المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى.
وغزوة سعيد بن هشام الصائفة اليمنى حتى أتى قيسارية.
وغزا على جيش البحر عبد الله بن أبي مريم.
وأمر هشام على عامة الناس من أهل مصر والشام الحكم بن قيس بن مخرمة.
وفيها: سارت الترك إلى أذربيجان، فلقيهم الحارث بن عمرو فهزمهم.
وفيها: ولى هشام الجراح [1] بن عبد الله الجمحي أرمينية، وعزل هشام
أشرس بن عبد الله عن خراسان وولاها الجنيد بن عبد الله المري. وذلك أن
أشرس شكى إليه فعزله، وكان الجنيد قد أهدى لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم
امرأة هشام قلادة فيها جوهر، وأهدى إلى هشام أخرى، فاستعمله على خراسان
فقدمها في خمسمائة وأشرس بن عبد الله يقاتل أهل بخارى والصغد، فعبر
النهر إليه.
وفي هذه السنة: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن هشام المخزومي، وكان إليه من
العمل في هذه السنة ما كان في السنة التي قبلها، وكان على العراق خالد
بن عبد الله، وعلى خراسان الجنيد.
__________
[1] في الأصل: «الخراج» . وما أوردناه من الطبري.
(7/143)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
604- جرير بن عطية بن الخطفي، والخطفي لقب، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة
بن كلب بن يربوع بن مالك بن حنظلة، أبو جزرة الشاعر [1] :
ولد جرير لسبعة أشهر، وعمر نيفا وثمانين سنة، وكان له ثمانية ذكور
وابنتان. وهو والفرزدق والأخطل مقدمون على شعراء الإسلام الذين لم
يدركوا الجاهلية، والناس مختلفون [2] أيهم المقدم، وكل من تعرض
لمضاهاتهم من الشعراء افتضح وسقط، على أن الأخطل إنما دخل بين جرير
والفرزدق في آخر أمرهما وقد أسن وليس من نجارهما [3] .
وكان أبو عمرو الشيباني يشبه جريرا بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل
بالنابغة.
قال أبو عبيدة [4] : ويحتج من قدم جريرا بأنه كان أكثرهم [5] فنون شعر،
وأسهلهم ألفاظا، وأرقهم تشبيبا، وكان دينا عفيفا.
وقال بعض العرب: الشعر أربعة أصناف: فخر، ومدح، ونسيب [6] ، وهجاء.
وفي كلها غلب جرير.
قال في الفخر:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
وقال في المديح:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
__________
[1] الأغاني 8/ 5، وفيات الأعيان 1/ 102، وخزانة البغدادي 1/ 36.
[2] في الأصل: «يختلفون» . وما أوردناه من ت.
[3] النجر: الأصل.
[4] الخبر في الأغاني 8/ 7.
[5] في الأصل: «ويحتج من قال م جريرا بأنهم كان أكثرهم» . وما أوردناه
من ت والأغاني.
[6] في الأصل: «وتشبيب» . والتصحيح من ت والأغاني 8/ 8.
(7/144)
وقال في التشبيب:
إن العيون التي في طرفها [1] مرض [2] ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقال في الهجاء:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقال العتبي: قال جرير [3] : ما عشقت قط، ولو عشقت لتشببت تشببا [4]
تسمعه العجوز فتبكي على ما فاتها من شبابها.
وكان جرير يهاجي الفرزدق، فلقيه في طريق الحج، فقال الفرزدق: والله
لأفسدن عليه إحرامه، فقال له:
فإنك لاق بالمشاعر من منى ... فخارا فخبرني بمن أنت فاخر
فقال جرير: لبيك اللَّهمّ لبيك.
أخبرنا ابن ناصر، قال [5] : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [أَبِي] [6]
مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بن يحيى الحكاك، قال: أخبرنا
القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عدي
بن جزء، قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم الهاشمي، قال: أخبرنا محمد بن
إسماعيل بن الهادي، عن أبي يعقوب بن السكيت، عن أبيه، قال:
ذكروا أن جرير بن الخطفي دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: يا أمير
المؤمنين إني قد مدحتك بثلاثة أبيات ما قالت العرب مثلها، ولست أنشدك
كل بيت إلا بعشرة آلاف، قال: هاتها للَّه أبوك، فأنشأ جرير يقول:
رأيتك أمس خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس
__________
[1] في الأصل: «في لحظها» . وما أوردناه من ت والأغاني.
[2] في الأغاني: «حور» . والحور شدة بياض العين مع شدة سواد سوادها.
[3] الخبر في الأغاني 8/ 47.
[4] في الأغاني: «لنسبت نسيبا» .
[5] «أخبرنا ابن ناصر، قال:» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/145)
ونبتك في المنابت خير نبت ... وغرسك في
المغارس خير غرس
وأنت غدا تزيد الضعف ضعفا ... كذاك تزيد سادة عبد شمس
فأمر له بثلاثين ألف درهم، وخرج فلقيه يحيى بن معبد، فقال: يا أبا
جزرة، ما لنا فيك نصيب، قال له: كل بيت بعشرة آلاف درهم، فقال له: قل،
فأنشأ يقول:
إذا قيل من للجود والفضل والندى ... فناد بأعلى الصوت يحيى بن معبد
فقال له: زدنا يا أبا حزرة، فقال: دع ذا عنك، كل شيء وحسابه.
وقد ذكرنا أن هذه الأبيات السينية للأعشى، وأنه أنشدها عبد الملك.
ومن مستحسن شعر جرير [1] :
إلى الله أشكو أن بالغور حاجة ... وأخرى إذا أبصرت نجدا بدا ليا
إذا اكتحلت عيني بعينك لم تزل [2] ... بخير وجلى غمرة عن فؤاديا
فقولا لواديها الذي نزلت به [3] ... أوادي ذي القيصوم أمرعت واديا [4]
فيا حسرات القلب في إثر من يرى ... قريبا ويلفي [خيره] منك قاصيا [5]
فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أباليا
وإني لأستحيي أخي أن أرى له ... علي من الفضل الذي لا يرى ليا
وله أيضا [6] :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا ... وقطعوا من حبال الوصل أقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا ... بالدار دارا ولا الجيران جيرانا
يا أم عمرو جزاك الله مغفرة ... ردي علي فؤادي كالذي كانا
قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم ... ما كنت أوّل موثوق به خانا
__________
[1] ديوانه 602.
[2] في الديوان: «بعينك مسني» .
[3] في الأصل: «نزالت به» . وما أوردناه من الديوان، وت.
[4] في الأصل: «أعشب واديا» . وما أوردناه من ت والديوان.
[5] في الديوان: «نائيا» . وما بين المعقوفتين: من ت والديوان.
[6] ديوانه: 593.
(7/146)
أبدل الليل لا تسري كواكبه ... أم طال حتى
حسبت النجم حيرانا
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لا يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به [1] ... وهن أضعف خلق الله أركانا
أتبعتهم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا
هل يرجعن وليس الدهر مرتجعا ... عيش لنا طالما [2] احلولى وما لانا
وله أيضا [3] :
ما للمنازل لا يجبن حزينا ... أصممن أم قدم المدى فبلينا
إن الذين تحملوا لك هيجوا [4] ... وشلا بعينك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا ... حصرا بسرك يا أميم [5] ضنينا
أرعى كما يرعى بغيب سركم ... فإذا بخلت بنايل فعدينا
قد هاج ذكرك والصبابة والهوى ... داء تمكن في الفؤاد مكينا
وله أيضا [6] :
لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس
فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا ... ما بعد يبرين من باب الفراديس
هل دعوة من جبال الثلج مسمعة ... أهل الإياد وحيا بالنباريس
يخزى الوشيظ إذا قال الصميم لهم ... عدوا الحصى ثم قيسوا بالمقاييس
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
قد جربت عركي في كل معترك ... غلب الأسود فما بال الضّغابيس
__________
[1] في الديوان: «لا صراع به» .
[2] في الديوان: «عش بها طالما» .
[3] ديوانه 577.
[4] في الديوان: «إن الذين غدوا بلبك غادروا» .
[5] في الأصل: «ما أهم» . وو ما أوردناه من ت والديوان.
[6] ديوانه 321.
(7/147)
توفي جرير باليمامة بعد الفرزدق بأربعين
يوما في هذه السنة.
605- الحجاج العابد:
أَخْبَرَنَا المحمدان ابْن عَبْد الملك وابْن ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ خَيْرُونَ، قَالَ: قرئ على أبي القاسم
عبد الملك بن بشران وأنا أسمع، أخبركم محمد بن الحسين الأجري، قال:
أخبرنا الفضل بن العباس بن يوسف الشكلي، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حدثنا محمد
بن صالح التميمي، قال: قال أبو عبد الله مؤذن مسجد بني جراد:
جاورني شاب فكنت إذا أذنت للصلاة وافى كأنه نقرة في قفاي، فإذا صليت
صلى ثم لبس نعليه ثم دخل إلى منزله، فكنت أتمنى أن يكلمني أو يسألني
حاجة، فقال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، عندك مصحف تعيرني أقرأ فيه،
فأخرجت إليه مصحفا ورفعته إليه فضمه إلى صدره، ثم قال: ليكونن [اليوم]
[1] لي ولك شأن، ففقدته ذلك اليوم، فلم أره يخرج، فأقمت للمغرب فلم
يخرج، وأقمت لعشاء الآخرة فلم يخرج، فساء ظني، فلما صليت العشاء الآخرة
جئت إلى الدار التي هو فيها، فإذا فيها دلو ومطهرة، وإذا على بابه ستر،
فدفعت الباب فإذا به ميت والمصحف في حجره، فأخذت المصحف من حجره،
واستعنت بقوم على حمله حتى وضعناه على سريره، وبقيت أفكر ليلتي من أكلم
حتى يكفنه، فأذنت للفجر بوقت، ودخلت المسجد لأركع، فإذا بضوء في
القبلة، فدنوت منه فإذا كفن ملفوف في القبلة، فأخذته وحمدت الله عز وجل
وأدخلته البيت وخرجت، فأقمت الصلاة، فلما سلمت إذا عن يميني ثابت
البناني ومالك ابن دينار، وحبيب الفارسي، وصالح المري، فقلت: يا
إخواني، ما غدا بكم؟ قالوا لي: مات في جوارك الليلة أحد، قلت: مات شاب
كان يصلي معي الصلوات، فقالوا لي: أرناه، فلما دخلوا عليه كشف مالك بن
دينار عن وجهه، ثم قبل موضع سجوده، ثم قال: بأبي أنت يا حجاج إذا عرفت
في موضع تحولت منه إلى موضع غيره، ثم أخذوا في غسله وإذا مع كل واحد
منهم كفن، فقال واحد منهم: أنا أكفنه، فلما طال ذلك منهم قلت لهم: إني
فكرت في أمره الليلة فقلت: من أكلم حتى يكفنه، فأتيت المسجد فأذنت ثم
دخلت لأركع فإذا كفن ملفوف لا أدري من وضعه، فقالوا: يكفن في ذلك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت.
(7/148)
الكفن، فكفناه وأخرجناه، فما كدنا نرفع
جنازته من كثرة من حضره من الجمع.
606- همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن
مجاشع بن دارم، واسم دارم بحر بن مالك، أبو فراس، وهو الفرزدق الشاعر
[1] :
شبه وجهه بالخبزة، وهي فرزدقة، فقيل: الفرزدق، وكان جده صعصعة يستحيي
الموءودات في الجاهلية فجاء الإسلام وقد استحيا ثلاثمائة. وقد سبق
ذكره.
وقال الفرزدق:
وجدي الذي منع الوائدين ... وأحيا الوئيد فلم يوأد
سمع الفرزدق من علي، وابن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وروى عنهم.
وسئل عن سنه [2] فقال: لا أدري لكن قذفت المحصنات في أيام عثمان.
