المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
ومائة
فمن الحوادث فيها هرب يزيد بن المهلب [من
حبس عمر] [1]
وذلك أنه خاف من يزيد بن عبد الملك لأنه كان قد عذب أصهاره آل أبي
عقيل، وذلك أن أم الحجاج بنت محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف كانت عند
يزيد بن عبد الملك فولدت له الوليد بن يزيد، وكان يزيد قد عاهد الله
لئن أمكنه من يزيد بن المهلب ليقطعن منه طابقا [2] فكان يخشى ذلك، فبعث
يزيد بن المهلب إلى مواليه فأعدوا له إبلا، ومرض عمر فأمر يزيد بإبله
فأتي بها، فخرج من محبسه فذهب وكتب إلى عمر: إني والله لو علمت أنك
تبقى ما خرجت من محبسي، ولكني لم آمن يزيد بن عبد الملك، فقال عمر:
اللَّهمّ إن كان يريد بهذه الأمة شرا فاكفهم شره، واردد كيده في نحره.
ومضى يزيد بن المهلب.
وقال الواقدي: إنما هرب من سجن عمر بعد موته رضي الله عنه.
وفي هذه السنة توفي عمر بن عبد العزيز
واستخلف يزيد بن عبد الملك.
__________
[1] تاريخ الطبري 6/ 564.
[2] في الأصل: «طالعا [؟] » كذا بدون نقط، وفي ت: «طايفا» وما أوردناه
من الطبري.
(7/64)
باب ذكر خلافة يزيد
بن عبد الملك
ويكنى أبا خالد، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، استخلف بعد وفاة عمر،
وكان يومئذ ابن تسع وعشرين سنة.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، قَالَ: أنبأنا [1] المبارك بن عبد الجبار،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد العتيقي، قَالَ: أخبرنا أبو بكر أحمد
بن منصور النوشري، قال:
أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي، قال: أخبرنا الزبير بن بكار،
قال: حدثني هارون بن عبد الله الزهري، عن عبيد الله بن عمرو الفهري،
قال:
لما توفي عمر بن عبد العزيز، قال يزيد بن عبد الملك: ما جعل عمر بن عبد
العزيز لربه أرجى مني، فتنسك وأقام أربعين يوما لا تفوته صلاة في
جماعة، فقدم الأحوص فأرسلت له حبابة أنه ليس لي ولا لك عنده شيء ما دام
على هذه الحال فقل أبياتا أغنيها له عسى أن يترك ما هو عليه من النسك،
فقال الأحوص:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلدا [2]
إذا كنت عزيفا عن اللهو والصبا ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما يلذ ويشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفندا
فلما خرج يزيد للجمعة عرضت له حبابة على طريقه فحركت العود وغنت البيت
الأول فسبح، فلما غنت البيت الثاني قال: مه مه ويحك لا تفعلي [3] ،
فلما غنت الثالث
__________
[1] في ت: «أخبرنا» .
[2] في الأصل: «أن يتخلدا» ، وما أوردناه من ت.
[3] في ت: «لا تفعلي ويحك» .
(7/65)
نفض عمامته، وقال: مروا صاحب الشرطة أن
يصلي بالناس، وجلس معها، ودعى بالشراب وسألها عن قائل الشعر، فقالت:
الأحوص، فأمر به فأدخل فأجازه وأحسن إليه وأنشده مديحه.
فصل ولما استخلف يزيد نزع أبا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ عن المدينة وولاها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري، وبايع
لأخيه هشام بالعهد من بعده، ثم لابنه الوليد، ولم يكن ابنه بلغ، فلما
بلغ ندم وقال: الله بيني وبين من جعل هشاما بيني وبينك، يعني مسلمة.
وفي هذه السنة قتل شوذب الخارجي [1]
وقد ذكرنا أنه بعث رجلين يناظران عمر بن عبد العزيز، فلما مات عمر أراد
عبد الحميد أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك، فكتب إلى محمد بن جرير
يأمره بمحاربة شوذب وأصحابه، ولم يرجع رسولا شوذب، ولم يعلم بموت عمر،
فلما رأى محمد بن جرير مستعدا للحرب أرسل إليه شوذب: ما أعجلكم [2] قبل
انقضاء المدة فيما بيننا وبينكم، أليس قد تواعدنا إلى أن يرجع [3]
رسولانا [4] ، فقيل له: لا يسعنا غير هذا، فبرز له شوذب فاقتتلوا وأصيب
من الخوارج نفر، وأكثروا في أهل الكوفة القتل، فولوا منهزمين والخوارج
في أكتافهم حتى بلغوا أخصاص الكوفة، فأقر يزيد عبد الحميد على الكوفة،
ووجه من قبله تميم بن الحباب في ألفين فراسل الخوارج وأخبرهم أنه لا
يفارقهم على ما فارقهم عليه عمر، فلعنوه ولعنوا يزيدا، فحاربهم فقتلوه
وهزموا أصحابه، فوجه إليهم نجدة بن الحكم الأزدي في جمع، فقتلوه وهزموا
أصحابه [5] ، فبعث آخر في ألفين فقتلوه، فأنفذ يزيد مسلمة بن عبد
الملك، فنزل الكوفة، ودعا سعيد بن عمرو الحرشي، فعقد له على عشرة آلاف
ووجهه، فقال لأصحابه: من كان يريد
__________
[1] تاريخ الطبري 6/ 575.
[2] في الطبري: «ما أعجلك» .
[3] في الأصل: «يرتجع» . وما أوردناه من ت والطبري.
[4] كذا في الأصلين، وفي الطبري «رسولا شوذب» .
[5] «فوجه إليهم.... وهزموا أصحابه» : ساقط من ت.
(7/66)
الله عز وجل فقد جاءته الشهادة، ومن كان
إنما خرج للدنيا [1] فقد ذهبت الدنيا منه.
فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا فكشفوا سعيدا وأصحابه مرارا حتى خافوا
الفضيحة، ثم حملوا على الخوارج فطحنوهم وقتلوا شوذب.
وفي هذه السنة لحق يزيد بن المهلب بالبصرة فغلب عليها وخلع يزيد بن عبد
الملك وأخذ عامله عدي بن أرطأة فحبسه [2]
قد ذكرنا أن يزيد بن المهلب هرب من حبس عمر، فلما بويع يزيد كتب إلى
عبد الحميد يأمره بطلب يزيد بن المهلب، وكتب إلى عدي بن أرطأة يأمره أن
يأخذ من كان في البصرة من أهل بيته، فأخذهم وفيهم المفضل [3] ، وحبيب،
ومروان، والمهلب، وبعث عبد الحميد هشام بن مساحق في طلب يزيد، فقال له:
أجيئك به أسيرا أم آتيك برأسه؟ فقال: أي [4] ذلك شئت، فنزل هشام
بالعذيب، فمر بهم يزيد فاتقوا الإقدام عليه، فمضى نحو البصرة، فنزل
داره واختلف الناس إليه، وبعث إلى عدي بن أرطأة: ادفع إلي إخوتي وأنا
أخليك والبصرة حتى آخذ لنفسي ما أحب من يزيد بن عبد الملك. فلم يقبل
[منه] [5] ، وكان يزيد بن المهلب يعطي الناس المال، فمالوا إليه، وخرج
حميد بن عبد الملك بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك، فبعث معه خالد بن
عبد الله القسري وعمر بن يزيد [6] الحكمي بأمان يزيد بن المهلب وأهل
بيته، وخرج يزيد بن المهلب حين اجتمع إليه الناس حتى نزل جبانة بني
يشكر، فخرج إليه عدي فاقتتلوا فهزم أصحاب يزيد، وجاء يزيد فنزل دار سلم
[7] بن زياد وأخذ عديا فحبسه، وهرب رءوس أهل البصرة، فمنهم من لحق عبد
الحميد بالكوفة، ومنهم من لحق بالشام.
__________
[1] في الأصل: «ومن كان خروجه للدنيا» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] تاريخ الطبري 6/ 578.
[3] في ت: «قد ذكرنا أن عمر بن عبد العزيز حبس يزيد بن المهلب، فكتب
إلى عدي بن أرطأة يأمره أن يأخذ من كان في البصرة من أهل بيته فأخذهم
وفيهم المفضل» . وفي الأصل «الفضل» .
[4] في الأصل: «أنى» . والتصحيح من ت، والطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] في الأصل: «عمر بن مرثد» . والتصحيح من ت، والطبري.
[7] في الأصل: «سالم» والتصحيح من ت والطبري.
(7/67)
وجاء خالد القسري وعمر بن يزيد [1] ومعهما
حميد بن عبد الملك بالأمان ليزيد بن المهلب من يزيد بن عبد الملك،
فوصلوا وقد فات الأمر، وغلب يزيد بن المهلب على البصرة، وخلع يزيد بن
عبد الملك، واستوثقت له البصرة، وبعث عماله إلى الأهواز وفارس وكرمان،
وبعث أخاه مدرك [2] بن المهلب إلى خراسان، وخطب يزيد بن المهلب الناس
وأخبرهم أنه يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلَّى اللَّه عليه وسلّم،
ويحث على الجهاد، ويزعم أن جهاد أهل الشام أعظم ثوابا [3] من جهاد
الترك والديلم.
فدخل الحسن البصري إلى المسجد فقال لصاحبه: انظر هل ترى وجه رجل تعرفه؟
فقال: لا والله، فقال: فو الله هؤلاء [4] الغثاء، فدنا من المنبر وإذا
هو يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلَّى اللَّه عليه وسلم، فقال الحسن:
يزيد يدعو إلى كتاب الله، والله لقد رأيناك واليا وموليا عليه، فجعل
أصحابه يأخذون على فيه لئلا يتكلم، فقال الحسن: إنما كان يزيد بالأمس
يضرب رقاب هؤلاء ويسرح بها إلى بني مروان يريد رضاهم، فلما غضب نصب [5]
هؤلاء وقال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة العمرين، وإن من سنة العمرين أن
يوضع قيد في رجله ثم يرد إلى محبس عمر. فقال رجل: يا أبا سعيد، كأنك
راض عن أهل الشام، فقال: أنا راض عن أهل الشام، قبحهم الله وبرحهم،
أليسوا الذين أحلوا حرم رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وقتلوا
أهله ثم خرجوا إلى بيت الله الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النار بين
أحجارها وأستارها، عليهم لعنة الله.
ثم إن يزيدا [6] خرج من البصرة واستخلف عليهم مروان، فأقبل حتى نزل
واسط، واستشار أصحابه فقال: ما الرأي؟ فاختلفوا عليه، فأقام أياما
بواسط ثم خرج.
وفي هذه السنة حج بالناس [7] عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري، وهو
عامل يزيد على
__________
[1] كذا في الأصلين. وفي الطبري: «عمرو بن يزيد» .
[2] في الأصل: «مدركة» وما أوردناه من ت والطبري 6/ 586.
[3] في الأصل: «أعظم جهادا» . وما أوردناه من ت.
[4] في ت: «فهؤلاء والله» .
[5] في الأصل: «بعث» . وما أوردناه من ت.
[6] في الأصل: «وأن يزيد» . وما أوردناه من ت.
[7] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
(7/68)
المدينة، وكان عامله على مكة عبد العزيز بن
عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن [1] ،
وعلى قضائها عامر الشعبي، وعلى خراسان عبد الرحمن بن نعيم. وكان يزيد
بن المهلب قد غلب على البصرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
557- أيوب بن شرحبيل:
أحد أمراء مصر، وليها لعمر بن عبد العزيز. روى عنه أبو قبيل.
توفي في رمضان هذه السنة.
558- ذكوان، أبو صالح السمان [2]
سمع من كعب الأحبار، وتوفي بالمدينة [في هذه السنة] [3] .
559- عمر بن عبد العزيز:
قد ذكرنا أنه لما تولى قام بالعدل فكانت بنو أمية قد ألفوا التخليط
وخافوا أن يعهد إلى غيرهم، فسموه فمرض عشرين يوما.
أخبرنا الحسن بْن محبوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا طراد بْن مُحَمَّد، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن بشران إذنا، أن الحسين بن [4] صفوان [5]
حدثهم قال: حدثنا أبو عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي، قَالَ:
حَدَّثَنِي محمد بن الحسين [6] ، قال: هشام بن عبد الله الرازي، قال:
حدثنا أبو زيد الدمشقي، قال:
لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعي له بطبيب، فلما نظر إليه قال: أرى الرجل
قد
__________
[1] في ت: «عبد الرحمن بن عبد الرحمن» .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 222، وطبقات خليفة 248، والتاريخ الكبير للبخاريّ
3/ 895، والجرح والتعديل 3/ 2039، وطبقات الصوفية للسلمي 428، وتاريخ
الإسلام 4/ 219، وسير أعلام النبلاء 5/ 36، وتهذيب التهذيب 3/ 219.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في ت: «بشران إذنا قال: حدّثنا الحسين بن صفوان» .
[5] في الأصل: «بشران» . وما أوردناه من ت.
[6] في الأصل: «الحسن» . خطأ، والتصحيح من ت.
(7/69)
سقي السم فلا آمن عليه الموت، فرفع عمر [1]
بصره وقال: ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق [2] السم؟ قال: فتعالج
يا أمير المؤمنين فإني أخاف أن تذهب نفسك، قال:
ربي خير مذهوب إليه، والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي
إلى أذني فتناولته، اللَّهمّ خر لعمر في لقائك [3] . فلم يلبث إلا
أياما حتى مات.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قَالَ [4] : أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحاكم، قال: أخبرني محمد بن
الحسن بن الحسين بن منصور، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عبد الوهاب، قال: سمعت علي بن هشام يقول:
لما سم عمر بن عبد العزيز قال للخادم الذي سمه: لم سممتني؟ قال: أعطاني
فلان ألف دينار على أن أسمك، قال: أين الدنانير؟ قال: هي هاهنا، فأتى
بها فوضعها في بيت مال المسلمين، وقال للخادم: اذهب، ولم يعاقبه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ، قال:
أخبرنا حمد بْنُ [5] أحمد الحداد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم أحمد
بن عبد الله، قال: حدثنا أبو محمد بن حيان، قال: حدثنا أحمد بن الحسين،
قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثني أبو إسحاق، قال:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: [6] حدثنا هاشم، قال:
لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر بن عبد العزيز دخل عليه مسلمة بن
عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أفقرت أفواه ولدك من هذا المال
فتركتهم عيلة لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إلي وإلى نظرائي من أهل بيتك.
فقال: أسندوني، ثم قال: ما منعتهم حقا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم،
وإن وصيتي فيهم و (وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ، وَهُوَ
يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) 7: 196 [7] بني أحد رجلين: إما رجل يتقي
الله فيجعل الله له مخرجا، وإما رجل مكب على المعاصي فلم أكن أقويه على
معصية الله عز وجل.
__________
[1] «عمر» : ساقطة من ت.
[2] في ت: «يشرب» .
[3] «في لقائك» : سقطت من ت، وكتبت على هامشها.
[4] من هنا اعتاد ناسخ الأصل حذف «قال» من السند، وهي مثبتة في ت. وذلك
في باقي هذا الجزء والجزء الّذي يليه، وسنكتفي بالإشارة هنا وإثباتها.
[5] في الأصل: «أحمد بن أحمد» . خطأ، والتصحيح من ت.
[6] «قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم.... حدّثنا محمد بن الحسين» ساقطة من
ت.
[7] سورة الأعراف، الآية: 196.
(7/70)
ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا، فنظر
إليهم فذرفت عيناه فبكى، ثم قال:
بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لا شيء لهم، وإني بحمد الله قد تركتهم
بخير، أي بني إن أباكم مثل بين أمرين: أن تستغنوا ويدخل [أبوكم] [1]
النار، أو تفتقروا ويدخل الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه،
قوموا عصمكم [الله] .
قال أبو نعيم: حدثنا أبو حامد بن جبلة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
إسحاق، قَالَ:
حَدَّثَنَا عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا الحارث بن بهرام، قال: حدثنا
النضر، قال:
حدثني ليث أن عمر قال في مرضه:
أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن
لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه وأحد النظر وقال: إني أرى حضرة ما هم
بإنس ولا جن. ثم قبض رضي الله عنه.
ورثاه جماعة، فقال كثير يرثيه:
عمت صنائعه وعم هلاكه ... فالناس فيه كلهم مأجور
والناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنّة وزفير
يثني عليك لسان من لم توله ... خيرا لأنك بالثناء جدير
ردت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور
توفي عمر لعشر ليال بقين من رجب هذه السنة- وقيل لخمس بقين- وهو ابن
تسع وثلاثين سنة وأشهر، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر. ومات بدير
سمعان، واشترى موضع قبره هناك فدفن فيه.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك الحافظ، قَالَ: أخبرنا أبو
الحسين [2] بن عبد الجبار، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الخياط،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْن صفوان، قال: أخبرنا أبو بكر القرشي، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن
الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أيوب، قال: حدثني يزيد بن
محمد بن مسلمة، قال:
حدثني مولى لنا، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: أخبرنا الحسن. وما أوردناه من ت.
(7/71)
بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى عشي بصرها،
فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام، فقالا: ما هذا الأمر الذي دمت عليه؟
أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله، أم على شيء فاتك من الدنيا فها
نحن بين يديك وأموالنا وأهلونا، فقالت: ما من كل جزعت، ولا على واحد
منهما أسفت، ولكني والله رأيت منه ليلة منظرا، فعلمت أن الذي أخرجه إلى
الذي رأيت منه، رأيت منه هولا عظيما قد أسكن في قلبه معرفته، قالا: وما
رأيت منه؟ قالت: رأيته ذات ليلة قائما يصلي، فأتى على هذه الآية:
(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ
الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) 101: 4- 5 [1] . فصاح: وا سوء
صباحاه، ثم [وثب] فسقط، فجعل يخور حتى ظننت أن نفسه ستخرج، ثم هدأ
فظننت أنه قد قضى، ثم أفاق إفاقة فنادى: وا سوء صباحاه، ثم وثب وجعل
يجول في الدار ويقول: ويلي من يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث
وتكون الجبال كالعهن المنفوش.
560- غيلان بن عقبة بن بهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن
ساعدة بن كعب بن عوف، من بني صعب بن ملكان بن عدي، ويقال لغيلان: ذو
الرمة، ويكنى أبا الحارث [2] :
سمع بشعره الفرزدق فقال: ما أحسن ما تقول، فقال: فما لي لا أذكر في
الفحول؟ قال: بصونك عن غاياتهم بكاؤك في الدين، وصفتك الإبصار والفطن
[3] .
وكان يتشبب بمي [4] بنت طلحة بن عاصم المنقري، وكانت تسمع شعره ولا
تراه، فجعلت للَّه أن تنحر بدنة إذا رأته، فلما رأته رأت رجلا أسود
دميما، فقالت: وا سوءتاه، كأنها لم ترضه.
قال أبو سوار الغنوي: رأيت ميا، وكانت مسنونة الوجه، طويلة الخدين،
شماء الأنف، عليها وسم جمال.
__________
[1] سورة: القارعة، الآية: 4، 5.
[2] على هامش الأصل: ذو الرمة الشاعر» .
وانظر ترجمته في: الأغاني 18/ 5، ووفيات الأعيان 1/ 404، وخزانة الأدب
للبغدادي 1/ 51.
[3] الخبر في الأغاني 18/ 20، وفيه: «يمنعك من ذلك ويباعدك ذكرك
الأبعار وبكاؤك الديار» .
