المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وأربعين
فمن الحوادث فيها تسليم الحسن رضي الله عنه
الأمر لمعاوية [1]
وذلك أن الحسن لما تفرق الناس عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح، فبعث
معاوية إليه عَبْد اللَّهِ بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما عليه
المدائن، فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة
آلاف ألف فِي أشياء اشترطها، وكان معاوية قد أرسل إليه قبل ذلك صحيفة
بيضاء وكتب إليه اشترط فِي هذه الصحيفة ما شئت فهو لك، فاشترط أضعاف
الشروط التي سألها معاوية قبل ذلك، وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة
الحسن التي كتب إليه فيها، فلما التقيا سأله الحسن أن يعطيه الشروط
التي شرط فِي الصحيفة، فأبى معاوية وقَالَ: لك ما كنت تسألني.
[وكان الصلح] [2] بينهم بمسكن، ثم دخلوا الكوفة، فقَالَ عمرو بن العاص
لمعاوية: مر الحسن أن يقوم فيخطب، فكره معاوية ذلك وقَالَ: ما تريد
بهذا؟ قَالَ: أريد أن يبدو عيه فِي الناس. فخرج معاوية فخطب ثم قَالَ:
قم يا حسن فتكلم، فقام فقَالَ: أما بعد، فإن الله هداكم بأولنا وحقن
دماءكم بآخرنا، والدنيا دول، [وإن الله تعالى قال لنبيه صلّى الله عليه
وسلّم] [3] : وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى
حِينٍ 21: 111 [4] . فقال معاوية:
اجلس.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 162.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من الطبري 5/ 163.
[4] سورة: الأنبياء، الآية: 11.
(5/183)
ثم خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر من
الكوفة إلى المدينة، وسلم الكوفة إلى معاوية لخمس [بقين] [1] من ربيع
الأول سنة إحدى وأربعين.
وقيل فِي ربيع الآخر، ويقال: فِي غرة جمادى الأولى.
ولما رحل الحسن تلقاه قوم فقالوا: يا مذل العرب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن أحمد بن إبراهيم الحكمي، 75/ أقال: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، / قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ [2] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
رَوْقٍ الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَرِيفِ، قَالَ:
كُنَّا عَلَى مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي اثْنَيْ عَشَرَ
أَلْفًا بِمَسْكَنٍ مُسْتَمِيتِينَ مِنَ الْجِدِّ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ
الشَّامِ وَعَلَيْنَا أَبُو الْعمرطَةِ [3] ، فَلَمَّا جَاءَنَا صُلْحُ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ
الْغَيْظِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْكُوفَةِ،
قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ سُفْيَانُ بْنُ
اللَّيلِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لا
تَقُلْ ذَلِكَ يَا أَبَا عَامِرٍ، لَسْتُ بِمُذِلِّ الْمُؤْمِنِينَ
وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أن أقتلهم على الملك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «وهب بن معاوية» .
[3] أبو العمرطة، هو: عمير بن يزيد الكندي.
(5/184)
باب ذكر خلافة
معاوية [1]
هو معاوية بن أبي سفيان صخر بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَّيَةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسٍ بن عبد مناف.
وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، واستكتبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وولاه عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مكان أخيه يزيد
لما مات، فلم يزل كذلك خلافة عمر، وأقره عثمان وأفرد له جميع الشام،
وقد ذكرنا ما جرى له مع أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه من القتال ومصالحة الحسن إياه، ومبايعته له
بالخلافة، وذلك فِي سنة إحدى وأربعين، فسمي عام الجماعة، فاستعمل على
القضاء فضالة بن عبيد، فلما مات استقضى أبا إدريس الخولاني، وكان على
شرطته قيس بن حمزة، وكان كاتبه وصاحب أمره سرحون بن منصور الرومي.
وكان معاوية أول من اتخذ الحرس، وأول من حزم الكتب ثم ختمها، لأنه كان
قد أمر لعمرو بن الزبير بمائة ألف درهم ففض عمرو الكتاب وجعل المائة
مائتين، فلما رفع حسابه إلى معاوية أنكر ذلك وأمر عمرا بردها وحبسه،
فأداها أخوه عَبْد اللَّهِ بن الزبير عنه.
وفِي هذه السنة جرى الصلح بين قيس بن/ سعد ومعاوية [2]
75/ ب وذلك أن [3] قيس بن سعد كان على شرطة جيش علي رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وهم أربعون
__________
[1] في الأصل: «ذكر حسب معاوية» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 163.
[3] تاريخ الطبري 5/ 164.
(5/185)
ألفا فتعاقدوا هم وهو على قتال معاوية حتى
يشترط لشيعة علي رضي الله عنه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا فِي
الفتنة، فأرسل معاوية إلى قيس يذكره الله تعالى، ويقول: على طاعة من
تقاتل وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك، فأبى أن يلين له، فأرسل إليه
معاوية بسجل قد ختم عليه فِي أسفله، وقَالَ: اكتب فِي هذا السجل ما شئت
فهو لك، فقَالَ عمرو: لا تعطه، وقاتله، فقَالَ: على رسلك، فإنا لا نخلص
إلى قتال هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام، فما خير العيش بعد
ذلك، وإني لا أقاتله حتى لا أجد بدا من قتاله، فلما بعث إليه معاوية
ذلك السجل اشترط لنفسه ولشيعة علي ما أصابوا من الدماء والأموال، ولم
يسأل معاوية فِي سجله مالا، وأعطاه معاوية [ما سأل] [1] ، فدخل قيس بن
سعد ومن معه [فِي طاعة معاوية] [2] .
وفِي هذه السنة غلب حمران بن أبان على البصرة [3]
وذلك أنه لما صالح الحسن معاوية، وثب حمران على البصرة فأخذها، فبعث
إليه معاوية بسر بن أرطأة، فصعد [حمران] [4] إلى المنبر وشتم عليا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثم قَالَ: أنشد الله رجلا عليما أني صادق إلا
صدقني، أو كاذب إلا كذبني، فقَالَ أبو بكرة:
لا نعلمك إلا كاذبا، فأمر به يخنق، فقام أبو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه
عليه فمنعه، فأعطاه أبو بكرة- بعد ذلك مائة جريب، فقيل لأبي بكرة: ما
أردت بهذا؟ فقَالَ: يناشدنا باللَّه ثم لا نصدقه، فأقام بسر بالبصرة
ستة أشهر.
وفِي هذه السنة ولي معاوية بن عامر البصرة، وحرب سجستان وخراسان
وسبب ذلك أن معاوية أراد أن يوجه عتبة بن أبي سفيان على البصرة، فقَالَ
له ابن عامر: إن لي بها أموالا وودائع فإن لم توجهني عليها ذهبت، فولاه
البصرة فقدمها في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] تاريخ الطبري 5/ 167.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/186)
آخر سنة إحدى/ وأربعين وإليه على خراسان
وسجستان، فولى حبيب بن شهاب [1] 76/ أشرطته- وقيل: قيس بن الهيثم-
واستقضى عميرة بن يثربي.
وفِي هذه السنة.
حج بالناس عتبة بن أبي سفيان. فِي قول أبي معشر. وقَالَ الواقدي: بل
عنبسة بن أبي سفيان.
وفِي هذه السنة ولد علي بن عَبْد اللَّهِ بن عباس، وقيل: بل ولد فِي
سنة أربعين.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
321- ركانة بن عبد يزيد [2] بن هاشم بن عبد المطلب، وأمه العجلة بنت
العجلان [3] :
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُسْلِمَةِ،
[أَخْبَرَنَا الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سليمان الطوسي]
[4] ، حدثنا الزبير بن بكار، قال: كَانَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ
أَشَدَّ النَّاسِ، فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا
مُحَمَّد، إِنْ صَرَعْتَنِي آمَنْتُ بِكَ، فَصَرَعَهُ رسول الله صلى
اللَّه عليه وسلم، فقال: أَشْهَدُ أَنَّكَ سَاحِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ
بَعْدُ، وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ فَمَاتَ بِهَا فِي أَوَّلِ خِلافَةِ
مُعَاوِيَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ:
أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بن أبي أسامة، قال:
حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ
الْكِلابِيُّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْقَلانِيِّ، عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ محمد بن ركانة، عن أبيه:
__________
[1] في الأصل: «حبيب بن هشام» .
[2] في ت: «ركانة بن عبد الله بن يزيد» خطأ.
[3] مغازي الواقدي 694، وطبقات خليفة 9، وتاريخ 205، والتاريخ الكبير
للبخاريّ 3/ ترجمة 1146، والجرح والتعديل 3/ ترجمة 2342.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/187)
أَنَّهُ صَارَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
وفِي رواية: أن ركانة هذا كان لا يصرعه أحد. وأسلم يوم الفتح.
322- رفاعة [بن رافع] [1] بن مالك بن العجلان [2] :
شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
323- صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح أبو وهب [3] :
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر بْن حيويه،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عَبْد
اللَّه بن أبي سبرة، عن موسى بن 76/ ب عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي/ حَبِيبَةَ
مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ هَرَبَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ
خَلَفٍ حَتَّى أَتَى الشَّعْبِيَّةَ، فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ
اللَّخْمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ سَيِّدَ قَوْمِي خَرَجَ
هَارِبًا لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَخَافَ أَلا
تُؤَمِّنَهُ، فَأَمِّنْهُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قَدْ
أَمَّنْتُهُ. فَخَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ فِي أَثَرِهِ
فَأَدْرَكَهُ، فَقَالَ: جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَبَرِّ النَّاسِ
وَأَوْصَلِ النَّاسِ، وَقَدْ أَمَّنَكَ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ حَتَّى
تَأْتِيَنِي مِنْهُ بِعَلامَةٍ أَعْرِفُهَا، فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ،
فَقَالَ:
«خُذْ عِمَامَتِي» ، وَهُوَ الْبُرْدُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ مُعْتَجِرًا بِهِ
بُرْدٌ حَبِرَةٌ، فَخَرَجَ عُمَيْرٌ فَأَعْطَاهُ الْبُرْدَ فَعَرَفَهُ
فَرَجَعَ مَعَهُ، وَانْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، فَلَمَّا
سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْخَ
صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ
جَاءَنِي بِبُرْدِكَ وَزَعَمَ أَنَّكَ دَعَوْتَنِي إِلَى الْقُدُومِ
عَلَيْكَ، فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا وَإِلا سَيَّرْتَنِي شَهْرَيْنِ،
قَالَ: «انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ» قَالَ: لا وَاللَّهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لِي، قَالَ: لَكَ تَسِيرُ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ، فَنَزَلَ صَفْوَانُ،
وَخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هَوَازِنَ، وَخَرَجَ مَعَهُ
صَفْوَانُ وَاسْتَعَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سِلاحًا، فَأَعَارَهُ مِائَةَ درع بأداتها، وشهد معه حنين
وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ رَجَعَ الْجَعْرَانَةَ، فَبَيْنَا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير فِي الْغَنَائِمِ يَنْظُرُ
إِلَيْهَا وَمَعَهُ صَفْوَانُ جَعَلَ صفوان ينظر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردنا من كتب الرجال.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 130.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 332.
(5/188)
إِلَى شِعْبٍ مَلاءَ نَعَمٍ وَشَاءٍ
وَرعَاءٍ، فَأَدَامَ إِلَيْهِ النَّظَرَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُهُ، فَقَالَ: أَبَا وَهْبٍ،
يُعْجِبُكَ هَذَا الشِّعْبُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُوَ لَكَ وَمَا
فِيهِ، فَقَالَ صَفْوَانُ عِنْدَ ذَلِكَ:
مَا طَابَتْ نَفْسُ أَحَدٍ بِمِثْلِ هَذَا إِلا نَفْسَ نَبِيٍّ، أشهد
أن لا إله إلا الله وأن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَسْلَمَ
مَكَانَهُ وَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَيْضًا/ مَعَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَنَائِمِ
حُنَيْنٍ خَمْسِينَ بَعِيرًا. قَالَ مُحَمَّد بن عمر: لم يزل صفوان
صحيح الإسلام، ولم يبلغنا أنه غزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شيئا ولا بعده، ولم يزل مقيما بمكة إلى أن مات بها فِي أول
خلافة معاوية.
324- عثمان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بن عبد العزى [1] :
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قالَ: أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَدَعَانِي
إِلَى الإِسْلَامِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، الْعَجَبُ لَكَ حَيْثُ
تَطْمَعُ أَنْ أَتَّبِعَكَ وَقَدْ خَالَفْتَ دِينَ قَوْمِكَ وَجِئْتَ
بِدِينٍ مُحْدَثٍ، وَفَرَّقْتَ جَمَاعَتَهُمْ، فَانْصَرَفَ، وَكُنَّا
نَفْتَحُ الْكَعْبَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ
وَالْخَمِيسِ، فَأَقْبَلَ يَوْمًا يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَعْبَةَ
مَعَ النَّاسِ، فَغَلَّظْتُ لَهُ وَنِلْتُ مِنْهُ، وَحَلُمَ عَنِّي،
ثُمَّ قَالَ: «يَا عُثْمَانُ، لَعَلَّكَ سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ
يَوْمًا بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْتُ» ، فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ
هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ وَذَلَّتْ، قَالَ: «بَلْ عَزَّتْ» .
وَدَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَوَقَعَتْ كَلِمَتُهُ مِنِّي مَوْقِعًا
ظَنَنْتُ أَنَّ الأَمْرَ سَيَصِيرُ إِلَى مَا قَالَ، فَأَرَدْتُ
الإِسْلامَ، فَإِذَا قَوْمِي يزئروني زئيرا شَدِيدًا، فَلَمَّا هَاجَرَ
جَعَلَتْ قُرَيْشٌ تُشْفِقُ مِنْ رُجُوعِهِ عَلَيْهَا، فَهُمْ عَلَى
مَا هُمْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ إِلَى بَدْرٍ، فَخَرَجْتُ فِيمَنْ
خَرَجَ، وَشَهِدْتُ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَهُمْ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ عَامَ
الْقَضِيَّةِ غَيَّرَ اللَّهُ قَلْبِي وَدَخَّلَنِي الإِسْلَامَ،
وَجَعَلْتُ أُفَكِّرُ فيما نحن عليه
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 331.