وروى أعين بن لبطة بن الفرزدق، عن أبيه، عن جده الفرزدق، قال: دخلت مع
أبي على عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه [3] ،. فقال له: من أنت؟
فقال: غالب بن صعصعة المجاشعي، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم، قال:
ما فعلت إبلك؟ قال:
نكبتها النوائب، ودعدتها الحقوق، قال: ذاك خير من سبلها، من هذا الفتى
معك؟
قال: هذا ابني وهو شاعر، قال: علمه القرآن خير له من الشعر. قال لبطة:
فما زال في نفس أبي حتى شد نفسه فحفظ القرآن. أنبأنا علي بن عبيد الله،
قال: أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي، قال: قرئ
على أبي عبد الله محمد بن مخلد قيل له: حدثكم أبو بكر محمد بن إسحاق
الصاغاني، قال: حدثنا أبو حفص الفلاس، قال: حدثنا عبد الله بن سوار،
قال: حدثنا معاوية بن عبد الكريم، عن أبيه، قال:
دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجليه قيد، قلت: ما هذا يا أبا فراس؟
قال:
حلفت ألا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن.
__________
[1] الأغاني 9/ 367، 21/ 278، وخزانة البغدادي 1/ 105، وأمالي المرتضى
1/ 43، والحيوان للجاحظ 6/ 222.
[2] في الأصل: «سسه» . كذا بدون نقط، وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «عليه السلام» . وما أوردناه من ت.
(7/149)
أنبأنا علي بن عبيد الله، قَالَ: أنبأنا
أبو الحسين بن المهدي، قال: أنبأنا ابن المأمون، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بكر بْن الأنباري، قال: حدثنا الكديمي، قال: حدثنا عبد الله بن
سوار، قال:
أولاد الفرزدق لبطة وسبطة وحبطة والحنطبا قال أبو علي الحرمازي [1] :
كانت النوار وهي بنت أعين بن ضبيعة [2] المجاشعي، وكان قد وجهه علي بن
أبي طالب إلى البصرة أيام الحكمين، فقتله الخوارج غيلة، فخطب ابنته
النوار رجل من قريش، فبعثت إلى الفرزدق، وكانت بنت عمه، فقالت: أنت ابن
عمي وأولى الناس بي وبتزويجي، فزوجني من هذا الرجل، قال: لا أفعل أو
تشهدي أنك قد رضيت بمن زوجتك، ففعلت. فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى
عليه ثم قال: قد علمتم أن النوار قد ولتني أمرها، وأشهدكم أني قد
زوجتها من نفسي على مائة ناقة حمراء سود الحدق، فنفرت من ذلك واستعدت
عليه ابن الزبير فقال له: وفها صداقها، ففعل ودفعها إليه، فجاء بها إلى
البصرة وقد أحبلها، ومكثت عنده زمانا ترضى عنه أحيانا وتخاصمه أحيانا،
ثم لم تزل به حتى طلقها وشرط ألا تبرح منزله ولا تتزوج بعده، وأشهد على
طلاقها الحسن، ثم قال: يا أبا سعيد قد ندمت، فقال: إني والله لأظن [3]
أن دمك يترقرق، والله لئن رجعت لنرجمنك بأحجارك، فمضى وهو يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار
فلو أني ملكت يدي وقلبي ... لكان علي للقدر الخيار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار
وكنت كفاقئ عينيه عمدا ... فأصبح ما يضيء له النهار
وحكى الفرزدق قال [4] : رأيت أثر دواب قد خرجت ناحية البرية، فظننت أن
قوما خرجوا لنزهة فتبعتهم، فإذا نسوة مستنقعات في غدير، فقلت: لم أر
كاليوم [5] ، ولا يوم
__________
[1] في الأصل: «الحزماري» . وما أوردناه من ت والأغاني. والخير في
الأغاني 21/ 290.
[2] كذا في الأصلين، وفي الأغاني: «صعصعة» .
[3] في الأصل: «إني والله أظن أن» . وما أوردناه من ت.
[4] الخبر في الأغاني 21/ 342، وما بعدها.
[5] في الأصل: «إن كاليوم» . كذا بدون نقط، وما أوردناه من ت والأغاني.
(7/150)
دارة جلجل، فانصرفت مستحييا منهن،
فنادينني: باللَّه يا صاحب البغلة ارجع نسألك عن شيء، فانصرفت إليهن
وهن في الماء إلى حلوقهن، فقلن: باللَّه حدثنا بحديث دارة جلجل، فقلت:
إن امرأ القيس كان يهوى بنت عم له يقال لها: عنيزة، فطلبها زمانا فلم
يصل إليها حتى كان يوم الغدير وهو يوم دارة جلجل، وذلك أن الحي
احتملوا، فتقدم الرجال، وتخلف النساء والخدم والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ
القيس تخلف بعد ما سار الرجال غلوة [1] ، فكمن في غابة [2] من الأرض
حتى مر به النساء، فإذا فتيات وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير قلن: لو
نزلنا، فذهب بعض كلالنا فنزلن إليه، ونحين العبيد عنهن [3] ، ثم تجردن
واغتمسن في الغدير كهيئتكن الساعة، فأتاهن امرؤ القيس محتالا كنحو ما
أتيتكن وهن غوافل، فأخذ ثيابهن فجمعها ورمى الفرزذق نفسه عن بغلته،
فأخذ بعض أثوابهن فجمعها- وقال لهن كما أقول لكن: والله لا أعطي جارية
منكن ثوبها ولو أقامت في الغدير يومها حتى تخرج إلي مجردة [4] . فقال
الفرزدق: فقالت إحداهن: هذا امرؤ القيس، كان عاشقا لابنة عمه، أفعاشق
أنت لبعضنا؟ فقلت: لا والله ولكني اشتهيتكن، قال: فتأبين أمري [5] حتى
تعالى النهار وخشين أن يقصرن دون المنزل، فخرجت إحداهن، فدفع إليها
ثوبها ووضعه ناحية، فأخذته ولبسته، وتتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة
وحدها، فناشدته الله أن يطرح لها ثوبها، فقال: دعينا منك، فأنا حرام إن
أخذت ثوبك إلا بيدك. قال: فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فأخذت ثوبها،
وأقبلن عليه يعذلنه ويلمنه ويقلن: عريتنا وحبستنا وجوعتنا، قال: فإن
نحرت لكن ناقتي، أتأكلن منها؟ قلن: نعم، فاخترط سيفه فعقرها ونحرها
وكشطها وصاح بخدمهن، فجمعوا له حطبا، فأجج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهن
من سنامها وأطائبها وكبدها، فيلقيه على الجمر فيأكل ويأكلن معه، فلما
أراد الرحيل قالت إحداهن: أنا
__________
[1] الغلوة: مقدار رمية سهم، وتقدر بحوالي ثلاثمائة ذراع إلى أربعين.
[2] في الأغاني: «غبابة من الأرض» .
[3] في الأصل: «عنه» .
[4] في الأصل: «فأتاهن امرؤ القيس فأخذ بعض أثوابهن فجمعهن وقال لهن
كما قائلا كنحو ما أتيتكن وهن غوافل، فأخذ ثيابهن فجمعها ورمى الفرزدق
نفسه عن بلغته فأخذ بعض أثوابهن فجمعها وقال لهن كما أقول، لكن والله
لا أعطي جارية منكن ثوبها، فقال الفرزدق» :. وما أوردناه من ت
والأغاني.
[5] في الأصل: «فتأبين على الفرزدق» . وما أوردناه من الأغاني وت.
(7/151)
أحمل طنفسته [1] ، وقالت الأخرى: أنا أحمل
رحله، وقالت الأخرى: أنا حشيته وأنساعه، فتقاسمن رحله بينهن، وبقيت
عنيزة، فقال لها [امرؤ القيس] [2] : يا ابنة الكرام، لا بد أن تحمليني
معك فإني لا أطيق المشي وليس من عادتي، فحملته على غارب بعيرها، فكان
يدخل رأسه في خدرها فيقبلها، فإذا امتنعت مال حدجها [3] ، فتقول: يا
امرأ القيس عقرت بعيري فانزل، فذلك قوله:
تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فلما فرغ الفرزدق من حديثه قالت إحداهن: اصرف وجهك عنا ساعة، وهمست إلى
صويحباتها [4] بشيء لم أفهمه، فانغططن في الماء وخرجن ومع كل واحدة
منهن ملء كفها طينا، قال: فجعلن يتعادين نحوي ويضربن بذلك الطين
والحمأة [5] وجهي وثيابي وملأن عيني، فوقعت على وجهي مشغولا بعيني وما
فيها، فأخذن ثيابهن وركبن، وركبت تلك الماجنة بغلتي وتركتني ملقى بأقبح
حال، فغسلت وجهي وثيابي وانصرفت عند مجيء الظلام إلى منزلي ماشيا وقد
وجهن بغلتي إلى بيتي وقلن للرسول: قل له تقول لك أخواتك: طلبت منا ما
لم يمكنا، وقد وجهنا إليك بزوجتك فافعل بها سائر ليلتك، وهذا كسر درهم
يكون لحمامك إذا أصبحت. فكان يقول: ما منيت بمثلهن.
قال علماء السير: لقي الفرزدق الحسن عند قبر، فقال له الحسن: ما أعددت
لهذا اليوم؟ قال: أعددت له شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة.
فتوفي الفرزدق في سنة إحدى عشرة ومائة، وقد قارب المائة. وكانت علته
الدبيلة، فرآه ابنه لبطة في النوم، فقال له: يا بني نفعتني الكلمة التي
راجعت بها الحسن عند القبر.
وقال أبو عبيدة: مات الفرزدق سنة عشر وقد نيف على التسعين، كان منها
خمس وسبعون يباري الشعراء فبذهم، وما ثبت له غير جرير.
__________
[1] الطنفسة: الوسادة الصغيرة التي تجعل تحت الرجل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من الأغاني.
[3] الحدج: مركب من مراكب النساء كالهودج.
[4] في الأصل: «إلى صوحاها» . كذا بدون نقط.
[5] الحمأة: الطين الأسود.
(7/152)
ثم دخلت سنة اثنتي
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة.
وفيها: سار الترك، فلقيهم الجراح بن عبد الله فيمن معه من أهل الشام،
وأهل أذربيجان، فاستشهد الجراح ومن كان معه بمرج أردبيل، وافتتحت الترك
أردبيل، وبعث هشام سعيد بن عمرو الجرشي.، فأكثر القتل في الترك، ثم
أنفذ أخاه مسلمة بن عبد الملك في أثر الترك.
وفيها: قتل سورة بن الحر [1] ، وذلك أن الجنيد خرج غازيا يريد
طخارستان، فنزل على نهر بلخ ووجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية
عشر ألفا، وإبراهيم الليثي في عشرة آلاف في وجه آخر، فجاشت الترك،
فأتوا سمرقند وعليها سورة بن الحر، [2] فكتب سورة إلى الجنيد الغوث،
فهم أن ينفر، فقيل له: جندك متفرقون وصاحب خراسان لا يعبر النهر في أقل
من خمسين ألفا فلا تعجل، فقال: فكيف بسورة ومن معه من المسلمين، فعبر
ومضى بالناس حتى دخل الشعب وبينه وبين سمرقند أربع فراسخ، فصبحه خاقان
في جمع عظيم، وزحف، وزحف إليه أهل الصغد وشاش وفرغانه وطائفة من الترك،
فجرت في المسلمين مقتلة عظيمة، وكلت سيوف الفريقين، فصارت لا تقطع،
فقيل للجنيد: اختر أن تهلك أو تهلك سورة، فقال: هلاك سورة أهون عليّ.
__________
[1] في الأصل: «سورة بن أعر» . كذا بدون نقط. والتصحيح من تاريخ الطبري
7/ 71.
[2] في الأصل: «ابجر» والتصحيح من ت والطبري.
(7/153)
قيل: فاكتب إليه فليأتك في أهل سمرقند، فإن
الترك إن بلغهم أنه متوجه إليك انصرفوا فقاتلوه. فكتب يأمره بالقدوم.
