، وأوصى إلى الزبير
.

(4/114)


ثُمَّ دخلت سنة ثلاث عشرة
فمن الحوادث فيها تجهيز أبي بكر رضي الله عنه الجيوش إلى الشام بعد منصرفه من حجه
[1] [أن أبا بكر رضي الله عنه جهز الجيوش إلى الشام بعد منصرفه من حجه] [2] فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، وبعث أبا عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشام [3] .
وأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير، وولى يزيد بن أبي سُفيان، فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام، وخرجوا في سبعة آلاف [4] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْمَأْمُونِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، حَدَّثَنَا البغوي، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ الثِّمَارِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ] [5] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزِيدَ [6] بْنَ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ وَمَشَى مَعَهُمْ نحوا من
__________
[1] العنوان ساقط من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] نقله المؤلف من الطبري 3/ 387 عن ابن إسحاق.
[4] تاريخ الطبري الجزء والصفحة.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عمر» .
[6] في الأصل: «أن أبا بكر لما بعث يزيد» .

(4/115)


مِيلَيْنِ، فَقِيلَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَوِ انْصَرَفْتَ، فَقَالَ: لا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أُغْبِرَتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . ثُمَّ بَدَا لَهُ الانْصِرَافُ، فَقَامَ فِي الْجَيْشِ، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، لا تَعْصُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَجْبُنُوا، وَلا تَهْدِمُوا بَيْعَةً، وَلا تُعْرِقُوا نَخْلا، وَلا تَحْرُقُوا زَرْعًا، وَلا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَلا تَقْتُلُوا شَيْخًا كَبِيرًا وَلا صَبِيًّا صَغِيرًا، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّذِي حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ فَذَرُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَتَرِدُونَ بَلَدًا يَغْدُو عَلَيْكُمْ وَيَرُوحُ فِيهِ أَلْوَانُ/ الطَّعَامِ فَلا يَأْتِيكُمْ لَوْنٌ إِلا ذَكَرْتُمُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ
. فصل [في سبب عزل خالد بن سعيد]
[1] وكان سبب عزل أبي بكر رضي الله عنه خالد بن سعيد ما روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بَكْر، قال: قدم خالد بن سعيد من اليمن بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فتربص ببيعة أبي بكر شهرين، ولقي علي بن أبي طالب، وعثمان رضي الله عنهما، فقال: يا بني عبد مناف، لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم، فأما أبو بكر فلم يجعلها عليه، وأما عمر فاضطغنها عليه. فلما أمره قال عمر: أتؤمره وقد صنع ما صنع، وقال ما قال، فلم يزل به حتى عزله، وأمر يزيد بن أبي سفيان [2] . ثم جعله ردا بتيماء، فأطاع عمر في بعض أمره، وعصاه في بعض، وقال له: انزل بتيماء ولا تبرح، وادع من حولك بالانضمام إليك، ولا تقاتل إلا من قاتلك حتى يأتيك أمري. فاجتمع إليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر، فضربوا على العرب البعوث، فكتب بالخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، فكتب إليه، أقدم تحجم، واستنصر الله، فسار إليهم خالد فتفرقوا وأعروا منزلهم فنزله، ودخل عامة من كان يجمع له في الإسلام، فسار بمن معه فأقبل إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان فهزمه وقتل جنده، وكتب بذلك إلى أبي بكر الصديق واستمده.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 387، 388.
[2] إلى هنا نقل المؤلف من الطبري.

(4/116)


ولما بلغ [1] [الخبر] [2] الروم وأحوال الأمراء المبعوثين كتبوا إلى هرقل، فقال لأصحابه: أرى من الرأي ألا تقاتلوا هؤلاء القوم، وأن تصالحوهم، فلم يقبلوا منه، فخرج هرقل حتى نزل بحمص، فعبى لهم العساكر، وبعث إلى تذارق، فخرج في تسعين ألفا، فنزلوا على فلسطين، وبعث جرجة بن وذار نحو يزيد ابن أبي سفيان. فعسكر بإزائه، وبعث إليه الدّارقص فاستقبل شُرَحْبيل بن حسنة، وبعث الفيقار بن نسطوس في ستين ألفا نحو أبي عبيدة، فهابهم المسلمون، وكتب المسلمون إلى أبي بكر/ وإلى عمر: ما الرأي؟ فكتب عمر: الرأي الاجتماع، فاتعدوا باليرموك، وجاء كتاب إلى أبي بكر رضي الله عنه بمثل رأي عمر، اجتمعوا باليرموك، فتكونوا عسكرا واحدا، ولن يؤتى مثلكم من قلة، الله ناصر من نصره، وليصل كل رجل منكم بأصحابه.
فبلغ ذلك هرقل، فكتب إلى بطارقته: اجتمعوا لهم، وانزلوا بالروم منزلا واسع العطن [3] ، واسع المطرد، ضيق المهرب، وعلى الناس التذارق، وعلى المقدمة جرجه، وعلى مجنّبتيه باهان والداراقص، وعلى العرب الفيقار.
ففعلوا [4] ونزلوا الواقوصة، وهي على ضفة اليرموك، وصار الوادي خندقا لهم، ونزل المسلمون بحذائهم على طريقهم، وليس للروم طريق إلا عليهم، فقال عمرو:
أبشروا حصرت [5] الروم، وقلما حاصر قوم قوما إلا ظفروا بهم، وأقاموا بذلك صفر من سنة ثلاث عشرة، وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء، ولا يخلصون إليهم ولا يخرج الروم خرجة إلا أديل [6] [المسلمون] [7] عليهم.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 392.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أهل العطن» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 393.
[5] في الأصل: «حضرت الروم» .
[6] في اللسان: أديل لنا على أعدائنا، أي نصرنا عليهم وكانت الدولة لنا.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.

(4/117)


وكتب أبو بكر إلى خالد أن يلحق بهم، وأمره أن يخلف على العراق المثنى، فوافاهم في ربيع، وأمد هرقل الروم بباهان، فطلع عليهم وقد قدم قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين [1] يحضونهم [2] على القتال، فوافى قدومهم قدوم خالد، فقاتل خالد باهان، وقاتل الأمراء من يليهم، فهزم باهان، وتتابعت الروم على الهزيمة، فاقتحموا خندقهم. وكان المشركون مائتي ألف وأربعين ألفا، منهم ثمانون ألف مقيد، وأربعون ألفا مسلسل للموت، وأربعون ألفا مربطون بالعمائم للموت، وثمانون ألف فارس، وثمانون ألف راجل. وكان المسلمون سبعة وعشرين ألفا إلى أن قدم خالد في تسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألفا. وقيل: ستة وأربعين ألفا، فمرض أبو بكر رضي الله عنه، وتوفي قبل الفتح بعشر ليال
. ذكر خبر اليرموك
[3] لما اجتمع القوم باليرموك أخذ الرهبان يحرضونهم/ وينعون إليهم النصرانية، فخرجوا للقتال في جمادى الآخرة، فقام خالد في الناس، فقال: اجتمعوا وهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن عليها بعضنا اليوم، والآخر غدا، والآخر بعد غد، [حتى يتأمر كلكم] [4] ، ودعوني اليوم إِلى أمركم، فإنا إن رددنا القوم إلى خندقهم لم نزل نردهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها.
فأمروه، فخرجت الروم في تعبية لم ير الراءون مثلها، وخرج خالد في ستة وثلاثين كردوسا [5] إِلى أربعين، فجعل القلب كراديس، وأقام فيه أبا عبيدة، وجعل الميمنة كراديس وعليها عَمْرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة، وجعل الميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان، وكان على كردوس من كراديس العراق القعقاع بن عمرو، وعلى كردوس مذعور بن عدي، وعياض بن غنم على كردوس،
__________
[1] في الأصل: «القساقسة» .
[2] في الأصل: «يحرضونهم، وفي الطبري يمغرونهم ويحضضونهم» .
[3] تاريخ الطبري 3/ 394.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري 3/ 396.
[5] الكردوس: القطعة العظيمة من الخيل، يقال: كردوس القائد خيلة، أي جعلها كتيبة منه.

(4/118)


وهاشم بن عتبة على كردوس، وزياد بن حنظلة على كردوس، وخالد في كردوس.
وعلى فالة خالد بْن سعيد دحية بن خليفة على كردوس، وأبو عبيدة في كردوس، وسعيد بن خالد على كردوس، وأَبُو الأعور بن سفيان على كردوس، وابن ذي الخمار على كردوس، وفي الميمنة عمارة بن مخشي بن خويلد على كردوس، وشرحبيل على كردوس ومعه خالد بن سعيد، وعبد الله بن قيس على كردوس، وعمرو بن عبسة على كردوس، والسمط بن الأسود على كردوس، وذو الكلاع على كردوس، ومعاوية بن حديج على كردوس، وجندب بن عمرو بن حممة [1] على كردوس، وعلى هذا بقية الكراديس.
وكان قاضي [2] القوم أبا الدرداء، وكان القاص فيهم أبو سفيان بن حرب، يسير فيهم فيقف عَلَى الكراديس فيقول الله الله، إنكم أنصار الإسلام، اللَّهمّ هذا يوم من أيامك، اللَّهمّ أنزل نصرك على عبادك.
وكان على الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض [3] عبد الله/ بن مسعود.
فشهد اليرموك ألف من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فيهم نحو مائة من أهل بدر.
ونشب القتال [4] ، والتحم الناس، وتطارد الفرسان، فإنهم على ذلك إذ قدم البريد من المدينة، وهو محمية بن زنيم، فأخذته الخيول، وسألوه الخبر، فلم يخبرهم إلا بسلامة، وأخبرهم عن أمداد، وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة، فأبلغوه خالدا، فأسر إليه خبر أبي بَكْر رضي الله عنه، فأخبره بما قال للجند، فقال: أحسنت، وأخذ الكتاب وجعله في كنانته، وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر عليه أمر الخيل، فوقف محمية [بن زنيم] مع خالد.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر، قال:
__________
[1] في الأصل، أ: «خباب بن عمرو بن حمصة» ، وما أوردناه من الطبري 3/ 397.
[2] تاريخ الطبري 3/ 397.
[3] الأقباض: جمع قبض، بفتحتين، وهو ما جمع من الغنائم.
[4] تاريخ الطبري 3/ 398.

(4/119)


حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ] [1] عَيَّاضَ الأشعري، قال:
شهدت اليرموك وَعَلَيْنَا خَمْسَةً أُمَرَاءٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنُ حَسَنَةَ، وَخَالِدُ بن الوليد، وعياض- وليس عياض هذا بالذي حَدَّثَ سِمَاكًا عَنْهُ- قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا كَانَ قِتَالٌ فَعَلَيْكُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: فَكَتَبْنَا إِلَيْهِ: إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ وَاسْتَمْدَدْنَاهُ. فَكَتَبَ إِلَيْنَا: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُكُمْ تَسْتَمِدُّونِي، وَإِنِّي أَدَلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ جُنْدًا، اللَّهُ عَزَّ وجل، فاستنصروه، فإن محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلِّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ وَلا تُرَاجِعُونِي.
قال: فقتلناهم فهزمناهم، وقتلناهم أربع فراسخ. قال: وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض: أن نعطى عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة:
من يراهني؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب. قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي [2] أبي عبيدة تنفران [3] وهو خلفه على فرس عربي [4] .
قال علماء السير: وخرج جرجة [5] ، حتى كان بين الصفين، ونادى: ليخرج إلي خالد، فخرج إليه خالد وأقام [6] أبا عبيدة مكانه/، [فوافقه بين الصفين، حتى اختلفت أعناق دابتيهما، وقد أمن أحدهما صاحبه] [7] فقال جرجة: يا خالد، أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل باللَّه، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه. فلا تسله على أحد [8] إلا هزمتهم؟ قال:
لا، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه، فدعانا فنفرنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عياض» .
[2] العقيصة: «الذؤابة من الشعر.
[3] تنفران: تهتزان من شدة الجري.
[4] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 1/ 49.
[5] «جرجة» بفتحات كما ضبطه صاحب القاموس وقال: «اسم مقدم عسكر الروم يوم اليرموك» .
[6] في الأصل: «فخرج إليه خالد وقد أمن كل واحد صاحبه، وأقامه خالد» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 3/ 398.
[8] في الطبري: «فلا تسله على قوم» .

(4/120)


منه [1] ، ونأينا عنه، ثم بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا باعده وكذبه، فكنت فيمن كذبه وقاتله، ثم إن الله تعالى أخذ بقلوبنا فهدانا به، فتابعناه [2] . فقال: «أنت سيف من سيوف الله سله على المشركين» ، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله بذلك، فأنا من أشد المسلمين على المشركين. فَقَالَ: صدقتني يا خالد، أخبرني إلام تدعون؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية، قَالَ: فإن لم يجبكم ويعطها، قال: نؤذنه بحرب، ثم نقاتله، قال: فما منزلة الذي [يدخل فيكم و] يجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟
قال: منزلتنا [واحدة] [3] قال: هل لمن دخل فيه اليوم مثل ما لَكُمْ من الأجر؟ قال: نعم، قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه، قال: إنا دخلنا في هذا الأمر ونبينا حي بين أظهرنا يأتيه خبر السماء، وحق لمن رأى ما رأينا أن يسلم ويتابع [4] ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج، فمن دخل في هذا الأمر بنية حقيقية كان أفضل، فقال له: صدقتني، وقلب الترس ومال مع خالد، وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه ماء، ثم صلى به ركعتين، وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد، وهم يرون أنها منه حيلة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عكرمة والحارث بن هشام.
وركب خالد ومعه جرجة/ وتراجعت الروم إلى مواقفهم فزحف خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، ثم أصيب جرجة، ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين [5] اللتين أسلم عليهما، وصلى الناس الظهر والعصر إيماء، وتضعضع الروم، ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم [6] ورجلهم وهربوا، فانفرج المسلمون لهم، فذهبوا في البلاد، وأقبل المسلمون على الرجل ففضوهم، فاقتحموا في خندقهم، فتهافت عشرون ومائة ألف،
__________
[1] في الطبري: «فنفرنا عنه» .
[2] في الأصل: «فبايعناه» ، وما أوردناه من أ، والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول. وأوردناه من الطبري.
[4] في الطبري: «ويبايع» .
[5] في الأصل: «ولم يصل سوى تلك الركعتين» وما نقلناه من الطبري.
[6] في الأصل: «كان من خيلهم» .

(4/121)


وكان الفيقار قد بعث رجلا عربيا، فقال: ادخل في هؤلاء القوم يوما وليلة، ثم ائتني بخبرهم، فجاء فقال: بالليل رهبان وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنا رجم لإقامة الحق فيهم، فَقَالَ: لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها، فلما أقبلوا تجلجل الفيقار وأشراف من الروم برانسهم، ثم جلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذا [1] لم نستطع أن نرى يوم السرور، وإذ لم نستطع أن نمنع النصرانية فأصيبوا في تزملهم.
وقال عكرمة بن أبي جهل يومئذ [2] : قاتلت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ في كل موطن، وأفر منكم اليوم، ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا. وأتى خالد [بعد ما أصبحوا] [3] بعكرمة جريحا، فوضع رأسه على فخذه، وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح عن وجوههما [4] ، ويقطر في حلوقهما الماء، [ويقول: كلا، زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد] [5] .
وأصيبت يومئذ عين أبي سفيان، فأخرج السهم من عينه [أبو] [6] حثمة. وقاتل النساء يومئذ، منهن جويرية [7] بنت أبي سفيان [8] .
وقتل الله أخا هرقل، وأخذ التذارق [9] ، وانتهت الهزيمة إلى هرقل وهو دون مدينة حمص، فارتحل فجعل مدينة حمص بينه وبينهم [10] .
__________
[1] في الأصل: «يوم السواد إن» ، والتصحيح من الطبري.
[2] تاريخ الطبري 3/ 401.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الأصل: «في وجوههما» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[7] في الأصل: «جويرثة» .
[8] من خبر في تاريخ الطبري، عن أبي أمامة بتصرف (تاريخ الطبري 3/ 101.
[9] من خبر في تاريخ الطبري 3/ 403 عن يزيد بن سنان، عن رجال من أهل الشام ومن أشياخهم بتصرف.
[10] في الأصل: البدارق، وفي أ: التدارق، وما أوردناه من الطبري.

(4/122)


كانت وقعة اليرموك في سنة/ ثلاث عشرة، وكانت أول فتح فتح على عمر بعد عشرين ليلة من متوفى أبي بكر رضي الله عنه.
وأما الواقدي فإنه يقول في سنة خمس عشرة.
[أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا ابْن المبارك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَني أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عبيد] [1] ، عن ابن الأعرابي، قال:
استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وجماعة من بني المُغِيرة، فأتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه. أتي عكرمة بالماء، فنظر إِلى سهيل بن عمرو ينظر إليه، فقال: ابدءوا بذا، فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه، فقال: ابدءوا بذا، فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد، فقال: بنفسي أنتم. كذا في هذه الرواية عن ابن الأعرابي.
فأما عكرمة فاستشهد، وأما الحارث وسهيل فاستشهدا بعد ذلك بزمان.
قال علماء السير: وأتى خالد دمشق فجمع له صاحب بصرى، فسار إليه هو وأبو عبيدة، فظفروا بالعدو، وطلب العدو الصلح فصولحوا على كل رأس دينار في كل عام، وجريب حنطة، ثم رجع العدو على المسلمين، فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين، فالتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، فظهر المسلمون على المشركين، وقتل خليفة هرقل في رجب
. وكان من الحوادث في هذه السنة [وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام]
[2] أنه استقام أمر فارس على شهربراز بن أردشير بن شهريار، فوجه إلى المثنى الذي استخلفه خالد على العراق جندا عظيما عليهم هرمز بن جاذويه في عشرة آلاف، ومعه فيل،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن الأعرابي» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 411، 412، والبداية والنهاية 7/ 18.

(4/123)


وكتب مسالح [1] المثنى إليه بإقبال العدو، فخرج المثنى من الحيرة نحوه، وضم إليه المسالح [2] وأقام ببابل، وأقبل هرمز بن جاذويه، وكتب إلى المثنى: إني قد بعثت إليك جندا من وخش أهل [3] فارس، إنما هم رعاة الدجاج/ والخنازير، فلست أقاتلكم إلا بهم. فأجابه المثنى: إن الّذي يدل عليه الرأي أنكم اضطررتم إلى ذلك، فالحمد للَّه الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير. فجزع أهل فارس من كتابه [4] وقالوا:
جرأت علينا عدونا.
فالتقوا ببابل، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم أن ناسا من المسلمين قصدوا الفيل وقتلوه، فانهزم أهل فارس، واتبعتهم المسلمون يقتلونهم، ومات شهربراز حين انهزم هرمز بن جاذويه.
ثم اجتمع أهل فارس على دخت زنان ابنة كسرى، فلم ينفذ لها أمر فخلعت [5] .
وملك سابور بن شهربراز [6] ، وقام بأمره الفرخزاذ بن البندوان، فسأله أن يزوجه آزرميدخت بنت كسرى، ففعل فغضبت من ذلك، وقالت: يا ابن عم أتزوجني عبدي؟
فقال: استحيي من هذا الكلام [ولا تعيديه] [7] ، فإنه زوجك. فشكت إليه الذي تخاف، فقال لها: قولي له، ليقل له فليأتك فأنا أكفيكه.
فلما كانت ليلة العرس [أقبل الفرخزاد حتى دخل] [8] ، فثار به سياوخش، فقتله ومن معه، ثم نهد بها إلى سابور فحضرته ثم دخلوا عليه فقتلوه.
وملكت آزرميدخت بنت كسرى، وأبطأ خبر المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه، فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية، فخرج إلى أبي بكر رضي الله
__________
[1، 2] في الأصل: «مشايخ» .
[3] الوخش: رذال الناس.
[4] في الأصول: «وخرج لها أهل فارس وقالوا» . وما أوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 3/ 413.
[6] تاريخ الطبري 3/ 413.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.