(5/189)
وَمَا نَعْبُدُ مِنْ حَجَرٍ لا يَسْمَعُ
وَلا يُبْصِرُ، وَأَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَظَلْفَ أَنْفُسِهِمْ عَنِ الدُّنْيَا،
فَيَقَعُ ذَلِكَ مِنِّي، وَلَمْ يَعْزِمْ، إِلَى أَنْ آتِيَهُ حَتَّى
انْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا، ثُمُّ عَزَمَ 77/ ب لِي عَلَى
الْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَأَدْلَجْتُ، فَأَلْقَى خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ
فَاصْطَحَبْنَا حَتَّى نَزَلْنَا/ الْهَدَّةَ، فَمَا شَعَرْنَا إِلا
بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَانْقَمَعْنَا مِنْهُ وَانْقَمَعَ مِنَّا،
ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ يُرِيدُ الرَّجُلانِ؟
فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ الَّذِي تُرِيدَانِ،
فَاصْطَحَبْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الإِسْلَامِ
وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْتُ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ
وَدَخَلَ مَكَّةَ وَقَالَ لِي: «يَا عُثْمَانُ، ائْتِ بِالْمِفْتَاحِ»
فَأَتَيْتُ بِهِ، فَأَخَذَهُ مِنِّي ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ:
«خُذْهَا تَالِدَةً خَالِدَةً لا يَنْزِعُهَا إِلا ظَالِمٌ» . قَالَ
مُحَمَّد بن عمر: وكان قدوم عثمان المدينة فِي صفر سنة ثمان، ولم يزل
مقيما بالمدينة حتى قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فرجع إلى مكة، فنزلها حتى مات بها فِي أول خلافة معاوية.
325- عمرو بن الأسود السكوني [1] :
كان حسن السمت والهدي.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْن مالك، قَالَ: حدثنا عبد الله بن
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اليمان،
قال: أخبرنا أبو بكر بن حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَضَمْرَةُ بْنُ
حَبِيبٍ، قَالا [2] :
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى
هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَدْيِ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ.
قَالَ المصنف: كان عمرو إذا خرج من بيته إلى المسجد قبض يمينه على
شماله مخافة الخيلاء، وكان يشتري الحلة بمائتي درهم، ويصبغها بدينار
ويخمرها النهار كله ويقوم فيها الليل كله.
وقد أسند عن معاذ، وعثمان، والعرباض، وغيرهم.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 153.
[2] الخبر في مسند أحمد 1/ 19.
(5/190)
326- عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد
العزى [1] :
أمها أم كرز بنت الحضرمي، أسلمت وبايعت وهاجرت، فتزوجها عَبْد اللَّهِ
بن أبي بكر وجعل لها بعض أرضيه على ألا تتزوج بعده، فلما توفي بعث
إليها عمر وقَالَ:
إنك قد حرمت على نفسك ما أحل الله لك، فردي المال وتزوجي، فتزوجها عمر،
فأرسلت إليها عائشة أن ردي علينا أرضنا.
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ البارع، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو جعفر بْن المسلمة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٌ
الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بن داود/
الطوسي، قال: حدّثنا 78/ أالزبير بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَحْمَدَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عن عبد الله بن عاصم بن الْمُنْذِرِ- يَزِيدُ
أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ- قَالَ:
تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَاتِكَةَ
بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَتْ حَسْنَاءَ ذَاتَ
خُلُقٍ بَارِعٍ، فَشَغَلَتْهُ عَنْ مَغَازِيهِ، فَأَمَرَهُ أَبُوهُ
بِطَلاقِهَا وَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ شَغَلَتْكَ عَنْ مَغَازِيكَ،
فَقَالَ:
يَقُولُونَ طَلِّقْهَا وَخَيِّمْ مَكَانَهَا ... مُقِيمًا عَلَيْهَا
الْهَمَّ أَحْلامَ نَائِمِ
وَإِنَّ فِرَاقِي أَهْلَ بَيْتٍ جَمَعْتُهُمْ ... عَلَى كُرْهٍ مِنِّي
لإِحْدَى الْعَظَائِمِ
ثُمَّ طَلَّقَهَا فَمَرَّ بِهِ أَبُوهُ وَهُوَ يَقُولُ:
لَمْ أَرَ مِثْلِي طَلَّقَ الْعَامَ مِثْلَهَا ... وَلا مِثْلَهَا فِي
غَيْرِ جُرْمٍ يُطَلَّقُ
لَهَا خُلُقٌ جَزْلٌ وَرَأْيٌ وَمَنْصِبٌ ... وَخَلْقٌ سَوِيٌّ فِي
الْحَيَاةِ مُصَدَّقُ
فَرَقَّ لَهُ أَبُوهُ وَأَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا، ثُمَّ شَهِدَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاةً
فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ عَاتِكَةُ
تَبْكِيهِ:
رُزِيتُ بِخَيْرِ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ ... وَبَعْدَ أَبِي
بَكْرٍ وَمَا كَانَ قَصَّرَا
وَآلَيْتُ لا تَنْفَكُّ عَيْنِي حَزِينَةً [2] ... عَلَيْكَ وَلا
يَنْفَكُّ جِلْدِي أَغْبَرَا
فَلِلَّهِ عَيْنَا مَنْ رأى مثله فتى ... أكر وأحمى في الهياح وأصبرا
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 193.
[2] في رواية: «نفسي حزينة» .
(5/191)
إِذَا شَرَعَتْ فِيهِ الأَسِنَّةُ خَاضَهَا
... إِلَى الْمَوْتِ حَتَّى يَتْرُكَ الرُّمْحَ أَحْمَرَا
ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَأَوْلَمَ، وَكَانَ فِيمَنْ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
الله عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَعْنِي
أُكَلِّمُ عَاتِكَةَ، فَقَالَ: كَلِّمْهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ،
فَأَخَذَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَانِبِ الْخِدْرِ، ثُمَّ
قَالَ: يَا عَدِيَّةَ نَفْسِهَا، تَقُولِينَ:
آلَيْتُ لا تَنْفَكُّ عَيْنِي قَرِيرَةً ... عَلَيْكَ وَلا يَنْفَكُّ
جلدي أصفر
فَبَكَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا يَا أَبَا
الْحَسَنِ، كُلُّ النِّسَاءِ تَفْعَلْنَ هَذَا. ثم قتل 78/ ب عَنْهَا،
/ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزُّبَيْرُ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ إِلَى
الْمَسْجِدِ وَكَانَ يَكْرَهُ خُرُوجَهَا وَيَحْرَجُ مِنْ مَنْعِهَا،
فَخَرَجَتْ لَيْلَةً إِلَى الْمَسْجِدِ، وَخَرَجَ الزُّبَيْرُ
فَسَبَقَهَا إِلَى مَكَانٍ مُظْلِمٍ، فَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ وَضَعَ
يَدَهُ عَلَى بَعْضِ جَسَدِهَا، فَرَجَعَتْ تَتَشَنَّجُ ثُمَّ لَمْ
تَخْرُجْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ:
مالك لا تَخْرُجِينَ إِلَى الْمَسْجِدِ كَمَا كُنْتِ تَفْعَلِينَ؟
فَقَالَتْ: فَسَدَ النَّاسُ، فَقَالَ: أَنَا فَعَلْتُ ذَلِكَ،
فَقَالَتْ: أَلَيْسَ يَقْدِرُ غَيْرُكَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ، وَلَمْ
تَخْرُجْ حَتَّى قُتِلَ عَنْهَا الزُّبَيْرُ
.
(5/192)
ثم دخلت سنة اثنتين
وأربعين
فمن الحوادث فيها [غزو المسلمين الروم] [1]
أن المسلمين غزوا الروم فهزموهم هزيمة منكرة، وقتلوا جماعة من
بطارقتهم.
- وفيها ولى معاوية مروان بن الحكم
المدينة.
فاستقضى مروان بن عَبْد اللَّهِ بن الحارث بن نوفل، وعلى مكة خالد بن
العاص بن هشام، وكان على الكوفة من قبله المغيرة بن شعبة، وعلى القضاء
شريح، وعلى البصرة عَبْد اللَّهِ بن عامر، وعلى قضائها عميرة بن يثربي،
[2] وعلى خراسان قيس بن الهيثم من قبل عَبْد اللَّهِ بن عامر
. - وفيها تحركت الخوارج
الذين كانوا انحازوا عمن قتل منهم بالنهروان، ومن كان ارتث من جرحاهم
بالنهروان، فبرئ، وعفا عنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان حيان بن ظبيان السلمي [3] يرى رأي الخوارج، وكان ممن ارتث يوم
النهروان، فعفا عنه علي رضي الله عنه في أربعمائة عفى عنهم من المرتثين
يوم النهر، فلبث فِي أهله شهرا أو نحوه، ثم خرج إلى الري فِي رجال
كانوا يرون ذلك الرأي، فلم
__________
[1] العنوان غير موجود في الأصول.
[2] كذا في الأصول، وفي الطبري: «عمرو بن يثربي» .
[3] تاريخ الطبري 5/ 173.
(5/193)
يزالوا مقيمين بالري حتى بلغهم قتل علي
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فدعا أصحابه أولئك وكانوا تسعة عشر رجلا،
فأتوه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: أيها الإخوان من المسلمين، إنه
قد بلغني أن أخاكم ابن ملجم قعد لعلي عند أغباش [1] الصبح، فشد عليه
فقتله، فأخذ القوم يحمدون الله على قتله، فقَالَ حيان: إنه والله ما
تلبث الأيام لابن آدم حتى تذيقه الموت، فيدع الدنيا التي لا يبكي عليها
إلا الفجرة [2] ، فانصرفوا رحمكم الله إلى مصرنا 79/ أفلنأت/ إخواننا
فلندعهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه لا عذر لنا فِي
القعود، وولاتنا ظلمة، وسنة الهدى متروكة، فإن ظفرنا الله بهم يشفِي
صدور قوم مؤمنين، وإن نقتل فهي مفارقة الظالمين ففيها راحة، ولنا فِي
أسلافنا الصالحين أسوة.
فقالوا: كلنا قابل منك ما ذكرت [3] ، وحامد رأيك، فرد بنا المصر فإنا
راضون بهداك.
فخرج وخرجوا معه مقبلين إلى الكوفة، فأحب العافية، [وأحسن فِي الناس
السيرة] [4] ، ولم يفتش على أهل الأهواء عن أهوائهم، وكان يقال له: إن
فلانا يرى رأي الشيعة، وفلانا يرى رأي الخوارج، فيقول: [قضى الله] [5]
ألا تزالون مختلفين، وسيحكم الله بين عباده، فأمنه الناس، وكانت
الخوارج يلقي بعضهم بعضا، ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان، ويرون فِي
جهاد أهل القبلة.
ففزعوا إلى ثلاثة نفر المستورد بن علفة التيمي [6] ، وحيان بن ظبيان،
ومعاذ بن حصن الطائي [7] ، فاجتمعوا فِي منزل حيان بن ظبيان، فتشاوروا
فيمن يولون عليهم، فقَالَ لهم المستورد: أيها المؤمنون، ما أبالي من
كان منكم الوالي، وما شرف الدنيا نريد، وما إلى البقاء فيها من سبيل،
فقَالَ حيان: أما أنا فلا حاجة لي فيها، وأنا بك، وبكل امرئ من إخواني
راض، فانظروا من شئتم منكم فسموه، فأنا أول من يتابعه.
__________
[1] الأغباش: جمع غبش، وهو بقية الظلمة يخالطهما بياض الفجر.
[2] في الطبري: «لا يبكي عليها إلا العجزة» .
[3] في الطبري: «كلنا قائل ما ذكرت» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[6] في الأصل: «المستورد بن علقمة» .
[7] في الطبري: «معاذ بن جوين بن حصين الطائي» .
(5/194)
فقَالَ معاذ بن حصين: إذا قلتما هذا وأنتما
سيدا المسلمين، فمن يرأس المسلمين وليس كلكم يصلح لهذا الأمر، وإنما
ينبغي أن يلي على المسلمين إذا كانوا سواء فِي الفضل أبصرهم بالحرب،
وأفقههم فِي الدين، وأنتما بحمد الله ممن يرضى بهذا الأمر فليتوله
أحدكما، قالا: فتوله أنت، فقد رضيناك، فأنت والحمد للَّه الكامل فِي
دينك ورأيك.
فقَالَ: أنتما أسن مني، فليتوله أحدكما. فقَالَ جماعة من الخوارج: قد
رضينا بكم أيها الثلاثة، فولوا أيكم أحببتم، فليس فِي الثلاثة رجل
قَالَ لصاحبه: تولها فإني بك راض، ثم بايعوا المستورد، وذلك فِي جمادى
الآخرة، / ثم أجمعوا على الخروج في غرة 79/ ب هلال شعبان سنة ثلاث
وأربعين.
وفِي هذه السنة قدم زياد على معاوية [1]
من فارس بعد أن كان قد امتنع بقلعة من قلاعها أكثر من سنة، فصالحه
معاوية على مال يحمله إليه.
وكان سبب ذلك، أن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي بكرة كان يلي ما كان لزياد
بالبصرة، فبلغ معاوية أن لزياد أموالا عند عَبْد الرَّحْمَنِ، وخاف
زياد على أشياء كانت فِي يدي عَبْد الرَّحْمَنِ لزياد، فكتب إليه يأمره
بإحرازها، وبعث معاوية المغيرة بن شعبة لينظر فِي أموال زياد، فقدم
البصرة، وأخذ عَبْد الرَّحْمَنِ وكتب إلى معاوية: إني لم أصب فِي يدي
عَبْد الرَّحْمَنِ شيئا يحل لي أخذه، وكتب معاوية إلى زياد: علام تهلك
نفسك أقبل فأعلمني علم ما صار إليك من المال وما خرج من يديك وما بقي
عندك وأنت آمن فأتاه فأخبره فصدقه، ثم سأله أن يأذن له فِي نزول
الكوفة، فأذن له فشخص إليها.
وفِي هذه السنة حج بالناس عنبسة بن أبي سفيان وفيها: ولد الحجاج بن
يوسف.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 176.