[4] في الأصل: «يتشبث» . والتصحيح من ت والأغاني.
(7/72)
قال محمد بن سلام [1] : كانت مولدة لابن
قيس بن عاصم تسمى كثيرة قالت بيتين: نحلتهما ذا الرمة، وهما:
على وجه مي مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا
فامتعض من ذلك ذو الرمة، وحلف جهد يمينه أنه ما قالهما، وقال: كيف
أقوله وقد أفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها.
وكانت مية عند ابن عم لها يقال له عاصم، فقال ذو الرمة فيها:
ألا ليت شعري هل يموتن عاصم ... ولم يشتعبني للمنايا شعوبها
رمى الله من حتف المنية عاصما ... بقاصمة يدعى لها فيجيبها
وقد كان ذو الرمة يشبب أيضا بخرقاء إحدى نساء بني عامر بن ربيعة.
وقال أبو زياد الكلابي: خرقاء من بني عامر بن صعصعة.
قال الأصمعي: كان سبب تشبيبه بخرقاء أنه مر في بعض أسفاره فإذا خرقاء
خارجة من خباء، فنظر إليها فوقعت في قلبه فخرق أداوته ليستطعم كلامها،
ثم قال لها: إني رجل على ظهر سفر وقد تخرقت أدواتي فأصلحيها، فقالت: لا
والله لا أحسن العمل، وإني لخرقاء، والخرقاء لا تحسن العمل لكرامتها
على أهلها.
وروى عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن منهال السدوسي قال: حدثني رجل من
قريش: أنه سلك طريق مكة للحج فعدل عن الطريق فرأى امرأة، فقال لها: من
أنت؟ فقالت: أو ما تعرفني وأنا أحد مناسكك؟ قال: ومن أنت؟ قالت: خرقاء
صاحبة ذي الرمة الذي يقول فيها:
تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام
إلا أن جمهور شعره في ميّ، وحب خرقاء حدث بعدميّ، وفي هذا دليل على
سلو، ويدل عليه قوله:
أخرقاء للبين استقلت حمولها ... نعم غربة فالغث تجري مسيلها
__________
[1] الخبر في الأغاني 18/ 29، «عن محمد بن سلام، عن أبي الغراف» .
(7/73)
معنى غربة: أي استقلت لأرض بعيدة.
كأن لم يرعك الدهر بالبين قبلها ... لمي ولم يشهد فراقا نزيلها
أي قد راعك الدهر غير مرة.
أنبأنا علي بن عبيد الله بن نصر، عن أبي جعفر بن المسلمة، عَنْ أبي
عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، قال: حدثني أبو صالح
الفزاري، قال: [1] ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب، فقال عصمة
بن مالك الفزاري شيخ منهم بلغ مائة وعشرين سنة: إياي فاسألوا عنه، كان
حلو العينين، حسن المضحك، براق الثنايا، خفيف العارضين، إذا نازعك
الكلام لا تسأم حديثه، باد بزته، [إذا أنشد بربر] [2] وحسن صوته، جمعني
وإياه مربع مرة، فأتاني فقال: يا عصمة إن ميا منقرية، ومنقر أخبث حي،
وأقفاه [3] لأثر وأثبته في نظر، وأعلمه بشر [4] ، وقد عرفوا آثار إبلي،
فهل من ناقة نزدار عليها [5] ميا، قلت: أي والله [عندي] الجؤذر [6] ،
قال: فعلينا بها، فجئت بها فركب وردفته ثم انطلقنا حتى نهبط حي مي،
فإذا الحي خلوف، فلما رآنا النسوة عرفن ذا الرمة، فتقوضن من بيوتهن حتى
اجتمعن إلى مي، وأنخنا قريبا وجئناهن فجلسنا، فقالت ظريفة منهن: أنشدنا
يا ذا الرمة، فقال لي:
أنشدهن، فأنشدت قوله:
وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
فلما انتهيت إلى قوله:
نظرت إلى أظعان مي كأنها ... ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأسبلت العينان والقلب كاتم ... بمغرورق نمت عليه سواكبه
__________
[1] الأغاني 18/ 56 (دار الكتب العلمية) .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
وبربر في كلامه: أكثر منه، والبربرة: الجلبة والصياح.
[3] في الأصل: «أفوقه» . وما أوردناه من الأغاني.
[4] في الأصل: «ببصر» كذا بدون نقط، وما أوردناه من الأغاني.
[5] في الأصل: «وإلا له الجوز» . وما أوردناه من الأغاني. وما بين
المعقوفتين من الأغاني.
[6] في ت: «نزور عليها» . والمعنى واحد.
(7/74)
بكى وامق حال الفراق ولم تجل ... جوائلها
أسراره ومعاتبه
قالت الظريفة: لكن اليوم فلتجل. ثم مضيت إلى قوله:
وقد حلفت باللَّه مية ما الذي ... أحادثها إلا الذي أنا كاذبه
إذا فرماني الله من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدو أجاذبه
قالت مية: ويحك [1] يا ذا الرمة، خف عواقب الله عز وجل، ثم مضيت حتى
انتهيت إلى قوله:
إذا سرحت من حب مي سوارح ... على القلب آبته جميعا عوازبه
فقالت الظريفة: قتلتيه قتلك الله، فقالت: ما أصحه وهنيئا له، قال:
فتنفس ذو الرمة تنفسة كاد حرها يطير بلحيته، ثم مضيت حتى انتهيت إلى
قوله:
إذا نازعتك القول مية أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه
فيا لك من خد أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلل جادبه
فقالت الظريفة: هذا الوجه قد بدا، وهذا القول قد تنوزع فيه، فمن لنا
بأن ينضو الدرع سالبه، فالتفتت إليها مي فقالت: مالك قاتلك الله ماذا
تجيئين به، فتضاحكن النسوة، فقالت الظريفة: إن لهذين شأنا، فقمت وقمن
ثم صرت إلى بيت قريب منهما أراهما ولا أسمع كلامهما إلا الحرف بعد
الحرف، فو الله ما رأيته برح مكانه ولا تحرك، وسمعتها تقول: كذبت
والله، فو الله ما أدري ما الذي كذبته فيه، فتحدثا ساعة ثم جاءني معه
قويريرة فيها دهن طيب، فقال: هذه دهنة أتحفتني بها مي فشأنك بها، وهذه
قلائد در [زودتنا] [2] للجؤذر، فلا والله لا قلدتهن بعيرا أبدا، ثم
عقدهن في ذؤابة [3] سيفه، قال:
فانصرفنا، فلم يزل يختلف إليها مربعنا حتى انقضى، ثم جاءني يوما، فقال:
يا عصمة قد ظعنت مي فلم يبق إلا الديار، [والنظر في الآثار، فانهض بنا
إلى ديارها، فخرجنا حتى وقف على ديارها] [4] فجعل ينظر ثم قال:
ألا فاسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
__________
[1] في ت: «ويلك» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «ذوائب سيفه» . وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/75)
وإن لم تكن في غير شام بقفرة ... تمر بها
الأذيال صيفية كدر
ثم انفضخت عيناه بالعبرة، فقلت: مه، فقال: إني لجلد وإن كان مني ما
ترى، فما رأيت صبابة قط ولا تجلدا أحسن من تجلده وصبابته يومئذ، ثم
انصرفنا فكان آخر العهد به.
قوله: «غير شام» [الشام] [1] لون يخالف معظم لون الأرضين، وهو جمع
شامة، أي: آثار، كأنها شام في جيد، وهي بقاع مختلفة الألوان مثل لون
الشامة [2] ، وإنما يريد أثر الرماد بأرض خالية. و «الصيفية» : الرياح
الكدر فيها غبرة.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، قالت: أَخْبَرَنَا أحمد بن جعفر
السراج، قال:
أخبرنا القاضيان أبو الحسن الثوري، وأبو القاسم التنوخي، قالا:
أَخْبَرَنَا أبو عمرو بْن حيوية، قَالَ: أخبرنا محمد بن خلف، قال:
أخبرنا محمد بن الفضل، [قال: أخبرني أبي] [3] ، قال: أخبرنا القحذمي
[4] ، قال:
دخل ذو الرمة الكوفة فبينا هو يسير في بعض شوارعها على نجيب له رأى
جارية سوداء واقفة على باب دار فاستحسنها ووقعت بقلبه فأومأ إليها
وقال: يا جارية اسقيني ماء، فأخرجت له كوزا فشرب وأراد أن يمازحها
ويستدعي كلامها، فقال: يا جارية، ما أحر ماءك؟ فقالت: لو شئت لأقبلت
على عيوب شعرك وترك حر مائي وبرده، فقال لها:
وأي شعري له عيب؟ فقالت: ألست ذا الرمة؟ قال: بلى، قالت:
فأنت الذي شبهت عنزا بقفرة ... لها ذنب فوق استها أم سالم
جعلت لها قرنين فوق جبينها ... وطبين مسودين مثل المحاجم
وساقين إن يستمكنا منك يتركا ... بجلدك يا غيلان مثل المناسم
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنت أم أم سالم
فقال لها: نشدتك باللَّه إلا أخذت راحلتي هذه وما عليها ولم تظهري هذا،
ونزل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في ت: «مثل تلون الشامة» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «الجعدمي» . وما أوردناه من ت.
(7/76)
عن راحلته فدفعها إليها. وذهب ليمضي،
فدعتها إليه وضمنت له ألا تذكر لأحد ما جرى.
قال أبو معاوية: كان ذو الرمة حسن الصلاة، فقيل له: ما أحسن صلاتك،
فقال:
إن العبد إذا قام بين يدي الله لحقيق أن يتخشع.
وقال عيسى بن عمر: كان ذو الرمة ينشد فإذا فرغ قال: والله لأسجنك بشيء
ليس في حسابك، سبحان الله، والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.
روى الأصمعي، عن أبي الوجيه، قال: كان آخر ما قال ذو الرمة من الشعر:
[1]
يا رب قد أسرفت نفسي وقد علمت ... علما يقينا لقد أحصيت آثاري
يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرت ... وفارج الكرب زحزحني عن النار
وروى ابن دريد، عن أبي حاتم السجستاني، عَنْ أبي عبيدة معمر بْن
المثنى، قَالَ: حدثني المنتجع بن نبهان، قال [2] :
كنت مع ذي الرمة حين حضرته الوفاة، فلما أحس بالموت قال لي: يا منتجع
إن مثلي لا يدفن في غموض من الأرض ولا في بطون الأودية، فإذا أنا مت
فادفني برأس فريدادين، فلما مات جئنا بماء [وسدر وتوقلنا الرملة فحفرنا
له حفرة] [3] ودفناه فهناك قبره إذا ظعنت في الدهناء برأس فريدادين.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ
عَبْد الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر، قال:
أخبرنا أبو الحسن الزيني، قال: حدثنا ابن المرزبان، قال: حدّثني أحمد
ابن زهير، قال: حدثني هرقل بن مسلم، قال: حدثني أبو هلال الأزدي، قال:
حدثني عمارة قال: سمعت ذا الرمة لما حضرته الوفاة، [يقول: لقد مكثت
مهيما بمي عشرين سنة في غير ريبة ولا فساد.
__________
[1] «من الشعر» . ساقط من ت. والخبر في الأغاني 18/ 49.
[2] الخبر في الأغاني 18/ 51.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/77)
قال ابن قتيبة: لما حضرت ذا الرمة الوفاة]
[1] قال: أنا ابن نصف الهرم، أنا ابن أربعين سنة.
561- همام بن منبه، أخو وهب بن منبه، يكنى أبا عقبة [2] :
توفي بصنعاء في هذه السنة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] طبقات ابن سعد 5/ 396.
(7/78)
ثم دخلت سنة اثنتين
ومائة
فمن الحوادث فيها أن يزيد بن عبد الملك بعث [1] العباس بن الوليد بن
عبد الملك ومسلمة بن عبد الملك إلى حرب يزيد بن المهلب، فخرج يزيد من
واسط للقائهما، واستخلف بها ابنه معاوية بن يزيد، وجعل عنده الخزائن
وبيت المال وقدم بين يديه أخاه عبد الملك، فاستقبله العباس بسورا،
فاقتتلوا فشد عليهم أهل البصرة فكشفوهم وسقط إلى يزيد ناس كثير من أهل
الكوفة ومن الجبال والثغور، فقام فيهم [2] فقال: قد ذكر لي أن هذه
الجرادة الصفراء- يعني مسلمة بن عبد الملك- وعاقر ناقة صالح [3]- يعني
العباس بن الوليد، وكان العباس أزرق أحمر وكانت أمه رومية- والله لقد
كان سليمان أراد أن ينفيه حتى كلمته فيه فأقره على نسبه، بلغني أنه ليس
يهمهما إلا التماسي في الأرض، والله لو جاءوا بأهل الأرض جميعا وليس
إلا أنا، ما برحت العرصة حتى تكون لي أولهم.
وكان الحسن البصري يثبط الناس عن يزيد بن المهلب، فقام مروان بن المهلب
خطيبا وأمر الناس بالجد والجهاد [4] ، ثم قال: لقد بلغني أن هذا الشيخ
الضال المرائي- ولم يسمه- يثبط الناس عنا، والله لو أن جاره [5] نزع من
خص داره [6] قصبة لظل يرعف أنفه. ولم يدع الحسن كلامه ذلك.
__________
[1] تاريخ الطبري 6/ 590.
[2] في ت: «فقدم فيهم» .
[3] في الأصلين: «ناقة صالح» وفي الطبري 6/ 592: «ناقة ثمود» .
[4] في ت: «والاجتهاد» . وفي الطبري 6/ 594: «والاحتشاد» .
[5] في الأصل: «لو أن رجلا» . وما أوردناه من ت والطبري.
[6] في الأصل: «حصر جاره» . وما أوردناه من ت والطبري.
(7/79)
فلما اجتمع يزيد بن المهلب ومسلمة أقاما
ثمانية أيام حتى إذا كان يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من صفر عبأ مسلمة
جنود الشام، ثم ازدلف بهم نحو يزيد، [وبعث مسلمة فأحرق الجسر فانهزم
أصحاب يزيد] [1] وتسللوا وهو يزدلف، فكلما مر بخيل كشفها، فجاءه أبو
رؤبة فقال له [2] : هل لك أن تنصرف إلى واسط فإنها حصن فتنزلها ويأتيك
مدد أهل البصرة وأهل عمان والبحرين في السفن، وتضرب خندقا، فقال: قبح
الله رأيك، إلي تقول هذا؟ إن الموت أيسر علي من ذلك، وبرز فقتل وقتل
أخوه [محمد] [3] ، فبعث برأسه إلى يزيد بن عبد الملك، فلما بلغ خبر
الهزيمة إلى واسط أخرج معاوية بن يزيد بن المهلب اثنين وثلاثين أسيرا
كانوا عنده، فضرب أعناقهم، منهم عدي بن أرطأة.
ثم أقبل حتى أتى البصرة [4] ومعه المال والخزائن، وجاء المفضل بن
المهلب، واجتمع جميع أهل المهلب بالبصرة، فحملوا عيالاتهم وأموالهم في
السفن البحرية، ثم لججوا [5] في البحر، ومضوا إلى قندابيل، ورجع قوم
فطلبوا الأمان، وبعث مسلمة في آثارهم هلالا التميمي، فلحقهم بقندابيل،
ومنعهم قندابيل الدخول، فالتقوا فقتلوا عن آخرهم سوى رجلين، ولما فرغ
مسلمة من حرب يزيد بن المهلب جمع له يزيد بن عبد الملك ولاية الكوفة
والبصرة وخراسان في هذه السنة.
وفيها: [6] غزا المسلمون الصغد [7] والترك، وكانت الوقعة بينهم بقصر
الباهلي [8] .
وفيها: عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق وخراسان، وانصرف إلى الشام.
وكان سبب ذلك أنه لما ولي أرض العراق وخراسان لم يرفع شيئا من الخراج،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] الخبر في الطبري 6/ 596.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] تاريخ الطبري 6/ 600.
[5] في الأصل: «ححوا» . وما أوردناه من ت والطبري.
[6] في ت: «وفي هذه السنة» .
[7] كذا في الأصلين وهو الصحيح، وفي الطبري: «السغد» .
[8] تاريخ الطبري 6/ 607.
(7/80)
فأراد يزيد عزله فاستحيا منه، فكتب إليه أن
استخلف على عملك وأقبل، فشاور في ذلك عبد العزيز بن حاتم، فقال له: إنك
لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه.
فشخص فلقيه عمر بن هبيرة على دواب البريد، فقال: إلى أين يا ابن هبيرة؟
فقال:
وجهني أمير المؤمنين في حيازة أموال بني المهلب، وإنما أراد تغطية
الحال عنه، فما لبث حتى جاءه الخبر بعزل ابن هبيرة عماله والغلظة
عليهم.
وفيها: غزا عمر بن هبيرة الروم بأرمينية، فهزمهم وأسر منهم سبعمائة
أسير [1] .
وفيها: قتل يزيد بن أبي مسلم بأفريقية وهو وال عليها.
وسبب ذلك أنه كان قد عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج فقتلوه، وأعادوا
الوالي قبله، وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار وكتبوا إلى يزيد: إنا لم
نخلع أيدينا من الطاعة، ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضاه الله
تعالى فقتلناه وأعدنا عاملك، فكتب إليهم: إني لم أرض ما صنع يزيد، وأقر
محمد بن يزيد على [عمله] [2] بإفريقية.
وفيها: [3] حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك وهو العامل على المدينة،
وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الكوفة
محمد بن عمرو، وعلى قضائها القاسم بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه
بْن مسعود، وعلى البصرة عبد الملك ابن بشر بن مروان، وعلى خراسان سعيد
بن عبد العزيز [4] بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، وعلى مصر أسامة بن
زيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
562- يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، أبو خالد الأزدي [5] :
قد ذكرنا أحواله في الحوادث وخروجه على يزيد بن عبد الملك ومحاربته له،
وأنه قتل في الحرب في هذه السنة، وكان جوادا.
__________
[1] تاريخ الطبري 6/ 616.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في ت: «وفي هذه السنة» .
[4] في الطبري: «سعيد بن خزينة» .
[5] وفيات الأعيان 2/ 264، وخزانة البغدادي 1/ 105، ورغبة الآمل 4/
189، واليعقوبي 3/ 52.
(7/81)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا
جَعْفَر بْن أَحْمَد السراج، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بن الحسن [بن] [1] الضراب، قال: أخبرنا أبي،
قال: حدّثنا أحمد ابن مروان، قال: حدّثنا محمد بن موسى بن حماد، قال:
حدثنا محمد بن الحارث، عن المدائني، قال:
كان سعيد بن عمرو مؤاخيا ليزيد بن المهلب، فلما حبس عمر بن عبد العزيز
يزيد ابن المهلب منع الناس من الدخول إليه، فأتاه سعيد فقال: يا أمير
المؤمنين لي على يزيد خمسون ألف درهم وقد حلت بيني وبينه، فإن رأيت أن
تأذن لي فاقتضيه، فأذن له فدخل عليه فسر به يزيد وقال: كيف وصلت إليّ؟
فأخبره، فقال: والله لا تخرج إلا وهي معك، فامتنع سعيد، فحلف يزيد
ليقبضنها، فوجه إلى منزله حتى حمل إلى سعيد خمسون ألف درهم.
