المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثُمَّ دخلت سنة إحدى وخمسين
فمن الحوادث فيها مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم، وغزاة بسر بن أبي
أرطأة الصائفة [1] .
وفيها: مقتل حجر بن عدي [2] .
وسببه: أن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة فقَالَ
له: قد أردت أن أوصيك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما
يرضيني ويسندد سلطاني [3] ، فأقام المغيرة على الكوفة عاملا لمعاوية
سبع سنين وأشهرا وهو حسن السيرة، إلا أنه لم يدع الدعاء لعثمان
والوقيعة فِي علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] ، وكان حجر بن عدي إذا سمع
ذلك قَالَ: أنا أشهد أن من تعيبون لأحق بالفضل وأن من تزكون لأولى
بالذم، فيقول له المغيرة: ويحك اتق غضب السلطان وسطوته، فقام المغيرة/
يوما 97/ ب فأثنى على عثمان، فصاح به حجر: إنك قد حبست أرزاقنا وأصبحت
مولعا بتقريظ المجرمين، وقام معه أكثر من ثلاثين يقولون: صدق حجر، فمر
لنا بأعطياتنا، فنزل المغيرة ودخل عليه قومه فقالوا: علام تترك هذا
الرجل يجترئ فِي سلطانك، ولو بلغ معاوية كان أسخط له عليك، فقَالَ لهم
المغيرة: إني قد قتلته، إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به
شبيها بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة،
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 253.
[2] المرجع السابق. والصفحة.
[3] في الطبري: «يسعد سلطاني» . وفي أ: «يشدد سلطاني» .
[4] في الأصل: «علي عليه السلام» .
(5/241)
إنه قد اقترب أجلي، ولا أحب أن أبتدئ أهل
هذا المصر بقتل خيارهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز فِي الدنيا معاوية
ويذل يوم القيامة المغيرة، ولكني قابل من محسنهم، وعاف عن مسيئهم،
وواعظ شقيهم حتى يفرق بيني وبينهم الموت، وسيذكروني، ولو قد جربوا
العمال بعدي [1] .
فلما هلك المغيرة وولي زياد بن أبي سفيان قام فذكر عثمان وأصحابه
فقرظهم وذكر قتلتهم ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة،
فقَالَ: ويل أمك يا حجر، «سقط بك العشاء على سرحان» [2] .
وفِي رواية أخرى: أن زيادا خطب فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقَالَ له
حجر بن عدي: الصلاة فمضى فِي خطبته، ثم قَالَ: الصلاة، فلما خشي الفوت
ضرب بيده إلى كف من الحصا، وثار إلى الصلاة، وثار الناس معه، فنزل زياد
فصلى بالناس، ثم كتب إلى معاوية فِي أمره، فاستشهد عليه جماعة من أهل
مصره، منهم أبو بردة بن أبي مُوسَى أنه خلع الطاعة ودعا إلى الفتنة.
فكتب إليه معاوية أن شده فِي الحديد ثم احمله إلي فبعثه إليه مع جماعة
ممن يرى رأيه، فاستوهب بعضهم وبقي بعضهم، فقيل لهم تبرءوا من علي حتى
يطلقكم، فلم يفعلوا.
فلما دخل حجر على معاوية قَالَ: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقَالَ
له معاوية: لا والله لا أقيلك ولا أستقيلك، أخرجوه فاضربوا عنقه،
فأخرج، فقال: دعوني 98/ أأصلي ركعتين، فصلاهما، ثم قَالَ لمن/ حضره من
أهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإنّي ألاقي معاوية
غدا على الجادة. ثم قدم فضربت عنقه، وقتل معه جماعة من أصحابه ممن يرى
رأيه.
ولما لقيت عائشة أم المؤمنين معاوية قالت [3] : يا معاوية، أين كان
حلمك عن
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 253- 255، والأغاني 16/ 4.
[2] مثل يضرب في طلب الحاجة يؤدي بصاحبها إلى التلف، وأصله أن رجلا خرج
يلتمس العشاء، فوقع على ذئب فأكله» .
[3] تاريخ الطبري 5/ 257.
(5/242)
حجر، فقَالَ لها: يا أم المؤمنين، لم
يحضرني رشيد.
قَالَ ابن سيرين [1] : فبلغنا أنه لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالموت
ويقول: يومي منك يا حجر يوم طويل.
وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ [2] قَالَ: قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ
عن الصعقب بْنِ زُهَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَرْبَعُ خِصَالٍ كن
فِي مُعَاوِيَةَ، لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْهُنَّ إِلا وَاحِدَةً
لَكَانَتْ مُوبِقَةً:
ابْتَزَّ هَذِهِ الأُمَّةَ أَمْرَهَا بِغَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْهُمْ
وَفِيهِمْ بَقَايَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَوِي الْفَضْلِ.
وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ بَعْدَهُ سِكِّيرًا جِهِّيرًا، يَلْبَسُ [3]
الْحَرِيرَ وَيَضْرِبُ بِالطَّنَابِيرِ، وَادَّعَى زِيَادًا وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ، وَقَتَلَ حُجْرًا فَيَا وَيْلا
لَهُ مِنْ حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ.
وفِي هذه السنة وجه زياد الربيع بن زياد الحارثي إلى خراسان أميرا بعد
موت الحكم بن عمرو الغفاري
وكان الحكم قد استخلف على عمله أنس بن أبي إياس فعزله زياد وولى خليد
بن عَبْد اللَّهِ الحنفِي أشهرا ثم عزله، وولى خراسان الربيع بن زياد
فِي أول سنة إحدى وخمسين فنقل الناس عيالاتهم إلى خراسان فوطنوها، ثم
غزا الربيع حين قدم إلى خراسان ففتح بلخ صلحا، وفتح قهستان عنوة، وكانت
بناحيتهم أتراك فقتلهم وهزمهم، وكان ممن بقي منهم نيزك طرخان فقتله
قتيبة بن مسلم فِي ولايته.
وكان الربيع قد قطع النهر فغنم وسلم، وكان الحكم بن عمرو قطع النهر
قبله فِي ولايته إلا أنه لم يفتح.
فذكر المديني أن أول من شرب من النهر مولى للحكم، اغترف بترسه فشرب ثم
ناول الحكم فشرب وتوضأ وصلى من وراء النهر ركعتين.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 257.
[2] تاريخ الطبري 5/ 279.
[3] في تاريخ الطبري: «سكيرا خميرا» .
(5/243)
وفيها: حج بالناس يزيد بن معاوية، وكان
العامل على المدينة سعيد بن العاص، 98/ ب وكان على الكوفة والبصرة
والمشرق/ كله زياد ... وعلى قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة عميرة
بن يثربي.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
354- جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب [1] :
قدم مع أبيه على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلما،
وغزا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وحنينا وثبت
يومئذ.
355- جرير بن عَبْد اللَّهِ بن مالك بن نصر بن ثعلبة، وقيل: جرير بن
عَبْد اللَّهِ بن جابر بن مالك، يكنى أبا عمرو، وقيل: أبا عَبْد
اللَّهِ: [2]
قدم المدينة فِي رمضان سنة عشر فأسلم، وقَالَ: لما دنوت من المدينة
أنخت راحلتي ثم حللت عيبتي ولبست حلي، فدخلت على رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يخطب، فسلمت عليه، فرماني الناس بالحدق
فقلت لجليسي: هل ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ من أمري شيئا؟ قَالَ: نعم، ذكرك فأحسن الذكر بيننا، وهو يخطب
قَالَ: «سيدخل عليكم من هذا الفج- أو من هذا الباب- الآن مِنْ خَيْرِ
ذِي يَمَنٍ، عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ ملك» ، فحمدت الله على ما أبلاني.
ولما جاء جرير يبايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسط
له ثوبا ليجلس عليه، وقَالَ: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» . وكان جرير
سيدا فِي قومه.
وبعثه رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى هدم ذي الخلصة، وهو بيت
لخثعم كان يسمى الكعبة اليمانية، فأضرمه بالنار. أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قال:
أخبرنا ابن حيوية،
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 38.
[2] تاريخ بغداد 1/ 187.
(5/244)
قال: أخبرنا ابن معروف، قال: حدثنا ابن
الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ
بْن جَرِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ كَانَ فِي بَيْتٍ وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
فَوَجَدَ رِيحًا، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الرِّيحِ
لَمَا قَامَ فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ جَرِيرٌ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ يَتَوَضَّأُ الْقَوْمُ جَمِيعًا، فَقَالَ عُمَرُ:
رَحِمَكَ اللَّهُ، نِعْمَ السَّيِّدُ كُنْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
وَنِعْمَ السَّيِّدُ أَنْتَ فِي الإِسْلامِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ
عُمَرَ قَالَ لَهُ وَالنَّاسُ يَتَحَامَوْنَ الْعِرَاقَ/، وَقِتَالَ
الأَعَاجِمِ: سِرْ بِقَوْمِكَ فَمَا غَلَبْتَ عَلَيْهِ فلك ربعه، فلما
جمعت 99/ أالغنائم- غَنَائِمُ جَلُولاءَ- ادَّعَى جَرِيرٌ أَنَّ لَهُ
رُبُعَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَكَتَبَ سَعْدٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
بِذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: صَدَقَ جَرِيرٌ وَقَدْ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ،
فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ قَاتَلَ هُوَ وَقَوْمُهُ عَلَى جُعْلٍ
فَاعْطُوهُ جُعْلَهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَاتَلَ للَّه وَلِدِينِهِ
وَحَسَبِهِ فَهُوَ رجل من المسلمين له ما لهم وَعَلَيْهِ مَا
عَلَيْهِمْ.
فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ عَلَى سَعْدٍ أَخْبَرَ جَرِيرًا بِذَلِكَ،
فَقَالَ جَرِيرٌ: صَدَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، لا حَاجَةَ لِي بِهِ،
بَل أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ علماء السير: شهد جرير مع المسلمين يوم المدائن، فلما مصرت
الكوفة نزلها، فمكث بها إلى خلافة عثمان، ثم بدت الفتنة فانتقل إلى
قرقيسيا وسكنها إلى أن مات ودفن بها.
أَخْبَرَنَا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الله بن محمد بن
جعفر، قال: حدثنا عمر بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا خليفة، قَالَ:
نزل جرير قرقيسيا فمات بها سنة إحدى وخمسين.
وكذلك قَالَ مُحَمَّد بن المثنى.
وقَالَ هشام بن مُحَمَّد الكلبي: مات سنة أربع وخمسين
.
(5/245)
356- حارثة بن النعمان بن نفع، أبو عَبْد
اللَّهِ الأنصاري [1] :
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْويَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا معروف، قال: حدثنا ابْن الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ حَارِثَةُ [2] . رَأَيْتُ
جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، مَرَّ بِنَا فِي صُورَةِ
دِحْيَةَ، وَحِينَ رَجَعْنَا مِنْ خَيْبَرَ مَرَرْتُ وَهُوَ يُكَلِّمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُسَلِّمْ،
فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: حَارِثَةُ، قَالَ: لَوْ سَلَّمَ
لَرَدَدْنَا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : وَقَالَ
الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ لِحَارِثَةَ مِنَازِلُ قُرْبَ مَنَازِلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بالمدينة، 99/ ب وَكَانَ
كُلَّمَا أَحْدَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَهْلا تَحَوَّلَ عَنْ مَنْزِلٍ بَعْدَ مَنْزِلٍ حَتَّى قَالَ
النَّبِيُّ/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ حَارِثَةَ مِمَّا يَتَحَوَّلُ لَنَا عَنْ
مَنَازِلِهِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي فُدَيْكٍ، قالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ
أَبِيهِ. أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ النُّعْمَانِ كَانَ قَدْ كُفَّ
بَصَرُهُ، فَجَعَلَ خَيْطًا مِنْ مُصَلاهُ إِلَى بَابِ حُجْرَتِهِ،
وَوَضَعَ عِنْدَهُ مَكْتَلا فِيهِ تَمْرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَكَانَ
إِذَا سَأَلَ الْمِسْكِينُ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ ثُمَّ أَخَذَ
عَلَى ذَلِكَ الْخَيْطِ حَتَّى يَأْخُذَ إِلَى بَابِ الْحُجْرَةِ
فَيُنَاوِلَهُ الْمِسْكِينَ، فَكَانَ أَهْلُهُ يَقُولُونَ: نَحْنُ
نَكْفِيكَ، فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنْ مُنَاوَلَةَ الْمِسْكِينِ تَقِي
مِيتَةَ السُّوءِ» .
357-[حجر بن عدي [4] :
وقد سبقت قصة قتله آنفا] :
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 51.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 2/ 52.
[3] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 53.
[4] طبقات ابن سعد، والترجمة ساقطة من الأصل.
(5/246)
358- سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل [1] :
أسلم قبل أن يدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار
الأرقم وقبل أن يدعو فيها [2] .
وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ طَلْحَة
[3] ، يتجسسان خبر العير ففاتتهما بدر، فضرب لهما رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهامهما وأجورهما. وقدما المدينة فِي
اليوم الذي لقي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المشركين ببدر. وشهد
سعيد أحدا والخندق والمشاهد بعدها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي بالعقيق فِي هذه السنة، وغسله سعد بن أبي
وقاص، وحمل إلى المدينة فدفن بها وهو ابن بضع وسبعين سنة. وكان رجلا
طوالا، أدم أشعر.
359- عَبْد اللَّهِ بن أنيس بن أسعد بن حرام، أبو يَحْيَى [4] :
شهد العقبة مع السبعين، وكان يكسر أصنام بني سلمة هو ومعاذ بن جبل لما
أسلما. ولم يشهد بدرا، لكنه شهد أحدا وما بعدها، وبعثه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بسرية وحده إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي وأمره أن
يقتله، فخرج فقتله ثم قدم فأخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فأعطاه مخصرا- يعني عصا- فقَالَ: خذ هذه تنخصر بها يوم
القيامة فإن المنخصرين يومئذ/ قليل» . فلما حضرته الوفاة أمر أن تدفن
معه فِي أكفانه، ومات بالمدينة فِي خلافة معاوية.
360- نفيع بن الحارث، أبو بكرة [5] :
ويقال: اسمه مسروح، [ويقال: نفيع بن مسروح] [6] ، وأمه سمية، وهو أخو
زياد ابن سمية بن أبي سفيان لأمه.
كان عبدا لبعض أهل الطائف، فلما حاصرهم رسول الله صَلَّى الله عليه
وسلّم نادى مناديه: أيما
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 27.
[2] في الأصل: «يدعو إليها» . وما أوردناه من ت، وابن سعد 3/ 1/ 278.
[3] في الأصل «مع رجل» .
[4] طبقات خليفة 118، والتاريخ الكبير للبخاريّ 5/ ترجمة 26، والمعارف
280.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 8.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/247)
عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج
بضع عشر منهم أبو بكرة، تدلى من بكرة، فكني أبا بكرة.
وكان يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سكن
البصرة، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا محمد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكّي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
لَمَّا اشْتَكَى أَبُو بَكْرَةَ عَرَضَ عَلَيْهُ بَنُوهُ أَنْ
يَأْتُوهُ بِطَبِيبٍ فَأَبَى، فلما نزل به الموت وعرف الموت مِنْ
نَفْسِهِ وَعَرَفُوهُ مِنْهُ، قَالَ: أَيْنَ طَبِيبُكُمْ لِيَرُدَّهَا
إِنْ كَانَ صَادِقًا، قَالُوا: وَمَا يُغْنِي الآنَ، قَالَ: وَقَبْلَ
الآنَ.
قَالَ: وَجَاءَتِ ابْنَتُهُ أَمَةُ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا بِهِ
بَكَتْ، فَقَالَ: أَي بُنَيَّةَ لا تَبْكِي، قَالَتْ: يَا أَبَهْ،
فَإِذَا لَمْ أَبْكِ عَلَيْكَ فَعَلَى مَنْ أبكي؟ فقال: لا تبكي، فو
الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلَى الأَرْضِ نَفْسٌ أَحَبُّ إِلَيَّ
أَنْ تَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ، وَلا نَفْسُ هَذَا
الذُّبَابِ الطَّائِرِ.
وَأَقْبَلَ عَلَى حُمْرَانَ بْنِ أَبَانٍ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ،
فَقَالَ: لا أُخْبِرُكَ مِمَّ ذَاكَ، خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ يَجِيءَ
أَمْرٌ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الإِسْلامِ، ثُمَّ جَاءَ أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ فَقَعَدَ بَيْنَ يديه وأخذ بيده 100/ ب وقال: إن ابن أمك زياد
أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ/ وَقَدْ بَلَغَهُ الَّذِي
نَزَلَ بِكَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَحَبَّ أَنْ يُحْدِثَ
بِكَ عَهْدًا وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ وَأَنْ يُفَارِقَكَ عَنْ
رِضًى، قَالَ:
أَفَمُبِلِّغُهُ أَنْتَ عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي
أُحَرِّجُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ لِي بَيْتًا وَيَحْضُرَ لِي
جِنَازَةً، قَالَ: لَمْ يَرْحَمْكَ اللَّهُ وَقَدْ كَانَ لَكَ
مُعَظِّمًا وَلِبَنِيكَ وَاصِلا، قَالَ: فِي ذَلِكَ غَضِبْتُ عَلَيْهِ،
قَالَ: فَفِي خَاصَّةِ نَفْسِكَ، فَمَا عَلِمْتُهُ إِلا مُجْتَهِدًا،
قَالَ: فَأَجْلِسُونِي، فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ:
نَشَدْتُكَ باللَّه لَمَا حَدَّثْتَنِي عَنْ أَهْلِ النَّهْرِ،
أَكَانُوا مُجْتَهِدِينَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَأَصَابُوا أَمْ
أَخْطَأُوا، قَالَ: هُوَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: أَضْجِعُونِي. فَرَجَعَ
أَنَسٌ إِلَى زِيَادٍ فَأَبْلَغَهُ، فَرَكِبَ مُتَوَجِّهًا إِلَى
الْكُوفَةِ فَتُوُفِّيَ، فَقَدِمَ بَنُوهُ أَبَا بَرْزَةَ فصلى عليه
.
(5/248)
ثم دخلت سنة اثنتين
وخمسين
فمن الحوادث فيها غزوة سفيان بن عوف الأزدي ومشتاه بأرض الروم، وأنه
توفي بها، واستخلف عَبْد اللَّهِ بن مسعدة الفزاري. هذا قول الواقدي
[1] .
وقَالَ غيره: بل الذي شتا بأرض الروم فِي هذه السنة بالناس بسر بن أبي
أرطأة ومعه سفيان بن عوف، وغزا الصائفة فِي هذه السنة مُحَمَّد بن
عَبْد اللَّهِ الثقفِي.
وفيها حج بالناس سعيد بن العاص، وكان العمال فِي هذه السنة العمال
الذين كانوا في السنة التي قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
361- خالد بْن يزيد [2] بن كليب بن ثعلبة، أبو أيوب الأنصاري، الخزرجي:
حضر العقبة، ونزل عليه رَسُول اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وسلم حين قدم
المدينة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وحضر مع علي بن أبي طالب حرب الخوارج بالنهروان، وورد
المدائن فِي صحبته.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا
أحمد بن جعفر،
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 287.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 49. وفيه: «خالد بن زيد» .
(5/249)
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ
مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ- يَعْنِي أَبَا
زَيْدٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الحارث،
101/ أعن أَفْلَحَ مَوْلَى/ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ. أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ الدَّارِ وَأَبُو أَيُّوبَ
فِي الْعُلْوِ، فَانْتَبَهَ أَبُو أَيُّوبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ:
يُمْسِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذكر ذلك لرسول
الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَسْفَلُ أَرْفَقُ بِي» ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: لا
أَعْلُو سُقَيْفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ أَبُو أَيُّوبَ فِي
السِّفْلِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْعُلْوِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْنُ
حَيْوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حدثنا الحارث
بن أبي سلمة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد [1] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى
بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عِنْ مُقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ
خَيْبَرَ وَمَعَهُ صَفِيَّةُ دَخَلَ الْفُسْطَاطَ مَعَهُ السَّيْفُ
وَاضِعًا رَأْسَهُ عَلَى الْفُسْطَاطِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ الْحَرَكَةَ،
فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقَالَ:
أَنَا أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، جَارِيَةٌ شَابَّةٌ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ وَقَدْ
صَنَعَتْ بِزَوْجِهَا مَا صَنَعَتْ فَلَمْ آمَنُهَا، قُلْتُ إِنْ
تَحَرَّكَتْ أَكُونُ قَرِيبًا مِنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا أَيُّوبَ» ، مَرَّتَيْنِ.
قَالَ ابن معروف [2] : وحَدَّثَنَا ابْن الفهم، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن سعد، قال: قال الواقدي: توفي أبو أيوب حين غزا يزيد بن
معاوية القسطنطينية فِي خلافة أبيه معاوية سنة اثنتين وخمسين، وصلى
عليه يزيد، وقبره بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم، فلقد بلغنا أن
الروم يتعاهدون قبره ويرمونه، ويستسقون به إذا قحطوا.
__________
[1] في الأصل: «أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال:
أخبرنا أبو عمر بن حيوية، قَالَ: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أبي أسامة، قَالَ حدثنا محمد بن
سعد» .
[2] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 50.
(5/250)
وقد قَالَ أبو زرعة الدمشقي أنه مات أبو
أيوب سنة خمس وخمسين، والأول أثبت.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال:
أخبرنا ابن الفضل، قال: أخبرنا/ عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن
سفيان، قال: حدثنا 101/ ب صفوان بن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد،
قَالَ: حَدَّثَنِي شيخ من أهل فلسطين:
أنه رأى بنية بيضاء دون حائط القسطنطينية، فقالوا: هذا قبر أبي أيوب
الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبيت تلك
البنية، فرأيت قبره فِي تلك البنية وعليه قنديل معلق بسلسلة.
362- عَبْد اللَّهِ بن قيس بن سليم، أبو مُوسَى الأشعري [1] :
أمه ظبية بنت وهب بن عك، أسلمت وماتت بالمدينة.
وكان خفيف الجسم قصيرا أثط، قدم مكة (فحالف سعيد بن العاص فأسلم بمكة
وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول الله صلى الله
عليه وسلم بخيبر.
ذكره الواقدي، ولم يذكره ابن عبيد وابن إسحاق وأبو معشر فيمن هاجر إلى
الحبشة.
وقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْد اللَّهِ بن جهم: ليس أبو مُوسَى من
مهاجرة الحبشة، وليس له حلف فِي قريش، وكان قد أسلم بمكة قديما ثم رجع
إلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأَشْعَرِيِّينَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوافق قدومهم قدوم
أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة، ووافق رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، ولما دنا أبو مُوسَى وأصحابه من
المدينة جعلوا يرتجزون ويقولون:
غدا نلقى الأحبة ... محمدا وحزبه
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيَّوَيْهِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين
بن الفهم، قال: حدّثنا
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 105، 4/ 1/ 78، 9/ 1/ 6.
(5/251)
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ [1] : دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَسْجِدَ،
فَسَمِعَ قِرَاءَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» . قِيلَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ
مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» . قَالَ مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ [2] :
وأَخْبَرَنَا يَزِيدُ وَعَفَّانُ، قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو مُوسَى إِذَا نَامَ يَلْبِسُ ثِيَابًا عِنْدَ النَّوْمِ
مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ عورته.
102/ أقال ابْنُ سَعْدٍ: [3] / وأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ أَبُو
مُوسَى: [4] إِنِّي لأَغْتَسِلُ فِي الْبَيْتِ الْخَالِي فَيَمْنَعُنِي
الْحَيَاءُ مِنْ رَبِّي أَنْ أُقِيمَ صُلْبِي.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،
عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ فِي وَصِيَّتِهِ: أَنْ لا يُقَرَّ لِي عَامِلٌ أَكْثَرَ
مِنْ سَنَةٍ، وَأَقِرُّوا الأَشْعَرِيَّ- يَعْنِي أَبَا مُوسَى-
أَرْبَعَ سِنِينَ.
توفي أبو مُوسَى فِي هذه السنة، وقيل: فِي سنة اثنتين وأربعين.
363- عَبْد اللَّهِ بن مغفل، أبو سعيد [5] :
وكان من البكاءين، ومن الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهونهم.
أنبأنا أبو بكر بْن أبي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن علي
الجوهري، قال:
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 1/ 89.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 82.
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 84.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 84.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 7 وورد في الأصل «عبد الله بن معقل» .
(5/252)
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَيُّوِيَةَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن معروف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفهم، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَوْذَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ خُزَاعِيِّ، بْنِ زِيَادٍ، قَالَ:
أُرِيَ عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ
وَالنَّاسُ يُعْرَضُونَ عَلَى مَكَانٍ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ
مَنْ جَازَ ذَلِكَ الْمَكَانَ نَجَا، فَذَهَبْتُ أَدْنُو مِنْهُ،
فَقَالَ: وَرَاءَكَ، أَتُرِيدُ أَنْ تَنْجُو وَعِنْدَكَ مَا عِنْدَكَ،
كَلا وَاللَّهِ، قَالَ: فَاسْتَيْقَظْتُ مِنَ الْفَزَعِ، فَأَيْقَظَ
أَهْلَهُ وَعِنْدَهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْبَةٌ مَمْلُوءَةٌ
دَنَانِيرَ، فَقَالَ: يَا فُلانَةُ، أَرِنِي تِلْكَ الْعَيْبَةَ
قَبَّحَهَا اللَّهُ وَقَبَّحَ مَا فِيهَا [فَمَا أَصْبَحَ حَتَّى
قَسَّمَهَا] فَلَمْ يَدَعْ مِنْهَا دِينَارًا.
فَلَمَّا كَانَ الْمَرَضُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَوْصَى أَهْلَهُ،
قَالَ: لا يَلِينِي إِلا أَصْحَابِي، وَلا يُصَلِّي عَلَيَّ ابْنُ
زِيَادٍ، فَلَمَّا مَاتَ أَرْسَلُوا إِلَى أَبِي بَرْزَةَ وَعَائِذِ
بْنِ عَمْرٍو، وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوُلُّوا غَسْلَهُ وَتَكْفِينَهُ، فَلَمَّا
أَخْرَجُوهُ إِذَا بِابْنِ زِيَادٍ فِي مَوْكِبِهِ بِالْبَابِ، فَقِيلَ
لَهُ: إِنَّهُ قَدْ أَوْصَى أَنْ لا تُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَسَارَ
مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ حِذَاءَ الْبَيْضَاءِ، فَمَالَ إِلَى
الْبَيْضَاءِ وَتَرَكَهُ.
توفي عَبْد اللَّهِ بالبصرة [1] .
364- عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم، أبو نجيد [2] :
/ أسلم قديما، وغزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غزوات، ولم يزل فِي بلاد قومه ثم تحول 102/ ب إلى البصرة، فنزلها إلى
أن مات بها.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي، قَالَ: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن
حيوية، قال: أخبرنا ابن مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَهِمِ، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثنا عارم بن الفضل، قال:
حدثنا حماد بن زيد، قَالَ: حَدَّثَنَا هشام، عن مُحَمَّد بن سيرين،
قَالَ [3] :
ما قدم من البصرة أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يفضل على عمران بن حصين.