فخرج في اثني عشر ألفا، فتلقاه خاقان، فحمل سورة فوقع فاندقت فخذه وقتل
أكثر من معه، ومضى الجنيد إلى سمرقند، وحمل عيال من كان مع سورة إلى
مرو، وأقام بالصغد أربعة أشهر.
وفي هذه السنة: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن هشام المخزومي، وقيل: سليمان
بن هشام. وأما عمال الأمصار فهم الذين كانوا في سنة إحدى عشرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
607- طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب، أبو عبد الله [1] :
سمع من أنس بن مالك، وابن أبي أوفى، وابن الزبير. وكان قارئ أهل الكوفة
يقرءون عليه القرآن، فلما رأى كثرتهم عليه كره ذلك لنفسه، فمشى إلى
الأعمش فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة. وكان ثقة صالحا
عابدا.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: أخبرنا حمد بن أحمد الحداد، [2]
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن جعفر بن
حمدان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
قال: حدّثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا ابن أبي غنية، قال: حدثني شيخ،
عن جدته قالت:
أرسل إلي طلحة بن مصرف: إني أريد أن أوتد في حائطك وتدا، فأرسلت إليه:
نعم، قالت: ودخلت خادمتنا منزل طلحة تقتبس نارا وطلحة يصلي، فقالت لها
امرأته:
مكانك يا فلانة حتى نشوي لأبي محمد هذا القديد على قضيبك يفطر عليه.
فلما قضى الصلاة قال: ما صنعت لا أذوقه حتى ترسلي إلى سيدتها، لحبسك
إياها وشواك على قضيبها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 215، وطبقات خليفة 262، والتاريخ الكبير 4/ 3080،
والجرح والتعديل 4/ 2080، 2082، وحلية الأولياء 5/ 14، وسير أعلام
النبلاء 5/ 191، وتاريخ الإسلام 4/ 260، وتهذيب التهذيب 5/ 25.
[2] في الأصل: «حمد بن أحمد القزاز الحداد» . وما أوردناه من ت.
(7/154)
قال أبو نعيم: وحدثنا محمد، قال: حدثنا أبو
يعلى وهو الموصلي، قال: حدثنا عبد الصمد بن يزيد، قال: سمعت الفضيل بن
عياض يقول:
بلغني عن طلحة أنه ضحك يوما فوثب على نفسه، فقال: فيم الضحك، إنما يضحك
من قطع الأهوال، وجاز الصراط. ثم قال: آليت ألا أفتر ضاحكا حتى أعلم بم
تقع الواقعة، فما رئي ضاحكا حتى صار إلى الله عز وجل [1] .
أخبرنا محمد بن [أبي] [2] القاسم بإسناد له، قال عبد الملك بن هانئ:
خطب زيد إلى طلحة ابنته، فقال: إنها قبيحة، قال: قد رضيت بها، قال: إن
بعقبها أثرا، قال: قد رضيت.
قال أبو نعيم: وحدثنا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد
الله بن أحمد، قال:
حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن أبيه، قال:
دخلنا [3] على طلحة بن مصرف نعوده، فقال له أبو كعب: شفاك الله، قال:
أستجير الله.
قال أبو سعيد: وحدثنا ابن إدريس، عن ليث، قال: حدثت طلحة في مرضه الّذي
مات فيه أن طاووسا كان يكره الأنين، قال: فما سمع طلحة يئن حتى مات.
608- المغيرة بن حكيم الصنعاني:
من الأنبار، روى عن ابن عمر، وأبي هريرة.
أنبأنا يحيى بن علي المدير، قال: أخبرنا المبارك بن الحسين الأنصاري،
قال: أخبرنا ابن بشران، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن صفوان، قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو بكر القرشي، قال:
حدثني الحسين بن علي البزاز، أنه حدث عن عبد الله بن إبراهيم، قال:
أخبرني أبي، قال:
سافر المغيرة بن حكيم إلى مكة أكثر من خمسين سفرة حافيا محرما صائما،
لا
__________
[1] في الأصل: «الله تعالى» . وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «دخلت» . وما أوردناه من ت.
(7/155)
يترك صلاة السحر في سفره، إذا كان السحر
نزل فصلى ويمضي أصحابه، فإذا صلى الصبح لحق متى ما لحق.
قال عبد الله بن إبراهيم: وأخبرني هشام بن يوسف، قال: سمعت إبراهيم بن
عمر يقول:
كان جزء المغيرة بن حكيم في يومه وليلته القرآن كله، يقرأ في صلاة
الصبح من البقرة إلى هود، ويقرأ قبل الزوال إلى أن يصلي العصر من هود
إلى الحج، ثم يختم.
(7/156)
ثم دخلت سنة ثلاث
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها هلاك عبد الوهاب بن بخت وهو مع البطال بن عبيد الله
بأرض الروم، وذلك أن عبد الوهاب غزا مع البطال، فانكشفوا فألقى بيضته
عن رأسه وصاح: أنا عبد الوهاب بن بخت، أمن الجنة تفرون؟ ثم تقدم في
نحور العدو، فمر برجل يقول:
وا عطشاه، فقال له: تقدم فالري أمامك فخالط القوم فقتل [1] .
ومن ذلك: أن مسلمة بن عبد الملك فرق الجيوش في بلاد خاقان، ففتحت مدائن
وحصون على يديه، وقتل وأسر وسبى، فحرق خلق كثير من الترك أنفسهم
بالنار، ودان لمسلمة من كان من وراء جبال بلنجر، وقتل ابن خاقان.
ومن ذلك: غزوة معاوية بن هشام أرض الروم، فرابط ثم رجع.
وفي هذه السنة: صار جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان، فأخذ الجنيد
رجلا منهم فقتله، وقال: من أصيب منهم فدمه هدر.
وفي هذه السنة: حج بالناس سليمان بن هشام بن عبد الملك، وقيل: بل
إبراهيم بن هشام المخزومي. وأما عمال البلاد فالذين كانوا في السنة
التي قبل هذه.
__________
[1] على هامش الأصل: «وذكر الشيخ شمس الدين الذهبي في تاريخه أن أبا
محمد البطال كان مقدم طلائع مسلمة، وكان فارس الإسلام، وأسدا ضرغاما،
أوطأ الروم خوفا وذلا وله مواقف مشهورة....» .
(7/157)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
609- عبد الله بن عبيد بن عمير [1] :
كان عالما فصيحا صالحا. توفي بمكة في هذه السنة.
أخبرنا محمد بن [أبي] [2] القاسم، قَالَ: حَدَّثَنَا حمد بْن أَحْمَد،
قَالَ: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا أحمد بن جعفر الغساني، قال: حدثنا
محمد بن جرير، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا
زافر بن سليمان، عن الوصافي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال:
لا ينبغي لمن أخذ بالتقوى وزن الورع إن يذل لصاحب الدنيا.
__________
[1] التاريخ الكبير 5/ 429، والجرح والتعديل 5/ 469، وميزان الاعتدال
2/ 4438، وتهذيب التهذيب 5/ 308، وتقريب التهذيب 1/ 431.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/158)
ثم دخلت سنة أربع
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى [1] ، وسليمان بن
هشام [الصائفة] [2] اليمنى، والتقى عبد الله البطال هو قسطنطين في جمع
فهزمهم، وأسر قسطنطين، وبلغ سليمان بن هشام قيسارية.
وفي هذه السنة: عزل هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام بن المدينة،
وأمّر عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، فقدم خالد المدينة
للنصف من ربيع الأول. وكانت إمرة إبراهيم على المدينة ثماني سنين.
وفيها: ولي محمد بن هشام [المخزومي] [3] على مكة.
وفيها: وقع الطاعون بواسط.
وفيها: قفل مسلمة بن عبد الملك عن الباب بعد ما هزم خاقان، وبنى الباب
فأحكم ما هناك.
وفيها: ولى هشام بن عبد الملك مروان [4] بن محمد أرمينية وأذربيجان.
وفيها: حج بالناس خالد بن عبد الملك وهو على المدينة، وقيل: بل حج بهم
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 90.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل، وت.
[4] في الأصل: «ولى هشام بن عبد الملك بن مروان» . خطأ وما أوردناه من
الطبري.
(7/159)
محمد بن هشام وهو أمير مكة، وقيل: بل حج
بهم خالد بن الملك [1] ، وهو الأثبت عند الواقدي. وكان العمال في
الأمصار هم العمال فِي السنة الَّتِي قبلها، غير أن عامل المدينة خالد
بن عبد الملك، وعامل مكة [2] والطائف محمد بن هشام، وعامل أرمينية
وأذربيجان مروان بن محمد بن مروان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
610- جعيل بن ماعان بن عمير، أبو سعيد الرعيني ثم القياني [3] :
كان أحد القراء الفقهاء، أخرجه عمر بن عبد العزيز من مصر إلى المغرب
ليقرئهم القرآن، واستعمله على القضاء بإفريقية هشام بن عبد الملك، وله
عليه وفادة.
وقد روى عن أبي تميم عبد الله بن مالك الجيشاني. وحدث عنه بكر بن
سوادة.
611- عبد خير بن يزيد، أبو عمارة [4] :
أدرك النبي صلى الله عليه وسلّم إلا أنه لم يلقه، وسكن الكوفة وحدث بها
عن علي بن أبي طالب، وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان. روى عنه أبو
إسحاق السبيعي، وحبيب بن أبي ثابت، وإسماعيل السدي، وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا ابن الفضل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم المستملي، قال: حدثنا أبو
أحمد بن فارس، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: قال لي يحيى
بن موسى:
حدثنا مسهر بن عبد الملك، قال: حدثني أبي قال [5] :
قلت لعبد خير: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة، كنت غلاما ببلادنا
باليمن، فجاء كتاب النبي صلى الله عليه وسلّم فنودي في الناس فخرجوا
إلى حيز واسع، فكان أبي فيمن
__________
[1] في الأصلين: «خالد بن الوليد» . خطأ، وما أوردناه من الطبري 7/ 91.
[2] في الأصل: «وهو عامل مكة» . خطأ وما أوردناه من ت، والطبري.
[3] الجرح والتعديل 2/ 542.
[4] طبقات ابن سعد 6/ 154، وتاريخ بغداد 11/ 124.
[5] الخبر في تاريخ بغداد 11/ 125.
(7/160)
خرج، فلما ارتفع النهار جاء أبي فقالت له
أمي: ما حبسك وهذه القدر قد بلغت وهؤلاء عيالك يتضورون يريدون الغذاء؟
فقال: يا أم فلان، أسلمنا فأسلمي، ومري بهذا القدر فلتهرق للكلاب وكانت
ميته. فهذا ما أذكر من أمر الجاهلية.
612- محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أبو
جعفر الباقر [1] :
باقر العلم، أمه أم عبد الله بنت [2] الحسن بن علي بن أبي طالب، وولد
له جعفر، وعبد الله من أم فروة بْنت القاسم بْن مُحَمَّد بْن أبي بكر
الصديق. وروى أبو جعفر عن جابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عباس،
وأنس.
قال أبو حنيفة: لقيت أبا جعفر محمد بن علي، فقلت: ما تقول في أبي بكر
وعمر؟ فقال: رحم الله أبا بكر وعمر، فقلت: إنه يقال عندنا بالعراق إنك
لتبرأ منهما، فقال: معاذ الله كذب من قال هذا عني، أو ما علمت أن علي
بن أبي طالب زوج ابنته أم كلثوم التي من فاطمة بْنت رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وآله سلّم عمر بن الخطاب وجدتها خديجة وجدها رسول
الله صلى الله عليه وآله سلّم. أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن
سُلَيْمَان، قال: أخبرنا حمد بن أحمد الحداد، قال: أخبرنا أحمد بن عبد
الله الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن حبيش، قال: حدثنا إبراهيم بن شريك
الأسدي، قال: حدثنا عقبة بن مكرم، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن أبي عبد
الله الجعفي، عن عروة بن عبد الله،. قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن
حلية السيوف، قال: لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت:
وتقول الصديق، فوثب وثبة واستقبل القبلة ثم قال:
نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق
الله له قولا في الدنيا ولا في الآخرة. قال ابن حبيش: وحدثنا أحمد بن
يحيى الحلواني، قال: حدثنا أحمد بن
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 235، البداية النهاية 9/ 347. والتاريخ الكبير 1/
1/ 184، والجرح والتعديل 8/ 26.