وروى الصولي قال: دخل الكوثر بن زفر على يزيد بن المهلب حين ولاه
سليمان العراق، فقال له: أنت والله أكبر قدرا من أن يستعان عليك إلا
بك، ولست تصنع من المعروف إلا وهو أصغر منك، وليس العجب أن تفعل، ولكن
العجب ألا تفعل. فقال يزيد: سل حاجتك، فقال: حملت عن قوم عشر ديات وقد
نهضني ذلك، قال: قد أمرت لك بها وقد شفعتها بمثلها، فقال له الكوثر:
أما ما سألتك بوجهي فأقبله منك، وأما الذي ابتدأتني به فلا حاجة لي
فيه. قال: ولم وقد كفيتك فيه ذل المسألة؟
قال: إن الذي أخذته مني بمسألتي إياك وبذل وجهي لك أكبر من معروفك عندي
فكرهت الفضل علي، قال يزيد: وأنا أسألك كما سألتني بحقك علي ما أهلتني
له من إنزالك الحاجة بي إلا قبلتها، ففعل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/82)
ثم دخلت سنة ثلاث
ومائة
فمن الحوادث فِيهَا غزوة الْعَبَّاس بْن الوليد الروم ففتح بها مدينة
من مدائن الروم [1] .
وفيها: ضمت مكة إلى عبد الرحمن بن الضحاك الفهري، فجمعت له [مع] [2]
المدينة. وعزل عبد العزيز عن مكة.
وفيها: ولي عبد الواحد بن عبد الله البصري الطائف.
وفيها: استعمل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي على خراسان، فارتحل
أهل الصغد عن بلادهم عند مقدمه، فلحقوا بفرغانة وسألوا ملكها إعانتهم
على المسلمين، فبعث إليهم ابن هبيرة يسألهم أن يقيموا ويستعمل عليهم من
يريدون، فأبوا وخرجوا إلى خجندة.
وفي هذه السنة [3] : حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك، وكان على مكة
والمدينة، وكان على الطائف عبد الواحد البصري، وعلى العراق عمر بن
هبيرة، وعلى خراسان من قبله سعيد بن عمرو الحرشي، وعلى قضاء الكوفة
القاسم بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن مسعود، وعلى قضاء البصرة
عبد الملك بن يعلى.
__________
[1] سماها في الطبري 6/ 619: «رسلة» . وفي ت: «مدينة بها» .
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل، وت.
[3] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
(7/83)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
563- جابر بن زيد، أبو الشعثاء [1] :
كان مفتي البصرة، وكان ابن عباس يقول: لو نزل أهل البصرة عند قول جابر
بن زيد لأوسعهم عما في كتاب الله علما.
وقال جابر في مرضه: أشتهي نظرة من الحسن، فجاء إليه في الليل وكان
مختفيا.
[وتوفي في هذه السنة] .
564- خالد بن معدان، أبو عبد الله الكلاعي [2] :
أسند عن أبي عبيدة، ومعاذ، وعبادة، وأبي ذر، وغيرهم.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
عن أبي المغيرة، عن صفوان بن عمر، قال: كان خالد بن معدان إذا عظمت
حلقته قام فانصرف، قيل [3] لصفوان: ولم كان يقوم؟ قال: كان يكره
الشهرة.
565- عامر بن عبد الله بن قيس، أبو بردة ابن أبي موسى [4] :
روى عن أبيه، وكان على بيت المال، وولي قضاء الكوفة بعد شريح، وبها
توفي في هذه السنة.
566- عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
وقد مضى ذكره.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 130، وطبقات خليفة 210، والتاريخ الكبير 2/ 1/
204، والمعارف 435، والجرح والتعديل 1/ 1/ 494، وحلية الأولياء 3/ 85،
وسير أعلام النبلاء 4/ 481، وتذكرة الحفاظ 1/ 72، وتهذيب التهذيب 2/
38.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 162، وطبقات خليفة 310، والتاريخ الكبير 3/
601، والمعارف 625، وأخبار القضاة لوكيع 1/ 251، والجرح والتعديل 3/
1584، وحلية الأولياء 5/ 210، وتاريخ الإسلام 4/ 109، وسير أعلام
النبلاء 4/ 536، وتذكرة الحفاظ 1/ 93، وتهذيب التهذيب 3/ 118.
[3] في الأصل: «قلت» . وما أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 187، والجرح والتعديل 6/ 325.
(7/84)
567- عطاء بن يسار، أخو سليمان بن يسار [1]
:
روى عن أبي بن كعب، وابن مسعود، وأبي أيوب في خلق كثير من الصحابة.
وكان يصوم يوما ويفطر يوما.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار،
قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْن صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر
القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن الحسين، قال: حدثني عبد العزيز
بن يحيى الأويسي، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زيد بْن أسلم، قال:
خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهما أصحاب لهما
حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض
حاجتهم وبقي عطاء قائما في المنزل يصلي. قال: فدخلت عليه امرأة من
الأعراب جميلة، فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجة، فأوجز في صلاته ثم قال:
ألك حاجة؟ قالت: نعم، قال: ما هي؟
قالت: قم فأصب مني فإني قد ودقت ولا بعل لي، قال: إليك عني [لا تحرقيني
ونفسك بالنار.
ونظر إلى امرأة جميلة فجعلت تراوده عن نفسه ويأبى إلا ما يريد. قال:
فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك إليك عني] [2] . قال: واشتد بكاؤه، فلما
نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه. قال:
فجعل يبكي والمرأة تبكي بين يديه. فبينا هو كذلك إذ جاء سليمان من
حاجته، فلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه [3] تبكي جلس في ناحية
البيت يبكي لبكائهما ولا يدري ما أبكاهما، وجعل أصحابهما يأتون رجلا
رجلا كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس فبكى لبكائهم لا يسألهم عن أمرهم
حتى كثر البكاء وعلا الصوت، فلما رأت المرأة الأعرابية ذلك قامت فخرجت.
قال: فقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة
المرأة إجلالا له وهيبة. قال: وكان أسن منه، ثم أنهما قدما مضر لبعض
حاجتهما فلبثا بها ما شاء الله، فبينا عطاء ذات ليلة نائم إذ استيقظ
وهو يبكي، فقال سليمان: ما يبكيك
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 129، والجرح والتعديل 6/ 338.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] «فبينا هو كذلك.... والمرأة بين يديه» : سقطت من ت.
(7/85)
يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة، قال: وما
هي؟ قال: لا تخبر بها أحدا ما دمت حيّا، رأيت يوسف [1] النبي صلى
اللَّه عليه وسلم في النوم، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر، فلما نظرت حسنه
بكيت، فنظر إلي فقال: ما يبكيك أيها الرجل؟ قلت: بأبي أنت وأمي يا نبي
الله [2] ، ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من
السجن وفرقة يعقوب، فبكيت من ذلك وجعلت أتعجب منه، قال: فهلا تعجبت من
صاحب المرأة البدوية بالأبواء، فعرفت الذي أراد، فبكيت فاستيقظت باكيا
قال: سليمان: يا أخي وما حال تلك المرأة؟ فقص عليه عطاء القصة، فما
أخبر بها سليمان أحدا حتى مات عطاء، فحدث بها بعده امرأة من أهله، وشاع
الحديث بالمدينة بعد موت عطاء بن يسار.
وقد رويت لنا هذه القصة عن سليمان أنها جرت له، والله أعلم.
وتوفي عطاء في هذه السنة، وقيل: سنة أربع [وتسعين] [3] .
568- يزيد بن الأصم، واسمه عبد عمرو بن عدس [4] :
وأمه برزة بنت الحارث بن حزن، أخت ميمونة زوج النبي صَلى اللهُ عَلَيه
وسلّم.
روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وكان ينزل الرقة.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] «يوسف» : سقطت من ت.
[2] في الأصل: «بأبي وأمي أنت يا رسول الله» . وما أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 178، والجرح والتعديل 9/ 252.
(7/86)
ثم دخلت سنة أربع
ومائة
فمن الحوادث فيها أن سعيدا الحرشي غزا فقطع النهر [1] ، فقتل أهل الصغد
[2] واصطفى أموالهم وذراريهم، وكتب إلى يزيد بن عبد الملك ولم يكتب إلى
عمر بن هبيرة، وكان هذا فيما وجد عليه ابن هبيرة فيه [3] ، وكان على
الأقباض علباء بن أحمر فاشترى رجل منه جونة بدرهمين، فوجد فيها سبائك
ذهب، فرجع وهو واضع يده على عينه كأنه رمد فرد الجونة وأخذ الدرهمين،
وطلب فلم يوجد [4] .
وفي هذه السنة: عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس عن
مكة والمدينة، وذلك للنصف من ربيع الأول، وكان عامله على المدينة ثلاث
سنين، وولي المدينة عبد الواحد النضري [5] .
وكان سبب عزل ابن الضحاك أنه خطب فاطمة بنت الحسين، فقالت: ما أريد
النكاح، فألح عليها وتوعدها بأن يؤذي [6] ولدها، وكان على ديوان
المدينة ابن هرمز الشامي، فدخل على فاطمة، فقال: هل من حاجة؟ فقالت:
تخبر أمير المؤمنين ما ألقى
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 7.
[2] في الطبري: «السغد» . وما أوردناه أصح.
[3] «وكان هذا فيما وجد عليه ابن هبيرة فيه» . ساقط من ت.
[4] تاريخ الطبري 7/ 10.
[5] في الأصلين وبعض نسخ الطبري المخطوط: «البصري» . وما أوردناه من
الطبري المطبوع. وسيأتي اسمه في حوادث سنة 105 في الأصل: «النضري» .
وفي ت بدون نقط.
[6] في الأصل: «تواعدها بأن يزري» . وما أوردناه من ت.
(7/87)
من ابن الضحاك، وبعثت رسولا بكتاب إلى يزيد
تخبره بذلك، وتذكر قرابتها وما يتواعدها به، فقدم ابن هرمز على يزيد
فاستخبره عن المدينة وقال: هل من مغربة خبر [1] ؟ فلم يذكر له شأن
فاطمة، فقال الحاجب: بالباب رسول فاطمة، فقال ابن هرمز: يا أمير
المؤمنين، إن فاطمة يوم خرجت حملتني رسالة إليك، وأخبره الخبر.
قال: فنزل من أعلى فراشه وقال: لا أم لك، أسألك عن مغربة [2] خبر، وهذا
عندك ولا تخبرنيه؟ فاعتذر بالنسيان، فأذن للرسول فدخل وأخذ الكتاب
فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يده ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك، [هل] [3]
من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ قيل له: عبد الواحد بن
عبد الله النضري [4] ، فدعا بقرطاس وكتب بيده إلى عبد الواحد وهو
بالطائف: سلام عليك، أما بعد. فقد وليتك المدينة، فإذا جاءك كتابي
فاهبط إليها واعزل ابن الضحاك وأغرمه أربعين ألف دينار وعد به حتى أسمع
صوته وأنا على فراشي.
فقدم البريد المدينة فلم يدخل على ابن الضحاك، فأحس بالشر، فأرسل إلى
البريد فكشف له عن طرف المفرش فقال: هذه ألف دينار ولك العهد والميثاق،
إن أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك. فاستنظر البريد ثلاثا حتى يسير،
وخرج ابن الضحاك، فأغذ السير حتى نزل على مسلمة بن عبد الملك، فقال:
أنا في جوارك، فغدا مسلمة على يزيد فرققه وقال: لي حاجة إليك، فقال: كل
حاجة فهي لك ما لم يكن ابن الضحاك، فقال: هو ابن الضحاك، فقال: والله
لا أعفيه أبدا وقد فعل ما فعل، فرده إلى النضري [5] ، وكان قد قدم
المدينة للنصف من شوال. وعذب ابن الضحاك وافتقر حتى رأيت عليه جبة صوف
وهو يسأل الناس.
وكان قد عادى الأنصار في ولايته، وضرب أبا بكر بن حزم ظلما في باطل،
فما بقي بالمدينة صالح إلا عابه، ولا شاعر إلا هجاه، وكان ذلك آخر
أمره.
__________
[1] في الأصل: «معرفة خبر» . وما أوردناه من الطبري 7/ 13.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأوردناه من الطبري.
[3] في الأصول: «البصري» خطأ.
[4] في الأصل: «فوقفه» . أوردناه من ت.
[5] في الأصول: «البصري» . خطأ.
(7/88)
وفي هذه السنة: غزا [1] الحجاج بن عبد الله
الحكمي أرض الترك، ففتح على يديه بلنجر، وفتحوا الحصون التي تليها،
وجلا عنها عامة أهلها وسبوا ما شاءوا [2] .
وفيها: ولد أبو العباس عبد الله بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عباس في ربيع الآخر.
وفيها: عزل ابن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي عن خراسان، وولى مسلم بن
سعيد الكلابي. وسبب عزله الحرشي أن الحرشي كان يستخف بأمر ابن هبيرة،
وكتب إليه يأمره بتخلية رجل فقتله، فدعى ابن هبيرة رجلا فقال له: اخرج
إلى خراسان وأظهر أنك قد قدمت تنظر في [أمر] [3] الدواوين واعلم لي
علمه، فمضى فجعل ينظر في الدواوين، فقيل للحرشي أنه لم يقدم إلا ليعلم
علمك، فسم بطيخة [4] ، وبعث بها إليه فأكلها فمرض وتساقط شعره، ورجع
إلى ابن هبيرة، فغضب ابن هبيرة، وعزل سعيدا وعذبه، وولى مسلم بن سعيد
بن أسلم.
وفي هذه السنة: حج بالناس عبد الواحد بن عبد الله النضري [5] ، وكان هو
العامل على مكة [والمدينة] [6] والطائف، وكان على العراق والمشرق عمر
بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة حسين بن الحسن [7] الكندي، وعلى قضاء
البصرة عبد الله بن يعلى.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
569- حيان بن شريح:
كان صاحب خراج مصر لعمر بن عبد العزيز، حدث عنه يزيد بن أبي حبيب، وعبد
الملك بن جنادة، توفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «عزل» . وما أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «جاووا» . وما أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «فطيرة» . وما أوردناه من ت والطبري.
[5] في الأصل: «البصري» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[7] في الأصل: «حسن بن الحسن» . وما أوردناه من ت.
(7/89)
570- ربعي بن حراش بن جحش بن عمرو بن عبد
الله بن بجاد العبسي الكوفي [1] :
روى عن عمر، وعلي، وحذيفة، وأبي بكرة، وعمران بن حصين. حدث عنه الشعبي،
ومنصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم. وكان ثقة صدوقا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قَالَ: أخبرنا حمزة بن
محمد بن طاهر، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد بْن بكر الأندلسي، قَالَ:
حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي، قَالَ: حدثنا صالح بن أحمد بن عبد
الله العجلي، قال: حدثني أبي، قال:
ربعي بن خراش كوفي ثقة. ويقال أنه لم يكذب كذبة قط. كان له ابنان
عاصيان في زمن الحجاج، فقيل للحجاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قط [2] ،
لو أرسلت إليه فسألته عنهما، فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ قال: هما في
البيت [3] ، فقال: قد عفونا عنهما بصدقك.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن
أحمد المعدل، قال: أخبرنا ابن صفوان، قال: أخبرنا ابن أَبِي
الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ
حَدَّثَنَا محمد بن جعفر بن عون قال: أخبرني بكر بن أحمد العابد، عن
الحارث الغنوي، قال [4] :
آلى ربعي بن حراش ألا تفتر [5] أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره، فما
ضحك إلا عند موتة، [6] وآلى أخوه ربعي بن حراش بعده ألا يضحك حتى يعلم
أفي الجنة هو أم في النار.
__________
[1] تاريخ بغداد 8/ 133، وطبقات ابن سعد 6/ 87، وطبقات خليفة 154،
والتاريخ الكبير 3/ 1106، وتاريخ واسط 70، 97، والجرح والتعديل 3/
2307، وأنساب السمعاني 8/ 367، وتهذيب تاريخ ابن عساكر 5/ 300، ووفيات
الأعيان 2/ 300، وتاريخ الإسلام 4/ 111، وسير أعلام النبلاء 4/ 359،
وتذكرة الحفاظ 1/ 69، والإصابة 1/ 525. وتهذيب التهذيب 3/ 336.
[2] في الأصل: «لم يكذب قط كذبة» . وما أوردناه من ت.
[3] في ت: «في بيتي» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 4348.
[5] في الأصل: «لا تفتر» . وما أوردناه من ت وتاريخ بغداد.
[6] في الأصل: «بعد موته» . وما أوردناه من ت وبغداد.
(7/90)
قال الحارث الغنوي: فلقد أخبرني غاسله أنه
لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه [1] .
توفي ربعي بن حراش في هذه السنة، وقيل فِي سنة إحدى.
571- زياد بن أبي زياد، مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة القرشي،
واسم أبي زياد ميسرة. [2]
وكان زياد عبدا، وكان عمر بن عبد العزيز يستزيده ويكرمه، وبعث إلى
مولاه ليبيعه إياه، فأبى وأعتقه.
وروي عن أنس بن مالك، قال مالك بن أنس: كان زياد عابدا معتزلا لا يزال
يذكر الله ويلبس الصوف.
أخبرنا ابن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ وَطِرَادٌ، قَالا:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّدً بْن بشران [3] ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الحسين بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن محمد
الْقُرَشِيّ، قَالَ: حدثنا علي بن محمد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد
اللَّه بْن صالح، قَالَ: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن القاري، قال: قال
محمد بن المنكدر:
إني خلفت زياد بن أبي زياد وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول: اجلسي، أين
تريدين أن تخرجي إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن
تنظري إلى دار فلان وفلان. قال: وكان يقول لنفسه: مالك من الطعام يا
نفس إلا هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلا هذين الثوبين، ومالك من
النساء إلا هذه العجوز، أتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا أصبر على هذا
العيش.
572- عبد الله بن يزيد [4] ، أبو قلابة الجرمي [5] :
كان فقيها عالما بالفقه، بصيرا بالقضاء، فلما طلب للقضاء هرب ومرض،
فدخل
__________
[1] «أبي حراس بعده ألا يضحك ... حتى فرغنا منه» : ساقطة من ت، وكتب
على هامشها.
[2] طبقات ابن سعد 5/ 225، والتاريخ الكبير 3/ 1196، والجرح والتعديل
3/ 2460، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 433، وتاريخ الإسلام 5/ 72، وسير أعلام
النبلاء 5/ 456، وتهذيب التهذيب 3/ 367.
[3] في الأصل: «علي بن محمد بن مشرف» . والتصحيح من ت.
[4] في الأصلين: «ابن يزيد» . خطأ. والتصحيح من كتب الرجال.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 133، وطبقات خليفة 211، والتاريخ الكبير 5/
255، والمعارف
(7/91)
عليه عمر بن عبد العزيز يعوده، فقال له: يا
أبا قلابة، تشدد ولا تشمت بنا المنافقين [1] .
ومات بالشام في هذه السنة.
أخبرنا علي بن عبيد الله الفقيه، وإسماعيل بن أحمد المنقري، قالا:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ، قَالَ: أخبرنا
علي بن عبد العزيز بن مردك، قال: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي
حاتم، قَالَ: حدثنا عمار بن خالد الواسطي، قال: حدثنا الحكم بن سيار،
قال: حدثنا أيوب السختياني، قال: قال لي أبو قلابة:
احفظ عني ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان، ومجالسة أهل الأهواء، والزم
سوقك فإن الغنى من العافية.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قَالَ:
أخبرنا عبد العزيز بْن الحسن بْن إِسْمَاعِيل الضراب، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي، قَالَ: حدّثنا أحمد ابن مروان، قال: حدثنا يوسف بن
عبد الله الحلواني، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم، قال:
كان رجل بالبصرة من بني سعيد [2] ، وكان قائدا من قواد عبيد الله بن
زياد، فسقط من السطح فانكسرت رجلاه، فدخل عليه أبو قلابة يعوده، فقال
له: أرجو أن يكون لك خيرة، فقال: يا أبا قلابة، وأي خيرة في كسر رجلي
جميعا، قال: ما ستر الله عنك أكثر، فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب
عبيد الله بن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال
للرسول: قد أصابني ما ترى، فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل
الحسين، فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة، لقد صدق أنه كان خيرة لي.