(5/195)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
327- عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم، أبو عَبْد اللَّهِ:
[1]
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أبو محمد
الجوهري، قال: أخبرنا ابْنُ حَيْوَيَةَ، قالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حدثنا ابْن الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ:
كُنْتُ للإسْلامِ مُجَانِبًا مُعَانِدًا، حَضَرْتُ بَدْرًا مَعَ
الْمُشْرِكِينَ فَنَجَوْتُ، ثُمَّ حَضَرْتُ أُحُدًا فَنَجَوْتُ، ثُمَّ
حَضَرْتُ الْخَنْدَقَ فَنَجَوْتُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَمْ أُوضَعُ؟
وَاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ مُحَمَّدٌ عَلَى قُرَيْشٍ فَلَمْ أَحْضُرِ
الْحُدَيْبِيَةَ وَلَا صُلْحَهَا، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم بالصلح، 80/ أورجعت قُرَيْشٌ إِلَى مَكَّةَ،
فَجَعَلْتُ أَقُولُ: يَدْخُلُ مُحَمَّدٌ إِلَى/ مَكَّةَ بِأَصْحَابِهِ،
مَا مَكَّةُ لَنَا بِمَنْزِلٍ وَلَا الطَّائِفُ، وَمَا شَيْءٌ خَيْرٌ
مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَنَا بَعْدُ نَأْيٌ عَنِ الإِسْلامِ، أَرَى لَوْ
أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا لَمْ أُسْلِمْ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ،
فَجَمَعْتُ رِجَالا مِنْ قَوْمِي كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي
وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، وَيُقَدِّمُونِي فِيمَا نَابَهُمْ، فَقُلْتُ
لَهُمْ: كَيْفَ أَنَا فِيكُمْ؟ قَالُوا: ذُو رَأْيِنَا وَمَدَدُ
وَهْنِنَا مَعَ يُمْنِ نَقِيبَةٍ وَبَرَكَةِ أَمْرٍ، قُلْتُ:
تَعْلَمُنَّ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الأمور
علوا مُنْكَرًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، قَالُوا: مَا هُوَ؟
قُلْتُ: نَلْحَقُ بِالنَّجَاشِيِّ فَنَكُونُ عِنْدَهُ فَإِنْ يَظْهَرْ
[مُحَمَّدٌ] [2] كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبَّ
إِلَيْنَا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَظَهَرْ
قُرَيْشٌ فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، قَالُوا: هَذَا الرَّأْيُ،
قُلْتُ فَاجْمَعُوا مَا تُهْدُونَ لَهُ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى
إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأدَمُ، فَجَمَعْنَا أَدَمًا كَثِيرًا ثُمَّ
خَرَجْنَا فقدمنا على النجاشي فو الله إنا لعنده إِذْ جَاءَ عَمْرُو
بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رسول الله صلي الله عليه وسلم قد
بَعَثَهُ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَيْهِ يُزَوِّجُهُ أُمَّ
حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ
مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيُّ، وَلَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ سَأَلْتُهُ
إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ
سَرَرَتْ قُرَيْشًا وَكُنْتُ قَدْ أَجْزَأْتُ عنها حين قتلت رسول محمد.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 2، 7/ 2/ 188.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
(5/196)
فَدَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَجَدْتُ
لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي،
أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلادِكَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَيُّهَا
الْمَلِكُ، أَهْدَيْتُ لك أدما كثيرا، ثم قربته إليه فأعجبه، وفرق
مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بَطَارِقَتِهِ، وَأَمَرَ بِسَائِرِهِ
فَأُدْخِلَ في موضع، فلما رَأَيْتُ طِيبَةَ نَفْسِهِ قُلْتُ: أَيُّهَا
الْمَلِكُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ
رَسُولُ رَجُلٍ هُوَ عَدُوُّنَا، وَقَدْ وَتَرَنَا وَقَتَلَ
أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا فَأَعْطِنِيهِ فَأَقْتُلُهُ، فَغَضِبَ
وَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ
كَسَرَهُ، وَابْتَدَرَ منخراي فجعلت أَتَلَقَّى الدَّمَ بِثِيَابِي
وَأَصَابَنِي مِنَ الذُّلِّ مَا لَوْ شُقَّتِ الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا
فَرَقًا مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَوْ ظَنَنْتُ
أَنَّكَ/ تكره ما قلت 80/ ب مَا سَأَلْتُكَ إِيَّاهُ. قَالَ:
فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: يَا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ
الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَالَّذِي كَانَ يَأْتِي عِيسَى
أُعْطِيكَهُ لِتَقْتُلَهُ؟ قَالَ عَمْرٌو: وَغَيَّرَ اللَّهُ قَلْبِي
عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقَّ
الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ وَتُخَالِفُ أَنْتَ، قُلْتُ: وَتَشْهَدُ
أَيُّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَم أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ
اللَّهِ يَا عَمْرُو فَأَطِعْهُ وَاتَّبِعْهُ، وَاللَّهِ إِنَّهُ
لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ كَمَا
ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي
لَهُ عَلَى الإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ
عَلَى الإِسْلامِ، وَدَعَى لِي بِطِسْتٍ فَغَسَلَ عَنِّي الدَّمَ
وَكَسَانِي ثِيَابًا وَكَانَتْ ثِيَابِي قَدِ امْتَلَأَتْ مِنَ الدَّمِ
فَأَلْقَيْتُهَا ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أصحابي، فلما رأوا كِسْوَةَ
الْمَلِكِ سُرُّوا بِذَلِكَ، وَقَالُوا: هَلْ أَدْرَكْتَ مِنْ
صَاحِبِكَ مَا أَرَدْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ
فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَقُلْتُ: أَعُودُ إِلَيْهِ، قَالُوا: الرَّأْيُ
مَا رَأَيْتَ، وَفَارَقْتُهُمْ وَكَأَنِّي أَعْمَدُ لِحَاجَةٍ،
فَعَمَدْتُ إِلَى مَوْضِعِ السُّفُنِ فَوَجَدْتُ سَفِينَةً قَدْ
شُحِنَتَ تَدْفَعُ، فَرَكِبْتُ مَعَهُمْ وَدَفَعُوهَا مِنْ سَاعَتِهِمْ
حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشَّعْبِيَّةِ، فَخَرَجْتُ بها ومعي نفقة
واتبعت بَعِيرًا وَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتَّى أَتَيْتُ
عَلَى مر الظهران، ثم مضيت حتى إِذَا كُنْتُ بِالْهَدَّةَ إِذَا
رَجُلانِ قَدْ سَبَقَا فِي بَعِيرٍ كَبِيرٍ يُرِيدَانِ مَنْزِلا
وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ وَالآخَرُ قَائِمٌ يَمْسِكُ
الرَّاحِلَتَيْنِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
فَقُلْتُ: أَبَا سُلَيْمَانَ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟
قَالَ: مُحَمَّدًا، دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ فَلَمْ يَبْقَ
أَحَدٌ بِهِ طُعْمٌ، وَاللَّهِ لَوْ أَقَمْنَا لأَخَذَ بِرِقَابِنَا
كَمَا يُؤْخَذُ بِرَقَبَةِ الضَّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا، قُلْتُ:
وَاللَّهِ وَأَنَا قَدْ أَرَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَرَدْتُ الإِسْلامَ.
وَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَرَحَّبَ بِي فَنَزَلْنَا جَمِيعًا
فِي الْمَنْزِلِ ثُمَّ تَرَافَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ،
فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لَقِيَنَا بِبِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ
يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ يَا رَبَاحُ، فتفاءلنا بقوله
(5/197)
وَسُرِرْنَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَدْ أُعْطِيَتْ مَكَّةُ الْمُقَادَةَ بَعْدَ
هَذَيْنِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِينِي وَيَعْنِي خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ، ثُمَّ وَلَّى مُدْبِرًا إِلَى الْمَسْجِدِ سَرِيعًا،
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُبَشِّرُ 81/ أرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِنَا، وَكَانَ كَمَا/ ظَنَنْتُ،
وَأَنَخْنَا بِالْحَرَّةِ فَلَبِسْنَا مِنْ صَالِحِ ثِيَابِنَا،
وَنُودِيَ بِالْعَصْرِ فَانْطَلَقْنَا جَمِيعًا حَتَّى طَلَعْنَا عليه
صلّى الله عليه وسلّم وَإِنَّ لِوَجْهِهِ تَهَلُّلا وَالْمُسْلِمُونَ
حَوْلَهُ قَدْ سُرُّوا بِإِسْلامِنَا، فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ فَبَايَعَ، ثُمَّ تقدم عثمان فبايع، ثم تقدمت، فو الله مَا
هُو إِلا أَنْ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ
أَرْفَعَ طَرْفِي إِلَيْهِ حَيَاءً مِنْهُ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى أَنْ
يَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَلَمْ يَغْفِرْ لِي مَا
تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قبله،
والهجرة تجب ما كان قبلها» . فو الله مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدٍ أَحَدًا مِنْ
أَصْحَابِي فِي أَمْرِ حَرْبِهِ مِنْ حَيْثُ أَسْلَمْنَا، وَلَقَدْ
كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَلَقَدْ كُنْتُ
عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِتِلْكَ الْحَالِ.
قَالَ عبد الحميد: أخبرني أبي: أنهم قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان.
قَالَ علماء السير [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن
العاص فِي وجوه منها غزاة ذات السلاسل، وأمده فيها بثمانين منهم أبو
بكر، وعمر، وأبو عبيدة، ومنها إلى صنم هذيل، وهو سواع فكسره، وإلى بني
فزارة فصدقهم.
واستعمله أبو بكر على الشام وأمده بخالد بن الوليد فكان أمير الناس يوم
أجنادين ويوم فحل، وفِي حصار دمشق حتى فتحت. وولاه عمر وعثمان، ثم مال
إلى معاوية وكان أحد الحكمين على ما سبق ذكره.
ذكر وفاته: كان عند الموت يقول: كأن على عنقي جبال رضوى، وكأن فِي
جوفِي الشوك، وكأن نفسي تخرج من ثقب إبرة، واعتق كل مملوك له.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عبد
الجبار، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَتْحِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابْن أخي ميمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَوَّاصُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَسْرُوقٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُتْبِيُّ، قَالَ: حدّثني أبي، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 188.
(5/198)
دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ يَعُودُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ؟
قَالَ: أَجِدُنِي قَدْ أَفْسَدْتُ دِينِي بِدُنْيَايَ، أَصْلَحْتُ مِنْ
دُنْيَايَ قَلِيلا/ وَأَفْسَدْتُ مِنْ آخِرَتِي 81/ ب كَثِيرًا،
فَوَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي أَفْسَدْتُ هُوَ الَّذِي أَصْلَحْتُ، أَنَّ
الَّذِي أَصْلَحْتُ هُوَ الَّذِي أَفْسَدْتُ، وَلَوْ كَانَ يُنَجِّينِي
تَرْكُ مَا فِي يَدِي لَتَرَكْتُهُ، وَلَوْ كُنْتُ أُدْرِكُ مَا
أَطْلُبُ طَلَبْتُ، فَقَدْ صِرْتُ كَالْمَنْجَنِيقِ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ، لا يَرَقَى بِيَدٍ، وَلا يَرْقَى بِرِجْلٍ، فَهُوَ
مُتَحَيِّرٌ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَيَأْمَلُ أَنْ يَكُونَ
فِي الْمَوْتِ رَاحَتُهُ، وَيَخَافُ مِمَّا قَدَّمَتْ يَدُهُ،
فَعِظْنِي يَا ابْنَ أَخِي، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنْ
شِئْتَ أَنْ تَبْكِي بَكَيْتُ، فَلَسْتَ تَدْرِي مَتَى يَقَعُ الأَمْرُ
وَأَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالرَّحِيلِ وَأَنْتَ مُقِيمٌ، وَلَوْ دَعَوْتَ
دَعْوَةً لا تُلْقِي صَوْلَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ:
فَغَضِبَ عَمْرٌو وَقَالَ: تُؤْنِسُنِي مِنْ نَفْسِي وَتُؤْنِسُنِي
مِنْ رَحْمَةِ رَبِّي، اللَّهمّ خُذْ مِنِّي حَتَّى تَرْضَى، فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: هَيْهَاتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ سَلَفْتَ جَدِيدًا
وَتُعْطِي خَلِقًا، فَقَالَ عَمْرٌو:
مَا لِي وَلَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا سَرَّحْتُ كَلِمَةً إِلَى
رَبِّي إِلَّا أَخَذْتَ بِغَيِّهَا، ثُمَّ تَمَثَّلَ عَمْرٌو:
كَمْ عَائِد رَجُلا وَلَيْسَ يَعُودُهُ ... إِلا لِيَنْظُرَ هَلْ
يَرَاهُ يَفْرَقُ [1]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ عَمْرَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
شَعْبَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [2] ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا
الضَّحَّاكُ- يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ
شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ شِمَّاسَةَ الْمَهْرِيُّ، قَالَ [3] :
حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ،
فَبَكَى طَوِيلا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ
ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا، أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟
قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَعُدُّ
شَهَادَةُ أَنْ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللَّهِ، إِنِّي قَدْ
كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاثٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ
أَشَدُّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنِّي وَلا أَحَبُّ إِلَي مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ
فَقَتَلْتَهُ فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ من أهل
__________
[1] في ت: «يفوت» .
[2] في ت: «بن الجراح» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 6.
(5/199)
82/ أالنار، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ
الإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ/، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فَقَبَضْتُ
يَدِي، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو، قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ
أَشْتَرِطَ، قَالَ: مَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يَغْفِرَ لِي، قَالَ: «أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ
الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ
مَا كَانَ قَبْلَهُ» وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَجَلَّ فِي عَيْنِي
مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنِي مِنْهُ فَلَوْ
مِتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، ثُمَّ وُلِّينَا أَشْيَاءَ بَعْدُ، فَلَسْتُ أَدْرِي مَا
حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلا
نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا،
ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ
وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا
أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
توفي عمرو بن العاص فِي هذه السنة بمصر وهو واليها، وقيل: فِي سنة ثلاث
وأربعين، وكان قد عمل على مصر لعمر رضي الله عنه أربع سنين، ولعثمان
أربع سنين، ولمعاوية سنتين إلا شهرا
.
(5/200)
ثم دخلت سنة ثلاث
وأربعين
فمن الحوادث فيها غزوة بسر بن أبي أرطأة الروم [1]
حتى بلغ القسطنطينية. فيما ذكر الواقدي.
وفيها ولى معاوية عَبْد اللَّهِ بن عمرو بن العاص مصر
بعد موت أبيه، فوليها له نحوا من سنتين.
وفيها قتل المستورد بن علفة الخارجي [2]
فيما ذكر هشام بن الكلبي، وقَالَ قوم: قتل فِي سنة اثنتين وأربعين.
ذكر سبب قتله
قد ذكرنا اجتماع بقايا الخوارج الذين كانوا ارتثوا [3] يوم النهر،
واعتمادهم على الثلاثة الذين هذا أحدهم، ومبايعتهم المستورد، وأن ذلك
كان فِي جمادى، وأنهم اجتمعوا فِي منزل حيان بن ظبيان على الخروج فِي
شعبان، فبلغ خبرهم إلى المغيرة بن شعبة، فقَالَ لصاحب الشرطة: سر
بالشرطة حتى تحيط بدار حيان بن ظبيان فأتني به، فأتاه ومعه نحو من
عشرين من أصحابه، فانطلق به إلى المغيرة بن شعبة، فقَالَ لهم: ما حملكم
على ما أردتم من شق عصا المسلمين؟ قالوا: ما أردنا من ذلك من شيء،
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 181.