(4/124)


عَنْهُ ليخبره خبر المسلمين والمشركين ويستأذنه في الاستعانة بمن ظهرت توبته وندمه من أهل الردة، فقدم المدينة وأبو بكر رضي الله عنه مريض، فقال لعمر: إني أرجو أن أموت من يومي هذا، فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس معه، ولا تشغلنكم مصيبة عن دينكم، وقد رأيتني متوفى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وما صنعت.
فمات أبو بكر رضي الله عنه وندب عمر الناس مع المثنى
. ومن الحوادث في هذه السنة مرض أبي بكر رضي الله عنه [1]
/ وحدث في مرضه أنه عقد الخلافة من بعده لعمر رضي الله عنهما.
ولما أراد [2] ذلك دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر [بن الخطاب] [3] ، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل، [ولكن] [4] فيه غلظة، فقال أبو بكر: ذاك لأنه يراني رقيقا، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه، ثم دعا عثمان [ابن عفان] [5] فقال: أخبرني عن عمر، فَقَالَ: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك [يا أبا عبد الله، فقال عثمان] [6] : اللَّهمّ [علمي به] [7] أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر رضي الله عنه: [يرحمك الله، والله] [8] لو تركته ما عدوتك.
ثم قال له [9] : اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر بن أبي
__________
[1] تكررت في الأصل: «مرض أبي بكر» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 141، وتاريخ الطبري 3/ 428.
[3] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد والطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[9] تاريخ الطبري 3/ 429، وطبقات ابن سعد 2/ 1/ 142.

(4/125)


قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا [منها] [1] ، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، [ويصدق الكاذب] [2] ، إني استخلفت عليكم.
ثم أغشي عليه، فكتب عثمان: [إني أستخلف عليكم] [3] عمر بن الخطاب.
فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ علي، فقرأ عليه، فكبر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن أفلتت نفسي في غشيتي، قال: نعم، قال: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله، وأقرها أبو بكر رضي الله عنه، وأمره فخرج عَلَى الناس بالكتاب، فبايعوه لمن فيه، قد علموا أنه عمر، ودخل عليه قوم، فقالوا: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمرو أنت ترى غلظته، فقال: أجلسوني، أباللَّه تخوفوني، خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول اللَّهمّ استخلفت عليهم خير أهلك. ثم دعا عمر وأوصاه.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُسْرُوقٍ] [4] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُنْذُ دَخَلْتُ الإِمَارَةَ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي، فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ اسْتَصْلَحْتُهُ جَهْدِي، وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ [الْوَدَكِ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أُصِيبُ فِي] [5] التِّجَارَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عبد/ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا نَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ، فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ، قَالَتْ: فَأَخْبَرَنِي حَرْبِيٌّ- يَعْنِي رَسُولِي- أَنَّ عُمَرَ بَكَى وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شديدا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عائشة. والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 136.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.

(4/126)


[قَالَ مُحَمَّدُ] بْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ الْكِلابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلْيَمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَطَفْنَا بِغُرْفَةِ [2] أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ [3] ، فَقُلْنَا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَى خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ فَاطَّلَعَ عَلَيْنَا اطِّلاعَةً، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَرْضَوْنَ بما أصنع؟ قلنا: بَلَى قَدْ رَضِينَا، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ تُمَرِّضُهُ، [قَالَ] [4] : فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْئَهُمْ مَعَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، فَانْظُرُوا إِذَا رَجَعْتُمْ مَا كَانَ عِنْدَنَا فَأَبْلِغُوهُ عُمَرَ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ عَرَفُوا أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ.
قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَاٌر وَلا دِرْهَمٌ، مَا كَانَ إِلا خَادِمٌ وَلِقْحَةٌ وَمَحْلَبٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ يُحْمَلُ إِلَيْهِ، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ.
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ] [5] ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ:
تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آَلافِ دِرْهَمٍ [كَانَ] [6] أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَدَعْنِي حَتَّى أَصَبْتُ مِنْ بَيْتِ المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الّذي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فِيهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ذكر ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ:
يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَحَبَّ أَنْ لا يَدَعَ لأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالا، وَأَنَا وَالِي الأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ.
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى] [7] ، عن قتادة، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن أنس» .
[2] في الأصل: «أخلفنا بغرفة» .
[3] في ابن سعد: «مرضته التي قبض فيها» .
[4] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن محمد» والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 137.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن قتادة» .

(4/127)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِي مِنْ مَالِي مَا رَضِيَ رَبِّي مِنَ الْغَنِيمَةِ [1] ، فَأَوْصَى بِالْخُمُسِ [2] .
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ] [3] عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةَ، فَإِنِّ أَحَبَّ النَّاسِ غِنًى إِلَيَّ بَعْدِي أَنْتِ، وَإِنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي أَنْتِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَوَدَدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِيهِ وَأَخَذْتِيهِ [4] ، فَإِنَّمَا [هُوَ مَالُ الْوَارِثِ] [5] وَهُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. قَالَتْ: / قُلْتُ: هَذَانِ أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَايَ؟ قَالَ: ذُو بَطْنِ ابْنَةِ خَارِجَةَ فَإِنِّي أَظُنُّهَا جَارِيَةً [6] .
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ] [7] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ضَرَبَ اللَّهُ سِكَّتَهُ [8] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الْمِغْوَلِ] [9] ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ:
مرض أبو بكر، فقالوا: ألا تدعو الطَّبِيبَ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآنِي فَقَالَ إِنِّي فَعَّالٌ لما أريد [10] .
__________
[1] في الأصل: «لي من مالي ما أوصى به ربي» وما أوردناه من ابن سعد.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 138.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد عن عائشة» .
[4] في الأصل: «أنك كنت خزنته وجدثيه» ، والتصحيح من أ، وابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 138.
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى محمد بإسناده عن عائشة» .
[8] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 139.
[9] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وروى باسناده عن أبي السفر» .
[10] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 141.

(4/128)


ذكر موت أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[قَالَ مؤلف الكتاب] [1] : في سبب موته قولان:
أحدهما: أن اليهود سمته في حريرة [2] ، أكل منها هو والحارث بن كلدة، فأخذ منها الحارث لقمة ثم قال: كف فقد أكلت طعاما مسموما سم سنة فماتا جميعا للسنة يوم مات أبو بكر.
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ [عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيِّ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ،] [3] عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْحَارِثَ بْنَ كَلْدَةَ كَانَا يَأْكُلانِ حَرِيرَةً أُهْدِيَتْ لأَبِي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، وَاللَّهِ إِنَّ فِيهَا لَسُمَّ سَنَةً وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَلَمْ يَزَالا عَلِيلَيْنِ حَتَّى مَاتَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ السَّنَةِ.
والقول الثاني: ذكره الواقدي عن أشياخه [4] : أن أبا بكر رضي الله عنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما، فكان لا يخرج إلى الصلاة، وأمر عمر أن يصلي بالناس، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
رَوَى [هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،] [5] عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي فَأَثَبْتُ الْمَوْتَ فِيهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ:
مَنْ [لا] [6] يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا ... فَإِنَّهُ [لا بُدَّ] [7] مَرَّةً مَدْفُونُ.
فَقَالَ [أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [8] : لَيْسَ كَمَا قُلْتِ، بَلْ: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ 50: 19
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] كذا في الأصول، وفي ابن سعد والطبري: «جذيذة» .
[3] في الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن شهاب» ، وفي أ: «روى ابن سعد عن ابن شهاب» وما أوردناه من ابن سعد.
[4] تاريخ الطبري 3/ 419.
[5] في الأصل: «روى المؤلف باسناده عن عائشة» ، والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 140.
[6] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.

(4/129)


بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 50: 19 [1] . قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْتُ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ، قَالَ: فَإِنِّي أَرْجُو مِنَ اللَّهِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَلَمْ يَتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ.
/ قَالَتْ [2] : ثُمَّ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ. قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلم؟
قالت: في ثلاثة أثواب بيض يَمَانِيَّةٍ. قَالَتْ فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ كَانَ عَلَيْهِ يُمَرَّضُ فِيهِ، فِيهِ دِرْعُ زَعْفَرَانَ أَوْ مَشْقٌ، فقال: اغسلوا هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلِقٌ، قَالَ: إِنَّ [الْحَيَّ] [3] أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ- يَعْنِي الصَّدِيدَ. قَالَتْ: فَغَسَلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ فِيهِ.
توفي أبو بكر في مساء ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال.
وقال أبو معشر: أربعة أشهر إلا أربع ليال، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وغسلته امرأته أسماء بنت عميس، أوصاها بذلك، فقالت: لا أطيق، فقال: يعينك عبد الرحمن. ولما توفي حمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بين القبر والمنبر، وكبر عليه أربعا، ودخل قبره عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وكان قد أوصى أن يدفن إلى [جنب] [4] رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، [فحفر له] [5] فجعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وألصقوا اللحد باللحد.
[قَالَ] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] : [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ] ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير، قال:
__________
[1] سورة: ق الآية: 19.
[2] تاريخ الطبري 3/ 421.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «أن يدفن عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 49، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عامر» .

(4/130)


رَأْسُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [1] ، وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ حِقْوَيْ أَبِي بَكْرٍ.
ولما توفي أبو بكر رضي الله عنه نعي إلى أبيه أبي قحافة فقال: رزء جليل، وورث أبو قحافة السدس من ماله، وقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر رضي الله عنه.
ومن الحوادث في هذه السنة خلافة عمر رضي الله عنه
باب خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ذكر نسبه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح/ بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بْن كعب، ويكنى أبا حفص. وأمه حنتمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكانت إليه السفارة في الجاهلية والمنافرة، إن وقعت حرب من قريش أو من غيرهم بعثوه سفيرا، وإن فاخرهم مفاخر بعثوه منافرا [2] ورضوا به
. ذكر صفته
كان أبيض طوالا، تعلوه حمرة، أصلع أشب يخضب بالحناء والكتم، وكان نقش خاتمه: «كفى بالموت واعظا يا عمر»
. ذكر أزواجه وأولاده
كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن، وحفصة، وأمهم زينب بنت مظعون بن حبيب. وزيد الأكبر، ورقية، وأمهم أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. وزيد الأصغر، وعبيد الله، وأمهما أم كلثوم بنت جرول.
وفرق الإسلام بين عمر وبين أم كلثوم [بنت جرول] ، وعاصم وأمه جميلة بنت
__________
[1] وألصقوا اللحد ... عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» : ساقطة من أ.
[2] في الأصل: «بعثوه مفاخرا» .

(4/131)


ثابت بن أبي الأقلح، [وعبد الرحمن الأوسط- وهو أبو المجبر [1]- وأمه لهية أم ولد] [2] ، وعبد الرحمن الأصغر، وأمه أم ولد، وفاطمة وأمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وزينب وأمها فكيهة أم ولد، وعياض [بن عمر] ، وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو [بن نفيل] [3] .
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف إِجَازَةً، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي] [4] بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
كَانَتْ [تَحْتَ] [5] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ امْرَأَةٌ تُسَمَّى عَاصِيَةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جَمِيلَةَ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةً، وَكَانَ عُمَرُ يُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ مَشِيَتْ مَعَهُ مِنْ فِرَاشِهَا إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ قَبَّلَتْهُ ثُمَّ مَضَى فَرَجَعَتْ إِلَى فِرَاشِهَا
. ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ] [6] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا بِسَيْفِهِ- أو قال: بالسيف- فلقيه [7] رجل من بني زهرة، فقال: /
__________
[1] في أ: «وهو أبو شجمة» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن بشير» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] في أ: «القاسم عن عثمان البصري» ، خطأ والتصحيح من ابن سعد 3/ 1/ 191، وما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أنس» .
[7] في أوابن سعد: «خرج عمر متقلدا السيف فلقيه» .

(4/132)


إِلَى أَيْنَ تَعْمَد يَا عُمَرُ؟ قَالَ: أُرِيدُ [أَنْ] [1] أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، قَالَ: وَكَيْف تَأْمَنُ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ [قَالَ] : [2] فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَبَوْتَ وَتَرَكْتَ دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى الْعَجَبِ [يَا عُمَرُ] ؟ [2] إِنَّ خَتَنَكَ وَأُخْتَكَ قَدْ صَبَوا وَتَرَكَا دِينَكَ [الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ] .
[قَالَ] [2] : فَمَشَى عُمَرُ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ خَبَّابٌ. [قَالَ] [3] : فَلَمَّا سَمِعَ [خَبَّابٌ] حِسَّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الهينمة التي سمعتها عندكم. وكانوا يقرءون طَهَ، فَقَالا: مَا عَدَا حَدِيثًا تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا، قال: فلعلكما قد صبوتما؟ قال: فقال له خِتْنُهُ: أَرَأَيْتَ يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ عَلَى خِتْنِهِ فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا، فَجَاءَتْ أُخْتُهُ فَدَفَعَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَنَفَحَهَا بِيَدِهِ نَفْحَةً فَدَمِيَ وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: يَا عُمَرُ، إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
فَلَمَّا يَئِسَ عُمَرُ، قَالَ: أَعْطُونِي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ- قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ- فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ رِجْسٌ وَلا يَمَسَّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ وَتَوَضَّأَ.
[قَالَ:] [4] فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: طه ... 20: 1 حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 20: 14 [5] . قَالَ: فَقَالَ [عُمَرُ] [6] :
دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَكَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ: «اللَّهمّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ» . قال: ورسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا.
فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَتَى الدَّارَ، قَالَ: وَعَلَى بَابِ الدَّارِ حَمْزَةُ وَطَلْحَةُ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، / فَلَمَّا رَأَى حَمْزَةُ وَجَلَ الْقَوْمِ مِنْ عُمَرَ، قال حمزة: نعم فهذا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[5] سورة: طه، الآية: 1: 14.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.

(4/133)


عُمَرُ، فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِعُمَرَ خَيْرًا يُسْلِمْ ويتبع النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَإِنْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ علينا هينا. قال: والنبي صلّى الله عليه وآله وسلم دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ، فَقَالَ: «مَا أَنْتَ مُنْتَهِيًا يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ؟ اللَّهمّ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، اللَّهمّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» . [قَالَ:] فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَأَسْلَمَ وَقَالَ:
اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ [1] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عَنْ داود بْن الحصين، قَالَ: وحدثني معمر، عن الزهري، قالا:] [2] .
أسلم عمر بعد أن دخل [3] رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ دار الأرقم وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء قد أسلموا قبله. وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال بالأمس: اللَّهمّ أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام، فلما أسلم عمر نزل جبريل فقال: يا محمد، [لقد] [4] استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
[قال محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ الزهري] [5] ، عن سَعِيد بن المسيب، قال:
أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشر نسوة، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة [6] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 191، 192.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن الزهري، قال:» الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 192.
[3] في الأصل: «قبل أن يدخل» وما أوردناه من ابن سعد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن سعيد بن المسيب» . وفي أ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 192، 193.

(4/134)


[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِيهِ] [1] ، عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ [2] :
لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ ظَهَرَ الإِسْلامُ وَدُعِيَ إِلَيْهِ عَلانِيَةً، وَجَلَسْنَا حَوْلَ الْبَيْتِ حِلَقًا [3] ، وَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَانْتَصَفْنَا مِمَّنْ غَلَّظَ عَلَيْنَا، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ بَعْضَ مَا يَأْتِي بِهِ.
قَالَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ: أَسْلَمَ عُمَرُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كلها مع/ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ
. ذكر ولايته الخلافة
لما ولي الخلافة، قال: ورب الكعبة لأحملنهم على الطريق.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ] [4] بْنِ مِكْنَفٍ، قَالَ:
سُلِّمَ عَلَى عُمَرَ في صدر إمارته: يا خليفة خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَجَمَعَ النَّاسَ بَعْدُ، وَقَالَ: إني أراكم لمن بعدكم خير مَنْ رَأْيُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَلْحَدُوا فِي هَذَا الاسْمِ، أَنْتُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَا أَمِيرُكُمْ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُبِلَتْ
. ذكر وصيته لعماله وتعاهده إياهم
قال صالح بن كيسان [5] : أول كتاب كتبه عمر حين ولي إلى أبي عبيدة يوليه على
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وروى محمد بن عمر عن صهيب» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 193.
[3] في الأصل: «حول الكعبة حلقا» .
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن مكنف» .
[5] تاريخ الطبري 3/ 434.

(4/135)


جند خالد: أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور. وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق [عليك] [1] ، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستزيده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس [2] ، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة، [وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك] [3] ، فغمض بصرك عن الدنيا، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ] [4] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْضِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَجَرَّدْ لِلْحَرْبِ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [5] ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْقُضَاةِ مَعَ أَوَّلِ قِيَامِهِ: أَنْ لا تَبُتُّوا الْقَضَاءَ إِلا عَنْ مَلأ، فَإِنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ يَقْصُرُ إِذَا اسْتَبَدَّ، وَيَبْلُغُ إِذَا اسْتَشَارَ، وَالصَّوَابُ مَعَ الْمَشُورَةِ. وَقَالَ: يَا مَعَشْرَ الْعَرَبِ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ أُمَّةٍ وَأَشْقَاهَا حَتَّى أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالإِسْلامِ، فَكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَلا تَطْلُبُوا الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ فَتَذِلُّوا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى، حدّثنا شعيب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، والطبري.
[2] الكثف من الناس: الجماعة منهم.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن إبراهيم النخعي» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عثمان» .

(4/136)


عَنِ الرَّبِيعِ] [1] / وَأَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي الْحَارِثَةِ وَأُبَيٍّ المجالد بإسنادهم، قَالُوا:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمِ: أَنْ لا تَتَّخِذُوا عَلَى الْمَجَالِسِ الَّتِي تَجْلِسُونَ فِيهَا لِلنَّاسِ بَابًا، وَلا تَرْكَبُوا الْبَرَاذِينَ، وَلا تَلْبَسُوا الثِّيَابَ الرِّقَاقَ، وَلا تَأْكُلُوا النَّقِيَّ، وَلا تَغِيبُوا عَنْ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلا تُطْمِعُوا فِيكُمُ السُّعَاةَ.
فمر يوما في طريق من طرق المدينة وفي ناحية [منها] [2] رجل يسأل، فقال: يا عمر تستعمل العمال وتعهد إليهم عهدك، ثم ترى أن ذلك قد أجزاك، كلا والله إنك لمأخوذ إذا لم تعاهدهم، قال: وما ذلك؟ قال: عياض بن غنم يلبس اللين، ويفعل ويفعل، فقال: أساع؟ قال: بل مؤدي الذي عليه فبعث إلى محمد بن مسلمة أن الحق بعياض بن غنم فآتني به كما تجده، فانتهى إلى بابه وإذا عليه بواب، فقال له: قل لعياض على الباب رجل يريد أن يلقاك، قال: ما تقول؟ قال: قل له ما أقول لك. فذهب كالمتعجب، فأخبره، فعرف عياض أنه أمر حدث، فخرج فإذا محمد بن مسلمة، فرحب به وقال: ادخل، وإذا عليه قميص رقيق لين، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن لا يفارق سوادي سوادك حتى أذهب بك كما أجدك، ونظر في أمره فوجد الأمر كما حدثه السائل.
فلما قدم به على عمر وأخبره، دعا بدراعة وكساء وحذاء وعصا، وقال: أخرجوه من ثيابه، فأخرج منها وألبسه ذلك، ثم قال: انطلق بهذه الغنم فأحسن رعيتها وسقيها والقيام عليها، واشرب من ألبانها، واجتز من أصوافها، وارفق بها، فإن فضل شيء فأردده علينا. فلما مضى رده، وقال: أفهمت؟ / قال: نعم، والموت أهون من هذا، قال: كذبت، ولكن ترك الفجور أهون من هذا. ثُمَّ قال له: أرأيت لو رددتك أتراه يكون فيك خير؟ قال: نعم والله يا أمير المؤمنين، ولا يبلغنك عني شيء بعد هذا، فرده ولم يبلغه عنه شيء إلا ما أحب حتى مات.
[وحدثنا سيف، عن عبد الملك] [3] ، عن عاصم، قال: مات عياض بن غنم بعد أبي عبيدة، فأمر عمر على عمله سعيد بن عامر بن جذيم، فمات سعيد فأمر عمر مكانه عمير بن سعيد الأنصاري.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي عثمان» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عاصم» .