[2] «ابنته: سقطت من ت.
(7/161)
يونس، عن عمر بن شمر، عن جابر، قال: قال لي
محمد بن علي: يا جابر، بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبونا
وينالون أبا بكر وعمر، ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله
منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله عز وجل
بدمائهم لا نالتني شفاعة محمد إن لم [أكن] [1] أستغفر لهما وأترحم
عليهما. أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي، قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن عبد
الجبار، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ عَلِيّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن
صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بن سليمان،
عن] [2] إسحاق بن كثير، عن عبد الله بن الوليد، قال:
قال لنا أبو جعفر محمد بن علي: يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما
يريد؟ قلنا: لا، قال: فلستم إخوانا كما تزعمون. توفي محمد في هذه
السنة، وقيل: سنة ثمان عشرة، وقيل: سبع عشر وهو ابن ثلاث وسبعين سنة،
وأوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه.
613- المفضل بن قدامة بن عبيد الله بن عبد الله بن عبيدة بن الحارث بن
إياس بن عوف بن ربيعة، من ولد ربيعة بن نزار، كذلك سماه أبو عمر
والشيبانيّ، ويكنى أبا النجم [3] :
وقال ابن الأعرابي: اسمه الفضل، وهو من رجاز الإسلام الفحول المتقدمين،
في الطبقة الأولى منهم.
قال أبو عبيدة [4] : ما زالت الشعراء تقصر بالرجاز حتى قال أبو النجم:
الحمد للَّه الوهوب المجزل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] الأغاني 10/ 183 (دار الكتب العلمية) ، معاهد التنصيص 1/ 18، وسمط
اللآلئ 328، وخزانة الأدب 1/ 49، 406، والشعر والشعراء 232.
[4] الخبر في الأغاني 10/ 183، 184.
(7/162)
وقال العجاج:
قد جبر الدين الإله فجبر [1]
وقال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق [2]
فانتصفوا منهم.
قال المدائني [3] : دخل أبو النجم على هشام بن عبد الملك وقد أتت له
سبعون سنة [4] ، فقال له هشام: ما رأيك في النساء؟ قال: إني لأنظر
إليهن شزرا وينظرن إلي شزرا [5] ، فوهب له جارية وقال: أغد علي فأعلمني
ما كان منك، فلما غدا عليه فقال:
ما صنعت شيئا ولا قدرت عليها، وقلت في ذلك أبياتا وهي:
نظرت فأعجبها الذي في درعها ... من حسنه ونظرت في سرباليا
فرأت لها كفلا يميل بخصرها [6] ... وعثا روادفه وأجثم رابيا [7]
ورأيت منتشر العجان [8] مقلصا ... رخوا مفاصله وجلدا باليا
أدني له الركب الحليق كأنما ... أدني إليه عقاربا وأفاعيا
فضحك هشام وأمر له بجائزة.
وقال له هشام [9] : حدثني عنك، قال: عرض لي البول فقمت بالليل أبول،
فخرج مني صوت [فتشددت، ثم عدت فخرج مني صوت] [10] آخر فآويت إلى فراشي
وقلت: يا أم الخيار، هل سمعت شيئا؟ قالت: لا والله ولا واحدة منهما،
فضحك. وأم الخيار التي يقول فيها:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي دينا كله لم أصنع
__________
[1] في الأصل: «قد خير الدين الإله فخير» . وما أوردناه من ت والأغاني.
[2] في الأصل: «خاوي المنحرف» . وما أوردناه من ت والأغاني، وفي ت:
تكررت: «خاوي المحترق» .
[3] الخير في الأغاني 10/ 194.
[4] في ت: «تسعون» . وفي الأغاني سبعون كما في الأصل.
[5] في الأغاني: «خزرا» .
[6] في الأصل: «بنو بخصرها» . وما أوردناه من الأغاني.
[7] كذا في الأصل، وفي الأغاني: «وأجثم جاثيا» .
[8] في الأصل: «منتشر الفحار» . وما أوردناه من ت والأغاني.
[9] الخبر في الأغاني 10/ 195.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت والأغاني.
(7/163)
ثم دخلت سنة خمس
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة معاوية بن هشام الروم.
وفيها: وقع الطاعون بالشام.
وفيها: أصاب الناس بخراسان قحط شديد ومجاعة، فأعطى الجنيد رجلا درهما
فاشترى به رغيفا، فقال: تشكون الجوع ورغيف بدرهم، لقد رأيتني بالهند
وإن الحب من الحبوب لتباع عددا بالدراهم [1] .
وفيها: حج بالناس معاوية بن هشام بن إسماعيل وهو أمير مكة والطائف،
وكان عمال الأمصار عمال السنة التي قبلها، غير أنه اختلف في عامل
خراسان، فقال المدائني: الجنيد بن عبد الرحمن، وقال غيره: عمارة بن
خريم المري، وإن الجنيد مات في هذه السنة فاستخلف عمارة. وأما المدائني
فقال: مات الجنيد بن عبد الرحمن في سنة ست عشرة [ومائة] [2] ، وهي
السنة التي بعد هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
614- خيار بن خالد بن عبد الله بن معاذ، أبو نضلة المدلجي:
قاضي مصر لهشام بن عبد الملك، كان رجلا صالحا.
__________
[1] في ت والطبري «بالدرهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/164)
615- عطاء بن أبي رباح، أبو محمد، واسم أبي
رباح: أسلم المكي، وهو مولى الجنيد [1] :
ولد لسنتين مضتا من خلافة عثمان، وكان أسود شديد السواد، أعور أفطس
أعرج، ثم عمي في آخر عمره، إلا أنه كان فصيحا عالما فقيها، أدرك أبا
جحيفة وشهد جنازة زيد بن أرقم.
وروى عن ابن عمر، وابن عمرو، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وزيد بن خالد،
وابن عباس، وابن الزبير.
روى عنه: عمرو بن دينار، والزهري، وقتادة، وأيوب.
وحج سبعين حجة، وكان ينادي في زمن بني أمية بمكة: لا يفت الناس إلا
عطاء بن أبي رباح، فإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري
قال: حدثنا أبو عمرو بن حيوية قال: حدثنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا
الحسين بن الفهم قال:
حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سلمة بن كهيل قال [2] :
ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء،
وطاووس، ومجاهد.
عن معاذ بن سعيد [3] قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث
فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله، ما هذه الأخلاق!؟ إني
لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به، فأريه إني لا أحسن منه شيئا.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو
محمد بن أبي عثمان قال:
أخبرنا أبو الحسن بن الصلت قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال:
حدثنا الصاغاني قال: أخبرنا معلى بن عبيد [4] قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 2/ 2/ 133، 5/ 344، والتاريخ الكبير 213/ 463،
والجرح والتعديل 6/ 330.
[2] الخبر في طبقات ابن سعد 5/ 345.
[3] الخبر في طبقات ابن سعد 5/ 345.
[4] الخبر في البداية والنهاية 9/ 345.
(7/165)
دخلنا على محمد بن سوقة فقال: أحدثكم بحديث
لعله ينفعكم، فإنه قد نفعني، ثم قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح: يا بني
أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، أتنكرون أن عليكم
حافظين، أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره،
كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه.
أخبرنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل
الغراب قَالَ: أخبرنا أَبِي قَالَ: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي قَالَ: حدثنا
الرياشي قال:
سمعت الأصمعي يقول:
دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره
وحواليه الأشراف من كل بطن، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما نظر
إليه قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له: يا أبا
محمد، حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله،
فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فأنت بهم
أجلست [1] هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين،
وتعهد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك،
ولا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعل. ثم نهض فقبض عليه
عبد الملك فقال: يا أبا محمد، إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها،
فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا
وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد.
أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق قال: حدثنا محمد بن مرزوق قال: أخبرنا
أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ
الْقُطَيْعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخراز
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قَالَ: قال
إبراهيم الحربي:
كان عطاء عبدا أسود لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاء.
قال: وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه،
فجلسوا إليه
__________
[1] في الأصل: «جلست» . وما أوردناه من ت.
(7/166)
وهو يصلي، فلما صلى انفتل إليهما، فما
زالوا [1] يسألونه عن مناسك الحج، وقد حول قفاه إليهم ثم قال سليمان
لابنيه: قوما. فقاما، فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم، فإني لا أنسى
ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون قَالَ: أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب الكاتب قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد
بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قَالَ: حدثنا عبد
الله بن أبي سعيد الوراق قال: حدثنا عمرو بن شبة قال: حدثني سعيد بن
منصور الرقي قال: حدثني عثمان بن عطاء الخراساني قال:
انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك، فلما قربنا إذا بشيخ أسود
على حمار، عليه قميص دنس، وجبة دنسة، وقلنسوة لاطية دنسة، وركاباه من
خشب.
فضحكت وقلت لأبي: من هذا الأعرابي؟ قال: اسكت، هذا سيد فقهاء أهل
الحجاز، هذا عطاء بن أبي رباح. فلما قرب نزل أبي عن بغلته، ونزل هو عن
حماره، فاعتنقا وتسالا، ثم عادا فركبا فانطلقا حتى وقفا بباب هشام،
فلما رجع أبي سألته، فقلت:
حدثني ما كان منكما. قال: لما قيل لهشام عطاء بن أبي رباح [بالباب] [2]
أذن له، فو الله ما دخلت إلا بسببه. فلما رآه هشام قال: مرحبا مرحبا
هاهنا هاهنا. فرفعه حتى مست ركبته ركبه، وعنده أشراف الناس يتحدثون،
فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل
الحرمين، أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقسم فيهم
أعطياتهم وأرزاقهم، قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة
بعطاءين وأرزاقهم لسنة، ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال:
نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز، وأهل نجد، أصل العرب، ترد فيهم
[فضول] [3] صدقاتهم قال: نعم، يا غلام أكتب بأن ترد فيهم صدقاتهم. قال:
هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال:
نعم يا أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون
عدوكم، قد أجريتم لهم أرزاقا تدرها عليهم، فإنهم إن هلكوا أغرتم. قال:
نعم، اكتب بحمل
__________
[1] في الأصل: «ما زالوا» . وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/167)
أرزاقهم إليهم يا غلام، هل من حاجة غيرها
يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم يحيى صغارهم ولا
يتعتع كبارهم، ولا يكلفون إلا ما يطيقون. قال:
نعم، اكتب لهم يا غلام [1] ، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم
يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنك خلقت وحدك، وتموت وحدك،
وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، ولا والله ما معك ممن ترى أحدا. قال: فأكب
هشام وقام عطاء، فلما كان عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما
فيه، أدراهم أم دنانير. فقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا. فقال: لا
أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على رب العالمين.
قال: ثم خرج عطاء، فلا والله ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقه.
توفي عطاء في هذه السنة. وقيل: سنة أربع عشرة. وهو ابن ثمان وثمانين
سنة.
وقيل: بل عاش مائة سنة.
616- عمرو بن مروان بن الحكم، أبو حفص:
لم يكن في بني أمية بمصر في أيامه أفضل منه. كان خلفاء بني أمية يكتبون
إلى أمراء مصر لا تعصوا له أمرا. وكان يأتي عجائز كنّ في خراب المعافر،
فيدفع إليهن ما يكفيهن طوال السنة.
روى عنه: يزيد بن أبي حبيب وغيره.
__________
[1] «اكتب لهم يا غلام» : ساقطة من ت.
(7/168)
ثم دخلت سنة ست عشرة
ومائة
فمن الحوادث فيها:
غزوة معاوية بن هشام أرض الروم الصائفة.
وفيها: وقع طاعون عظيم شديد بالعراق والشام، وكان أشده بواسط.