[2] نفس المرجع والصفحة.
[3] «ارتثوا» : سقطت من ت.
(5/201)
قالَ: بل بلغني وصدق ذلك عندي اجتماعكم،
فقالوا: أما اجتماعنا فإن حيان بن ظبيان أقرانا للقرآن فنحن نجتمع فِي
منزله فنقرأ القرآن عليه، قَالَ: اذهبوا بهم إلى السجن، فلم يزالوا فيه
نحوا من سنة.
وسمع إخوانهم بأخذهم، فخرج المستورد فنزل دارا بالحيرة، وكان إخوانه
يختلفون إليه ويتجهزون، فلما كثر اختلاف أصحابه إليه قَالَ: تحولوا بنا
عن هذا المكان فإني لا آمن أن يطلع عليكم، فإنهم لفِي ذلك [يقول بعضهم
لبعض: نأتي مكان كذا وكذا، ويقول بعضهم: نأتي مكان كذا وكذا] [1] ، إذ
أشرف عليهم حجار بن أبجر وإذا بفارسين قد أقبلا فدخلا الدار، ثم جاء
آخر، ثم جاء آخر، وكان خروجهم قد اقترب، فقَالَ حجار لصاحب الدار: ويحك
ما هذه الخيل الذي أراها تدخل هذه الدار، فقَالَ:
لا أدري إلا أن الرجال يختلفون إلى هذه الدار رجالا وفرسانا، فركب حجار
حتى انتهى إلى بابهم، وإذا عليه رجل منهم، فإذا أتى إنسان استأذن،
فقَالَ له: من أنت؟ قَالَ:
حجار بن أبجر، فدخل يستأذن له، فدخل خلفه فإذا الرجل يقول لهم: قد جاء
حجار فقالوا: والله ما جاء لخير، فقَالَ حجار: السلام عليكم ثم انصرف،
فقَالَ بعضهم لبعض:
أدركوه فاحبسوه فإنه مؤذن بكم، فخرج منهم جماعة إليه، فإذا هو قد ركب
فرسه، فقالوا: لم يأت لشيء يروعكم، قالوا: أفتؤمننا من الإذن بنا؟
قَالَ: أنتم آمنون، ثم تفرقوا عن ذلك المكان.
وبلغ خبرهم المغيرة فحذر الناس أن يؤويهم، وبعث المستورد إلى أصحابه
اخرجوا، فاتعدوا سورا، وخرجوا إليها متقطعين من أربعة وخمسة. فبلغ
الخبر المغيرة، فبعث معقل بن قيس فِي ثلاثة آلاف، وقَالَ له: يا معقل
إني قد بعثت معك فرسان أهل 83/ أالمصر، ثم أمرت بهم فانتخبوا انتخابا،
/ فسر إلى هذه العصابة المارقة الذين فارقوا جماعتنا، وشهدوا علينا
بالكفر، فادعهم إلى التوبة وإلى الدخول فِي الجماعة، فإن فعلوا فاقبل
منهم، واكفف عنهم، وإن لم يفعلوا فناجزهم واستعن باللَّه عليهم، فقَالَ
له:
هل بلغك- أصلحك الله- أين منزل القوم؟ قَالَ: نعم، كتب إلي سماك بن
عبيد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/202)
القيسي، [1] وكان عاملا له على المدائن،
يخبرني أنهم ارتحلوا حتى نزلوا بهرسير، وأنهم أرادوا أن يعبروا إلى
المدينة العتيقة التي بها منازل كسرى، فمنعهم سماك أن يجوزوا، فنزلوا
بمدينة بهرسير مقيمين، فاخرجوا إليهم، وانكمش فِي آثارهم ولا تدعهم
والإقامة فِي بلد أكثر من الساعة التي تدعوهم فيها، فإن قبلوا وإلا
فناهضهم، فإنهم لن يقيموا ببلد يومين إلا أفسدوا كل من خالطهم، فخرج من
يومه فبات بسورا، فبعث المغيرة مولاه ورادا إلى المسجد فقام فقَالَ:
أيها الناس، إن معقل قد سار إلى هذه العصبة المارقة وهو بائت الليلة
بسورا، فلا يتخلف عنه أحد من أصحابه ألا وإن الأمير يخرج على كل رجل من
المسلمين ويعزم عليهم أن يبيتوا [2] بالكوفة، وأيما رجل من هذا البعث
وجدناه بعد يومنا هذا بالكوفة فقد أحل بنفسه.
قَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بن جندب، [عن عَبْد اللَّهِ بن عقبة] [3]
الغنوي، [قَالَ] : [4] كنت فيمن خرج مع المستورد، وكنت أحدث رجل منهم،
فخرجنا حتى أتينا الصراة، فأقمنا بها حتى تتامت جماعتنا، ثم خرجنا حتى
انتهينا إلى بهرسير، فدخلناها، ونذر بنا سماك بن عبيد العبسي، وكان على
المدينة العتيقة، فلما ذهبنا لنعبر الجسر إليهم قاتلنا [5] عليه، ثم
قطعه علينا، فأقمنا ببهرسير. قَالَ: فدعاني المستورد فقَالَ لي:
أتكتب يا ابن أخي؟ قلت: نعم، فدعا برق ودواة، وقَالَ: اكتب: من عَبْد
اللَّهِ المستورد أمير المؤمنين إلى سماك بن عبيد، أما بعد. فإنا نقمنا
على قومنا الجور فِي الأحكام، وتعطيل الحدود والاستئثار بالفيء، وإنا
ندعوك إلى كتاب الله، وسنة نبيه وولاية/ أبي 83/ ب بكر وعمر، والبراءة
من علي وعثمان، لإحداثهما فِي الدين، وتركهما حكم الكتاب، فإن تقبل فقد
أدركت رشدك، وإن لا تقبل فقد أبلغنا فِي الإعذار إليك، وقد آذناك بحرب،
ونبذنا إليك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.
__________
[1] في الطبري: «عبيد العبسيّ» .
[2] في الأصل: «أن يبت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 190.
[5] في الأصل: «لنعبر الجسر عليهم قاتلنا» .
(5/203)
ثم قَالَ [المستورد] : انطلق بهذا الكتاب
إلى سماك، فادفعه إليه واحفظ ما يقول لك، والقني.
فقلت له: أصلحك الله، لو أمرتني أن أستعرض دجلة فألقي نفسي فيها ما
عصيتك، ولكن ما آمن أن يتعلق بي سماك فيحبسني عنك، فإذا أنا قد فاتني
ما أرجو من الجهاد. فتبسم وقَالَ: يا ابن أخي، إنما أنت رسول والرسول
لا يعرض له ولو خشيت ذلك عليك لم أبعثك. فخرجت حتى عبرت إليهم فِي
معبر، فقالوا: من أنت؟ فقلت:
رسول أمير المؤمنين المستورد، فلما وصلت إلى سماك أريته الكتاب، قَالَ:
اذهب إلى صاحبك فقل له: اتق الله وارجع عن رأيك هذا، وادخل فِي جماعة
المسلمين، ثم قَالَ لأصحابه: إنهم خلوا بهذا. فأخذوا يقرءون عليه
القرآن، ويتخشعون [1] ويتباكون، فظن أنهم على شيء، ثم قَالَ: انطلق يا
بني إلى صاحبك، إنما تندم لو قد اكتنفتكم الخيل، وأشرعت فِي صدوركم
الرماح، هناك تمنى أنك كنت فِي بيت آبائك [2] .
فانصرفت من عنده إلى صاحبي، فأخبرته، فقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى
أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ 2: 6- 7 [3] .
فمكثنا يومين أو ثلاثة، فاستبان لهم مسير معقل بن قيس إلينا، فجمعنا
المستورد وقَالَ: أشيروا علي، فقَالَ بعضنا: والله ما خرجنا نريد إلا
الله وقد جاءونا فأين نذهب عنهم. وقالت طائفة: بل نعتزل ونتنحى، وندعو
الناس.
فقَالَ: يا معشر المسلمين، إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا البقاء،
وما أحب أنها لي بحذافيرها، وما أحب إلا التماس الشهادة، وإني قد نظرت
فيما استشرتكم به 84/ أفرأيت ألا أقيم لهم حتى يقدمون علي [4] وهم
جامّون، ولكني رأيت أن أسير/ حتى
__________
[1] في الطبري: «يتخضعون» .
[2] في الطبري: «تمنى لو كنت في بيت أمك» .
[3] سورة: البقرة، الآية: 6.
[4] في الطبري: «حتى يقدموا عليّ» .
(5/204)
أمعن فإنهم إذا بلغهم ذلك خرجوا فِي طلبنا
فتقطعوا وتبددوا، فعلى ذلك الحال ينبغي لنا أن نقاتلهم، فأخرجوا بنا
على اسم الله.
فخرجنا فمضينا على شاطئ دجلة حتى انتهينا إلى جرجرايا، فعبرنا دجلة،
فمضينا كما نحن فِي أرض جوخى [1] حتى بلغنا المذار، فأقمنا.
وقَالَ عَبْد اللَّهِ بن الحارث [2] : كنت فِي الذين خرجوا مع معقل حين
خرج، وكان أول منزل نزلناه سورا.
[قَالَ] [3] : فمكثنا به يوما حتى اجتمع إليه جل أصحابه، ثم خرجنا
مسرعين مبادرين لعدونا أن يفوتنا [4] ، ثم سرنا حتى دنونا من المدائن،
فاستقبلنا الناس يخبروننا أنهم قد ارتحلوا، فشق ذلك علينا وأيقنا
بالعناء [وطول الطلب] [5] .
وجاء معقل حتى نزل على باب مدينة بهرسير، فخرج إليه سماك فسلم عليه،
وبعث إليه ما يصلح الجند، فأقام ثلاثا. ثم جمع أصحابه وقَالَ: إن هؤلاء
المارقة إنما خرجوا على وجوههم إرادة أن تتعجلوا فِي آثارهم [فتقطعوا]
[6] وتبددوا، وإنه ليس شيء يدخل عليكم من ذلك إلا وقد يدخل عليهم مثله،
فخرج بنا من المدائن، فقدم بين يديه أبو الرواغ [7] فِي ثلاثمائة فارس،
واتبع أثره فلحقهم أبو الرواغ [8] بالمذار مقيمين، فاستشار أصحابه فِي
قتالهم قبل قدوم معقل عليه، فقَالَ: بعضهم: أقدم بنا، وقَالَ آخرون:
حتى يأتينا أميرنا، فبات أصحاب أبي الرواغ يتحارسون، فخرج القوم عليهم
وهم عدتهم هؤلاء ثلاثمائة، وهؤلاء ثلاثمائة، فلما اقتربوا شدوا على
أصحاب أبي الرواغ، فانهزموا فصاح أبو الرواغ: يا فرسان السوء، قبحكم
الله، الكرة الكرة، فحمل
__________
[1] في الأصل: «أرض كوخى» .
[2] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 194.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أن يفوتونا» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول أوردناها من الطبري.
[6] ما بين المعقوفتين: بياض في الأصل، استدركناه، من أ، والطبري.
[7] في الأصل: «أبا الوزاع» .
[8] في الأصل: «أبا الوزاع» .، وكذا في باقي الرواية.
(5/205)
وحمل أصحابه ثم انكشفوا، فقَالَ أبو
الرواغ: ثكلتكم أمهاتكم، انصرفوا بنا فلنكر قريبا من القوم حتى يأتينا
أميرنا، فما زالوا يطاردونهم وينحاز أبو الرواغ وأصحابه.
وبلغ الخبر إلى معقل، فأسرع في نحو من سبعمائة فارس من أهل القوة
والشجاعة، فلما وصل شدوا عليه، فانجفل عامة أصحابه فنزل وقَالَ: الأرض
الأرض، 84/ ب/ ونزل معه أبو الرواغ ونحو من مائتي فارس، فلما غشيهم
المستورد وأصحابه استقبلوهم بالرماح والسيوف، فانجفلت خيل معقل ثم كرت،
وأقبل شريك بن الأعور مددا لمعقل، فرأى المستورد ما لا يطيق، فذهب
بأصحابه فِي الليل، فعادوا إلى جرجرايا فتبعهم أبو الرواغ فقاتلهم
قتالا شديدا وظنوا أن معقلا يأتي بعده، فذهبوا حتى قطعوا دجلة، وسار
أبو الرواغ فِي آثارهم، وجاء معقل متبعا آثار أبو الرواغ، فانصرفوا إلى
ساباط، ثم اقتتلوا، فهلك الخوارج، وصاح المستورد: يا معقل ابرز لي،
فبرز له فأشرع المستورد الرمح فِي صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره،
وضربه معقل بالسيف على رأسه فخرا ميتين وتبدد من بقي.
وفِي هذه السنة حج بالناس مروان بن الحكم، وكان على المدينة. وكان على
مكة خالد بن العاص بن هشام، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة، وعلى قضائها
شريح، وعلى البصرة وفارس وسجستان وخراسان عَبْد اللَّهِ بن عامر، وعلى
قضائها عمير بن يثربي.
ذكر من توفي فِي هذه السنة
328- عَبْد اللَّهِ بن سلام، يكنى أبا يوسف [1] :
وكان اسمه [الحصين] [2] ، فلما أسلم سماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ، وهو من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق
بن إبراهيم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري،
قال: أخبرنا ابن حيويه،
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 111.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(5/206)
قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا
الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَلامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ وَقَالُوا: قدم
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وجئت انظر إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ
وَجْهَهُ ليس بوجه كذاب، فأول شيء قال: / «يا أيها النَّاسُ، أَفْشُوا
السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وصلّوا 85/
أوالناس نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» . قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ سَعْدٍ [1] : وَأَخْبَرَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ سَلامٍ بِقُدُومِهِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ
أَشْيَاءَ لا يَعْلَمُهَا إِلا نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا
آمَنْتُ بِكَ، وَإِنْ لَمْ تُعْلِمْنِي عَرَفْتُ أَنَّكَ لَسْتَ
بِنَبِيٍّ، قَالَ: «وَمَا هُنَّ» ؟ فَسَأَلَهُ عَنِ الشَّبَهِ وَعَنِ
أَوَّلِ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ
يَحْشُرُ النَّاسَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا» قَالَ: ذَاكَ
عَدُوُّ الْيَهُودِ، قَالَ: «أَمَّا الشَّبَهُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ
الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ
الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ. وَأَمَّا أَوَّلُ
شَيْءٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ.
وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يَحْشُرُ النَّاسَ، فَنَارٌ تَجِيءُ مِنْ
قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ» . فَآمَنَ
وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوا
بِإِسْلامِي بَهَتُونِي فَأَخْبِئْنِي عِنْدَكَ، وَابْعَثْ إِلَيْهِم
فَسَلْهُمْ عَنِّي، فَخَبَّأَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَجَاءُوا، فَقَالَ: «أَيُّ
رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ [2] بْنُ سَلامٍ فِيكُمْ؟» قَالُوا: هُوَ
خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا،
وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا، فَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ إِنْ
أَسْلَمَ فَتُسْلِمُونَ» ؟، قَالُوا:
أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ اخْرُجْ
إِلَيْهِمْ» ، [فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ] [3] فَقَالَ: أشهد أن لا إله إلا
الله وأن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ
شَرِّنَا، وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال
__________
[1] الخبر في مسند أحمد بن حنبل «عن عفان، عن حماد، عن ثابت وحميد، عن
أنس» .
[2] في ت: «أي شيء عبد الله» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/207)
ابْنُ سَلامٍ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ. توفي عَبْد اللَّهِ
بن سلام بالمدينة فِي هذه السنة.
329- عَبْد الرَّحْمَنِ بن عسيلة، أبو عَبْد اللَّهِ الصنابحي [1] :
أسند عن أبي بكر الصديق، ومعاذ، وعبادة في آخرين. وكان عبادة يقول: من/
85/ ب سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعمل على ما
رأى فلينظر إلى هذا.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 199.
(5/208)
ثم دخلت سنة أربع
وأربعين
فمن الحوادث فيها:
دخول المسلمين مع عَبْد الرَّحْمَنِ بن خالد بن الوليد بلاد الروم
ومشتاهم بها [1] .
وفيها غزا بسر بن أبي أرطأة البحر
قَالَ عبد الملك بن عمير: قرأت فِي ديوان معاوية [بعد موته] [2] كتابا
من ملك الصين، فيه: من ملك الصين الذي على مربطه ألف فيل، وبنيت داره
بلبن الذهب والفضة، ويخدمه بنات ألف ملك، والذي له نهران يسقيان
الألوة، إلى معاوية.
وفيها عزل عَبْد اللَّهِ بن عامر عن البصرة [3] .
وكان سبب عزله أن ابن عامر كان لينا لا يأخذ على أيدي السفهاء ولا
يعاقب، ففسدت البصرة بذلك، وقدم ابن الكواء- واسمه عَبْد اللَّهِ [بن
أبي أوفى] [4]- على معاوية، فسأله عن الناس، فقَالَ: أما البصر فقد غلب
عليها سفهاؤها وعاملها ضعيف، فعزله معاوية، وبعث الحارث بن عبد الله
الأزدي.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 212.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 5/ 212.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصلين.
(5/209)
وفِي هذه السنة استلحق معاوية نسب زياد ابن
سمية بأبيه أبي سفيان [1]
شهد لزياد رجل من البصرة، وكان الحسن البصري يذم هذا من فعله، ويقول:
استلحق زيادا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا
أحمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ [2] :
لَمَّا ادَّعَى زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا
الَّذِي صَنَعْتُمْ؟ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
يَقُولُ: سمع أذني من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الإِسْلامِ 86/ أغير/
أَبِيهِ- وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ [3]- فَالْجَنَّةُ
عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ من رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وفِي هذه السنة عمل معاوية المقصورة بالشام، وعملها مروان بالمدينة.
وفيها: حج معاوية بالناس، وكان عماله على البلاد فِي هذه السنة العمال
فِي السنة التي قبلها غير البصرة، فكان عليها الحارث الأزدي.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
330- رملة بنت أبي سفيان بن حرب، وهي أم حبيبة: [4]
تزوجها عَبْد اللَّهِ بن جحش، وهاجر بها إلى أرض الحبشة، فولدت هناك
منه حبيبة.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 214.
[2] الخبر في مسند أحمد 5/ 46.
[3] «وهو أنه غير أبيه» : ساقطة من المسند.
[4] طبقات ابن سعد 8/ 68.
(5/210)
وقيل: إنها ولدتها بمكة، وهاجرت بها، ثم
تنصر عَبْد اللَّهِ بن جحش وثبتت على دينها، وكتب رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النجاشي أن يزوجه أم حبيبة [1] ، فزوجه
إياها، وبعث بها إليه فِي سنة سبع، وقد سبق شرح هذه القصة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ
الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: حدثنا محمد
بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: [2] لَمَّا
قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ الْمَدِينَةَ جَاءَ إلى رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوَ مَكَّةَ،
فَكَلَّمَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ
يَقْبَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ
فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ
عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَتْهُ
دُونَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ
عَنِّي أَمْ بِي عَنْهُ؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجَسٌ مُشْرِكٌ،
فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، قَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي شَرٌّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [3] : وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ
سُهَيْلٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ
تَقُولُ:
دَعَتْنِي/ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عِنْدَ مَوْتِهَا،
قَالَتْ: قَدْ كَانَ يَكُونُ بيننا ما يكون 86/ ب بَيْنَ الضَّرَائِرِ،
فَغَفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: غَفَرَ
اللَّهُ لَكِ ذَلِكَ كُلَّهُ وَتَجَاوَزَ وَحَلَّلَكِ مِنْ ذَلِكَ،
فَقَالَتْ: سَرَرْتِنِي سَرَّكِ اللَّهُ، وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ
سَلَمَةَ، فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ.
وتوفيت سنة أربع وأربعين.
__________
[1] في الأصل: «يزوجه إياها» .
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 8/ 70.
[3] طبقات ابن سعد 8/ 71.
(5/211)
ثم دخلت سنة خمس
وأربعين
فمن الحوادث فيها [ولاية زياد البصرة] [1]
إن معاوية ولى الحارث بن عَبْد اللَّهِ الأزدي البصرة، فأقام بالبصرة
أربعة أشهر وعزله وولى زيادا، فقدم زياد إلى الكوفة ينتظر إلى أمر
معاوية، فظن المغيرة أنه قدم واليا عليها فقَالَ لوائل بن حجر الحضرمي:
اعلم لي علمه، فأتاه فلم يقدر منه على شيء، وقدم رسول معاوية إلى زياد:
أن سر إلى البصرة، فقدمها فِي آخر شهر ربيع الآخر أو غرة جمادى الأولى
من هذه السنة، واستعمله على خراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين
وعمان.
فلما قدم البصرة وجد الفسق فيها ظاهرا، فخطب فقَالَ فِي خطبته [2] :
كأنكم لم تسمعوا ما أعد الله من الثواب لأهل طاعته، والعذاب لأهل
معصيته، أيكونون كمن طرفت عنه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات، واختار
الفانية على الباقية.
قَالَ الشعبي: ما سمعت متكلما قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت [خوفا
أن يسيء] [3] إلا زيادا، فإنه كان كلما أكثر كان أجود كلاما.
وما زال زياد يشدد أمر السلطان، وتجرد السيف، فخافه الناس خوفا شديدا
حتى
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 216 والعنوان غير موجود في الأصل.
[2] ذكر الطبري هذه الخطبة في التاريخ 5/ 218، والجاحظ في البيان
والتبيين 2/ 61- 66، وصاحب العقد 4/ 110، 113،
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
(5/212)
أن الشيء كان يوجد فلا يتجاسر أحد أن يرفعه
حتى يأتيه صاحبه، واستعان زياد بعدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم عمران بن حصين ولاه قضاء البصرة، والحكم بن
عمرو الغفاري ولاه خراسان، وسمرة بن جندب، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس
بن مالك.
وفِي هذه السنة شتى عَبْد الرَّحْمَنِ بن خالد بن الوليد بالشام [1] .
وفيها: حج بالناس مروان بن الحكم، / وكان على المدينة، وكانت الولاة
87/ أوالعمال على الأمصار من تقدم ذكرهم فِي السنة قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
331- حفصة بنت عمر بن الخطاب [2] :
كانت عند خنيس [3] بن حذافة السهمي، وهاجرت معه إلى المدينة، فمات عنها
بعد الهجرة، فقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم من بدر فتزوجها.
وفِي رواية أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلقها،
فقَالَ له جبريل: راجعها فإنها صوامة قوامة.
وفِي رواية أنه أراد طلاقها، فقَالَ جبريل: لا تطلقها فإنها صوامة
قوامة، وإنها زوجتك فِي الجنة.
توفيت فِي شعبان هذه السنة، وهي بنت ستين سنة.
وقيل: ماتت فِي خلافة عثمان بالمدينة.
332- زيد بن ثابت بن زيد بن لوذان، أبو سعيد: [4]
كان يكتب الوحي.
__________
[1] كذا في الأصول، وفي الطبري 5/ 226: «بأرض الروم» .
[2] طبقات ابن سعد 8/ 56.
[3] في ت: «كانت تحت خنيس» .
[4] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 115.
(5/213)
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
الْحَافِظُ، [أَخْبَرَنَا عَاصِم بْن الْحَسَن، أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْن بْنُ بُشْرَانَ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ] [1]
بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ:
كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تَرْجُمَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَاتِبَهُ إِلَى الْمُلُوكِ، وَتَعَلَّمَ
الْفَارِسِيَّةَ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْ رَسُولِ كِسْرَى،
وَتَعَلَّمَ الرُّومِيَّةَ وَالْحَبَشِيَّةَ وَالْقِبْطِيَّةَ مِنْ
خَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أبو محمد
الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد
بْن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ
زُرَارَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ:
كَانَتْ وَقْعَةُ بُغَاثٍ وَأَنَا ابْنُ سِتِّ سِنِينَ، وَكَانَتْ
قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِخَمْسِ سِنِينَ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً،
وَأُتِيَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالُوا: غُلامٌ مِنَ الْخَزْرَجِ قَدْ قَرَأَ سِتَّ عَشْرَةَ
سُورَةً، فَلَمْ أُجَزْ فِي بَدْرٍ وَلا أُحُدٍ، وَأُجِزْتُ فِي
الْخَنْدَقِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أبيه، عَنْ
خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أبيه [2] : 87/ ب أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم/ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودَ،
وَقَالَ: «إِنِّي لا آمَنُهُمْ أَنْ يُبَدِّلُوا كِتَابِي» . فَقَالَ:
فَتَعَلَّمْتُهُ فِي بِضْعَ عَشْرَ [3] . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ كَانَ زَيْدٌ يَكْتُبُ كِتَابَ الْعَرَبِيَّةِ
وَكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ مَعَ رسول
الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخندق، وَكَانَ مِمَّنْ
يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَئِذٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْلَمُهُمْ بِالْفَرَائِضِ زيد»
واستعمله عمر على القضاء.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 115، باختلاف بسير.
[3] في ابن سعد: «نصف شهر» .
(5/214)
قال ابن سعد: [1] وأخبرنا عفان، قال: حدثنا
شعبة، عن ابن إسحاق، أنه سمع مسروقا يقول:
أتيت المدينة فسألت عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا زيد بن ثابت من الراسخين فِي العلم.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [2] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَخَذَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
بِالرِّكَابِ، فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابن عم رسول الله صلى اللَّه عليه
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَكَذَا يُفْعَلُ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا.
قَالَ ابن سعد: وأَخْبَرَنَا أبو معاوية الضرير، قَالَ: حَدَّثَنَا
الأعمش، عن ثابت بن عبيد، قَالَ:
كان زيد بن ثابت [3] من أفكه الناس فِي بيته [4] ، وأزمته إذا خرج إلى
الرجال.
قَالَ: وأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ:
خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَقْبَلَهُ
النَّاسُ رَاجِعِينَ، فَدَخَلَ دارا، فقيل له:
فقال: من لا يستحي مِنَ النَّاسِ لا يَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ.
قَالَ ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَقَالَ:
إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَّر بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي
أَخْشَى أَنْ يَذْهَبَ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ
يُجْمَعَ الْقُرْآنُ، وَأَنْتَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ،
وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْوَحْيَ، فتتبع القرآن فأجمعه. قال زيد: فو الله لَوْ
كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ أَنْقُلُهُ حَجَرًا حَجَرًا مَا كَانَ
أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ، فقمت
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 2/ 2/ 116.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد، الموضع السابق.
[3] في الأصل: «كان ثابت بن زيد» .
[4] في الأصل: «في نفسه» .
(5/215)
88/ أفتتبعت الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ
الرِّقَاعِ وَالْعُسْبِ وَالأَكْتَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ،
فَوَجَدْتُ/ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ خُرَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... 9: 128 [1]
الآيَتَيْنِ.
قَالَ علماء السير: أتى خريمة بن ثابت بهاتين الآيتين، قَالَ زيد: من
يشهد معك، قَالَ: عمر أنا. وكان أبو بكر قد قَالَ: إذا أتاكم أحد بشيء
من القرآن تنكرانه فشهد عليه رجلان، فاثبتاه. ولما نسخ عثمان المصاحف
أمر أبي بن كعب أن يملي وزيدا أن يكتب، وكان عمر رضي الله عنه يستخلف
زيدا على المدينة إذا سافر، ولما حوصر عثمان كان زيد يذب عنه، ودخل
عليه فقَالَ: هذه الأنصار يقولون جئنا لننصر الله مرتين، فقَالَ عثمان:
أما القتال فلا.
توفي زيد بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن ستة وخمسين سنة، ومات قبل أن
تصفر الشمس، فلم يخرج حتى أصبح، فصلى عليه مروان.
وقيل: إنه توفي سنة خمس وخمسين. وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقَالَ ابن
عباس: لقد مات اليوم علم كثير، وقَالَ أبو هريرة: مات خير هذه الأمة.
333- سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة، أبو عوف: [2]
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ومات بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن سبعين سنة، وانقرض عقبه.
334- عاصم بن عدي، أبو عمرو: [3]
خلفه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرج إلى بدر على
قباء أهل العالية لشيء بلغه عنهم، وضرب له بسهمه وأجره، وكان كمن
شهدها، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك
ومعه مالك بن الدخشم فأحرقا مسجد الضرار.
وتوفي وهو ابن مائة وخمس عشرة سنة.
__________
[1] سورة التوبة، الآية: 128، 129.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 16، وفي ت، «بن عوف» .
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 35. وفيه: «قال محمد بن عمر: كان يكنّى أبا
بكر، قال عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري كان يكنى أبا عبد الله» .
(5/216)
ثم دخلت سنة ست
وأربعين
فمن الحوادث فيها أنه شتى المسلمون بأرض
الروم [1]
واختلفوا فِي أمرهم، فقيل: مالك بن عَبْد اللَّهِ، وقيل: عَبْد
الرَّحْمَنِ بن خالد بن الوليد، وقيل: مالك بن هبيرة الفزاري.