__________
[1] في الأصل: «نقل عبد الله إلى البصرة» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 26، 7/ 1/ 4.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 26.
(5/253)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [1] : وَأَخْبَرَنَا
وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
سَمِعْتُ حميد بن هلال يحدث عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ:
قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أُشْعِرْتُ أَنَّهُ كَانَ
يُسَلَّمُ عَلَيَّ فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ انْقَطَعَ التَّسْلِيمُ،
فَقُلْتُ: أَمِنْ قِبَلِ رَأْسِكَ كَانَ يَأْتِيكَ التَّسْلِيمُ أَمْ
مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْكَ؟ قَالَ: لا بَلْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِي،
فَقُلْتُ: لا أَرَى أَنْ تَمُوتَ حَتَّى يَعُودَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي: أُشْعِرْتُ أَنَّ التَّسْلِيمَ عَادَ
لِي. قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ.
قَالَ: وَقُلْتُ لِعِمْرَانَ: مَا يَمْنَعُنِي مِنْ عِيَادَتِكَ إِلا
مَا أَرَى مِنْ حَالِكَ، قَالَ: لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ أَحَبَّهُ
إِلَيَّ أَحَبُّهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
365- معاوية بن حديج بن جفنة، أبو نعيم [2] :
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مصر، وكان الوافد إلى
عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بفتح الإسكندرية، وكان أعور، ذهبت
عينه فِي حرب النوبة مع عبد الله ابن سعد بن أبي سرح سنة إحدى وثلاثين،
وولي الإمرة على غزو المغرب سنة أربع وثلاثين، وسنة أربعين وسنة خمسين.
روى عنه علي بن رباح، وعبد الرحمن بن سماعة، وسويد بن قيس [3] ،
وغيرهم.
توفي فِي هذه السنة.
366- هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد، أبو بردة [4] :
وهو خال البراء بن عازب، شهد العقبة مع السعين وبدرا والمشاهد كلها مع
103/ أرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت معه راية بني/ حارثة في
غزوة الفتح.
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 27، 28.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 195.
[3] في الأصل: «يزيد بن قيس» خطأ.
[4] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 25.
(5/254)
ثم دخلت سنة ثلاث
وخمسين
فمن الحوادث فيها مشتى عَبْد الرَّحْمَنِ بن أم الحكم الثقفِي بأرض
الروم [1] .
وفيها: فتحت رودس [2] ، وهي جزيرة فِي البحر، فتحها جنادة بن أبي أمية
الأزدي، فنزلها المسلمون، وزرعوا، واتخذوا بها الأموال والمواشي، وكان
لهم ناطور [3] يحذرهم من يريدهم من البحر بكيد، وكانوا أشد شيء على
الروم، يعترضونهم فِي البحر فيقطعون سفنهم، وكان معاوية يدر لهم
العطاء، فلما مات معاوية أقفلهم يزيد [بن معاوية] [4] .
وقيل: هذا كان فِي سنة أربع وخمسين.
قَالَ الأصمعي: وكان بالكوفة طاعون زياد الذي مات فيه [5] فِي هذه
السنة.
وقيل: كان فِي سنة أربع.
وفيها: حج بالناس سعيد بن العاص، وكان هو العامل على المدينة، وكان على
الكوفة عَبْد اللَّهِ بن خالد بن أسيد، وعلى البصرة سمرة بن جندب. وعلى
خراسان خليد بن عبد الله الحنفي.
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 288.
[2] في الأصول: «روس» . وما أوردناه من الطبري.
[3] في الأصل: «ناظر» . والناطور: حافظ الزرع والتمر والكرم.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] كذا في الأصول.
(5/255)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
367- جبلة بن الأيهم: [1]
كان ملك غسان، فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلما حتى كان فِي زمان عمر رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فوطئ رجل من مزينة [2] ، فوثب المزني فلطمه، وكان ذلك
بدمشق، فأخذ الرجل فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم
جبلة بن الأيهم، قَالَ: فليلطمه، قالوا: وما يقتل؟ قَالَ: لا، قالوا:
فما تقطع يده؟ قَالَ: لا، إنما أمر الله عز وجل بالقود، قَالَ جبلة:
أترون أني جاعل وجهي ندا لوجه جدر جاء من عمق- يعني 103/ ب موضعا فِي
ناحية المدينة- بئس الدين هذا. ثم ارتد نصرانيا، وترحل/ بقومه حتى دخل
أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق ذلك عليه.
وروي لنا خبره على غير هذا الوجه، وأنه أسلم فِي زمن عمر. قَالَ أبو
عمرو الشيباني: كتب جبلة إلى عمر بن الخطاب يستأذنه فِي القدوم عليه،
فأذن له عمر، فخرج إليه في خمسمائة من بنيه حتى إذا كان على مرحلتين
كتب إلى عمر يعلمه بذلك، فسر عمر وبعث إليه بإنزال، وأمر جبلة مائتي
رجل من أصحابه فلبسوا الديباج والحرير، وركبوا الخيل معقودة أذنابها
وألبسوها قلائد الذهب والفضة، ولبس جبلة تاجه وفيه قرط مارية، وهي
جدته، ودخل المدينة فلم يبق بها بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إليه وإلى
زيه، فلما انتهى إلى عمر رحب به وألطفه وأدنى مجلسه، ثم خرج عمر إلى
الحج، فحج معه جبلة، فبينما هو يطوف بالبيت وطئ إزاره رجل من بني فزارة
فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنفه، فاستعدى عليه عمر، فبعث إلى جبلة،
فقَالَ له: ما هذا؟ قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، إنه تعمد حل إزاري
ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسيف، فقَالَ له عمر: قد أقررت،
فإما أن ترضي الرجل وأما أن أقيد منك، قَالَ جبلة: تصنع بي ماذا؟
قَالَ: آمر بهشم أنفك كما فعلت، قَالَ، كيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك؟
قَالَ: إن
__________
[1] ابن خلدون 2/ 281، وخزانة البغدادي 2/ 242، والنويري 15/ 311. وفي
الأصل: «ابن الأهيم» .
والبداية أيضا.
[2] راجع هذا الخبر في الأغاني 15/ 125.
(5/256)
الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا
بالتقى، قَالَ جبلة: قد ضننت أني أكون فِي الإسلام أعز مني فِي
الجاهلية، قَالَ عمر: دع ذا عنك [فإنك إن لم ترض الرجل] اقتدته منك،
قَالَ: إذا أتنصر، قَالَ: إن تنصرت ضربت عنقك لأنك قد أسلمت فإن ارتددت
قتلتك.
فلما رأى الجد من عمر قال: أنا ناظر في هذه ليلتي هذه، وقد اجتمع بباب
عمر من حي هذا وحي هذا خلق كثير حتى كادت تكون بينهم فتنة، فلما أمسوا
أذن له عمر فِي الانصراف حتى إذا نام الناس تحمل بخيله ورواحله إلى
الشام فأصبحت مكة بلاقع منهم، فلما أتى الشام تحمل في خمسمائة رجل من
قومه حتى أتى القسطنطينية فدخل إلى هرقل فتنصر هو وقومه، فسر بذلك وظن
أنه/ فتح من الفتوح، وأجرى عليه ما شاء 104/ أوجعله من سماره.
[وذكر [1] ابن الكلبي أن الفزاري لما وطئ إزار جبلة، فلطمه جبلة، فلطم
جبلة كما لطمه، فوثب عليه غسان فهشموا أنفه وأتوا به عمر، وذكر فِي
الحديث مثل ما تقدم.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوِيَةَ،
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ مُوسَى بْنِ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَحْمَد
بْنُ يزك، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ:
ذَكَرُوا أَنُّه لَمَّا أَسْلَمَ جَبَلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ
الْغَسَّانِيُّ، وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ جَفْنَةَ، وَذَلِكَ فِي خِلافَةِ
عُمَرَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِإِسْلامِهِ، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي
الْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَسُرَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ فِي
الْقُدُومِ، فَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ
حَتَّى إِذَا قَارَبَ الْمَدِينَةَ عَمَدَ إِلَى أَصْحَابِهِ
فَحَمَلَهُمْ عَلَى الْخَيْلِ وَقَلَّدَهَا قَلائِدَ الْفِضَّةِ،
وَأَلْبَسَهُمُ الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، وَلَبِسَ تَاجَهُ وَفِيهِ
قُرْطُ مَارِيَةَ جَدِّتِهِ، وَبَلَغَ عُمَرَ، فَبَعَثَ إليه بالنزل
لك، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةِ فِي هَيْئَتِهِ، فَلَمْ تَبْقَ بِكْرٌ
وَلا عَانِسٌ إِلا خَرَجَتْ تَنْظُرُ، فَدَخَلَ على عمر فرحب به، ثم
أقام
__________
[1] من هنا ساقط من الأصل، أوردناه من ت، وفي الأصل: «وكذلك أخبرنا
محمد بن ناصر بإسناده عن هشام بن محمد الكلبي بهذا الحديث الثاني لم
يزد فيه ولم ينقص حرفا إلى أن قال، فتنصر هو وقومه» .
(5/257)
أَيَّامًا، وَأَرَادَ عُمَرُ الْحَجَّ،
فَخَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَيْئَتِهِ،
فَبَيْنَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَطِئَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
فَزَارَةَ إِزَارَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَانْحَلَّ، فَرَفَعَ يَدَهُ
فَهَشَّمَ أَنْفَ الْفَزَارِيِّ، فَمَضَى يَسْتَعْدِي عُمَرَ عَلَيْهِ،
فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَأَتَى فَقَالَ: هَشَّمْتَ أَنْفَ الرَّجُلِ؟
قَالَ: نَعَمْ، اعْتَمَدَ حَلَّ إِزَارِي، وَلَوْلا حُرْمَةُ
الْكَعْبَةِ لَضَرَبْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ
عُمَرُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَقْرَرْتَ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَ
الرَّجُلَ وَإِلا أَقَدْتُهُ مِنْكَ، قَالَ: أَوَ خَطَر هُوَ لِي؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ وَأَنَا مَلِكٌ وَهُوَ سُوقَةٌ؟ قَالَ
عُمَرُ: الإِسْلامُ جَمَعَكُمَا، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ
أَنِّي أَكُون فِي الإِسْلامِ أَعَزَّ مني في الجاهلية، قال عمر: هُوَ
مَا تَرَى، فَقَالَ: إِذِنْ أَتَنَصَّرُ، قَالَ:
إِنْ فَعَلْتَ قَتَلْتُكَ. وَاجْتَمَعَ مِنْ حَيِّ الْفَزَارِيِّ
وَحَيِّ جَبَلَةَ عَلَى بَابِ عُمَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ:
أنا أَنْظُرُ فِي هَذَا الأَمْرِ لَيْلَتِي هَذِهِ. فَانْصَرَفَ إِلَى
مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ تحمل بأصحابه إلى الشام في
خمسمائة حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي زَمَنِ هِرْقِلَ] [1]
فَتَنَصَّرَ وَقَوْمُهُ فَأَقْطَعَهُ هِرْقِلُ مَا شَاءَ، وَأَجْرَى
عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَجَعَلَهُ مِنْ سُمَّارِهِ.
فَمَكَثَ دَهْرًا ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى هِرْقِلَ كِتَابًا
وَبَعَثَهُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَ هِرْقِلُ بِمَا
أَرَادَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ للرَّجُلِ: هَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّكَ
جَبَلَةَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَالْقِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَمَا
أَخَالَنِي رَأَيْتُ ثِيَابَ هِرْقِلَ مِنَ السُّرُورِ وَالْبَهْجَةِ
مَا رَأَيْتُ مِنْ ثِيَابِ جَبَلَةَ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَأَذِنَ
وَقَامَ وَرَحَّبَ بِي عَانَقَنِي وَعَاتَبَنِي فِي تَرْكِ النُّزُولِ
عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ في بهو عظيم من التماثيل والهول مالا أُحْسِنُ
أَصِفُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ
رَأْسُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ أَصْهَبُ ذُو سِبَالٍ،
وَإِذَا هُوَ قَدْ أَمَرَ بِالذَّهَبِ الأَحْمَرِ فَسُحِلَ فَذُرَّ فِي
لِحْيَتِهِ، وَاسْتَقْبَلَ عَيْنَ الشَّمْسِ ثُمَّ أَجْلَسَنِي عَلَى
كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُهُ انْحَدَرْتُ عَنْهُ
وَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَهَى عَنْ هَذَا، وَسَأَلَنِي عَنِ النَّاسِ وَأَلْحَفَ فِي
السُّؤَالِ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ عَرَفْتُ الْحُزْنَ فِيهِ، فَقُلْتُ:
مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِكَ وَالإِسْلامِ؟ قَالَ:
بَعْدَ الَّذِي كَانَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَشْعَثُ بْنُ
قَيْسٍ ارْتَدَّ وَضَرَبَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَمَنَعَهُمُ الزَّكَاةَ
ثُمَّ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ، وَزَوَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ
أُخْتَهُ، فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ
قَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ فَوَلَّى، فَمَا شَعَرْنَا إِلا
بِالصَّنَادِيقِ يَحْمِلُهَا الرِّجَالُ، فَوُضِعَتْ أَمَامَنَا
مَائِدَةً مِنْ ذَهَبٍ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، فَأَتَى بِمَائِدَةِ
خَلَنْجَ، فوضعت أمامي
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط من الأصل الّذي سبق التنبيه عليه.
(5/258)
وَسعي عَلَيْنَا مِنْ كُلِّ حَارٍّ
وَبَارِدٍ فِي صِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَدَارَتْ عَلَيْنَا
الْخَمْرُ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ
وَأَبْرِيقٍ مِنْ ذَهَبٍ. ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ لَهُ فَمَا
كَانَ إِلا هُنَيْهَةً حَتَّى أَقْبَلَتْ عَشْرُ جَوَارٍ، فَقَعَدَ
خَمْسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَخَمْسٌ عن يساره/ على 104/ ب كَرَاسِيِّ
الْعَاجِ، وَإِذَا عَشْرٌ أُخَرُ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَّلِ، فَقَعَدَ
خَمْسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَخَمْسٌ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ
جَارِيَةٌ [مِنْ أَحْسَن مَا تَكُونُ مِنَ الْجَوَارِي] بِطَائِرٍ
أَبْيَضَ، وَفِي يَدِهَا الْيُمْنَى جَامٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مِسْكٌ
وَعَنْبَرٌ سَحِيقَانِ، وَفِي يَدِهَا الْيُسْرَى جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ
فِيهِ [مَاءُ وَرْدٍ] مَا لَمْ أَشُمَّ مِثْلَهُ، فَنَقَرَتِ
الطَّائِرَ فَوَقَعَ فِي الْجَامِ فَتَقَلَّبَ فِيهِ ثُمَّ فِي
الْجَامِ الآخَرِ فَتَقَلَّبَ فِيهِ، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى صَلِيبٍ فِي
تَاجِ جَبَلَةَ، ثُمَّ حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ فَنَثَرَ ذَلِكَ عَلَى
رَأْسِ جَبَلَةَ وَلِحْيَتِهِ، ثُمَّ شَرِبَ جَبَلَةُ خَمْرًا ثُمَّ
اسْتَهَلَّ وَاسْتَبْشَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَوَارِي: أَطْرِبْنَنِي،
فَخَفَقْنَ بِعِيدَانِهِنَّ، فَانْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ:
للَّه دَرُّ عِصَابَةٍ نَادَمْتُهُمْ ... يَوْمًا بِجِلقٍ فِي
الزَّمَانِ الأَوَّلِ
أَوْلادُ جَفْنَةَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِمْ ... قَبْرِ ابْنِ مَارِيَةَ
الْكَرِيمِ الْمُفَضَّلِ
بِيضُ الْوُجُوهِ كَرِيمَةٌ أَحْسَابُهُمْ ... شَمُّ الأُنُوفِ مِنَ
الطِّرَازِ الأَوَّلِ
يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلابُهُمْ ... لا يَسْأَلُونَ عَنِ
السَّوَادِ الْمُقْبِلِ
فَطَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ لِمَنْ هَذَا الشِّعْرُ؟ قُلْتُ:
لا، قَالَ: قَالَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: هُوَ حَيٌّ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ، أَمَا إِنَّهُ ضَرِيرٌ كَبِيرٌ.
ثُمَّ قَالَ: أَطْرِبْنَنِي، فَغَنَّيْنَ:
لِمَنِ الدَّارُ أقفرت بمغان ... بين قرع اليرموك والضّمان [1]
ذَاكَ مُغْنٍ لآلِ جَفْنَة فِي الدَّهْرِ ... مَحَاهُ تَعَاقُبُ
الأَزْمَانِ
فقَالَ: أَتَعْرِفُ قَائِلَ هَذَا، ذَاكَ حَسَّانُ. ثُمَّ سَكَتَ
طَوِيلا ثُمَّ قَالَ: ابْكينَنِي. فَوَضَعْنَ عِيدَانَهُنَّ
وَنَكَّسْنَ رُءُوسَهُنَّ وَقُلْنَ:
تَنَصَّرَتِ الأَشْرَافُ مِنْ عَارِ لَطْمَةٍ ... وَمَا كَانَ فِيهَا
لَوْ صَبَرَتْ عَلَى ضَرَرْ
تَكَنَّفَنِي فِيهَا لجَاجٌ وَنَخْوَةٌ ... [وبعت بها العين الصحيحة
بالعور] [2]
__________
[1] في رواية: «بين أعلى اليرموك فالخمّان» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/259)
فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي
وَلَيْتَنِي ... رَجَعْتُ إلى القول الّذي قاله عمر
105/ أوياليتني أَرْعَى الْمَخَاضَ بِقَفْرَةٍ ... وَكُنْتُ أَسِيرًا
فِي رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ
وَيَا لَيْتَ لِي بِالشَّامِ أَدْنَى مَعِيشَةٍ ... أُجَالِسُ قَوْمِي
ذَاهِب السَّمْعِ وَالْبَصَرْ
أدِينُ بِمَا دَانَوْا بِهِ مِنْ شَرِيعَةٍ ... وَقَدْ يَصْبِرُ
الْعَودُ الْكَبِيرُ عَلَى الدّبرْ
ثُمَّ انْصَرَفَ الْجَوَارِي، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَبْكِي
حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى دُمُوعِهِ تَجُولُ كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤُ،
وَبَكَيْتُ مَعَهُ ثُمَّ نَشَّفَ دُمُوعَهُ بِكُمِّهِ، وَمَسَحَ
وَجْهَهُ وَقَالَ: يا جارية هاتي، فأتته بخمسمائة دِينَارٍ
هِرْقِلِيَّةٍ، فَقَالَ: ادْفَعْ هَذِهِ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ
وَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ. ثُمَّ قَالَ: هاتي، فأتته بمثلها،
فَقَالَ: خُذْهَا صِلَّةً لَكَ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: لا أَقْبَلُ
صِلَّةَ رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ: أَقْرِئْ عَلَى
عُمَرَ وَالْمُسْلِمِينَ السَّلامَ.
فَجِئْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: وَرَأَيْتَهُ يَشْرَبُ
الْخَمْرَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ، تَعَجَّلَ
فَانِيَهُ بِبَاقِيهِ.
وفِي رواية أخرى أن الرسول من حمير اسمه جثامة بن مساحق الكناني.
وروى عَبْد اللَّهِ بن مسعدة الفزاري، قَالَ: وجهني معاوية إلى ملك
الروم، فدخلت عليه، فإذا عنده رجل على سرير من ذهب دون مجلس الملك،
فقلت: من أنت يا عَبْد اللَّهِ، فقَالَ: أنا رجل غلب علي الشقاء، أنا
جبلة بن الأيهم، إذا صرت إلى منزلي فالقني. فلما انصرف إلى منزله أتيته
فلقيته على شرابه وعنده قينتان تغنيانه بشعر حسان، فقَالَ لي: ما فعل
حسان؟ قلت: شيخ كبير قد عمي، فدعى بألف دينار فدفعها إلي وأمرني أن
أدفعها إليه وقَالَ: أترى صاحبك يفِي إن خرجت إليه؟ قلت: قل ما شئت
أعرضه عليه، قَالَ: يعطيني الثنية فإنها كانت منازلنا، وعشرين قرية من
الغوطة، ويفرض لجماعتنا، ويحسن جوائزنا. قلت: أبلغه. فلما قدمت على
معاوية، قَالَ: وددت أنك أجبته إلى ما سأل/ فأجيزه له. وكتب إليه
معاوية يعطيه ذلك، فوجده قد مات.
368- الربيع بن زياد الحارثي [1] :
وكان عامل زياد على خراسان، فبقي سنتين وأشهرا، ومات. وكان الربيع قد
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 291.
(5/260)
خرج يوم جمعة، فقَالَ: أيها الناس، قد ملكت
الحياة وأنا داع فأمنوا، ثم رفع يديه بعد الصلاة، وقَالَ: اللَّهمّ إن
كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا، فأمن الناس، فخرج فسقط وحمل إلى
بيته، واستخلف ابنه.
وفِي رواية: استخلف خليد بن عَبْد اللَّهِ الحنفِي وأقره زياد.
369- رويفع بن ثابت بن السكن [1] :
له صحبة، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح مصر، واختط
بها [دارا] [2] ، ومنزله باق.
روى عنه مرثد بن عَبْد اللَّهِ اليزني وغيره. وله بالمغرب ولايات
وفتوح. توفي ببرقة وهو أمير عليها لمسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر
فِي هذه السنة.
370- زياد بن سمية، وهو الذي يقال له ابن أبيه: [3]
وكان أحمر اللون، فِي عينه اليمنى انكسار.
قَالَ سفيان بن عيينة: أول من ضرب الدنانير والدراهم زياد.
وقَالَ أبو رجاء: عزل معاوية عَبْد اللَّهِ بن عامر عن البصرة وولاها
زيادا، قالوا:
فملك العراق خمس سنين.
وكتب إلى معاوية: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي وبقيت يميني فارغة
فاشغلها بالحجاز، فكتب له عهده، فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أبى نفر منهم
عَبْد اللَّهِ بن عمر بن الخطاب، فذكروا ذلك له، فقَالَ: ادعوا الله
عليه يكفيكموه، فاستقبل القبلة واستقبلوا، ودعا ودعوا، فخرجت طاعونة
على إصبعه، فأرسل إلى شريح وكان قاضيه، فقَالَ: قد أمرت بقطعها فأشر
علي، فقَالَ شريح: إني أخشى أن تكون الجراح على يدك والألم فِي قلبك،
وأن يكون الأجل قد دنا وتلقى الله أجذم وقد قطعت يدك كراهية لقائه، أو
أن يكون فِي الأجل تأخير وقد قطعت يدك فتعيش أجذم ويعير/ ولدك، فتركها.
وخرج 106/ أ
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 73.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 70، وتاريخ الطبري 5/ 289.
(5/261)
شريح فسألوه فأخبرهم بما أشار عليه،
فقالوا: هلا أشرت عليه بقطعها، فقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المستشار مؤتمن» . ثم عزم زياد على قطعها
وقَالَ: أنام والطاعون فِي لحاف، فلما نظر إلى النار والمكاوي جزع،
فترك ذلك فحضرته الوفاة، فقَالَ له ابنه: يا أبه [1] ، قد هيأت لك ستين
ثوبا أكفنك فيها، فقَالَ: يا بني قد دنا من أبيك لباس خير من لباسه
هذا، وسلب سريع، فمات لثلاث خلون من رمضان بالثوير بجانب الكوفة، وكان
قد توجه يريد الحجاز واليا عليها، فلما بلغ الخبر ابن عمر، قَالَ: اذهب
إليك ابن سمية، لا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْد
الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي،
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ،
قال: أخبرنا الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الهيثم بن عدي، قال: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قَالَ:
حَدَّثَنَا عجلان مولى زياد وحاجبه، قَالَ:
كان زياد إذا خرج إلى المسجد مشيت أمامه حتى يدخل، وإذا دخل مشيت أمامه
حتى [2] يخرج، وإذا دخل مجلسه فعلت ذلك به، فدخل يوما مجلسه، فإذا ضوء
فِي الحائط مثال ثلاثين، فنظر إليه فقَالَ: يا عجلان، هل يصل إلى هذا
المجلس ضوء من موضع؟ قلت: لا، قَالَ: فما هذا؟ ثم قَالَ: هيه، هذا
والله أجلي، نعيت إلى نفسي ثلاثين سنة، والله ما أطمع فيها ثلاثين
شهرا، والله يفعل ما يريد، أثلاثون يوما، والله يفعل ما يشاء قَالَ
عجلان. فمات والله فِي آخر يوم من الثلاثين يوما.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
هِبَةَ اللَّهِ الْعُكَبْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا ابْن صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا] [2] أَبُو بَكْر
الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ
أُمِّهِ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ
الأَنْصَارِيِّ، قال:
__________
[1] في الأصل: «يا أباه» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وفيه: «قال أبو بكر» .
(5/262)
جَمَعَ زِيَادٌ أَهْلَ الْكُوفَةِ، فَمَلأَ
مِنْهُمُ الْمَسْجِدَ وَالرَّحْبَةَ وَالْقَصْرَ لِيَعْرِضَهُمْ عَلَى
الْبَرَاءَةِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. / قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: فَإِنِّي لمع نفر من أصحابي من 106/ ب الأَنْصَارِ
وَالنَّاسُ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ، قالَ: فَهَوَّمْتُ تَهْوِيمَةً،
فَرَأَيْتُ شَيْئًا أَقْبَلَ، طَوِيلَ الْعُنُقِ مِثْلَ عُنُقِ
الْبَعِيرِ، أَهْدَبَ أَهْدَلَ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا
النَّفَادُ ذُو الرَّقَبَةِ بُعِثْتُ إِلَى صاحب هذا القصر. فاستيقظت
فزعا، فقلت لأصحابي: هَلْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ؟ قَالُوا: لا،
فَأَخْبَرْتُهُمْ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا خَارِجٌ مِنَ الْقَصْرِ فَقَالَ:
إِنَّ الأَمِيرَ يَقُولُ لَكُمْ انْصَرِفُوا عَنِّي فَإِنِّي عَنْكُمْ
مشغول، وإذا الطاعون قد أصابه، فأنشأ عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُولُ:
[مَا كَانَ مُنْتَهِيًّا عَمَّا أَرَادَ بِنَا ... حَتَّى تَنَاوَلَهُ
النَّفَادُ ذُو الرَّقَبَهْ]
وَأَثْبَتَ الشّقُّ مِنْهُ ضَرْبَةٌ ثَبَتَتْ ... كَمَا تَنَاوَلَ
ظُلْمًا صَاحِبَ الرَّحْبَهْ
قَالَ أبو بكر القرشي: حَدَّثَنِي زكريا بن يَحْيَى، عن عبد السلام بن
مظهر، عن جعفر بن سليمان، عن عبد ربه أبي بن كعب الجرموزي:
أن زيادا لما قدم الكوفة قَالَ: أي أهل البلد أعبد؟ قالوا: فلان
الحميري، فأرسل إليه، فأتاه فإذا له سمت ونجو، فقَالَ زياد: لو مال هذا
مال أهل الكوفة معه، فقَالَ له:
إني بعثت إليك لأمولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج، قَالَ: سبحان
الله، والله لصلاة واحدة فِي جماعة أحب إليّ من الدنيا كلها، ولزيارة
أخ في الله وعيادة مريض أحب إلي من الدنيا كلها، وليس إلى ذلك سبيل.