(4/137)


[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا] [1] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ] [2] ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:
أَيُّمَا عَامِلٍ لِي ظَلَمَ [أَحَدًا] فَبَلَغَتْنِي مَظْلَمَتُهُ فَلَمْ أُغَيِّرْهَا فَأَنَا ظَلَمْتُهُ.
قال محمد بن سعد: كان عدي بن فضلة قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة ومات هناك أول من مات ممن هاجر، وأول من ورث في الإسلام، ورثه ابنه النعمان، وكان عمر قد استعمل النُّعمان على ميسان، وكان يقول الشعر، فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قربة ... ورقاصة يحثو على كل ميسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا في الجوسق المتهدم
فلما بلغ عمر قوله قال: نعم والله إنه ليسوؤني، من لقيه فليخبره أني قد عزلته.
فقدم عليه رجل من قومه فأخبره بعزله، فقدم على عمر، فقال: والله ما صنعت شيئا مما قلت، ولكن كنت امرأ شاعرا [وجدت فضلا من قول فقلت فيه الشعر] [3] ، فَقَالَ عمر:
والله لا تعمل على عمل ما بقيت وقد قلت ما قلت [4] .
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بن محمد بن عبد الوهاب، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن دَاوُد، حَدَّثَنَا الزُّبَير بْن بكار، قَالَ:
حدثني محمد بن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هَذَا الشِّعْرُ كتب إلى النعمان بن فضلة: بسم الله
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن سعد» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «بإسناده عن عمر» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] الخبر والشعر في الإصابة 6/ 243 مع بعض اختلاف في العبارة.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده قال:» .

(4/138)


الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ/ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي قَوْلُكَ:
لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوؤُهُ ... تَنَادُمُنَا فِي الْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَسُوؤُنِي، وَعَزَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بَكَّتَهُ بِهَذَا الشِّعْرِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أمير المؤمنين، مَا شَرِبْتُهَا قَطُّ، وَمَا ذَاكَ الشِّعْرُ إِلا شَيْءٌ طَفَحَ عَلَى لِسَانِي، فَقَالَ عُمَرُ:
أَظُنُّ ذَلِكَ وَلَكِنْ لا تَعْمَلْ لِي عَلَى عَمَلٍ أَبَدًا
. ذكر ورعه وزهده وخوفه
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ أَشْيَاخِهِ] [1] ، قَالُوا:
نَزَلَ مَلِكُ الرُّومِ الْقَرْوَ، وَكَاتبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَارَبَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ كَلِمَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْعِلْمُ كُلُّهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، [وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لَهَا تُجْمَعُ لَكَ الْحِكْمَةُ كُلُّهَا] وَبَعَثَ إِلَيْهِ بقارورة، قوال: امْلأْ لِي هَذِهِ الْقَارُورَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَمَلأَهَا مَاءً.
وَبَعَثَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ إِلَى مَلِكَةِ الرُّومِ بِطِيبٍ وَأَحْفَاشٍ مِنْ أَحْفَاشِ النِّسَاءِ، وَدَسَّتْهُ إِلَى الْبَرِيدِ فَأَبْلَغَهُ لَهَا، فَجَمَعَتِ امْرَأَةُ هِرَقْلَ نِسَاءَهَا وَقَالَتْ: هَذِهِ هَدِيَّةُ امْرَأَةِ مَلِكِ الْعَرَبِ، وَبِنْتِ نَبِيِّهِمْ، فَكَاتِبِيهَا وَكَافِئِيهَا، وَأَهْدَتْ لَهَا فِيمَا أَهْدَتْ عِقْدًا فَاخِرًا، فَلَمَّا جَاءَ بِهِ الْبَرِيدُ أَمَرَهُ عُمَرُ بِإِمْسَاكِهِ، وَدَعَا بِالصَّلاةِ جَامِعَةً، فصلى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لا خَيْرَ فِي أَمْرٍ أُبْرِمَ مِنْ غَيْرِ شُورَى، فَقُولُوا لِي فِي هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا أُمُّ كُلْثُومٍ لامْرَأَةِ مَلِكِ الرُّومِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ لَهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كُنَّا نُهْدِي لِنَسْتَثِيبَ، فَقَالَ: وَلَكِنَّ الرَّسُولَ رَسُولُ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَرِيدَ بَرِيدُهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ عَظَّمُوهَا فِي صَدْرِهَا، فَأَمَرَ بِرَدِّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَرَدَّ عَلَيْهَا بِقَدْرِ نَفَقَتِهَا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حيويه، أخبرنا ابن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أشياخ سيف» .

(4/139)


مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عبد الله بن عامر بن ربيعة،] [1] قال:
صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ/ الْخَطَّابِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعْنَا فَمَا ضَرَبَ فسطاطا، ولا كان له بِنَاءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ [2] ، إِنَّمَا كَانَ يُلْقِي نَطْعًا أَوْ كِسَاءً عَلَى سُحْرَةٍ فَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ، عَنْ أَبِيهِ] [3] ، قَالَ:
مَكَثَ عُمَرُ زَمَانًا لا يَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ خَصَاصَةٌ، وأرسل إلى أصحاب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَقَالَ: قَدْ شَغَلْتُ نَفْسِي فِي هَذَا الأَمْرِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي مِنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: كُلْ وَأَطْعِمْ، قَالَ: وَقَالَ ذَلِكَ سعيد بن زيد [بن عمرو بن نفيل] ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَا تَقُولُ أَنْتَ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِذَلِكَ [4] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: [وَحَدَّثَنِي الْجَحَّافُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى] [5] بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: [6] نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ إِلَى بِطِّيخَةٍ فِي يَدِ بَعْضِ وَلَدِهِ، فَقَالَ: بَخٍ بخ يا ابن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، تَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ هَزْلَى؟ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ هَارِبًا وَبَكَى فَأُسْكِتَ عُمَرُ بَعْدَ مَا سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: اشْتَرَاهَا بِكَفٍّ من نوى.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد باسناده عن ربيعة» .
[2] في الأصل: «له ما يستظل به» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «وروى ابن سعد بإسناده عن أبي أمامة» .
[4] في الأصل: «فأخذ بذلك عمر» ، والخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 221.
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن ابن معمر» .
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 228.

(4/140)


[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ] [1] ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ [النَّهْدِيِّ] [2] ، قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا بِأَدِيمٍ أَحْمَرَ [3] .
[قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ] [4] ، قَالَ:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ هَذِهِ التِّبْنَةُ، لَيْتَنِي لَمْ أُخْلَقْ، لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا، لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًا.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ:
لَوْ مَاتَ جَمَلٌ ضَائِعًا عَلَى [6] شَطِّ الْفُرَاتِ لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ] [7] ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دَبَرَةِ الْبَعِيرِ وَيَقُولُ: إِنِّي لَخَائِفٌ أَنْ أُسْأَلَ عَمَّا بِكِ.
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الطُّلابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حيان، قال: قال] [8] ابن عباس:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن أبي عثمان» .
[2] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 237.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عبد الله بن عامر، قال:» .
[5] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى محمد بن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر» .
[6] في الأصل: «جمل ضياعا على» .
[7] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن سالم بن عبد الله» .
[8] ما بين المعقوفتين: من أ، والأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن عباس قال:» .

(4/141)


دَعَانِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] فَأَتَيْتُهُ، فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَطْعٌ عَلَيْهِ الذَّهَبُ مَنْثُورٌ، فَقَالَ: / هَلُمَّ فَاقْسِمْ هَذَا بَيْنَ قَوْمِكَ، فاللَّه أَعْلَمُ حَيْثُ زَوَى هَذَا عَنْ نَبِيهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَعْطَانِيهُ لِخَيْرٍ أَعْطَانِيهُ أَمْ لِشَرٍّ. قَالَ: فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَسِّمُهُ، فَسَمِعْتُ الْبُكَاءَ فَإِذَا صَوْتُ عُمَرَ يَبْكِي وَيَقُولُ فِي بُكَائِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَبَسَهُ عَنْ نبيه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] إِرَادَةَ الشَّرِّ بِهِمَا، وَأَعْطَاهُ عُمَرَ إِرَادَةَ الْخَيْرِ
. فصل ومن أول الحوادث في ولاية عمر رضي الله عنه اليرموك
وكانت بداية [أمر] اليرموك في حياة أبي بكر رضي الله عنه، ثم إن المسلمين ذهبوا بعد اليرموك إلى أجنادين
ذكر وقعة قحل [1]
ويقال: فحل. ولما فرغ المسلمون من أجنادين ساروا إلى فحل من أرض الأردن وقد اجتمع فيها جماعة من الروم قد نزلوا بيسان بين فلسطين والأردن، وتبعوا أنهارها وهي أرض سبخة، وكانت وحلا، فوحلت خيول المسلمين إلا أن الله تعالى سلمهم، ونهضوا إلى الروم بفحل، فاقتتلوا، فهزمت الروم ودخل المسلمون فحل، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة على ستة أشهر من خلافة عمر رضي الله عنه.
وأقام تلك الحجة للناس عبد الرحمن بن عوف
. ذكر فتح دمشق [2]
كان عمر رضي الله عنه قد عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع
__________
[1] في الأصل: «فحل، ويقال: فحل» ، كذا بالفاء مرتين. وفي الطبري 3/ 434: «وقعة فحل» . وذكرها في أفي كل المواضع «قحل» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 434.

(4/142)


النّاس، فالتقى المسلمون والروم حول دمشق فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله الروم، فدخلوا دمشق فتحصنوا بها فرابطهم المسلمون ستة أشهر حتى فتحوا دمشق وأعطوا الجزية، وكان الصلح على يدي خالد، وكان قد قدم على أبي عبيدة كتاب بتوليته وعزل خالد، واستحى أَبُو عبيدة أن يقرئه الكتاب. فلما فتحت أظهر أبو عبيدة ذلك، وكان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وكان حصارها ستة/ أشهر.
وقال ابن إسحاق: بل كانت في سنة ثلاث عشرة.
وروى سيف عن أشياخه [1] : أن أبا عبيدة استخلف على اليرموك بشير بن كعب، وخرج حتى نزل بالصّفّر [2] يريد اتباع الفالة، فأتاه خبرهم أنهم أرزوا إلى فحل. وأتاه الخبر أن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص، فلم يدر أيبدأ بدمشق أم بفحل، فكتب بذلك إلى عمر، ولما جاء فتح اليرموك، إلى عمر أقر الأمراء على ما استعملهم عليه أبو بكر رضي الله عنه إلا خالد بْن الوليد فإنه ضمه إلى أبي عبيدة، وعمرو بن العاص فإنه أمره بمعونة الناس، حتى يصير الحرب إلى فلسطين ثم يتولى حربها.
وكتب إلى أبي عبيدة: ابدءوا بدمشق فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم. فحاصروا دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارا شديدا، وقاتلوهم بالمجانيق [3] [فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد على ناحية] [4] ، وعمرو على ناحية.
وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع، وكان بين دمشق وحمص، وهرقل يومئذ بحمص، وقد استمدوه، وجاءت خيل هرقل مغيثة لأهل الشام، فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع. فأيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم، فأبلسوا [5] ، فصعد قوم من أصحاب خالد بالأوهاق إلى السور فكبروا. وجاء المسلمون إلى الباب، وقتل خالد البوابين ودخل عنوة ودخل غيره مصالحا، وكان صلح دمشق على المقاسمة في الدينار
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 436.
[2] في الأصل: «بالصفرين» والتصحيح من الطبري.
[3] في الأصل: «وقاتلوهم بالمناجيق» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] أي: تحيروا.

(4/143)


والعقار، ودينار [عن] [1] كل رأس، وبعثوا بالبشائر إلى عمر.
وقال ابن إسحاق: كانت وقعة فحل قبل دمشق، وكانت في سنة ثلاث عشرة في ذي القعدة
. ذكر فتح بيسان [2]
لما فرغ شرحبيل من وقعة فحل نهد في الناس [3] ومعه عمرو إلى [أهل] [4] بيسان، فنزلوا عليهم فحاصروهم أياما، ثم إنهم خرجوا عليهم فقاتلوهم، فأناموا من خرج إليهم، وصالحوا بقية أهلها، فقبل ذلك على صلح دمشق
. ذكر طبرية
[5] وبلغ أهل طبرية الخبر، فصالحوا أبا/ الأعور على أن يبلغهم شرحبيل، ففعل، فصالحوهم على صلح دمشق، وتم صلح الأردن، وتفرقت الأمداد في مدائن الأردن وقراها، وكتب إلى عمر بالفتح
. ذكر خبر المثنى بن حارثة وأبي عبيد بن مسعود [6]
قد ذكرنا أن عمر أول ما ولي ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر، من الليلة التي مات فيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم أصبح فبايع الناس، وعاد فندب الناس [إلى فارس] [7] ، وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري 3/ 440.
[2] تاريخ الطبري 3/ 443.
[3] في الأصل: «شهد في الناس» ، وما أوردناه من الطبري، وأ.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[5] تاريخ الطبري 3/ 444.
[6] تاريخ الطبري 3/ 444. وفي الأصل: «أبي عبيدة» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.

(4/144)


وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم [وشوكتهم] [1] وقهرهم الأمم.
فلما كان اليوم الرابع، عاد فندب الناس إلى العراق، فقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فإنه قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9: 33 [2] ، والله مظهر دينه، ومعز ناصره [3] ، ومولي أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون.
وكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد [4] ويقال: سليط بن قيس- وتكلم المثنى بن حارثة، فقال: أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه، فإنا قد تبحبحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير السواد، وشاطرناهم ونلنا منهم، ولها إن شاء الله ما بعدها.
فلما اجتمع البعث قيل لعمر: أمر عليهم رجلا من السابقين من المهاجرين والأنصار، فَقَالَ: لا والله لا أفعل، إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم [5] إلى العدو، فإذا كرهتم اللقاء فأولى بالرياسة منكم من أجاب، لا أؤمر عليهم إلا أولهم انتدابا.
وانتخب عمر ألف رجل، ثم دعا أبا عبيدة فأمره على الخيل، ثم قال له: اسمع من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأشركهم في الأمر، فإن الحرب لا يصلحها إلا الرجل الذي يعرف الفرصة والكف، / فقال أبو عبيد: أنا لها، فكان أول بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد، ثم بعث يعلى بن أُمَيَّة إلى اليمن، وأمره بإجلاء أهل نجران، لوصية رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ في مرضه بذلك، ولوصية أبي بَكْر رضي الله عنه بذلك في مرضه.
ثم ندب أهل الردة فأقبلوا سراعا من كل أوب فرمى بهم الشام والعراق، وكتب إلى أهل اليرموك بأن عليكم أبا عبيد، وكان أول فتح أتاه اليرموك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] سورة: الفتح، الآية: 28.
[3] في الأصل: «والله يظهر دينه ويعز ناصره» .
[4] في أ: «سعد بن عبيدة» .
[5] في الأصل: «بسيفكم وشرعتكم» .

(4/145)


[خبر النمارق]
[1] فخرج أبو عبيد، ومعه سعد بن عبيد، وسليط بن قيس، والمثنى بن حارثة، فقدم أبو عبيد والرأس شيري، والعدل بين الناس بوران- فإنها كانت تصلح الأمور، وهو الوالي حينئذ، فقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر، ولحقه أبو عبيد بعد شهر، وكان أهل فارس قد جعلوا الحرب على رستم وتوجوه، فبعث إلى دهاقين السودان أن يثوروا بالمسلمين، وبعث جندا لمصادمة المثنى.
وخرج أبو عبيد [2] ، فجعل المثنى على الخيل، وعلى ميمنته والق بن جيدارة، وعلى ميسرته عَمْرو بن الهيثم، واقتتلوا، فهزم الله أهل فارس، وأسر جابان، وكان الأمير من قبل رستم، فخدع الذي أسره بشيء فخلى [عنه] ، فأخذه المسلمون فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك، وأشاروا بقتله، فقال: إني أخاف الله أن أقتله وقد آمنه مسلم
. [السقاطية بكسكر]
[3] ولما انهزمت فارس [أخذوا] [4] نحو كسكر ليلحقوا نرسي- وهو ابن خالة كسرى- وكانت كسكر قطيعة له، نادى أبو عبيد بالرحيل، وقال للمجردة: اتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسي، أو تبيدوهم [فيما بين النمارق إلى بارق إلى درتا] [5] .
ومضى أبو عبيد حتى نزل على نرسي بكسكر، وعلى مجنبة نرسي ابنا خال كسرى بندويه وتيرويه، وقد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان، فعاجل أبو عبيد، فالتقوا أسفل كسكر، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزم الله فارس، وهرب نرسي وغلب على
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 446.
[2] تاريخ الطبري 3/ 449.
[3] تاريخ الطبري 3/ 450.
[4] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.

(4/146)


عسكره، وأخرب أبو عبيد ما كان/ حول معسكرهم من كسكر، وجمع الغنائم، وأخذ خزائن نرسي. وأقام أبو عبيد، وسرح المثنى إلى باروسما، وبعث والقا إلى الزوابي، وعاصما إلى نهر جوبر، فهزموا من كان تجمع، وأخربوا وسبوا، وكان مما أخرب المثنى وسبى أهل زندورد. وجاءوا إلى أبي عبيد بطعام أكرموه به، فقال: أكرمتم الجند كلهم بمثل هذا؟ قالوا: لا، قَالَ: بئس المرء أبو عبيد، إن صحب قوما فاستأثر عليهم، لا والله لا نأكل إلا مثل ما يأكل أوساطهم
. [وقعة القرقس]
[1] ثم جاء بهمن جاذويه ومعه راية كسرى والفيل، فقال لأبي عبيد: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن تدعونا نعبر إليكم، فقال الناس: لا تعبر أبا عبيد، فقال: لا يكونوا أجرأ على الموت منا، بل نعبر، فعبروا إليهم واقتتلوا- وأبو عبيد فيما بين التسعة والعشرة- وكانت الخيول إذا نظرت إلى الفيلة عليها الحلية والخيل [2] عليها التجافيف [3] لم تقدم خيولهم، وإذا حملوا على المسلمين فرقوهم [4] ورموهم بالنشاب.
فترجل أبو عبيد والناس، ثم قال للناس: أقصدوا الفيلة، وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانه فقطعه، وفعل القوم مثل ذلك، فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله، وقتلوا أصحابه، وقتل من المشركين ستة آلاف في المعركة، ولم ينتظروا غير الهزيمة، فأهوى أبو عبيد، فنفخ مشفر الفيل بالسيف، فخبطه الفيل.
وكان أبو عبيد لما رأى الفيل، قال: ما هذا؟ ولم يكن رآه قط، فقالوا: هذا الفيل، فارتجز وقال:
يا لك من ذي أربع ما أكبرك. ... يا لك من يوم وغى ما أمكنك
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 454. ويقال لها: الناطق، والجسر، والمروحة» .
[2] في تاريخ الطبري 3/ 456: «عليها النخل والخيل» .
[3] التجافيف: من آلات الحرب، يوضع على الفرس تبقى بها كالدرع للإنسان.
[4] في الأصل: «مزقوهم» .

(4/147)


إني لغال بالحسام مشفرك ... وهالك وفي الهلاك لي درك
ثم ضربه على خرطومه فقطعه ووقع عليه الفيل فقتله. فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل ضعفت/ نفوسهم، ثم حاربوا الفيل حتى تنحى عنه فاجتروه إلى المسلمين، وجال المسلمون، فركبهم أهل فارس، وأخذ اللواء سبعة من المسلمين، كلهم يقتل، فبادر عبد الله بْن مرثد الثقفي الجسر فقطعه وانتهى الناس إليه والسيوف تأخذهم، فتهافتوا في الفرات، فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف من بين غريق وقتيل، وهرب ألفان، وبقي ثلاثة آلاف، وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج الضبي ومذعور، حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا في آثارهم، وخرج الحماة كلهم.
فبينما أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن قد ثاروا برستم، ونقضوا الذي بينهم وبينه وبلغ عمر الخبر فاشتد عليه، وقال: لو أن أبا عبيد انحاز إلي لكنت له فئة. وقال للمنهزمين: أنا فئتكم.
وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربعون ليلة، فكانت اليرموك في جمادى الآخرة، والجسر في شعبان
. قصة البويب
[1] ثم إن المثنى خرج في آثار القوم، فأسر منهم وقتل، وبعث إلى من يليه فاجتمع إليه جمع عظيم، فبلغ ذلك رستم والفيرزان، فبعثا إليه مهران الهمذاني، وبلغ المثنى [الخبر] [2] ، فجمع النّاس بالبويب، فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات، فنادى المثنى في الناس: انهدوا لعدوكم، قم قال: إني مكبر ثلاثا فتهيئوا، ثم احملوا مع الرابعة.
فلما كبر أول تكبيرة أعجلهم فارس فخالطوهم وركدت الحرب، وهزمت فارس، وهلك مهران، وتمكن المسلمون من الغارة على السواد فيما بينهم وبين دجلة،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 460.
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري.