وفيها انصرف عَبْد الرَّحْمَنِ بن خالد بن الوليد من بلاد الروم إلى
حمص [2]
وكان قد عظم شأنه/ بالشام، ومال أهلها إليه لموضع غنائه عن المسلمين
وآثار 88/ ب أبيه حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه لميل الناس إليه،
فدس إليه عدي بن أثال شربة مسمومة فقتله بها، فمات بحمص، وخرج خالد بن
عَبْد الرَّحْمَنِ بن خالد فقتل ابن أثال [3] .
وفيها: حج بالناس عتبة بن أبي سفيان، وكان العمال والولاة الذين كانوا
في السنة التي قبلها.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 227.
[2] تاريخ الطبري 5/ 227.
[3] قال ابن كثير: وزعم بعضهم أن دس السم له كان عن أمر معاوية له في
ذلك، ولا يصح.
(5/217)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
335- سالم بن عمير بن ثابت: [1]
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
[وهو] [2] أحد البكاءين الذين جاءوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد أن يخرج إلى تبوك يستحملونه، فقَالَ: لا
أجد ما أحملكم عليه، فولوا وأعينهم تفيض من الدمع [3] .
336- سراقة بن كعب بن عمرو: [4]
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
337- مُحَمَّد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة:
أسلم بالمدينة على يدي مصعب بن عمير قبل إسلام أسيد بن حضير، وسعد بن
معاذ، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غير تبوك، فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
استخلفه على المدينة، وكان مُحَمَّد فيمن قتل كعب بن الأشرف. وبعثه
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى القرطاء سرية فِي ثلاثين راكبا
من الصحابة، فسلم وغنم وبعثه إلى ذي القصة سرية فِي عشرة، وتوفي
بالمدينة فِي صفر هذه السنة، وهو ابن سبع وسبعين سنة.
ويقال: فِي سنة ثلاث وأربعين.
338- هرم بن حيان العبدي: [5]
كان عاملا لعمر بن الخطاب، ولقي أويسا القرني، وكان من الخائفين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن أبي القاسم، قال: أخبرنا أحمد بن أحمد، قال:
أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّه بْن مُحَمَّد، قَالَ: حدّثنا محمد بن شبل، قال:
__________
[1] طبقات بن سعد 3/ 2/ 46.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] «وأعينهم تفيض من الدمع» : ساقط من ت.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 51.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 95.
(5/218)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال:
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَصْبَغَ الْوَرَّاقِ، عن أبي
نصرة:
أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ عَلَى الْخَيْلِ، فَغَضِبَ
عَلَى رَجُلٍ فَأَمَرَ بِهِ فَوُجِئَتْ عُنُقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى
أَصْحَابِهِ، / فَقَالَ: لا جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا مَا
نَصَحْتُمُونِي حِينَ قُلْتُ، ولا 89/ أكففتموني عَنْ غَضَبِي،
وَاللَّهِ لا أَلِي لَكُمْ عَمَلا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا طَاقَةَ لِي بِالرَّعِيَّةِ، فَابْعَثْ
إِلَى عَمَلِكَ.
أخبرنا عَبْد اللَّه بْن علي المقري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو منصور
مُحَمَّد بن أَحْمَد الخياط، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو طاهر أَحْمَد بن
الحسن الباقلاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الملك بن بشران، قَالَ:
حَدَّثَنَا دعلج، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّد الصائغ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جعفر الفريابي، قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن عثمان بن
زياد، قَالَ: حَدَّثَنَا مخلد بن حسين، عن هشام، عن الحسن، قَالَ:
خرج هرم بن حيان، وعَبْد اللَّهِ بن عامر يؤمان الحجاز فجعلت أعناق
رواحلهما تخالجان الشجر، فقَالَ هرم لابن عامر: أتحب أنك شجرة من هذه
الشجر، فقَالَ ابن عامر: لا والله لما أرجو من ربي، فقَالَ هرم: لكني
والله لوددت أني شجرة من هذه الشجر أكلتني هذه الناقة، ثم قذفتني
بعراء، ولم أكابد الحساب [1] ، يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى،
إما إلى الجنة وإما إلى النار.
قَالَ الحسن: وكان هرم أفقه الرجلين وأعلمهما باللَّه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أبي القاسم، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
أحمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو
إسحاق بن حمزة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن يَحْيَى الحلواني، قَالَ:
حَدَّثَنَا سعيد بن سليمان، عن عبد الواحد بن سليمان، قَالَ:
حَدَّثَنَا هشام بن حسان، عن الحسن، قَالَ:
مات هرم فِي يوم صائف شديد الحر، فلما نفضوا أيديهم من قبره جاءت سحابة
تسير حتى قامت على قبره، فلم تكن أطول منه ولا أقصر حتى روته ثم
انصرفت.
__________
[1] في ت: «لم أواجه الحساب» .
(5/219)
ثم دخلت سنة سبع
وأربعين
فمن الحوادث فيها مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، ومشتى أبي عَبْد
الرَّحْمَنِ القيني بأنطاكية.
وفيها عزل عَبْد اللَّهِ بن عمرو بن العاص عن مصر
ووليها معاوية بن حديج.
89/ ب واختلفوا فيمن حج بالناس فِي هذه السنة. فقَالَ الواقدي/ عتبة بن
أبي سفيان.
وقَالَ غيره: عنبسة بن أبي سفيان.
وكانت العمال والولاة هم الذين كانوا فِي السنة التي قبلها، غير مصر
فإنها لمعاوية بن حديج.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
339- قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن
كعب بن سعد، أبو علي المنقري، ويقال: أبو قبيصة: [1]
كان قد حرم الخمر فِي الجاهلية، وذلك أنه شرب فسكر، فعبث بذي محرم منه،
فهربت، فلما أصبح قيل له في ذلك، فقال:
__________
[1] البداية والنهاية 8/ 34.
(5/220)
رأيت الخمر مصلحة [1] وفيها ... مقابح تفضح
الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ... ولا أشفِي بها أبدا سقيما
ثم وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وفد بني
تميم، فأسلم، فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هذا
سيد أهل الوبر» ، وقَالَ له: «اغتسل بماء وسدر» . وكان جوادا، وهو الذي
قيل فيه لما مات:
وما كان قيس موته موت واحد [2] ... ولكنه بنيان قوم تهدما
نزل البصرة، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد القاري، قال:
أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مروان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن
عباد التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عثمان المازني، قَالَ:
سمعت الأصمعي يقول: سمعت عمرو بن العلاء، وأبا سفيان بن العلاء،
يقولان:
قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم، قَالَ: من قيس بن عاصم [المنقري،
لقد اختلفنا إليه فِي الحكم كما نختلف إلى الفقهاء فِي الفقه، بينما
نحن عند قيس بن عاصم] وهو قاعد فِي قبائه محتب بكسائه أتته جماعة فيهم
مقتول ومكتوف، فقالوا: هذا ابنك قتله ابن أخيك، فو الله ما حل حبوته
حتى فرغ من كلامه ثم التفت إلى ابن له فِي المسجد، فقَالَ: أطلق عن/
ابن عمك ووار أخاك واحمل إلى 90/ أأمه مائة من الإبل، فإنها غريبة،
وأنشأ يقول:
إني امرؤ لا شائن حسبي ... دنس يغيره ولا أفن
من منقر فِي بيت مكرمة ... والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه أعفة لسن
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم بحسن جواره فطن
وروى حكيم بن قيس أن أباه لما احتضر أومأ إلى بنيه وهم اثنان وثلاثون
ذكرا،
__________
[1] في البداية: «منقصة» .
[2] في ت: «هلكه هلك واحد» ، وستأتي في آخر الترجمة بلفظ ت في الأصلين.
(5/221)
فجمعهم وقَالَ: يا بني سودوا عليكم أكبركم،
فإن القوم إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم، وإذا سودوا أصغرهم أزري بهم
عند أكفائهم، وعليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويستغني به عن
اللئيم، وإياكم ومساءلة الناس فإنها من أخس مكسبة الرجل، ولا تنوحوا
علي، فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينح عليه،
ولا تدفنوني حيث تشعر بي بكر بن وائل، فإني كنت أعاديهم فِي الجاهلية،
فرثاه الشاعر يقول:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمة [1] ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما
__________
[1] في ت: والبداية: «من أوليته منك منة» .
(5/222)
ثم دخلت سنة ثمان
وأربعين
- فمن الحوادث فيها مشتى أبي عَبْد الرَّحْمَنِ القيسي بأنطاكية، وغزوة
مالك بن هبيرة اليشكري البحر، وغزوة عقبة بن عامر [1] الجهني بأهل مصر
البحر.
وفيها: وجه زياد غالب بن فضالة الليثي على خراسان، وكانت له صحبة.
وفيها: حج بالناس مروان بن الحكم، وكان يتوقع العزل لموجدة كانت من
معاوية عليه، وارتجاعه، فدك منه، وكان وهبها له. وكان عمال/ الأمصار في
هذه السنة 90/ ب الذين كانوا فِي السنة التي قبلها.
ولم نعلم من مات من الأكابر فِي هذه السنة
__________
[1] في الأصل: «عامر بن عامر» ، وفي أ: «عتبة بن عامر» .
(5/223)
ثم دخلت سنة تسع
وأربعين
فمن الحوادث فيها مشتى مالك بن هبيرة الفزاري بأرض الروم. وغزوة يزيد
بن شجرة الرهاوي فِي البحر.
وفيها: غزا يزيد بن معاوية أرض الروم حتى بلغ القسطنطينية ومعه ابن
عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو أيوب الأنصاري.
وفيها: عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة فِي ربيع الأول، وأمر
عليها سعد بن أبي وقاص، وكانت ولاية مروان المدينة لمعاوية ثمان سنين
وشهرين.
وكان على قضاء المدينة لمروان حين عزل عَبْد اللَّهِ بن الحارث بن
نوفل، فلما ولى سعد عزله واستقضى أبا سلمة بن عَبْد الرَّحْمَنِ.
وفيها: وقع الطاعون بالكوفة، فهرب المغيرة بن شعبة، فلما ارتفع الطاعون
قيل له: لو رجعت، فقدمها، فطعن فمات.
وقد قيل: مات المغيرة سنة خمسين.
وفِي هذه السنة أعني سنة تسع وأربعين ضم معاوية الكوفة إلى زياد، فكان
أول من جمع له الكوفة والبصرة، واستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وشخص
إلى الكوفة، فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة، وستة أشهر بالبصرة.
وفيها: حج بالناس سعيد بن العاص، وكان العمال فيها هم العمال فِي التي
(5/224)
قبلها، إلا أن فِي تاريخ موت المغيرة
اختلافا قد ذكرناه.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
340- الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهما: [1]
ولد سنة ثلاث من الهجرة، وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
بين الصدر إلى الرأس، والحسين/ يشبه ما كان أسفل [من ذلك] [2] ، وكان
له من الولد خمسة عشر ذكرا، 91/ أوثمان بنات.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، قَالَ:
أخبرنا ابن مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ خَلادِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، قَالَ:
حَجَّ الْحَسَنُ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشِيًا وَإِنَّ
النَّجَائِبَ لَتُقَادُ مَعَهُ.
وَخَرَّجَ مِنْ مَالِهِ للَّه مَرَّتَيْنِ، وَقَاسَمَ اللَّهَ مَالَهُ
ثَلاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى أَنَّهُ كَانَ لَيُعْطِي نَعْلا وَيَأْخُذُ
نَعْلا.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن سلمان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَرُوبَةَ
الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَرَجُلٌ عَلَى
الْحَسَنِ نَعُودُهُ، فَقَالَ: قَدْ أُلْقِيَتْ طَائِفَةٌ مِنْ كَبِدِي
وَإِنِّي قَدْ سُقِيتُ السُّمَّ مِرَارًا فَلَمْ [3] أُسْقَ مِثْلَ
هَذِهِ الْمَرَّةِ. ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ
يَجُودُ بِنَفْسِهِ وَالْحُسَيْنُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: يَا أَخِي
مَنْ تَتَّهِمُ؟ [4] قَالَ: لِمَ، لِتَقْتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قال:
إن
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 138.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] في الأصل: «السم مرات» .
[4] في ت: «من هو؟» .
(5/225)
يَكُنِ الَّذِي أَظُنُّ فاللَّه أَشَدُّ
بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلا أُحِبُّ أَنْ
يُقْتَلَ بِي بَرِيءٌ، ثُمَّ قَضَي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال:
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْيَمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ جَعْدَةَ، قَالَ:
كَانَتْ جَعْدَةُ بِنْتُ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ تَحْتَ الْحَسَنِ بْنِ
عَلِيٍّ فَدَسَّ إِلَيْهَا يَزِيدُ أَنْ سُمِّي حَسَنًا حَتَّى
أَتَزَوَّجَكِ، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بَعَثَتْ
جَعْدَةُ إِلَى يَزِيدَ تَسْأَلُهُ الْوَفَاءَ بِمَا وَعَدَهَا،
فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ لَمْ نَرْضَكِ لِلْحَسَنِ أَفَنَرْضَاكِ
لأَنْفُسِنَا.
مرض الحسن أربعين يوما، وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وهو ابن
سبع وأربعين سنة، وصلى عليه سعيد بن العاص بالمدينة، ودفن بالبقيع،
وقيل: إنه توفي فِي سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين
.
(5/226)
ثم دخلت سنة خمسين
فمن الحوادث فيها غزاة بسر بن أبي أرطأة وسفيان بن عوف الأزدي أرض
الروم.
وفيها: كانت غزاة فضالة بن عبيد البحر. وقيل: إنما كانت فِي السنة التي
قبلها.
وفيها خطب زياد بالكوفة بعد أن ضمت إليه مع
البصرة. [1]
فقَالَ: إن الأمر أتاني وأنا بالبصرة، فأردت أن أشخص إليكم فِي ألفين
من شرطة البصرة، ثم ذكرت أنكم أهل حق فأتيتكم فِي أهل بيتي، فحصب وهو
على المنبر، فدعا قوما من خاصته فأمرهم أن يأخذوا بأبواب المسجد، فمن
حلف أنه ما حصبه خلاه، ومن لم يحلف حبسه حتى صاروا إلى ثلاثين. وقيل:
ثمانين، فقطع أيديهم على المكان.
واتخذ مقصورة.
وفِي هذه السنة أمر معاوية بمنبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ يحمل إلى الشام [2]
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 234.
[2] تاريخ الطبري 5/ 238.
(5/227)
فحول [1] ، فكسفت الشمس حتى رئيت النجوم
[2] بادية فأعظم الناس ذلك، فقَالَ: لم أرد حمله، إنما خفت أن يكون قد
أرض [3] ، فنظرت إليه. ثم كساه. رواه الواقدي.