وفيها: ولى هشام على خراسان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، فلما
قدم حبس عمارة بن خزيم الذي استخلفه الجنيد وجميع [1] عمال الجنيد
وعذبهم.
وفيها: خرج الحارث بن شريح فقال: ادعوا إلى كتاب الله والسنة [2] ،
والبيعة البيضاء، فمضى إلى بلخ وعليها نصر، فلقيهم نصر في عشرة آلاف،
والحارث في أربعة آلاف، فهزم أهل بلخ، ومضى نصر إلى مرو، فأقبل الحارث
إليها وقد غلب على بلخ، والجوزجان، والفارياب [3] ، والطالقان،
ومروالروذ، وبلغ عاصم بن عبد الله أن أهل مرو يكاتبون الحارث، فأجمع
على الخروج وقال: يا أهل خراسان، قد بايعتم الحارث بن شريح لا يقصد
مدينة إلا خليتموها له، أنا لاحق بأرض قومي وكاتب منها إلى أمير
المؤمنين حتى يمدني بعشرين ألفا من أهل الشام. فقال أصحابه: لا نخليك.
وحلفوا له بالطلاق أننا نقاتل معك. وأقبل الحارث إلى مرو في ستين ألفا،
وعليه السواد ومعه فرسان الأزد وتميم والدهاقين، واقتتلوا قتالا شديدا،
ثم هزم الله الحارث، وكان
__________
[1] في ت: «وجمع» .
[2] في الأصل: «والسنة البيضاء والبيعة البيضاء» . وما أوردناه من ت
والطبري.
[3] في ت: «الفارقان» . خطأ.
(7/169)
يرى رأي المرجئة، ثم عاد الحارث لمحاربة
عاصم، فكتب عاصم بينه وبينه كتابا على أن ينزل الحارث أي كور خراسان
شاء، وعلى أن يكتبوا جميعا إلى هشام يسألونه كتاب الله وسنة نبيه، فإن
أبى أجمعوا أمرهم جميعا عليه، فأشار بعض الناس بمحو هذه الصحيفة، ثم
عادوا إلى القتال.
وفي هذه السنة: حج بالناس الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهو ولي عهده،
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة الذين كانوا في الذي قبلها إلا ما كان
من خراسان، فإن عاملها كان عاصم بن عبد الله الهلالي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
617- حمزة بن بيض الحنفي [1] :
شاعر مجيد. قال المأمون للنضر بن شميل: أي بيت أطيب؟ قال: قول حمزة بن
بيض:
تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوما فلم أقم
أي الوجوه انتجعت قلت لها ... وأي وجه إلا إلى الحكم
متى تقل حاجبا سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم
انقطع إلى المهلب بن أبي صفرة، ثم إلى ولده، ثم إلى أبان بن الوليد، ثم
إلى بلال بن أبي برزة، واكتسب بالشعر مالا عظيما، مدح مخلد بن يزيد بن
المهلب، وهو يخلف أباه على خراسان، فأعطاه مائة ألف درهم، ودخل على
يزيد بن المهلب السجن، فأنشده:
أغلق دون السماح والجود والنجدة ... باب حديد مفتاحه أشب [2]
يرون سبق الجواد في مهل ... وقصرت دون سعيك الرتب
فقال: يا حمزة، أسأت إذ نوهت باسمي في غير وقت تنويه، ثم رمى إليه
بحزمة مصرورة وعليه صاحب خبر واقف. وقال: خذ هذا الدينار، فو الله ما
أملك غيره. فأخذه
__________
[1] في الأصل: «حمزة بن نبض» . خطأ. فوات الوفيات 1/ 147، وإرشاد
الأريب.
[2] في الأصل: «باب حديدة أشب» . خطأ.
(7/170)
حمزة وأراد أن يرده عليه. فقال له سرا: خذه
ولا تخدع عنه، فإذا فص ياقوت أحمر، فخرج إلى خراسان فباعه بثلاثين
ألفا، فلما قبضها قال له المشتري: والله لو أبيت إلا خمسين ألف درهم
لأخذته منك. فضاق صدره فأعطاه مائة دينار أخرى.
618- حفصة بنت سيرين [1] :
قرأت القرآن وهي بنت اثنتي عشرة سنة، وكانت تختم كل يومين، وتصوم
الدهر، وتقوم الليل.
أنبأنا علي بن عبيد الله قال: أنبأنا جعفر بن المسلمة قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابْن أخي ميمي قال: أخبرنا أبو مسلم بن مهدي
قال: حدثنا أبو بكر محمد بن قارن قال:
حدّثنا علي بن الحسن الفسنجاني قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ
حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان قال:
ما رأيت أحدا بالبصرة أفضله على حفصة ختمت القرآن وهي بنت اثنتي عشرة
سنة، وماتت وهي بنت اثنتين وتسعين سنة، وكانت تتوضأ ارتفاع النهار
وتدخل مسجدها في بيتها، فلا تخرج منه إلى مثلها من الغد، وكان يأتيها
أنس بن مالك، وأبو العالية مسلمون عليها.
أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأنا جعفر بن أَحْمَد قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ علي الثوري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد
اللَّه الدَّقَّاق قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بكر بن عبيد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثني صالح قال:
حدثنا ضراب بن عمرو، عن هشام قال:
كانت حفصة تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها، فربما طفئ السراج
فيضيء لها البيت حتى تصبح.
قال الرياشي: حدثني ابن عائشة، عن سعيد بن عامر، عن هشام قال: قالت
حفصة بنت سيرين:
بلغ من بر ابني الهذيل بي أنه كان يكسر القصب في الصيف فيوقد لي في
الشتاء.
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 355.
(7/171)
قال: لئلا يكون له دخان. قالت: وكان يحلب
ناقته بالغداة فيأتيني به فيقول: اشربي يا أم الهذيل، فإن أطيب اللبن
ما بات في الضرع. ثم مات فرزقت عليه من الصبر ما شاء أن يرزقني، فكنت
أجد مع ذلك حرارة في صدري لا تكاد تسكن. قالت: فأتيت ليلة من الليالي
على هذه الآية: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ
وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ) 16: 96 [1] فذهب عني ما كنت أجد.
619- عمرو بن مرة الجملي [2] :
[روي] [3] عن سعيد بن سنان قال: قال عمرو بن مرة: ما أحب أني بصير أذكر
أني نظرت نظرة وأنا شاب.
أسند عمرو عن عبد الله بن أبي أوفى.
وتوفي في هذه السنة. وقيل: سنة ثمان عشرة.
620- مكحول الشامي، أبو عبد الله [4] :
كان عبدا لعمرو بن سعيد بن أبي العاص، فوهبه لرجل من هذيل، وكان عالما
فقيها، ورأى أنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وأبا أمامة، وعنبسة بن أبي
سفيان.
وسمع من معاوية حديثا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
وتوفي في هذه السنة. وقيل: سنة ثلاث عشرة.
أَخْبَرَنَا مَوْهُوبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بن
أحمد بن البسري قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: حدثنا أحمد
بن نصر بن يحيى قال: حدثنا علي بن عثمان الحراني قال: حدثنا أبو مسهر
قال: حدثنا سعيد قال:
لم يكن في زمان مكحول أبصر بالفتيا منه، وكان لا يفتي حتى يقول: لا حول
ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، ويقول: هو رأي والرأي يخطئ ويصيب.
وما أدركنا أحسن
__________
[1] سورة: النحل، الآية: 96.
[2] طبقات ابن سعد 6/ 220، والجرح والتعديل 6/ 257.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 160.
(7/172)
سمتا في العبادة من مكحول وربيعة بن يزيد.
وكان له خاتم لا يلبسه، وكان عليه مكتوب: أعذ مكحولا من النار [1] .
621- هشام بن الربيع بن زرارة بن كثير بن خباب، أبو حية النميري:
شاعر مجيد فصيح، كان أبو عمرو بن العلاء يقدمه، [أدرك الدولتين الأموية
والعباسية] [2] ، إلا أنه كان فيه هوج وجبن، وكان يصرع في أوقات.
قال ابن قتيبة: كان من أكذب الناس، يحدث أنه يخرج إلى الصحراء فيدعو
الغربان فتقع حوله، فيأخذ منها ما شاء، فقيل له: يا أبا حية، أفرأيت إن
أخرجناك إلى الصحراء تدعوها [3] فلم تأتك، فماذا نصنع بك؟ قال: أبعدها
الله إذن.
وكان له سيف يسميه لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة شيء [4] ، فحدث
جارا له قال: دخل ليلة إلى بيته كلب فظنه لصا، فانتضا سيفه وقال: أيها
المغتر بنا، المجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، سيف صقيل لعاب
المنية الذي سمعت به، أخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك. فإذا
الكلب قد خرج، فقال:
الحمد للَّه الذي مسخك كلبا، وكفانا حربا.
__________
[1] في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 161: «رب باعد مكحولا من النار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في ت: «تدعو بها» .
[4] في ت: «فرق» .
(7/173)
ثم دخلت سنة سبع
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها:
غزوة ابن هشام الصائفة اليسرى، وسليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو
الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم.
وفيها: بعث مروان بن محمد وهو على أرمينية بعثين، فافتتح أحدهما حصونا
ثلاثة، وصولح الآخر.
وفيها: عزل هشام بن عبد الملك عاصم بن عبد الله عن خراسان، وضمها إلى
خالد بن عبد الله، فولاها أخاه أسد بن عبد الله. وقال المدائني: كان
هذا في سنة ست عشرة.
وكان السبب: أن عاصما كتب إلى هشام: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإن
الرائد لا يكذب أهله، وقد كان من أمر أمير المؤمنين إلي ما تحقق به علي
نصيحته، وإن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى صاحب العراق، فيكون موادها
ومعونتها في الأحداث والنوائب من قرب لتباعد أمير المؤمنين عنها، فولى
أسد بن عبد الله، فقدم فحبس عاصما، وأخذه بمائة ألف، ووجه عبد الرحمن
بن نعيم العامري في أهل الكوفة وأهل الشام في طلب الحارث بن شريح، وسار
أسد إلى آمد فحاصرهم، ونصب المجانيق عليهم.
وفيها: أخذ أسد بن عبد الله جماعة من دعاة بني العباس، فقتل بعضهم،
ومثل ببعضهم، وحبس بعضهم، وكان فيهم موسى بن كعب، فأمر به فألجم بلجام
حمار، ثم
(7/174)
جذب اللجام فتحطمت أسنانه [1] ، ثم دق
أنفه، ووجئ لحياه، وكان فيهم لاهز بن قريظ، فضربه ثلاثمائة سوط، ثم خلى
سبيلهم.
وفيها: حج بالناس خالد بن عبد الملك، وكان العامل فيها على المدينة،
وعلى مكة، وعلى الطائف: محمد بن هشام بن إسماعيل. وعلى العراق والمشرق:
خالد بن عبد الله القسري، وعلى أرمينية وأذربيجان: مروان بن محمد بن
مروان بن الحكم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
622- بلال بن سعيد:
كان عند أهل الشام كالحسن عند أهل البصرة.
وأسند عن ابن عمر، وجابر في آخرين.
عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعيد يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة،
ولكن انظر إلى من عصيت.
623- سكينة بْنت الحسين بْن عَلِيّ بْن أبي طالب [2] :
واسمها: آمنة، وقيل: أميمة. وسكينة لقب عرفت به، وأمها الرباب بنت امرئ
القيس بن عدي بن أوس الكلبي. كان نصرانيا فجاء إلى عمر بن الخطاب رضي
الله عنه فأسلم، فدعا له برمح، فعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة،
فتولى قبل أن يصلي صلاة، وما أمسى المساء حتى خطب إليه الحسين بن علي
ابنته الرباب، فزوجه إياها، فأولد عبد الله وسكينة، وكان الحسين عليه
السلام يقول:
لعمرك إنني لأحب دارا ... تكون بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي ... وليس بعاتب عندي عتاب
ولست لهم وإن عابوا مطيعا ... حياتي أو يغيبني الركاب
وكانت سكينة من الجمال والأدب والفصاحة بمنزلة عظيمة، كان منزلها مألف
الأدباء والشعراء، وتزوجت عبد الله بن الحسن بن علي فقتل بالطائف قبل
أن يدخل
__________
[1] في الأصل: «فتحطمت أنفاسه» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] وفيات الأعيان 1/ 211، وطبقات ابن سعد 8/ 348.