(4/148)


فمخروها، لا يخافون كيدا، وانتقضت مسالح العجم، واعتصموا بساباط، وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة.
وكانت وقعة البويب في رمضان سنة ثلاث عشرة، وكانت تحزر عظام القتلى بمائة ألف
. ذكر قصة الخنافس
[1] / ولما غزا المثنى السواد دل على سوق تجتمع فيه ربيعة وقضاعة والناس يقال لها الخنافس، فأغار عليهم يوم سوقها
. ذكر قصة بغداد
[2] جاء رجل من أهل الحيرة إلى المثنى، فقال له: هل أدلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى والسواد ومعهم الأموال، وهذه أيام سوقهم، فإن أغرت عليهم وهم لا يشعرون أصبت فيها مالا يكون غنى للمسلمين، يقوون به على عدوهم دهرهم؟ قال: وكم بينها وبين مدائن كسرى؟ قال: بعض يوم. فأخذ الأدلاء وصبحهم في أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فقتل وأخذ، ثم رجع إلى نهر السليحين بالأنبار، وما زال هو وأصحابه يغيرون على الأطراف.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
كانت ببغداد في أيام مملكة العجم قرية يجتمع رأس كل سنة التجار، ويقوم بها للفرس سوق عظيمة، فلما توجه المسلمون إلى العراق، وفتح أول السواد، ذكر للمثنى بن حارثة الشيباني أمر سوق بغداد.
فأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزار، أخبرنا محمد بن الحسن الصواف،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 472.
[2] نفس المرجع والموضع.

(4/149)


حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عيسى العطار، أخبرنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة، قال: قال] [1] ابن إسحاق: حدثني عبد الله أن أهل الحيرة، قالوا للمثنى:
ألا ندلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى وتجار السواد، وتجتمع بها كل سنة من أموال الناس مثل خراج العراق، وهذه أيام سوقهم التي يجتمعون فيها، فإن أنت قدرت على أن تغير عليهم وهم لا يشعرون، أصبت بها مالا يكون منه عز للمسلمين، وقوة على عدوهم، وبينها وبين مدائن كسرى عامة يوم، فقال لهم: وكيف لي بها؟ فقالوا له: إن أردتها فخذ طريق البر حتى تنتهي إلى الأنبار، ثم تأخذ رءوس الدهاقين فيبعثون معك الأدلاء، فتسير سواد ليلة من الأنبار حتى تأتيهم ضحى [2] .
قال: فخرج من الغد ومعه أدلاء أهل الحيرة حتى دخل الأنبار، فنزل، بصاحبها فتحصن منه، فأرسل إليه، انزل فإنك آمن على دينك وقريتك، وترجع سالما إلى حصنك، فتوثق عليه، ثم نزل فَقَالَ: إني أريد أن تبعث معي دليلا يدلني على بغداد، فإني أريد أن أعبر منها إلى المدائن، قال: أنا أجيء معك/ قال المثنى: لا أريد أن تجيء معي، ولكن ابعث معي من يعرف الطريق، ففعل وأمر لهم بعلف وطعام وزاد، وبعث معهم دليلا، فأقبل حتى بلغ المنصف قال لَهُ المثنى: كم بيننا وبين هذه القرية؟ قال: أربع فراسخ أو خمسة، وقد بقي عليك ليل، فقال لأصحابه: انزلوا واقصموا واطعموا وابعثوا الطلائع، فلا تلقون أحدا إلا حبستموه، ثم سار بهم فصبحهم في أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فقتل وأخذ الأموال وقال لأصحابه: لا تأخذوا إلا الذهب والفضة، ومن المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته، وهرب النّاس وتركوا أمتعتهم، وملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء، ثم رجع حتى نزل نهر السليحين، فقال للمسلمين: احمدوا الله الذي سلمكم وأغنمكم، انزلوا فاعلفوا خيلكم من هذا القصب وعلقوا عليها وأصيبوا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ. وما في الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن إسحاق» قال:
[2] في الأصل: «حتى تصبحهم ضحى» .

(4/150)


أزوادكم، ثم سار حتى انتهى إلى الأنبار. وهذا المثنى هو أول من حارب الفرس في أيام أبي بكر رضي الله عنه
. ذكر ما هيج أمر القادسية
[1] اجتمع أهل فارس إلى رستم والفيرزان، فقالوا: قد وهنتما أهل فارس، وأطمعتما فيهم عدوهم، وما بعد بغداد وساباط وتكريت إلا المدائن، والله لتجتمعان أو لنبدأنّ بكما قبل أن يشمت بنا شامت.
فقال رستم والفيروزان لبوران بنت كسرى: اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه، ونساء آل كسرى وسراريهم. ففعلت، فأرسلوا في طلبهن، فاجتمعن فسألوهن عن ذكر من أبناء كسرى، فلم يوجد عندهن، فقال بعضهن: لم يبق إلا غلام يدعى يزدجرد من ولد شهريار بن كسرى، وأمه من أهل بادوريا. وكانت في أيام شيري حين قتل الذكور، دلته في زبيل [2] إلى أخواله، فجاءوا به فملكوه وهو ابن إحدى وعشرين [سنة] ، واطمأنت/ فارس واستوثقت، فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عَنْهُ، فكتب عمر إِلى عمال العرب وذلك في ذي الحجة سنة ثلاث عشرة مخرجه إلى الحج، أن لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه، ثم وجهتم إلي، والعجل العجل.
وحج بالناس [3] عامئذ عبد الرحمن بن عوف، وكان عامل عمر في هذه السنة على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى اليمن يعلى بن أمية، وعلى عمان واليمامة حذيفة بن محصن، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى الشام أبو عبيدة، وعلى فرج الكوفة وما فتح من أرضها المثنى بن حارثة، وكان على القضاء علي بن أبي طالب.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 477.
[2] الزبيل: الحراب أو الوعاء.
[3] تاريخ الطبري 3/ 479.

(4/151)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
162- الأخنس بن شريق:
واسمه أبي [بن] شريق بن عمرو بن وهب، [وكان اسمه أبي] [1] فلما أشار على بني زهرة بالرجوع إِلى مكة حين توجهوا في النفير إلى بدر يمنعوا العير فقبلوا منه، قيل:
خنس بهم، فسمي الأخنس يومئذ.
أسلم يوم فتح مكة، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حنينا، فأعطاه مع المؤلفة قلوبهم.
وتوفي في أول خلافة عمر رضي الله عنه
. 163-[خولي بن أبي خولي، واسم أبي خولي عمرو بن زهير بن خيثمة: [2]
شهد بدرا، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وتوفي في هذه السنة
. 164- شيرين بن أردشير [3] :
مات في هذه السنة
. 165- سليم، أبو كبشة، مولى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [4] :
من مولدي أرض دوس، شهد بدرا، والمشاهد كلها، وتوفي يوم استخلف عمر، وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة] [5]
. 166- عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم [6] :
كان أبوه ورد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بمكة.
[أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَرَ البرمكي، قَالَ:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وهو الّذي أشار على بني زهرة ... » .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 284. والترجمة كلها ساقطة من الأصل. حتى آخر ترجمة سليم.
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 33، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[5] إلى هنا انتهى السقط من الأصل من ترجمة خولي بن أبي خولي.
[6] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 175، وفي الأصل: «عمر بن الطفيل بن عمر الدوسيّ» ، وما أوردناه من أ، وابن سعد.

(4/152)


أَخْبَرَنَا ابْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ الدَّوْسِيِّ] [1] ، قَالَ:
كَانَ الطُّفَيْلُ الدَّوْسِيُّ رَجُلا شَرِيفًا شَاعِرًا كَثِيرَ الضِّيَافَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلادَنَا وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ [وَبَيْنَ أَخِيهِ] [2] ، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ، وَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مِثْلَ مَا دَخَلَ/ عَلَيْنَا مِنْهُ، فَلا [تُكَلِّمْهُ وَلا] [3] تسمع منه. قال: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلا أُكَلِّمَهُ، فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ حَشَوْتُ أُذُنِي قُطْنًا [4] ، [فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ] [5] ، فَكَانَ يُقَالُ لِي: ذُو الْقُطْنَتَيْنِ.
[قَالَ: فَغَدَوْتُ يَوْمًا إِلَى الْمَسْجِدَ] [6] ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي [عِنْدَ الْكَعْبَةِ] [7] ، فَقُمْتُ قَرِيبًا منه فسمعت بعض قوله، فقتل فِي نَفْسِي: وَاثَكْلَ أُمِّي، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ القبيح، فما يمنعي مِنْ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا [الرَّجُلِ] [8] ، فَإِنْ كَانَ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ.
فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ، فَعَرَضَ عَلِيَّ الإِسْلامَ، وَتَلا الْقُرْآنَ، فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا وَلا أَعْدَلَ مِنْهُ، فَأَسْلَمْتُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن عون» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[4] في ابن سعد «أذني كرسفا، وهو القطن» .
[5] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[6] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: من طبقات ابن سعد.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من ابن سعد.

(4/153)


مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ فَدَاعِيهِمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً» . فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْتُ: اللَّهمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا بِي مُثْلَةً وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِ دِينِهِمْ، فَتَحَوَّلَ النُّورُ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي، فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءُونَ ذَلِكَ النُّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ، فَأَتَانِي أَبِي فَقُلْتُ لَهُ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَسْتَ مِنْ ديني، ولست منك، قال: ولم يا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: يَا بُنَيَّ دِينِي دِينُكَ. [قَالَ] [1] : فَقُلْتُ: فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، فَفَعَلَ فَجَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الإِسْلامَ، ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ [2] وَلَسْتِ مِنِّي، قَالَتْ: وَلِمَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قُلْتُ: فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الإِسْلامُ، إِنِّي أَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَتْ: دِينِي دِينُكَ، فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إِلَى الإِسْلامِ/ فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلم، فقلت: قد غَلَبَتْنِي دَوْسٌ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «اللَّهمّ اهْدِ دَوْسًا» . وَقَالَ لِي: «اخْرُجْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهْمُ وَارْفُقْ بِهِمْ» . فَخَرَجْتُ أَدْعُوهُمْ حَتَّى هَاجَرَ النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَتْ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ بِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ [قَوْمِي] [3] وَرَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، وَلَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنَا فِي مَيْمَنَتِكَ، وَاجْعَلْ شعارنا مبرور، فَفَعَلَ.
فَلَمْ أَزَلْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى فَتَحَ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: ابْعَثْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلى ذِي الْكَفَّيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ أُحَرِّقُهُ، فَبَعَثَهُ إِلَيْهِ فَحَرَّقَهُ، فَلَمَّا أَحْرَقَهُ بَانَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ [4] ، فَأَسْلَمُوا جَمِيعًا، وَرَجَعَ الطُّفَيْلُ، فَكَانَ مع النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ.
فَلَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَجَاهَدَ، ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرٌو، فَقُتِلَ الطُّفَيْلُ بِالْيَمَامَةِ، وَقُطِعَتْ يَدُ ابْنِهِ، ثُمَّ اسْتَبَلَ وَصَحَّتْ يده.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[2] في أ: «عليك مني لست منك» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[4] في الأصل: «ليس بشيء» .

(4/154)


فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذْ أُتِيَ بِطَعَامٍ فَتَنَحَّى عَنْهُ، فقال عمر: مالك لَعَلَّكَ تَنَحَّيْتَ لِمَكَانِ يَدِكَ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: والله لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فو الله مَا فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ بَعْضُهُ فِي الْجَنَّةِ غَيْرُكَ. ثُمَّ خَرَجَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلافَةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقُتِلَ شَهِيدًا
. 167-[عبد الله خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
وقد سبق ذكر موته، توفي في هذه السنة] [1]
. 168- عكرمة بن أبي جهل، واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:
[أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال:
أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ] [2] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ هَرَبَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، [فَجَاءَتْ زَوْجَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [3] / وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَلِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةً لَهَا عَقْلٌ، وَكَانَتْ قَدِ اتبعت رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّي عِكْرِمَةَ قَدْ هَرَبَ مِنْكَ [إِلَى الْيَمَنِ] ، وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمِّنْهُ، قَالَ: «قَدْ أَمَّنْتُهُ بِأَمَانِ اللَّهِ، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلا يَعْرِضْ لَهُ» فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ، فَأَدْرَكَتْهُ فِي سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ وَقَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَجَعَلَتْ تُلَوِّحُ إِلَيْهِ وَتَقُولُ: يَا بن عَمٍّ، جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ، وَأَبَرِّ النَّاسِ، وَخَيْرِ النَّاسِ، لا تُهْلِكْ نَفْسَكَ وَقَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ فَأَمَّنَكَ، فَقَالَ: أَنْتِ فَعَلْتِ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَنَا كَلَّمْتُهُ فَأَمَّنَكَ، فَرَجَعَ مَعَهَا، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: «يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فَلا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت» .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الله بن الزبير» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/155)


قَالَ: فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فَانْتَهَى إِلَى بَابِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَزَوْجَتُهُ مَعَهُ مُتَنَقِّبَةً، قَالَ:
فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَدَخَلْتُ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِقُدُومِ عِكْرِمَةَ، فَاسْتَبْشَرَ وَوَثَبَ قَائِمًا عَلَى رجليه وما على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ رِدَاءٌ فَرِحًا بِعِكْرِمَةَ، وَقَالَ: أَدْخِلِيهِ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِي أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي، فقال رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «صَدَقَتْ وَأَنْتَ آمِنٌ» ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقُلْتُ: أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ، وَأَصْدَقُ النَّاسِ، وَأَوْفَى النَّاسِ، أَقُولُ ذَلِكَ وَإِنِّي لَمُطَأْطِئُ الرَّأْسِ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَيْتُكَهَا أَوْ مَرْكَبٍ أُوضِعْتُ فِيهِ أُرِيدُ بِهِ إِظْهَارَ الشِّرْكِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ اغْفِرْ لِعِكْرِمَةَ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا، أَوْ نَطَقَ بِهَا أَوْ مَرْكَبٍ أُوضِعَ فِيهِ/ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّ عَنْ سَبِيلِكَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِخَيْرِ مَا تَعْلَمُ فَأَعْمَلَهُ، قَالَ: «قُلْ أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَجَاهِدْ فِي سَبِيلِهِ» ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَدَعُ نَفَقَةً كُنْتُ أَنْفَقْتُهَا فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلا أَنْفَقْتُ ضِعْفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا قِتَالا كُنْتُ أُقَاتِلُ فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلا أَبْلَيْتُ ضِعْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ اجْتَهَدَ فِي الْقِتَالِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ أَجْنَادِينَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَامَ حَجٍّ عَلَى هَوَازِنَ بِصَدَقَتِهَا.
[قال محمد بن سعد: وأخبرنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب] [1] ، عن ابن أبي مليكة، قال:
لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربا يجب بهم البحر، فجعلت الصواري يدعون الله عز وجل ويوحدونه، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله عز وجَلَّ، قال: فهذا إله محمد الذي يدعونا إليه، فارجعوا بنا، فرجع فأسلم. وكانت امرأته أسلمت قبله وكانا على نكاحهما.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ النَّهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ] [2] ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ:
قال لي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ جِئْتُهُ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ، مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن ابن أبي مليكة» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن عكرمة بن أبي جهل» .

(4/156)


الْمُهَاجِرِ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا أَدَعُ نَفَقَةً أَنْفَقْتُهَا عَلَيْكَ إِلا أَنْفَقْتُ مِثْلَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. [قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ] [1] ، عَنْ هِشَامِ [بْنِ يحيى] المخزومي، قال: قال شَيْخٌ لَنَا:
لَمَّا قَدِمَ عِكْرِمَةُ الْمَدِينَةَ جَعَلَ النَّاسُ يَتَنَادَوْنَ: هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ، هَذَا ابن أبي جهل، فانطلق موايلا حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: مَا شَأْنِي، لا أَخْرُجُ إِلَى طَرِيقٍ وَلا سُوقٍ إِلا يُنَادَى بِي: هَذَا ابْنُ أَبِي جَهْلٍ، فدخل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ/ فِي خِلالِ ذَلِكَ، فَذَكَرَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُؤْذُونَ الأَحْيَاءَ بِشَتْمِ الأَمْوَاتِ، أَلا لا تُؤْذُوا الأَحْيَاءَ بِشَتْمِ الأَمْوَاتِ» . [قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ] [2] :
أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ كَانَ إِذَا أَجْهَدَ الْيَمِينَ، قَالَ: لا والّذي نجاتي يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ يَضَعُ الْمُصْحَفَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَقُولُ: كِتَابُ رَبِّي كِتَابُ رَبِّي
. 169- عتاب بن أسيد:
ولاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وتوفي بها يوم مات أبو بكر بالمدينة، وكانا قد سما جميعا
. 170- نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف [3] :
أسلم بعد عشرة، وكان يكتم إسلامه وإنما سمي النحام لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قال: «دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم» . ولم يزل بمكة يحوطه قومه [لشرفه فيهم. فلما هاجر المسلمون إلى المدينة أراد الهجرة، فتعلق به قومه] [4] فقالوا: دن بأي دين شئت وأقم عندنا. فأقام [بمكة] [5] إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده عن هشام» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى ابن سعد بإسناده أن عكرمة» .
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 102.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.

(4/157)


سنة ست، فقدم مهاجرا إلى المدينة [1] ومعه أربعون من أهله، فأتى رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فاعتنقه وقبله.
وشهد مَعَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ما بعد الحديبية، وقتل يوم اليرموك [شهيدا] [2] في هذه السنة
. 171- هشام بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم: [3]
أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم قدم مكة حين بلغه مهاجرة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى المدينة يريد اللحاق به، فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم المدينة بعد الخندق على النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فشهد ما بعد ذلك من المشاهد، وكان أصغر سنا من أخيه عمرو بن العاص، وكان عمرو يقول: عرضنا أنفسنا على رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فقبله وتركني.
[أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أنبأنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أحمد بن معروف، أَخْبَرَنَا الحسين بْن الفهم، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد، قال:
أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَني مخرمة بن بكير، عن أم بكر بنت] [4] المسور بين مخرمة، قالت:
كان هشام بن العاص رجلا صالحا، لما كان يوم أجنادين رأى من المسلمين بعض النكوص عن عدوهم، فألقى المغفر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو، وهو يصيح: يا معشر المسلمين إلي إليَّ، أنا هشام بن العاص، أمن الجنة تفرون؟ حتى قتل [5] .
روى محمد بن عمر: [وحدثني ثور بن يزيد، عن خلف] [6] بن معدان، قال:
__________
[1] في الأصل: «وقدم المدينة مهاجرا» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من ابن سعد.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 140.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن المسور بن مخرمة قال» .
[5] الخبر في طبقات 4/ 1/ 142.
[6] ما بين المعقوفتين: من أ، وابن سعد، وفي الأصل: «روى محمد بن عمر بإسناده عن ابن معدان» .

(4/158)


لما انهزمت [1] الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان، فجعلت الروم تقاتل عليه وقد تقدموه وعبروه، وتقدم هشام بن العاص بن وائل، فقاتلهم عليه حتى قتل، ووقع على تلك الثلمة فسدها، فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل، فَقَالَ عمرو بن العاص: أيها الناس، إن الله قد استشهده ورفع روحه، وإنما هو جثة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو وتبعه الناس حتى قطعوه، فلما انتهت الهزيمة ورجع المسلمون إلى العسكر، كر إليه عمرو بن العاص، فجعل يجمع لحمه وأعضاءه وعظامه، ثم حمله في نطع فواراه.
وكانت وقعة أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم، وكانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان على الناس يومئذ عمرو بن العاص
. 172-[واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز
[2] :
أسلم قبل دخول رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ دار الأرقم، وشهد مع عبد الله بن جحش سريته إلى نخلة، وقتل يومئذ عمرو بن الحضرمي. وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وليس له عقب] [3] .
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 142، 143.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 284، والترجمة ساقطة من الأصل، ومكان «واقد» بياض في أ.
[3] إلى هنا انتهى السقط من الأصل.
وكتب في أ، بعدها: «تم المجلد الخامس» .