573- عامر بن شراحيل [3]- وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل- أبو عمرو
الشعبي: [4]
من شعب همدان، كوفي، وأمه من سبي جلولاء، ولد لست سنين خلت من
__________
[ () ] 446، 447، والجرح والتعديل 5/ 268، وحلية الأولياء 2/ 282، وسير
أعلام النبلاء 4/ 468، وتذكرة الحفاظ 1/ 94، وتاريخ الإسلام 4/ 221،
وتهذيب التهذيب 5/ 224، وتقريب التهذيب 1/ 417.
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 1/ 135.
[2] في ت: «من بني سعد» .
[3] على هامش الأصل: «عامر الشعبي» .
[4] طبقات ابن سعد 6/ 1/ 171، وطبقات خليفة 157، والتاريخ الكبير 4/
2503، والمعارف 449،
(7/92)
خلافة عمر بن الخطاب هو وأخ له توأما. وسمع
علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر، وابن عباس، وابن
عمر [1] ، وابن عمرو، وابن الزبير، وأسامة، وجابر، والبراء، وأنس، وأبا
هريرة، وعدي بن حاتم، وسمرة، وعمرو بن حريث، والمغيرة، وزيد بن أرقم،
وغيرهم.
وكان مفتيا [2] في العلوم وحافظا ثقة، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء،
ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، وما أحببت أن يعيده علي، وما أروي
شيئا أقل من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد. ولقد نسيت من العلم
ما لو حفظه رجل لكان به عالما، وليتني أفلت من ذلك كفافا لا علي ولا
لي.
وسمعه عمر يحدث بالمغازي، فقال: لكأن هذا الفتى شهد معنا.
وقال أبو مخلد: ما رأيت أفقه من الشعبي، ولما بلغ عبد العزيز بن مروان
عقل الشعبي وعلمه وطيب مجالسته كتب إلى أخيه عبد الملك أن يؤثره
بالشعبي، ففعل وكتب إليه: إني أوثرك به على نفسي، لا يلبث عندك إلا
شهرا. وكان عبد العزيز بمصر فأقام عنده نحوا من أربعين يوما ثم رده.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد بن عبد
الواحد بن علي البزاز، قال: أخبرنا القاضي أبو سعيد الحسن بْن مُحَمَّد
بْن عبد الله بْن المرزبان السيرافي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن
الْحَسَن بْن دريد، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه،
قال: [3] وجه عبد الملك بن مروان عامرا الشعبي إلى ملك الروم في بعض
الأمر
__________
[451،) ] والجرح والتعديل 6/ 1802، وتاريخ بغداد 12/ 227، والأنساب
للسمعاني في 7/ 241، ووفيات الأعيان 3/ 12، 15، وسير أعلام النبلاء 4/
2094، 319، وتذكرة الحفاظ 1/ 79، وتاريخ الإسلام 4/ 130، وتهذيب
التهذيب 5/ 65، وتقريب التهذيب 1/ 387.
[1] «ابن عمر» : سقطت من ت، وفي مراسيل ابن أبي حاتم 160: «لم يسمع
الشعبي من ابن عمر» .
وذكرت بعض المراجع أنه سمع منه.
[2] في ت: «كان متفننا» .
[3] الخبر في تاريخ بغداد 12/ 231، وتاريخ دمشق 199.
(7/93)
فاستكثره [1] ، فقال له: من أهل بيت الملك
أنت؟ قال: لا، فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك حمله رقعة لطيفة وقال:
إذا رجعت إلى صاحبك فأبلغه جميع ما يحتاج إلى معرفة من ناحيتنا، وادفع
إليه هذه الرقعة، فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر له ما احتاج إلى
ذكره، ونهض من عنده، فلما خرج ذكر الرقعة فرجع، فقال: يا أمير
المؤمنين، إنه حملني إليك رقعة نسيتها حين خرجت، وكانت في آخر ما
حملني، فدفعها إليه ونهض فقرأها عبد الملك فأمر برده، فقال: أعلمت ما
في هذه الرقعة؟ قال:
لا، قال: فيها: عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا، أفتدري لم كتب إلي
بهذا؟
فقال: لا، قال: حسدني بك فأراد أن يغريني بقتلك، فقال الشعبي: لو كان
ذاك يا أمير المؤمنين ما استكثرني. فبلغ ملك الروم ذلك، فذكر عبد الملك
[2] فقال: للَّه أبوه، والله ما أردت إلا ذلك.
كان الشعبي قد خرج مع القراء على الحجاج ثم دخل عليه فاعتذر فقبل عذره،
وولي القضاء.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عبد
الجبار، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن أخي ميمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد
الخواص، قَالَ: حدثنا ابن مسروق، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال:
حدثنا أبو أسامة، قال:
حدثنا زكريا بن يحيى، قال:
دخلت على الشعبي وهو يشتكي فقال له: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعا مجهودا،
اللَّهمّ إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس عندي.
توفي في هذه السنة. قاله الأكثرون. وقيل: في سنة سبع. وفي مقدار عمره
قولان، أحدهما: سبع وتسعون، والثاني: اثنتان وثمانون.
574- مجاهد بن جبر، يكنى أبا الحجاج، مولى قيس بن السائب المخزومي: [3]
كان فقيها دينا ثقة. روى عن ابن عمر، وابن عمرو، وأبي سعيد، وأبي
هريرة، وابن عباس في آخرين.
__________
[1] كذا في الأصل، وفي ت وتاريخ بغداد: «فاسكثر الشعبي» .
[2] في ت: وتاريخ بغداد: «فذكر ذلك عند ملك الروم، فقال: للَّه أبوه» .
[3] طبقات ابن سعد 5/ 343، وتقريب التهذيب 2/ 229، والجرح والتعديل 8/
319، والتاريخ الكبير
(7/94)
قال بعض الرواة: كنت إذا رأيت [1] مجاهدا
ظننت أنه خربندج [2] ضل حماره فهو مهتم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدَّقَّاق، قَالَ: أخبرنا
[المبارك بن عبد الجبار قال:
أخبرنا ابْن] [3] صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عبيد، قال:
حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن كناسة، قال: حدثنا عمر بن
ذر، عن مجاهد، قال:
إذا أراد أحدكم أن ينام فليستقبل القبلة ولينم على يمينه وليذكر الله،
وليكن آخر كلامه عند منامه لا إله إلا الله، فإنها وفاة لا يدرى لعلها
تكون منيته. ثم قرأ: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) 6:
60 [4] .
توفي مجاهد وهو ساجد في هذه السنة. وقيل: في سنة اثنتين، وقيل: في سنة
ثلاث. وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة.
__________
[4] / 1/ 411، والبداية والنهاية 9/ 250، وصفة الصفوة 2/ 117، وحلية
الأولياء 3/ 279، وميزان الاعتدال 3/ 9.
[1] في الأصل: «قيل: كان إذا رئي مجاهد» . وما أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «ظن أنه خربندة» وما أوردناه من طبقات ابن سعد، وت.
والخربند ج: لغة فارسية حديثة، أي: مكاريّ، وفي المحيط: «خربندية»
عامية خرمندية بمعنى:
مكارون.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] سورة: الأنعام، الآية: 60.
(7/95)
ثم دخلت سنة خمس
ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة الجراح بن عبد الله اللان حتى جاز إلى مدائن
وحصن وراء بلنجر وأصاب غنائم كثيرة.
وغزوة سعيد بن عبد الملك أرض الروم، فبعث سرية في نحو من ألف مقاتل
فأصيبوا جميعا.
وغزوة مسلم بن سعيد الترك، فلم يفتح شيئا.
وغزوة مسلم أفشين [1] ، فصالح ملكها على ستة آلاف رأس، ودفع إليه
القلعة.
وفيها: توفي يزيد بن عبد الملك وولي هشام.
__________
[1] في الطبري: «وغزوة مسلم مدينة من مدائن السغد أفشينة» .
(7/96)
باب ذكر خلافة هشام
بن عبد الملك [1]
كان عبد الملك قد تزوج عائشة بنت هشام بن إسماعيل المخزومية، وكانت
حمقاء، فولدت له هشاما في العام الذي قتل فيه مصعب بن الزبير، فسماه
منصورا، وسمته أمه هشاما فلم ينكر ذلك، وكان عبد الملك قد رأى في منامه
أم هشام قد فلقت رأسه فلطعت فيه عشرين لطعة، فعبرها له سعيد بن المسيب،
فقال: تلد غلاما يملك عشرين سنة، فولدت له هشاما، ورأى هشام في منامه
أن طبقا فيه تفاح قد قدم إليه، فأكل تسع عشرة تفاحة وبعض الأخرى، فسأل
عن ذلك فقيل له: تملك تسع عشرة سنة وكسرا، فكان لا يقدم إليه التفاح في
خلافته ولا يراه.
وكان يكنى أبا الوليد، وكان أبيض حسن الجسم، أحول، يخضب بالسواد، ولد
له عشرة من الذكور. وكان لهاجا بعمارة الأرض وبالآلات والكسى والفرش،
[2] فجمع من ذلك ما حمله على سبعمائة بعير، ووجد له اثنا عشر ألف قميص،
وسبعمائة تكة [3] .
ذكر طرف من أخباره وسيرته
أخبرنا ابن ناصر، قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله الحُمَيْدِي، قال: أخبرنا
أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن
أحمد الكاتب، قال: أخبرنا
__________
[1] مروج الذهب 3/ 216، والبداية والنهاية 9/ 261، 395، وتاريخ الطبري
7/ 25، 7/ 200، واليعقوبي 3/ 57، ومرآة الجنان 1/ 261.
[2] في الأصل: «الفروش» . وما أوردناه من ت.
[3] التكة: واحدة التكك، وهي تكة السراويل، وجمعها تكك، والتكة رباط
السراويل.
(7/97)
ابن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي
عبيد، عن يونس، قال:
اشترى هشام بن عبد الملك جارية، وخلا بها، فقالت له: يا أمير المؤمنين،
ما من منزلة أطمع فيها فوق منزلتي إذ صرت للخليفة، ولكن النار ليس لها
خطر، إن ابنك فلانا اشتراني، فكنت عنده- لا أدري ذكر ليلة أو نحو ذلك-
لا يحل لك مسي، قال:
فحسن هذا القول [منها] [1] عنده وحظيت عنده وتركها وولاها أمره.
قال علماء السير: وكان هشام إذا صلى الغداة كان أول من يدخل عليه صاحب
حرسه [2] ، فيخبره بما حدث في الليل. ثم يدخل عليه موليان له، مع كل
واحد منهما مصحف، فيقعد أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره حتى يقرأ
عليهما جزأه، ويدخل الحاجب فيقول: فلان بالباب، وفلان، وفلان، فيقول:
ائذن. فلا يزال الناس يدخلون عليه، فإذا انتصف النهار وضع طعامه ورفعت
الستور، ودخل الناس وأصحاب الحوائج وكاتبه قاعد خلف ظهره، فيقول: أصحاب
الحوائج، فيسألون حوائجهم، فيقول:
لا ونعم، والكاتب خلفه يوقع بما يقول، حتى إذا فرغ من طعامه وانصرف
الناس صار إلى قائلته، فإذا صلى الظهر دعى بكتابه فناظرهم فيما ورد من
أمور الناس حتى يصلي العصر، ثم يأذن للناس، فإذا صلى العشاء الآخرة حضر
سماره، الزهري وغيره.
فجاء الخبر من أرمينية أن خاقان قد خرج، فنهض في الحال وحلف أن لا
يؤويه سقف بيت حتى يفتح الله عليه، وسيأتي ذكر هذه القصة فيما بعد إن
شاء الله تعالى.
وقال بشر مولى هشام: تفقد هشام بعض ولده لم يحضر الجمعة، فقال له: ما
منعك؟ فقال: نفقت دابتي، قال: وعجزت عن المشي فتركت الجمعة، فمنعه
الدابة سنة.
وظهر في أيام هشام غيلان بن مروان أبو مروان الدمشقي فأظهر الاعتزال
فقتله وصلبه بباب دمشق.
أَخْبَرَنَا أَبُو الحصين، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طالب مُحَمَّد بْن
عبد الله الشافعي، قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «يدخل عليه أولا صاحب حرسه» .
(7/98)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
الدُّنْيَا، قَالَ: حدثنا إسماعيل بن الحارث بن كثير بن هشام، عن عبد
الله بن زياد، قال:
قال غيلان لربيعة بن أبي عبد الرحمن: أنشدك الله، أترى الله يحب أن
يعصى؟
قال ربيعة: أنشدك الله، أترى الله يعصى قسرا، فكأن ربيعة ألقم حجرا.
أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر الحافظان، قالا:
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، قَالَ: أخبرنا أبو الحسن علي بن
محمد بن قشيش، قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن علي الجوادي،
قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال:
قال أبي، حدثنا [1] أحمد بن عبيد المدائني، قال:
حكي لنا أن أبا جعفر المنصور وجه إلى شيخ من أهل الشام كان بطانة هشام
بن عبد الملك فسأله عن تدبير هشام في بعض حروبه الخوارج، فوصف له الشيخ
ما دبر، فقال: فعل رحمه الله كذا، وصنع رحمه الله كذا وكذا، فقال له
المنصور: قم عليك وعليه لعنة الله، تطأ بساطي وتترحم على عدوي، فقام
الرجل وهو يقول وهو مول: إن نعم عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا
غاسلي، فقال له المنصور: ارجع يا شيخ، فرجع فقال: أشهد أنك نهيض حر
وغراس شريف، عد إلى حديثك، فعاد الشيخ إلى حديثه حتى إذا فرغ دعى له
بمال فأخذه وقال: والله يا أمير المؤمنين ما بي إليه من حاجة، ولقد مات
عني من كنت في ذكره آنفا، فما أحوجني إلى وقوف بباب [2] أحد، ولولا
جلالة عز أمير المؤمنين وإيثار طاعته ما لبست لأحد بعده نعمة، فقال له
المنصور:
مت إذا شئت للَّه أبوك، فلو لم يكن لقومك غيرك كنت قد أبقيت لهم مجدا
مخلدا.
وكان هشام لا يلتفت إلى أولاد عمر بن عبد العزيز ولا يعطيهم شيئا
ويقول: أرضى لهم ما رضي لهم أبوهم.
وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف عبد الواحد
النّضري،
__________
[1] في الأصل: «قال: قال أبي» . وما أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «في باب أحد» . وما أوردناه من ت.
(7/99)
وعلى قضاء الكوفة حسين بن حسن الكوفي [1] ،
وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس.
وكان خالد القسري على العراق وخراسان. وقيل: إنما استعمل في سنة ست.
وكان العامل في هذه السنة عمر بن هبيرة، فعزله هشام في أول ولايته وولى
خالدا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
575- أبان بن عثمان بن عفان، يكنى أبا سعيد [2]
ولي المدينة لعبد الملك سبع سنين وأشهر، وهو أحد سبعة من فصحاء
الإسلام، سعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن عمير الليثي، وأبو الأسود
الدؤلي، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، والحسن البصري، وقبيصة بن جابر
الأسدي.
وولد [له] [3] ستة ذكور منهم عبد الرحمن بن أبان. وكان من أزهد الناس،
وعقب أبان كثير بناحية الأندلس. توفي بالمدينة في هذه السنة بعد أن فلج
سنه أعظم فالج حتى ضرب به المثل. وكان به وضح عظيم، وصمم شديد، وحول
قبيح. وهو وأخواه عمرو وعمر لأم واحدة.
576- شفي بن ماتع، أبو عبيد الأصبحي [4] :
يروي عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة. وكان عالما حكيما. روى عنه أبو
قبيل المعافري وغيره. وكان شفي إذا أقبل يقول عبد الله بن عمرو: جاءكم
أعلم من عليها.
577- الضحاك بن مزاحم، أبو القاسم الهلالي: [5]
أصله من الكوفة، حملت به أمه سنتين، وكان عالما بالتفسير، لقي سعيد بن
جبير
__________
[1] كذا في الأصلين، وفي الطبري: «الكندي» .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 112، وتهذيب الكمال 2/ 17، وتقريب التهذيب 1/ 31،
والجرح والتعديل 2/ 295، والتاريخ الكبير 1/ 1/ 450.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 201، وطبقات خليفة 294، 311، والتاريخ الكبير
4/ 2753، والجرح والتعديل 4/ 1704، وحلية الأولياء 5/ 166، وأسد الغابة
2/ 399، وتاريخ الإسلام 4/ 123، وتقريب التهذيب 1/ 353.
[5] طبقات ابن سعد 6/ 210، 7/ 2/ 102، وطبقات خليفة 311، 322، والتاريخ
الكبير 4/ 3020،
(7/100)
فأخذ عنه، ولم ير ابن عباس، وكان يعلم ولا
يأخذ أجرا، ثم أقام ببلخ.
قال قبيصة بن قيس العنبري [1] : كان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى،
فيقال له: ما يبكيك؟ فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي.
توفي الضحاك في هذه السنة، وقيل: في سنة اثنتين ومائة.
578- عبد الله بن حبيب بن ربيعة، أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي:
سمع عثمان، وعليا، وابن مسعود، وحذيفة، وغيرهم. روى عنه سعيد بن جبير،
وإبراهيم النخعي. وأقرأ القرآن الناس [2] أربعين سنة، وصام ثمانين
رمضانا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
يُوسُفَ الصَّيَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ
خلاد، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حدثنا عَفَّانُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ، قَالَ [3] : دَخَلْنَا عَلَى عبد الله بن حبيب وَهُو
يَقْضِي فِي مَسْجِدِهِ، فَقُلْنَا: يَرْحَمُكَ اللَّهُ لَوْ
تَحَوَّلْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ مِنَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «لا يَزَالُ
الْعَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ،
تَقُولُ الْمَلائِكَةُ: اللَّهمّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهمّ ارْحَمْهُ» .
فَأُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا فِي مَسْجِدِي. [4] توفي في هذه السنة
وله تسعون سنة.
__________
[ () ] والجرح والتعديل 4/ 2024، وأورده المصنف في الضعفاء، وسير أعلام
النبلاء 4/ 598، وديوان الضعفاء للذهبي 1984، وميزان الاعتدال 2/ 3942،
وتهذيب التهذيب 4/ 453، وتقريب التهذيب 1/ 373.
[1] في الأصل: «عن قبيصة بن قيس العنبري قال» . وما أوردناه من ت.
[2] «الناس» : سقطت من ت.
[3] طبقات ابن سعد 6/ 119، وطبقات خليفة 153، وعلل أحمد 1/ 37،
والتاريخ الكبير 5/ 188، 9/ 835، والجرح والتعديل 5/ 164، وتاريخ بغداد
9/ 430، وسير أعلام النبلاء 4/ 267، وتذكرة الحفاظ 58، وتاريخ الإسلام
3/ 222، وتهذيب التهذيب 5/ 183، وتقريب التهذيب 1/ 408.
[4] الخبر في تاريخ بغداد 9/ 430.