(7/175)
بها، ثم تزوجها مصعب بن الزبير ومهرها ألف
ألف درهم، وحملها إليه أخوها علي بن الحسين، فأعطاه أربعين ألف دينار،
فولدت له الرباب، فكانت تلبسها اللؤلؤ وتقول: ما ألبسها إياه إلا
لتفضحه. وخطبها عبد الملك بن مروان فقالت أمها: لا والله، لا تتزوجه
أبدا، وقد قتل ابن أخي مصعبا، فتزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان،
وكان يتولى مصر، فنفس بها عليه عبد الملك، وكتب إليه: اختر مصر أو
سكينة. فطلقها قبل أن يدخل بها، ومتعها بعشرين ألف دينار، وخلف عليها
بعد مصعب: عبد الله بن عثمان ابن عبد الله بن الحكم، فولدت له حكيما،
وعثمان، وزبيحة، وكانت عنده قبلها فاطمة بنت عبد الله بن الزبير، فلما
خطب سكينة أحلفته بطلاقها أن لا يؤثر عليها فاطمة. ثم اتهمته أن يكون
آثرها، فاستعدت عليه هشام بن إسماعيل والي المدينة، فاستحلفه ثم أمر
برد سكينة عليه، فبعث إليها: أمرك الآن بيدك. فبعثت إليه: إنا ما ظننا
أنا قد هنا عليك هذا الهوان، إنما يلجلج في نفسي شيء، وخفت المأثم فأما
إذ برئت من ذلك فما أوثر عليك شيئا.
ثم خلف على سكينة زيد بن عمر بن عثمان، ثم خلف عليها إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف، وكانت ولية نفسها، فلم تنفذ نكاحه.
وقيل: حملت إليه إلى مصر فوجدته قد مات.
وروى علي بن الحسين الأصبهاني أن المدائني قال: حدثني أبو يعقوب
الثقفي، عن الشعبي [1] :
أن الفرزدق خرج حاجا، فلما قضى حجه عدل إلى المدينة، فدخل إلى سكينة
بنت الحسين فسلم، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت:
كذبت، أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنبه عزيز ... علي ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام
فقال: والله لو أذنت لي لأسمعنك أحسن منه. قالت: أقيموه. فأخرج ثم عاد
إليها
__________
[1] الخبر في الأغاني 8/ 42، 21/ 368 (دار الكتب العلمية) .
(7/176)
من الغد فدخل عليها، فقالت: يا فرزدق، من
أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت صاحبك جرير أشعر منك حيث يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... كتم الحديث وعفت الأسرار
لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار
فقال: والله إن أذنت أسمعتك أحسن منه. فأمرت به فأخرج، ثم عاد إليها في
اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إلى
واحدة منهن فأعجب بها وبهت ينظر إليها، فقالت له سكينة: يا فرزدق، من
أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت:
كذبت، صاحبك أشعر منك حيث يقول:
إن العيون التي في لحظها [1] مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
أتبعتم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا [2]
فقال: والله لئن تركتيني لأسمعنك أحسن منه. فأمرت بإخراجه، فالتفت
إليها وقال: يا بنت رسول الله إن لي عليك حقا عظيما، صرت من مكة إرادة
التسليم عليك، فكان جزائي من ذلك تكذيبي وطردي وتفضيل جرير علي، ومنعك
إياي أن أنشدك شيئا من شعري، وبي ما قد عيل منه صبري، وهذه المنايا
تغدو وتروح، ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإذا مت فمري بي أن أدرج
في كفني وأدفن في حر [3] هذه الجارية- يعني التي أعجبته- فضحكت سكينة
وأمرت له بالجارية. فخرج بها، وأمرت بالجواري، فدفعن في أقفيتهما،
ونادته: يا فرزدق، احتفظ بها وأحسن صحبتها، فإني آثرتك بها على نفسي.
قال علي بن الحسين: وأخبرني ابن أبي الأزهر، قَالَ: حدثنا حماد بن
إسحاق، عن أبيه، عن محمد بن سلام قال:
__________
[1] في الأغاني: «في طرفها» .
[2] البيت ساقط من ت.
[3] الحر: الكنف.
(7/177)
اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين: جرير،
والفرزدق، وكثير، وجميل، ونصيب، فمكثوا أياما، ثم أذنت لهم فدخلوا
عليها، فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم، ثم أخرجت وصيفة لها
وضية قد روت الأشعار والأحاديث. فقالت:
أيكم الفرزدق؟ قال لها: ها أنا ذا. فقالت: أنت القائل:
هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحي فيرجى أم قتيل نحاذره [1]
قال: نعم. قالت: فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك، هلا سترتها وسترت نفسك،
خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت على مولاتها وخرجت، فقالت: أيكم
جرير؟ فقال: ها أنا ذا. فقالت: أنت القائل:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام
قال: نعم. قالت: فهلا رحبت بها! خذ هذه الألف وانصرف. ثم دخلت وخرجت
فقالت: أفيكم كثير؟ قال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل:
فأعجبني يا عز منك خلائق ... كرام إذا عد الخلائق أربع
دنوك حتى يطمع الطالب الصبا ... ورفعك أسباب الهوى حين يطمع
فو الله ما يدري لريم مماطل ... أينساك إذ باعدت أم يتضرع
قال: نعم. قالت: ملحت وشكلت، خذ هذه الألف والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت
فقالت: أيكم نصيب؟. قال: ها أنا ذا. قالت: أنت القائل:
ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النساء الصغار
بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار
قال: نعم. قالت: رثيتنا صغارا ومدحتنا كبارا، خذ هذه الأربعة آلاف
والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت فقالت: يا جميل، مولاتي تقرئك السلام
وتقول: والله ما زلت مشتاقة إلى رؤيتك منذ سمعت قولك:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذا لسعيد
لكل حديث بينهن بشاشة ... وكل قتيل بينهن شهيد
__________
[1] الأبيات في الأغاني 21/ 324.
(7/178)
جعلت حديثنا بشاشة، وقتلانا شهداء، خذ هذه
ألف دينار والحق بأهلك.
وعن حماد، عن أبيه، عن أبي عبيد الله الزبيري قال:
اجتمع رواية جرير، ورواية كثير، وراوية جميل، ورواية الأحوص، وراوية
نصيب، فافتخر كل واحد منهم بصاحبه وقال: صاحبي أشعر. فحكموا سكينة بنت
الحسين لما يعرفون من عقلها وبصرها بالشعر، فاستأذنوا عليها فأذنت،
فذكر لها الذي كان من أمرهم فقالت لراوية جرير: أليس صاحبك يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام
فأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق قبح الله صاحبك وقبح شعره، ألا قال:
فادخلي بسلام!؟
ثم قالت لراوية كثير: أليس صاحبك الذي يقول:
تقر بعيني ما تقر بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرت
وليس بعينها أقر من النكاح، أفيحب صاحبك أن ينكح، قبح الله صاحبك وقبح
شعره.
ثم قالت لراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
فما أرى صاحبك هوي، إنما يطلب عقله، قبح [الله] [1] صاحبك وقبح شعره.
ثم قالت لراوية نصيب: أليس صاحبك الذي يقول:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
فما أرى له همة إلا من يتعشقها بعده، قبحه الله وقبح شعره، ألا قال:
أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي حيلة بعدي
ثم قالت لراوية الأحوص: أليس صاحبك الذي يقول:
من عاشقين تواعدا وتراسلا ... حتى إذا نجم الثريا حلقا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/179)
باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح
الصباح تفرقا
قال: نعم. قالت: قبحه الله وقبح شعره، ألا قال: «تعانقا» .
فلم تثن على أحد يومئذ ولم تقدمه.
وفي رواية أخرى: قالت لراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:
فيا ليتني أعمى أصم تقودني ... بثينة لا يخفى علي كلامها
قال: نعم. قالت: رحم الله صاحبك، فإنه كان صادقا في شعره، وكان كاسمه.
فحكمت له.
توفيت سكينة بمكة يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول من هذه السنة،
وصلى عليها شيبة بن نصاح المقرئ.
624- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ [1] بْنِ أَبِي مليكة بن
عبد الله بن جدعان التيمي، من تيم قريش، واسم أبي مليكة زهير [2] :
وكان ابن جدعان أحد الأجواد، وكان ماله عظيما، وكانت له جفنة مباحة،
فلما أسن حجر عليه رهطه، فإذا أعطى رجعوا على المعطي فأخذوه منه، فكان
إذا جاءه سائل قال له: كن مني قريبا حتى ألطمك ولا ترضى مني إلا أن
تلطمني [3] ، أو تفدى بلطمتك بفداء رغيب. فلما أعلم أهله بذلك خلوا
بينه وبين ماله.
وكان ابن جدعان يقول:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ... وهاب ما ملكت كفاي من مال
لا أحبس المال إلا حيث أتلفه ... ولا يغيرني حال على حال
وكان ابن أبي مليكة فقيها، رأى ثلاثين صحابيا. وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصلين: «عبد الله بن عبد الله» . وما أوردناه من كتب الرجال.
[2] طبقات ابن سعد 5/ 347، وطبقات خليفة 257، 281، والتاريخ الكبير 5/
412، وتاريخ واسط 286، والجرح والتعديل 5/ 278، 461، وتاريخ الإسلام 4/
267، وتذكرة الحفاظ 1/ 101، وتهذيب التهذيب 5/ 306، 307، وشذرات الذهب
1/ 153.
[3] في الأصل: «إلا بلطمتي» . وما أوردناه من ت.
(7/180)
625- عبدة بن أبي لبابة، أبو القاسم [1] :
سمع من عبد الله بن عمر. قال الأوزاعي: قال عبدة: إن أقرب الناس من
الرياء منهم له.
626- عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي [2] :
عن علي ابن أبي جميلة قال: قال عبد الله بن أبي زكريا: عالجت الصمت عما
لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد. قال: وكان لا يدع
أحدا يغتاب في مجلسه أحدا، يقول: إن ذكرتم الله أعناكم، وإن ذكرتم
الناس تركناكم.
أسند عبد الله عن عبادة، وأبي الدرداء. وتوفي في هذه السنة.
627- علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو محمد [3] :
أمه زرعة بنت مسرح، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب عليه السلام في رمضان
سنة أربعين، فسمي باسمه، وكني بكنيته، فقال له عبد الملك [بن مروان]
[4] : لا أحتمل بك الاسم والكنية. فغير كنيته، فكني أبا محمد.
وكان أجمل قرشي على وجه الأرض، وأكثر صلاة، كان يصلي في اليوم والليلة
ألف ركعة، وكان يصبغ بالسواد.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أحمد بْن عَبْد اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَد بْن محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثني
محمد بن زكريا قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي قال:
حدثني أبي عن هشام بن سليمان المخزومي:
أن علي بن عبد الله بن العباس كان إذا قدم مكة حاجا أو معتمرا عطلت
قريش مجالسها في البيت الحرام، وهجرت مواضع حلقها، ولزمت مجلس علي بن
عبد الله
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 229، والجرح والتعديل 6/ 89، والتاريخ الكبير 3/
2/ 114.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 163، والتاريخ الكبير 3/ 1/ 96 والجرح
والتعديل 5/ 62، وتهذيب التهذيب 5/ 218.
[3] طبقات ابن سعد 5/ 229، والتاريخ الكبير 3/ 2/ 382، والجرح والتعديل
6/ 192.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/181)
إعظاما وإجلالا وتبجيلا، فإن قعد قعدوا،
وإن نهض نهضوا، وإن مشى مشوا جميعا حوله، وكان لا يرى لقرشي في المسجد
الحرام مجلس ذكر يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم.