(4/159)


ثُمَّ دخلت سنة أربع عشرة
[1]
فمن الحوادث فيها قصة القادسية [2]
وذلك أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خرج في أول [يوم من] [3] المحرم من سنة أربع عشرة، فنزل على ماء يدعى صرارا، فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد، أيسير أم يقيم؟ وكانوا إذَا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف، وكان عثمان يدعى في زمان عمر/ رديفا، وكانوا إذا لم يقدر هذان على شيء مما يريدون ثلثوا بالعباس، قال: فَقَالَ عثمان لعمر: ما بلغك؟ ما الذي تريد؟ فنادى:
الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فأخبرهم الخبر الذي اقتصصناه في ذكر ما هيج أمر القادسية من اجتماع الناس على يزدجرد، وقصد فارس إهلاك العرب فقال عامة الناس:
سر وسر بنا، فقال: استعدوا فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا.
ثم بعث إلى أهل الرأي، فاجتمع [إليه] أصحاب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وأعلام العرب، فقال: أحضروني الرأي، فاجتمع ملؤهم على أن يبعث رجلا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ويقيم، ويرميه بالجنود، فإن كان الذي يشتهي من الفتح، فهو الذي يريد، وإلا أعاد رجلا وندب جندا آخر.
فأرسل إلى علي رضي الله عنه، وكان قد استخلفه على المدينة، وإلى طلحة، وكان قد بعثه عَلَى المقدمة، وجعل على المجنبتين الزبير وعبد الرحمن بن عوف، فقال
__________
[1] في أ: «بداية المجلد السادس» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 480.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/160)


لَهُ عبد الرحمن: أقم وابعث جندا، فليس انهزام جندك كهزيمتك، فقال: إني كنت عزمت على [1] الخروج، فقد رأيت أني أقيم وأبعث رجلا، فمن ترونه؟ فقالوا:
سعد بن مالك، وكان سعد على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر أن ينتخب ذوي الرأي والنجدة، فانتخب ألف فارس ثم أرسل إِلَيْهِ، فقدم.
وكتب عمر إلى المثنى [2] : تنح إلى البر، وأقم من الأعاجم قريبا على حدود أرضك وأرضهم حتى يأتيك أمري.
وعاجلتهم [3] الأعاجم، فخرج المثنى بالناس حتى نزل العراق، ففرق الناس في مسالحه [4] ، وكانوا كالأسد ينازعون فرائسهم، وكانت فارس منزعجة.
ولما قدم [5] سعد ولاه عمر حرب العراق، وقال: يا سعد لا يغرنك إن قيل: خال رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وصاحبه، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب إلا الطاعة، وإنك تقدم على أمر شديد، فالصبر الصبر على ما أصابك.
ثم سرحه فيمن اجتمع معه، فخرج قاصدا إلى العراق في أربعة آلاف، ثم أمده عمر بثلاثة آلاف.
وكتب إلى جرير بن عبد الله والمثنى أن يجتمعا إلى سعد، وأمره عليهما، فمات المثنى من جراحة كان قد جرحها.
وبعض الناس يقول: كان أهل القادسية ثمانية آلاف وبعضهم يقول: تسعة آلاف، وبعضهم يقول: اثني عشر ألفا [6] .
وخرج سعد [7] في ثمانية آلاف، ثم أضيف إليه خلق، فشهد القادسية مع سعد بضعة وثلاثون ألفا.
__________
[1] «عزمت» : سقطت من أ.
[2] تاريخ الطبري 3/ 482.
[3] في الأصل: «فعاجلت» ، والتصحيح من الطبري.
[4] في الأصل: «فيه» .
[5] تاريخ الطبري 3/ 483.
[6] تاريخ الطبري 3/ 487.
[7] تاريخ الطبري 3/ 488.

(4/161)


وكتب عمر إلى سعد: إذا جاءك كتابي [هذا] [1] فعشر الناس [2] وأمر على أجنادهم، وواعد الناس القادسية، واكتب إلي بما يستقر أمر الناس عليه.
فجاءه الكتاب [3] وهو بشراف، ثم كتب إليه: أما بعد، فسر من شراف نحو فارس بمن معك من المسلمين، وتوكل على الله، واستعن به على أمرك كله، واعلم أنك تقدم على قوم عددهم كثير، وبأسهم شديد، فبادروهم بالضرب ولا يخدعنكم، فإنهم خدعة [مكرة] [4] ، وإذا انتهيت [إلى القادسية] [5] والقادسية باب فارس في الجاهلية، وهو منزل حصين دونه قناطر وأنهار ممتنعة، فلتكن مسالحك على أنقابها، فإنهم إذا أحسوك رموك بجمعهم، فإن أنتم صبرتم لعدوكم ونويتم الأمانة، رجوت أن تنصروا عليهم، وإن تكن الأخرى انصرفتم من أدنى مدرة من أرضهم حتى/ يرد الله لكم الكرة.
[ثم قدم عليه كتاب جواب عمر: أما بعد] [6] ، فتعاهد قلبك، وحادث جندك بالموعظة والصبر الصبر، فإن المعونة تأتي من الله على قدر النية، والأجر على قدر الحسبة، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وصف لي منازل المسلمين كأني أنظر إليها وقد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم، فإن منحك الله أكتافهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن، فإنها خرابها إن شاء الله.
ومضى سعد حتى نزل القادسية وأصاب المسلمون في طريقهم غنائم من أهل فارس عارضوها في طريقهم، وجاء الخبر إلى سعد أن الملك قد ولى رستم الأرمني حربه، فكتب بذلك إلى عُمَر، فكتب إليه عمر: لا يكربنك ما يأتيك عنهم، واستعن باللَّه وتوكل عليه.
فعسكر [7] رستم بساباط دون المدائن، وزحف بالخيول والفيول، وبعثوا إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من أ.
[2] في الأصل: «فعرف على الناس» . وما أوردناه من أ، والطبري.
[3] تاريخ الطبري 3/ 490.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، وأوردناه من الطبري 3/ 491.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري 3/ 491.
[7] تاريخ الطبري 3/ 495.

(4/162)


سعد أنه لا بد لكم منا، ولا سلاح معكم، فما جاء بكم؟ وكانوا يضحكون منهم ومن نبلهم، ويقولون هذه مغازل. فلما أبوا أن يرجعوا عن حربهم، قالوا لهم: ابعثوا لنا رجلا منكم عاقلًا يبين لنا ما جاء بكم، فقال المغيرة بن شعبة: أنا، فعبر إليهم، فقعد مع رستم على السرير، فصاحوا عليه، فقال: إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم، فقال رستم: صدق، ثم قَالَ: ما جاء بكم؟ فقال: إنا كنا قوما في ضلالة، فبعث الله فينا نبيا فهدانا الله به، فإن قتلتمونا دخلنا الجنة، وإن قتلتم دخلتم النار، فقال: أو ماذا؟ قال: أو تؤدون الجزية، فلما سمعوا نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم، فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: بل نعبر إليكم، فاستأخر المسلمون حتى عبر منهم من عبر/ فحملوا عليهم فهزموهم، فأصاب المسلمون فيما أصابوا جرابا من كافور فحسبوه ملحا، فألقوا منه في الطبيخ، فلما ذاقوه قالوا: لا خير في هذا.
وانهزم القوم حتى انتهوا إلى الصراة، فطلبوهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن، ثم انهزموا حتى أتوا شاطئ دجلة [1] ، فمنهم من عبر من كلواذى، ومنهم من عبر من أسفل المدائن، فحاصروهم حتى ما يجدون طعاما يأكلونه إلا كلابهم وسنانيرهم، فخرجوا ليلا فلحقوا بجلولاء، فأتاهم المسلمون، وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة، وهي الوقعة التي كانت، فهزم المشركون حتى ألحقهم سعد بنهاوند.
وبعث سعد بجماعة من المسلمين إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام، فلما دخلوا عليه، قال: ما الذي دعاكم إلى غزونا، والولوع ببلادنا، فقال له النعمان بن مقرن: إن الله تعالى أرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير، فأمرنا أن ندعو الناس إلى الإنصاف، ونحن ندعوكم إِلى ديننا، فإن أبيتم فالمناجزة، فقال يزدجرد: إني لا أعلم في الأرض أمة أشقى منكم، فَقَالَ المغيرة بن زرارة الأسدي: اختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت السيف، أو تسلم، فقال: أتستقبلني بمثل هذا؟ فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، فقال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك لا شيء لكم عندي، ثم قال:
ائتوني بوقر من تراب واحملوه على أشرف هَؤُلَاء، ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن [2] ، ارجعوا إلى صاحبكم فاعلموه أني مرسل إليهم رستم حتى يدفنه [3] وجنده
__________
[1] في الأصل: «فحصروهم حتى ما نزلوا شاطئ» والتصحيح من: أ.
[2] في الأصل: أبيات المدائن والتصحيح من الطبري.
[3] في الطبري: «حتى يدفيكم ويدفيه» .

(4/163)


في خندق القادسية، ثم أورده بلادكم، حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور.
ثم/ قال: من أشرفكم؟ فسكت القوم [1] ، فقال عاصم بن عمرو: أنا، فحملنيه، فحمله على عنقه، فأتى به سعدا، فقال: ملكنا الله أرضهم تفاؤلا بأخذ التراب.
وأقام سعد بالقادسية شهرين وشيئا حتى ظفر وعج أهل السواد إلى يزدجرد، وقالوا: إن العرب قد نزلوا القادسية فلم يبقوا على شيء، وأخبروا ما بينهم وبين الفرات، ولم يبق إلا أن يستنزلونا، فإن أبطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا [2] .
فبعث إليهم رستم، وجاء الخبر إلى سعد، فكتب بذلك إلى عمر، وكان من رأي رستم المدافعة والمناهلة، فأبى عليه الملك إلا الخروج، وقال له: إن لم تسر أنت سرت بنفسي، فخرج حتى نزل بساباط، وجمع أداة الحرب، وبعث على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفا، وخرج في ستين ألفا، واستعمل على ميمنته الهرمزان، وعلى ميسرته مهران بن بهرام، وعلى ساقته النبدوان في عشرين ألفا ولهم أتباع، فكانوا بأتباعهم أكثر من مائتي ألف.
فلما [3] فصل رستم من ساباط أخذ له رجل من أصحاب سعد، فقال له: ما جئتم تطلبون؟ قال: جئنا نطلب موعود الله، قال: وما هو؟ قال: أرضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا، [قال:] [4] فإن قتلتم قبل ذلك؟ قال: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك دخل الجنة، وينجز لمن بقي منا ما قلت لك، فقتله.
ثم خرج حتى نزل ببرس، فغضب أصحابه الناس أموالهم، ووقعوا على النساء، وشربوا الخمور، فقام إلى الناس، فقال: إن الله كان ينصركم على عدوكم لحسن السيرة، وكف الظلم والوفاء بالعهد، فأما إذا تحولتم عن هذه الأعمال فلا أرى الله إلا مغيرا ما بكم.
__________
[1] في الأصل: «فسكتوا» ، والتصحيح من الطبري.
[2] تاريخ الطبري 3/ 502، 503.
[3] تاريخ الطبري 3/ 507. وفي الأصل: «انفصل» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(4/164)


ثم نزل مما يلي الفرات، ودعا أهل الحيرة، فقال: فرحتم بدخول العرب [علينا] بلادنا، وكنتم عونا لهم علينا، وقويتموهم بالأموال، فقالوا: والله ما فرحنا بمجيئهم، وما هم عَلَى ديننا، وأما قولك: كنتم عونا لهم، فما يحوجهم إلى ذلك وقد هرب أصحابكم منهم وخلوا لهم القرى [1] ، وقولك: «قويناهم بالأموال» ، فإنا صانعنا [هم بالأموال] عن أنفسنا.
فارتحل رستم فنزل النجف، وكان بين خروجه من المدائن إلى أن لقي سعدا أربعة أشهر لا يقدم ولا يقاتل، رجاء أن يضجروا بمكانهم، وأن يجهدوا فينصرفوا، وكره قتالهم، فطاولهم والملك يستعجله، وعهد عمر إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا على حدود أرضهم وأن يطاولهم، فنزلوا القادسية، وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة، فكانوا يغيرون على السواد، فانتسفوا ما حولهم وأعدوه للمطاولة.
وكان عمر يمدهم، وقال بعض الناس لسعد: قد ضاف بنا المكان فأقدم، فزبره وقال: إذا كفيتم الرأي فلا تكلفوه، وخرج سواد وحميضة في مائة مائة، فأغاروا على النهرين، وقد كَانَ سعد نهاهما أن يمعنا، وبلغ ذلك رستم، فبعث خيلا، فبعث سعد إليهم قوما فغنموا وسلموا. [2] ومضى طليحة حتى دخل عسكر رستم، وبات فيه يحرسه وينظر.
فلما أدبر الليل أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر، فإذا فرس لهم [3] لم ير في خيل القوم مثله، فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرمك فرسه، فخرج يعدو، ونذر به [الرجل] [4] والقوم، فركبوا الصعب والذلول وخرجوا في طلبه، فلحقه فارس، فعدل إِلَيْهِ طليحة فقصم ظهره بالرمح، ثم لحق به آخر، ففعل به مثل ذلك، ثم لحق به آخر فكر عليه طليحة ودعاه إلى الأسار فاستأسر، فجاء به إلى سعد فأخبره الخبر، فقال للأسير: تكلم، فقال: قد باشرت الحروب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها، ما رأيت ولا سمعت بمثل هذا، أن رجلا قطع عسكرين لا
__________
[1] في الأصل: «وقد خلوا القرى أصحابك وهربوا» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 513.
[3] في الأصل: «فإذا فرس له» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.

(4/165)


يجترئ عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفا، فلم يرض أن يخرج حتى سلب فارس الجند، وهتك أطناب بيته، فطلبناه فأدركه الأول، وهو فارس الناس، يعدل بألف فارس فقتله، ثُمَّ أدركه الثاني وهو نظيره فقتله، ثم أدركته ولا أظنني خلفت بعدي من يعدلني، فرأيت الموت فاستأسرت.
ثم أخبرهم بأن الجند عشرون ومائة ألف، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم، وأسلم الرجل وسماه سعد مسلما، وعاد إلى طليحة وقال: والله لا يهزمون على ما أرى من الوفاء والصدق والإصلاح، لا حاجة لي في صحبة فارس، فكان من أهل البلاء يومئذ.
وقال سعد لقيس بن هبيرة [1] : أخرج حتى تأتيني بخبر القوم، فخرج وسرح عمرو بن معديكرب، وطليحة، فإذا خيل القوم، فأنشب قيس القتال وطاردهم، فكانت هزيمتهم، وأصاب منهم اثني عشر رجلا وثلاثة أسراء وأسلابا، فأتوا بالغنيمة سعدا.
فلما أصبح رستم [2] تقدم حتى انتهى إلى العتيق فتباسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقا بحيال عسكر سعد، وكان رستم منجما، فكان يبكي مما يرى من أسباب تدل على غلبة المسلمين إياهم، ومما رأى أن عمر دخل عسكر فارس ومعه ملك، فختم [على] سلاحهم ثم حزمه ودفعه إلى عمر.
وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلا، في القلب ثمانية عشر، وفي المجنبتين خمسة عشر [فيلًا] ، منها فيل سابور الأبيض، وكان أعظم الفيلة.
فلما أصبح رستم [3] من ليلته التي بات بها في العتيق، ركب في خيله، فنظر إلى المسلمين، ثُمَّ صعد نحو القنطرة وحرز [الناس] [4] ، وراسل زهرة، فخرج إليه وأراد أن يصالحهم، وجعل يقول: إنكم جيراننا، وقد كانت طائفة منكم في سلطاننا، فكنا نحسن جوارهم [5] ، ونكف الأذى عنهم، ونوليهم المرافق [6] الكثيرة، [فنرعيهم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 514.
[2] تاريخ الطبري 3/ 515.
[3] تاريخ الطبري 3/ 517.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ، وفي أ: «وحرزهم الناس» .
[5] في الأصل: «فكنا نحمي جوارهم» .
[6] في الأصل: «المراعي الكثيرة» . والتصحيح من الطبري.

(4/166)


مراعينا] [1] ، ونميرهم من بلادنا، وإنما يريد بذلك الصلح [ولا يصرح] [2] ، فقال زهرة:
ليس أمرنا أمر أولئك، إنا لم نأتكم لطلب الدنيا، إنما طلبنا الآخرة، كنا نضرع إليكم فنطلب ما في أيديكم، فبعث الله إلينا رسولا فأجبناه إلى دين الحق.
فدعا رستم رجال أهل فارس، فذكر لهم ذلك، فأنفوا، فقال: أبعدكم الله، فمال الرفيل إلى زهرة فأسلم وأسلم.
وأرسل [3] سعد إلى المغيرة بن شعبة، [وبسر بن أبي رهم، وعرفجة بن هرثمة] [4] وحذيفة بن محصن، وربعي بن عامر، [وقرفة بن زاهر التيمي، ومذعور بن عدي العجلي، والمضارب بن يزيد العجلي] [5] ، ومعبد بن مرة [العجلي] ، وكان من دهاة العرب، فقال: إني مرسلكم إلى هؤلاء [القوم] ، فما عندكم؟ قالوا [جميعا:] نتبع ما تأمرنا به، وننتهي إليه، فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس، فكلمناهم به. فقال سعد: هذا فعل الحزمة [6] ، اذهبوا فتهيئوا. فقال ربعي بن عامر: إن الأعاجم [لهم آراء وآداب] [7] ، متى ما نأتهم جميعا يروا أنا قد احتفلنا لهم، فلا تزيد على رجل، فسرحوني.
فخرج ربعي ليدخل على [8] رستم عسكره، فاحتبسه الذين على القنطرة، وأرسل إلى رستم بمجيئة، فاستشار عظماء أهل فارس، فقال: ما ترون، أنتهاون أم نباهي [9] ؟
قالوا: نباهي، فأظهروا الزبرجد، وبسطوا البسط والنمارق، ووضع لرستم سرير ذهب، عليه الوسائد المنسوجة بالذهب. وأقبل ربعي وغمد سيفه لفافة ثوب خلق،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري 3/ 517.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 518.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أالطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[6] في الأصل: «هذا قول الحزمة» .
[7] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[8] «على» : ساقطة من أ.
[9] في الطبري 3/ 519: «فأجمع ملؤهم على التهاون» .

(4/167)


ورمحه معلوب [1] بقد، معه حجفة [2] من جلود البقر، فجاء حتى جلس على الأرض، وقال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم، فكلمه وقال: ما جاء بكم؟ قال: الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة/ الله، من جور الأديان إلى عدل الإسلام، فمن قبل ذلك قبلنا منه، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله. قال: وما [هو] موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.
فقال رستم [3] : هل لكم أن تؤخروا هذا الأمر لننظر فيه وتنظروا، قال: إنا لا نؤجل أكثر من ثلاث.
فخلص [4] رستم برؤساء أهل فارس، وقال: ما ترون، هل رأيتم قط كلاما أوضح وأعز من كلام هذا؟ قالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه، فقال: ويحكم لا تنظرون إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب.
فرجع ربعي [5] إلى أن ينظروا في الأجل، فلما كان في الغد بعثوا: [أن] ابعث إلينا ذلك الرجل، فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن، فلما جاء إلى البساط قالوا: انزل، قال: ذاك لو جئتكم في حاجتي [6] ، الحاجة لكم لا لي، فجاء حتى وقف ورستم على سريره، فقال له: انزل، قال: لا أفعل، فقال: ما بالك ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟
قال: أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء، وهذه نوبتي، فتكلم بنحو ما تكلم به ربعي، ورجع.
فلما كان [7] من الغد أرسلوا: ابعث لنا رجلا، فبعث اليهم المغيرة بن شعبة،
__________
[1] في الأصل: «ملعوب» ، وفي أ: «معصوب» ، وما أوردناه من الطبري.
ومعناه: علب الرمح، فهو معلوب، أي حزم مقبضه بعلباء البعير وهو عنقه.
[2] الجحفة: الرأس.
[3] تاريخ الطبري 3/ 520.
[4] تاريخ الطبري 3/ 520.
[5] تاريخ الطبري 3/ 521.
[6] في الأصل: «في حاجة» .
[7] تاريخ الطبري 3/ 522.