قَالَ: فاخرج فصل فِي جماعة، وزر إخوانك، وعد المريض، والزم لسانك،
قَالَ: سبحان الله، أرى معروفا لا أقول فيه، أرى منكرا لا أنهى عنه، فو
الله لمقام من ذلك واحد أحب إلي من الدنيا كلها. قَالَ جعفر: أظن الرجل
أبو المغيرة، فقَالَ: السيف، فأمر به فضربت عنقه، قَالَ جعفر:
فقيل لزياد: أبشر، قَالَ: كيف وأبو المغيرة فِي الطريق.
أنبأنا الجريري، عن العشاري، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن الحسين، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن مهدي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِي بْن
أَحْمَد بْن أَبِي قيس، قال: حدثنا أبو بكر القرشي، قال: حدثني سعيد بن
يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عمي عَبْد اللَّهِ بن سعيد، عن زياد بن
عَبْد اللَّهِ، عن عوانة، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بن
الحسين، عن القاسم بن سليمان، / قَالَ: 107/ أ
(5/263)
وقع طاعون بالكوفة فبدأ زياد، فخرج من
الكوفة، فلما ارتفع الطاعون رجع فخرج طاعون بأصبعه. قَالَ سليم: فأرسل
إلي فأتيته، فقَالَ: يا سليم، أتجد ما أجد من الحر؟ قلت: لا، قَالَ:
والله إني لأجد فِي جسدي حرا كأنه النار، واجتمع إليه مائة وخمسون
طبيبا، منهم ثلاثة من أطباء كسرى، فخلا سليم بطبيب [1] من أطباء كسرى
فسأله عنه، فقَالَ له الطبيب ما به وهو ميت، فمره بالوصية.
371- صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم: [2] .
كان يَحْيَى الموءودة فِي الجاهلية، ثم جاء الإسلام فأسلم.
روى أبو عبده، عن عقَالَ بن شبة، قَالَ: قَالَ صعصعة: خرجت باغيا
ناقتين لي فرفعت لي نار فسرت نحوها وهممت بالنزول، فجعلت النار تضيء
مرة وتخبو أخرى، فلم تزل تفعل ذلك حتى قلت: اللَّهمّ لك علي إن بلغتني
هذه النار أن لا أجد أهلها يوقدونها لكربة: إلا فرجتها عنهم، قَالَ:
فلم أسر إلا قليلا حتى أتيتها، فإذا حي من بني أنمار، وإذا بشيخ يوقدها
فِي مقدم بيته، والنساء قد اجتمعن إلى امرأة ماخض قد حبستهن ثلاث ليال،
فسلمت، فقَالَ الشيخ: من أنت؟ فقلت: أنا صعصعة بن ناجية، فقَالَ: مرحبا
بسيدنا، ففيم أنت يا بن أخي؟ فقلت: فِي بغاء ناقتين لي، قَالَ: قد
وجدتهما بعد أن أحيى الله بهما أهل بيت من قومك، وقد تجناهما وعطفت
إحداهما على الأخرى، وهم شأنك فِي أدنى الإبل، قَالَ: ففيم توقد نارك
منذ الليلة، قَالَ:
أوقدتها لامرأة ماخض قد حبستنا منذ ثلاث ليال، قَالَ: فقَالَ النساء:
قد جاء الولد، فقَالَ الشيخ: إن كان غلاما فو الله ما أدري ما أصنع به،
وإن كانت جارية فلا أسمعن صوتها إلا قتلتها، فقلت، يا هذا، ذرها فإنها
ابنتك ورزقها على الله، فقَالَ أقتلها، فقلت: أنشدك الله، فقَالَ: إني
أراك بها حفيا فاشترها مني، قلت: إني أشتريها منك، فقَالَ: ما تعطيني؟
قلت: أعطيك إحدى ناقتي، قَالَ: لا، قلت: أزيدك الأخرى، فنظر إلى 107/ ب
جملي الذي تحتي، فقَالَ: / لا إلا أن تزيدني جملك هذا فإني أراه حسن
اللون شاب السن، فقلت: هو لك على أن تبلغني أهلي، قَالَ قد فعلت.
فابتعتها منه، وأخذت عليه
__________
[1] في الأصل: «فخلا طبيب بطبيب» .
[2] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 25.
(5/264)
عهد الله وميثاقه ليحسنن برها وصلتها ما
عاشت حتى تبين عنه أو يدركها الموت، فلما برزت من عنده حدثت نفسي وقلت:
إن هذه مكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، ثم قلت: اللَّهمّ إن لك علي
أن لا أسمع برجل من العرب يريد أن يئد بنتا له إلا اشتريتها بلقوحة
وجمل، فبعث الله عز وجل مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقد أحييت مائة موءودة إلا أربعا لم يشاركني فِي ذلك أحد حتى أنزل الله
عز وجل تحريمه فِي القرآن.
وفِي رواية أخرى: أنه جاء الإسلام وقد أحيى ثلاثمائة وستين موءودة.
وفي رواية أربعمائة.
وقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وتعلم القرآن وأخبر رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما صنع، فقَالَ: «لك أجر ذلك
إذ من الله عليك بالإسلام» . ثم توفي في هذه السنة
. [1]
__________
[1] في نسخة ترخانة نهاية المجلد السابع، وقد كتب فيها: «تم المجلد
السابع» .
(5/265)
ثم دخلت سنة أربع وخمسين
فمن الحوادث فيها:
مشتى مُحَمَّد بن مالك بأرض الروم، وصائفة معن بن يزيد السلمي [1] .
وفيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن المدينة
واستعمل مروان [2]
وسبب ذلك أن معاوية كان يغري بين مروان وسعيد بن العاص، فكتب إلى سعيد
وهو على المدينة: اهدم دار مروان، فلم يهدمها، فأعاد إليه الكتاب مرة
بعد مرة فلم يفعل، فعزله، فلما ولى مروان كتب إليه اهدم دار سعيد، فركب
وجاء بالفعلة، فقَالَ له [سعيد] [3] : أتهدم داري؟ قَالَ: كتب إلي أمير
المؤمنين، ولو كتب إليك فِي هدم داري لفعلت، قَالَ: ما كنت لأفعل،
قَالَ: بلى والله. فجاءه بكتاب معاوية فِي ذلك فرجع ولم يهدمها.
وقَالَ الواقدي [4] : كتب إليه: اقبض أموال مروان واجعلها صافية، واقبض
فدك 108/ أمنه، وكان وهبها له. فراجعه سعيد وقَالَ: قرابته قريبة،
فأعاد إليه الكتاب/ فأبى وأخذ الكتابين فوضعهما عند جارية له، فلما عزل
وولي مروان كتب معاوية إلى مروان يأمره بقبض أموال سعيد بن العاص
بالحجاز، فأرسل إليه بكتاب مع ابنه عبد الملك وقَالَ: لو كان غير كتاب
أمير المؤمنين لتجافيته. فدعى سعيد بالكتابين اللذين كتب بهما إليه فِي
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 293.
[2] المرجع السابق والصفحة.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 5/ 293.
(5/266)
أموال مروان، فذهب بهما إلى مروان، فقَالَ:
هو كان أوصل لنا منه إليه، وكف عن قبض أموال سعيد.
وفِي هذه السنة عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة وولى عَبْد اللَّهِ
بن عمرو بن غيلان [1]
وكان سمرة خليفة زياد على البصرة، فلما مات زياد أقره معاوية ستة أشهر
ثم عزله، فقَالَ سمرة بن جندب: والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما
عذبني أبدا
. وفِي هذه السنة ولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان [2]
وذلك أنه لما مات زياد، وفد عبيد الله على معاوية، فقَالَ له معاوية:
من استخلف أخي على عمله بالكوفة؟ قَالَ: عَبْد اللَّهِ بن خالد بن
أسيد، قَالَ: وعلى البصرة سمرة بن جندب، فقَالَ: لو استعملك أبوك
لاستعملتك.
وكان معاوية إذا أراد أن يولي رجلا من بني حرب ولاه الطائف، فإن رأى
فيه ما يعجبه ولاه مكة معها، فإن أحسن الولاية جمع له معها المدينة،
فكان إذا ولى الطائف رجلا قيل: هو فِي أبي جاد [3] ، وإذا ولاه مكة
قيل: هو فِي القرار، فإذا ولاه المدينة قيل: هو قد حذق.
فولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان وهو ابن خمسة وعشرين سنة، فقدمها
وقطع النهر إلى جبال بخارى، ففتح راميثن، ونصف بيكند- وهما من بخارى-
ولقي الترك ببخارى ومع ملكهم أمرأته، فلما هزمهم الله أعجلها المسلمون
عن لبس خفيها، فلبست أحدهما وبقي الآخر، فأصابه المسلمون، فقوموا
الجورب بمائتي ألف درهم.
وأقام بخراسان سنتين.
وفيها: حج بالناس فِي هذه السنة/ مروان بن الحكم وكان هو على المدينة،
108/ ب
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 295.
[2] تاريخ الطبري 5/ 295.
[3] أي: في أول الأمر.
(5/267)
وكان على الكوفة عَبْد اللَّهِ بن خالد بن
أسيد، وقيل: بل كان الضحاك بن قيس. وكان على البصرة عَبْد اللَّهِ بن
عمرو بن غيلان.
ذكر من توفي فِي هذه السنة
372- ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يكنى
أبا عَبْد اللَّهِ [1] :
أصابه سبي فاشتراه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأعتقه، فلم يزل معه حتى قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فنزل حمص فمات فِي هذه السنة.
373- الحارث بن ربعي، أبو قتادة الأنصاري [2] :
قَالَ الواقدي: اسمه النعمان.
وقَالَ الهيثم بن عدي: اسمه عمرو. والأول أصح.
شهد ما بعد بدر، وحضر مع علي قتال الخوارج بالنهروان. وقد قيل إنه مات
فِي خلافته وصلى عليه، ولا يصح ذلك بل عاش بعده.
قَالَ أبو بكر بن أبي الدنيا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن
عَبْد اللَّهِ بن أبي قتادة، قَالَ:
توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة
. 374- حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى: [3]
ولد قبل الفيل باثنتي عشرة سنة، وكان آدم شديد الأدمة خفيف اللحم.
[أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عبد
الوهاب، أخبرنا أبو جعفر بن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا الْمُخَلِّصُ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطوسي، حدثنا] [4] الزبير بن
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 123.
[2] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 8.
[3] طبقات خليفة 13، والتاريخ الكبير للبخاريّ 3/ ترجمة 42، وتهذيب
الكمال 1454.
[4] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «قال الزبير بن بكار» .
(5/268)
بكّار، قالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَب بْن
عثمان، قَالَ:
دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة معها نسوة من قريش وهي حامل بحكيم بن
حزام، فضربها المخاض فِي الكعبة، فأتيت بنطع حيث أعجلتها الولادة،
فولدت حكيم بن حزام فِي الكعبة على النطع [1] . وكان حكيم من سادات
قريش فِي الجاهلية والإسلام.
قَالَ الزُّبَيْرُ بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك، عن أَبِيهِ، قَالَ:
لَمْ يَدْخُلْ دَارَ النَّدْوَةِ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِلْمَشُورَةِ
حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ،
دَخَلَهَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري،
قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا/ الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: حدّثنا 109/ أمحمد بن سعد،
قال: أخبرنا محمد بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي
حَبِيبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ،
يَقُولُ:
وُلِدْتُ قَبْلَ قُدُومِ أَصْحَابِ الْفِيلَ بِثَلاثَ عَشْرَةَ [2]
سَنَةً وَأَنَا أَعْقِلُ حِينَ أَرَادَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَنْ
يَذْبَحَ وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّهِ حَتَّى وَقَعَ نَذْرُهُ، وَذَلِكَ
قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِخَمْسِ سِنِينَ.
قَالَ مُحَمَّد بن عمر: شهد حكيم بن حزام مع أبيه حرب الفجار، وقتل
أبوه حزام فِي الفجار الأخير، وكان حكيم يكنى أبا خالد وكان له جماعة
من الولد كلهم أدرك رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأسلموا يوم الفتح.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [3] : وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ، عَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: بَكَى
حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أبه؟
قال: خصال كلها أبكاني،
__________
[1] الخبر جمهرة نسب قريش 1/ 353.
[2] كذا في الأصل. وفي ت: «اثنتي عشرة» وسبق في بداية الترجمة أنه ولد
قبل قدوم أصحاب الفيل باثنتي عشرة سنة.
[3] الخبر في تهذيب الكمال 7/ 183.
(5/269)
أَمَّا أَوَّلُهَا: فَبُطْءُ إِسْلامِي
حَتَّى سُبِقْتُ فِي مَوَاطِنَ كُلِّهَا صَالِحَةٍ، وَنَجَوْتُ يَوْمَ
بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْتُ: لا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ وَلا
أُوضَعُ مَعَ قُرَيْشٍ مَا بَقِيتُ، فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ وَيَأْبَى
اللَّهُ أَنْ يَشْرَحَ قَلْبِي لِلإِسْلامِ وَذَلِكَ أَنِّي أَنْظُرُ
إِلَى بَقَايَا مِنْ قُرَيْشٍ لَهُمْ أَسْنَانٌ مُتَمَسِّكِينَ [1]
بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقْتَدِي بِهِمْ،
وَيَا لَيْتَ أَنِّي لَمْ أَقْتَدِ بِهِمْ، فَمَا أَهْلَكَنَا إِلا
اقْتِدَاؤُنَا بِآبَائِنَا [2] وَكُبَرَائِنَا، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ جَعَلْتُ
أُفَكِّرُ، وَأَتَانِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حُرْبٍ، فَقَالَ: أَبَا
خَالِدٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَى أَنْ يَأْتِيَنَا مُحَمَّدٌ فِي
جُمُوعِ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ تَابِعِي إِلَى شَرَفٍ نَتَرَوَّحُ
الْخَبَرَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَخَرَجْنَا نَتَحَدَّثُ وَنَحْنُ
مشاة حتى إذا 109/ ب كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ إِذَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّهْمِ [3] مِنَ
النَّاسِ، فَلَقِيَ الْعَبَّاسُ/ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبَا
سُفْيَانَ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم فرجعت إِلَى مَكَّةَ فَدَخَلْتُ بَيْتِي وَآمَنَ النَّاسُ،
فَجِئْتُهُ صلّى الله عليه وسلّم بَعْدَ ذَلِكَ بِالْبَطْحَاءِ
وَأَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُهُ وَشَهِدْتُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ،
وَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى حُنَيْنٍ. فَأَعْطَى رِجَالا مِنَ
الْغَنَائِمِ وَالأَمْوَالِ، وَسَأَلْتُهُ حِينَئِذٍ فألحقت المسلة.
قَالَ مُحَمَّد بْن عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالا:
حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ بِحُنَيْنٍ مِائَةً
مِنَ الإِبِلِ فَأَعْطَانِيهَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ مِائَةً
فَأَعْطَانِيهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ
فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ
أَخَذَهُ بِإِسْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي
يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ، فَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ
السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .
فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكِ بِالْحَقِّ لا أَزْرَأُ
أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ فَيَأْبَى أَنْ
يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ عُمَرُ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى
عَطَائِهِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ
أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَدْعُوهُ إِلَى عَطَائِهِ
فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَزْرَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ
النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حتى توفي.
__________
[1] في التهذيب: «مستمسكين» .
[2] في ت: «أهلكنا الاقتداء بآبائنا» .
[3] الدهم: الجماعة الكبيرة.
(5/270)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ:
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ،
ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الإِسْلامِ مِائَةَ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى
مِائَةِ بَعِيرٍ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم،
فقال: يا رسول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شَيْئًا كُنْتُ فَعَلْتُهُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ أَتَحَنَّثُ بِهِ، هَلْ لِي فِيهِ مِنْ أَجْرٍ؟
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمْتَ
عَلَى مَا سَلَفَ/ لَكَ مِنْ خَيْرٍ» . أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد
الوهاب، قَالَ: أخبرنا ابن المسلمة، قَالَ:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي، قال: حَدَّثَنَا
الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مصعب بن عبد
الله، قال:
جاء الإسلام وَفِي يَدِ حَكِيمٍ الرِّفَادَةُ وَدَارُ النَّدْوَةِ
بِيَدِهِ، فَبَاعَهَا بَعْدُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ
دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: بِعْتَ مكرمة
قريش، فقال حكيم: ذَهَبَتِ الْمَكَارِمُ إِلا التَّقْوَى يَا ابْنَ
أَخِي، إِنِّي اشْتَرْيَتُ بِهَا دَارًا فِي الْجَنَّةِ، أُشْهِدُ
أَنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وكان يفعل المعروف ويصل الرحم، عاش ستين سنة فِي الجاهلية وستين سنة
فِي الإسلام.
قَالَ الزبير: وحَدَّثَنِي يعقوب بن مُحَمَّد بن عيسى، قَالَ:
حَدَّثَنِي عثمان بن عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبيه، عن
أبي بكر بن سليمان، قَالَ:
حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة [قد أهداها] ، وجللها الحبرة، وكفها على
أعجازها، ووقف مائة وصيف يوم عرفة فِي أعناقهم أطوقة الفضة قد نقش فِي
رءوسها عتقاء الله من حكيم بن حزام، وأعتقهم وأهدى ألف شاة.
قَالَ الزبير بن بكار: وأخبرني إبراهيم بن حمزة، أن مشركي قريش حصروا
بني هاشم فِي الشعب، وكان حكيم بن حزام تأتيه العير تحمل الحنطة من
الشام فيقبل بها إلى الشعب، ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم فيأخذون ما
عليها من الحنطة.
قَالَ الزُّبَيْرُ [1] : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِرِ، عَنِ
الْوَاقِدِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ حَكِيمُ
بن حزام:
__________
[1] الخبر في جمهرة نسب قريش 1/ 367- 371، وتهذيب الكمال 7/ 175.
(5/271)
كُنْتُ أُعَالِجُ الْبَزَّ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنْتُ رَجُلا تَاجِرًا أَخْرُجُ إِلَى الْيَمَنِ
وَإِلَى الشَّامِ فِي الرِّحْلَتَيْنِ، وَكُنْتُ أَرْبَحَ أَرْبَاحًا
كَثِيرَةً فَأَعُودُ عَلَى فُقَرَاءِ قَوْمِي وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ
شَيْئًا نُرِيدُ بِذَلِكَ ثَرَاءَ الأَمْوَالِ وَالْمَحَبَّةَ فِي
الْعَشِيرَةِ، وَكُنْتُ أحضر للأسواق، وكان لنا ثلاثة أسواق:
110/ ب سوق بعكاظ يَقُومُ صُبْحَ هِلالِ ذِي/ الْقِعْدَةِ، فَيَقُومُ
عِشْرِينَ يَوْمًا وَيَحْضُرُهَا الْعَرَبُ، وَبِهَا ابْتَعْتُ زَيْدَ
بْنَ حَارِثَةَ لِعَمَّتِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَهُوَ
يَوْمَئِذٍ غلام، فأخذته بستمائة دِرْهَمٍ، فَلَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ سَأَلَهَا
زَيْدًا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِهَا ابْتَعْتُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ، كَسَوْتُهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رأيت أَحَدًا قَطُّ أَجْمَلَ
وَلا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي تَلْكَ الْحُلَّةِ.
قَالَ: وَيُقَالُ: [1] إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَدِمَ بِالْحُلَّةِ
فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي عِيرٍ،
فَأَرْسَلَ بِالْحُلَّةِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: «لا أَقْبَلُ هدية مشرك» ، قال حَكِيمٌ:
فَجَزِعْتُ جَزَعًا شَدِيدًا حَيْثُ رَدَّ هَدِيَّتِي، وَبِعْتُهَا
بِسُوقِ النّبْطِ مِنْ أَوَّلِ سَائِمٍ سَامَنِي، وَدَسَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ فَاشْتَرَاهَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا بَعْدُ.
وَكان سُوقُ مَجَنَّةَ تَقُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ حَتَّى إِذَا
رَأَيْنَا هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ انْصَرَفْنَا وَانْتَهَيْنَا إِلَى
سُوقِ ذِي الْمَجَازِ تُقَامُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ.
وَكُلُّ هَذِهِ الأَسْوَاقِ أَلْقَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوَاسِمِ يَسْتَعْرِضُ
الْقَبَائِلَ قَبِيلَةً قَبِيلَةً يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى،
فَلا أَرَى أَحَدًا يَسْتَجِيبُ، وَقُرَيْشٌ أَشَدُّ الْقَبَائِلِ
عَلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا أَرَادَ بِهِمْ
كَرَامَةَ هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ فَبَايَعُوهُ وَآمَنُوا
بِهِ وَبَذَلُوا لَهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ
لَهُ دَارَ هِجْرَةٍ. فَلَمَّا حَجَّ مُعَاوِيَةُ سَامَنِي بِدَارِي
بِمَكَّةَ فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ،
فَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: مَا يَدْرِي هَذَا
الشَّيْخُ مَا يَبِيعُ لَيُرَدَّنَّ عَلَيْهِ بَيْعُهُ. فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ مَا ابْتَعْتُهَا إِلا بِزِقٍّ مِنْ خَمْرٍ. وَكَانَ حَكِيمٌ
يَشْتَرِي الظّهْرَ وَالأَدَاةَ وَالزَّادَ ثُمَّ لا يَجِيئُهُ أَحَدٌ
يَسْتَحْمِلُهُ في السبيل إلا حمله.
__________
[1] جمهرة نسب قريش 1/ 368.
(5/272)
وَكَانَ مُعَاوِيَةُ عَامَ حَجَّ مَرَّ
بِهِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَةٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
بِلَقُوحٍ [يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ
أَيُّ الطَّعَامِ يَأْكُلُ، فَقَالَ: أَمَّا مَضْغٌ فَلا مَضْغَ بِي،
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِلَقُوحٍ] [1] / وَصَلَهُ، فَأَبَى أَنْ
يَقْبَلَهَا وَقَالَ: لَمْ آخُذْ مِنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، قَدْ 111/ أدعاني أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى حَقِّي فَأَبَيْتُ.
توفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن مائة وعشرين سنة.
375- حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل،
أبو مُحَمَّد [2] :
أسلم يوم الفتح، وصحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وهو أحد النفر الذين أمرهم عمر بن الخطاب بتجديد أنصاب الحرم.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي
الْبَزَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْن حيويه،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الفهم،
قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ
مَسْلَمَةَ الأَشْهَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: [3] .
كَانَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ
وَمِائَةَ سَنَةٍ، سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّينَ فِي
الإِسْلامِ، فَلَمَّا وُلِّيَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْمَدِينَةَ
فِي عَمَلِهِ الأَوَّلِ دَخَلَ عَلَيْهِ حُوَيْطِبٌ مَعَ مَشْيَخَةٍ
جِلَّةٍ: حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ،
فَتَحَدَّثُوا عِنْدَهُ ثُمَّ تَفَرَّقُوا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
حُوَيْطِبٌ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَحَدَّثَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ
مَرْوَانُ: مَا سِنُّكَ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: تَأَخَّرَ
إِسْلامُكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَتَّى سَبَقَكَ الأَحْدَاثُ، فقَالَ
حُوَيْطِبٌ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ
بِالإِسْلامِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَعُوقُنِي
أَبُوكَ، يَقُولُ: تَدَعُ شَرَفَكَ [4] ، وَتَدَعُ دِينَ آبَائِكَ
لِدِينٍ مُحْدَثٍ وَتَصِيرُ تَابِعًا، قَالَ: فَأُسْكِتَ مَرْوَانُ،
وَنَدِمَ على ما كان.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 335، وطبقات خليفة 37، وتهذيب الكمال 1573.
[3] الخبر ساقط من ابن سعد، وأورده في تهذيب الكمال 8/ 467.
[4] في التهذيب: «تضع شرفك» .
(5/273)
قَالَ لَهُ: ثُمَّ قَالَ حُوَيْطِبٌ: أَمَا
كَانَ أَخْبَرَكَ عُثْمَانُ مَا كَانَ لَقِيَ مِنْ أَبِيكَ حِينَ
أَسْلَمَ؟
فَازْدَادَ مَرْوَانُ غَمًّا، ثُمَّ قَالَ حُوَيْطِبٌ: مَا كَانَ فِي
قُرَيْشٍ أَحَدٌ مِنْ كُبَرَائِنَا الَّذِينَ بَقَوْا عَلَى دِينِ
قَوْمِهِمْ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ، كَانَ أَكْرَهَ لِمَا هُوَ
عَلَيْهِ مِنِّي، وَلَكِنَّ الْمَقَادِيرَ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ بَدْرًا
مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَرَأَيْتُ عِبَرًا، رَأَيْتُ الْمَلائِكَةَ
تَقْتُلُ وَتَأْسِرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَقُلْتُ: هَذَا
رَجُلٌ مَمْنُوعٌ، وَلَمْ أَذكر مَا رَأَيْتُ، فَانْهَزَمْنَا
رَاجِعِينَ إلى مكة، 111/ ب فَأَقَمْنَا بِمَكَّةَ نُسْلِمُ رَجُلا
رَجُلا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ حَضَرْتُ وَشَهِدْتُ/
الصُّلْحَ وَمَشِيتُ فِيهِ حَتَّى تَمَّ، وَكُلَّ ذَلِكَ أُرِيدُ
الإِسْلامَ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا مَا يُرِيدُ، فَلَمَّا كَتَبْنَا
صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ كُنْتُ أَنَا أَحَدَ شُهُودِهِ، قُلْتُ: لا ترى
قريش من محمد إلا ما يسوؤها، قَدْ رَضِيتُ أَنْ دَافَعْتُ بِالرَّاحِ.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَامَ الْقَضِيَّةِ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ عَنْ مَكَّةَ، وَكُنْتُ
فِيمَنْ تَخَلَّفَ فِي مَكَّةَ أَنَا وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ولات
يَخْرُجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
مَضَى الْوَقْتُ، وَهُو ثَلاثٌ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الثَّلاثُ
أَقْبَلْتُ أَنَا وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقُلْنَا: قَدْ مَضَى
شَرْطُكَ فَاخْرُجْ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ بَلَدِنَا، فَصَاحَ: يَا بِلالُ
لا تَغِيبُ الشَّمْسُ وَأَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ مِمَّنْ
قَدِمَ مَعَنَا.
وَبِالإِسْنَادِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ
الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ، قَالَ: قَالَ حُوَيْطِبٌ [1] : لَمَّا دَخَلَ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عَامَ الْفَتْحِ
خِفْتُ خَوْفًا شَدِيدًا، فَخَرَجْتُ مِنْ بَيْتِي وَفَرَّقْتُ
عِيَالِي فِي مَوَاضِعَ يَأْمَنُونَ فِيهَا، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى
حَائِطِ عَوْفٍ، فَكُنْتُ فِيهِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ
الْغِفَارِيِّ وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خُلَّةٌ، فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ هَرَبْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: أبا محمد، قلت:
لبيك، قال: ما لك، قُلْتُ: الْخَوْفُ، قَالَ: لا خَوْفَ عَلَيْكَ
تَعَالَى أَنْتَ آمِنْ بِأَمَانِ اللَّهِ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ
وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى مَنْزِلِكَ، قُلْتُ:
وَهَلْ سَبِيلٌ إِلَى مَنْزِلِي، وَاللَّهِ مَا أَرَانِي أَصِلُ إِلَى
بَيْتِي حَيًّا حَتَّى أُلْقَى فَأُقْتَلَ أَوْ يُدْخَلَ عَلَيَّ فِي
مَنْزِلِي فَأُقْتَلُ وَإِنَّ عِيَالِي فِي مَوَاضِعَ شَتَّى، قَالَ:
فَاجْمَعْ عِيَالَكَ مَعَكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَأَنَا أَبْلُغُ
مَعَكَ منزلك،
__________
[1] الخبر سقط من ابن سعد، ونقله المزي في التهذيب 8/ 467.
(5/274)
فَبَلَغَ مَعِي وَجَعَلَ يُنَادِي عَلَى
بَابِي: إِنَّ حُوَيْطِبَ آمِنٌ فَلا يَهْجُ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «أو ليس قَدْ آمَنَّا
النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلا مَنْ أَمَرْتُ بِقَتْلِهِ» .
فَاطْمَأْنَنْتُ وَرَدَدْتُ عِيَالِي إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، وَعَادَ
إِلَيَّ أَبُو ذَرٍّ [1] فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ حَتَّى مَتَى
وَإِلَى مَتَى قَدْ سَبَقْتَ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا وَفَاتَكَ
خَيْرٌ كَثِيرٌ وَبَقِيَ خَيْرٌ كَثِيرٌ فَأْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم تسلم، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ
وَأَحْلَمُ النَّاسِ.
قُلْتُ: فَأَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ/ فَآتِيهِ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى
أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْبَطْحَاءِ وعنده 112/ أأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَوَقَفْتُ عَلَى
رَأْسِهِ وَقَدْ سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ: كَيْفَ يُقَالُ إِذَا سُلِّمَ
عَلَيْهِ؟ قَالَ: قُلْ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ، أَحُوَيْطِبٌ؟»
قُلْتُ: نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ
رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَاكَ» .
وَسُرَّ بِإِسْلَامِي وَاسْتَقْرَضَنِي مَالا فَأَقْرَضْتُهُ
أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا
وَالطَّائِفَ، وَأَعْطَانِي مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مِائَةَ بَعِيرٍ.
ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار. قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
بَاعَ حُوَيْطِبٌ دَارَهُ بِمَكَّةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعِينَ
أَلْفَ دِينَارٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرْبَعُونَ
أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَمَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ لِرَجُلٍ
عِنْدَهُ خَمْسَةٌ مِنَ الْعِيَالِ.
ومات حويطب بالمدينة فِي هذه السنة وله مائة وعشرون سنة.
376- سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم [2] :
أسلم يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حنينا وأعطاه من غنائمها خمسين بعيرا، وكان ممن يجدد أنصاب الحرم كل
سنة معرفة بها حتى ذهب بصره فِي آخر خلافة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وتوفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن مائة وعشرين سنة.
__________
[1] في الأصل: «أبو بكر» . خطأ.
[2] طبقات خليفة 278، والتاريخ الكبير 3/ ترجمة 1511، وتهذيب الكمال
2380.
(5/275)
377- سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن
عبد ودّ: [1]
تزوجها السكران بن عمرو، وأسلما وخرجا إلى الحبشة فِي الهجرة الثانية،
فلما قدم مكة توفي، فأرسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إليها فخطبها فتزوجها، فهي أول امرأة تزوجها بعد خديجة، وكان ذلك فِي
رمضان سنة عشر من النبوة، وبنى بها بمكة، وكانت قد كبرت فأراد طلاقها،
فقالت: دعني أحشر فِي جملة أزواجك وليلتي لعائشة.
وقيل: إنه طلقها، فلما قالت هذا راجعها.
112/ ب وتوفيت فِي شوال/ هذه السنة بالمدينة.
378- مرة بن شراحبيل الهمداني [2] :
ويقال له: مرة الخير، ومرة الطيب، سمي ذلك لعبادته.
وروى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود. وكان كثير الصلاة تبين فِي
وجهه وكفيه آثار الركوع والسجود.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أبي القاسم، قال: أخبرنا حمد بن أحمد، قال:
أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو حامد بن جبلة، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسحاق، قَالَ: حَدَّثَنَا سعدان بن يزيد،
قَالَ: حَدَّثَنَا الهيثم بن جميل، قَالَ: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة،
عن عطاء بن السائب، قَالَ:
كان مرة يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فلما ثقل وبدن صلّى أربعمائة
ركعة، وكنت تنظر إلى مباركه كأنها مبارك الإبل.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن
هبة الله الطبري، قال: أخبرنا ابن بشران، قال: حدثنا ابن صفوان، قال:
أخبرنا أبو بكر القرشي، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن،
قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ العابد، قال: حدّثنا الحارث الغنوي،
قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 35.
[2] طبقات ابن سعد 6/ 79.
(5/276)
سَجَدَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ حَتَى
أَكَلَ التُّرَابُ جَبْهَتَهُ، فَلَمَّا مَاتَ رَآهُ رَجَلٌ مِنْ
أَهْلِهِ فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ مَوْضِعَ سُجُودِهِ كَهَيْئَةِ
الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ يَلْمَعُ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي
أَرَى بِوَجْهِكَ؟ قَالَ: كَسَى مَوْضِعَ السُّجُودِ بِأَكْلِ
التُّرَابِ لَهُ نُورًا، قَالَ: فَمَا مَنْزِلَتُكَ فِي الْجَنَّةِ؟
قَالَ: خَيْرُ مَنْزِلَةٍ، دَارٌ لا يَنْتَقِلُ عَنْهَا أَهْلُهَا وَلا
يَمُوتُونَ.
379- النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث [1] :
شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مع رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُؤْتَى بِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي
شُرْبِ النَّبِيذِ، فَقَالَ رَجُلٌ: اللَّهمّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ
مَا يَشْرَبُ وَأَكْثَرَ مَا يُجْلَدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَلْعَنْهُ [2] فإنه يحب الله ورسوله»
.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 56، وفيه: «النعمان» .
[2] في ت: «أفتلعنه» .
(5/277)
ثم دخلت سنة خمس
وخمسين
فمن الحوادث فيها:
مشتى سفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم فِي قول الواقدي.
وقَالَ غيره: بل الذي شتا هناك عمرو بن محرز.
وقيل: بل عَبْد اللَّهِ بن قيس الفزاري.
وقيل: بل مالك بن عبد الله [1] .
113/ أ
وفيها عزل معاوية عَبْد اللَّهِ بن عمرو بن غيلان/ عن البصرة وولى عبيد
الله بن زياد [2]
وكان السبب فِي ذلك أن عَبْد اللَّهِ خطب على منبر البصرة فحصبه رجل من
بني ضبة يدعى جبير بن الضحاك، فأمر به فقطعت يده، فاجتمعت عشيرته فقالت
له: لا نأمن أن نبلغ خبر صاحبنا إلى أمير المؤمنين فتأتي من عنده عقوبة
تعم أو تخص، فإن رأى الأمير أن يكتب لنا كتابا يخرج به أحدنا إلى أمير
المؤمنين يخبره أنه قطعه على شبهة وأمر لم يصح، فكتب لهم، فأمسكوا
الكتاب مدة ثم ذهبوا به إلى معاوية وقالوا: إنه قطع يد صاحبنا ظلما
وهذا كتابه. فقرأ الكتاب وقَالَ: أما القود من عمالي فلا سبيل له، ولكن
إن شئتم وديت صاحبكم، فوداه من بيت المال، وعزل عَبْد اللَّهِ وقَالَ:
اختاروا من تحبون، فقالوا: يتخير لنا أمير المؤمنين، قَالَ: قد وليت
عليكم ابن أخي عبيد الله بن زياد.
فلما ولي عبيد الله ولى أسلم بن زرعة خراسان فلم يغز ولم يفتح بها
شيئا. وولى
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 299.
[2] المرجع السابق والصفحة.
(5/278)
شرطته عبد الله بن حصن والقضاء زرارة بن
أوفى ثم عزله وولى القضاء ابن أذينة العبدي.
وفِي هذه السنة عزل معاوية عَبْد اللَّهِ بن خالد بن أسيد عن الكوفة
وولاها الضحاك بن قيس الفهري.
وفيها: حج بالناس مروان بن الحكم، وكان على المدينة.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
380- أرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عَبْد اللَّهِ بن عمر بن مخزوم، أبو
عَبْد اللَّهِ:
[1] وأمه أميمة بنت الحارث من خزاعة، وخاله نافع بن الحارث بن خزاعة
عامل عمر بن الخطاب على مكة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ، قَالَ:
أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ
مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن سعد، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ هِنْدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الأَرْقَمِ [بْنِ أَبِي
الأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ] [2] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ
يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الأَرْقَمِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي جَدِّي عُثْمَانُ بْنُ الأَرْقَمِ، قَالَ [3] : أَنَا ابْنُ
سَبْعَةٍ فِي الإِسْلامِ، أَسْلَمَ أَبِي سَابِعَ سَبْعَةٍ، وَكَانَتْ
دَارُهُ بِمَكَّةَ عَلَى الصَّفَا، وَهِيَ/ الدَّارُ الَّتِي كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِيهَا فِي
أَوَّلِ الإِسْلامِ، وفيها دعي الناس 113/ ب إِلَى الإِسْلامِ،
وَأَسْلَمَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقَالَ لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ
فِيهَا: «اللَّهمّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَبِّ الرجلين إليك: عمر بن
الخطاب، أو عمرو بْنِ هِشَامٍ» . فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنَ
الْغَدِ بَكْرَةً فَأَسْلَمَ فِي دَارِ الأَرْقَمِ وَخَرَجُوا مِنْهَا
وَكَبَّرُوا وَطَافُوا بِالْبَيْتِ طَاهِرِينَ، فَدُعِيَتْ دَارُ
الأَرْقَمِ دَارُ الإِسْلامِ، وَتَصَدَّقَ بِهَا الأَرْقَمُ عَلَى
وَلَدِهِ، فَقَرَأْتُ نُسْخَةَ صَدَقَةِ الأَرْقَمِ بِدَارِهِ.
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا قَضَى الأَرْقَمُ
في ربعه ما حاذى الصفا، إنها
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 172.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 3/ 1/ 173، 174.
(5/279)
مُحَرَّمَةٌ بِمَكَانِهَا مِنَ الْحَرَمِ،
لا تُبَاعُ وَلا تُورَثُ، شَهِدَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ، وَفُلَانٌ
مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ» . فَلَمْ تَزَلْ هَذِهِ الدَّارُ
صَدَقَةً قَائِمَةً فيِهَا وَلَدُهُ يَسْكُنُونَ وَيُؤَاجِرُونَ
وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهَا [1] حَتَّى كَانَ زَمَنُ أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ مُحَمَّد بن عِمْرانَ: فأخبرني أبي، عن يَحْيَى بن عِمْرانَ أن
ابن عثمان بن الأرقم قَالَ:
إني لأعلم اليوم الذي وقعت فِي نفس أبي جعفر، إنه ليسعى بين الصفا
والمروة فِي حجة حجها ونحن على ظهر الدار فِي فسطاط فيمر تحتنا لو أشاء
أن آخذ قلنسوة عليه لأخذتها، وإنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي
حتى يصعد إلى الصفا، فلما خرج مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن حسن
بالمدينة، كان عَبْد اللَّهِ بن عثمان بن الأرقم ممن تابعه ولم يخرج
معه، فتعلق عليه أبو جعفر بذلك، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحبسه
ويطرحه في حديد، ثم بعث رجلا من أهل الكوفة يقال له شهاب بن عبد رب،
وكتب معه إلى عامل المدينة أن يفعل ما يأمره به، فدخل شهاب على عَبْد
اللَّهِ بن عثمان الحبس- وهو شيخ كبير ابن بضع وثمانين سنة، وقد ضجر
بالحديد والحبس- فقَالَ له: هل لك أن أخلصك مما أنت فيه وتبيعني دار
الأرقم؟ فإن أمير المؤمنين يريدها، وعسى أن بعته إياها أن أكلمه فيك
فيعفو عنك قَالَ: إنها صدقة، ولكن حقي منها له ومعي فيها شركاء إخوتي
وغيرهم، فقَالَ: إنما عليك نفسك، أعطنا حقك وبرئت. فاشهد له بحقه، وكتب
عليه 114/ أكتاب شراء على حساب سبعة/ عشر ألف دينار، ثم تتبع إخوته
ففتنهم بكثرة المال فباعوه، فصارت لأبي جعفر ولمن أقطعها، ثم صيرها
المهدي للخيزران أم مُوسَى وهارون، فبنتها وعرفت بها، ثم صارت لجعفر بن
موسى أمير المؤمنين، [ثم سكنها أصحاب الشطوي والعدني، ثم اشترى] [2]
عامتها غسان بن عباد من ولد موسى بن جعفر.
قَالَ علماء السير: شهد الأرقم بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله، ومات
الأرقم
__________
[1] في الأصل: «ويأخذون غلتها» . وما أوردناه من ابن سعد، أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/280)
بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن سبع
وثمانين سنة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص.
381- سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بْن عَبْد مناف بْن
زهرة بْن كلاب بن مرة ويكنى أبا إسحاق [1] :
وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بن قصي.
أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة.
وقيل: تسع عشرة.
وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي فليرني امرؤ خاله» .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهمّ
سدد رميته وأجب دعوته» . وكان مجاب الدعوة، ودعا فقَالَ: اللَّهمّ إن
لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة.
وولي الولايات من قبل عمر وعثمان، وجعله عمر أحد أصحاب الشورى، وأمره
على جيوش العراق، ثم ولاه الكوفة.
وكان قصيرا، غليظا، ذا هامة، شثن الأصابع، آدم، أفطس، أشعر الجسد، يخضب
السواد. وكان له من الولد، ثمانية عشر ذكرا، وثماني عشرة أنثى.
وروى عنه من الصحابة ابن عباس، وجابر بن سمرة، والسائب بن يزيد، وعائشة
أم المؤمنين.
وكان عمر يقول لابنه: إذا حدثك سعد عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا فلا تسأل عنه غيره.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن
حيوية، قال: أخبرنا ابن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال:
حدثنا محمد بن/ سعد، قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ،
وَيَعْلَى وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عبيد، قالوا: 114/ ب
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 97، ونسب قريش، وطبقات خليفة 15/ 126،
والتاريخ الكبير للبخاريّ 4/ ترجمة 1908.
(5/281)
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَالِدٍ،
عَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
يَقُولُ: [1] .
وَاللَّهِ إِنِّي لأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ إِلا
وَرَقُ الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا
لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: [2] وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَفْدِي أَحَدًا بِأَبَوَيْهِ إِلا سَعْدًا، فَإِنِّي
سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي
وَأُمِّي» . توفي سعد فِي قصر بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، فحمل
على أعناق الرجال إلى المدينة، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ
والي المدينة، ثم صلى عليه أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حجرهن ووقف به عليهنّ فصلين عليه ودفن بالبقيع.
وكان أوصى أن يكفن فِي جبة صوف له، كان لقي المشركين فيها يوم بدر فكفن
فيها وذلك في سنة خمس وخمسين. كذلك قَالَ خليفة بن خياط، وسعيد بن
عمير، وعمرو بن علي المدائني.
وقَالَ أبو نعيم الفضل بن دكين: سنة ثمان وخمسين.
وقال الهيثم بن عدي: سنة خمسين.
وقَالَ ابن بكير: سنة أربع وخمسين، وهو آخر المهاجرين وفاة. والأول
أثبت.
وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم. وفِي مقدار عمره أقوال ثلاث،
أحدها: ثلاث وثمانون. قاله إبراهيم بن سعد.
والثاني: أربع وسبعون. قاله عمرو بن علي.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 100.
[2] طبقات ابن سعد 3/ 1/ 99 والعبارة في الأصل: «قال أخبرنا سعد» .
(5/282)
والثالث: اثنتان وثمانون.
وقول الغلاس أثبت.
382- سحبان بن زفر بن إياس بن عبد شمس بن الأحب الباهلي: [1]
كان خطيبا بليغا يضرب المثل بفصاحته، ودخل على معاوية بن أبي سفيان
وعنده خطباء القبائل، فلما رأوه خرجوا لعلمهم/ بقصورهم عنه، فمن قوله:
115/ أ
لقد علم الحي اليمانيون أنني ... إذا قلت: أما بعد، أني خطيبها
فقال له معاوية: اخطب، فقَالَ: انظروا لي عصا تقيم من أودي، قالوا: وما
تصنع بها وانت بحضرة أمير المؤمنين؟ قَالَ: ما كان يصنع بها مُوسَى وهو
يخاطب ربه، فأخذها وتكلم من الظهر إلى أن قارب العصر ما تنحنح ولا سعل
ولا توقف ولا ابتدأ فِي معنى فخرج عنه وقد بقيت عليه بقية فيه، فقَالَ
معاوية: الصلاة، قَالَ: الصلاة أمامك ألسنا فِي تحميد وتمجيد وعظة
وتنبيه وتذكير ووعد ووعيد، فقَالَ معاوية: أنت أخطب الجن والإنس،
قَالَ: كذلك أنت.
383- فضالة بن عبيد بن نافذ بن قيس [2] :
كان صبيا يوم قدم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: لما قدم رسول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قباء كنا غلمانا نحتطب، فأرسلنا
إلى أهلنا وقَالَ: قولوا قد جاء صاحبكم الذي تنتظرون، فخرجنا إلى أهلنا
فأخبرناهم، فأقبل القوم.
وشهد فضالة أحدا والخندق وما بعدها، وكان ممن بايع تحت الشجرة، ثم خرج
إلى الشام وصار قاضيا بها فِي خلافة معاوية.
384- قثم بن العباس بن عبد المطلب: [3]
كان [يشبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومر به] [4]
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يلعب، فحمله خلفه.
__________
[1] البداية والنهاية 8/ 77.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 124.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 101.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/283)
واستعمله علي بن أبي طالب على المدينة،
وخرج مع سعيد بن عثمان فِي زمن معاوية، فاستشهد بسمرقند.
385- كعب بن عمرو بن عباد، أبو اليسر [1] :
شهد العقبة وبدرا وهو ابن عشرين سنة، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
115/ ب وكان قصيرا دحداحا، أبطن، وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب/
يوم بدر.
وتوفي بالمدينة في هذه السنة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 3/ 2/ 118.
(5/284)
ثم دخلت سنة ست
وخمسين
فمن الحوادث فيها مشتى جنادة بن أبي أمية بأرض الروم.
وقيل: عَبْد الرَّحْمَنِ بن مسعود.
وفيها: غزا البحر يزيد بن شجرة الرهاوي، وغزا البر عياض بن الحارث.
وفيها: حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
وفيها: اعتمر معاوية فِي رجب [1] .
وفيها دعا الناس معاوية إلى بيعة يزيد ابنه
من بعده وجعله ولي عهده [2]
وكان سبب ذلك أن المغيرة قدم على معاوية واستعفاه وشكى إليه الضعف،
فأعفاه، وأراد أن يولي سعيد بن العاص، فدخل المغيرة على يزيد فعرض له
البيعة، فأدى ذلك يزيد إلى أبيه، فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة وأمره
أن يعمل فِي بيعة يزيد.
فشخص إلى الكوفة فعمل فِي بيعة يزيد، وكتب معاوية إلى زياد يستشيره فِي
ذلك، فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النميري، فقَالَ: إن أمير المؤمنين قد
أجمع على بيعة يزيد وهو متخوف نفرة الناس، ويزيد صاحب تهاون، مع ما قد
أولع به من الصيد، فالق أمير المؤمنين مؤديا عني وأخبره عن فعلات يزيد
وقل: رويدك بالأمر، فأقمن أن يتم لك ما تريد، ولا تعجل فإن دركا فِي
تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت. فقَالَ عبيد له:
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 301.
[2] تاريخ الطبري 5/ 301.
(5/285)
أفلا غير هذا، قَالَ: ما هو؟ قَالَ: لا
تفسد على معاوية رأيه ولا تمقت إليه ابنه، وألقى أنا يزيد سرا من
معاوية فأخبره عنك أن أمير المؤمنين يستشيرك فِي بيعته، وأنت تتخوف
خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه، وأنت ترى له ترك ما ينقمون عليه
فتستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس، ويسهل لك ما تريد، فتكون قد
نصحت يزيد وأرضيت أمير المؤمنين.
فقَالَ: أشخص على بركة الله. فقدم على يزيد فذاكره ذلك، وكتب زياد إلى
116/ أمعاوية يأمره بالتؤدة/ وأن لا يعجل فقبل ذلك معاوية، وكف يزيد عن
كثير مما كان يصنع، ثم قدم عبيد على زياد فأقطعه قطيعة.
فلما مات زياد دعا معاوية بكتاب، فقرأه على الناس باستخلافه يزيد إن
حدث به حدث الموت فيزيد ولي عهده، فاستوثق له الناس على البيعة ليزيد
غير نفر خمسة، أحدهم الحسين بن علي رَضِيَ اللهُ عنهما، فقال له
معاوية: يا بن أخي، قد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر أنت
تقودهم، فما إربك إلى هذا الخلاف؟ قَالَ: أنا أقودهم، قَالَ:
نعم، فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم وإلا لم تكن عجلت علي بأمر.
قَالَ:
وتفعل؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهم أحدا، فالتوى
عليه، ثم أعطاه ذلك، فخرج وقد أقصد له ابن الزبير رجلا بالطريق. قَالَ:
يقول لك أخوك ابن الزبير: ما كان فلم يزل به حتى استخرج منه شيئا.
ثم أرسل بعده إلى ابن الزبير، فقَالَ له: قد استوثق الناس لهذا الأمر
غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا بن أخي، فما إربك إلى الخلاف؟
قَالَ: أنا أقودهم؟ قَالَ:
نعم، قَالَ: فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم وإلا لم تكن عجلت
علي بأمر، قَالَ: وتفعل؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأخذ عليه أن لا يخبر
بحديثهما أحدا، قَالَ: يا أمير المؤمنين نحن فِي حرم وعهد الله ثقيل،
فأبى عليه وخرج.
ثم أرسل بعده إلى ابن عمر رضي الله عنهما فكلمه بكلام هو ألين من كلام
صاحبيه، فقَالَ: إني أرهب أن أدع أمة مُحَمَّد كالضأن لا راعي لها وقد
استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم، فما إربك
إلى الخلاف؟ قَالَ: هل لك فِي أمر يذهب الوزر، ويحقن الدم، وتدرك
حاجتك؟ قَالَ: وددت، قَالَ: تبرز سريرك
(5/286)
ثم أجيء فأبايعك على أني أدخل بعدك فيما
يجتمع له عليه الأمة، فو الله لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي
لدخلت فيما تدخل فيه الأمة، قَالَ: وتفعل؟ قَالَ: نعم. ثم خرج فأتى
منزله فأطبق بابه وجعل الناس يجيئون فلا يأذن لهم.
فأرسل إلى عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي بكر، فقَالَ: يا ابن أبي بكر بأية
يد أو رجل تقدم على معصيتي، قَالَ: أرجو/ أن يكون ذلك خيرا لي، فقَالَ:
والله لقد هممت أن 116/ ب أقتلك، قَالَ: لو فعلت لأتبعك الله به لعنة
فِي الدنيا وأدخلك به فِي الآخرة النار.
قَالَ: ولم يذكر ابن عباس.
وحكى مُحَمَّد بن سعد: أن معاوية قَالَ للحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد
الرحمن بن أبي بكر، ولعبد الله بن الزبير: إني أتكلم بكلام فلا تردوا
علي شيئا فأقتلكم. فخطب الناس وأظهر أنهم قد بايعوا ليزيد، فسكت القوم
ولم ينكروا خوفا منه ورحل من المدينة.
وفِي هذه السنة ولى معاوية سعيد بن عُثْمَان بْن عَفَّانَ على خراسان
[1]
وكان السبب أن سعيدا سأل ذلك، قَالَ: إن بها عبيد الله بن زياد،
فقَالَ: أما والله لقد اصطنعك أبي ورقاك حتى بلغت باصطناعه المدى [الذي
لا يجاري إليه ولا يسامى] [2] ، فما شكرت بلاءه ولا جازيته. فولاه حرب
خراسان، وولى إسحاق بن طَلْحَة خراجها.
وكان إسحاق ابن خالة معاوية، أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة، فلما صار
بالري مات إسحاق بن طَلْحَة، فولي سعيد خراج خراسان وحربها، فقطع سعيد
الترمذ إلى سمرقند، فخرج إليه أهل الصغد فواقفوه يوما إلى الليل ثم
انصرفوا من غير قتال، فلما كان الغد خرج إليهم سعيد، وناهضه أهل الصغد
فقاتلهم فهزمهم وحصرهم فِي مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهنا منهم خمسين
غلاما يكونون فِي يده من أبناء عظمائهم، وعبر فأقام بالترمذ.
وكان العامل فِي هذه السنة على المدينة مروان بن الحكم، وعلى الكوفة
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 304.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/287)
الضحاك بن قيس، وعلى البصرة عَبْد اللَّهِ
بن زياد، وعلى خراسان سعيد بن عثمان بن عفان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
386- أم حرام بنت ملحان، أخت أم سليم: [1]
أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلّى الله عليه وسلّم
يقيل فِي بيتها.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْن مالك، قَالَ: حدثنا عبد الله بن
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا/ رَوْحٌ، قال:
حدّثنا 117/ أحماد- يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَنَسٍ،
عَنْ أُمِّ حَرَامٍ أَنَّهَا قَالَتْ: [2] بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِلا فِي بَيْتِي اسْتَيْقَظَ
وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ:
«عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ ظَهْرَ هَذَا
الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ» فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ
أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «اللَّهمّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ» .
ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي
وَأُمِّي مَا يُضْحِكُكَ، قَالَ: عُرِضَ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي
يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ،
فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَنْتِ
مِنَ الأَوَّلِينَ» . فغزت مع عبادة بن الصامت وكان زوجها عبادة بن
الصامت فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت.
قَالَ هرم بن عمار: أنا رأيت قبرها ووقفت عليه بالساحل بفاقيس.
وقَالَ هشام بن الغار: قبرها بقبرص، وهم يقولون: هذا قبر المرأة
الصالحة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 318.
[2] الخبر في الطبقات 8/ 318.
(5/288)
ثم دخلت سنة سبع
وخمسين
فمن الحوادث فيها:
مشتى عَبْد اللَّهِ بن قيس بأرض الروم.
وفيها: صرف مروان عن المدينة فِي ذي القعدة. واستعمل الوليد بن عتبة بن
أبي سفيان.
وقَالَ غيره: بل كانت المدينة فِي هذه السنة إلى مروان، وإنما صرفه فِي
سنة ثمان وخمسين، واستعمل حينئذ الوليد بن عتبة.