وروي [4] : أن عبد الملك بن مروان هم بالمنبر فقَالَ له قبيصة: [أذكرك]
[5] الله أن نفعل، فإن معاوية حركه فكسفت الشمس، وقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حلف على منبري إثما
فليتبوَّأ مقعده من النار» ، فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم
[بالمدينة] [6] ، فأقصر. فلما كان الوليد [وحج] [7] هم بذلك. فأرسل
سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز، فقَالَ: كلم صاحبك يتق الله ولا
يتعرض لسخطه، فكلمه فأقصر. فلما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر بن
عبد العزيز بما كان من عبد الملك والوليد، فقَالَ:
ما كنت أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد، ما لنا ولهذا،
أخذنا الدنيا فهي فِي أيدينا ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام
فنحمله، هذا لا يصح [8] .
وفِي هذه السنة. عزل معاوية بن حديج. عن مصر وولي مسلمة بن مخلد مصر
وإفريقية 92/ أوالمغرب/ كله [9] .
وكان معاوية بن أبي سفيان قد بعث قبل أن يولي مسلمة مصر وإفريقية عقبة
بن
__________
[1] كذا في الأصول، وفي الطبري: «فحرّك» .
[2] في الأصل: حتى رأيت النجوم» .
[3] يقال: أرضت الخشبة، فهي مأروضة، إذا وقعت فيها الأرضة أكلتها.
والأرضة: دودة بيضاء شبة النملة تظهر في أيام الربيع.
[4] تاريخ الطبري 5/ 239.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[8] في ت، والطبري، «هذا لا يصلح» .
[9] تاريخ الطبري 5/ 240.
(5/228)
عامر الفهري إلى إفريقية فافتتحها واختط
بها قيروانها، وكان موضعه غيضة لا ترام من السباع والحيات وغير ذلك من
الدواب، فدعا الله فلم يبق منها شيء إلا خرج منها هاربا، حتى إن السباع
كانت تحمل أولادها.
قَالَ علي بن أبي رباح [1] : نادى عقبة: إنا نازلون فارحلوا- أو قَالَ:
فاظعنوا- فخرجن من جحرهن هوارب.
وفِي هذه السنة. غزا الحكم بن عمرو الغفاري أهل جبل الأشل [2] .
فغنم، فكتب إليه زياد: إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أصطفى [له] [3]
الصفراء والبيضاء. فلما وصل الكتاب إليه قَالَ للناس: أغدوا على [4]
غنائمكم، وعزل الخمس، وقسم بينهم الغنائم. فكتب إليه زياد: والله إن
بقيت لك لأقطعن منك طابقا. فقَالَ:
اللَّهمّ إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك. فمات بمرو.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الْحُسَيْنِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بن عبد
الكريم المروزي، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْكَرِيمِ، قال: حدثنا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ الْفِرْدَوْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي
حَلَقَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ مَرَّ بِنَا الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو
الْغِفَارِيُّ وَقَدْ عَقَدَ لَهُ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى
خُرَاسَانَ، فَقِيلَ لِعِمْرَانَ: هَذَا الْحَكَمُ اسْتُعْمِلَ عَلَى
خُرَاسَانَ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِ. فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: يَا حَكَمُ،
أَتَذكر حَدِيثًا سَمِعْتُهُ أَنَا وَأَنْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ:
سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 240.
[2] تاريخ الطبري 5/ 251.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] في الأصل: «أعيدوا علي» .
(5/229)
مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: إِذَا شِئْتَ [فَقُمْ] [1] ، قَالَ: فَأَتَى خُرَاسَانَ
فَأَصَابَ بِهَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيَادٌ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أمير المؤمنين كتب إلي أن أصطفى له
الْبَيْضَاءَ وَالصَّفْرَاءَ، وَلا أَعْلَمَنَّ مَا قَسَمْتَ بَيْنَ
النَّاسِ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً. فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ قَالَ
لِلنَّاسِ: اغْدُوا عَلَى غَنَائِمِكُمْ فَخُذُوهَا، ثُمَّ كتب 92/ ب
إلى زياد: جاءني/ كتاب الأمير يَذكر أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَصْطَفِيَ بِالصَّفْرَاءِ فَلا يَعْلَمَنَّ مَا
قَسَمْتُ بَيْنَ النَّاسِ ذَهْبًا وَلا فِضَّةً، وَإِنِّي وَجَدْتُ
كِتَابَ الله قد سبق كتاب أمير المؤمنين، وو الله الَّذِي لا إِلَهَ
إِلا هُوَ لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا عَلَى
عَبْدٍ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجًا،
وَالسَّلَامُ.
وفِي هذه السنة [2] استعدت بنو نهشل وفقيم على الفرزدق
زياد بن أبي سفيان لموضع هجائه إياهم، فطلبه فهرب منه إلى سعيد بن
العاص وهو والي المدينة من قبل معاوية مستجيرا به فأجاره.
وفِي هذه السنة. حج بالناس معاوية.
وقيل: يزيد. وكان الوالي على المدينة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة
والبصرة والمشرق وسجستان وفارس والهند زياد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
341- جبير بن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، أبو مُحَمَّد: [3]
كان أبوه من أشراف قريش، وقدم جبير فِي فداء أسارى بدر، قال: فنمت في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[2] في الأصل: «وفيها استعدت» .
[3] طبقات خليفة 9، والتاريخ الكبير للبخاريّ 2/ 1/ 223، والجرح
والعديل 1/ 1/ 512.
(5/230)
المسجد بعد العصر، فأقيمت المغرب، فقمت
فزعا بقراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستمعت
قراءته حتى خرجت من المسجد، فذاك أول يوم دخل الإسلام فِي قلبي.
وأسلم قبل الفتح، ونزل المدينة، ومات فِي وسط خلافة معاوية.
342- جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار: [1]
سبيت فِي غزوة بني المصطلق، فوقعت فِي سهم ثابت بن قيس، فكاتبها، فأدى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابتها وتزوجها. وكانت
كثيرة التسبيح والتقديس [2] والذكر. وتوفيت فِي هَذِهِ السَّنَةِ،
وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ [سنة] [3] .
343- حسان بن ثابت [بن المنذر] بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن
عمرو بن مالك بن النجار، أبو الوليد الأنصاري: [4]
كان من فحول شعراء الجاهلية، وكان يضرب روثة أنفه من طوله ويقول: ما
يسرني به مقول من العرب، والله لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر
لفلقه. وكان يفد على/ ملوك غسان، ويمدحهم. 93/ أأسلم قديما ولم يشهد مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشهدا، كان يجبن. عاش
ستين [سنة] [5] في الجاهلية وستين [سنة] [6] في الإسلام، ووهب لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيرين أخت مارية،
فولدت له عَبْد الرَّحْمَنِ، وكانت له بنت تقول الشعر، وكان ربما قَالَ
بيتا فوقف ما بعده عليه فقالته، فقَالَ لها: لا قلت شعرا وأنت حية،
فقالت: لا بل أنا لا أقول الشعر وأنت حي.
وكان للمشركين من الشعراء الذين هجوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، أبو سفيان بن
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 83.
[2] «التقديس» . ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] طبقات مخولة الشعراء لابن سلام 45، والتاريخ الكبير للبخاريّ 3/
ترجمة 120، وتهذيب الكمال 1188.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/231)
الحارث، وعمرو بن العاص، وابن الزبعري،
وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حسان،
وابن رواحة، وكعب بن مالك. وكان حسان يذكر عيوب القوم وآثامهم، وكان
ابن رواحة يعيرهم بالكفر، وكان كعب يذكر الحرب ويقول: فعلنا بهم
وفعلنا، ويتهددهم، فكان أشده عليهم قول حسان، وأهونه قول ابن رواحة.
فلما أسلموا كان أشده عليهم قول ابن رواحة، وكأن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قَالَ للأنصار: ما يمنع القوم الذين
نصروا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسلاحهم وأنفسهم أن
ينصروه بألسنتهم. فقَالَ حسان: أنا لها، قَالَ: كيف تهجوهم وأنا منهم،
قَالَ: إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه
بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: [1] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ لِحَسَّانٍ مِنْبَرًا فِي
الْمَسْجِدِ يُنَافِحُ عَنْهُ بِالشِّعْرِ، ثُمَّ يَقُولُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ لَيُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ يُنَافِحُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ» . وقَالَ حسان فِي فتح مكة [2] :
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
93/ ب/ وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعين [3] الله فيه من يشاء
وقَالَ الله قد سيرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء
وجبريل أمين الله [4] فينا ... وروح القدس ليس به كفاء
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... فأنت مجوف نخب هواء
[5]
__________
[1] الخبر في مسند أحمد بن حنبل 6/ 72.
[2] هذه القصيدة وردت في ديوان حسان مع زياد، واختلاف في ترتيب
الأبيات.
[3] في الأصل: «يعز الله» . وما أوردناه من ابن هشام، وأ
[4] في ابن هشام: «وجبريل رسول الله» .
[5] كذا في الأصول، والديوان، وفي ابن هشام:
ألا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء
والمجوف: الخالي الجوف، يريد به الجبان، وكذلك النخب والهواء.
(5/232)
يعني أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب،
فإنه كان يهاجي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن
يسلم.
ولحسان: [1]
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله فِي ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالدتي وعرضي [2] ... لعرض مُحَمَّد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري ما تكدره [3] الدلاء
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن هبة
الطبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن
درستويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا يعقوب بن سفيان، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن سعيد بن
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أبيه، قَالَ:
عاش حسان بن ثابت مائة سنة وأربع سنين، وعاش أبوه ثابت مائة سنة وأربع
سنين، وكان عَبْد الرَّحْمَنِ إذا حَدَّثَنَا بهذا الحديث اشرأب لها
وثنى رجليه على مثلها، فمات وهو ابن ثمان وأربعين.
344- الحكم بن عمرو الغفاري [4] :
صحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض، ثم تحول إلى
البصرة، فولاه زياد بن أبي سفيان خراسان. وقد ذكرنا قصته فِي تلك
الولاية آنفا. وتوفي بخراسان سنة خمسين.
345- دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد [5] :
أسلم قديما ولم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها، وكان جبريل يأتي في صورته،
__________
[1] هذه الأبيات من القصيدة السابقة.
[2] في ابن هشام والديوان: «فإن أبي ووالده» .
[3] في ابن هشام والديوان: «لا تكدره» .
[4] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 18.
[5] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 184.
(5/233)
94/ أوبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم/
سرية وحده، وبعث معه كتابا [1] إلى قيصر.
346- صفية بنت حيي بن أخطب من سبط هارون بن عمران [2] :
كان اصطفاها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر،
وقيل: اشتراها من دحية بسبعة أرس فأسلمت وأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها
مهرها [3] . ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثر
خضرة قريبا من عنقها، فقَالَ: ما هذا؟ فقالت رأيت فِي المنام قمرا أقبل
من يثرب فوقع فِي حجري، فذكرت ذلك لزوجي كنانة، فقَالَ: أتحبين أن
تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة؟ فضرب وجهي. فلما رحل رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن خيبر وقد طهرت [4] ، مال
يريد أن يعرس بها، فأبت، فلما كان بالصهباء عرس بها هناك، فقَالَ: ما
حملك على ما صنعت فِي المنزل الأول؟ قالت: خشيت عليك قرب يهود، فزادها
ذلك عنده. [توفيت فِي هذه السنة] [5] ، ودفنت بالبقيع.
347- عَبْد الرَّحْمَنِ بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، يكنى
أبا سعيد [6] .
وكان اسمه عبد الكعبة، فلما أسلم سماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَنِ، واستعمله عَبْد اللَّهِ بن عامر
على سجستان، وغزا خراسان وفتح بها فتوحا، ثم رجع إلى البصرة، فأقام بها
حتى مات.
أَخْبَرَنَا القزاز، [أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا الأزهري،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العباس، أَخْبَرَنَا إبراهيم بن مُحَمَّد
الكندي، حَدَّثَنَا أبو] [7] مُوسَى مُحَمَّد بن المثنى، قَالَ:
مات عَبْد الرَّحْمَنِ بن سمرة سنة خمسين.
وقَالَ خليفة بن خياط: سنة إحدى وخمسين.
__________
[1] في ت: «كتابه» .
[2] طبقات ابن سعد 8/ 85.
[3] كذا في الأصل وابن سعد، وفي ت: «صداقها» .
[4] أي: من حيضتها، كما هو مبين في ابن سعد.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 8.
[7] ما بين المعقوفتين: من ت، والأصل: «بإسناد له قال موسى» .
(5/234)
- 348 عمرو [بن
أمية] بن خويلد، أبو أمية الضمري [1] :
شهد بدرا وأحدا مع المشركين، وكان شجاعا، ثم أسلم، فأول مشهد شهده فِي
الإسلام بئر معونة، فأسرته بنو عامر يومئذ، فقَالَ له عامر بن الطفيل:
إنه قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها، فلما انصرف من بئر معونة لقي
رجلين [من بني كلاب] [2] ، فقتلهما، وقد كان لهما من رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمان فوداهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وهما القتيلان اللذان/ خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بسببهما] [3] إلى بني النضير يستعينهما في 94/ ب
ديتهما. [وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن
أمية ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري سرية إلى مكة إلى أبي سفيان
بن حرب، فعلم بمكانهما، فطلبا، فتواريا، وظفر عمرو بن أمية فِي تواريه
ذلك فِي الغار بناحية مكة بعبيد الله التيمي، فقتله] [4] ، ومضى فأنزل
خبيبا عن خشبته.
وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النجاشي ليزوجه
أم حبيبة [بنت أبي سفيان بن حرب] [5] ، ويحمل بقية أصحابه إلى المدينة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طاهر البزار، قال: أخبرنا أبو
محمد الجوهري، قال:
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَيْوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِيهِ ابْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْفَغْوَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَرَادَ أَنْ
يَبْعَثَنِي بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يَقْسِمُه فِي قُرَيْشٍ
بِمَكَّةَ وَذَلِكَ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: الْتَمِسْ صَاحِبًا،
قَالَ: فَجَاءَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، فَقَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ الْخُرُوجَ وَتَلْتَمِسُ صَاحِبًا، قُلْتُ:
أَجَلْ، قَالَ: فَأَنَا لَكَ صَاحِبٌ، قَالَ:
فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ:
قَدْ وَجَدْتُ صَاحِبًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا وجدت
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 182، ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل،
أوردناه من ت، وابن سعد.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: زيادة يقتضيها السياق.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد 4/ 1/ 183.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/235)
صاحبا فَأَذِنِّي، فَقَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ:
عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، فَقَالَ: إِذَا هَبَطْتَ إِلَى بِلادِ
قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ: أَخُوكَ
الْبَكْرِيُّ فَلا تَأْمَنْهُ.
قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْتُ الأَبْوَاءَ، قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ
حَاجَةً إِلَى قَوْمِي بِوَدَّانَ فَتَلَبَّثْ لِي، قَالَ: قُلْتُ
رَاشِدًا، فَلَمَّا وَلَّى ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَدَدْتُ عَلَى بَعِيرِي ثُمَّ خَرَجْتُ
أَوْضَعُهُ حَتَّى إذا كنت بالأصافر إِذَا هُوَ يُعَارِضُنِي فِي
رَهْطٍ. قَالَ: فَأَوْضَعْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ
فُتُّهُ انْصَرَفُوا، وَجَاءَنِي فَقَالَ: كَانَتْ لِي إِلَى قَوْمِي
حَاجَةٌ، قُلْتُ:
أَجَلْ. وَمَضَيْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَدَفَعْتُ الْمَالَ
إِلَى أَبِي سُفْيَانَ.
349- عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه [1] :
وأمه فاطمة بنت أسد، وكان أسن ولد أبي طالب بعد طالب، وكان بينه وبين
95/ أطالب عشر سنين، ثم بينه وبين جعفر عشر سنين، ثم بين جعفر وبين
علي/ عشر سنين، وكان علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أصغرهم سنا وأقدمهم
إسلاما.
وأخرج عقيل يوم بدر مع المشركين مكرها، فشهدها وأسر، ففداه العباس.
ومات عقيل بعد ما عمي بصره [فِي خلافة معاوية] [2] .
350-[عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان [3] :
شهد بدرا وأحدا والخندق وذهب بصره] .
351- أم شريك، واسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية [4] :
وهي التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
واختلفوا هل قبلها أم لا؟ على قولين، أحدهما أنه قبلها ودخل عليها،
والثاني أنه لم يقبلها، فلم تتزوج حتى ماتت.
أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي، قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ
بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْفَهَانِيُّ [5] ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ أحمد، قال: حدثنا أحمد بن
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 28.
[2] ما بين المعقوفتين. ساقط من الأصل.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 96، والترجمة كلها ساقطة من الأصل.
[4] طبقات ابن سعد 8/ 110.
[5] في الأصل: «إبراهيم الأصفهاني» .
(5/236)
فَرَحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ
الْمُقْرِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ
الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
وَقَعَ فِي قَلْبِ أُمِّ شَرِيكٍ الإِسْلامُ فَأَسْلَمَتْ وَهِيَ
بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعُكَيْرِ الدَّوْسِيِّ [1] ،
ثُمَّ جَعَلَتْ تَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ سِرًّا فَتَدْعُوهُنَّ
وَتُرَغِّبُهُنَّ فِي الإِسْلامِ حَتَّى ظَهَرَ أَمْرُهَا لأَهْلِ
مَكَّةَ، فَأَخَذُوهَا وَقَالُوا: لَوْلا قَوْمُكِ لِفَعَلْنَا بِكِ
وَفَعَلْنَا وَلَكِنَّا سَنَرُدُّكِ إِلَيْهِمْ.
قَالَتْ: فَحَمَلُونِي عَلَى بَعِيرٍ لَيْسَ تَحْتِي شَيْءٌ، ثُمَّ
تَرَكُونِي ثَلاثًا لا يُطْعِمُونِي وَلا يَسْقُونِي، وَكَانُوا إِذَا
نَزَلُوا مَنْزِلا أَوْثَقُونِي فِي الشَّمْسِ وَاسْتَظَلُّوا مِنْهَا
وَحَبَسُوا عَنِّي الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَبَيْنَمَا هُمْ قَدْ
نَزَلُوا مَنْزِلا وَأَوْثَقُونِي فِي الشَّمْسِ إِذَا أَنَا
بِأَبْرَدِ شَيْءٍ عَلَى صَدْرِي فَتَنَاوَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ دَلْوٌ
مِنْ مَاءٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ قَلِيلا ثُمَّ نُزِعَ عَنِّي ثُمَّ عَادَ
فَتَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ رُفِعَ، ثُمَّ عَادَ فَتَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ
رُفِعَ مِرَارًا ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ ثُمَّ
أَفْضَيْتُ سَائِرَهُ عَلَى جَسَدِي وَثِيَابِي، فَلَمَّا
اسْتَيْقَظُوا إِذَا هُمْ بِأَثَرِ الْمَاءِ وَرَأَوْنِي حَسَنَةَ
الْهَيْئَةِ، فَقَالُوا لِي: انْحَلَلْتِ فَأَخَذْتِ سِقَاءَنَا
فَشَرِبْتِ مِنْهُ، قُلْتُ: لا وَاللَّهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنَ
الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا، قَالُوا: إِنْ كُنْتِ صَادِقَةً لَدِينُكِ
خَيْرٌ مِنْ دِينِنَا، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى أَسْقِيَتِهِمْ
وَجَدُوهَا كَمَا تَرَكُوهَا، فَأَسْلَمُوا عِنْدَ ذَلِكَ/
وَأَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِغَيْرِ مَهْرٍ، فَقَبِلَهَا وَدَخَلَ عليها. 95/ ب
352- كعب بن مالك بن أبي كعب، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ:
شهد العقبة وأحدا وما بعدها سوى تبوك، فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا
عنها وأنزلت توبته، وقد ذكرناها فيما تقدم، وكان قد ذهب بصره.
وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين.
353- المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك، أبو عَبْد
اللَّهِ [2] :
كان أصهب الشعر جعدا، أقلص الشفتين، ضخم الهامة، أهتم، عبل الذراعين،
بعيد ما بين المنكبين.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا
أبو محمد الجوهري، قال:
__________
[1] في الأصل: «تحت العسكر الدوسيّ» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 24، 6/ 1/ 12.
(5/237)
أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا
أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد،
قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عِيسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ
عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: قَالَ الْمُغِيرَةُ
بْنُ شُعْبَةَ:
كُنَّا قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِنَا، وَنَحْنُ
سَدَنَةُ اللاتِ، فَأَجْمَعَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ الْوُفُودَ
عَلَى الْمُقَوْقِسِ [1] وَأَهْدَوْا لَهُ هَدَايَا، فَأَجْمَعْنَا
الْخُرُوجَ مَعَهُمْ فَاسْتَشَرْتُ عَمِّي عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ
فَنَهَانِي وَقَالَ: لَيْسَ مَعَكَ مِنْ بَنِي أَبِيكَ أَحَدٌ،
فَأَبَيْتُ إِلَّا الْخُرُوجَ مَعَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنَ
الأَحْلافِ غَيْرِي حَتَّى دَخَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَإِذَا
الْمُقَوْقِسُ فِي مَجْلِسٍ مُطِلٍّ عَلَى الْبَحْرِ، فَرَكِبْتُ
زَوْرَقًا حَتَّى حَاذَيْتُ مَجْلِسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ
فَأَنْكَرَنِي وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُنِي مَنْ أَنَا وَمَا أُرِيدُ
فَسَأَلَنِي الْمَأْمُورُ فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِنَا وَقُدُومِنَا
عَلَيْهِ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَنْزِلَ فِي الْكَنِيسَةِ، وَأَجْرَى
عَلَيْنَا ضِيَافَةً ثُمَّ دَعَانَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ
إِلَى رَأْسِ بَنِي مَالِكٍ، فَأْدَنَاهُ إِلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ
ثُمَّ سَأَلَهُ: أَكُلُّ الْقَوْمِ مِنْ بَنِي مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
إِلا رجلا واحدا من 96/ أالأحلاف فَعَرَّفَهُ إِيَّايَ، فَكُنْتُ
أَهْوَنَ الْقَوْمِ/ عَلَيْهِ، وَوَضَعُوا هَدَايَاهُمْ بَيْنَ
يَدَيْهِ فَسُرَّ بِهَا وَأَمَرَ بِقَبْضِهَا، وَأَمَرَ لَهُمْ
بِجَوَائِزَ وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَصَّرَ بِي
وَأَعْطَانِي شَيْئًا قَلِيلا لا ذكر لَهُ، وَخَرَجْنَا وَأَقْبَلَتْ
بَنُو مَالِكٍ يَشْتَرُونَ لأَهْلِيهِمْ وَهُمْ مَسْرُورُونَ، وَلَمْ
يَعْرِضْ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُوَاسَاةً، وَخَرَجُوا وَحَمَلُوا
مَعَهُمُ الْخَمْرَ، فَكَانُوا يَشْرَبُونَ وَأَشْرَبُ مَعَهُمْ.
وَتَأْبَى نَفْسِي أَنْ يَنْصَرِفُوا إِلَى الطَّائِفِ بِمَا أَصَابُوا
وَمَا حَبَاهُمُ [الْمَلِكُ] [2] ، وَيُخْبِرُونَ قَوْمِي
بِتَقْصِيرِهِ بِي وَازْدِرَائِهِ إِيَّايَ، فَأَجْمَعْتُ عَلَى
قَتْلِهِمْ، فَلَمَّا كُنَّا بِبُسَاقَ تَمَارَضْتُ وَعَصَبْتُ
رَأْسِي، فَقَالُوا لِي: مَالَكَ؟ قُلْتُ: أُصْدَعُ، فَوَضَعُوا
شَرَابَهُمْ وَدَعَوْنِي، فَقُلْتُ رَأْسِي يُصْدِعُ، وَلَكِنِّي
أَجْلِسُ فَأَسْقِيكُمْ، فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ
أَسْقِيهِمْ وَأَشْرَبُ الْقَدَحَ بَعْدَ الْقَدَحِ، فَلَمَّا دَبَّتِ
الْكَأْسُ فِيهِمُ اشْتَهْوُا الشَّرَابَ، فَجَعَلْتُ أَصْرِفُ لَهُمْ
وَأَتْرَعُ الْكَأْسَ فَيَشْرَبُونَ وَلا يَدْرُونَ، فَأَهْمَدَتْهُمُ
الْكَأْسُ حَتَّى نَامُوا مَا يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم
__________
[1] في الأصل: «القومس» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.
(5/238)
جَمِيعًا وَأَخَذْتُ جَمِيعَ مَا كَانَ
مَعَهُمْ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَجِدُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ،
وَعَلَيَّ ثِيَابُ سَفَرِي، فَسَلَّمْتُ بِسَلامِ الإِسْلامِ، فَنَظَرَ
إِلَيَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ- وَكَانَ بِي عَارِفًا-
فَقَالَ: ابْنُ أَخِي عُرْوَةَ، قُلْتُ: نَعَمْ، جِئْتُ أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَاكَ لِلإِسْلامِ» ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنْ مِصْرَ أَقْبَلْتُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،
قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَكَ؟
قُلْتُ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ
الْعَرَبِ وَنَحْنُ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ فَقَتَلْتُهُمْ وَأَخَذْتُ
أَسْلابَهُمْ، وَجِئْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْمِسَهَا أَوْ يَرَى فِيهَا رَأْيَهُ،
فَإِنَّمَا هِيَ غَنِيمَةٌ مِنْ مُشْرِكِينَ وَأَنَا مُسْلِمٌ
مُصَدِّقٌ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما إسلامك فنقبله/ ولا
96/ ب آخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا وَلا أُخْمِسُهُ لأَنَّ هَذَا
غَدْرٌ، وَالْغَدْرُ لا خَيْرَ فِيهِ» . قَالَ: فَأَخَذَنِي مَا
قَرَّبَ وَمَا بَعَّدَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا
قَتَلْتُهُمْ وَأَنا عَلى دِينِ قَوْمِي ثُمَّ أَسْلَمْتُ حَيْثُ
دَخَلْتُ عَلَيْكَ السَّاعَةَ قَالَ: فَإِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا
قَبْلَهُ. قَالَ: وكان قد قتل منهم [1] ثلاثة عشر إنسانا، فبلغ ذلك
ثقيفا فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بن مسعود ثلاث
عشرة دية.
قَالَ المغيرة: وأقمت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
اعتمر عمرة الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ
الهجرة- وكانت أول سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر الصديق
وألزم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن يلزمه.
وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكلمه، فأتاه فكلمه وجعل يمس لحية رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمغيرة بن شعبة قائم على رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقنع فِي الحديد. فقَالَ لعروة
وهو يمس لحية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كف يدك قبل
أن لا تصل إليك، فقَالَ عروة: من هذا يا مُحَمَّد، ما أفظه وأغلظه؟
قَالَ: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقَالَ عروة: يا غدر ما غسلت عني
سوأتك بالأمس. وانصرف عروة إلى قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وشهد المغيرة بعد ذلك المشاهد مع رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكان يحمل وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
ولما توفي رسول الله بعثه أبو بكر الصديق إلى أهل البحرين، ثم شهد
اليمامة،
__________
[1] من هنا إلى آخر الخبر ساقط من ابن سعد.
(5/239)
ثُمَّ شهد فتوح الشام مع المسلمين، ثم شهد
اليرموك وأصيبت عينه يومئذ، ثم شهد القادسية، وكان رسول سعد إلى رستم،
وولي لعمر فتوحا وولي له البصرة نحوا من سنتين، ففتح بيسان وغيرها،
وفتح سوق الأهواز، وغزا نهر تيري، وفتح 97/ أهمدان/ وشهد نهاوند. وكان
عمر قد كتب: إن هلك النعمان فالأمير حذيفة، وإن هلك حذيفة فالأمير
المغيرة.
وكان المغيرة أول من وضع ديوان البصرة وجمع الناس ليعطوا عليه، وولي
الكوفة لعمر بن الخطاب، فقتل عمر وهو عليها، ثم وليها بعد ذلك لمعاوية،
فابتنى بها دارا ومات بها وهو وال عليها.
وَبِالإِسْنَادِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ [1] :
إِنَّ الْمُغِيرَةَ أَحْصَنَ مِائَةَ امْرَأَةٍ مَا بَيْنَ قُرَشِيَّةٍ
وَثَقَفِيَّةٍ.
وأَخْبَرَنَا القزاز، قَالَ: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال:
أَخْبَرَنَا الحسين بن أبي بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن
عَبْد اللَّهِ الشافعي، قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول:
توفي المغيرة بن شعبة سنة خمسين وهو ابن سبعين سنة.
وتوفي سنة خمسين.
وقيل: سنة تسع وأربعين.
وكذلك قَالَ خليفة بن خياط، وأبو حسان الزنادي.
__________
[1] في الأصل: «قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ
الْعِجْلِيُّ، عن سعيد بن أبي بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن
عَبْد اللَّهِ الشافعي، قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عن عروبة، عن
قتادة» .
(5/240)
|