(4/168)


فجاء حتى جلس مع رستم على سريره فترتروه [1] وأنزلوه ومغثوه [2] ، فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوما أسفه منكم، إنا معشر العرب [سواء] [3] ، لا يستعبد بعضنا بعضا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، / فقال رستم: لم نزل متمكنين من الأرض والبلاد، ظاهرين على الأعداء، ننصر على الناس، ولا ينصرون علينا، ولم يكن في الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم، ولا نراكم شيئا ولا نعدكم، وكنتم إذا قحطت أرضكم استعنتم بأرضنا، فنأمر لكم بالشيء من التمر والشعير، ثم نردكم، وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم من الجهد في بلادكم، فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم، وآمر لكل رجل منكم بوقرتي [4] تمر وثوبين، وتنصرفون عنا، فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم.
فتكلم المغيرة [5] ، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: لسنا ننكر ما وصفت به نفسك وأهل بلادك من التمكن في البلاد، وسوء حالنا، غير أن الأمر غير ما تذهبون إليه، إن الله تعالى بعث فينا رسولا فذكر نحو كلام ربعي إلى أن قال: فكن لنا عبدا تؤدي الجزية وأنت صاغر، وإلا السيف إن أبيت، فنخر نخرة، واستشاط غضبا، ثم حلف بالشمس: لا يرتفع الضحى غدا حتى أقتلكم أجمعين.
فانصرف المغيرة، وخلص رستم بأشراف فارس، فقال: إني أرى للَّه فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم، ثم قال رستم للمسلمين: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟
فقالوا: لا بل اعبر إلينا، فأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، فأراد المشركون العبور على القنطرة، فأرسل إليهم سعد ولا كرامة، متى قد غلبناكم عليها لن نردها عليكم، تكلفوا معبرا غير القناطر، فباتوا يسكرون العتيق والقصب حتى الصباح بأمتعتهم، [6] فجعلوه طريقا.
__________
[1] ترتروه: حركوه، وفي الأصل: «نثروه» ، وفي أ: «فنذروه» وما أوردناه من الطبري.
[2] مغثوه: ضربوه ضربا ليس بالشديد، وفي الأصل: «وبعثوه» ، وفي أ، «ومنعوه» وما أوردناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[4] في الطبري 3/ 523: «بوقر تمر» .
[5] تاريخ الطبري 3/ 523.
[6] في الأصل: «حتى بان تنعتهم» . وفي أ: «حتى بأمتعتهم» وما أوردناه من الطبري 3/ 529.

(4/169)


[يوم أرماث]
[1] [أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن سيف، قال: أخبرنا السري بن يحيى، قال:
أخبرنا شعيب بن إبراهيم، قَالَ: حدثنا سيف] [2] ، عن الأعمش، قال [3] :
لما كان يوم السكر، لبس رستم درعين ومغفرا، وأخذ سلاحه وأتى بفرسه/ فوثب، فإذا هو عَلَيْهِ، ولم يضع رجله في الركاب، ثم قال: غدا ندقهم دقا، فقال له رجل: إن شاء الله، فقال: وإن لم يشأ.
قالوا [4] : ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم، وجلس [رستم] [5] على سريره، وعبى في القلب ثمانية عشر فيلا، عليها الصناديق والرجال، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة، عليها الصناديق والرجال. وكان يزدجرد قد أقام رجلا على باب إيوانه، يبلغه أخبار رستم، وآخر في الدار، وآخر خارج الدار، وكذلك إلى عند رستم، فكلما حدث أمر تكلم به الأول فيبلغه الثاني إِلى الثالث، كذلك إلى يزدجرد.
أخذ المسلمون مصافهم، وكان سعد يومئذ به دماميل [6] ، لا يستطيع أن يركب ولا يجلس، إنما هُوَ على وجهه في صدره وسادة، وهو مكب عليها، مشرف على الناس، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة.
وأن سعدا [7] خطب من يليه، يوم الاثنين في المحرم سنة أربع عشرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ 21: 105
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 529، 530.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن الأعمش» .
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 529، 530.
[4] أي: محمد وطلحة وزياد كما في الطبري 3/ 530.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[6] في الطبري: «حبون» والمعنى واحد.
[7] تاريخ الطبري 3/ 531.

(4/170)


الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ 21: 105 [1] . هذا ميراثكم [2] وموعود [3] ربكم، فأنتم منذ ثلاث حجج تطعمون منه، وتقتلون أهله، فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة يجمع الله لكم الدنيا والآخرة، ولا يقرب ذلك أحد إلى أجله، وإن تفشلوا وتضعفوا تذهب ريحكم، وتوبقوا آخرتكم.
وقام عاصم [4] بن عمرو في المجردة، فقال: هذه بلاد قد أحل الله [لكم] أهلها [5] ، وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم، وأنتم الأعلون والله معكم، إن صبرتم فالضرب والطعن ولكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم، ولئن فشلتم لم يبق هذا الجمع منكم باقية، مخافة أن تعودوا عليهم [بعائدة هلاك] [6] ، الله الله، اجعلوا همكم الآخرة.
وخطب كل أمير أصحابه، وتحاضوا/ على الطاعة. وأذن مؤذن سعد لصلاة الظهر، وقال رستم: أكل عُمَر كبدي أحرق الله كبده، علم هؤلاء حتى علموا.
وأرسل [7] سعد الذين انتهى إليهم رأي الناس ونجدتهم، مثل: المغيرة، وحذيفة، وعاصم بن عمرو. ومن أهل النجدة: طليحة، وقيس الأسدي، وغالب، وعمرو بن معديكرب. ومن الشعراء الشّمّاخ، والحطيئة، وأوس بن مغراء، وعبدة بن الطبيب، وقال: انطلقوا فقوموا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال.
فقال عاصم: [8] يا معشر العرب، إنكم أعيان العرب، وقد صمدتم لأعيان العجم، وإنما تخاطرون بالجنة، ويخاطرون بالدنيا، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم، لا تحدثن اليوم أمرا يكون شيئا على العرب غدا.
__________
[1] سورة: الأنبياء، الآية: 105.
[2] في الأصل: «هذا منزلتكم» .
[3] في أ: «وموعد ربكم» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 532.
[5] ما بين المعقوفتين: على هامش أ.
[6] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[7] تاريخ الطبري 3/ 533.
[8] تاريخ الطبري 3/ 534.

(4/171)


وقام كل واحد [1] بنحو هذا الكلام، وتواثق الناس وتعاهدوا، وفعل أهل فارس [مثل ذلك] [2] ، واقترنوا بالسلاسل، وكان المقترنون ثلاثين ألفا.
وقال سعد: الزموا مواقفكم، لا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة، فكبروا واستعدوا، واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم، وإنما أعطيتموه تأييدا [لكم] . ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا، ولتستتم عدتكم، ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطاردوا، فإذا كبرت الرابعة فارجفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم، وقولوا: لا حول ولا قوة إلا باللَّه.
فلمَا كبر [3] ثلاث مرات خرج غالب بن عبد الله الأسدي، فبرز إليه هرمز، فأسره غالب، وجاء به إلى سعد، وخرج طليحة إلى عظيم منهم فقتله، وقام بنو أسد فبالغوا في جهاد الفيلة ودفعها، فكبر سعد الرابعة فزحف إليهم المسلمون، وحملت الفيلة على الميمنة، والميسرة عَلَى الخيول.
وأقبل أصحاب/ عاصم على الفيلة، فقطعوا خراطيمها [4] ، فارتفع عواؤها [5] ، واقتتلوا حتى غربت الشمس، وحتى ذهب هدة من الليل، ثم تراجعوا، وأصيب في تلك العشية خمسمائة رجل، وهذا يومها الأول، وهو يوم أرماث
. [يوم أغواث]
[6] ثم أصبح القوم من الغد على تعبية وقد وكل سعد رجالا بنقل الشهداء إلى العذيب، وأسلم الرثيث [7] إلى النساء يقمن عليهم، ودفن الشهداء [8] ، فبينا هم كذلك إذا
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 535.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 536.
[4] في الأصل: «فقطعوها» .
[5] في الأصل: «وارتفع عداوها» .
[6] تاريخ الطبري 3/ 542.
[7] الرثيث: الجريح وبه رمق.
[8] في الأصل: «ودفنهم» .

(4/172)


طلعت نواصي الخيل من قبل الشام- وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر- وذلك أنه قدم كتاب عُمَر إلى أبي عبيدة بصرف أهل العراق [أصحاب خالد،] فصرفهم، فلما جاءوا سمي هذا اليوم يوم أغواث، وأكثر المسلمون القتل في الأعاجم، ولم تقاتل الأعاجم يومئذ على فيل، لأن أنيابها [1] كانت قد تكسرت، وحمل المسلمون رجالا على إبل قد ألبسوها، فهي مجللة مبرقعة يتشبهون بالفيلة، فلقي أهل فارس يوم أغواث أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث، وجعل رجل من المسلمين يقال له: سواد يتعرض بالشهادة فأبطأت عليه، فتعرض لرستم يريده، فقتل دونه، وحمل القعقاع بن عمر يومئذ ثلاثين حملة، قتل في كل حملة رجل، وكان آخر من قتل بزرجمهر الهمذاني.
وروى مجالد [2] ، عن الشعبي، قال: كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القادسية، فقالت لبنيها: إنكم أسلمتم فلم تبدلوا، وهاجرتم فلم تثوبوا، [3] ولم تنب بكم البلاد، ولم تقحمكم السنة، ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس، والله إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره، فأقبلوا يشتدون، فلما غابوا عنها رفعت يديها قبل السماء وقالت: اللَّهمّ ادفع عن بني، فرجعوا إليها وقد أحسنوا/ القتال، ما كلم منهم رجل [كلما] [4] ، فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفا ألفا من العطاء [5] ، ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها، فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يرضيهم.
وقد رويت لنا هذه الحكاية أتم من هذا.
[أخبرنا المحمدان ابن أبي منصور، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا جعفر بن أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي الثوري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدَّقَّاق، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن عبيد، قال: حدّثني أحمد بن حميد
__________
[1] في أ، والطبري 3/ 544: «توابيتها» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 544.
[3] في الأصل، وبعض النسخ المخطوطة من الطبري: تثربوا» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[5] في الطبري: «ألفين ألفين» .

(4/173)


الأنصاري، أنه حدث عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي] [1] ، عن رجل من خزاعة، قال:
لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة، فقالت: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم، والله ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة، ولا أرداكم الطمع، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا عموت نسبكم، ولا أوطأت حريمكم، ولا أبحت حماكم، فإذا كان غدا إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها، وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة.
فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون، فلما لقوا العدو شد أولهم [2] ، وهو يرتجز يقول:
يا إخوتا إن العجوز الناصحه ... قد أشربتنا إذ دعتنا البارحه
نصيحة ذات بيان واضحه ... فباكروا الحرب الضروس الكالحه
فإنما تلقون عند الصائحة ... [من آل ساسان كلابا نابحة] [3]
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة ... فأنتم بين حياة صالحة
أو منية تورث غنما رابحا
/ ثم شد الذي يليه وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حدبا وعطفا
منها وبرا صادقا ولطفا ... فباكروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفا ... وتكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير عنهم ضعفا ... والقتل فيهم نجدة وعرفا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن الدوسيّ» .
[2] في الأصل: «أكبرهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.

(4/174)


ثم شد الذي يليه وهو يقول:
لست لخنساء ولا للأخرم ... ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم نذر في آل جمع الأعجم ... جمع أبي ساسان جمع رستم
بكل محمود اللقاء ضيغم ... ماض على الهول خصيم خضرم
أما لقهر عاجل أو مغنم ... أو لحياة في السبيل الأكرم
نفوز فيها [1] بالنصيب الأعظم
ثم شد الذي يليه وهو يقول:
إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي السدد
قد أمرتنا بالصواب والرشد ... نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب نماء في العدد ... أما لقهر واختيار للبلد
أو منية تورث خلدا للأبد ... في جنة الفردوس في عيش رغد
فقاتلوا جميعا حتى فتح الله للمسلمين، وكانوا يأخذون أعطيتهم ألفين ألفين، فيجيئون بها فيصبون في حجرها، فتقسم ذلك بينهم حفنة بحفنة، فما يغادر واحد عن عطائه درهما
. [يوم عماس]
[2] وأصبح القوم في اليوم الثالث- ويسمى يوم عماس- وقد قتل من المسلمين ألفان من ميت ورثيث [3] ، ومن المشركين عشرة آلاف من ميت ورثيث، وكان النساء والصبيان يحفرون/ القبور في اليومين الأولين، فأما اليوم الثالث [4] فكان شديدا على العرب والعجم [5] .
__________
[1] في الأصل: «نقعد فيها» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 550.
[3] الرثيث: الجريح وبه رمق.
[4] في أ: «هذا الثالث وكان» .
[5] في الأصل: «شهيدا على العجم والعرب» .

(4/175)


وقدم هاشم بن عتبة [1] من الشام في سبعمائة [2] بعد فتح دمشق، وكان مع القعقاع، وكان عامة جنن الناس البراذع، براذع الرحال [3] .
فلما أمسى [4] الناس في يومهم ذلك، وطعنوا في الليل، اشتد القتال وصبر الفريقان، وقامت فيها الحرب إلى الصباح لا ينطقون، كلامهم الهرير، فسميت ليلة الهرير.
وانقطعت الأخبار [5] والأصوات عن سعد ورستم، وأقبل سعد على الدعاء، فلما كان وجه الصبح، انتهى الناس، واستدل بذلك على أنهم الأعلون، وأن الغلبة لهم
. [ليلة القادسية]
[6] فأصبحوا صبيحة ليلة الهرير- وهي تسمى ليلة القادسية- والناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها، ثم اقتتلوا حتى قام قائم الظهيرة، وهبت ريح عاصف [7] فمال الغبار على المشتركين، فانتهى القعقاع وأصحابه إلى سرير رستم، وقد قام عنه، فاستظل في ظل بغل عليه مال، فضرب هِلال بن علفة [8] الحمل الذي رستم تحته، فقطع حباله، ووقع عليه إحدى العدلين، فأزال من ظهره فقارا، ومضى رستم نحو العتيق فرمى نفسه فيه، واقتحمه هلال فأخذ برجله ثم خرج به، فقتله ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال، وصعد السرير، ثم نادى: قتلت رستم ورب الكعبة، إلي إلي، فأطافوا به، فانهزم المشركون وتهافتوا في العتيق، فقتل المسلمون منهم ثلاثين ألفا، وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتل قبل ذلك، وكان المسلم يدعو الكافر فيأتي إليه
__________
[1] في الأصل: «هشام بن عتبة» ، وما أوردناه من الطبري 3/ 552.
[2] في الأصل: «ستمائة» وما أوردناه من أ، والطبري 3/ 552.
[3] في الأصل: «وكان عامة خبر الناس البوداع بوادع الرجال» والتصحيح من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 3/ 557.
[5] تاريخ الطبري 3/ 562.
[6] تاريخ الطبري 3/ 563.
[7] في الأصل: «ريح عاصم عاصف» .
[8] في الأصل: «هلال بن علقمة» .

(4/176)


فيقتله، وثبت جماعة من/ المشركين استحياء من الفرار، فقتلهم المسلمون.
وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية من المسلمين ستة آلاف [1] .
ولما انهزموا [2] أمر سعد زهرة بن الحوية باتباعهم، فتبعهم والجالنوس يحميهم، فقتله زهرة وقتل خلقا كثيرا منهم، ثم رجع بأصحابه فبات بالقادسية، واستكثر سعد سلب الجالنوس، فكتب إلى عمر، فكتب إليه: إني قد نفلت من قتل رجلا سلبه، فأعطاه إياه، فباعه بسبعين ألفا، وجمع من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثله.
وكان أهل فارس قد خرجوا بأموالهم ليردوا بها إلى المدينة ليغزوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى الله بها للمسلمين. وكان مع رستم ستمائة ألف ألف، وأصاب صاحب الفرسين يومئذ سبعا وعشرين ألفا، ولم يعبأوا بالكافور لأنهم ما عرفوه، فباعوه من قوم مروا بهم كيلا من الكافور بكيل من الملح الطيب، وقالوا: ذاك ملح مر.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني أَبُو الحَسَن مُحَمَّد بْن عبد الواحد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن حُمَيد بْن الربيع اللخمي، قال: حدثني جدي، قال:
حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا حفص بْن غياث، عن الأعمش] [3] عن حبيب بن صهبان، قال:
شهدت القادسية، قال: فانهزموا حتى أتوا المدائن، قال: وسبقناهم فانتهينا إليها وهي تطفح، فأقحم رجل منا فرسه وقرأ: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتاباً مُؤَجَّلًا 3: 145 [4] . قال: فعبر ثم تبعوه الناس أجمعون، فعبروا فما فقدوا عقالا ما خلا رجلا منهم انقطع منه قدح كان معلقا بسرجه، فرأيته يدور في الماء. قال: فلما رأونا انهزموا من غير قتال. قَالَ: فبلغ سهم الرجل ثلاث عشرة دابة، وأصابوا من الجامات الذهب
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 564.
[2] تاريخ الطبري 3/ 565، 567.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن حبيب بن صهبان» .
[4] سورة: آل عمران، الآية: 145.

(4/177)


والفضة. قال: فكان الرجل منا يعرض الصحفة الذهب يبدلها بصحفة من فضة يعجبه بياضها/ فيقول: من يأخذ صفراء بيضاء.
قال علماء السير [1] : وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوي يسقون من به رمق من المسلمين، ويقتلون من به رمق من المشركين، ثم إن الفرس قصدوا المدائن يريدون نهاوند، فاحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والسلاح وبنات كسرى، وخلوا ما سوى ذلك، واتبعهم سعد بالطلب، فبعث خالد بن عرفطة، وعياض بن غنم في آخرين، فلما صلح مرض سعد اتبعهم بمن بقي معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة على بهرسير، فطلبوا المخاضة فلم يهتدوا [لها] ، فدلهم رجل من أهل المدائن على مخاضة بقطربل، فخاضوا ثم ساروا حتى أتوا جلولاء [2] ، فكانت بها وقعة هزم الله فيها الفرس، وأصاب المسلمون بها من الفيء أفضل ما أصابوا بالقادسية، ثم كتب سعد إلى عمر بالفتح، فكتب إليه عمر: قف مكانك ولا تتبعهم، واتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، ولا تجعلن بيني وبين المسلمين بحرا، فنزل الأنبار فاجتواها، فنزل موضع الكوفة اليوم، وخط مسجدها، وخط فيه الخطط للناس.
وقيل: إن بقيلة قال له: ألا أدلك على أرض ارتفعت عن البر وانحدرت عن الفلاة، فدله عَلَى موضع الكوفة اليوم.
وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ] [3] ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ:
لَمَّا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبر بنزول رستم القادسية كان يستخبر
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 578.
[2] في الأصل: «حتى انتهوا إلى جلولاء» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن مجالد» .

(4/178)


الرُّكْبَانَ عَنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ [إِلَى انْتِصَافِ] [1] النَّهَارِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فلما لقيه الْبَشِيرُ سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، قَالَ: / هَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَعُمَرُ يَحُثُّ مَعَهُ وَيَسْتَخْبِرُهُ، وَالْبَشِيرُ يَسِيرُ يَحُثُّ نَاقَتَهُ [2] لا يَعْرِفُهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّاسُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَهَلا أَخْبَرَتْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لا عَلَيْكَ يَا أَخِي.
وهذه وقعة القادسية قد ذكرنا أنها كانت سنة أربع عشرة.
[وقال ابن إسحاق [3] : كانت سنة خمس عشرة] [4] .
وقال الواقدي [5] : سنة ست عشرة.
قال ابن جرير: وهو الثبت عندنا [6]
. وفي هذه السنة، أعني سنة أربع عشرة [7] .
أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالقيام في المساجد في شهر رمضان، وكتب إلى الأمصار يأمر المسلمين بذلك.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ السَّمَيْدَعِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جِنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عبد القاري، أخبره] [8] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[2] في أ: «الآخر يسير معه ناقته» .
[3] تاريخ الطبري 3/ 590.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من أ.
[5] تاريخ الطبري 3/ 590.
[6] كذا في الأصول، وفي الطبري 3/ 590، والثبت عندنا أنها كانت في سنة أربع عشرة.
[7] تاريخ الطبري 3/ 590.
[8] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر» .

(4/179)


أَنَّ عُمَرَ [بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَارِيُّ، فَرَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ مُتَفَرِّقِينَ أَوْزَاعًا فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ جمعناهم على رجل واحد كَانَ أَمْثَلَ، فَجَمَعُهْم عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، [ثُمَّ خَرَجَ وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ جَمِيعًا] [1] ، فَقَالَ: نِعْمَتُ الْبِدْعَةُ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، وَهِيَ آخِرُ اللَّيْلِ، وَكَتَبَ بِهَا إِلَى الأَمْصَارِ.
[أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ جَاثِمَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا قَطْرٌ يَعْنِي ابْنَ كَعْبٍ الْقَطِيعِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيُّ] [2] ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَسَمِعَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَأَى الْقَنَادِيلَ تَزْهَرُ، فَقَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ مَسَاجِدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ
. وفي هذه السنة [3] اختط البصرة [4]
وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة، وأمره بنزولها بمن معه، وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة، وكذلك دخول سعد الكوفة.
وقد زعم سيف أن البصرة مصرت في سنة ست عشرة، وأن عتبة [بن غزوان] خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت، وجهه إليها سعد بأمر عمر.
والأول أثبت، وعليه الجمهور.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده قال:» .
[3] في أ: «وفي سنة أربع عشرة» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 590.