(7/101)
579- عكرمة مولى عبد الله بن عباس، يكنى
أبا عبد الله: [1]
توفي ابن عباس وهو عبد، فاشتراه خالد بن يزيد بن معاوية من علي بن عبد
الله بن عباس بأربعة آلاف دينار، فبلغ ذلك عكرمة فأتى عليا فقال: بعت
علم أبيك بأربعة آلاف دينار، فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله
فأعتقه.
وكان يروي عن ابن عباس، وأبي هريرة، والحسين بن علي، وعائشة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حمد بْن أَحْمَد، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو نعيم الأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عثمان بن أبي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْحُرَيْثِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْعَلُ فِي رِجْلِي الْكَبْلَ يُعَلِّمُنِي
الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ.
وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِكِتَابِ
اللَّهِ مِنْ عِكْرِمَةَ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: عِكْرِمَةُ أَعْلَمُ النَّاسِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْلَمُهُمْ بِالتَّفْسِيرِ عِكْرِمَةُ.
تُوُفِّيَ عِكْرِمَةُ بِالْمَدِينَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ:
فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَهُوَ ابْنُ
ثَمَانِينَ سَنَةً.
580- غزوان بن غزوان الرقاشي، وقيل: غزوان بن زيد [2] :
كان من كبار الصالحين.
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، عن أبي محمد الجوهري، عن أبي عَمْرُو بْنُ
حَيْوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن سعد،
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 133، وتهذيب التهذيب 7/ 263، والتاريخ الكبير
4/ 1/ 49، والجرح والتعديل 7/ 7، وتذكرة الحفاظ 1/ 95، ومعجم الأدباء
5/ 62، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 386.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 157، وفي ت: «عبد الله بن غزوان، وهو غزوان بن
غزوان الرقاشي، وقيل:
غزوان بن زيد.
(7/102)
قال: حدثنا يحيى بن راشد، قال: حدثنا عثمان
بن عبد الحميد الرقاشي، قال:
سمعت مشيختنا يذكرون:
أن غزوان لم يضحك منذ أربعين سنة.
وكان غزوان يغزو، فإذا أقبلت الرفاق راجعين تستقبلهم أمه فتقول لهم:
أما تعرفون غزوان، فيقولون: ويحك يا عجوز، ذاك سيد القوم [1] .
581- كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر [2] بن مخلد، أبو
صخر الخزاعي الشاعر [3] :
واسم أمه جمعة بنت الأشيم بن خالد، وقيل: جمعة بنت كعب بن عمرو. وقيل:
كانت كنية جده أبي أمه أبا جمعة، فلذلك قيل: ابن أبي جمعة. وكان شاعرا
مجيدا إلا أنه كان رافضيا يقول بإمامة محمد بن الحنفية، وأنه أحق من
الحسن والحسين بالإمامة ومن سائر الناس. وأنه حي مقيم بجبل رضوى لا
يموت. ومدح عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، وكان يقول بالتناسخ والرجعة.
وكان يقول: أنا يونس بن متى، يعني أن روحه نسخت في. وقال يوما: ما يقول
الناس في؟ قيل: يقولون أنك الدجال، فقال:
إني لأجد في عيني ضعفا منذ أيام.
وكان بمكة وقد ورد على الأمراء الأمر بلعن علي رضي الله عنه، فرقي
المنبر وأخذ بأستار الكعبة وقال:
لعن الله من يسب عليا ... وبنيه من سوقة وإمام
أيسب المطهرون أصولا ... والكرام الأخوال والأعمام
يأمن الطير والحمام ولا ... يأمن آل الرسول عند المقام
فأنزلوه عن المنبر وأثخنوه ضربا بالنعال وغيرها فقال:
إن امرأ كانت مساوئه ... حب النبي بغير ذي عتب
__________
[1] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 1/ 158.
[2] في ت: «بن عامر بن عقور» . خطأ.
[3] الأغاني 9/ 5، والبداية والنهاية 9/ 281، والوفيات 1/ 433، وشذرات
الذهب 1/ 131، وخزانة البغدادي 2/ 381.
(7/103)
وبني أبي حسن ووالدهم ... من طاب في
الأرحام والصلب
أترون ذنبا أن أحبهم ... بل حبهم كفارة الذنب
وكان كثير دميم الخلقة فاستزاره عبد الملك، فازدراه لدمامته، فقال:
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه [1] ، فقال كثير:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير
فقال له: إن كنا أسأنا اللقاء فلسنا نسيء الثواء، حاجتك، قال: تزوجني
عزة، فأراد أهلها على ذلك، فقالوا: هي بالغ وأحق بنفسها، فقيل لها،
فقالت: أبعد ما تشبب بي وشهرني في العرب ما لي إلى ذلك سبيل.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا الحسين بْن عَبْد الجبار،
قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الطيب الطبري، قال: حدثنا المعافى بن زكريا، قال:
حدثنا الحسن بن علي بْن المرزبان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن
هارون النحوي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أبي يعقوب الدينَوَريّ، قال:
حدثني نصر بن ميمون، عن العتبي، قال:
كان عبد الملك بن مروان يحب النظر إلى كثير إذ دخل عليه آذنه يوما،
فقال: يا أمير المؤمنين، هذا كثير بالباب، فاستبشر عبد الملك وقال:
أدخله يا غلام، فأدخل كثير- وكان دميما حقيرا تزدريه العين- فسلم
بالخلافة، فقال عبد الملك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال كثير:
مهلا يا أمير المؤمنين، فإنما الرجل بأصغريه:
لسانه وقلبه، فإن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان، وأنا الذي أقول:
وجربت الأمور وجربتني ... فقد أبدت عريكتي الأمور
وما تخفى الرجال علي إني ... بهم لأخو مثابته خبير
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
وما عظم الرجال لهم بزين ... ولكن زينها كرم وخير
بغاث الطير أطولها جسوما ... ولم تطل البزاة ولا الصقور
__________
[1] في ت: «إلا أن تراه» .
(7/104)
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر
مقلات نزور
لقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير
فيركب ثم يضرب بالهراوي ... ولا عرف لديه ولا نكير
ثم قال له: يا كثير أنشدني في إخوان ذكروك بهذا، فأنشده:
خير إخوانك المنازل في المر ... وأين الشريك في المرّ أينا
الذي إن حضرت سرك في الحي ... وإن غبت كان أذنا وعينا
ذاك مثل الحسام أخلصه القين ... جلاه الجلاء فازداد زينا
أنت في معشر إذا غبت عنهم ... بدلوا كل ما يزينك شيئا
وإذا ما رأوك قالوا جميعا ... أنت [من] [1] أكرم الرجال علينا
فقال له عبد الملك: يغفر الله لك يا كثير، فأين الإخوان غير أني أقول:
صديقك حين تستغني كثير ... وما لك عند فقرك من صديق
[فلا تنكر على أحد إذا ما ... طوى عنك الزيارة عند ضيق] [2]
وكنت إذا الصديق أراد غيظي ... على حنق وأشرقني بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه ... مخافة أن أكون بلا صديق
وكان كثير يعشق عزة بنت حميد [3] بن وقاص، وهي من بني ضمرة، وتشبب بها،
وكانت حلوة مليحة، وكان ابتداء عشقه لها ما روى الزبير بن بكار، عن عبد
الله بن إبراهيم السعدي، قال: حدثني إبراهيم بن يعقوب بن جميع [4] :
أنه كان أمر كثير أنه مر بنسوة من بني ضمرة ومعه غنم، فأرسلن إليه عزة
وهي صغيرة، فقالت: تقول لك النسوة: بعنا كبشا من هذه الغنم وأنسئنا
بثمنه إلى أن ترجع، فأعطاها كبشا فأعجبته حينئذ، فلما رجع جاءته امرأة
منهن بدراهمه، فقال: أين الصبية
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] البيت من هامش الأصل، وت.
[3] كذا في الأصلين، وفي الأغاني: «عزة بنت حميل» .
[4] الخبر في الأغاني 9/ 33.
(7/105)
التي أخذت مني الكبش؟ قالت: وما تصنع بها،
هذه دراهمك، قال: لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت إليه، وقال:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
وفي رواية أنه أنشدهن:
نظرت إليها نظرة وهي عاتق ... على حين أن شبت وبان نهودها
نظرت إليها نظرة ما يسرني ... بها حمر أنعام البلاد وسودها
وكنت إذا ما جئت سعدا بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
ثم أحبته عزة أشد من حبه إياها، ودخلت إليه يوما وهو يبري السهام
فحدثته وهو يبري فبرى ذراعه وسال الدم وهو لا يعلم.
وقد حكي عنه أنه لم يكن بالصادق في محبته. وروينا أن عزة تنكرت له
فتبعها وقال: يا سيدتي قفي أكلمك، قالت وهل تركت عزة فيك بقية لأحد،
فقال: لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك، قالت: فكيف بما قلت في عزة؟ قال:
أقلبه لك، فسفرت عن وجهها وقالت: أغدرا يا فاسق، ومضت، فقال:
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من السم جدحات بماء الذرارح
فمت ولم تعلم علي خيانة ... وكم طالب للربح ليس برابح
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا
المبارك بْن عَبْد الجبار، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا
أبو عمرو بْن حيوية، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن الزبير
بن بكار، قال:
كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: حدثني أبو المتيع قال:
خرج كثير يلتمس عزة ومعه شنينة فيها ماء فأخذه العطش فتناول الشنينة
فإذا هي غطم ما فيها شيء من الماء [1] ، فرفعت له نار فأمها، فإذا
بقربها مظلة بفنائها عجوز، فقالت له: من أنت؟ قال: أنا كثير، قالت: قد
كنت أتمنى ملاقاتك فالحمد للَّه الذي
__________
[1] في الأصل: «مليء من الماء» . وما أوردناه من ت.
(7/106)
أرانيك، قال: وما الذي تلتمسينه عندي؟
قالت: ألست القائل:
إذا ما أتينا خلة كي تزيلها ... أبينا وقلنا الحاجبية أول
سنوليك عرفا إن أردت وصالنا ... ونحن لتلك الحاجبية أوصل
قال: بلى، قالت: أفلا قلت كما قال سيدك جميل:
يا رب عارضة علي وصالها [1] ... بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها في القول بعد تأمل ... حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي
قال: دعي هذا واسقيني ماء، قالت: والله لا سقيتك شيئا، قال: ويحك إن
العطش قد أضر بي، قالت ثكلت بثينة إن طعمت عندي قطرة ماء، فكان جهده أن
ركضت راحلته ومضى يطلب الماء، فما بلغه حتى أضحى النهار وقد أجهده
العطش.
قال أبو بكر بن الأنباري: وحدثني أبي، قال: حدثنا أبو عكرمة وأحمد بن
عبيدة، قالا:
لما أتى يزيد بن عبد الملك بأسارى بني المهلب أمر بضرب أعناقهم، فكان
كثير حاضرا، فقام وأنشأ يقول:
فعفو أمير المؤمنين وحسبة ... فما يحتسب من صالح لك يكتب
أساءوا فإن تغفر فإنك قادر ... وأفضل حلم حسبة حلم مغضب
فقال يزيد: يا كثير أطت بك الرحم قد وهبناهم لك، وأمر برفع القتل عنهم.
قال أبو بكر: أطت: حنت.
أخبرنا محمد بن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بْن أحمد السراج، قَالَ:
أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، قَالَ: أخبرنا علي بن عيسى الرماني،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن دريد، قَالَ: أخبرنا عبد الأول بن
مزيد، قال: أخبرني حماد بن إسحاق، عن أبيه، قال:
__________
[1] في ت: «عارضة علينا وصالها» .
(7/107)
خرج كثير يريد عبد العزيز بن مروان فأكرمه
ورفع منزلته وأحسن جائزته وقال:
سلني ما شئت من الحوائج، قال: نعم أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزة
فيقفني عليه، فقال رجل من القوم: إني لعارف به، فانطلق به الرجل حتى
انتهى إلى قبرها، فوضع يده عليه وعيناه تجريان وهو يقول:
وقفت على ربع لعزة ناقتي ... وفي الترب رشاش من الدمع يسفح
فيا عز أنت البدر قد حال دونه ... رجيع تراب والصفيح المصرح
وقد كنت أبكي من فراقك خيفة ... فهذا لعمري اليوم إياي أنزح
فهلا فداك الموت من أنت قربه ... ومن هو أسوأ منك حالا وأقبح
ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة ... بشيء ولا ملحا لمن يتملح
فلا زال وادي رمس عزة سائلا ... به نعمة من رحمة الله تسفح
أرب لعيني البكا كل ليلة ... فقد كان مجرى دمع عيني يقرح
إذا لم يكن ماء تجلتنا دما ... وشر البكاء المستعار الممنح
ومن شعر كثير:
خليلي هذا رسم عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا مرجفات الحزن [1] حتى تولت
فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلت بلاغا لم تكن قبل حلت
وو الله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرم ولا أكثرت إلا أقلت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مولية إن تقلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي ... بعزة كانت غمرة فتجلت
وكنا ارتقينا من صعود من الهوى ... فلما علوناه ثبت وزلت
وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... فلما توافينا شددت وحلت
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها ... وللقلب أسرار إذا العين ملت
توفي كثير عزة وعكرمة في هذه السنة في يوم واحد، فصلي عليهما في مكان
واحد
__________
[1] في الأغاني 9/ 38: «ولا موجعات القلب» .
(7/108)
بعد الظهر، فقال الناس: مات أفقه الناس
وأشعر الناس. وكان كثير يقول عند موته لأهله: لا تبكوا علي فإني بعد
أربعين يوما أرجع.
582- يزيد بن عبد الملك بن مروان:
توفي بالبلقاء من أرض دمشق وهو ابن ثمان وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين،
وكانت وفاته يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان هذه السنة، وصلى عليه نساء
الوليد، وكان هشام بن عبد الملك يومئذ بحمص، وكانت خلافته أربع سنين
وشهرا.
وكان سبب موته أنه كانت له جارية اسمها حبابة، وكان يحبها حبا شديدا،
فماتت فتغير وبقي أياما لا يظهر للناس، ثم مات.
وروى أبو بكر بن دريد، عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه، قال:
حج يزيد بن عبد الملك في خلافة أخيه سليمان بن عبد الملك، فعرضت عليه
جارية مغنية جميلة، فأعجب بها غاية الإعجاب فاشتراها بأربعة آلاف
دينار، وكان اسمها الغالية فسماها حبابة، وكان يهواها الحارث بن خالد
المخزومي، فقال لما بلغه خروج يزيد بها:
ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بليل مطلع الشرق
وبلغ سليمان خبرها فقال: لهممت أن أحجر على يزيد يبتاع جارية بأربعة
آلاف دينار، وكان يزيد يهابه ويتقيه، فتأدى إليه قوله فردها على مولاها
واسترجع منه المال، وباعها مولاها من رجل من أهل مصر بهذا الثمن، ومكث
يزيد آسفا متحسرا عليها، فلم تمض إلا مديدة حتى تقلد يزيد الأمر.
فبينا هو [في] [1] بعض الأيام مع امرأته سعدى بنت عمرو بن عثمان إذ
قالت له:
بقي في قلبك شيء [2] من أمور الدنيا لم تنله؟ قال: نعم حبابة، فأمسكت
حتى إذا كان من الغد أرسلت بعض ثقاتها إلى مصر، ودفعت إليه مالا وأمرته
بابتياع حبابة، فمضى فما كان بأسرع من أن ورد وهي معه قد اشتراها،
فأمرت سعدى قيمة جواريها أن تصنعها، وكستها من أحسن الثياب، وصاغت لها
من أفخر الحليّ، ثم قالت
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في ت: «بقي في نفسك شيء» .
(7/109)
لها: أمير المؤمنين متحسر عليك وله
اشتريتك، فسرت ودعت لها، ولبثت أياما تصنعها تلك القيمة حتى إذا ذهب
عنها وعث السفر قالت سعدى [1] ليزيد: إني أحب أن تمضي معي إلى بستانك
بالغوطة لنتنزه فيه، قال: أفعل فتقدميني، فمضت وضربت، فيه قبة وشي
ونجدتها بالفرش وجعلت داخلها كله قصب وأجلست فيها حبابة، وجاء يزيد
فأكلوا وجلسوا على شرابهم، فأعادت سعدى عليه: هل بقي في قلبك من الدنيا
شيء لم تبلغه؟ قال: نعم حبابة، قالت: فإني قد اشتريت جارية ذكرت أنها
علمتها غناءها كله، فهي تغني مثلها فتنشط لاستماعها، قال: أي والله،
فجاءت به إلى القبة وجلسا قدامها وقالت: غني يا جارية، فغنت الصوت الذي
غنته ليزيد لما اشتراها وهو من شعر كثير:
وبين التراقي والفؤاد حرارة ... مكان الشجى لا تستقل فتبرد
قال يزيد: حبابة والله، فقالت: سعدى: حبابة، والله لك اشتريتها وقد
أهديتها لك فسر سرورا عظيما وشكرها غاية الشكر وانصرفت وتركته مع
حبابة، فلما كان بالعشي صعد معها إلى مستشرف في البستان وقال لها: غني
وبين التراقي والفؤاد حرارة ... مكان الشجى لا تستقل فتبرد
فغنته فأهوى ليرمي بنفسه وقال: أطير والله، فتعلقت به وقالت له: الله
الله يا أمير المؤمنين، فأقام معها ثلاثة أيام ثم انصرفا، فأقامت أياما
ثم مرضت وماتت فحزن عليها حزنا شديدا وامتنع من الطعام والشراب ومرض
فمات.
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أخبرنا ابن العلاف، قال: أخبرنا عبد الملك
بن بشران، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن
الأعرابي، قال: حدثنا علي بن عمروس:
أن يزيد بن عبد الملك دخل يوما بعد موت حبابة إلى خزائنها ومقاصيرها،
فطاف فيها ومعه جارية من جواريها فتمثلت الجارية بهذا البيت:
كفى حزنا بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى [2] معطلة قفرا
__________
[1] في الأصول: «سعدة» .
[2] في الأصل: «من يهواها» .
(7/110)
فصاح صيحة وخر مغشيا عليه فلم يفق إلى أن
مضى من الليل [هوي] [1] فلم يزل بقية ليلته باكيا، فلما كان اليوم
الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها جاءوا إليه فوجدوه ميتا.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، [قالت: أَخْبَرَنَا ابن السراج] [2]
بإسناده عن موسى بن جعفر:
أن يزيد بن عبد الملك بينا هو مع حبابة أسر الناس بها حذفها بحبة رمان
أو بعنبة وهي تضحك، فوقعت في فيها فشرقت فماتت، فأقامت عنده في البيت
حتى جيفت أو كادت تجيف، ثم خرج فدفنها وأقام أياما ثم خرج حتى وقف على
قبرها وقال:
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا ... فبالنفس أسلو عنك لا بالتجلد
ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج نعشه.
وقال يحيى بن أسقوط الكندي [3] : ماتت حبابة فأحزنت يزيد بن عبد الملك،
فخرج في جنازتها فلم تقله رجلاه، فأقام وأمر مسلمة فصلى عليها ثم لم
يلبث بعدها إلا يسيرا حتى مات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين من هامش الأصل، وت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل: وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «وعن يحيى بن أسقوط قال:» . وما أوردناه من ت.
(7/111)
ثم دخلت سنة ست
ومائة
فمن الحوادث فيها أن هشاما عزل عبد الواحد النضري [1] عن مكة والمدينة
والطائف، وولى ذلك خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، فقدم
المدينة يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من جمادى الآخرة، وكانت ولاية النضري
على المدينة سنة وثمانية أشهر.