وفيها: حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان العامل على الكوفة
الضحاك بن قيس، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد، وعلى خراسان سعيد بن
عثمان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
387- عثمان بن حنيف بن واهب بن عكيم، أبو عَبْد اللَّهِ: [1]
بعثه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على خراج السواد، ورزقه كل يوم ربع
شاة وخمسة دراهم، وأمره أن يمسح/ السواد، فلم يزل على ذلك. 117/ ب ولما
قتل عثمان بعثه علي بن أبي طالب واليا على البصرة فلم يزل بها حتى قدم
عليه طَلْحَة والزبير فقاتلهم ثم اصطلحوا وكتبوا بينهم كتابا بالموادعة
على أن دار الإمارة والمسجد وبيت المال إلى عثمان بن حنيف، وينزل
طَلْحَة والزبير وعائشة حيث شاءوا من البصرة.
وتوفي عثمان بن حنيف في خلافة معاوية.
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 179.
(5/289)
ثم دخلت سنة ثمان
وخمسين
فمن الحوادث فيها:
غزو مالك بن عَبْد اللَّهِ الخثعمي أرض الروم.
وقتل يزيد [1] بن شجرة فِي البحر فِي السفن.
وقيل: إن الذي شتى بأرض الروم فِي هذه السنة عمرو بن يزيد الجهني،
والذي غزا فِي البحر جنادة بن أبي أمية [2] .
وفيها ولى معاوية الكوفة عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَبْد اللَّهِ بن عثمان
بن ربيعة الثقفِي [3] .
وهو ابن أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان، وعزل عنها الضحاك بن قيس.
وفِي عمله فِي هذه السنة خرجت الطائفة التي حبسها المغيرة بن شعبة فِي
السجن من الخوارج الذين كانوا بايعوا المستورد، فظفر بهم فاستودعهم
السجن، فلما مات المغيرة خرجوا من السجن، فجمع حيان بن ظبيان أصحابه ثم
حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بعد، فإن الله
عز وجل كتب علينا الجهاد، فمنا من قضى نحبه ومنا من ينتظر، وأولئك هم
الأبرار الفائزون بفعلهم، فمن كان منكم يريد الله وثوابه فليسلك سبيل
أصحابه.
__________
[1] في الأصول: «وقيل: يزيد» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 309.
[3] المرجع السابق والصفحة.
(5/290)
وقَالَ معاذ بن جوين [الطائي] [1] : يا أهل
الإسلام، إنا والله لو علمنا أنا إذا تركنا جهاد الظلمة وإنكار الجور،
كان لنا به عند الله عذر، لكان تركه أيسر علينا وأخف من ركوبه، ولكنا
قد علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا.
ثم قَالَ: ابسط يدك نبايعك، فبايعه وبايعه القوم، فضربوا على يد حيان
فبايعوه وذلك فِي إمارة عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَبْد اللَّهِ، / ثم أن
القوم اجتمعوا في منزل معاذ بن 118/ أجوين، فقَالَ لهم حيان: عباد
الله، أشيروا برأيكم، أين تأمروني أن أخرج؟ فقَالَ له معاذ: إني أرى أن
تسير بنا إلى حلوان فإنها كورة بين السهل والجبل، وبين المصر والثغر،
فمن كان يرى رأينا من أهل المصر والثغر والجبال والسواد لحق بنا.
فقَالَ له حيان:
عدوك معاجلك قبل اجتماع الناس إليك، فلا يتروكم حتى يجتمع الناس إليكم،
ولكن رأيت أن أخرج معكم فِي جانب الكوفة ثم نقاتلهم حتى نلحق بربنا،
فإني [والله] [2] قد علمت أنكم لا تقدرون وأنتم دون المائة رجل أن
تهزموا عدوكم، ولا أن تشتد نكايتكم فيهم، ولكن متى علم الله أنكم قد
أجهدتم أنفسكم فِي جهاد عدوه وعدوكم كان لكم به العذر، وخرجتم من
الإثم.
قالوا: رأينا رأيك، فقَالَ لهم عديس بن عرقوب [3] : اخرجوا بجانب من
مصرهم هذا فقاتلوا، فقالوا: لن يخالفك، فمكثوا حتى إذا كان آخر سنة من
سني ابن أم الحكم فِي أول يوم من ربيع الآخر اجتمعوا إلى حيان، فقَالَ:
يا قوم، والله الذي لا إله غيره ما سررت قط في الدنيا بعد ما أسلمت
سروري بخروجي هذا على الظلمة، إني قد رأيت أن نخرج حتى ننزل جانب دار
جرير، فإذا خرج إليكم الأحزاب ناجزتموهم، فقَالَ عديس بن عرقوب:
إذا قاتلتهم فِي جوف المصر قاتلنا الرجال وصعد النساء والصبيان
والإماء، فرمونا بالحجارة، فقَالَ رجل منهم: انزلوا بنا من وراء الجسر،
فقَالَ معاذ: لا بل سيروا بنا
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 310.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ الطبري.
[3] في الأصل: «عريش بن عرقوب» . وفي الطبري: «عتريس بن عرقوب» .
(5/291)
فلننزل بانقيا فما أسرع ما يأتيكم عدوكم،
فإذا كان ذلك استقبلنا القوم وجعلنا البيوت فِي ظهورنا، فقاتلناهم من
وجه واحد، فخرجوا فبعث إليهم جيش فقتلوا جميعا.
وفِي هذه السنة طرد أهل الكوفة عَبْد الرَّحْمَنِ بن أم الحكم [1]
118/ ب وذلك أنه أساء السيرة فيهم، فطردوه، فلحق بمعاوية/ وهو خاله،
فقَالَ له:
أوليك خيرا منها مصر، فولاه، فتوجه إليها، وبلغ معاوية بن حديج السكوني
الخبر، فخرج إليه واستقبله على مرحلتين من مصر، فقَالَ له: ارجع إلى
خالك فلعمري لا تسير فينا سيرتك فِي إخواننا من أهل الكوفة.
فرجع إلى معاوية، ثم أقبل معاوية بن حديج وافدا، فدخل عليه وعنده أم
الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: هذا معاوية بن حديج،
قالت: لا مرحبا به، «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» فقَالَ: على رسلك
يا أم الحكم، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت، أردت أن
يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار فِي إخواننا من أهل الكوفة
ما كان الله ليريه ذلك، ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطأطئ منه، فقَالَ
لها معاوية: كفى.
قصة ابن أم الحكم مع الأعرابي
وجرت لعبد الرحمن ابن أم الحكم قصة عجيبة أَخْبَرَنَا بِهَا مُحَمَّد
بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، وَأَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أحمد الكاتبة، قالت:
أَخْبَرَنَا جعفر بْن أحمد السَّرَّاجُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو عمر بن حيويه، قال: حدثنا
مُحَمَّد بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عُبَيْدٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِخْنَفٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ:
أَذنَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمًا، فَكَانَ فِيمَنْ
دَخَلَ عَلَيْهِ فَتًى مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، فَلَمَّا أَخَذَ النَّاسُ
مَجَالِسَهُمْ قَامَ الْفَتَى الْعُذْرِيُّ بَيْنَ السِّمَاطينَ ثُمَّ
أَنْشَأَ يَقُولُ:
مُعَاوِي يَا ذَا الْفَضْلِ وَالْحُكْمِ وَالْعَقْلِ ... وَذَا
الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالْجُودِ وَالْبَذْلِ
أَتَيْتُكَ لَمَّا ضَاقَ فِي الأَرْضِ مَسْلَكِي ... وَأَنْكَرْتُ
مِمَّا قَدْ أصبت به عقلي
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 312. والبداية والنهاية 8/ 89.
(5/292)
فَفَرِّجْ كَلاكَ اللَّهُ عَنِّي
فَإِنَّنِي ... لَقِيتُ الَّذِي لَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ قَبْلِي
وَخُذْ لِي هَدَاكَ اللَّهُ حَقِّي مِنَ الَّذِي ... رَمَانِي بِسَهْمٍ
كَانَ أَهْوَنَهُ قَتْلِي
وَكُنْتُ أُرْجِي عَدْلَهُ إِنْ أَتَيْتُهُ ... فَأَكْثَرَ تِرْدَادِي
مَعَ الْحَبْسِ وَالْكَبْلِ
/ فَطَلَّقْتُهَا مِنْ جَهْدِ مَا قَدْ أَصَابَنِي ... فَهَذَا أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ من العذل
119/ أفقال مُعَاوِيَةُ: ادْنُ بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ، مَا
خَطْبُكَ؟ فَقَالَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،
إِنَّنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ عَمٍّ لِي،
وَكَانَتْ لِي صِرْمَةٌ مِنْ إِبِلٍ وَشُوَيْهَاتٍ، فَأَنْفَقْتُ
ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصَابَتْنِي نَائِبَةُ الزَّمَانِ
وَحَادِثَاتُ الدَّهْرِ رَغِبَ عَنِّي أَبُوهَا، وَكَانَتْ جَارِيَةً
فِيهَا الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُ، فَكَرِهْتُ مُحَالَفَةَ أَبِيهَا،
فَأَتَيْتُ عَامِلَكَ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ،
وَبَلَغَهُ جَمَالُهَا، فَأَعْطَى أَبَاهَا عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ
وَتَزَوَّجَهَا وَأَخَذَنِي فَحَبَسَنِي وَضَيَّقَ عَلَيَّ، فَلَمَّا
أَصَابَنِي مَسُّ الْحَدِيدِ وَأَلَمُ الْعَذَابِ طَلَّقْتُهَا، وَقَدْ
أَتَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ غَيَّاثُ الْمَحْرُوبِ
وَسَنَدُ الْمَسْلُوبِ، فَهَلْ مِنْ فَرَجٍ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ فِي
بُكَائِهِ:
فِي الْقَلْبِ مِنِّي نَارٌ وَالنَّارُ فِيهَا شَرَارٌ ... وَالْجِسْمُ
مِنِّي نَحِيلٌ وَاللُّوْنُ فِيهِ اصْفِرَارٌ
وَالْعَيْنُ تَبْكِي بِشَجْوٍ وَدَمْعُهَا مِدْرَارٌ ... وَالْحُبُّ
دَاءٌ عَسِيرٌ فِيهِ الطَّبِيبُ يُحَارُ
حَمَلْتُ مِنْهُ عَظِيمًا فَمَا عَلَيْهِ اصْطِبَارٌ ... فَلَيْسَ
لَيْلِي بِلَيْلٍ وَلا نَهَارِي نَهَارٌ
فَرَقَّ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَتَبَ لَهُ إِلَى ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ
كِتَابًا غَلِيظًا، وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ يَقُولُ:
رَكِبْتَ أَمْرًا عَظِيمًا لَسْتُ أَعْرِفُهُ ... أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
مِنْ جَوْرِ امْرِئٍ زَانٍ
قَدْ كُنْتَ تُشْبِهُ صُوفِيًّا لَهُ كُتُبٌ ... مِنَ الْفَرَائِضِ
أَوْ آثَارِ فُرْقَانٍ [1]
حَتَّى أَتَانِي الْفَتَى الْعُذْرِيُّ مُنْتَحِبًا ... يَشْكُو
إِلَيَّ بِحَقٍّ غَيْرِ بُهْتَانٍ
أَعْطَى الإِلَهُ عُهُودًا لا أَجِيشُ بِهَا ... أَوْ لا فَبَرِئْتَ
مِنْ دِينٍ وَإِيمَانٍ
إِنْ أَنْتَ رَاجَعْتَنِي فِيمَا كَتَبْتُ بِهِ ... لأَجْعَلَنَّكَ
لَحْمًا عِنْدَ عُقْبَانِ [2]
طَلِّقْ سُعَادَ وَفَارِقْهَا بِمُجْتَمَعٍ ... وَأَشْهِدْ على ذاك
نصرا وابن ظبيان
__________
[1] في الأصل: «تحت الفرائض أو آثار فرحان» .
[2] في الأصل: «بين عقبان» .
(5/293)
فَمَا سَمِعْتُ كَمَا بُلِّغْتُ مِنْ
عَجَبٍ ... وَلا فِعَالُكَ حَقًّا فِعْلَ فِتْيَانِ [1]
فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ مُعَاوِيَةَ عَلَى ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ
تَنَفَّسَ الصَّعْدَاءَ وقال: وددت أن 119/ ب أَمِيرَ/ الْمُؤْمِنِينَ
خَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَهَا سَنَةً ثُمَّ عَرَضَنِي عَلَى السَّيْفِ،
وَجَعَلَ يُؤَامِرُ نَفْسَهُ فِي طَلاقِهَا فَلا يَقْدِرُ، فَلَمَّا
أَزْعَجَهُ الْوَفْدُ طَلَّقَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا سُعَادُ، اخْرُجِي،
فَخَرَجَتْ شَكِلَةً غَنِجَةً، ذَاتَ هَيْئَةٍ وَجَمَالٍ، فَلَمَّا
رَآهَا الْوَفْدُ قالوا: ما تصلح هذه إِلا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لا
لأَعْرَابِيٍّ، وَكَتَبَ جَوَابَ كِتَابِهِ يَقُولُ:
لا تَحْنَثَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ ... أُوفِي بِعَهْدِكَ
فِي رِفْقٍ وَإِحْسَانٍ
وَمَا رَكِبْتُ حَرَامًا حَيْثُ أَعْجَبَنِي ... فَكَيْفَ سُمِّيتُ
بِاسْمِ الْخَائِنِ الزَّانِ
وَسَوْفَ يَأْتِيكَ شَمْسٌ لا خَفَاءَ بِهَا ... أَبْهَى الْبَرِيَّةِ
مِنْ إِنْسٍ وَمِنْ جَانٍ
حَوْرَاءُ يَقْصُرُ عَنْهَا الْوَصْفُ إِنْ وُصِفَتْ ... أَقُولُ
ذَلِكَ فِي سِرٍّ وَإِعْلانٍ
فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنْ كَانَتْ
أُعْطِيَتْ حُسْنَ النِّعْمَةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهِيَ أَكْمَلُ
الْبَرِيَّةِ، فَاسْتَنْطَقَهَا فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ
كَلامًا وَأَكْمَلُهُمْ شَكْلا وَدلا، فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ
فَهَلْ مِنْ سَلْوٍ عَنْهَا بِأَفْضَلِ الرَّغْبَةِ، قَالَ: نَعَمْ
إِذَا فَرَّقْتَ بَيْنَ رَأْسِي وَجَسَدِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
لا تَجْعَلْنِي وَالأَمْثَالُ تُضْرَبُ بِي ... كَالْمُسْتَغِيثِ مِنَ
الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ
أَرْدُدْ سُعَادَ عَلَى حَيْرَانَ مُكْتَئِبٍ ... يُمْسِي وَيُصْبِحُ
فِي هَمٍّ وَتِذْكَارٍ
قَدْ شَفَّهُ قَلَقٌ مَا مِثْلُهُ قَلَقٌ ... وَأَسْعَرَ الْقَلْبُ
مِنْهُ أَيَّ إِسْعَارٍ
وَاللَّهِ وَاللَّهِ لا أَنْسَى مَحَبَّتَهَا ... حَتَّى أَغِيبَ فِي
رَمْسٍ وَأَحْجَارٍ
كَيْفَ السَّلْوُ وَقَدْ هَامَ الْفُؤَادُ بِهَا ... وَأَصْبَحَ
الْقَلْبُ عَنْهَا غَيْرَ صَبَّارٍ
قَالَ: فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا:
اخْتَارِي إِنْ شِئْتِ أَنَا، وَإِنْ شِئْتِ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ،
وَإِنْ شِئْتِ الأَعْرَابِيَّ. فَأَنْشَأَتْ سُعَادُ وَارْتَجَزَتْ
تَقُولُ:
هَذَا وَإِنْ أَصْبَحَ فِي الْخِمَارِ ... وَكَانَ فِي نَقْصِ مِنَ
الْيَسَارِ
أَكْثَرُ عِنْدِي مِنْ أَبِي وَجَارِي ... وَصَاحِبِ الدِّرْهَمِ
والدينار
أخشى إذا غدرت حر النار
__________
[1] في الأصل: «فعل إنسان» .
(5/294)
فقال معاوية: خذها/ لا بَارَكَ اللَّهُ
لَكَ فِيهَا. فَارْتَجَزَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:
خَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ للأَعْرَابِيِّ ... أَلَمْ تَرْقُوا
وَيْحَكُمْ لِمَا بِي
قَالَ: فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ
وَنَاقَةٍ وَوِطَاءٍ. وَأَمَرَ بِهَا فَأُدْخِلَتْ فِي بَعْضِ
قُصُورِهِ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنَ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ،
ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْعِهَا إِلَى الأَعْرَابِيِّ.
وفِي هذه السنة اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج [1]
فقتل منهم صبرا جماعة كثيرة، وفِي الحرب جماعة أخرى، وممن قتل منهم
صبرا عروة بن أدية.
وسبب ذلك أن ابن زياد خرج فِي رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع
الناس وفيهم عروة بن أدية، فأقبل على ابن زياد، فقَالَ: خمس كن فِي
الأمم [قبلنا] [2] ، فقد صرن فينا: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً
تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا
بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ 26: 128- 130 [3] وذكر خصلتين
نسيهما الراوي، فلما قَالَ ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترئ على مثل ذلك
إلا ومعه جماعة من أصحابه، فقام فركب وترك رهانه، فقيل لعروة: ما صنعت،
والله ليقتلنك. فتوارى، فطلبه ابن زياد فأتى الكوفة، فأخذ به ابن زياد
فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم دعاه فقَالَ: كيف ترى؟ قَالَ: أرى أنك
أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك، فقتله، وأرسل إلى ابنيه فقتلهما.
وكان ابن زياد قد حبس مرداس بن أدية، وكان السجان يرى عبادته واجتهاده،
فكان يأذن له فِي الليل فينصرف، فإذا طلع الفجر أتاه فدخل السجن، فذكر
ابن زياد الخوارج ليلة، فعزم على قتلهم إذا أصبح، فانطلق صديق لمرداس
إلى منزله وأخبرهم، فأرسلوا إليه ليعهد، فسمع ذلك مرداس، وبلغ الخبر
صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم مرداس الخبر فلا يرجع.
فلما كان وقت رجوعه جاء، فقَالَ له السجان: هل علمت ما عزم عليه
الأمير؟ قَالَ: نعم. فلما قدم/ ليقتل، وثب 120/ ب السجان- وكان ظئرا
لعبيد الله- فأخذ بقدمه وقَالَ: هبه لي، وقص عليه القصة، فوهبه له
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 312.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[3] سورة الشعراء، الآية: 128- 130.
(5/295)
وأطلقه، فخرج مرداس فِي أربعين رجلا إلى
الأهواز فبعث ابن زياد إليهم جيشا.
وفِي هذه السنة توفي عميرة بن يثربي [1] قاضي البصرة، فاستقضى مكانه
هشام بن هبيرة.
وكان على الكوفة فِي هذه السنة عَبْد الرَّحْمَنِ بن أم الحكم.
وقَالَ بعضهم: بل الضحاك بن قيس الفهري.
وعلى البصرة عبيد الله بن زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح.
وفيها: حج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
388- سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، يكنى أبا عثمان، ويكنى أبا سعيد:
[2] جده أبو أحيحة، قتل أبوه العاص يوم بدر كافرا، وقبض رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسعيد تسع سنين. وكان سعيد كريما،
استسقى يوما من دار بالمدينة، ثم عرض صاحب الدار الدار للبيع، فقَالَ:
لم يبيعها؟ قالوا: عليه دين أربعة آلاف دينار، فقَالَ: إن له لحرمة
لسقيه إيانا. فركب إليه ومعه غريمه، فقَالَ للغريم: هي لك علي، وقَالَ
لصاحب الدار:
استمتع بدارك.
وكان الناس يتعشون عنده، وكان فيهم رجل من القراء افتقر، فقالت له
زوجته: قد بلغنا عن أميرنا هذا كرم فاذكر له حالك فلعله أن ينيلنا
شيئا، فقَالَ: ويحك، لا تخلقي وجهي، قَالَتْ: فاذكر له على كل حال.
فتصرم الناس ليلة عنه، وثبت الرجل، فقَالَ: سعيد: أظن جلوسك لحاجة،
فسكت، فقَالَ لغلمانه:
تنحوا، ثم قَالَ له: رحمك الله، إنما أنا وأنت فاذكر حاجتك، فسكت،
فأطفأ السراج ثم قَالَ: رحمك الله، لست ترى وجهي فاذكر حاجتك، فقَالَ:
أصلح الله الأمير، لقد أصابتنا حاجة فأحببت ذكرها لك، فقَالَ: إذا
أصبحت فالق فلانا وكيلي. فلما أصبح
__________
[1] في ت: «عميرة بن سري» .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 19، ونسب قريش 177، والتاريخ الكبير للبخاريّ
3/ ترجمة 1672.
(5/296)
الرجل لقي الوكيل، فقَالَ له: إن الأمير قد
أمر لك بشيء فائت بمن يحمله معك، فقَالَ:
ما عندي من يحمل، ثم انصرف إلى زوجته فأخبرها الخبر وجعل يلومها ويقول:
ما أظنه أمر لي إلا بقوصرة تمر وقفيز بز وذهب ماء وجهي، لو كانت/ دراهم
أعطانيها، فقالت له 121/ أامرأته: يا هذا، قد بلغ بنا الأمر ما ترى
فمهما أعطاك فإنه يقوتنا، فأتى الوكيل، فقَالَ:
أين تكون؟ أخبرت الأمير أنه ليس عندك من يحمل فأمرني أن أوجه معك من
يحمل معك ما أمر به، ثم أخرج إليه ثلاثة من السودان على رأس كل واحد
منهم بدرة دراهم وقَالَ: امضوا معه، فلما بلغ الرجل باب منزله فتح بدرة
منها فأخرج دراهم ودفعها إلى السودان وقَالَ: انصرفوا، قَالُوا: إلى
أين، نحن عبيدك، إنه ما حمل مملوك للأمير قط هدية إلى أحد فرجع المملوك
إلى ملكه. قال: فصلحت حال الرجل.
ولما احتضر سعيد قَالَ لبنيه: لا يفقدن مني إخواني غير وجهي، فاصنعوا
لهم ما كنت أصنع، وأجروا عليهم ما كنت أجري، فاكفوهم مئونة الطلب، فإن
الرجل إذا طلب الحاجة اضطربت أركانه وارتعدت فرائصه مخافة أن يرد، فو
الله لرجل يتململ على فراشه يراكم موضعا لحاجة أعظم عليكم منة منكم
عليه بما تعطونه.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الْبَارِعُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٌ
الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بن داود،
قال: حدثنا الزبير بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدٍ
فَقَالَتْ: إِنِّي نَوَيْتُ أَنْ أُعْطِيَ هَذَا الثَّوْبَ أَكْرَمَ
الْعَرَبِ، فَقَالَ: «أَعْطِيهِ هَذَا الْغُلامَ» : يَعْنِي سَعِيدَ
بْنَ الْعَاصِ، وَهُوَ وَاقِفٌ. ومات سعيد بن العاص فِي قصره بالعرصة
على ثلاثة أميال من المدينة، ودفن بالبقيع، وأوصى إلى ابنه عمرو الأشدق
وأمره أن يدفنه بالبقيع، وقَالَ: إن قليلا لي عند قومي فِي بري بهم أن
يحملوني على رقابهم من العرصة إلى البقيع، ففعلوا، وأمر ابنه عمرا إذا
دفنه أن يركب إلى معاوية فينعاه ويبيعه منزله بالعرصة، وكان منزلا قد
أنحله سعيدا، وغرس فيه النخل وزرع وبنى فيه قصرا معجبا، وقَالَ لابنه:
إن منزلي هذا ليس فِي العقد، إنما هو منزل برة، فبعه من معاوية/ واقض
عني ديني ومواعيدي، ولا تقبل 121/ ب من معاوية قضاء ديني فتزودنيه إلى
ربي.
(5/297)
فلما دفنه عمرو ووقف الناس بالبقيع فعزوه،
ثم ركب رواحله إلى معاوية، فقدم عليه فنعاه له، فاسترجع وتوجع لموته،
ثم قَالَ: هل ترك من دين؟ قَالَ: نعم، قَالَ:
فكم؟ قال: ثلاثمائة ألف درهم، قَالَ: هي علي، قَالَ: قد أبى ذلك وأمرني
أن أقضي عنه من أمواله، أبيع ما استباع منها، قَالَ: فاعرضني ما شئت،
قَالَ: أنفسها وأحبها إلينا وإليه فِي حياته، منزله فِي العرصة، فقَالَ
له معاوية: هيهات لا تبيعون هذا المنزل، انظر غيره، قَالَ: فما نصنع،
نحب تعجيل قضاء دينه، قال: قد أخذته بثلاثمائة ألف درهم، قَالَ: اجعلها
بالواقية- يريدون درهم فارس، الدرهم زنة مثقَالَ الذهب- قَالَ: قد
فعلت، قَالَ: فاحملها إلى المدينة، قَالَ: قد فعلت، فحملها له، فقدم
عمرو بن سعيد فجعلها فِي ديونه وحاسبهم بما بين الدراهم الواقية- وهي
البعلية- وبين الدراهم الجوار- وهي تنقص فِي العشرة ثلاثة، كل سبعة
بالبعلية عشرة بالجوار- حتى أتاه فتى من قريش فذكر حقا له فِي كراع
أديم بعشرين ألف درهم على سعيد بن العاص بخط مولى لسعيد كان يقوم لسعيد
على بعض نفقاته، وشهادة سعيد على نفسه بخط سعيد، فعرف خط المولى وخط
أبيه وأنكر أن يكون للفتى- وهو صعلوك من قريش- هذا المال، فأرسل إلى
مولى أبيه الصك فلما قرأه المولى بكى ثم قَالَ: نعم أعرف هذا الصك، وهو
حق، دعاني مولاي فقَالَ لي وهذا الفتى عنده على بابه، معه هذه القطعة
الأديم: اكتب، فكتبت بإملائه هذا الحق، فقَالَ عمرو للفتى: وما سبب
مالك هذا؟
قَالَ: رأيته يمشي وحده فقمت مشيت حتى بلغ باب منزله، ثم وقفت، فقَالَ:
هل من حاجة؟ فقلت: لا، إلا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك،
فقَالَ:
وصلتك رحم يا ابن أخي، ابغني قطعة أديم، فأتيت خرازا عند باب داره
فأخذت منه 122/ أهذه القطعة، فدعا مولاه هذا فقَالَ: اكتب، فكتب عن
أبيك هذا الكتاب وكتب فيه شهادته/ على نفسه ثم دفعه إلي وقَالَ: يا ابن
أخي، ليس عندنا اليوم شيء، فخذ هذا الكتاب فإذا أتانا شيء فاتنا به إن
شاء الله، فمات رحمه الله قبل أن يأتيه شيء. قال عمرو: لا جرم، لا
تأخذها إلا وافية، فدفعها إليه.
وروى الزبير من طريق آخر: أن معاوية اشترى العرصة بألف ألف درهم، وكان
دين سعيد ثلاثة آلاف درهم، فاشترى معاوية العرصة من ابن سعيد بألف ألف،
والنخل بألف ألف، والمزارع بألف ألف.
(5/298)
وتوفي سعيد فِي هذه السنة، وكان عمرو بن
سعيد يدعي أن مروان بن الحكم جعل إليه ولاية العهد بعد عبد الملك، ثم
نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز، فلما خرج عبد الملك إلى حرب مصعب غلق
عمرو أبواب دمشق فأعطاه عبد الملك الأمان ثم غدر به فقتله.
389- شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام، أبو يعلى: [1]
وهو ابن أخي حسان بن ثابت. كانت له عبادة واجتهاد.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو محمد الجوهري، قال:
أخبرنا أبو عمر بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف، قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا فَرَحُ بْنُ
فَضَالَةَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ وَدَاعَةَ، قَالَ:
كَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كَانَ
كَأَنَّهُ حَبَّةٌ عَلَى مَقْلَى، فَيَقُولُ: اللَّهمّ إِنَّ النَّارَ
أَسْهَرَتْنِي، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ.
تحول شداد إلى فلسطين فنزل ومات بها فِي هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين
سنة.
390- عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي بكر الصديق، يكنى أبا عَبْد اللَّهِ [2]
:
أمه أم رومان بنت عامر، وهو أخو عائشة لأبويها وكان أسن أولاد أبي بكر،
لم يزل على دين قومه وشهد بدرا مع المشركين ودعا إلى المبارزة فقام أبو
بكر الصديق ليبارزه، فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «متعنا بنفسك» ، ثم أسلم عَبْد الرَّحْمَنِ فِي
هدنة الحديبية، وهو الّذي قال لمروان لما دعي إلى بيعة يزيد: إنما
يريدون أن يجعلوها كسروية أو هرقلية، فقَالَ مروان: أيها الناس، هذا
الَّذِي قَالَ لِوالِدَيْهِ/ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ
46: 17 [3] ، 122/ ب فصاحت به عائشة: ألعَبْد الرَّحْمَنِ يقول هذا،
كذبت والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الرجل الذي أنزل فيه لسميته،
ولكني أشهد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن أباك
وأنت فِي صلبه.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 124.
[2] البداية والنهاية 8/ 95.
[3] سورة الأحقاف، الآية: 17.
(5/299)
وهاجر إلى المدينة، وأطعم رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر أربعين وسقا، وَرَوَى الْحَدِيثَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان عَبْد الرَّحْمَنِ يتجر فِي الجاهلية إلى الشام بماله ومال قريش
فرأى ليلى بنت الجودي فهويها، فلما فتح خالد الشام زمن عمر صارت إليه
فازداد بها شغفا.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البارع، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جعفر بْن المسلمة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الزُّبَير بْن بكار، قَالَ: حدثني محمد بْن الضَّحَّاكِ
الْحَرَّانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَدِمَ
الشَّامَ فِي تِجَارَةٍ، فَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا
ابْنَةُ الْجُودِيِّ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهَا وَلائِدُ، فَأَعْجَبَتْهُ
فَقَالَ لَهَا:
أَتَذكر لَيْلَى وَالسَّمَاوَةُ دُونَهَا ... وَمَا لابْنَةِ الجودي
ليلى وما ليا
وَأَنَّى تَعَاطَى قَلْبَهُ حَارِثِيَّةٌ ... تَؤُمَّنَّ بُصْرَى [1]
أَوْ يَحِلُ الْجَوابِيَا
وَأَنِّي بِلاقِيهَا بَلَى وَلَعَلَّهَا ... إِنِ النَّاسُ حَجُّوا
قَابِلا أَنْ تُلاقِيَا [2]
فَلَمَّا بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشَهُ إِلَى الشَّامِ
قَالَ لِصَاحِبِ الْجَيْشِ: إِنْ ظَفَرْتَ بِلَيْلَى بِنْتِ
الْجُودِيِّ عَنْوَةً فَادْفَعْهَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ، فَظَفَرَ بِهَا فَدَفَعَهَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ
فَأُعْجِبَ بِهَا وَآثَرَهَا عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى شَكَوْنَهُ إِلَى
عَائِشَةَ، فَعَاتَبَتْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ كَأَنِّي
أَرْشِفُ بِأَنْيَابِهَا حَبَّ الرُّمَّانِ، فَأَصَابَهَا وَجَعٌ
سَقَطَ لَهُ فُوهَا فَجَفَاهَا حَتَّى شَكَتْهُ إِلَى عائشة، فقالت له
عائشة: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ أَحْبَبْتَ لَيْلَى
فَأَفْرَطْتَ وَأَبْغَضْتَهَا فَأَفْرَطْتَ، فَإِمَّا أَنْ تُنْصِفَهَا
وَإِمَّا أَنْ تجهزها إلى أهلها.
123/ أقال الزُّبَيْرُ: وحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْد الرَّحْمَنِ/ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَفَّلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي
بَكْرٍ لَيْلَى بِنْتَ الْجُودِي حِينَ فَتَحَ دِمَشْقَ، وَكَانَتِ
ابنة ملك دمشق.
__________
[1] في الأصل: «بأطلال بصرى» .
[2] في البداية: «إن توافيا» .
(5/300)
ومما يروى لعبد الرحمن فِي ليلى بنت الجودي
هذا:
يا ابنة الجودي قلبي [كئيب] [1] ... مستهام عندها ما يؤوب
جاورت أخوالها حي عك ... فلعلك من فؤادي نصيب [2]
ولقد لاموا فقلت ذروني ... إن من يلحون فيها الحبيب
غصن بان ما خلا الخصر منها ... ثم ما أسفل ذاك كثيب
قالت عائشة: كنت أعاتبه فِي كثرة محبته لها، ثم صرت أعاتبه فِي إساءته
إليها، حتى ردها إلى أهلها.
قَالَ مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ لاحِقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
مَاتَ عبد الرحمن بالحبشي فَحُمِلَ حَتَّى دُفِنَ بِمَكَّةَ،
فَقَدِمَتْ عَائِشَةُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَتَتْ قَبْرَهُ فَوَقَفَتْ
عَلَيْهِ فَتَمَثَّلَتْ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَة [3] ... مِنَ الدَّهْرِ
حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ
لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا
ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُ قَبْرَكَ،
وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا حَمَلْتُ مِنْ حَبَشِي مَيِّتًا وَلَدُفِنْتُ
مَكَانَكَ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ] [4] بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ تُوُفِّيَ فِي مَنْزِلٍ لَهُ
فَحَمَلْنَاهُ عَلَى رِقَابِنَا سِتَّةَ أَمْيَالٍ إِلَى مَكَّةَ،
وَعَائِشَةُ غَائِبَةٌ، فَقَدِمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أروني قبر
أخي، فصلت عَلَيْهِ.
[قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي نَوْمَةٍ نَامَهَا فَأَعْيَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ
زَمَانًا.
الحبشي موضع] [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت.
[2] كذا بالأصل، والشطر الثاني غير مستقيم الوزن.
[3] في البداية: «برهة» .
[4] ما بين المعقوفتين: من ت، وفي الأصل: «قال ابن أبي مليكة» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/301)
وفِي هذه السنة توفي عَبْد الرَّحْمَنِ على
ما ذكره البخاري.
وقَالَ ابن سعد: سنة ثلاث وخمسين.
391- عبيد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب بن هاشم، أبو
مُحَمَّد الهاشمي: [1]
أمه أم الفضل، رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
غلام أصغر سنا من عَبْد اللَّهِ بسنة، وكان سخيا جوادا، كثير الإطعام
للناس.
123/ ب أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَارِعُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو/ جعفر بْن المسلمة، قال:
أخبرنا أبو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ بن داود، قال: أخبرنا الزبير بن بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجُمَحِيُّ، عن أبيه، قال:
دخل أعرابي دار العباس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَفِي جَانِبِهَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُفْتِي، لا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ يسأل
عنه، وفي الجانب الآخر عبيد الله بْنُ الْعَبَّاسِ يُطْعِمُ كُلَّ مَنْ
دَخَلَ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ
فَعَلَيْهِ بِدَارِ الْعَبَّاسِ، هَذَا الْفَتَى يُفْتِي وَيُفَقِّهُ
النَّاسَ، وَهَذَا يُطْعِمُ الطَّعَامَ.
استعمل علي بن أبي طالب عبيد الله على اليمن، وأمره بالحج فحج بالناس
سنة ست وثلاثين، ومات بالمدينة فِي هذه السنة. وقيل: بل مات باليمن.
392- عميرة بن يثربي: [2]
قاضي الكوفة. توفي فِي هذه السنة.
393- عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها: [3]
كانت مسماة لجبير بن مطعم، فلما خطبها رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استلها أبو بكر منهم فَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شوال سنة عشر من النبوة، وهي
بنت ست سنين، ودخل بها بالمدينة وهي بنت تسع.
__________
[1] البداية والنهاية 8/ 97.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 108.
[3] طبقات ابن سعد 8/ 39.
(5/302)
قَالَتْ: وَكُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ
الْجَوَارِي، فَمَا عَلِمْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تَزَوَّجَنِي حَتَّى أَخَذَتْنِي أُمِّي فَحَبَسَتْنِي فِي الْبَيْتِ
عَنِ الْخُرُوجِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي تَزَوَّجْتُ، فَمَا
سَأَلْتُهَا حَتَّى كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَخْبَرَتْنِي. وَرَأَتْ
عَائِشَةُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ، قَالَ
لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا
جِبْرِيلُ يَقْرَأَ عَلَيْكِ السَّلامَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ
الْكَرُوخِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عامر الأزدي وأبو بكر
العوزجي، قَالا: أَخْبَرَنَا الْجَرَّاحِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْمَحْبُوبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ:
مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَدِيثًا قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلا وَجَدْنَا
عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا.
أَخْبَرَنَا/ ابن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ [1] ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم 124/ أالأصفهاني [2] ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الحسن بن غيلان الورق، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر الفريابي،
قَالَ: حَدَّثَنَا منجاب بن الحارث، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن مُسْهِر،
قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال:
ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام
ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا بنسيب من عائشة رضي الله عنها.
توفيت عائشة ليلة سبع عشرة من رمضان هذه السنة، وأوصت إلى عَبْد
اللَّهِ بن الزبير، وصلى عليها أبو هريرة بعد الوتر، ودفنت بالبقيع وهي
بنت ست وستين سنة، ولم يكن بالبقيع قبر مطابق بالحجارة غير قبر الحسن
بن علي وقبرها.
__________
[1] في الأصل: «أحمد بن أحمد» .
[2] في أ: «أحمد بن عبيد الله الأصبهاني» .
(5/303)
ثم دخلت سنة تسع
وخمسين
فمن الحوادث فيها:
مشتى عمرو بن مرة الجهني بأرض الروم.
قَالَ الواقدي: ولم يكن عامئذ غزو فِي البحر.
وقَالَ غيره: غزا فِي البحر جنادة بن أمية.
وفيها عزل معاوية عَبْد الرَّحْمَنِ ابن أم الحكم عن الكوفة وولى عَبْد
الرَّحْمَنِ بن زياد بن سمية خراسان [1]
وذلك أن عَبْد الرَّحْمَنِ قدم وافدا على معاوية، فقَالَ: يا أمير
المؤمنين، أما لنا حق؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فماذا توليني؟ قَالَ معاوية:
النعمان بن بشير بالكوفة، وهو رجل من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبيد الله بن زياد على البصرة وخراسان، وعباد بن
زياد على سجستان، ولست أرى عملا يشبهك إلا أن أشركك فِي عمل أخيك عبيد
الله بن زياد، قَالَ: أشركني فإن عمله واسع يحتمل الشركة، فولاه
خراسان.
روى أبو حفص الأزدي، قَالَ: حَدَّثَنِي عمي، قَالَ: قدم علينا قيس بن
الهثيم السلمي، وقد وجهه عَبْد الرَّحْمَنِ بن زياد، فأخذ أسلم بن زرعة
الكلابي فحبسه، ثم قدم عَبْد الرحمن، فأغرم أسلم بن زرعة ثلاثمائة ألف
درهم.
قَالَ علماء السير: أقام عَبْد الرحمن بخراسان سنتين، ثم قدم على 124/
ب يزيد بن/ معاوية بعد قتل الحسين، واستخلف على خراسان قيس بن الهثيم.
فقال
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 315.
(5/304)
يزيد لعبد الرحمن [1] : كم قدمت به معك من
المال؟ قَالَ: عشرون ألف ألف درهم، قَالَ: إن شئت حاسبناك وقبضناها
منك، ورددناك على عملك، وإن شئت سوغناك وعزلناك، وتعطي عبد الله بن
جعفر خمسمائة ألف درهم، قَالَ: بل تسوغني ما قلت، وتستعمل عليها غيري.
ثم بعث إلى ابن جعفر ألف ألف درهم، وقال: خمسمائة ألف من قبل أمير
المؤمنين، وخمسمائة ألف درهم من قبلي.
وفِي هذه السنة وفد عبيد الله بن زياد على معاوية فِي أشراف أهل البصرة
فعزله عنها ثم رده عليها وجدد له الولاية [2]
وسبب ذلك أن عبيد الله بن زياد وفد فِي أهل العراق على معاوية، فقَالَ
له: ائذن لوفدك على منازلهم وشرفهم، فأذن لهم، ودخل الأحنف فِي آخرهم،
وكان سيئ المنزلة من عبيد الله، فلما نظر معاوية رحب [3] به وأجلسه معه
على سريره، ثم تكلم القوم فأحسنوا الثناء على عبيد الله، والأحنف ساكت،
فقَالَ: ما لك يا أبا بحر لا تتكلم؟
قَالَ: إن تكلمت خالفت القوم، فقَالَ: انهضوا فقد عزلته عنكم فاطلبوا
واليا ترضونه، ثم بعث إليهم معاوية بعد أيام، فقَالَ: من اخترتم؟
فاختلفت كلمتهم وسمى كل فريق منهم رجلا والأحنف ساكت، فقال له معاوية:
ما لك لا تتكلم؟ قَالَ: إن وليت علينا من أهل بيتك لم نعدل بعبيد الله
أحدا، وإن وليت علينا من غيرهم فانظر فِي ذلك، فقَالَ معاوية:
فإني قد أعدته عليكم، ثم وصاه بالأحنف وقبح رأيه فِي مباعدته. فلما
هاجت الفتنة لم يف لعبيد الله غير الأحنف.
وفِي هذه السنة حج بالناس عثمان بن مُحَمَّد بن أبي سفيان وكان الوالي
على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعلى البصرة عبيد الله بن
زياد، وعلى قضائها هشام بن هبيرة، وعلى خراسان عَبْد الرَّحْمَنِ بن
زياد/ وعلى سجستان عباد بن زياد، وعلى كرمان 125/ أشريك بن الأعور
الحارثي من قبل عبيد الله بن زياد.
__________
[1] في الأصل: «فقال يزيد له» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 316.
[3] في الأصل: «ترحب به» .
(5/305)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
394- أسامة بن زيد، أبو مُحَمَّد الحب ابن الحب: [1]
أمه أم أيمن واسمها بركة، حاضنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا شديدا وقبض
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسامة ابن عشرين سنة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حدّثنا شريك بن
الْعَبَّاسِ [2] بْنِ ذُرَيْحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ. عَثِرَ
أُسَامَةُ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّتْ جَبْهَتُهُ، فَقَالَ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا عَائِشَةُ أَمِيطِي
عَنْهُ الدَّمَ» . فَاسْتَقْذَرَتْهُ عَائِشَةُ. قَالَتْ: فَجَعَلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصُّ شَجَّتَهُ
وَيَمُجُّهُ وَيَقُولُ: «لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةٌ لَكَسْوَتُهُ
وَحَلَّيْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ» . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] :
وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الإِفَاضَةَ مِنْ
عَرَفَةَ مِنْ أَجْلِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَنْتَظِرُهُ، فَجَاءَ
غُلامٌ أَفْطَسُ أَسْوَدُ، فَقَالَ أَهْلُ الْيَمَنِ: إِنَّمَا
حُبِسْنَا مِنْ أَجْلِ هَذَا. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [4] أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،
فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَكَأَنَّ النَّاسَ
طَعَنُوا فِيهِ- أَيْ فِي صِغَرِهِ- فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، [فصعد المنبر] [5] فحمد
__________
[1] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 42.
[2] في الأصل: «عن الياس» .
[3] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 44.
[4] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 46.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
(5/306)
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ:
«إِنَّ النَّاسَ قَدْ طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،
وَقَدْ كَانُوا طَعَنُوا فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ،
وَإِنَّهُمَا لَخَلِيقَانِ لَهَا، أَوْ كَانَا خَلِيقَيْنِ لِذَلِكَ،
فَإِنَّهُ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ
أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ إِلا [فَاطِمَةَ] [1] ، فَأُوصِيكُمْ
بِأُسَامَةَ خَيْرًا» /. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [2] وَأَخْبَرَنَا
مَسْلَمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قُرَّةُ بْنُ
خَالِدٍ [3] ، قال: 125/ ب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ:
بَلَغَتِ النَّخْلَةُ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ، قَالَ: فَعَمَدَ أُسَامَةُ إِلَى نَخْلَةٍ فَنَقَرَهَا
وَأَخْرَجَ جُمَّارَهَا فَأَطْعَمَهَا أُمَّهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَا
يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا وَأَنْتَ تَرَى النَّخْلَةَ قَدْ بَلَغَتْ
أَلْفَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: إِنَّ أُمِّي سَأَلَتْنِيهِ وَلا تَسْأَلُنِي
شَيْئًا أَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلا أَعْطَيْتُهَا.
سكن أسامة بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وادي
القرى، ثم نزل المدينة فمات بالجرف، فحمل إلى المدينة.
395- جرول بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس
[4] :
وهو الحطيئة، لقب بذلك لقصره وقربه من الأرض، ويكنى أبا مليكة. وهو
جاهلي إسلامي، والظاهر أنه أسلم بعد موت رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه لا ذكر له فِي الصحابة ولا فِي الوفود.
وكان خبيث اللسان كثير الهجاء، هجا أباه وأمه وعمه وخاله ونفسه، فقَالَ
[لأمه] [5] :
تنحي فاقعدي مني بعيدا ... أراح الله منك العالمينا
أغربالا إذا استودعت سرا ... وكانونا لدى المتحدثينا
جزاك الله شرا من عجوز ... ولقّاك العقوق من البنينا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[2] طبقات ابن سعد 4/ 1/ 49.
[3] في الأصل: «فروة بن خالد» .
[4] خزانة البغدادي 1/ 409، وشرح الشواهد 163، والأغاني 2/ 157، وفوات
الوفيات 1/ 99.
وجاء في بعض المراجع: «جرول بن أوس بن مالك» ، وفي البداية: «جرول بن
مالك بن جرول بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عبد بن
مليكة» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(5/307)
وقَالَ لأبيه وعمه وخاله:
لحاك الله ثم لحاك حقا ... أبا ولحاك من عم وخال
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي ... وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
وقَالَ لنفسه:
أبت شفتاي اليوم ألا تكلما ... بشر فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله
قَالَ أبو عبيدة معمر بن المثنى: قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه
فِي الردة الزبرقان، فساق صدقات عوف والأبناء، فلما كان ببعض الطريق
رأى الحطيئة- وكان الحطيئة أسود اللسان وداخل الفم وملتقي الشفتين- وهو
يتبختر فِي هدم له، أشعث أغبر، وقد كان بين الزبرقان وبين بني قريع
مقارضة ومهاجاة، فأراد أن 126/ أيستظهر/ بالحطيئة عليهم، فقَالَ له:
ويلك إنك بمضيعة وأراك شاعرا، فهل لك إلى خير مواساة؟ قَالَ: وددت،
قَالَ: فالحق ببني سعد حتى آتيك فإنما أؤدي هذه الصدقة إلى أبي بكر ثم
ألحق بك، قَالَ: عمن أسأل؟ قَالَ: أم مطلع الشمس ثم سل عن الزبرقان بن
بدر ثم ائت أم سدرة فقل لها: يقول لك بعلك الزبرقان بن بدر أحسني إلى
قومك، فإنها ستفعل.
ففعل الحطيئة ذلك، فلما رأته بنو قريع قالوا: داهية، وإنما يريد أن
يستظهر به علينا، فأتاه نقيض بن شماس فقَالَ: يا أبا مليكة جئت من
بلادك ولا أرى فِي يدك شيئا، هل لك إلى خصلة هي خير لك مما أنت فيه،
قَالَ: ما هي؟ قَالَ: مائة بعير وتتحول إلينا ونحن ضامنون لأهلك من
عيالك أن يدبروا من حالك أن تخلفه، فتحول إليهم فقدم الزبرقان، فقَالَ:
أين جاري؟ قالت امرأته: خبث عليك، ثم أخذ يهجو الزبرقان بن بدر، فقَالَ
فِي أبيات:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فاستعدى عليه عمر فقَالَ له: ما أراه هجاك، أما ترضى أن تكون طاعما
كاسيا؟
قَالَ:
كيف تراني كيسا مكيسا أبيت بعد نافع مخيسا.
(5/308)
قَالَ: إنه لا يكون فِي الهجاء أشد من هذا،
فبعث عمر إلى حسان بن ثابت فسأله فقَالَ: ما هجاه ولكن سلح عليه فحبسه
[فِي قعر بئر] [1] ولم تكن السجون مبنية، وأول من بناها علي بن أبي
طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بنى بالكوفة سجنا سماه مخيسا، فقَالَ عمر
للحطيئة: يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين فقَالَ:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... [زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم فِي قعر مظلمة ... فارفق عليك سلام الله يا عمر] [2]
الأبيات.
فرق له عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأطلقه وأخذ عليه أن لا يهجو مسلما.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا
المبارك بْن عَبْد الجبار، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه،
قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى النَّحْوِيُّ، وَأَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ
مُحَمَّدٍ الْخَيَّاطُ، / قَالا: حدّثنا الزبير بن بكار، 126/ ب قال:
حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الْحِزَامِيُّ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن
مُصْعَبٍ، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِإِخْرَاجِ الْحُطَيْئَةِ مِنَ
الْحَبْسِ وَقَدْ كلمه فيه عمرو بن العاص، وغيره، فأخرج وَأَنَا
حَاضِرٌ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
مَاذَا تَقُولُ لأَفْرَاخٍ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شَجَرٌ
غَادَرْتُ كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مَظْلَمَةٍ [3] ... فَارْحَمْ
هَدَاكَ مَلِيكُ النَّاسِ يَا عُمَرُ
أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ ... أَلْقَى إِلَيْكَ
مَقَالِيدَ النهى البشر
لم يؤثروك بِهَا إِذْ قَدَّمُوكَ لَهَا ... لَكِنَّ لأَنْفُسِهِمْ
كَانَتْ بِكَ الأَثَرُ
فَامْنُنْ عَلَى صِبْيَةٍ بِالرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْ ... بَيْنَ
الأَبَاطِحِ يَغْشَاهُمْ بِهَا الْقَدَرُ
نَفْسِي فِدَاؤُكَ كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ... مِنْ عَرْضِ
دَاوِيَةٍ تَعْمَى بها الخبر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[3] في أ: «في قبر مظلمة» .
(5/309)
قَالَ: فَلَمَّا قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَاذَا تَقُولُ لأَفْرَاخٍ، بَكَى عُمَرُ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ: مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ
أَعْدَلَ مِنْ رَجُلٍ يَبْكِي عَلَى تَرْكِهِ الْحُطَيْئَةَ. قَالَ
عُمَرُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الشَّاعِرِ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْهَجْوَ
وَيُشَبِّبُ بِالْحَرَمِ وَيَمْدَحُ النَّاسَ وَيَذُمُّهُمْ بِمَا
لَيْسَ فِيهِمْ، مَا أَرَانِي إِلا قَاطِعًا لِسَانَهُ عَلَيَّ
بِكُرْسِيٍّ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِالْمِخْصَفِ
عَلَيَّ بِالسِّكِّينِ لا بَلْ عَلَيَّ بالْمُوسَى فَإِنَّهُ أَوْجَى،
فَقَالُوا: لا يَعُودُ يِا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشَارُوا
إِلَيْهِ قُلْ لا أَعُودُ، فَقَالَ: لا أَعُودُ، فَقَالَ: النَّجَا،
فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: ارْجِعْ يَا حُطَيْئَةُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ
لَهُ: كَأَنِّي بِكَ عِنْدَ شَابٍّ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ كَسَرَ لَكَ
نِمْرِقَةً وَبَسَطَ لَكَ أُخْرَى، [وَقَالَ: يَا حُطَيْئَةُ غَنِّنَا]
[1] فَانْدَفَعْتَ تُغَنِّيهِ بِأَعْرَاضِ النَّاسِ، قَالَ أَسْلَمُ:
فَرَأَيْتُ الْحُطَيْئَةُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَدْ كَسَرَ لَهُ نِمْرِقَةً وَبَسَطَ لَهُ أُخْرَى وَقَالَ:
يَا حُطَيْئَةُ غَنِّنَا، فَانْدَفَعَ يُغَنِّيهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا
حُطَيْئَةُ أَتَذكر يَوْمَ عُمَرَ حِينَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ،
فَفَزَعَ وقال: رحم 127/ أالله ذَلِكَ الْمَرْءَ لَوْ كَانَ حَيًّا مَا
فَعَلْنَا هَذَا، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: إِنِّي سَمِعْتُ/
أَبَاكَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، وَكُنْتَ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ.
وَبِالإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيهِ قال:
أمر عمر بن الخطاب بإخراج الحطيئة مِنَ السِّجْنِ فَأُخْرِجَ، فَقَالَ
لَهُ: دَعْ قَوْلَ الشِّعْرِ. فَقَالَ لا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: لِمَ؟
قَالَ هُوَ مَأْكَلَةُ عِيَالِي، وَنَمْلَةٌ عَلَى لِسَانِي. قَالَ:
فَدَعِ الْمِدْحَةَ الْمُجْحِفَةَ. قَالَ وَمَا الْمِدْحَةُ
الْمُجْحِفَةُ؟ قَالَ: لا تَقُولُ بَنُو فُلانٍ [2] أَفْضَلُ مِنْ
بَنِي فُلانٍ، امْدَحْ وَلا تُفَضِّلْ. قَالَ: أَنْتَ أَشْعَرُ مِنِّي
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: ضَرَبَ
النَّمْلَةَ مَثَلا لِمَا يَتَرَدَّدُ مِنَ قَوْلِ الشَّعْرِ فِي
قَلْبِهِ، وَيُطَالِبُ بِهِ لِسَانُهُ.
وَمِنْ مَدَائِحِهِ قَوْلُهُ:
أَقِلُّوا عَلَيْهِمْ لا أَبًا لأَبِيكُمْ ... مِنَ اللَّوْمِ أَوْ
سُدُّوا الْمَكَانَ الَّذِي سَدُّوا
أُولَئِكَ قَوْمٌ إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا الْبُنَا ... وَإِنْ
عَاهَدُوا أَوْفَوْا وَإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا
وَإِنْ كَانَتِ النَّعْمَاءُ فِيهِمْ جَزَوْا بِهَا [3] ... وَإِنْ
أَنْعَمُوا لا كدّروها ولا كدّوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[2] في الأصل: بني فلان» .
[3] في الأصل: «جدوا بها» .
(5/310)
وَلَمَّا احْتَضَرَ الْحُطَيْئَةُ قِيلَ
لَهُ: أَوْصِ. فَقَالَ الْمَالُ لِلذُّكْرَانِ دُونَ الإِنَاثِ.