توفي علي بالشام في هذه السنة. وقيل: في سنة ثماني عشرة.
628- علي بن رباح بن قصير، أبو عبد الله اللخمي: [1]
ولد سنة خمس عشرة، عام اليرموك، وكان أعور، ذهبت عينه يوم ذي الصواري
في البحر مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة أربع وثلاثين، وكان يفد
لليمانية من أهل مصر على عبد الملك بن مروان، وكانت له منزلة من عبد
العزيز بن مروان [2] ، وهو الذي زف أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان
إلى الوليد بن عبد الملك ثم عتب عليه عبد العزيز فأغزاه إفريقية، فلم
يزل بها حتى توفي في هذه السنة. وقيل: سنة أربع عشرة ومائة.
629-[عمران بن ملحان، أبو رجاء العطاردي [3] :
تميمي مخضرم، ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة، توفي في هذه السنة وقد
بلغ مائة وثماني وعشرين سنة] .
630- فاطمة بْنت الحسين بْن عَلِيّ بْن أبي طالب رَضِيَ الله عنهم [4]
:
أمها أم إسحاق بْنت طلحة بْن عبيد اللَّه تزوجها الحسن بن الحسن بن علي
بن أبي طالب، فولدت له عبد الله، ثم مات عنها فتزوجها عبد الله بن عمرو
بن عثمان بن عفان.
أَنْبَأَنَا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن
المسلمة قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 201، والتاريخ الكبير 3/ 2/ 274، والجرح
والتعديل 6/ 186.
[2] «وكانت له منزلة من عبد العزيز بن مروان» : ساقطة من ت.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 1/ 100، والجرح والتعديل 6/ 303، والتاريخ الكبير
3/ 1/ 410.
والترجمة كلها ساقطة من الأصل، أوردناها من ت.
[4] طبقات ابن سعد 8/ 347.
(7/182)
أَبُو طَاهِرٌ الْمُخَلِّصُ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطوسي قال: حدثنا الزبير بن
بكار قَالَ:
كَانَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ خَطَبَ إِلَى عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ
عَلِيٍّ، فَقَالَ له الحسين: يا ابن أَخِي، قَدِ انْتَظَرْتُ هَذَا
مِنْكَ، انْطَلِقْ مَعِي.
فَخَرَجَ حَتَّى أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ [إِلَيْهِ] [1]
بنتيه: فَاطِمَةَ، وَسُكَيْنَةَ، فَقَالَ: اخْتَرْ.
فَاخْتَارَ فَاطِمَةَ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ
أَمْرَ سُكَيْنَةَ مَرْدُودٌ إِلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَمُنْقَطِعَةٌ.
وَلَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ الْوَفَاةُ قَالَ
لِفَاطِمَةِ: إِنَّكِ امْرَأَةٌ مَرْغُوبٌ فِيكِ، وَكَأَنِّي بِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عثمان إذا خرج بجنازتي قَدْ جَاءَ عَلَى
فَرَسِهِ مُرَجِّلا جُمَّتَهُ، لابِسًا حُلَّتَهُ، يَسِيرُ فِي جَانِبِ
النَّاسِ يَتَعَرَّضُ لَكِ، فَأَنْكِحِي مَنْ شِئْتِ سِوَاهُ، فَإِنِّي
لا أَدَعُ مِنَ الدُّنْيَا وَرَائِي هَمًّا غَيْرَكِ. فَقَالَتْ لَهُ:
أَنْتَ آمنُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَثْلَجَتْهُ بِالأَيْمَانِ مِنَ الْعِتْقِ
وَالصَّدَقَةِ أَنْ لا تَتَزَوَّجَهُ. وَمَاتَ الْحَسَنُ، وَخَرَجَ
بِجِنَازَتِهِ، فَوَافَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ فِي الْحَالِ الَّتِي وَصَفَ الْحَسَنُ، وَكَانَ يُقَالُ
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ:
الْمُطَرّفُ- مِنْ حُسْنِهِ- فَنَظَرَ إِلَى فَاطِمَةَ حَاسِرَةً
تَضْرِبُ وَجْهَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: إِنَّ لَنَا فِي وَجْهِكِ
حَاجَةً، فَارْفُقِي بِهِ. فَاسْتَرْخَتْ يَدَاهَا، وَعَرَفَ ذَلِكَ
فِيهَا، وَخَمَّرَتْ وَجْهَهَا، فَلَمَّا حَلَّتْ أَرْسَلَ إِلَيْهَا
يَخْطُبُهَا، فَقَالَتْ: كَيْفَ بِيَمِينِي الَّتِي حَلَفْتُ بِهَا؟
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: لَكِ بِكُلِّ مَمْلُوكٍ مَمْلُوكَانِ، وَعَنْ
كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَانِ، فَعَوَّضَهَا مِنْ يَمِينِهَا، فَنَكَحَتْهُ،
وَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا، وَالْقَاسِمَ، وَرُقَيَّةَ.
وكان عبد الله بن الحسن يقول: ما أبغضت بغض عبد الله بن عمرو أحدا، ولا
أحببت حب ابنه محمد أحدا.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال: أخبرنا محمد بن
الحسن النقاش: أن الحسن بن سفيان أخبرهم قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر
قال: أخبرنا محمد بن معن الغفاري قال:
حدثني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال:
جمعتنا أمنا فاطمة بنت الحسين بن علي، فقالت: يا بني، والله ما نال أحد
من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/183)
أهل السفه بسفههم شيئا، ولا أدركوه من
لذاتهم إلا وقد نالوه أهل المروءات بمروءاتهم، فاستتروا بجميل ستر
الله.
631- قتادة بن دعامة، أبو الخطاب السدوسي [1] :
أسند عن أنس، وعبد الله بن سرخس، وحنظلة الكاتب، وأبي الطفيل. وكان
يرسل الحديث عن الشعبي ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي قلابة، ولم يسمع
منهم.
وسأل سعيد بن المسيب وأكثر، فقال له: أكل ما سألتني عنه تحفظه؟ قال:
نعم، سألتك عن كذا فقلت كذا، وعن كذا فقلت كذا. قال سعيد: ما ظننت أن
الله خلق مثلك.
وكان يقول: ما سمعت أذناي شيئا إلا وعاه قلبي.
وروى شهاب بن [2] خراش عن قتادة، قال: باب من العلم يحفظه الرجل يطلب
به صلاح نفسه وصلاح الناس أفضل من عبادة حول كامل.
632- ميمون بن مهران، أبو أيوب، مولى بني النضر بن معاوية:
كان مكاتبا لهم، وأدى كتابته وعتق، وكان بزازا، وتشاغل بالعلم، وسأل
ابن المسيب عن دقائق العلوم، استعمله عمر بن عبد العزيز على خراج
الجزيرة. ومولده سنة أربعين، [توفي في هذه السنة] [3] . وأسند عن ابن
عمر، وابن عباس وغيرهما، وكان ثقة.
أخبرنا علي بن محمد بن حسون بإسناد له عن عيسى بن كثير الأسدي، قال:
مشيت مع ميمون بن مهران حتى إذا أتى باب داره ومعه ابنه عمرو، فلما
أردت أن أنصرف قال له عمرو: يا أبت، ألا تعرض عليه العشاء، قال: ليس
ذاك من نيتي.
633- موسى بن وردان، مولى عبد الله بن أبي سرح العامري يكنى أبا عمر:
سمع من سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وغيرهم من
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 1، والتاريخ الكبير 4/ 1/ 185، والجرح
والتعديل 7/ 133.
[2] في الأصل: «عن شهاب» . وما أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت.
(7/184)
الصحابة. روى عنه الليث بن سعد وغيره، وكان
يقص بمصر. توفي في هذه السنة.
634- نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الله:
أصابه عبد الله في غزاته. وقد روى عنه وعن أبي هريرة، والربيع بنت
مسعود وغيرهم. وكان ثقة. وبعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلمهم
السنن.
توفي في هذه السنة.
635- أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، أخت عمر [رضي الله عنه] :
كانت من الأجواد الكرماء، و [كانت] [1] تقول: لكل قوم نهمة في شيء،
ونهمتي في العطاء.
وكانت تعتق كل جمعة رقبة وتحمل على فرس في سبيل الله عز وجل.
أخبرنا المحمدان ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا جعفر بن
أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي التوزي، قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدَّقَّاق، قال:
أخبرنا أبو علي بْن صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر القرشي،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن علي بن عبد العزيز الجزري، عن ضمرة بن
ربيعة، عن علي بن أبي جميلة، قال:
سمعت أم البنين بنت عبد العزيز تقول:
أف للبخل، لو كان قميصا ما لبسته، ولو كان طريقا ما سلكته.
قال القرشي: وحدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني مروان بن محمد بن عبد
الملك، قال: دخلت عزة على أم البنين، فقالت لها ما يقول كثير:
قضى كل ذي دين علمت غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين يا عزة؟ فاستحيت فقالت: علي ذاك. قالت: كنت وعدته
قبلة فحرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها له وإثمها علي.
قال يوسف: وحدثني رجل من بني أمية يكنى أبا سعيد، قال: بلغني أن أم
البنين أعتقت لكلمتها هذه أربعين رقبة، وكانت إذا ذكرتها بكت وقالت: يا
ليتني خرست ولم أتكلم بها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت.
(7/185)
ثم دخلت سنة ثماني
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة معاوية وسليمان ابني هشام بن عبد الملك الروم.
وفيها: وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد إلى خراسان واليا على شيعة بني
العباس [1] وغير اسمه وتسمى بخداش، ودعا إلى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
[بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس] [2] فتسارع الناس إليه وسمعوا
وأطاعوا، ثم غير ما دعاهم إليه وكذب [3] وأظهر دين الخرمية [4] ، ورخص
لبعضهم في نساء بعض وأخبرهم أن ذلك عن أمر محمد بن علي، فبلغ خبره إلى
أسد بن عبد الله، فوضع عليه العيون حتى ظفر به، فأمر به فقطعت يده،
وقلع لسانه، وسملت عينه وقتله وصلبه بآمل.
وفيها: اتخذ أسد مدينة بلخ دارا، ونقل إليها الدواوين، واتخذ المصانع،
ثم غزا طخارستان، ففتح وأصاب وسبى [5] .
وفيها: عزل خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم عن المدينة، واستعمل
عليها محمد بن هشام بن إسماعيل، وجاء كتاب إلى أبي بكر بن حزم يوم عزل
خالد عن
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 109، البداية والنهاية 9/ 360.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وأوردناه من البداية والنهاية.
[3] في الطبري: «وتكذب» .
[4] طائفة من الخوارج تقول بالتناسخ والإباحة.
[5] في ت: «وأصاب سبيا» .
(7/186)
المدينة. بإمرته [1] فصعد المنبر وصلى
بالناس ستة أيام، ثم قدم محمد بن هشام من مكة عاملا على المدينة.
وفيها: حج بالناس محمد بن هشام [2] وهو أمير مكة والمدينة والطائف.
قاله الواقدي.
وقال غيره: إنما كان عامل المدينة في هذه السنة خالد بن عبد الملك.
وكان على العراق خالد بن عبد الله وإليه [3] المشرق، وعامله على خراسان
أخوه [4] أسد بن عبد الله، وعامله على [5] أرمينية وآذربيجان مروان بن
محمد، وعلى البصرة وأحداثها وقضائها والصلاة بأهلها بلال بن أبي بردة.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أحمد بن محمد المنكدري، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الصلت، قال:
حدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حدثنا [6] أحمد
بن عبيد، قال:
أخبرنا المدائني، قال:
نظر مالك بن دينار إلى رجل قد اشترى سمكة بستة دراهم، وثيابه تساوي
ثلاثة دراهم، فقال: يا هذا، اشتريت سمكة بستة دراهم وثيابك لعلها تساوي
ثلاثة دراهم، فقال له: يا أبا يحيى لست أريدها لنفسي إنما اشتريتها
للأمير الظالم الذي يطالبنا بما لا نطيق- وذكر له بلال بن أبي بردة-
قال: فامض معي إليه، فمضى فاستأذن فأذن له، فقال له: يا ذا الرجل، أزل
عن الناس ما تعتمده من الظلم، ولا تعرض لهذا البائس، قال: قد أزلت عنه
المظلمة لمكانك يا أبا يحيى، ادع الله لي دعوة، قال: وما ينفعك أن أدعو
لك وعلى بابك مائتان يدعون عليك.