وفيها: غزا سعيد بن عبد الملك الصائفة، وغزا الحجاج بن عبد الملك
اللان، فصالح أهلها وأدوا الجزية.
وفيها: قدم خالد بن عبد الله القسري أميرا على العراق بعد خراسان،
فاستعمل أخاه لبيد بن عبد الله على خراسان.
وفيها: غزا مسلم بن سعيد الترك، فورد عليه عزله عن خراسان من خالد وقد
قطع النهر لحربهم. وتولية أسد بن عبد الله أخي خالد عليها.
وفيها: استقضى هشام إبراهيم بن هشام الجمحي، ثم عزله واستقضى الصلت
الكندي.
وفيها: ولد عبد الصمد بن علي في رجب.
وفيها: حج بالناس [2] هشام بن عبد الملك، وكتب إلى أبي الزناد قبل أن
يدخل
__________
[1] في الأصل: «البصري» . وما أوردناه من ت والطبري وهو الصحيح.
[2] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
(7/112)
المدينة [1] : أكتب إلي بسنن الحج، فكتبها
له وتلقاه، فلما صلى هشام في الحجر كلمه إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقال
له: أسألك باللَّه وبحرمة هذا البيت والبلد الذي خرجت معظما لحقه إلا
رددت عليّ ضلامتي، قال: وأي ظلامة؟ قال: داري، قال:
فأين كنت عن عبد الملك؟ قال: ظلمني والله، قال: فعن الوليد؟ قال: ظلمني
والله، قال: فعن سليمان؟ قال: ظلمني والله، قال: فعن عمر؟ قال: يرحمه
الله ردها والله علي، قال: فعن يزيد؟ قال: ظلمني والله، هو قبضها من
بعد قبضي لها، وهي في يديك، قال: والله لو كان فيك ضرب لضربت، فقال: في
والله ضرب بالسيف والسوط، فقال هشام: هذه قريش وألسنتها ولا يزال في
الناس بقايا ما رأيت مثل هذا.
ولما دخل هشام المدينة صلى على سالم بن عبد الله، فرأى كثرة الناس فضرب
عليهم بعث أربعة آلاف، فسمي عام الأربعة آلاف [2] .
وكان العامل على مكة والمدينة والطائف إبراهيم بن هشام، وعلى العراق
وخراسان خالد القسري، واستعمل على صلاة البصرة عقبة بن عبد الأعلى،
وعلى الشرطة مالك بن المنذر بن الجارود، وعلى قضائها ثمامة بن عبد الله
بن أنس، وعلى خراسان أخاه أسد بْن عَبْد اللَّه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
583- سالم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، أبو عمر [3] :
روى عن أبيه، وأبي أيوب، وأبي هريرة. وكان فقيها عابدا جوادا صالحا،
وكان أشبه أولاد أبيه به، وكان أبوه شديد المحبة له فإذا ليم على ذلك
أنشد:
يلومونني في سالم وألومهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم [4]
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 35، 36.
[2] في الأصل: «أربعة آلاف» . وما أوردناه من ت.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 144، وطبقات خليفة 246، والتاريخ الكبير 4/ 2155،
والمعارف 186، والجرح والتعديل 4/ 797، وحلية الأولياء 2/ 193، وتهذيب
ابن عساكر 6/ 52، ووفيات الأعيان 2/ 349، وتاريخ الإسلام 4/ 115، وسير
أعلام النبلاء 4/ 457، وتذكرة الحفاظ 1/ 88، وتهذيب التهذيب 3/ 436،
وشذرات الذهب 1/ 133.
[4] طبقات ابن سعد 5/ 145.
(7/113)
أخبرنا المبارك بن علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا
شجاع بْن فارس، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
الْفَتْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن أخي ميمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن
صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر القرشي، قال: حدثني محمد بن
الحسين، قال: حدثني يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا هودة بن عبد العزيز،
قال:
زحم سالم بن عبد الله رجل فقال له سالم: بعض هذا رحمك الله، فقال له
الرجل: ما أراك إلا رجل سوء، فقال له سالم: ما أحسبك أبعدت.
أخبرنا محمد بن القاسم، قَالَ: أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَد، [1]
قَالَ: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن
الحسين، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن وهب، قال: حدثني
حنظلة، قال:
رأيت سالم بن عبد الله بن عمر يخرج إلى السوق فيشتري حوائج نفسه.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد بإسناد له عن أشهب بن مالك، [2] قال: لم يكن
أحد في زمن سالم [3] بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد
والقصد في العيش [4] منه، كان يلبس بدرهمين، وقال له سليمان بن عبد
الملك ورآه حسن السجية: أي شيء تأكل؟ قال: الخبز والزيت وإذا وجدت
اللحم أكلته، فقال له: أو تشتهيه، قال:
إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، قَالَ: أنبأنا أبو طاهر بن أبي
الصقر، قال: أخبرنا هبة الله بن إبراهيم الصواف، قال: أخبرنا الحسن بن
إسماعيل الضراب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مروان، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عمير بن مرداس، قال: حدثنا الحميدي، قال: سمعت سفيان بن
عيينة يقول:
دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له: يا
سالم سلني حاجة، فقال له: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيت الله
غيره. فلما خرج خرج
__________
[1] في الأصل: «أحمد بن أحمد» . خطأ.
[2] «أخبرنا إسماعيل بن أحمد بإسناد له عن أشهب بن مالك» . ساقطة من ت.
[3] في ت: «في زمان سالم» .
[4] في الأصل: «والعيش» . وما أوردناه من ت.
(7/114)
في أثره، فقال له: الآن قد خرجت فسلني
حاجة، فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من
حوائج الدنيا، فقال له: ما سألت من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها.
توفي سالم بالمدينة فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ،
وصلى عليه هشام بن عبد الملك مقدمه المدينة ودفن بالبقيع.
584- طاووس بن كيسان اليماني، ويكنى أبا عبد الرحمن، مولى لهمذان [1] :
حج أربعين حجة، وجالس سبعين من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم.
أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أخبرنا علي بن صادق، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عبد الله بْن باكويه، قال: حدثنا عبد الواحد بن بكر، قال: حدثنا
عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن
روح، قَالَ: حدثنا أحمد بن حامد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ
بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أبيه قال:
صلى وهب بن منبه وطاووس اليماني الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة.
أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي بإسناده عن أبي بكر بن عبيد، قال: حدثنا
الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق بن داود بن إبراهيم:
أن الأسد حبس الناس ليلة في طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضا، فلما كان
السحر ذهب عنهم، فنزل الناس يمينا وشمالا فألقوا أنفسهم فناموا، وقام
طاووس يصلي، فقال له ابنه: ألا تنام فقد نصبت الليلة؟ فقال طاووس: ومن
ينام السحر.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا أبو
عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرزاق، قال:
قدم طاووس مكة فقدم أمير فقيل له: إن من فضله، ومن، ومن، فلو أتيته،
قال: ما إليه من حاجة، قالوا: إنا نخافه عليك، قال: فما هو كما تقولون.
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 391، وطبقات خليفة 287، والتاريخ الكبير 4/ 3165،
والجرح والتعديل 4/ 2203، وتذكرة الحفاظ 1/ 90، وتهذيب التهذيب 5/ 8،
والبداية والنهاية 9/ 263.
(7/115)
585- العابد اليمني:
أخبرنا محمد بن ناصر الحافط، قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار،
قال:
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدَّقَّاق، قال:
أخبرنا الحسين بن صوفان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن عبيد،
قَالَ: حدثني أبو حاتم الرازي، قال: حدثني أحمد بن عبد الله بن عياض
القرشي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن كامل القرقساني، قال: حدثنا علوان بن
داود، عن علي بن زيد، قال:
قال طاووس:
بينا أنا بمكة بعث إلي الحجاج فأجلسني إلي جنبه وأتكأني على وسادة إذ
سمع ملبيا يلبي حول البيت رافعا صوته بالتلبية، فقال: علي بالرجل، فأتي
به، فقال: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين، قال: ليس عن الإسلام سألتك،
قال: فعم سألت؟ قال:
سألتك عن البلد، قال: من أهل اليمن، قال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ -
يريد أخاه- قال: تركته عظيما وسيما لباسا [1] ركابا خراجا ولاجا، قال:
ليس عن هذا سألتك، قال: فعم سألت؟ قال: سألتك عن سيرته، قال: تركته
ظلوما غشوما، مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق، فقال له الحجاج: ما حملك على
أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني؟ قال الرجل: أتراه بمكانه
منك أعز مني بمكاني من الله عز وجل وأنا وافد بيته ومصدق نبيه وقاضي
دينه، قال: فسكت الحجاج فما أجاب جوابا، فقام الرجل من غير أن يؤذن له
فانصرف.
قال طاووس: فقمت في أثره وقلت: الرجل حكيم، فأتى البيت فتعلق بأستاره
ثم قال: اللَّهمّ بك أعوذ وبك ألوذ، اللَّهمّ اجعل لي في اللهف إلى
جودك، والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين وغنى عما في أيدي
المستأثرين، اللَّهمّ فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة. ثم
ذهب الناس فرأيته عشية عرفة وهو يقول:
اللَّهمّ إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر على مصيبتي
بتركك القبول. ثم ذهب في الناس فرأيته غداة جمع يقول: وا سوءتاه منك
[والله] [2] وإن عفوت. يردد ذلك.
__________
[1] في ت: «عظيما جسيما» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/116)
ثم دخلت سنة سبع
ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة معاوية بن هشام الصائفة، [1] وكان على جيش الشام
ميمون بن مهران، فقطعوا البحر حتى عبروا إلى قبرص وخرج معهم البعث الذي
كان هشام أمر به في حجته. وغزا البر مسلمة بن عبد الملك.
وفيها: خرج عباد الرعيني باليمن، فقتله يوسف بن عمر، وقتل أصحابه كلهم،
وكانوا ثلاثمائة.
وفيها: وقع طاعون شديد بالشام.
وفيها: وجه بكير بن ماهان [2] جماعة إلى خراسان يدعون إلى خلافة بني
هاشم، وكانوا قد دعوا بكير بن ماهان إلى ذلك فرضي فأنفق عليهم مالا
كثيرا، ودخل إلى محمد بن علي، فلما أنفذ دعاته إلى خراسان وشى بهم إلى
أسد بن عبد الله فقطع أيدي من ظفر به منهم وأرجلهم، وصلبهم، فكتب بذلك
بكير إلى محمد.
وقيل: أول من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان
في ولاية أسد بن عبد الله، بعثه مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عباس، فقال له: ادع الناس إلينا، وانزل في اليمن وألطف
مضر، فقدم ودعا إلى بني العباس، وذكر سيرة بني مروان وظلمهم، وجعل يطعم
الناس الطعام، وكان في جماعة فقتلهم أسد بن عبد الله.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 40.
[2] تاريخ الطبري 7/ 40.
(7/117)
وفي هذه السنة: غزا أسد بن عبد الله جبال
نمرون [1] فصالحه الملك وأسلم على يديه، وغزا أيضا جبال هراة. وولى
بناء مدينة بلخ برمك أبا خالد بن برمك.
وفيها: حج بالناس إبراهيم بن هشام. وكان عمال الأمصار الذين ذكرناهم في
السنة التي قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
586- إسماعيل بن عبيد، مولى عمرو بن حزم الأنصاري [2] :
حدث عن عمر وابن عباس. كان يسكن إفريقية، وله عبادة وفضل، غرق في بحر
الروم في هذه السنة.
قال عبيد الله بن المغيرة: قلت لسعيد بن المسيب: إن عندنا رجلا يقال له
إسماعيل بن عبيد من العباد، إذا سمعنا نذكر شعرا صاح علينا، فقال ابن
المسيب:
ذاك رجل نسك نسك العجم.
587- أسود بن كلثوم:
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا حمد بْنُ أحمد الحداد، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أَبُو بكر بْن
مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أحمد، قال:
حدثني أبي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية، قال: أخبرنا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قال:
كان رجل منا يقال له الأسود بن كلثوم، كان إذا مشى لا يجاوز بصره
قدميه، وكان يمر بالنسوة وفي الخدر يومئذ قصر، ولعل إحداهن أن تكون
واضعة ثوبها أو خمارها فإذا رأينه راعهن ثم يقلن: كلا إنه الأسود بن
كلثوم، فلما قرب غازيا قال: اللَّهمّ نفسي هذه تزعم في الرخاء أنها تحب
لقاءك فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كاذبة فاحملها عليه فإن
كرهت فأطعم لحمي سباعا وطيرا، فانطلق في خيل فدخلوا حائطا فندر
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 40. وفي الأصل: «جبال مرو» والتصحيح من الطبري.
[2] حلية الأولياء 10/ 46.
(7/118)
بهم العدو، فجاءوا فأخذوا بثلمة الحائط،
فنزل الأسود عن فرسه فضربها حتى غذت، فخرج ثم أتى الماء فتوضأ وصلى،
قال: يقول العجم: هكذا استسلام العرب إذا استسلموا، ثم تقدم فقاتل حتى
قتل. قال: فمر عظيم الجيش بعد ذلك بذلك الحائط فقيل لأخيه: لو دخلت
فنظرت ما بقي من عظام أخيك [ولحمه] [1] ، قال: لا، دعا أخي بدعاء
فاستجيب له، فلست أعرض في شيء من ذلك.
588- بكير بن عبد الله بن الأشج، مولى لبني زهرة، مديني [2] :
روى عنه الليث بن سعد وغيره. توفي في هذه السنة.
589- حميد بن هلال، أبو نصر العدوي [3] :
أسند عن عبد الله بن مغفل، وأنس وغيرهما، وكان من الفقهاء. كان قتادة
يقول:
ما بالمصريين أعلى من حميد.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ [4]
، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قال حدثنا أحمد بن جعفر بن
حمدان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثنا
الدورقي، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بن هلال، قال:
ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة فصور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلي
حلاهم ورأى أزواجه وخدمه ومساكنه في الجنة يأخذه سوار فرح، فلو كان
ينبغي أن يموت مات فرحا، فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه فإنها قائمة
لك أبدا.
590- حسان بن حريث، أبو السوار العدوي [5] : ويقال اسمه منقذ.
روى عن علي وعمران بن حصين. روى عنه قتادة وهو من بني عدي بن زيد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] طبقات ابن سعد (الجزء المخطوط) ، وطبقات خليفة 263، وعلل أحمد 1/
352، والتاريخ الكبير 2/ 1/ 113، والجرح والتعديل 1/ 1/ 403، وسير
أعلام النبلاء 6/ 170، وتاريخ الإسلام 5/ 48، وتهذيب التهذيب 1/ 491.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 3، وطبقات خليفة 212، والتاريخ الكبير 2/
2700، والجرح والتعديل 3/ 1011، وحلية الأولياء 2/ 251، وتاريخ الإسلام
4/ 345، وتهذيب التهذيب 3/ 51.
[4] في الأصل: «أحمد بن أحمد» . خطأ.
[5] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 110.
(7/119)
مناة [بن أد بن طابخة، وكذلك حميد بن هلال
الذي ذكرناه قبله من بني عدي بن زيد] [1] ، وكذلك عمر بن حبيب القاضي
العدوي. ولي القضاء للرشيد، وكذلك محمد بن عمرو، وأبو غسان العدوي،
ويلقب زينجا أخرج عنه البخاري ومسلم.
وثم من يقال له العدوي ينسب إلى عدي الأنصار، منهم حارثة بن سراقة
وحسان بن ثابت. وهما من عدي بن النجار.
وقد يقال العدوي وينسب إلى عدي بن كعب بن لؤي، وهم رهط عمر بن الخطاب
وقبيلته.
ويقال العدوي، وينسب إلى العدوية وهي أمهم من بني عدي بن الرباب، منهم
زيد بن مرة أبو المعلى البصري، روى عن الحسن.
ويقال: العدوي منسوبا إلى عدي خزاعة، منهم حبشية العدوية زوجة سفيان بن
معمر البياضي من مهاجرة الحبشة.
كان أبو السواد من العلماء الحلماء الحكماء الزهاد الثقات، سبه رجل وهو
يمشي ساكتا، فلما دخل منزله قال للرجل: حسبك إن شئت.
وقال هشام: كان أبو السوار يعرض له الرجل فيشتمه فيقول: إن كنت كما قلت
إني إذا لرجل سوء.
591- سليمان بن يسار [أبو أيوب] مولى ميمونة بنت الحارث زوجة رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] :
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: سنة ثلاثمائة وله ثلاث وسبعون سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت.
[2] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 132، 5/ 130، وطبقات خليفة 247، والتاريخ
الكبير 4/ 1901، والجرح والتعديل 4/ 643، وحلية الأولياء 2/ 190،
وتاريخ الإسلام 4/ 120، وسير أعلام النبلاء 4/ 444، وتذكرة الحفاظ 1/
90، وتهذيب التهذيب 4/ 228.
(7/120)
ثم دخلت سنة ثمان
ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة مسلمة بن عبد الملك حتى بلغ قيسارية ففتحها الله
على يديه.
وفيها: غزا إبراهيم بن هشام ففتح حصنا من حصون الروم.
وفيها: وقع حريق بدابق حتى احترق الرجال والدواب.
وفيها: حج بالناس إبراهيم بن هشام وهو الأمير على مكة والمدينة
والطائف.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
592- بكر بن عبد الله المزني [1] :
أسند عن ابن عمر، وجابر، وأنس وغيرهم. وكان فقيها ثقة حجة عابدا شديد
الخوف من الله عز وجل.
وقف [بعرفة] [2] فرق فقال: لولا أني فيهم لقلت قد غفر لهم. وكان يلبس
الثياب الحسان، وكانت قيمة كسوته أربعة آلاف درهم، فاشترى طيلسانا
بأربعمائة درهم.
وكان يقال: الحسن شيخ البصرة، وبكر فتاها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 152، وطبقات خليفة 207، والتاريخ الكبير 2/ 1/
90، والجرح والتعديل 1/ 1/ 388، وسير أعلام النبلاء 4/ 532، وتاريخ
الإسلام 4/ 93، وتهذيب التهذيب 1/ 484.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/121)
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري بإسناد له عن
غالب القطان، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ:
أحوج الناس إلى لطمة من دعي إلى وليمة فذهب معه بآخر، وأحوج الناس إلى
لطمتين [رجل] دخل إلى دار قوم فقيل له اجلس هاهنا فقال لا بل هاهنا،
وأحوج الناس إلى ثلاث لطمات رجل قدم إليه طعام، فقال: لا آكل حتى يجلس
معي رب البيت.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري، قال:
أخبرنا محمد بن بشران، قَالَ: أَخْبَرَنَا صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بكر القرشي، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثني يحيى بن
بسطام، قال: حدثني مسمع بن عاصم، قال: حدثني رجل من آل عاصم الجحدري،
قال:
رأيت عاصما الجحدري بعد موته بسنتين فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى، قلت:
فأين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي
نجتمع في كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلاقى.
قال: قلت:
أرواحكم وأجسامكم؟ قال: هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح.
توفي بكر في هذه السنة بالبصرة.
593- عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه [1] :
روى عن أبيه.