فَقِيلَ لَهُ:
أَوْصِ. فقال أوصيكم بالشعر، ثم قَالَ:
الشِّعْرُ صَعْبٌ وَطَوِيلٌ سُلَّمُهُ ... إِذَا ارْتَقَى فيه الّذي لا
يعمله
زَلَّتْ بِهِ إِلَى الْحَضِيضِ قَدَمُهُ ... وَالشِّعْرُ لا
يَسْطِيعُهُ مَنْ يَظْلِمُهُ
أَرَادَ [1] أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمَهُ
396- عَبْد اللَّهِ بن عامر بن كريز بن ربيعة بن خبيب بن عبد شمس بن
عبد مناف [2] :
أمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت بن خبيب. وله أحد عشر ذكرا وأربع نسوة.
ولد بمكة بعد الهجرة بأربع سنين، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة فِي عمرة القضاء حمل إليه وهو ابن ثلاث سنين
فحنكه، فتلمظ فتثاءب، فتفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي فيه.
وكان ابن خال عُثْمَان بْن عَفَّانَ، ولم يزل شريف القدر، كريما سخيا،
فلما ولي عثمان الخلافة ولاه البصرة بعد أن أقر أبا مُوسَى أربع سنين
كما أوصى عمر، ثم عزله وولاه، وكان يوم ولاه ابن خمس وعشرين سنة/
فقَالَ أبو موسى: قد أتاكم فتى من 127/ ب قريش، كريم الأمهات والعمات
والخالات، يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا.
ففتح بلادا كثيرة من خراسان، وقتل يزدجرد فِي ولايته، فأحرم من نيسابور
شكرا للَّه تعالى، وعمل السقايات بعرفة، فلما قتل عثمان لحق بالشام،
فولاه معاوية البصرة ثلاث سنين، وزوجه ابنته هندا.
أَنْبَأَنَا [3] الْحُسَيْنُ مُحَمَّدٌ الْبَارِعُ قَالَ: أَنْبَأَنَا
[4] أَبُو جَعْفَرِ بن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص
قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سليمان بْنُ دَاوِدَ الطُّوسِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بكار قال: حدّثني عمي بن عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ بَعْضِ الْقُرَشِيِّينَ قَالَ: كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ
أَبَرَّ شَيْءٍ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَنَّهَا جَاءَتْهُ
يَوْمًا بِالْمِرْآةِ وَالْمُشْطِ- وكانت تتولى خدمته
__________
[1] في الأصل: «يريد» .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 30.
[3] في ت: «أخبرنا» .
[4] في ت: «أخبرنا» .
(5/311)
بِنَفْسِهَا- فَنَظَرَ فِي الْمِرْآةِ،
فَالْتَقَى وَجْهُهُ وَوَجْهُهَا فِي الْمِرْآةِ، فَرَأَى شَبَابَهَا
وَجَمَالَهَا، وَرَأَى الشَّيْبَ فِي لِحْيَتِهِ قَدْ أَلْحَقَهُ
بِالشُّيُوخِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَقِي
بِأَبِيكِ. فَانْطَلَقَتْ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا
فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: وَهَلْ تُطَلَّقُ الْحُرَّةُ. قَالَتْ: مَا
أُوتِيَ مِنْ قِبَلِي، وَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
فَقَالَ: أَكْرَمْتُكَ بِابْنَتِي ثُمَّ رَدَدَتْهَا عَلَيَّ. قَالَ:
إِنِّي أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
مَنَّ عَلَيَّ بِفَضْلِهِ، وَجَعَلَنِي كَرِيمًا لا أُحِبُّ أَنْ
يَتَفَضَّلَ عَلَيَّ أَحَدٌ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ أَعْجَزَتْنِي
مُكَافَأَتُهَا لِحُسْنِ صُحْبَتِهَا، فَنَظَرْتُ فِإِذَا أَنَا شَيْخٌ
وَهِيَ شَابَّةٌ، لا أَزِيدُهَا مَالا إِلَى مَالِهَا، وَلا شَرَفًا
إِلَى شَرَفِهَا، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهَا إِلَيْكَ، فَتُزَوِّجَهَا
فَتًى مِنْ فِتْيَانِكَ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين
بن أَحْمَد بن مُحَمَّد الثعالبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سهل محمود بن
عمر العُكْبري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن الفرج بن أبي روح
قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ:
حَدَّثَنِي محمد بن عباد بن مُوسَى العكلي قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن
علي بن زبان قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان بن عبدة الحميري وعبيد بن يَحْيَى
الهجري قَالا: خرج إلى عَبْد اللَّهِ بن عامر بن 128/ أكرز وهو عامل
العراق لعُثْمَان بْن عَفَّانَ [1] / رجلان من أهل المدينة، أحدهما:
ابن جابر بن عَبْد اللَّهِ الأنصاري، والآخر: من ثقيف، فكتب إلى ابن
عامر فيما يكتب من الأخبار، فأقبلا يسيران حتى إذا كانا بناحية البصرة
قَالَ الأنصاري للثقفي: هل لك فِي رأي رأيته: قَالَ: اعرضه. قَالَ:
رأيت أن أنخ رواحلنا [2] ونتناول مطاهرنا، فنمس ماء، ثم نصلي ركعتين
ونحمد الله على ما قضى من سفرنا. قَالَ: هذا الذي لا يرد، فتوضيا، ثم
صليا ركعتين، فالتفت الأنصاري إلى الثقفِي فقَالَ: يا أخا ثقيف، ما
رأيك؟ قال:
وأي موضع رأي هذا، قضيت سفري، وأنضيت بدني، وأنضيت راحلتي [3] ، ولا
مؤمل دون ابن عامر، فهل لك رأي غير هذا؟ قَالَ: نعم، إني لما صليت
هاتين الركعتين فكرت فاستحييت من ربي تبارك وتعالى أن يراني طالبا رزقا
من غيره، اللَّهمّ ارزق ابن عامر وارزقني من فضلك. ثم ولى راجعا إلى
المدينة، ودخل الثقفي البصرة، فمكث
__________
[1] في ت: «عثمان» بإسقاط ابن عفان.
[2] في ت: «أن ننخ رواحلنا» .
[3] في الأصل: «انضتني راحلتي» .
(5/312)
أياما، فأذن له ابن عامر، فلما رآه رحب به،
ثم قَالَ: ألم أخبر أن ابن جابر خرج معك؟
فخبره خبره، فبكى ابن عامر ثم قَالَ: أما والله ما قَالَ أشرا [1] ولا
بطرا، ولكن رأى مجرى الرزق ومخرج النعمة، فعلم أن الله تعالى هو الذي
فعل ذلك، فسأله من فضله، وأمر للثقفِي بأربعة آلاف درهم وكسوة ومطرف،
وأضعف ذلك كله الأنصاري، فخرج الثقفِي وهو يقول:
أميمة [2] ما حرص الحريص بزائد ... فتيلا ولا زهد الضعيف بضائر
خرجنا جميعا من مساقط رأسنا ... على ثقة منا بخير ابن عامر
ولما أنخنا الناعجات ببابه تأخر ... عني اليثربي ابن جابر
وقَالَ سيكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم بالخلق قاهر
وإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري
فلما سرى سارت عليه صبابة ... إليه كما حنت ظراب الأباعر
وأضعف عَبْد اللَّهِ إذ غاب حظه ... على حظ لهفان من الحرص فاغر
/ فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعي ... ولا ضائري شيء خلاف المقادر
128/ ب [قال المصنف:] [3] قرأت على أبي القاسم الجريري، عن أبي طالب
العشاري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بْن
إسحاق الثقفي قَالَ: حدثنا هارون بن عبد الله قال: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ
قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ
الْجَوْنِيُّ، عَنْ نَافِعٍ الطَّاحِيُّ قَالَ:
مَرَرْتُ بِأَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ [4] قُلْتُ: مِنْ
أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مَعِي وَيَلْزَمُنِي،
ثُمَّ طَلَبَ الإِمَارَةَ، فَإِذَا قَدِمْتَ الْبَصْرَةَ فَتَرَاءَ
لَهُ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْ: أَخْلِنِي وَقُلْ
لَهُ: أَنَا رَسُولُ أَبِي ذَرٍّ إِلَيْكَ، وَهُوَ يُقْرِئُكَ
السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّا نَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، وَنَشْرَبُ
من الماء،
__________
[1] في ت: «ما قالها أشرا» .
[2] في أ: «أمامة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من أ.
[4] في الأصل: «مم أنت» .
(5/313)
وَنَعِيشُ كَمَا تَعِيشُ. فَلَمَّا
قَدِمْتُ تَرَاءَيْتُ لَهُ، فَقَالَ: لَكَ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: أَخْلِنِي
أَصْلَحَكَ اللَّهُ. فَفَعَلَ، فَقُلْتُ: أَنَا رَسُولُ أَبِي ذَرٍّ
إِلَيْكَ- فَلَمَّا قُلْتُهَا خَشَعَ قَلْبُهُ- وَهُوَ يَقْرَأَ
عَلَيْكَ السَّلامُ وَيَقُولُ: إِنَّا نَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ،
وَنُرْوَى مِنَ الْمَاءِ، وَنَعِيشُ كَمَا تَعِيشُ. قَالَ: فَحَلَّ
إِزَارَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي جَيْبِهِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى
مَلأَ جَيْبَهُ بِالْبُكَاءِ.
توفي ابن عامر فِي هذه السنة، فقَالَ معاوية: بمن نفاخر؟! بمن نباهي!؟
397- عَبْد اللَّهِ، أبو هريرة [1] :
وقد اختلفوا فِي اسمه ونسبه على ثمانية عشر قولا قد ذكرتها فِي
«التلقيح» . وكان فِي صغره يلعب بهرة فكني بها [2] .
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر فأسلم.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ:
أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّهُ قَالَ [3] :
وَاللَّهِ لا يَسْمَعُ بِي مُؤْمِنٌ وَلا مُؤْمِنَةٌ إِلا أَحَبَّنِي.
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: وَمَا يُعْلِمُكَ ذَلِكَ؟
قَالَ: فَقَالَ لِي: إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ
فتأبى عليّ، فدعوتها ذات/ يوم إلى 129/ أالإسلام فَأَسْمَعَتْنِي فِي
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهَتْنِي،
فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَنَا أَبْكِي.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَدْعُو أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ
إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي دَعَوْتُهَا الْيَوْمَ
فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ
أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى الإِسْلامِ. فَفَعَلَ، فَجِئْتُ فَإِذا
الْبَابُ مُجَافٌ، وَسَمِعَتْ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، فَلَبِسَتْ
دِرْعَهَا، وَعَجَّلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: ادْخُلْ يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ فَدَخَلْتُ فَقَالَتْ: أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ
إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَجِئْتُ
أَسْعَى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ
كَمَا بَكَيْتُ مِنَ الْحَزَنِ.
فَقُلْتُ: أَبْشِر يَا رَسُولَ اللَّهِ، [فَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ
دَعْوَتَكَ، قَدْ هَدَى اللَّهُ أُمَّ أَبِي هريرة إلى
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 117، 4/ 2/ 52.
[2] في ت: «وكان له في صغره هر يلعب به» .
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 54، 55.
(5/314)
الإِسْلامِ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ] [1] ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي وَأُمِّيَ إِلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [اللَّهمّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا
وَأُمَّهُ إِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ] [2]- أَوْ إِلَى كُلِّ
مُؤْمِنَةٍ وَمُؤْمِنٍ- فَلَيْسَ يَسْمَعُ بِي مُؤْمِنٌ وَلا
مُؤْمِنَةٌ إِلا أَحَبَّنِي. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ:
وَأَخْبَرَنِي الْمُعَلَّى بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أَلْفَ تَسْبِيحَةً، يَقُولُ: أُسَبِّحُ بِقَدْرِ ذَنْبِي.
قَالَ: وأخبرنا عارم بن الفضل قال: حدثنا حماد بْنُ زَيْدٍ، عَنِ
الْعَبَّاسِ الْجَرِيرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ
النَّهْدِيَّ قَالَ:
تَضَيَّفَ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانُوا يَعْتَقِبُونَ
اللَّيْلَ أَثْلاثًا ثُلُثًا هُوَ، وَثُلُثًا امْرَأَتُهُ، وَثُلُثًا
خَادِمُهُ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: [3] وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ وَرْدٍ، عَنْ سَلْمِ بْنِ بَشِيرِ
[4] بْنِ حَجْلٍ قَالَ:
بَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي مَرَضِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ [5] ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي مَا أَبْكِي عَلَى
دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنِّي أَبْكِي لِبُعْدِ سَفَرِي، وَقِلَّةِ
زَادِي، وَإِنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مَهْبَطُهُ عَلَى جَنَّةٍ
وَنَارٍ، فَلا أَدْرِي أَيَّهُمَا يُسْلَكُ بِي.
قَالَ: [6] وقَالَ مُحَمَّد بن عمر: كان أبو هريرة [7] ينزل ذا الحليفة
وله دار بالمدينة تصدق بها على مواليه، فباعوها بعد ذلك من عمر بن
بزيع، وتوفي سنة تسع وخمسين 129/ ب فِي آخر خلافة/ معاوية وكان له
يومئذ ثمان وسبعون سنة، وهو صلى على عائشة وأم سلمة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 62.
[4] في الأصل: «سلمة بن بشر» .
[5] «يا أبا هريرة» : ساقطة من ت.
[6] الخبر في طبقات ابن سعد 4/ 2/ 63.
[7] في الأصل: «أبو بكر» .
(5/315)
398- عَبْد اللَّهِ بن بحينة، وبحينة أمه.
وأبوه مالك [1] بن القشب، ويكنى أبا مُحَمَّد [2] :
صحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قديما، وكان ناسكا
فاضلا، يصوم الدهر، وتوفي فِي خلافة معاوية.
399- قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة، أبو عبيد الله [3] :
دفعه أبوه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخدمه، فكان
قريبا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان جوادا
شجاعا، وحمل لواء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض
مغازيه، وولاه علي بن أبي طالب على إمارة مصر، وحضر معه حرب الخوارج
بالنهروان، ووقعة صفين، وكان مع الحسن بن علي على مقدمته بالمدائن، ثم
لما صالح الحسن معاوية وبايعه دخل قيس فِي المصالحة، وتابع الجماعة
ورجع إلى المدينة فتوفي بها.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ قَالَ: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن علي قال: أخبرنا محمد بن أَحْمَد بْن رزق قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَان بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا حنبل بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو
قَالَ:
كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ رَجُلا ضَخْمًا جَسِيمًا صَغِيرَ الرَّأْسِ،
وَكَانَ إِذَا رَكِبَ الْحِمَارَ حَطَّتْ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ
مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الشَّافِعِيُّ قالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الأَنْصَارِيُّ وَخَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالُوا [4] :
بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون
والأنصار ثلاثمائة رَجُلٍ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى حَيٍّ مِنْ
جُهَيْنَةَ، فَأَصَابَهُمْ جُوعٌ شَدِيدٌ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ:
مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْرًا بِجَزُورٍ، وَيُوَفِّينِي الْجَزُورَ
هَا هُنَا، وَأُوَفِّيهِ التَّمْرَ بِالْمَدِينَةِ فَجَعَلَ عمر يقول:
وا عجبا لِهَذَا الْغُلامِ، لا مَالَ لَهُ يَدِينُ فِي مَالِ غَيْرِهِ.
فَوَجَد رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ يُعْطِيهِ ما
__________
[1] في ت: «وأبوه عبد الله» .
[2] طبقات ابن سعد 4/ 2/ 64.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 1/ 355.
[4] في الأصل: «قال» .
(5/316)
سَأَلَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ،
فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ [1] / بْنِ عُبَادَةَ.
قال 130/ أالجهنيّ: مَا أَعْرَفَنِي بِنَسَبِكَ، وَابْتَاعَ مِنْهُ
خَمْسَ جَزَائِرَ، كُلَّ جَزُورٍ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ. ثُمَّ قَالَ:
فَأَشْهِدْ لِي فَأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنَ الأَنْصَارِ
وَالْمُهَاجِرِينَ، فَكَانَ فِيمَنْ أُشْهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
فَقَالَ عُمَرُ: لا أَشْهَدُ هَذَا بِدَيْنٍ وَلا مَالَ لَهُ، إِنَّمَا
الْمَالُ لأَبِيهِ. فَقَالَ الْجُهَنِيُّ [2] : مَا كَانَ سَعْدٌ
لِيُمَنِّي بِابْنِهِ فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَرَى وَجْهًا
حَسَنًا، وَفِعْلا شَرِيفًا. فَكَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَقَيْسٍ كَلامٌ
حَتَّى أَغْلَظَ لِقَيْسٍ، وَأَخَذَ الْجُزُرَ فَنَحَرَهَا لَهُمْ فِي
مَوَاطِنَ ثَلاثٍ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ
الرَّابِعُ نَهَاهُ أَمِيرُهُ فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَخْفِرَ
ذِمَّتَكَ وَلا مَالَ لَكَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سَهْلٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو
عُبَيْدَةَ وَمَعَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لا
تَتَّجِرَ، أَتُرِيدُ أَنْ تَخْفِرَ ذِمَّتَكَ فَقَالَ قَيْسٍ: يَا
أَبَا عُبَيْدَةَ، أَتَرَى أَبَا ثَابِتٍ يَقْضِي دُيُونَ النَّاسِ،
وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، ويُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ، لا يَقْضِي عَنِّي
شِقَّةً مِنْ تَمْرٍ لِقَوْمٍ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَلِينُ لَهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ:
اعْزِمْ فَعَزَمَ عَلَيْهِ، وَأَبَى أَنْ يَنْحَرَ وَبَقِيَتْ
جَزُورَانِ، فَقَدِمَ بِهَا قَيْسٌ الْمَدِينَةَ ظَهْرًا
يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهَا، وَبَلَغَ سَعْدًا مَا أَصَابَ الْقَوْمَ
مِنَ الْمَجَاعَةِ فَقَالَ: إِنْ يَكُنْ قَيْسٌ كَمَا أَعْرِفُ
فَيَنْحَرُ لِلْقَوْمِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَيْسٌ لَقِيَهُ سَعْدٌ
فَقَالَ: ما صنعت في القوم؟ قَالَ:
نَحَرْتُ. قَالَ: أَصَبْتَ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْتُ. قَالَ:
أَصَبْتَ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نَحَرْتُ.
قَالَ: أَصَبْتَ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: نُهِيتُ. قَالَ: مَنْ نَهَاكَ؟
قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرِي. قَالَ:
وَلِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ لا مَالَ لِي، وَإِنَّمَا الْمَالُ لَكَ
[3] ، فَقُلْتُ: أَبِي يَقْضِي عَنِ الأباعد، ويحمل الكل، ويطعم في
الْمَجَاعَةَ، فَلا يَصْنَعُ هَذَا بِي. قَالَ: فَلَكَ أَرْبَعُ
حَوَائِطَ أَدْنَاهَا حَائِطٌ تَحْمِلُ خَمْسِينَ وَسْقًا.
قَالَ: وَقَدِمَ الْبَدَوِيُّ مَعَ قَيْسٍ فَأَوْفَاهُ وَسْقَهُ
وَحَمَلَهُ وَكَسَاهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِعْلِ قَيْسٍ، فَقَالَ: «إِنَّهُ فِي بَيْتِ
جُودٍ» . قَالَ علماء السير: مرض قيس بن سعد واستبطأ إخوانه فِي
العيادة، فقيل له: إنهم
__________
[1] «بن قيس» : ساقط من ت.
[2] في الأصل: «فقال سعد» .
[3] في الأصل: «الملك لك» .
(5/317)
يستحيون مما لك عليهم من الدين. قَالَ:
أخزى [الله] [1] مالا يمنع الإخوان من 130/ ب الزيارة، ثم أمر مناديا/
فنادى: من كان لقيس عليه حق فهو فِي حل. فكسرت درجته بالعشي من عيادته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ:
أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْرُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ [2] قَالَ: حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ:
بَاعَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ مَالا بِتِسْعِينَ أَلْفًا،
فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ: مَنْ أَرَادَ
الْقَرْضَ فَلْيَأْتِ مَنْزِلَ قَيْسٍ. فَأَقْرَضَ أَرْبَعِينَ أَوْ
خَمْسِينَ وَأَجَازَ الْبَاقِي، وَكَتَبَ عَلَى مَنْ أَقْرَضَهُ
صَكًّا، فَمَرِضَ مَرَضًا قَلَّ عُوَّادُهُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ
قَرِيبَةَ بِنْتِ أَبِي قُحَافَةَ أُخْتِ أَبِي بَكْرٍ: يَا قَرِيبَةُ،
لِمَ تَرَيْنَ قَلَّ عُوَّادِي؟ قَالَتْ: لِلَّذِي عَلَيْهِمْ مِنَ
الدَّيْنِ. فَأَرْسَلَ إِلَى كَلِّ رَجُلٍ صَكَّهُ.
وقَالَ عُرْوَةُ: قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ: اللَّهمّ ارْزُقْنِي مَالا
وَفِعَالا، فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ الْفِعَالُ إِلا بِالْمَالِ.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن
بشران قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أبي الدنيا قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد قال: قال الهيثم ابن عدي:
توفي قيس بن سعد بن عبادة بالمدينة فِي آخر خلافة معاوية.
400- معقل بن يسار بن عَبْد اللَّهِ، أبو عَبْد اللَّهِ. وقيل: أبو
علي، المزني:
[3] صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد الحديبية، ورفع أغصان
الشجرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بايع
أهلها، ولاه عمر البصرة، فحفر النهر المنسوب إليه: نهر معقل، وبنى
بالبصرة دارا فنزلها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «أحمد بن بشر» .
[3] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 8.
(5/318)
وَأَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ التُّسْتَرِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلادُ بْنُ
أَسْلَمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا النَّضْرُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ قال:
دخل عبيد الله بن زناد عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ
الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُ حَدِيثًا
سَمِعْتُهُ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«من استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ/
الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ من 131/ أمسيرة مِائَةِ عَامٍ»
قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: أَلا حَدَّثْتَنِي قَبْلَ الْيَوْمِ؟ قَالَ
مَعْقِلٌ: وَالْيَوْمَ لَوْ لَمْ أَكُنْ عَلَى حَالِي هَذِهِ لَمْ
أُحَدِّثْكَ بِهِ.
401- هند بنت أبي أمية، واسمه سهيل، وهي أم سلمة:
كانت عند أبي سلمة، فهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له، وتوفي عنها
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي سنة أربع من الهجرة، وتوفيت
فِي هذه السنة، وصلى عليها أبو هريرة، ودفنت بالبقيع، وكان لها يوم
ماتت أربع وثمانون سنة
.
(5/319)
ثم دخلت سنة ستين
فمن الحوادث فيها:
غزوة مالك بن عبيد الله سورية [1] ، ودخول جنادة بن أبي أمية رودس،
وهدمه مدينتها فِي قول الواقدي.
وفِي هذه السنة: أخذ معاوية على الوفد الذين وفدوا [2] إليه مع عبيد
الله بن زياد البيعة لابنه يزيد، وعهد إلى ابنه يزيد حين مرض فيها،
فقَالَ له: يا بني، إني قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء،
وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وإني لأتخوف عليك أن ينازعك
فِي هذا الأمر الذي اسندت لك إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي،
وعَبْد اللَّهِ بن عمر، وعَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، وَعَبْد
الرَّحْمَنِ بْن أبي بكر. فأما عَبْد اللَّهِ بن عمر فرجل قد وقذته
العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك. وأما الحسين فإن أهل العراق لن
يدعوه حتى يخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحما ماسة
وحقا عظيما وأما ابن أبي بكر فليست له همة إلا فِي النساء واللهو، فإن
رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم، وأما الذي يجثم جثوم الأسد ويراوغك
مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فابن الزبير، فإن هو فعلها بك
فقدرت عليه فقطعه إربا إربا [3] .
__________
[1] في الأصل: «صورية» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 322.
[3] تاريخ الطبري 5/ 323، والمعمرين لأبي حاتم 155.
(5/320)
ولما اشتد مرض معاوية كان يزيد غائبا، فدعا
بالضحاك بن قيس الفهري- وكان/ صاحب شرطته- ومسلم بن عقبة المري فأوصى
إليهما فقَالَ: بلغا يزيد وصيتي: انظر أهل الحجاز فإنهم أهلك، فأكرم من
قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل كل
يوم عاملا فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف،
وانظر أهل الشام، فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن رابك شيء من عدوك فانتصر
بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم.
وفِي هذه السنة توفي معاوية [1] ، وبويع لابنه يزيد [2] .
__________
[1] في الأصل: «ثم توفي في هذه السنة» .
[2] في ت: «وبويع ليزيد» .
(5/321)
باب ذكر بيعة يزيد
بن معاوية بن أبي سفيان [1]
ويكنى أبا خالد، ولد سنة ست وعشرين هو وعبد الملك، وأمه ميسون بنت
بحدل، وكان له أولاد جماعة، فمنهم: معاوية ابنه، وولي الخلافة بعده
أياما. ومنهم:
عاتكة، تزوجها عبد الملك بن مروان، فولدت له أربعة أولاد، وهذه عاتكة
كان لها اثنا عشر محرما كلهم خلفاء: أبوها يزيد، وجدها معاوية، وأخوها
معاوية بن يزيد، وزوجها عبد الملك، وحموها مروان بن الحكم، وابنها يزيد
بن عبد الملك، وابن أبيها الوليد بن يزيد، وبنو زوجها: الوليد،
وسليمان، وهشام، وابنا ابن زوجها: يزيد وإبراهيم، ابنا الوليد بن عبد
الملك. ولم يتفق مثل هذا [2] لامرأة سواها.
وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث، فروى عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإسنادنا إليه متصل، غير أن الإمام أَحْمَد سئل: أيروى عن يزيد [3]
الحديث؟
فقَالَ: لا، ولا كرامة، فلذلك امتنعنا أن نسند عنه.
وقد ذكرنا [4] أن معاوية لما مات كان ابنه يزيد غائبا، فلما سمع بموت
أبيه معاوية قدم وقد دفن، فبويع له وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وأشهر،
فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة، والنعمان بن بشير على الكوفة، وكان
أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي
سفيان، ولم يكن ليزيد هم حين ولي إلا
__________
[1] «بن أبي سفيان» : ساقط من ت.
[2] في الأصل: «مثل هذه» .
[3] في الأصل: «أن أروى» .
[4] تاريخ الطبري 5/ 338.
(5/322)
بيعة النفر الذين أبوا على أبيه/ الإجابة
إلى بيعة يزيد، فكتب إلى الوليد بن عتبة: 132/ أأما بعد، فخذ حسينا
وعبد الله بن عمر، وعَبْد اللَّهِ بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست
فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام.
فبعث إلى مروان، فدعاه واستشاره وقَالَ: كيف ترى أن أصنع؟ قَالَ: إني
أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة، فإن فعلوا
قبلت، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن
علموا بموته وثب كل واحد منهم فِي جانب، فأظهر الخلاف والمنابذة، إلا
أن ابن عمر لا أراه يرى القتال، ولا يحب الولاية، إلا أن تدفع إليه
عفوا.
وأرسل عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان وَهُوَ غلام حدث إلى الحسين
وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما فِي المجلس جالسين فقالا: أجيبا الأمير.