(4/180)


وقال عمر لعتبة [1] : إني أريد أن أوجهك إلى أرض/ الهند- وكانت البصرة تدعى أرض الهند، فيها حجارة بيض خشنة- لتمنع أهلها أن يمدوا إخوان فارس، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة، وفيها سبع دساكر، فكتب إليه عمر: اجمع الناس موضعا واحدا وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة، وهو ذو مكايدة للعدو، فإذا قدم عليك فاستشره، وادع إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فالجزية وإلا السيف، واتق مصارع الظالمين.
وفي رواية [2] : أن عمر قال له: انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب، وأدنى أرض العجم فأقيموا. فنزلوا موضع البصرة.
فأقام شهرا [3] ، ثم خرج إليه أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فمنحه الله أكتافهم وانهزموا، فأصاب المسلمون رحلا كثيرا، وفتح الله الفتح على يد أبي بكرة في خمسة أنفس، وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بن أحمد الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو غِيَاثٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ الْهُذَلِيُّ] [4] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
شَهِدْتُ فَتْحَ الأُبُلَّةِ وَأَمِيرُنَا قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ السَّدُوسِيُّ، فَاقْتُسِمَتِ الْغَنَائِمُ، فَدُفِعَتْ إِلَيَّ قِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمَّا صَارَتْ فِي يَدِي تَبَيَّنَ لِي أَنَّهَا ذَهَبٌ، وَعَرَفَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَنَازَعُونِي إِلَى أَمِيرِنَا، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: صِرَّ إِلَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ذَهَبٌ إِلا بَعْدَ مَا صارت إليه، فإن حلف فادفعها
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 593.
[2] تاريخ الطبري 3/ 591.
[3] تاريخ الطبري 3/ 594.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن موسى بن المثنى الهذلي» .

(4/181)


إِلَيْهِ، وَإِنْ أَبَى فَاقْسِمْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَلَفَ فَدَفَعَهَا [إِلَيْهِ] ، وَكَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ.
قَالَ جَدِّي: فَمِنْهَا أَمْوَالُنَا الَّتِي نَتَوَارَثُهَا إِلَى الْيَوْمِ.
قال علماء السير [1] : ولما فرغ عتبة من الأبلة جمع له المرزبان [دست ميسان] [2] ، فسار إليه عتبة، وقيل لصاحب الفرات: إن ها هنا قوما يريدونك، فأقبل في أربعة آلاف أسوار.
قال المدائني [3] : كتب قطبة بن قتادة- وهو أول من أغار على السواد من ناحية البصرة- إلى عُمَر أنه لو كان معه عدد ظفر بمن/ في ناحيته من العجم، فبعث عمر عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور في ثلاثمائة، وانضاف إليه في طريقه نحو من مائتي رجل، فنزل أقصى البر حيث سمع نقيق الضفادع، وكان عمر قد تقدم إليه أن ينزل في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم، فكتب إلى عمر: إنا نزلنا في أرض فيها حجارة خشن بيض، فقال عمر: الزموها فإنها أرض بصرة، فسميت بذلك، ثم سار إلى الأبلة فخرج إليه مرزبانها في خمسمائة أسوار، فهزمهم عتبة، ودخل الأبلة في شعبان سنة أربع عشرة، وأصاب المسلمون سلاحا ومتاعا وطعامًا، وكانوا يأكلون الخبز وينظرون إلى أبدانهم عل سمنوا؟
وأصابوا براني فيها جوز، فظنوه حجارة، فلما ذاقوه استطابوه، ووجدوا صحناة، فقالوا: ما كنا نظن أن العجم يدخرون العذرة، وأصاب رجل سراويل، فلم يحسن لبسها فرمى بها، وقال: أخزاك الله من ثوب، فما تركك أهلك لخير، فجرى ذلك مثلا، ثم قيل: من شر ما ألقاك أهلك.
وأصابوا أرزا في قشره، فلم يمكنهم أكله، وظنوه سما، فقالت بنت الحارث بن كلدة: إن أبي كان يقول إن النار إذا أصابت السم ذهبت غائلته، فطبخوه فتعلق فلم
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 595.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 593، عن المدائني، عن النضر بن إسحاق، عن قطبة بن قتادة.

(4/182)


يمكنهم أكله، فجاء من نقاه لهم فجعلوا يأكلونه ويقدرون أعناقهم ويقولون: قد سمنا.
وبعث عتبة إلى عمر بالخمس مع رافع بن الحارث، ثم قاتل عتبة أهل دست ميسان فظفر بهم، واستأذن عمر في الحج فأذن له. فلما حج رده إلى البصرة حتى إذا كان بالفرع رفسته ناقته فمات وقيل وقصته، فولى عمر البصرة والمغيرة بن شعبة، فرمي بالزنا فعزله وولى أبا موسى.
وقال علماء السير: إن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي، وهو بالبحرين: أن سر إلى عتبة فقد وليتك عمله، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لم أعزله إلا لظني أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه، فاعرف له حقه، ووفد/ عتبة إلى عمر، وأمر المغيرة أن يصلي بالناس حتى قدم مجاشع من الفرات، فإذا قدم فهو الأمير، فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة. وجمع بعض عظماء فارس للمسلمين، فخرج إليه المغيرة بن شعبة فظفر به، وأمر عتبة أن يرجع إلى عمله، فمات عتبة في الطريق. وكانت ولايته ستة أشهر.
قال الواقدي: ورأيت من عندنا يقول: إنما كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص، فوجه به إلى البصرة بكتاب عمر، وما زالت البصرة تعظم وتذكر فضائلها، وأهل البصرة يقولون لنا: الثلاثة عن الثلاثة، الرياشي والسجستاني والأخفش عن أبي زيد، وأبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب.
وفي هذه السنة، أعني سنة أربع عشرة [1] حج بالناس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان على مكة عتاب بن أسيد، وعلى اليمن يعلى بن منبه، وعلى الكوفة سعد، وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح، وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص وقيل: بل العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان حذيفة بن محصن.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 597.

(4/183)


وفي هذه السنة ضرب عمر أبا محجن الثقفي سبع مرات في الخمر، وضرب معه ربيعة بن أمية بن خلف في شراب شربوه في ذلك، وضرب ابنه عبد الرحمن في ذلك [1] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِزْقٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْحكانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [2] ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنَحْنُ بِمِصْرَ فِي خَلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَكِرَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا انْطَلَقَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ، فَقَالا: أَطْهِرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: / وَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُمَا أَتَيَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. قَالَ: فَذَكَرُوا أَخِي أَنَّهُ قَدْ سَكِرَ، فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلِ الَّدَارَ أُطَهِّرُكَ، فَآذَنَنِي أَنَّهُ حَدَّثَ الأَمِيرَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا يحلق اليوم على رءوس النَّاسِ، ادْخُلْ أَحْلِقُكَ- وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يَحْلِقُونَ مع الحد، فدخل معي الدار، فَحَلَقْتُ أَخِي بِيَدِي، ثُمَّ جَلَدَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ عَلَى قُتْبٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْرٌو، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ وَعَاقَبَهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَبِثَ شَهْرًا صَحِيحًا ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ، فَتَحَسَّبَ عامة النَّاسُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِهِ.
قال المؤلف [3] : ولا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولا، فظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، فلما خرج الأمر بهما
__________
[1] كذا في الأصول، وفي الطبري 3/ 597: «ضرب ابنه عبيد الله» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده أن عبد الله بن عمر، قال» .
[3] في أ: «قال المصنف» .

(4/184)


إِلى السكر طلبا التطهير بالحد، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبا للَّه تعالى على أنفسهما المفرطة، فأسلماها إلى إقامة الحد.
وأما إعادة عمر الضرب فإنما ضربه تأديبا لا حدا
. ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
173- الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر، أبو خالد [1] :
شهد العقبة مع السبعين، وبدرا، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ. وشهد اليمامة مع خالد بْن الوليد، فجرح يومئذ واندمل، ثم انتقض به فمات، فهو يعد من شهداء اليمامة [2]
. 174- زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وكان لما أسلم يكسر أصنام بني بياضة. وخرج زياد إلى النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ/ فأقام معه بمكة وهاجر معه إلى المدينة، فهو مهاجري أنصاري، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. وتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وهو عامله على حضرموت، وولي قتال أهل الردة باليمن حين ارتد أهل البحرين مع الأشعث بن قيس فظفر بهم فقتل من قتل وأسر من أسر، وبعث بالأشعث بن قيس إلى أبي بكر في وثاق
. 175-[سلمة بن أسلم [4] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقتل بالعراق يوم جسر أبي عبيد الثقفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 126، و «أبو خالد» ساقطة من أ.
[2] في الأصل: «فما يعد من شهد اليمامة» ، وابن سعد: «يعد ممن شهد اليمامة» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 131.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 20، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناه من أ، حتى ترجمة سليط بن قيس.

(4/185)


176- سلمة بن هشام بن المغيرة [1] :
أسلم بمكة قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة فحبسه أبو جهل وضربه وأجاعه، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يدعو له في صلاته، يقول: «اللَّهمّ انج سلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة، والوليد بن الوليد وضعفه المسلمين؟» . أفلت سلمة فلحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يوم الخندق، فلما بعث أبو بكر رضي الله عنه الجنود لجهاد الروم قتل سلمة بمرج الصفر شهيدا في محرم هذه السنة
. 177- سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد [2] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وقتل يوم جسر أبي عبيد] [3]
. 178- عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب، أبو قحافة:
أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أسلم يوم الفتح.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن الفهم، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ،] [4] عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ [5] :
لَمَّا دَخَلَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَاطْمَأَنَ وَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِي قُحَافَةَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَمْشِي.
إِلَيْهِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِي إِلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَلْبِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا قُحَافَةَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ» . قَالَ:
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 96، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناها من أ.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 69، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ، وأوردناها من أ.
[3] إلى هنا انتهى السقط من الأصل، ظ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أسماء» ، وفي ظ: «أخبرنا ابن أبي طاهر بإسناده عن محمد بن سعد عن أسماء» .
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 5/ 334.

(4/186)


فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ. قَالَ: وَأُدْخِلَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهَا ثُغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «غِيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ» . [أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا محمد بْن العَبَّاس الخزاز، أخبرنا إبراهيم بن محمد العبدي، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى] [1] ، قَالَ:
مات أبو قحافة بمكة سنة أربع عشرة.
قال علماء السير: توفي أبو قحافة بمكة في محرم سنة أربع عشرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد موت أبي بكر رضي الله عنه بستة أشهر وأيام
. 179- عفراء بنت عبيد بن ثعلبة: [2]
أسلمت وبايعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ورزقها الله سبع بنين شهدوا كلهم بدرا مسلمين، وذلك أنها تزوجت الحارث بن رفاعة، فولدت له معاذا ومعوذا، ثم طلقها فقدمت مكة فتزوجها بكر بن عَبْد ياليل، فولدت/ له خالدا، وإياسا، وعاقلا، وعامرا، ثم رجعت إلى المدينة فراجعها الحارث بن رفاعة فولدت له عوفا، فشهدوا كلهم بدرا مسلمين.
واستشهد معاذ ومعوذ وعاقل ببدر، وخالد يوم الرجيع، وعامر يوم بئر معونة، وإياس يوم اليمامة، والبقية منهم لعوف.
وتوفيت عفراء في هذه السنة
. 180-[فروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد [3] :
شهد العقبة مع السبعين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، واستعمله على المغانم يوم خيبر، وكان يبعثه خارصا بالمدينة وتوفي في هذه السنة] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل، ظ: «روى موسى بن المثنى» .
[2] طبقات ابن سعد 8/ 325.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 132، وهذه الترجمة ساقطة من الأصل، ظ.
[4] إلى هنا انتهى السقط من ظ، والأصل.

(4/187)


181- نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم [1] :
وكان له ولد اسمه عبد الله يشبه برسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وهو أول من ولي قضاء المدينة في خلافة معاوية، وولد آخر اسمه سعد، وكان فقيها.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سعد، أخبرنا] [2] هشام [ابن مُحَمَّد بْن السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ] [3] عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا أَخْرَجَ الْمُشْرِكُونَ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى بَدْرٍ كَرْهًا كَانَ فِيهِمْ نَوْفَلٌ، فَأْنَشَأَ يَقُولُ:
حَرَامٌ عَلَيَّ حَرْبُ أَحْمَدَ إِنَّنِي ... أَرَى أَحْمَدًا مِنِّي قَرِيبًا أَوَاصِرُهْ
فَإِنْ تَكُ فِهْرٌ أَلَّبَتْ وَتَجَمَّعَتْ ... عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ لا شَكَّ نَاصِرُهْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ [4] : ثُمَّ أُسِرَ نَوْفَلٌ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «افْدِ نَفْسَكَ بِرِمَاحِكَ الَّتِي بِجُدَّةَ» ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَفَدَى نَفْسَهُ بِهَا، وَكَانَتْ أَلْفَ رُمْحٍ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ.
وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ هُوَ وَالْعَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ، وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ [5] ، وَأَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِثَلاثَةِ آلافِ رُمْحٍ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بِسَنَةٍ وَثَلاثَةِ أَشْهُرٍ [6] ، فصلى عَلَيْهِ عُمَرُ، وَتَبِعَهُ إِلَى الْبَقِيعِ حَتَّى دُفِنَ هناك.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 30.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل، وظ: «روى المؤلف بإسناده عن هشام» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأ، وأوردناه من ظ، وابن سعد.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 31.
[5] «يوم حنين» ساقطة من ظ.
[6] في الأصل، وظ: «بسنة وستة أشهر» ، والتصحيح من أ. وطبقات ابن سعد 4/ 1/ 32.

(4/188)


182- أم عمارة، واسمها نسيبة، بفتح النون وكسر السين، بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية: [1]
أسلمت وحضرت العقبة، وبايعت وشهدت/ أحدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضاء ويوم اليمامة.
وروى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، أنه قال: «ما التفت يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني» . قال الواقدي: قاتلت يوم أحد، وجرحت اثنتي عشرة جراحة، وداوت جرحا في عنقها سنة، ثم نادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إلى حمر الأسد، فشدت عليها ثيابها [2] فما استطاعت من نزف الدم، وخرجت مع المسلمين في قتال أهل ارادة، فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة، ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة [3]
. 183- أم سليط بنت عبيد بن زياد الأنصارية:
أسلمت وبايعت وشهدت أحدا وخيبر وحنينا، وتوفيت في هذه السنة.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا الْفَرْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بَكِيرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ] [4] ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَّمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِنْهَا مُرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ الَّتِي عِنْدَكَ- يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَقَالَ: أُمُّ سُلَيْطٍ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنِّهَا مِمَّنْ بَايَعَتْ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وكانت تزفر لنا القرب يوم أحد.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 301.
[2] في ظ: «على ثيابها» .
[3] «ضربة» ساقطة من ظ.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل، وظ: «روى المؤلف بإسناده عن ثعلب» .

(4/189)


ثُمَّ دخلت سنة خمس عشرة
فمن الحوادث فيها وقعة مرج راهط [1]
وذلك أن أبا عبيدة بن الجراح خرج بجنوده ومعه خالد بن الوليد فنزل بمرج الروم، فبلغ الخبر هرقل، فبعث توذرا البطريق، ثم أمده بشنس مددا له، فنزل في جبل على جدة، ثم رحل فتبعه خالد، فاستقبله يزيد بن أبي سفيان، فاقتتلوا، ولحق بهم خالد فأخذهم من خلفهم، فأبادهم فلم يفلت إلا الشريد، وقسموا غنائمهم بين أصحاب يزيد وخالد، وقتل توذرا، وانصرف يزيد إلى دمشق، وخالد إلى أبي عبيدة/ بعد خروج خالد في أثر توذرا وشنس، فاقتتلوا بمرج الروم، فقتل شنس وخلق عظيم من أصحابه حتى امتلأ المرج من قتلاهم، فأنتنت الأرض، وهرب من هرب منهم، فركب أكتافهم إلى حمص
. وفيها كانت وقعة حمص الأولى [2]
أقبل أبو عبيدة فنزل على حمص، وأقبل بعده خالد فنزل عليها، فلقوا من الحصار أمرا عظيما، وكان البرد شديدا، ولقي المسلمون شدة- وكان أهل حمص يقولون عن المسلمين إنهم حفاة- فصابروهم ليقطع البرد أقدامهم، وأن المسلمين كبروا تكبيرة، فاتفق معها زلزلة فصدعت المدينة والحيطان، ثم كبروا الثانية، فتهافتت منها دور كثيرة، فأشرفوا على الهلاك، فنادوهم: الصلح الصلح، فأجابوهم، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بالفتح.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 598، وفي أ، والطبري «مرج الروم» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 599.

(4/190)


وفيها وقعة قنسرين [1]
بعث أبو عبيدة خالدا إلى قنسرين، فزحف لهم الروم وعليهم ميناس، وهو أعظم الروم [بعد هرقل] [2] ، فالتقوا فاقتتلوا فقتل ميناس ومن معه ولم يبق منهم أحد، وتحصن أهل قنسرين، ثم ذكروا ما جرى لأهل حمص فصالحوه على صلح حمص، فأبى إلا على إخراب المدينة، فأخربها، ثم إن هرقل خرج نحو القسطنطينية في هذه السنة على قول ابن إسحاق [3] .
وقال سيف [4] : إنما كان خروجه سنة ست عشرة.
وقد سبق أن هرقل سأل عن المسلمين، فقال له رجل: هم فرسان بالنهار، ورهبان بالليل، فَقَالَ: إن كنت صدقتني فليرثن ما تحت قدمي هاتين.
وقال هرقل: عليك السلام أيها البلاد، سلاما لا اجتماع بعده. ومضى حتى نزل قسطنطينية
. وفي هذه السنة ولي معاوية قيسارية وحرب أهلها.
وفيها أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص مناجزة صاحب إيليا
قال علماء السير [5] : لما انصرف أبو عبيدة وخالد بن الوليد إلى حمص نزل عمرو وشرحبيل عَلَى أهل بيسان فافتتحاها وصالحه أهل الأردن، فاجتمع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة، وكتبوا إلى عمر بتفرقهم فكتب إلى يزيد: كن في ظهورهم،
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 601.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وط، وأوردناه من أ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 602.
[4] تاريخ الطبري 3/ 602.
[5] تاريخ الطبري 3/ 605.

(4/191)


وسرح معاوية إلى قيسارية، وكتب إلى عمرو يصدم الأرطبون، وإلى علقمة يصدم الفيقار.
فسار [1] معاوية إلى قيسارية، فهزم أهلها وحصرهم فيها، فجعلوا كلما خرجوا إليه هزمهم وردهم إلى حصنهم، ثم قاتلوا فبلغت قتلاهم ثمانين ألفا، وكملت في هزيمتهم بمائة ألف. وانطلق علقمة، فحصر الفيقار بغزة، وصمد عمرو إلى الأرطبون ومن بإزائه، وخرج معه شُرَحْبيل بن حسنة على مقدمته، فنزل على الروم بأجنادين والروم في حصونهم، وعليهم الأرطبون، وكان أدهى الروم وأبعدهم غورا، وكان قد وضع بالرملة جندا عظيما، وبإيلياء جندًا عظيما، فأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على شيء، فوليه بنفسه ودخل عَلَيْهِ كأنه رسول، فأبلغه ما يريد، وسمع كلامه، وتأمل حصنه، فقال الأرطبون في نفسه: هذا عَمْرو، ثم دعا حرسيا، فقال: أخرج، فأقم مكان كذا وكذا، فإذا مر بك فاقتله، وفطن له عمرو، فَقَالَ: قد سمعت مني وسمعت منك، وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر مع هذا الوالي، فأرجع فآتيك بهم، فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي أرى، وإلا رددتم إلى مأمنهم. فقال: نعم، ثم قَالَ لرجل كان هناك:
اذهب إلى فلان فرده إلي، ثم بان له أن عمرو قد خدعه، فبلغ الخبر إلى عمر، فقال: للَّه در عمرو، ثم التقوا بأجنادين، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى بينهم، وانهزم أرطبون، فأوى إلى إيلياء، ونزل عمرو بأجنادين، فكتب إليه أرطبون: والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين، فارجع لا تغن [2] ، وإنما صاحب الفتح رجل اسمه عَلَى ثلاثة أحرف، فعلم عمرو أنه عمر، فكتب إلى عمر يعلمه أن الفتح مدخر له، فنادى له النّاس، واستخلف علي بن أبي طالب، فقال له علي: أين تخرج بنفسك؟ / فقال: أبادر لجهاد العدو موت العباس، إنكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشر كما ينتقض [أول] ( [3] الحبل.
فمات العباس لست خلون من إمارة عثمان، وانتقض بالناس الشر.
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 604.
[2] كذا في الأصول، وفي الطبري 3/ 606: «لا تغر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأ، وأوردناه من الطبري، وظ.