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال:
أخبرنا ابن حيويه، قال: أخبرنا أبو أيوب الجلاب، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ:
حدثنا محمد بن سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه
الزبيري، عن مصعب بن عثمان، قال:
كان عبد الرحمن بن أبان يشتري أهل البيت ثم يأمر بهم فيكسون ويذهبون،
ثم يعرضون عليه فيقول: أنتم أحرار لوجه الله أستعين بكم على غمرات
الموت. قال:
فمات وهو قائم في مسجده، يعني في السبخة.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 85.
(7/122)
594- القاسم بْن مُحَمَّد بْن أبي بكر
الصديق، أبو محمد [1] :
كان دينا، أمه أم ولد، روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وعائشة.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن
سنان، قال: أخبرنا أبو العباس السراج، قال: حدثنا حاتم بن الليث، قال:
حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال:
حدثنا محمد بن إسحاق، قال:
جاء أعرابي إلى القاسم بن محمد، فقال: أنت أعلم أو سالم؟ قال: ذاك منزل
سالم، فلم يزد عليها حتى قام الأعرابي. قال ابن إسحاق: كره أن يقول: هو
أعلم مني فيكذب، أو يقول: أنا أعلم منه فيزكي نفسه.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري، قال:
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن
جَعْفَر بْن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا سليمان بن
حرب، قال: حدثنا وهيب، عن أيوب، قال:
ما رأيت رجلا أفضل من القاسم، ولقد ترك مائة ألف وهي له حلال.
قال يعقوب: وحدثنا محمد بن أبي زكريا بن وهب، قال: حدثني مالك أن عمر
بن عبد العزيز قال:
لو كان إلي من الأمر شيء لوليت القاسم الخلافة.
عن محمد، قال: حدثنا الحميدي [2] ، عن سفيان قال: اجتمعوا إلى القاسم
بن محمد في صدقة قسمها. قال: وهو يصلي، فجعلوا يتكلمون، فقال ابنه:
إنكم اجتمعتم إلى رجل والله ما نال منها درهما ولا دانقا، قال: فأوجز
القاسم ثم قال: يا بني قل فيما علمت. قال سفيان: صدق ابنه ولكنه أراد
تأديبه في النطق وحفظه.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن سُلَيْمَان، قال: أخبرنا حمد بن أحمد،
قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 139.
[2] في ت: «روى الحميدي» .
(7/123)
أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد
بن شجاع، قال: حدثنا ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال:
مات القاسم بن محمد بين مكة والمدينة حاجا أو معتمرا، فقال لابنه: شن
علي التراب شنا، وسو على قبري والحق بأهلك، وإياك أن تقول كان وكان.
توفي القاسم في هذه السنة بعد أن كف بصره بنحو ثلاث سنين، وقد عبر
السبعين.
595- محمد بن كعب، أبو حمزة القرظي [1] :
أخبرنا علي بن إبراهيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا رزق الله بْن عبد الوهاب،
قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: حدثنا ابن صفوان، قال: أخبرنا
أبو بكر القرشي، قال:
حدثني سلمة بن شبيب، عن زهير بن عباد، قال: حدثني أبو كثير البصري،
قال:
قالت أم محمد بن كعب القرظي لمحمد: يا بني لولا أني أعرفك صغيرا طيبا
وكبيرا طيبا لظننت أنك أحدثت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك في الليل
والنهار، فقال: يا أمتاه وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي وأنا في
بعض ذنوبي فمقتني فقال:
اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن تردني على أمور حتى أنه لينقضي
الليل ولم أفرغ من حاجتي.
كان محمد بن كعب يقص بالمدينة فسقط عليه مسجده وعلى جميع من كان معه
فقتلهم، وذلك في هذه السنة.
596- موسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس:
ولد بالسراة سنة إحدى وثمانين، وتوفي ببلاد الروم غازيا في هذه السنة
عن سبع وعشرين سنة.
597- مورق بن المشمرج، أبو بكر العجلي البصري [2] :
عابد زاهد، روى عن ابن عمر، وأنس، وغيرهما. وكان يقول: أمر أنا في طلبه
__________
[1] البداية والنهاية 9/ 288.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 155.
(7/124)
منذ عشرين سنة لم أقدر عليه، ولست بتارك
طلبه أبدا، قيل: وما هو؟ قال: الصمت عما لا يعنيني، وما قلت في الغضب
شيئا قط فندمت عليه في الرضى.
وكان يدخل على بعض إخوانه فيضع عندهم الدراهم فيقول: امسكوها حتى أعود
إليكم، فإذا خرج قال: أنتم في حل منها.
598- نصيب بن رباح، وقيل أبو محجن الشاعر، مولى عبد العزيز بن مروان
[1] :
وكان أسود شديد السواد، جيد الشعر، عفيف الفرج، كريما يفضل بماله
وطعامه. وكان أهل البادية يدعونه النصيب تفخما لما يرون من جودة شعره،
ولم يهج أحدا تدينا، وكان في أول أمره عبدا لبني كعب راعيا لهم، فباعوه
من قلاص بن محرز الكناني وكان يرعى [2] إبله.
وزعم ابن الكلبي أن نصيبا من بني الحاف بن قضاعة، وكانت أمه أمة فوثب
عليها سيدها فجاءت بنصيب، فوثب عليه عمه فباعه من رجل، فاشتراه عبد
العزيز بن مروان من الرجل.
وقال غيره: إنما كان يتولع بالشعر، فلما جاء قوله استأذن مولاه في
إتيان بني مروان فلم يأذن له، فهرب على ناقة بالليل ودخل على عبد
العزيز بن مروان فمدحه، فقال: حاجتك، قال: أنا مملوك، فقال للحاجب:
اخرج فأبلغ في قيمته، فجمع له المقومين فقال: قوموا غلاما أسود ليس به
عيب، قالوا: مائة دينار، قال: إنه راعي إبل يبصرها ويحسن القيام عليها،
قالوا [3] : مائتا دينار، قال: إنه يبري النبل ويريشها ويبري القسي [4]
، قالوا: أربعمائة دينار، قالوا: إنه راوية للشرع، قالوا: ستمائة
دينار، قال: إنه شاعر، قالوا: ألف دينار، فقال نصيب: أصلح الله الأمير
جائزتي عن مدحتي، قال: أعطوه ألف دينار، فعاد فاشترى أمه وأخته وأهله
وأعتقهم.
وقد مدح عبد العزيز بن مروان وأخاه عبد الملك بن مروان وأولاده وعمر بن
عبد العزيز، وحصل منهم مالا كثيرا.
__________
[1] الأغاني 1/ 312، وإرشاد الأريب 7/ 212، والنجوم الزاهرة 1/ 262،
وتاريخ الإسلام 5/ 11.
[2] «يرعى» : ساقط من ت.
[3] في الأصل: «قال» : وما أوردناه من ت.
[4] في ت: «ويعمل القسي» .
(7/125)
وقال أيوب بن عباية [1] : بلغني أن النصيب
كان إذا قدم على هشام بن عبد الملك أخلى له مجلسه واستنشده مراثي بني
أمية، فإذا أنشده بكى وبكى معه، فأنشده يوما قصيدة مدحه [بها يقول] [2]
فيها:
إذا استبق الناس العلا سبقتهم ... يمينك عفوا ثم ضلت شمالها
فقال له هشام: يا أسود بلغت غاية المدح فسلني، فقال: يدك بالعطية أجود
وأبسط من لساني بمسألتك، فقال: [هذا] [3] والله أحسن من الشعر. وأحسن
جائزته.
ومن شعر نصيب يمدح نفسه [4] :
ليس السواد بناقصي ما دام لي ... هذا اللسان إلى فؤاد ثابت
من كان ترفعه منابت أصله ... فبيوت أشعاري جعلن منابتي
كم بين أسود ناطق ببيانه ... ماضي الجنان وبين أبيض صامت
إني ليحسدني الرفيع بناؤه ... من فضل ذاك وليس بي من شامت
وكان نصيب تشبب بزينب، والمشهور عنها أنها كانت بيضاء مستحسنة. وقد روي
أيضا أنها كانت سوداء.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر البرمكي، قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَبُو الحسين الزينبي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف، قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الله بن عمرو، وأحمد بن حرب، قالا: حَدَّثَنَا
الزُّبَير بْن بكار، قَالَ: حدثني محمد بن المؤمل بن طالوت، قال: حدثني
أبي، عن الضحاك بن عثمان الحزامي، قال:
خرجت في آخر الحج فنزلت بالأبواء على امرأة فأعجبني ما رأيت من حسنها
وأطربني، فتمثلت قول نصيب:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملينا فما ملك القلب
__________
[1] الخبر في الأغاني 1/ 324.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من الأغاني.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت.
[4] الخبر في الأغاني 1/ 337.
(7/126)
خليلي من كعب إلى ما هديتما ... بزينب لا
يقعد كما أبدا كعب
وقولا لها ما في البعاد لذي الهوى ... بعاد وما فيه لصدع النوى شعب
فمن شاء رام الصرم أو قال ظالما ... لصاحبه ذنب وليس له ذنب
فلما سمعتني أتمثل بهذه الأبيات قالت لي: يا فتى العرب، أتعرف قائل هذا
الشعر [1] ؟ قلت: نعم ذاك نصيب، قالت: نعم هو ذاك، فتعرف زينب؟ قلت:
لا، قالت: أنا والله زينب، قلت: فحياك الله، قالت: أما إن اليوم موعده
من عند أمير المؤمنين، خرج إليه عام أول ووعدني هذا اليوم، ولعلك لا
تبرح حتى تراه. قال: فما برحت من مجلسي حتى إذا أنا بركب يزول مع
السراب، فقالت: ترى خبب ذلك الفارس- أو ذاك الراكب- إني لأحسبه إياه،
قال: وأقبل الراكب فأمنا حتى أناخ قريبا من الخيمة، فإذا هو نصيب، ثم
ثنى رجله عن راحلته فنزل ثم أقبل فسلم علي وجلس منها ناحية وسلم عليها
وساءلها وساءلته فأخفيا ثم أنها سألته أن ينشدها ما أحدث من الشعر
بعدها، فجعل ينشدها، فقلت في نفسي: عاشقان أطالا التنائي لا بد أن يكون
لأحدهما إلى صاحبه حاجة، فقمت إلى راحلتي أشد عليها، فقال لي: على رسلك
أنا معك، فجلست حتى نهض ونهضت معه، فتسايرنا ساعة ثم التفت فقال: قلت
[في نفسك] [2] : محبان التقيا بعد طول تناء لا بد أن يكون لأحدهما إلى
صاحبه حاجة؟
قلت: نعم قد كان ذلك، قال: فلا ورب هذه البنية التي إليها نعمد، ما
جلست منها مجلسا قط أقرب من مجلسي الذي رأيت ولا كان شيء مكروه قط.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قَالَ: أخبرنا
ابن حيوية، قَالَ: حدثنا محمد بن خلف، قال: حدثنا محمد بن معاذ، عن
إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثني رجل من قريش عمن حدثه قال:
كنت حاجا ومعي رجل من القافلة لا أعرفه ولم أره قبل ذلك ومعه هوادج
وأثقال وصبية وعبيد ومتاع، فنزلنا منزلا، فإذا فرش ممهدة وبسط قد بسطت،
فخرج من أعظمها
__________
[1] في الأصل: «الأبيات» . ومصححه على الهامش.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/127)
هودجا امرأة زنجية فجلست على تلك الفرش
الممهدة، ثم جاء زنجي فجلس إلى جنبها على الفراش فبقيت متعجبا منهما،
فبينا أنا أنظر إليهما إذ مر بنا مار وهو يقود إبلا، فجعل يتغنى ويقول:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملينا فما ملك القلب
قال: فوثبت الزنجية إلى الزنجي فخبطته وضربته وهي تقول: شهرتني في
الناس شهرك الله، فقلت: من هذا؟ قالوا: نصيب الشاعر وهذه زينب.
قال محمد بن خلف: وحدثني أبو بكر بن شداد، قَالَ: حدثني أَبُو عبد الله
بْن أبي بكر، قال: حدثني إبراهيم بن زيد بن عبد الله السعدي، قال:
حدثتني جدتي، عن أبيها، عن جدها، قال [1] :
رأيت رجلا أسود ومعه امرأة بيضاء، فجعلت أتعجب من سواده وبياضها، فدنوت
منه، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا الذي أقول:
ألا ليت شعري ما الذي تحدثين لي ... إذا ما غدا النأي المفرق [2]
والبعد
أتصرمني عند الألى فهم العدا [3] ... فتشمتهم بي أم تدوم على العهد
قال: فصاحت: بلى والله تدوم على العهد، فسألت عنها فقيل: هذا نصيب وهذه
أم بكر.
قال ابن خلف: وأخبرني جعفر بن اليشكري، قال: حدثني الرياشي، قال:
أخبرني العتبي، قال: دخل نصيب على عبد العزيز بن مروان فقال له: هل
عشقت يا نصيب؟ قال: نعم جعلني الله فداك، قال: من؟ قال: جارية لبني
مدلج فأحدق بها الواشون فكنت لا أقدر على كلامها إلا بعين أو إشارة،
وأجلس لها على الطريق حتى تمر بي فأراها، وفي ذلك أقول [4] :
جلست [5] لها كيما تمر لعلني ... أخالسها التسليم إن لم تسلّم
__________
[1] الخبر في الأغاني 1/ 328.
[2] في الأغاني: «تحدثين بي غدا غربة المفرق» .
[3] في الأغاني: «هم لنا العدا» .
[4] الأغاني 1/ 360.
[5] في الأغاني: «وقفت» .
(7/128)
فلما رأتني والوشاة تحدرت ... مدامعها خوفا
ولم تتكلم
مساكين أهل العشق ما كنت مشتر ... [جميع] [1] حياة العاشقين بدرهم
فقال عبد العزيز: ويحك، وما فعلت المدلجية؟ قال: اشتريت وأولدت، قال:
فهل في قلبك منها شيء؟ قال: نعم، عقابيل أوجاع [2] .
قال ابن خلف: وأخبرني [نوفل] [3] بن محمد المهلبي، عن محمد بن سلام،
قال: دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك، فقال: حدثني ببعض ما مر عليك،
فقال:
يا أمير المؤمنين علقت جارية حمراء- يعني بيضاء- فمكثت زمانا تمنيني
بالأباطيل، فأرسلت إليها بهذه الأبيات:
فإن أك حالكا فالمسك أحوى ... وما لسواد جلدي من دواء
ولي كرم عن الفحشاء ناء ... كبعد الأرض من جو السماء
ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلك ليس يعدم في النساء
فإن ترضي فردي قول راض ... وإن تنأي فنحن على السواء
فلما قرأت الكتاب قالت: المال والعقل [4] يعفيان على غيرهما فزوجتني
نفسها.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا محفوظ بن أحمد الفقيه، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري، قَالَ:
أَخْبَرَنَا المعافى بن زكريا، قال:
حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ: حدثنا أحمد بن يحيى،
قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله، عن معاذ صاحب
الهروي، قال:
دخلت مسجد الكوفة فرأيت رجلا لم أر قط أنقى ثيابا منه [5] ، ولا أشد
سوادا، فقلت له: من أنت؟ قال: نصيب، فقلت: أخبرني عنك وعن أصحابك،
فقال: جميل إمامنا، وعمر أوصفنا لربات الحجال، وكثير أبكانا على
الأطلال والدمن، وقد قلت ما سمعت، قلت: فإن الناس يزعمون أنك لا تحسن
أن تهجو، فقال: فأقروا لي أني أحسن [أن] [6] أمدح؟ قلت: نعم، قال: فترى
ألا أحسن أن أجعل مكان عافاك الله أخزاك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الأغاني.
[2] أي: بقايا أوجاع، وفي الأغاني: «عقابيل أحزان» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ت.
[4] في الأغاني 1/ 339: «المال والشعر» .
[5] في الأصل: «ثيابا أنقى منه» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/129)
الله؟ قلت: بلى، قال: ولكني رأيت الناس
رجلين، رجلا لم أسأله فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه، ورجلا سألته فمنعني
فكانت نفسي أحق بالهجاء إذ سولت لي أن أطلب منه.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر
البرمكي، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرو بْن حيوية، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن محمد بن إسحاق المكي، قال: حدثنا الزبير بن
بكار، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أيوب بن عباية، قال: حدثني خلف بن
نوفل بن عبد مناف، قال:
لما أصاب نصيب من المال ما أصاب، وكانت عنده أم محجن [- وكانت سوداء-
تزوج امرأة بيضاء، فغضبت أم محجن] [1] وغارت، فقال: يا أم محجن والله
ما مثلي يغار عليه إني لشيخ كبير وما مثلك من يغار إنك لعجوز كبيرة،
وما أجد أكرم علي منك ولا أوجب حقا فجوزي هذا الأمر ولا تكدريه علي،
فرضيت وقرت، ثم قال لها بعد ذلك: هل لك أن أجمع إليك زوجتي الجديدة فهو
أصلح لذات البين وألم للشعث وأبعد للشماتة، فقالت: افعل فأعطاها دينارا
وقال لها: إني أكره أن ترى بك خصاصة وأن تفضل عليك، فاعملي لها إذا
أصبحت عندك غدا نزلا بهذا الدينار ثم أتى زوجته الجديدة، فقال لها: إني
قد أردت أن أجمعك إلى أم محجن غدا وهي مكرمتك وأكره أن تفضل عليك، فخذي
هذا الدينار فاهدي لها به إذا أصبحت عندها غدا لئلا ترى بك خصاصة ولا
تذكري الدينار لها، ثم أتى صاحبا له يستنصحه، فقال: إني أريد أن أجمع
زوجتي الجديدة إلى أم محجن غدا فأتني مسلما فإني سأستجلسك للغداء فإذا
تغديت فسلني عن أحبهما إلي فإني سأنفر وأعظم ذلك وآبى أن أخبرك، فإذا
أبيت ذلك فاحلف علي، فلما كان الغد زارت زوجته الجديدة أم محجن، ومر به
صديقه فاستجلسه، فلما تغديا أقبل الرجل عليه، فقال: يا أبا محجن، أحب
أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك، قال: سبحان الله، تسألني [2] عن هذا
وهما يسمعان، ما سأل عن مثل هذا أحد، قال: فإنّي أقسم عليك لتخبرني فو
الله إني لا أعذرك، ولا أقبل إلا ذاك، قال: أما إذ فعلت فأحبهما إلي
صاحبة الدينار، والله لا أزيدك على هذا شيئا، فأعرضت كل واحدة منهما
تضحك ونفسها مسرورة وهي تظن أنه عناها بذلك القول.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «ما تسألني» . وما أوردناه من ت.
(7/130)
ثم دخلت سنة تسع
ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة عبيد الله بن عقبة في البحر. وغزوة معاوية بن
هشام أرض الروم ففتح حصنا بها [1] .
وفي هذه السنة: عزل هشام بن عبد الملك خالد القسري عن خراسان، وصرف
أخاه أسدا عنها [2] .
وكان سبب ذلك أن أسدا أخا خالد تعصب على نصر بن سيار ونفر معه زعم أنه
بلغه عنهم ما لا يصلح، فضربهم بالسياط وحلقهم، وبعثهم إلى خالد وكتب
إليه أنهم أرادوا الوثوب عليه، وخطب يوم جمعة [3] ، فقال: قبح الله هذه
الوجوه، وجوه أهل الشقاق والنفاق والفساد، اللَّهمّ فرق بيني وبينهم،
وأخرجني إلى مهاجري ووطني.
وقال: من يروم ما قبلي وأمير المؤمنين خالي وخال أخي، ومعي اثنا عشر
ألف سيف يماني، فكتب هشام إلى خالد: اعزل أخاك، فعزل فقفل أسد إلى
العراق في رمضان، واستخلف على خراسان الحكم بن عوانة.