فقالا له: انصرف، فالآن نأتيه: ثم أقبل ابن الزبير على الحسين فقَالَ
له: ما تظن فيما بعث إلينا؟ فقَالَ الحسين: أظن طاغيتهم قد هلك، وقد
بعث هذا إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا الخبر. قَالَ: وأنا ما أظن
غيره، فما تريد أن تصنع؟ قَالَ: اجمع فتياني الساعة، ثم أسير إليه،
فإذا بلغت الباب احتبستهم. قال: فإني أخافه عليك إذا دخلت قَالَ: لا
آتيه إلا وأنا على الامتناع.
قَالَ: فجمع مواليه وأهل بيته، ثم قام يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد
وقَالَ لأصحابه: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا
علي بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج. فدخل وعنده مروان، فسلم عليه
بالإمرة وجلس، فأقرأه الوليد الكتاب، ونعى إليه معاوية، ودعاه إلى
البيعة، فقَالَ الحسين إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2:
156 رحم الله معاوية، وعظم لك الأجر، أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي
لا يعطي بيعته سرا، ولا أراك تجتزي مني سرا دون أن تظهرها على رءوس
الناس علانية قَالَ: أجل، قَالَ: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى
البيعة دعوتنا مع الناس/ فكان 132/ ب أمرا واحدا. فقَالَ له الوليد
وكان يحب العافية، فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس.
فقَالَ له مروان. والله إن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على
مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك
حتى يبايع أو
(5/323)
تضرب عنقه. فوثب الحسين عند ذلك فقَالَ: يا
ابن الزرقاء، أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله وأثمت. ثم خرج فقَالَ
مروان: والله لا يمكنك من مثلها من نفسه، فقَالَ الوليد:
والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت، وإني قتلت حسينا. وأما
ابن الزبير فقَالَ: الآن آتيكم. ثم أتى داره، فكمن فيها، فأكثر الرسل
إليه، فبعث إليه جعفر بن الزبير فقَالَ له: إنك [1] قد أفزعت عَبْد
اللَّهِ [بكثرة] رسلك [2] ، وهو يأتيك غدا إن شاء الله. وخرج ابن
الزبير من ليلته، فتوجه نحو مكة هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث، وتنكب
الجادة، فبعث وراءه من يطلبه فلم يقدروا عليه، وتشاغلوا عن الحسين عليه
السلام فِي ذلك اليوم، فخرج من الليل ببنيه وأخوته وبني أخيه وأهل بيته
إلى مكة لليلتين بقيتا من رجب، فدخلها ليلة الجمعة لثلاث مضين من
شعبان، وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة.
ثم بعث الوليد إلى عَبْد اللَّهِ بن عمر فقَالَ: بايع ليزيد، فقَالَ:
إذا بايع الناس بايعت.
وفِي هذه السنة: عزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة [3] ، عزله فِي
رمضان، وأمر عليها عمرو بن سعيد، فقدمها، ووجه عمرو بن سعيد عمرو بن
الزبير إلى أخيه عَبْد اللَّهِ بن الزبير ليقاتله، لما كان يعلم ما
بينه وبين أخيه عَبْد اللَّهِ، ووجه معه أنيس بن عمرو الأسلمي في
سبعمائة- وقيل: فِي ألفين- فعسكر فِي الجرف [4] فجاء مروان بن الحكم
إلى عمرو بن سعيد، فقَالَ له: لا تقرب مكة [5] واتق الله، ولا تحل حرمة
البيت، وخلوا ابن الزبير فقد كبر وهو رجل لجوج. فقَالَ عمرو: والله
لنقاتلنه في جوف 133/ أالكعبة/، وسار أنيس حتى نزل بذي طوى، وسار عمرو
بن الزبير إلى أخيه الأبطح، فأرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه أن الخليفة
قد حلف لا يقبل منك حتى يؤتي بك في
__________
[1] في الأصل: «فقال الله إنك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت، وفي الأصل:
«برسلك» .
[3] تاريخ الطبري 5/ 343، 344.
[4] في ت: «فعسكر بالحوف» .
[5] في الطبري: «لا تغز مكة» .
(5/324)
جامعة، فبر يمينه وتعال اجعل فِي عنقك
جامعة من فضة. فأرسل ابن الزبير عَبْد اللَّهِ بن صفوان إلى أنيس فِي
جامعة، فقاتلوه، فهزم أنيس وتفرق عن عمرو جماعة من أصحابه، واستعمل
عمرو بن سعيد على شرطته مصعب بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عوف، وأمره
بالشدة على الناس، فهدم الدور، وضرب الرجال، وأرسل إلى المنذر بن
الزبير، فجاءوا به ملببا، فقَالَ المسور بن مخرمة: اللَّهمّ إنا نعوذ
بك من أمر هذا أوله. فلما حضر وقت الحج حج عمرو، وأظهر السلاح وأظهر
ابن الزبير السلاح.
وفِي هذه السنة: وجه أهل الكوفة الرسل [1] إلى الحسين وهو بمكة يدعونه
إلى القدوم عليهم، فوجه إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكان
أهل الكوفة قد بعثوا إلى الحسين عليه السلام يقولون: إنا قد حبسنا
أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة، فأقدم علينا. فبعث إليهم مسلما لينظر
ما قالوا، فخرج مسلم حتى أتى المدينة، فأخذ منها دليلين فمرا به فِي
البرية، فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين [2] .
وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، فكتب إليه: امض، فقدم الكوفة، فنزل على
رجل من أهلها، يقال له ابن عوسجة، فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دنوا
إليه فبايعوه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا، فقام رجل ممن يهوى يزيد، إلى
النعمان بن بشير، فقَالَ له: إنك ضعيف، قد فسد البلد. فقَالَ له
النعمان: أكون ضعيفا في طاعة الله أحب إلي من أن أكون قويا فِي معصية
الله.
فكتب بقوله إلى يزيد، فولى الكوفة عبيد الله [3] بن زياد إضافة إلى
البصرة، وأمره أن يقتل مسلم بن عقيل، فأقبل عبيد الله فِي وجوه أهل
البصرة، حتى قدم الكوفة متلثما، فلا يمر بمجلس من مجالسهم فيسلم إلا
قالوا: وعليك السلام يا ابن بنت رسول الله. وهم يظنونه الحسين/ حتى نزل
القصر، فقَالَ عبيد الله لمولى له: هذه ثلاثة آلاف 133/ ب درهم، خذها
وسل عن الذي بايع أهل الكوفة، وأعلمه أنك من حمص، وقل له: خذ هذا المال
تقوى به. فمضى فسلمه إليه، فتحول مسلم بن عقيل حينئذ من الدار التي
__________
[1] تاريخ الطبري 5/ 347.
[2] في الأصل: «إحدى الدليلين» .
[3] في ت: «عبد الله» .
(5/325)
كان فيها إلى منزل هانئ بن عروة المرادي،
وكتب مسلم إلى الحسين ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة، ويأمره
بالقدوم، ثم دخل على عبيد الله بن زياد جماعة من وجوه أهل الكوفة،
فقَالَ: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني؟ فأخبروا هانئا، فانطلق إليه
فقَالَ: يا هانئ، أين مسلم؟ قَالَ: لا أدري. فقَالَ عبيد الله لمولاه
الذي أعطاه الدراهم: اخرج.
فخرج، فلما رآه قَالَ: أصلح الله الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي،
ولكنه جاء فطرح نفسه عليّ، قال: ائتني به، قَالَ: والله لو كان تحت
قدمي ما رفعتهما عنه. فضربه [على حاجبه] [1] فشجه، ثم حبسه فنادى مسلم
أصحابه، فاجتمع إليه من أهل الكوفة أربعة آلاف، فمضى بهم إلى القصر،
فأشرف أصحاب عبيد الله على أهاليهم يعدونهم ويقولون: غدا يأتيكم جنود
الشام. فتسللوا، فما اختلط الظلام حتى بقي مسلم وحده، فأوى إلى امرأة،
فعلم به ابنها، وكان عبيد الله قد نادى: إنه من وجد فِي داره فقد برئت
منه الذمة، ومن جاء به فله ديته. فأخبر به، فبعث عبيد الله إليه صاحب
الشرطة عمرو بن حريث، ومعه عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد الأشعث، فلم
يعلم مسلم حتى أحيط بالدار، فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه عَبْد
الرَّحْمَنِ الأمان، فأمكنه من يده، فحملوه على بغلة، وانتزعوا سيفه
منه، فقَالَ: هذا أول الغدر. وبكى، فقيل له: من يطلب مثل هذا الذي تطلب
إذا نزل به مثل هذا لم يبك. فقَالَ: والله ما أبكي على نفسي، بل على
حسين وآل حسين. ثم التفت إلى عَبْد الرَّحْمَنِ فقَالَ: هل يستطيع أن
يبعث من عندك رجلا على لساني، يبلغ حسينا، فإني لا أراه إلا قد خرج
إليكم، فيقول له ارجع ولا تغتر بأهل الكوفة.
134/ أفبعث رجلا، فلقي/ الحسين بزبالة، فأخبره [الخبر] [2] ، فقَالَ:
كل ما حم نازل. ولما جيء بمسلم إلى عبيد الله بن زياد [3] أخبره عَبْد
الرَّحْمَنِ أنه قد أمنه، فقَالَ:
ما أنت والأمان، إنما بعثناك لتجيء به لا لتؤمنه. فأمر به، فأصعد إلى
أعلى القصر، فضربت عنقه، وألقى جثته إلى الناس، وأمر بهانئ، فقتل في
السوق، وسحب إلى الكناسة، فصلب هناك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «زياد» : ساقطة من ت.
(5/326)
وقَالَ شاعرهم فِي ذلك:
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ فِي السوق وابن عقيل
تري جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل [1]
أصابهما أمر الإمام فأصبحا ... أحاديث من يسعى بكل سبيل
وفِي رواية أخرى: أن الحسين لما خرج من المدينة قيل له: لو تجنبت
الطريق [2] كما فعل ابن الزبير لأجل الطلب. قَالَ: لا والله، لا
أفارقها حتى يقضي الله ما أحب.
فاستقبله عَبْد اللَّهِ بن مطيع، فقَالَ له: جعلت فداك، أين تريد؟
قَالَ: أما الآن فمكة وما بعدها، فإنّي أستخير الله، فقال: خار الله
لك، وجعلنا فداك، فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة، فإنها بلدة
مشئومة، بها قتل أبوك، وخذل أخوك، واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه،
الزم الحرم، فإنك سيد العرب، ولا يعدل بك أهل الحجاز أحدا، ويتداعى
الناس إليك من كل جانب. فنزل مكة، واختلف أهلها إليه وأهل الآفاق، وابن
الزبير لازم جانب الكعبة، فهو قائم يصلي عندها، ويطوف، ويأتي حسينا
فيمن يأتيه، ويشير عليه، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم
أن أهل الحجاز لا يبايعونه أبدا ما دام حسين بالبلد، وقام سليمان بن
صرد بالكوفة، فقَالَ: إن كنتم تعلمون أنكم تنصرون حسينا فاكتبوا إليه،
وإن خفتم الفشل فلا تغروه. قالوا: بل نقاتل عدوه.
فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد،
والمسيب بن نجية، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين
والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا اله
إلا هو، الحمد/ للَّه الذي قصم عدوك، وإنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل
الله يجمعنا بك. 134/ ب فقدم الكتاب عليه بمكة لعشر مضين من رمضان، ثم
جاءه مائة وخمسون كتابا من الرجل والاثنين والثلاثة، ثم جاءه كتاب آخر
يقولون: حي هلا، فإن الناس ينتظرونك،
__________
[1] البيت ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الطبري 5/ 351: «لو تنكبت» .
(5/327)
فالعجل العجل. وتلاقت الرسل كلها عنده.
فقرأ الكتب، وكتب مع هانئ بن هاني السبيعي، وسعيد بن عبيد الحنفِي [1]
، وكانا آخر الرسل:
بسم الله الرحمن الرحيم. من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين
والمسلمين. أما بعد، فإن هانئا وسعيدا قدما علي، وكانا آخر من قدم من
رسلكم، وقد بعثت أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي وأمرت أن يكتب إلي
بحالكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على
مثل ما قدمت به علي رسلكم، قدمت عليكم إن شاء الله تعالى.
فلما قتل [2] مسلم بن عقيل وهانئ، وكان الحسين قد خرج من مكة يوم
الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة، وكان قد أشار عليه جماعة منهم ابن
عباس أن لا يخرج، وكان من جملة ما قَالَ له: أتسير إلى قوم أميرهم
عليهم قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنما دعوك إلى الحرب، ولا آمن أن
يكذبوك. فقَالَ: أستخير الله، ثم عاد إليه فقَالَ له: إني أتصبر ولا
أصبر، إني أتخوف عليك أهل العراق، فإنهم أهل غدر، أقم بهذا البلد فإنك
سيد الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك (فاكتب إليهم) [3] .
فلينفوا عدوهم، وإن أبيت فسر إلى اليمن، فإن بها حصونا وشعابا، وهي أرض
عريضة. فقَالَ: قد أجمعت المسير. قَالَ: فلا تسر بنسائك وصبيتك، فإني
أخاف ما جرى لعثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، ولقد أقررت عيني ابن
الزبير بتخليتك إياه بالحجاز، والله لو أني أعلم أنك إذا أخذت بشعرك
وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس أطعتني لفعلت.
ثم خرج، فلقي ابن الزبير، فقَالَ: قرت عينك، هذا حسين يخرج إلى العراق،
ويخليك والحجاز، ثم أنشد مرتجزا متمثلا: / 135/ أ
يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقّري [4]
__________
[1] كذا في الأصول، وفي الطبري: «سعيد بن عبد الله الحنفي» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 383.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] ينسب الرجز إلى طرفة (ملحق ديوانه 193) .
(5/328)
وكتب عبيد الله إلى يزيد: أما بعد، فالحمد
للَّه الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه، وكفاه مئونة عدوه، إن مسلم بن
عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة فكدتهما حتى استخرجتهما وضربت أعناقهما،
وقد بعثت برأسيهما.
فكتب إليه يزيد: إنك على ما أحب عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع،
وقد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح،
واحترس، واجلس [1] على الظنة، وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلا من
قاتلك، واكتب إلي فِي كل ما يحدث من خير إن شاء الله.
قَالَ علماء السير: لما علم الحسين، بما جرى لمسلم بن عقيل هم أن يرجع،
فقَالَ أخو مسلم: والله لا ترجع حتى نصيب [2] بثأرنا. فقَالَ الحسين:
لا خير فِي الحياة بعدكم. فسار فلقيته أوائل خيل عبيد الله، فنزل
كربلاء، فضرب أبنيته، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل. وفِي
هذه السنة: حج بالناس عمرو بن سعيد، وكان عامل يزيد على مكة والمدينة
لما نزع يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة، وكان ذلك فِي شهر رمضان.
فحج عمرو بالناس حينئذ، وكان على الكوفة والبصرة وأعمالها عبيد الله بن
زياد، وعلى خراسان عَبْد الرَّحْمَنِ بن زياد، وعلى قضاء الكوفة شريح،
وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
402- بلال بن الحارث، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ [3]
وهو من بني قرة بن مازن، بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى مزينة ومعه عمرو بن عوف يستنفرانهم حين أراد أن يغزو
مكة، وحمل بلال أحد ألوية مزينة الثلاثة التي عقدها لهم
__________
[1] في ت: «واحبس» .
[2] في ت: «لا ترجع حيث نصيب» .
[3] طبقات خليفة 38، 77، والتاريخ الكبير 2/ 1/ 106، 107، والمعارف
110، وتهذيب الكمال 780.
(5/329)
135/ ب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الفتح، وكان يسكن جبل مزينة ويأتي/ المدينة كثيرا.
وتوفي فِي هذه السنة وَهُوَ ابْن ثمَانين سنة.
403- خراش بن أمية بن ربيعة، أبو نضلة:
شهد المريسيع والحديبية، وبعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى قريش على جمل له يقول:
إنما جئنا معتمرين ولم نأت لقتال، فعرفوا جمل رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأرادوا قتال خراش فمنعه من هناك من قومه، فرجع
وأخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لقي، وقَالَ:
ابعث أمنع مني، فدعا عمر فقَالَ: يا رسول الله، قد عرفت قريش عداوتي
لها، وليس بها من بني عدي من يمنعني، فإن أحببت دخلت عليهم، فلم يقل
لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا، فقَالَ عمر: لكني
أدلك على رجل أعز مني بمكة وأكثر عشيرة، وأمنع: عثمان، فدعاه، فبعثه
إليهم.
وخراش هو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية،
وحلقه أيضا فِي عمرة الجعرانة، وما زال يغزو مع رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن قبض، ومات فِي آخر خلافة معاوية.
404- صفوان بن المعطل بن رحضة بن المؤمل بن خزاعي، أبو عمرو [1] :
أسلم قبل غزاة المريسيع، وشهدها مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وكان يومئذ على ساقة الناس من ورائهم، واتفق أن عقد عائشة
ضاع، فأقامت على التماسه، فرحل القوم، فجاء صفوان فرآها، فأناخ بعيره،
فركبت، فلحق بها الجيش، فتكلم أهل الإفك، فحلف صفوان لئن أنزل الله
عذره ليضربن حسان بن ثابت بالسيف. فلما نزل العذر ضرب حسان بن ثابت
بالسيف على كتفه، فأخذه قوم حسان، وأتوا به رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفعه إليهم ليقتصوا منه، فلما أدبروا بكى رسول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فقيل لهم: هذا 136/ أرسول/ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبكي. فترك حسان ذلك لرسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَالَ النبي عليه السلام: دعوا
حسان، فإنه يحب الله ورسوله، وأعطى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حسانا شبرين عوضا. ثم شهد صفوان الخندق، والمشاهد بعدها،
وكان مع كرز بن جابر فِي طلب العرنيين الذين أغاروا على لقاح رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتوفي بشمشاط فِي هذه السنة.
__________
[1] تهذيب تاريخ ابن عساكر 6/ 438، واللباب 1/ 443.
(5/330)
405- عَبْد اللَّهِ بن ثوب، أبو مسلم
الخولاني [1] :
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَد
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: حدثنا أبو
أحمد محمد بن أحمد قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عَدِيٍّ قَالَ:
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَبَّاسٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ قَالَ:
بَيْنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ الْعَنسِيُّ بِالْيَمَنِ فَأَرْسَلَ
إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ فقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَسْمَعُ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ. قَالَ: مَا أَسْمَعُ قَالَ: فَأَمَرَ بِنَارٍ عَظِيمَةٍ
فَأُجِّجَتْ، فَطُرِحَ فِيهَا أَبُو مُسْلِمٍ فَلَمْ تَضَرَّهُ،
فَقَالَ لَهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ: إِنْ تَرَكْتَ هَذَا فِي بِلادِكَ
أَفْسَدَهَا عَلَيْكَ. فَأَمَرَهُ بِالرَّحِيلِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ
وَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي
الْمَسْجِدِ يُصَلِّي، فَبَصُرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ:
مِنْ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنَ الْيَمَنِ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ
عَدُوُّ اللَّهِ بِصَاحِبِنَا الَّذِي حَرَقَهُ بِالنَّارِ فَلَمْ
تَضُرَّهُ؟ فَقَالَ: ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَوْبٍ. قَالَ:
نَشَدْتُكَ باللَّه أَنَّكَ هُوَ. قَالَ:
اللَّهمّ نَعَمْ. قَالَ: فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ
بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ بَيَنْهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وقَالَ:
الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أراني مِنْ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعل به كما فعل/
بإبراهيم 136/ ب خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ [2] قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ أَحْمَد الحداد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن محمد قال: حَدَّثَنَا أبو زرعة قَالَ:
حَدَّثَنَا سعيد بن أسد، قَالَ: حَدَّثَنَا ضمرة عن عثمان بن عطاء، عن
أبيه قَالَ:
كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى أهله كبر على باب
منزله، فتكبر امرأته، فإذا كان فِي صحن داره كبر فتجيبه امرأته. فانصرف
ذات ليلة، فكبر عند باب داره، فلم يجبه أحد، فلما كان فِي الصحن كبر،
فلم يجبه أحد، فلما كان فِي باب
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 157.
[2] في الأصل: «أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا الحافظ» .
(5/331)
بيته [كبر] [1] فلم يجبه أحد، وكان إذا دخل
بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه، ثم أتته بطعامه. قالَ: فدخل، فإذا
البيت فيه سراج، وإذا امرأته جالسة منكسة تنكث بعود معها، فقال لها: ما
لك؟ قالت: أنت لك منزلة من معاوية، وليس لنا خادم، فلو سألته فأخدمنا
وأعطاك. فقَالَ: اللَّهمّ من أفسد علي امرأتي فأعم بصره. قَالَ: وكانت
قد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت: زوجك له منزلة من معاوية، فلو قلت له
كتب إلى معاوية بخدمة ويعطيه عشتم. قَالَ: فبينا تلك المرأة جالسة فِي
بيتها أنكرت بصرها، فقالت: ما لسراجكم طفئ؟ قالوا: لا فعرفت ذنبها،
فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو لها الله عز وجل أن يرد عليها
بصرها. فرحمها أبو مسلم، فدعا الله عز وجل فرد عليها بصرها. وفِي
رواية: فرجعت.
406- معاوية بن أبي سفيان [2] :
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ:
أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيِّ،
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ [3] قَالَ:
لَمَا ثَقُلَ مُعَاوِيَةُ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّهُ الْمَوْتُ،
قَالَ لأَهْلِهِ: احْشُوا عَيْنَيَّ أَثْمِدًا، وَأَوْسِعُوا رَأْسِي
دُهْنًا. فَفَعَلُوا، وَبَرَّقُوا وَجْهَهُ بالدهن، ثم مهّد له فجلس،
فقال:
137/ أاسندوني. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنُوا لِلنَّاسِ فَلْيُسَلِّمُوا/
قِيَامًا [4] ، وَلا يَجْلِسُ أَحَدٌ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ
فَيُسَلِّمُ قَائِمًا، فيراه مكتحلا مدهنا، فيقول: يَقُولُ النَّاسُ
هُوَ لَمَّا بِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ النَّاسِ. وَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ
عِنْدِهِ قَالَ:
وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ
لا أَتَضَعْضَعُ
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ
تَمِيمَةٍ لا تنفع [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 128، وتاريخ بغداد 1/ 207.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 5/ 326.
[4] في الأصل: «فليسلموا وقوفا قياما» .
[5] الأبيات لأبي ذؤيب الهذلي: ديوان الهذليين 1/ 38.
(5/332)
قال: وكان به الثفاثة [1] مَاتَ مِنْ
يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قَالَ علماء السير [2] : أوصى معاوية فقَالَ: شهدت رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما قلم أظفاره وأخذ من شعره، فجمعت ذلك
فهو عندي، وأعطاني قميصه، فاجعلوه على جسدي، واسحقوا قلامة الأظفار
فاجعلوها فِي عيني، واحشوا بالشعر فمي وأنفِي، فغشي، فأخرجت أكفانه
فوضعت على المنبر، وقام الضحاك بن قيس الفهري خطيبا، فقَالَ: إن معاوية
قد قضى نحبه، وهذه أكفانه، ونحن مدرجوه فيها، ومدخلوه قبره، ومخلوه
وعمله، إن شاء ربه رحمه، وإن شاء عذبه.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أبو الفضل قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر قال:
حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثني يحيى بن عبد الله، عن بكير، عن الليث
قَالَ:
توفي معاوية فِي رجب لأربع ليال خلت من سنة ستين، وكانت خلافته عشرين
سنة وخمسة أشهر.
وقيل: تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر.
قَالَ الواقدي: وسبعة وعشرين يوما.
واختلفوا فِي مدة عمره [3] ، فقَالَ الزهري: خمسة وسبعون، وقيل: ثمان
وسبعون، وقَالَ المدائني: ثلاث وسبعون، وقيل: ثمانون، وقيل: خمس
وثمانون.
407- النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس [4] :
أُمُّهُ عَمُرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَوَاحَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وُلِدَ مِنَ الأَنْصَارِ
بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَحَنَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ، فَتَلَمَّظَ بِهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
[انْظُرُوا] [5] إِلَى الأَنْصَارِ وحبها للتمر» .
__________
[1] في الطبري: «النّفاثات» . وفي ابن الأثير: «التفاثات» .
[2] تاريخ الطبري 5/ 327، 328.
[3] تاريخ الطبري 5/ 325.
[4] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 35، والمعارف 294، وتهذيب التهذيب 10/ 447.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(5/333)
137/ ب توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
والنعمان بن بشير/ ابن ثماني سنين. وروى [عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم [[1] ، وكان ممن نصر عثمان، وقدم بقميصه الذي قتل فيه على معاوية،
وبعثه معاوية على الكوفة أميرا، فأقام بها واليا عليها سبعة أشهر، ثم
آل الأمر إلى أن دعا لابن الزبير فقتله أهل حمص فِي هذه السنة.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو الحسين محمد بن أحمد الأبنوسي قال: أخبرنا أبو الحسن
الدار الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي قال: حدثنا عبد الله بن الْحُسَيْنِ بْنُ
الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ:
لَمَّا عُزِلَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَنِ الْكُوفَةِ وَلَّاهُ
مُعَاوِيَةُ حِمْصَ، فَوَفَدَ عَلَيْهِ أعشى همدان، فقال له: ما
أَقْدَمَكَ أَبَا الْمُصَبّحِ قَالَ: جِئْتُ لِتَصِلَنِيَ، وَتَحْفَظَ
قَرَابَتِي، وَتَقْضِيَ دَيْنِي. فَأَطْرَقَ النُّعْمَانُ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا [عِنْدِي] [2] شَيْءٌ.
ثُمَّ قَالَ: هِيهْ، كَأَنَّهُ ذكر شَيْئًا، فَقَامَ فصعد المنبر ثم
قال: يا أَهْلَ حِمْصَ- وَهُمْ فِي الدِّيوَانِ عِشْرُونَ أَلْفًا-
هَذَا ابْنُ عَمٍّ لَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَفِ، قَدِمَ
عَلَيْكُمْ يَسْتَرْفِدُكُمْ، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ؟
فَقَالُوا: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، احْكُمْ لَهُ. فَأَبَى
عَلَيْهِمْ. قَالُوا: فَإِنَّا قَدْ حَكَمْنَا لَهُ عَلَى أَنْفُسِنَا
مِنْ كُلِّ رَجُلٍ فِي الْعَطَاءِ بِدِينَارٍ مِنْ دِينَارَيْنِ
تَعْجَلُهَا لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ.
فَقَبَضَهَا وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
فَلَمْ أَرَ لِلْحَاجَاتِ عِنْدَ انْكِمَاشِهَا ... كَنُعْمَانَ
نُعْمَانِ النَّدَى ابْنِ بَشِيرٍ
إِذَا قَالَ أَوْفَى بِالْمَقَالَ وَلَمْ يَكُنْ ... كَمُدْلٍ إِلَى
الأَقْوَامِ حَبْلَ غُرُورٍ
مَتَى أَنجد النُّعْمَانَ لا أَكُ شَاكِرًا ... وَلا خَيْرُ [3] من لا
يقتدي بشكور
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «ما خير» .
(5/334)
|