(4/192)


وخرج حتى نزل بالجابية، وكتب إلى أمراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية، فكان أول من لقيه يزيد، ثم أبو عبيدة، ثم خالد. ودخل الجابية فقال رجل من يهود دمشق: السلام عليك يا فاروق، أنت والله صاحب أيلة، لا والله لا ترجع حتى تفتح إيلياء، فجاء أهل السير، فصالحوه على الجزية، وفتحوها له.
وقد ذكر قوم أن ذلك كان سنة أربع عشرة، وجميع خرجات عمر أربع، فأما الأولى فإنه خرج عَلَى فرس، والثانية على بعير، وفي الثالثة قصر عنها لأجل الطاعون دخلها فاستخلف عليها، و [خرج] [1] في الرابعة على حمار.
فلما كتب لأهل إيلياء كتاب أمان فرق فلسطين بين رجلين، فجعل علقمة بن حكيم على نصفها وأنزله [الرملة، وجعل علقمة بن محمد على نصفها وأنزله] [2] إيلياء.
وقيل: كان فتح فلسطين في سنة ست عشرة
. [فتح بيت المقدس]
[3] ثم شخص عمر من الجابية إلى بيت المقدس، فرأى فرسه يتوجى [4] ، فنزل عنه وأتى ببرذون فركبه فهزه، فنزل فضرب وجهه بردائه، ثم قال: فتح الله من علمك هذا، ثم دعا بفرسه فركبه، فانتهى إلى بيت المقدس، ولحق أرطبون والتذارق بمصر حينئذ، فقدم عمر الجابية، ثم قتل أرطبون بعد ذلك، وأقام عمر بإيلياء، ودخل المسجد، ومضى نحو محراب داود، وقرأ سجدة داود فسجد.
وبعث عمرو بن العاص إلى مصر، وبعث في أثره الزبير مددا، وبعث أبا عبيدة إلى الرمادة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وظ.
[3] تاريخ الطبري 3/ 607.
[4] وجي الفرس وتوجى: إذا وجد وجعا في حافره.

(4/193)


ومن الحوادث في سنة خمس عشرة [فرض العطاء، وعمل الدواوين] [1]
أن عمر فرض الفروض، ودون الدواوين، وأعطى العطاء على مقدار السابقة في الإسلام، فكلمه/ صفوان بن أمية، وسهيل، والحارث بن هشام [2] في تقليل عطائهم، فقال: إنما أعطيكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب، فقالوا:
فنعم إذا، وأخذوا، ثم أعطى سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام أربعة آلاف معونة على جهادهما، فلم يزالا مجاهدين حتى أصيبا في بعض تِلْكَ الدروب.
وقال ابن إسحاق: إنما ماتا في طاعون عمواس [3] .
وقيل: بل دون الدواوين في سنة عشرين.
ولما كتب [4] عمر الدواوين قال له عبد الرحمن وعثمان وعلي: ابدأ بنفسك، فقال: لا بل أبدأ بعم رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ثم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فبدأ بالعباس، ففرض له خمسة وعشرين ألفا، وقيل: اثني عشر ألفا، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف، وأدخل في أهل بدر من غير أهلها الحسن والحسين فأبا ذر وسلمان.
ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إِلى الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ولمن ولي الأيام قبل القادسية وأصحاب اليرموك، ألفين ألفين، ثم فرض لأهل البلاء البارع [5] ألف وخمسمائة ألف وخمسمائة [6] ، وللروادف الذين ردفوا بعد افتتاح القادسية واليرموك ألفا ألفا، ثم لمن ردف الروادف خمسمائة خمسمائة، ثم لمن ردف أولئك ثلاثمائة ثلاثمائة، وسوى كل طبقة في العطاء ليس بينهم تفاضل، قويهم وضعيفهم، عربهم وعجمهم، ثم فرض لمن
__________
[1] تاريخ الطبري 3/ 613.
[2] في الأصل: «الحارث بن ضمرة» .
[3] عمواس، رواه الزمخشريّ بسكون الثاني، ورواه غيره بفتحه» ، قال ياقوت: «كوبرة بفلسطين كان منها ابتداء الطاعون في زمن عمر، ثم فشا في الشام كله، فمات فيه خلق كثير، وكان ذلك سنة 18» .
[4] تاريخ الطبري 3/ 614.
[5] في ابن الأثير: «النازع» .
[6] في أ، والطبري: «ألفين وخمسمائة ألفين وخمسمائة» .

(4/194)


ردف أولئك خمسين ومائتين، ولمن ردفهم مائتين، وكان آخر من فرض له أهل هجر على مائتين.
وفرض لأزواج رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عشرة آلاف عشرة آلاف، ووصل عائشة [1] بألفين فأبت، فقال: هذا بفضل منزلتك عند رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، / فإذا أخذتيها فشأنك.
وجعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة، ونساء ما بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة، ونساء ما بعد ذلك على ثلاثمائة، ونساء أهل القادسية مائتين. والصبيان من أهل بدر وغيرهم مائة. وقال قائل [2] : يا أمير المؤمنين، لو تركت في بيوت الأموال عدة تكون لحادث، فقال: كلمة ألقاها الشيطان على فيك، وقاني الله عز وجل شرها، وهي فتنة لمن بعدي، بل أعد لهم طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله، فهما عدتنا التي أفضينا بها إلى ما ترون، فإذا كان هذا المال ثمن دين أحدكم هلكتم.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا طِرَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْن بِشْرَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ] [3] ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَيْهِ فصليْتُ الْعِشَاءَ مَعَهُ [4] ، فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: ما قدمت به؟ قلت: قدمت بخمسمائة أَلْفٍ، قَالَ: أَتَدْرِي مَا تَقُولُ/ قُلْتُ: مِائَةُ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ حَتَّى عَدَدْتُ لَهُ خَمْسًا، قَالَ: إِنَّكَ نَاعِسٌ ارْجِعْ إِلَى بَيْتِكَ فَنَمْ ثُمَّ اغْدُ عَلَيَّ، قَالَ: فَغَدَوْتُ عليه، فقال: بماذا جئت؟ قلت: خمسمائة أَلْفٍ، قَالَ: أَطَيِّبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لا أَعْلَمُ إِلا ذَلِكَ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ كَثِيرٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعُدَّهُ لَكُمْ عَدَدًا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَكِيلَهُ لَكُمْ كَيْلا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ هَؤُلاءِ الأَعَاجِمَ يُدَوِّنُونَ دِيوَانًا،
__________
[1] في أ، ظ: وفضل عائشة» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 616.
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن أبي هريرة» .
[4] في الأصل: «فصليت معه العشاء» .

(4/195)


فَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، فَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ فِي خَمْسَةِ آلافٍ، وَالأَنْصَارِ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ] [1] ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ:
أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ لأَهْلِ بَدْرٍ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ سِتَّةَ آلافٍ سِتَّةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَفَضَّلَ عَلَيْهِنَّ عَائِشَةَ، فَفَرَضَ لَهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَلِسَائِرِهِنَّ فِي عَشْرَةِ آلافٍ غَيْرَ جُوَيْرِيَةَ وَصَفِيَّةَ، / فَرَضَ لَهُمَا فِي سِتَّةِ آلافٍ، وَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمِّ عَبْدٍ أُمِّ ابن مسعود ألفا أَلْفًا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سَيْفٍ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ] [2] ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَالْمُهَلَّبِ، وَعَمْرٍو، وَطَلْحَةَ، وَسَعِيدٍ، قَالُوا:
لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ رُسْتُمُ، وَقَدِمَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فُتُوحٌ مِنَ الشَّامِ، جَمَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِلْوَالِي مِنْ هَذَا الْمَالِ؟ [3] فَقَالُوا: أَمَّا لِخَاصَّتِهِ فَقُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ، لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، وَكُسْوَتُهُ وَكُسْوَتُهُمْ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَدَابَّتَانِ لِجِهَادِهِ وَحَوَائِجِهِ وَحُمْلانُهُ إِلَى حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَالْقَسْمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَأَنْ يُعْطِيَ أَهْلَ الْبَلاءِ عَلَى قَدْرِ بَلائِهِمْ وَيَرُمَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ، وَيَتَعَاهَدَهُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالنَّوَازِلِ حَتَّى تَنْكَشِفَ، وَيَبْدَأَ بِأَهْلِ الْفَيْءِ.
و [عن سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ] [4] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «قال ابن مسعد، عن مصعب» .
[2] ما بين المعقوفتين: في الأصل روى المؤلف باسناده عن محمد.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 3/ 616.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «وعن ابن عمر» .

(4/196)


جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَتْحُ الْقَادِسِيَّةِ وَدِمَشْقَ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا يُغْنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِيَالِي بِتِجَارَتِي، وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي بِأَمْرِكُمْ هَذَا، فَمَاذَا تَرَوْنَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِي مِنْ هَذَا الْمَالِ؟ فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَاكِتٌ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: مَا أَصْلَحَكَ وَأَصْلَحَ عِيَالَكَ بِالْمَعْرُوفِ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ غَيْرُهُ، فَقَالَ:
الْقَوْلُ [1] مَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب [2] .
و [عن سَيْفٍ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ] [3] ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ [4] :
لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَعَدَ عَلَى رِزْقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي كَانُوا فَرَضُوا لَهُ، فَكَانَ بِذَلِكَ، فَاشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ، فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَقَالَ: الزُّبَيْرُ: لَوْ قُلْنَا لِعُمَرَ فِي زِيَادَةٍ نُزِيدُهَا [5] إِيَّاهُ فِي رِزْقِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَدِدْنَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، فَانْطَلِقُوا بِنَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنه عمر، فهلموا فلنستبرئ مَا عِنْدَهُ مِنْ وَرَائِهِ، نَأْتِي حَفْصَةَ فَنُكَلِّمُهَا [6] وَنَسْتَكْتِمُهَا أَسْمَاءَنَا، فَدَخَلُوا عَلَيْهَا وَسَأَلُوهَا أَنْ تُخْبِرَ بِالْخَبَرِ عَنْ نَفَرٍ لا تُسَمِّي لَهُ أَحَدًا إِلا أَنْ يَقْبَلَ، وَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَقِيَتْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَعَرَفَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَتْ: لا سَبِيلَ إِلَى عِلْمِهِمْ حَتَّى أَعْلَمَ مَا رَأْيُكَ، فَقَالَ: لَوْ علمت من هم لسؤت وُجُوهَهُمْ، أَنْتِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، أُنَاشِدُكِ باللَّه مَا أَفْضَلُ مَا اقْتَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِكَ مِنَ الْمَلْبَسِ [7] ؟ قَالَتْ: ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ [8] ، كَانَ يَلْبَسُهُمَا لِلْوَفْدِ، وَيَخْطُبُ فِيهِمَا الْجُمُعَ، قَالَ: وَأَيُّ طَعَامٍ نَالَهُ مِنْ عِنْدِكَ أَرْفَعُ؟ قَالَتْ:
خَبَزْنَا خُبْزَةَ شَعِيرٍ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَارَّةٌ أَسْفَلَ عُكَّةٍ [9] ، فَجَعَلْنَاهَا دَسَمًا حُلْوَةً، فَأَكَلَ مِنْهَا. قَالَ: وَأَيُّ مَبْسَطٍ كَانَ يَبْسُطُهُ عِنْدَكِ كَانَ أَوْطَأَ؟ قَالَتْ: كِسَاءٌ لَنَا ثَخِينٌ كُنَّا نربعه في
__________
[1] في الطبري: «فقال القوم» .
[2] تاريخ الطبري 3/ 616.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] الخبر في تاريخ الطبري.
[5] في الأصل: «يزيدونها» .
[6] في الطبري: «نأتي حفصة فنسألها» .
[7] كذا في الأصل، والطبري، وط، وفي أ: «اللباس» .
[8] الممشق: المصبوغ بالمشق، أي المغرة.
[9] العكة: زقيق صغير للسمن.

(4/197)


الصَّيْفُ، فَنَجْعَلُهُ تَحْتَنَا، فَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ ابْتَسَطْنَا نِصْفَهُ وَتَدَثَّرْنَا نِصْفَهُ، قَالَ: يَا حَفْصَةُ، فَأَبْلِغِيهِمْ عَنِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدَرَ فَوَضَعَ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا، وَتَبَلَّغَ بِالتَّزْجِيَةِ [1] ، وإني قدرت، فو الله لأَضَعَنَّ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا، وَلأَتَبَلَّغَنَّ بِالتَّزْجِيَةِ، وَإِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ صَاحِبِي كَثَلاثَةِ نَفَرٍ سَلَكُوا طَرِيقًا، فَمَضَى الأَوَّلُ وَقَدْ تَزَوَّدَ زَادًا فَبَلَغَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ الآخَرُ فَسَلَكَ طَرِيقَهُ، فَأَفْضَى إِلَيْهِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُمَا الثَّالِثُ، فَإِنْ لَزِمَ طَرِيقَهُمَا وَرَضِيَ بِزَادِهِمَا لَحِقَ بِهِمَا وَكَانَ مَعَهُمَا، وَإِنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِهِمَا لَمْ يُجَامِعْهُمَا أَبَدًا.
وفي هذه السنة حج بالناس [2] عمر بن الخطاب، وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف يعلى بن أمية وعلى الكوفة وأرضها سعد بن أبي وقاص، وعلى قضائها أبو قرة، وعلى البصرة وأرضها المُغِيرة بن شعبة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
184- سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن ثعلبة، أبو ثابت الخزرجي [3] :
كان يكتب في الجاهلية، / وكانت الكتابة في العرب قليلا، وكان يحسن العوم والرمي، وكان من اجتمع له ذلك يسمى الكامل، وكان سعد بن عبادة وعدة من آباء له قبله في الجاهلية ينادي على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكان ينادي على أطم أَبِيهِ أيضا.
[أخبرنا عبد الله بن علي المقري بإسناده عن محمد] [4] بن سيرين، قال: كان
__________
[1] التزجية، الاكتفاء، يقال: تجزيت بكذا، أي اكتفيت به.
[2] تاريخ الطبري 3/ 603.
[3] تاريخ الطبري 3/ 2/ 142.
[4] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ وفي الأصل روى المؤلف باسناده عن بن سيرين.

(4/198)


أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بالرجل، والرجل بالرجلين، والرجل بالخمسة، فأما سعد بْن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بْن مُحَمَّدٍ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ:
أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَانَ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: اللَّهمّ وَسِّعْ عَلَيَّ، فَإِنَّهُ لا يَسَعُنِي إِلا الْكَثِيرُ.
[قَالَ الْحَرْبِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ] [2] : أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَانَ يَدْعُو: اللَّهمّ هَبْ لِي حَمْدًا وَمَجْدًا، لا مَجْدَ إِلا بِفِعَالٍ، وَلا فِعَالٍ إِلا بِمَالٍ، اللَّهمّ لا يُصْلِحُنِي الْقَلِيلُ، وَلا أَصْلُحُ عَلَيْهِ.
[قَالَ الْحَرْبِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، يَعْنِي ابْنَ أَبِي كَثِيرٍ] [3] قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ سَعْدٍ كُلَّ يَوْمٍ جَفْنَةٌ تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهمّ ارْزُقْنِي مَالا فَلا يَصْلُحُ الْفِعَالُ إِلا بِمَالٍ.
قال علماء السير: أسلم سعد وشهد العقبة مع السبعين، وكان أحد النقباء الاثني عشر، وتهيأ للخروج إلى بدر فنهش فأقام، وشهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ.
ولما توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ اجتمعت الأنصار فأمروه، فلما بويع لأبي بكر لم يبايعه سعد، ولا بايع عمر، وخرج إلى الشام، ومات بحوران.
وكان سبب موته أنه جلس يبول في نفق، فاقتتل من ساعته، ووجدوه قد اخضر جلده، وسمع غلمان بالمدينة قائلا يقول من بئر فَقَالَ [4] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ، وفي الأصل: «روى المؤلف بإسناده عن ابن سيرين» .
[2] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى الحربي بإسناده أن سعد» .
[3] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى الحربي بإسناده عن يحيى بن أبي كثير» .
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 45.

(4/199)


نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده. ... ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده.
/ فذعر الغلمان فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بحوران [1]
. 185- عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الساعدي:
كان يهجو أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ويحرض المشركين على المسلمين في شعره، ويهاجي حسان بن ثابت وغيره من شعراء المسلمين، ويسير مع قريش حيث سارت لحرب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فلما دخل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مكة عام الفتح هرب حتى انتهى إلى نجران، فدخل حصنها، وقال لأهلها: أما قريش فقد قتلت ودخل محمد مكة، ونحن نرى أن محمدا سائر إلى حصنكم، فجعلوا يصلحون ما رث من حصنهم، ويجمعون ماشيته، ثم انحدر ابن الزبعري إلى النبي صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وقال يعتذر إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [2] :
يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور [3]
إذ أجاري الشيطان في سنن العي ... [4] ومن مال ميله مثبور
يشهد السمع والفؤاد بما قلت ... ونفسي الشهيد وهي الخبير
إن ما جئتنا به حق صدق ... ساطع نوره مضيء منير
جئتنا باليقين والصدق والبر ... وفي الصدق والسرور السرور
أذهب الله ظلمة الجهل عنا ... وأتانا الرخاء والميسور
وقال أيضا يعتذر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ:
منع الرقاد بلابل وهموم ... والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لا مني ... فيه فبت كأنني محموم
__________
[1] «بحوران» : ساقط من أ.
[2] تاريخ الطبري 3/ 64.
[3] بور: هالك.
[4] في الطبري: «أباري الشيطان في سنن الريح» .

(4/200)


يا خير من حملت على أوصالها ... غير أنه سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي ... أسديت أذنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأسوأ خطة ... سهم وتأمرني بها مخزوم
/ وأمد أسباب الردى ويقودني ... أمر الغواة وأمرهم مشئوم
معنت العداوة وانقضت أسبابها ... وأتت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والدي كلاهما ... وارحم فإنك راحم مرحوم
وعليك من سمة المليك علامة ... فوز أعز وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه ... شرفا، وبرهان الإله عظيم
186- المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب أبو سفيان [1] :
كان أخا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من الرضاعة، أرضعته حليمة أياما، وكان يألف رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ويشبه بِهِ، فلما بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عاداه وهجاه وهجا أصحابه. وكان شاعرا، فمكث عشرين سنة عدوا لرسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فلما تحرك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ للخروج إلى غزاة الفتح ألقى الله في قلبه الإسلام، فجاء إلى زوجته وولده فقال: تهيأوا للخروج فقد أظل قدوم محمد، فقالوا له:
آن لك أن تنصر العرب والعجم قد تبعت محمدا وأنت موضع في عداوته، وكنت أولى الناس بنصرته، فخرج يريد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قد نذر دمه، فلقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم، فتحول إلى الجانب الآخر فأعرض عنه، فقال: أنا مقتول لا محالة، فأسلم وخرج معه حتى شهد فتح مكة وحنينا.
قال: فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا والله يعلم أني أريد الموت دونه، وهو ينظر إلي، فقال العباس: يا رسول الله، هو أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث فارض عنه، قال: «قد فعلت» ، فغفر الله له كل عداوة عدانيها، ثم التفت إلي فقال: أخي، لعمري، فقبلت رجله في الركاب، وقلت: لا تثريب، قال: لا تثريب.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 34.

(4/201)


حج أبو سفيان في هذه السنة، فحلقه الحلاق بمنى وفي رأسه ثؤلول فقطعه، فكان سبب موته.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ] [1] ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
لَمَّا حَضَرَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ الْوَفَاةُ قَالَ لأَهْلِهِ: لا تَبْكُوا عَلَيَّ فَإِنِّي لَمْ أَتَنَطَّفْ بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ [2] .
قال علماء السير: مات أبو سفيان بالمدينة في هذه السنة. وقيل: بل مات في سنة عشرين، وحفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام، وصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من أ، وفي الأصل: «روى المؤلف عن أبي إسحاق» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 37.

(4/202)