وفيها: استعمل هشام [4] على خراسان أشرس بن عبد الله السلمي، وأمر أن
يكاتب خالد القسري، وكان أول من اتخذ الرابطة بخراسان، واستعمل عليهم
__________
[1] في الطبري 7/ 46: «يقال له: طيبة» .
[2] تاريخ الطبري 7/ 47.
[3] في ت: «يوم الجمعة» .
[4] تاريخ الطبري 7/ 109.
(7/131)
عبد الملك بن دثار الباهلي، وتولى أشرس
صغير الأمور وكبيرها بنفسه.
وفي هذه السنة: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن هشام، فخطب بمنى من غد يوم
النحر بعد الظهر وقال: سلوني فما تسألون أحدا أعلم مني، فقام [إليه]
[1] رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أواجبة هي؟ فما علم ما يقول،
فنزل. وكان العامل على المدينة ومكة والطائف. وكان على البصرة والكوفة
خالد بن عبد الله، وعلى الصلاة بالبصرة أبان بن ضبارة، وعلى شرطتها
بلال بن أبي بردة، وعلى قضائها ثمامة بن عبد الله الأنصاري من قبل خالد
بن عبد الله، وعلى خراسان أشرس بن عبد الله السلمي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
599- عبد الرحمن بن أبي عمار العابد نزيل مكة:
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَلي الصيرفي، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن محمد
العلاف، قال:
أخبرنا عبد الملك بن بشران، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن
إِبْرَاهِيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن جعفر الخرائطي، قال: حدثنا
أبو يوسف الزهري، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال:
كان عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم ينزل بمكة، وكان من عباد أهلها،
فسمي القس من عبادته، فمر ذات يوم بسلامة وهي تغني، فوقف فسمع غناها
فرآه مولاها، فدعاه إلى أن يدخله عليها، فأبى ذلك فقال له: فاقعد في
مكان تسمع غناها ولا تراها، ففعل فغنت فأعجبته، فقال له مولاها: هل لك
أن أحولها إليك، فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك، فنظر إليها
فأعجبته فشغف بها وشغفت به، وكان طريفا فقال فيها:
أم سلام لو وجدت من الوجد ... غير الذي بكم أنا لاقي
أم سلام أنت همي وشغلي ... والعزيز المهيمن الخلاق
أم سلام ما ذكرتك إلا ... شرقت بالدموع مني المآقي
قال: وعلم بذلك أهل مكة فسموها سلام القس، فقالت له يوما: أنا والله
أحبك،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(7/132)
فقال: وأنا والله أحبك، فقالت له: أنا
والله أحب أن تضع فمك على فمي، قال: وأنا والله أحب ذلك، قالت: فما
يمنعك فو الله إن الموضع لخال، فقال لها: ويحك إني سمعت الله تعالى
يقول: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ) 43: 67 [1] وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك
في الدنيا عداوة يوم القيامة، ثم نهض وعيناه تذرفان من حبها، وعاد إلى
الطريقة التي كان [2] عليها من النسك والعبادة، فكان يمر بين الأيام
ببابها فيرسل السلام، فيقال له: ادخل فيأبى.
ومما قال فيها:
إن سلامة التي أفقدتني تجلدي ... لو تراها والعود في حجرها حين تنشد
الشريحبي والغريض وللقوم معبد ... خلتهم تحت عودها حين تدعره باليد
وفي رواية أخرى أنه لما قال لها: أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك عداوة
يوم القيامة، قالت: أتحسب أن ربنا لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال:
بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ، ثم نهض يبكي فلم يرجع بعد، وعاد إلى ما كان
فيه من النسك.
وروى مصعب الزبيري، عن محمد بن عبد الله بن أبي مليكة، عن أبيه، عن
جده، قال:
دخل عبد الرحمن بن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس فعلق
فتاة فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه، فكان
جوابه:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أو وقعا [3]
فانتهى الخبر إلى عبد الله بن جعفر، فلم تكن له همة غيره، فحج فبعث إلى
مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألفا، وأمر قيمة جواريه أن تزينها
وتحليها، ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: ما لي لا أرى ابن
أبي عمار زارنا، فأخبر الشيخ فأتاه، فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد،
فقال له ابن جعفر: ما فعل حب فلانة،
__________
[1] سورة: الزخرف، الآية: 67.
[2] في الأصل: «الّذي كان» . وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «أطال النوم» . وما أوردناه من ت.
(7/133)
فقال: سيط به لحمي ودمي وعصبي ومخي وعظامي،
قال: تعرفها إن رأيتها؟ قال:
وأعرف غيرها، قال: فإنّي قد اشتريتها، وو الله ما نظرت إليها، وأمر بها
فأخرجت فزفت بالحلي والحلل، فقال: أهذه هي؟ فقال: نعم بأبي وأمي، قال:
فخذ بيدها فقد جعلها الله لك، أرضيت؟ قال: أي والله بأبي وأمي وفوق
الرضا، فقال له ابن جعفر: ولكني والله لا أرضى أن أعطيكها صفرا، احمل
معه يا غلام مائة ألف درهم كيلا يهتم بمئونتها، قال: فراح بها وبالمال.
(7/134)
ثم دخلت سنة عشر
ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة مسلمة بن عبد الملك الترك، وسار إليهم نحو باب
اللان حتى لقي خاقان في جموعه، فاقتتلوا قريبا من شهر وأصابهم مطر شديد
فهزم الله خاقان.
وفيها: غزا معاوية أرض الروم ففتح بلدة، وهو معاوية بن هشام.
وغزا الصائفة عبيد الله بن عقبة الفهري، وكان على جيش البحر عبد الرحمن
بن معاوية بن خديج.
وفيها: دعا الأشرس أهل الذمة من أهل سمرقند من وراء النهر إلى الإسلام
على أن توضع عنهم الجزية، فأجابوا وأسلموا، فكتب غوزك [1] إلى أشرس: أن
الخراج قد انكسر، فقال أشرس: إن الخراج قوة المسلمين وقد بلغني أن
[أهل] [2] الصغد وأشباههم لم يسلموا رغبة، إنما دخلوا في الإسلام تعوذا
من الجزية، فانظروا من أحسن وأقام الفرائض وحسن إسلامه وقرأ سورة من
القرآن فارفعوا عنه الخراج، فأعادوا الجزية فامتنع الناس من أهل الصغد
سبعة آلاف، فنزلوا على سبعة فراسخ من سمرقند.
وفيها: ارتد أهل كردر [3] ، فقاتلهم المسلمون فظفروا بهم.
وفيها: جعل خالد بن عبد الله الصلاة بالبصرة مع الشرطة مع القضاء إلى
بلال بن أبي بردة.
__________
[1] في الأصل: «عروك» . والتصحيح من ت والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «كردن» . وفي ت: «كردب» . وما أوردناه من الطبري 7/ 66.
(7/135)
وفي هذه السنة: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن
إسماعيل بن هشام المخزومي، وكان هو العامل على مكة والمدينة والطائف،
وعلى الكوفة والبصرة والعراق خالد بن عبد الله، وعلى خراسان أشرس من
قبل خالد بْن عَبْد اللَّه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
600- الحسن بن أبي الحسن البصري، يكنى أبا سعيد [1] :
كان أبوه من أهل بيسان، فسبي، فهو مولى الأنصار. ولد في خلافة عمر،
وحنكه عمر بيده، وكانت أمه تخدم أم سلمة فربما غابت فتعطيه أم سلمة
ثديها فتعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه، فكانوا
يقولون: فصاحته من بركة ذلك.
أخبرنا هبة الله بن أحمد الجريري، قال: أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ الْفَتْحِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: حدثنا محمد بن إسحاق السراج، قال: حدثنا
فضل بن سهل، قال: حدثنا علي بن حفص، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن
يونس، قال:
كان الحسن يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا، فقال: لا
أقبل منكم شيئا.
قال السراج: حدثني عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّد بن الحسين، قال:
حدثني حكيم بن جعفر، قال: قال لي [مسمع] [2] : لو رأيت الحسن لقلت قد
بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك التشنج. [3] أخبرنا
عبد الوهاب الأنماطي، قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 114، وطبقات خليفة 210، والتاريخ الكبير 2/
2503، والجرح والتعديل 3/ 177، وحلية الأولياء 2/ 131، وأخبار أصبهان
1/ 254، ووفيات الأعيان 2/ 69، وتاريخ الإسلام 4/ 98، وسير أعلام
النبلاء 4/ 563، وتذكرة الحفاظ 1/ 71، وميزان الاعتدال 1/ 527، وتهذيب
التهذيب 2/ 263، والبداية والنهاية 9/ 299.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[3] في الأصل: «النشيج» وما أوردناه من ت.
(7/136)
أخبرنا الحسين بْن عَليّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن عثمان، قَالَ: حدثنا علي بن محمد
الْمَصْريّ، قَالَ: حدثنا أحمد بن واضح، قال: حدثنا سعيد بن أسد، قال:
حدثنا ضمرة، عن حفص بن عمر، قال:
بكى الحسن، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا
يبالي.
أخبرنا عَبْد اللَّه بْن علي المقري، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن محمد
العلاف، قال:
أخبرنا عبد الملك بن بشران، قال: أخبرنا أبو بكر الآجري، قال: حدثنا
عبد الله بن محمد بن عبد الحميد، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني،
قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: حدّثنا أبو عبيد الباجي، أنه سمع
الحسن بن أبي الحسين يقول:
حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، وأقذعوا هذه الأنفس فإنها طلعة،
وإنها تنزع إلى شر غاية، وإنكم إن تقاربوها لم يبق لكم من أعمالكم شيء،
فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعدو، وإنما أنتم ركب وقوف، يوشك أن
يدعى أحدكم فيجيب فلا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق
أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم، وإنما صبر على هذا الحق من عرف
فضله ورجا عاقبته.
أخبرنا علي بن عبيد اللَّه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ، قال: أخبرنا عيسى بن علي، قال: حدثنا
البغوي، قال: حدثنا نعيم بن الهيضم، قال: حدثنا خلف بن تميم، عن أبي
همام الكلاعي، عن الحسن:
أنه مر ببعض القراء على أبواب بعض السلاطين، فقال: أفرختم حمائمكم،
وفرطحتم بغالكم، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا
فيكم، أما أنكم لو جلستم في بيوتكم حتى يكونوا هم الذين يتوسلون [1]
إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم.
عاصر الحسن خلقا كثيرا من الصحابة، فأرسل الحديث عن بعضهم، وسمع من
بعضهم، وقد جمعنا مسانيده وأخباره في كتاب كبير، فلم أر التطويل هاهنا.
__________
[1] في ت: «يرسلون» .
(7/137)
توفي عشية الخميس، ودفن يوم الجمعة أول يوم
من رجب هذه السنة، وغسله أيوب السختياني وحميد الطويل، وصلى عليه النضر
بن عمرو أمير البصرة، ومشى هو وبلال بن أبي بردة أمام الجنازة، وكان له
تسع وثمانون سنة.
601- سعد بن مسعود، أبو مسعود التجيبي [1] :
من تجيب، وفد على سليمان بن عبد الملك، وكان رجلا صالحا، وأسند حديثا
واحدا، وبعثه عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية يفقه أهلها في الدين.
602- محمد بن سيرين، أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك [2] :
سمع أبا هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعمران بن
حصين، وأنس بن مالك. وهو أروى الناس عن شريح وعبيدة. روى عنه قتادة
وخالد الحذاء، وأيوب السختياني، وغيرهم. وكان فقيها ورعا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا محمد بن عبد الواحد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العباس
الخزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عيسى المكي، قال:
حدثنا محمد بن القاسم أبو العيناء، قال:
حدثنا ابن عائشة، قال [3] :
كان أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا، وكان يعمل قدور النحاس، فجاء
إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [4] أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْفَسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بن سفيان، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا
__________
[1] الجرح والتعديل 4/ 94، والتاريخ الكبير 2/ 2/ 64.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 140، والجرح والتعديل 7/ 280، والتاريخ الكبير
1/ 1/ 90، وحلية الأولياء 1/ 57، 5/ 104، 6/ 43، 9/ 32، 35، 60، 218،
وتاريخ بغداد 5/ 332، والبداية والنهاية 9/ 308.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 332.
[4] «عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ:
حدثنا» : ساقط من ت.
(7/138)
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
هَذِهِ مُكَاتَبَةُ سِيرِينَ عِنْدَنَا: هَذَا مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَتَاهُ سِيرِينَ عَلَى كَذَا وَكَذَا أَلْفًا،
وَعَلَى غُلامَيْنِ يَعْمَلانِ عَمَلَهُ.
قال علماء السير: كان خالد بن الوليد قد بعث بسيرين إلى عمر عند مصيره
إلى العراق، فوهبه لأبي طلحة الأنصاري فوهبه أبو طلحة لأنس بن مالك،
فكاتبه أنس على أربعين ألفا أداها.
وولد له محمد، وأنس، ومعبد، ويحيى، وحفصة، وأم محمد صفية مولاة أبي بكر
الصديق، حضر أملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي بن كعب، فكان يدعو وهم
يؤمنون. وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان. وولد له
ثلاثون ولدا من امرأة واحدة. وقد لقي محمد بن عمر، وعمران بن حصين،
وأبا هريرة. وكان ورعا في الفقه فقيها في الورع.
وركبه دين فحبس لأجله، واختلفوا في سبب ذلك الدين، فقال ابن سعد: سألت
محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين، فقال: اشترى طعاما بأربعين
ألف درهم فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه، فتركه وتصدق به وبقي المال
عليه فحبس.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِي بْن أبي علي المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن
العباس الخزاز، قَالَ: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثنا أحمد
بن عبيد، قال: أخبرنا المدائني، قال [1] :
كان حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتا بأربعة آلاف درهم، فوجد في
زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصب الزيت كله. وكان يقول:
عيرت رجلا بشيء منذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به. وكانوا يرون أنه عير
رجلا بالفقر فابتلي به.
عن بشر بن عمر، قال: حدثتنا أم عباد امرأة هشام بن حسان، قالت: قال ابن
سيرين [2] :
إني لم أر امرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها.
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 335.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 336.
(7/139)
وأخبرنا عبد الرحمن القزاز بإسناده عن أبي
عوانة، قالت: رأيت محمد بن سيرين مر في السوق فجعل لا يمر بقوم إلا
سبحوا وذكروا الله تعالى [1] .
أخبرنا محمد بن ناصر بإسناده عن عبد الله ابن أخت ابن سيرين: أنه كان
مع محمد بن سيرين لما وفد إلى ابن هبيرة، فلما قدم عليه قال: السلام
عليكم، قال:
وكان متكئا فجلس فقال: كيف خلفت من وراءك؟ قال: خلفت الظلم فيهم فاشيا،
قال:
فهم به فقال له أبو الزناد: أصلح الله الأمير إنه شيخ، فما زال به حتى
سكن، فلما أجازهم [2] أتاه إياس بن معاوية بجائزة، فأبى أن يقبلها،
فقال: أترد عطية الأمير، قال:
أتتصدق علي فقد أغناني الله، أو تعطيني على العلم أجرا، فلا آخذ على
العلم أجرا.
قال علماء السير: رأى محمد بن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا، فأخذ في
وصيته وقال: يموت الحسن وأموت بعده، وهو أشرف مني. فتوفي الحسن، ومات
بعده محمد بمائة يوم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد،. قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو
سعيد الصيرفي، قال: أخبرنا أبو العباس الأصم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
حدثني أبي، قال: حدثنا خالد بن خداش، قال: قال حماد بن زيد:
مات محمد لتسع مضين من شوال سنة عشر ومائة.
603- وهب بن منبه [3] :
من الأبناء، أبناء الفرس الذين أبعدهم كسرى إلى اليمن. أسند عن جابر،
والنعمان بن بشير، وابن عباس. وأرسل الرواية عن معاذ، وأبي هريرة. وكان
عالما عابدا. وقال: قرأت من كتب الله عز وجل اثنين وتسعين كتابا. ومكث
يصلي الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة.
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 337.
[2] في الأصل: «جازهم» . وما أوردناه من ت.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 395، والجرح والتعديل 9/ 24، والتاريخ الكبير 4/
2/ 164، والمعارف 202، وتاريخ الإسلام 5/ 14، وشذرات الذهب 1/ 150،
ووفيات الأعيان 2/ 180، وحلية الأولياء 4/ 23، وتهذيب التهذيب 11/ 166،
والبداية والنهاية 9/ 310.
(7/140)
أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، قال: حدثنا
محمد بن مرزوق، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا علي بن
محمد المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد
الله بن محمد القرشي، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة، قال:
حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن
وهب بن منبه، قال:
الإيمان عريان ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله الفقه.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أحمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد بن أبي
عثمان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ،
قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي، قال: حدثني الحسن بن الحباب، قال:
أخبرنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال:
حدثنا عبد الصمد بن معقل، قال: إن وهب بن منبه قال في موعظة له:
يا ابن آدم، إنه لا أقوى من خالق ولا أضعف من مخلوق، ولا أقدر مِمَّن
طلبته فِي يده، ولا أضعف ممن هو في يد طالبه. يا ابن آدم، إنه قد ذهب
منك ما لا يرجع إليك، وأقام معك ما سيذهب عنك، يا ابن آدم، أقصر عن
تناول ما لا ينال، وعن طلب ما لا يدرك، وعن ابتغاء ما لا يوجد، واقطع
الرجاء منك عما فقدت من الأشياء. واعلم أنه رب مطلوب هو شر لطالبه. يا
ابن آدم إنما الصبر عند المصيبة، وأعظم من المصيبة سوء الخلف منها، أمس
شاهد مقبول، وأمين مؤد، وحكيم وارد، قد فجعك بنفسه وخلف في يديك حكمته،
واليوم صديق مودع، وكان طويل الغيبة وهو سريع الظعن، وقد مضى قبله شاهد
عدل. يا ابن آدم، قد مضت لنا أصول نحن فروعها، فما بقي الفرع بعد أصله.
يا ابن آدم، إنما أهل هذه الدار سفر ولا يحلون عقد الرجال إلا في
غيرها، وإنما يتبلغون بالعواري، فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم
للمغير. إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن، وسنبلى ثم نعود،
ألا وإنما العواري اليوم والهبات غدا، ألا وإنه قد تقارب منا سلب فاحش
أو عطاء جزيل، فأصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه، إنما أنتم في
هذه الدار عرض فيكم المنايا تنتضل، وإن الذي فيه أنتم نهب للمصائب، لا
تتناولون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل معمر منكم يوما من عمره إلا
بهدم آخر من آجله، ولا يحيى له أثر إلا مات له أثر.
(7/141)
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال:
أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم
الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن علي، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن قتيبة،
قال:
حدثنا نوح بن حبيب قال: حدثنا منير مولى الفضل بن أبي عياش [1] ، قال:
كنت جالسا مع ابن منبه، فأتاه رجل، فقال: إني مررت بفلان وهو يشتمك
فغضب وقال: ما وجد الشيطان رسولا غيرك، فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك
الشاتم فسلم على وهب فرد عليه ومد يده وصافحه وأجلسه إلى جنبه.
توفي بصنعاء في هذه السنة. وقيل: سنة أربع عشرة.
__________
[1] في الأصل: «مولى الفضل بن عباس» . خطأ.
(7/142)
|