__________
[1] في ت: «فأمر به» .
[2] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن هشام» .
[3] «وإليه» : ساقطة من ت.
[4] «أخوه» : سقط من ت.
[5] في الأصل: «والعاملة» وما أوردناه من ت.
[6] «حدّثنا» : سقط من ت.
(7/187)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
636- إياس بن سلمة بن الأكوع، أبو بكر الأسلمي [1] :
روى عن أبيه، توفي بالمدينة.
637- ثابت بن أسلم، أبو محمد البناني البصري [2] :
نسب إلى بنانة بنت القين بن حبشي تربى حاضنه، حضنت أولاد سعد بن لؤي،
ونسب أولاده إليها.
أسند ثابت عن ابن عمر، وابن الزبير، وأنس وغيرهم. وكان متعبدا كثير
الصلاة والصيام.
أخبرنا ابن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ [أَحْمَدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو علي التميمي، قَالَ: أخبرنا أحمد بن جعفر بن] [3]
حمدان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا [حَسَنُ بْنُ] [4] موسى،
قال: حدثنا أبو هلال، عن بكر ابن عبد [الله] [5] ، قال:
من سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت
البناني، فما أدركنا الذي هو أعبد منه، تراه في يوم معمعاني [6] بعيد
ما بين الطرفين، يظل صائما، ويروح ما بين جبهته وقدمه.
قال أحمد: وحدثنا سيار، حدثنا جعفر، قال: سمعت ثابتا يقول:
ما تركت في المسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها وبكيت
عندها.
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 184.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 3، وطبقات خليفة 214، والتاريخ الكبير 2/ 1/
159، والجرح والتعديل 1/ 1/ 449، وحلية الأولياء 3/ 180، وسير أعلام
النبلاء 5/ 220، وتهذيب التهذيب 2/ 2، والأنساب 2/ 307.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل، وت.
[5] ما بين المعقوفتين: من ت.
[6] شديد الحر.
(7/188)
638- حيّ بن يؤمن بن حجيل، أبو عشانة [1]
المعافري [2] :
حدث عنه أبو قبيل [3] ، والليث، وابن لهيعة. وكان من العباد. [توفي في
هذه السنة] [4] .
639- الحجاج بن فرافصة [5] :
روى عن أنس، وكان من العباد المشتغلين.
أخبرنا علي بن عبيد [الله، قال] أخبرنا أبو محمد الصريفي، قال: أخبرنا
أبو حفص الكتاني، قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، [قال] [6] : حدثنا
يوسف، قال: حدثنا محمد بن كثير، عن سفيان، قال:
بت عند الحجاج بن فرافصة اثنتي عشرة ليلة، ما رأيته أكل ولا شرب ولا
نام.
640- عبد الله بن عامر، أبو عبد الرحمن اليحصبي [7] :
إمام أهل الشام في القراءة، قرأ على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي،
وقرأ المغيرة على عثمان. وروى ابن عامر عن واثلة، والنعمان بن بشير.
وولي القضاء، وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «حجب بن يؤمن بن حجيل أبو عانة» .
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 201، وطبقات خليفة 293، والتاريخ الكبير 3/
398، والجرح والتعديل 3/ 1229، وتاريخ الإسلام 4/ 24، وتهذيب التهذيب
3/ 71.
[3] في الأصل: «أبو فضل» ، خطأ، والتصحيح من ت وكتب الرجال.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] طبقات خليفة 219، والتاريخ الكبير 2/ 2821، والجرح والتعديل 3/
702، وحلية الأولياء 3/ 108، وميزان الاعتدال 1/ 463، وتاريخ الإسلام
5/ 235، وسير أعلام النبلاء 7/ 78، والوافي بالوافيات 11/ 305، وتهذيب
التهذيب 2/ 204.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[7] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 158، وطبقات خليفة 311، والتاريخ الكبير 5/
481، وسير أعلام النبلاء 5/ 292، وتاريخ الإسلام 4/ 266، وميزان
الاعتدال 2/ 4396، وتهذيب التهذيب 5/ 274، وشذرات الذهب 1/ 156.
وقد جاءت كنيته في الأصلين «أبو عبد الرحمن» وهو خطأ. فكنيته في جميع
المراجع «أبو عمران» . وقال المزي: «أبو عمران، وقيل أبو عبيد الله،
وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو نعيم، وقيل: أبو عثمان، وقيل أبو معبد، وقيل
أبو موسى» . والأول أصح.
(7/189)
641- عبادة بن نسي [1] :
قاضي الأردن وسيد أهلها، رأى عقبة بن عامر الجهني، وأبا عبد الله
الصنابحي.
[توفي في هذه السنة] [2] .
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن هبة الله الطبري، قال:
حدثنا محمد بن الحسين بْن الفضل، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن
محمد بْن درستويه، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن سفيان، قال: حدثني سعيد
بن أسد، قال: حدثنا ضمرة، عن رجاء، قال:
كان بين رجل وبين عبادة بن نسي منازعة، فأسرع إليه الرجل فلقي رجاء بن
حيوة، فقال: بلغني أن فلانا كان منه إليك فأخبرني، فقال: لولا أن تكون
غيبة مني لأخبرتك بما كان منه.
642- عروة بن أذينة، أبو عمر [3] :
من بني ليث، وكان شريفا أديبا [ثبتا] [4] يحمل عنه الحديث. وفد على
هشام بن عبد الملك، فقال له: ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف [5] يأتيني
أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني
قال: بلى، قال: فما أقدمك علينا؟ قال: سأنظر في ذلك، وخرج فارتحل من
ساعته. وبلغ ذلك هشاما فأتبعه بجائزته.
ووقفت عليه امرأة، فقالت: أنت الذي يقال عنك الرجل الصالح وأنت تقول:
إذا وجدت أوار الحب في كبدي ... عمدت نحو سقاء القوم أبترد [6]
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 162، وتاريخ خليفة 323، 349، وطبقات خليفة
310، والتاريخ الكبير 5/ 448، 6/ 1816، والجرح والتعديل 6/ 498، وتهذيب
تاريخ ابن عساكر 7/ 217، وسير أعلام النبلاء 5/ 323، وتهذيب التهذيب 5/
113، وتقريب التهذيب 1/ 395.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] الجرح والتعديل 6/ 396. والتاريخ الكبير 4/ 1/ 33.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل أوردناه من ت.
[5] في ت: «هو حظي» .
[6] في الأصل: «سقاء الماء» وما أوردناه من ت.
(7/190)
هذا يؤدي ببرد الماء طاهره [1] ... فمن
لنار على الأحشاء تتقد
فو الله ما قال هذا صالح قط.
أخبرنا ابن ناصر الحافظ بإسناد له عن عبد الجبار بن سعيد، قال: مرت
سكينة ومعها جواريها ليلة بالعقيق، فإذا هي بعروة بن أذينة، فقالت
لجواريها: من في قصر ابن عنبسة جالس، فقلن لها: عروة بن أذينة، فمالت
إليه فقالت: أنت يا أبا عامر تزعم أنك بريء وأنت الذي تقول:
قالت وقد أبثثتها وجدي فبحت به ... قد كنت ويحي تحت الستر فاستتر
ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطي هواك وما ألقى على بصري
هن أحرار إن كان خرج هذا من قلب سليم، فإن شئت أن تعتقهن فقل.
643- أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني:
كان كثير التعبد دائم البكاء، قد جعلت الدموع في خديه طريقين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ، قال:
أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم
الأصفهاني، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الصمد بن
سعيد، قال: سمعت أبا أيوب قال: سمعت يزيد بن عبد ربه يقول:
عدت أبا بكر بن أبي مريم وهو في النزع، فقلت له: رحمك الله، لو جرعت
جرعة ماء، فقال بيده لا، ثم جاء الليل فقال: إذن، فقلت: نعم، فقطرنا في
فمه قطرة ماء ثم مات.
__________
[1] في ت: «هبني بردت ببرد الماء طاهرة» .
(7/191)
ثم دخلت سنة تسع
عشرة ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة الوليد بن القعقاع العبسي [أرض الروم] [1] .
وفيها: غزا أسد بن عبد الله فملأ يديه من السبي، ولقي خاقان ملك الترك
فقتله، وقتل بشرا كثيرا من أصحابه وانصرف بغنائم كثيرة.
وكان الحارث بن شريح قد انضم إلى خاقان، فتبارزوا، فانهزم الحارث
والترك وخاقان وتركوا قدورهم تغلي، وتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلون من
قدروا عليه، واستاقوا من أغنامهم أكثر من خمسين ومائة ألف شاة ودواب
كثيرة، ولحقهم أسد عند الظهر ووجل بخاقان برذونه، فحماه الحارث بن
شريح، وبعث أسد بجواري الترك إلى دهاقين خراسان، واستنقذ من كان في
أيديهم من المسلمين، ومضى خاقان إلى الجوزجان فارتحل أسد فنزل بها،
فهرب خاقان ورجع أسد إلى بلخ، فلقوا خيل الترك التي كانت بمروالروذ
منصرفة لتغير على بلخ، فقتلوا من قدروا عليه منهم، ثم رجع خاقان إلى
بلاده وأخذ في الاستعداد للحرب ومحاصرة سمرقند، وحمل الحارث وأصحابه
على خمسة آلاف برذون.
وأن خاقان لعب مع بعض الملوك بالنرد، فتنازعا فضرب ذلك الملك يد خاقان
فكسرها، فحلف خاقان ليكسرن يده، فبيت خاقان فقتله، وبعث أسد إلى خالد
بن
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 113، وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل أوردناه من
ت.
(7/192)
عبد الله يخبره، فبعث إلى هشام يبشره
بالفتح، فنزل هشام عن سريره فسجد سجدة الشكر.
وقد روي لنا في حديث طويل من أخبار هشام أنه جاءه الخبر أن خاقان قد
خرج فاستباح أرمينية، فلما سمع ذلك ضرب مضربا وآلى ألا يكنه سقف بيت
وأن لا يغتسل من جنابة حتى يفتح الله عليه. فأمر مسلمة فعسكر، فلما
أصبح أذن للناس إذنا عاما فأخبرهم بما ورد من الخبر. وبعث إلى سعيد بن
عمرو الحرشي [1] فأنفذه، فجعل لكل من معه علما في رمحه، فوصلوا ومع
خاقان ثمانية عشر ألف أسير من المسلمين، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة،
فرأت الأسراء [2] الأعلام، فعلموا أنها للمسلمين، فقطعوا أكتاف أنفسهم،
وتناولوا خشبا كان الكفار قد جمعوه، فثار الكفار إلى خيلهم، فهذا بسرج،
وهذا يركب. فلحقتهم خيول المسلمين، وأدرك خاقان فقتل واستبيح عسكرهم،
وقتل منهم مقتلة عظيمة وانهزم الباقون، وقتل ابن خاقان.
وفي هذه السنة [قتل المغيرة بن سعيد ومن
معه] [3]
خرج المغيرة بن سعيد [4] وسار بظاهر الكوفة في نفر، فأخذهم خالد
فقتلهم، وأما المغيرة فذكر أنه كان ساحرا.
قال الأعمش [5] : سمعت المغيرة يقول: لو أراد علي رضي الله عنه [6] أن
يحيي عادا وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا لأحياهم [7] .
قال أبو نعيم [8] : كان المغيرة قد نظر في السحر فأخذه خالد القسري
فقتله.
__________
[1] في ت: «الجرشي» ، خطأ.
[2] في الأصل: «الأسارى» . وما أوردناه من ت.
[3] العنوان غير موجود بالأصول.
[4] في ت: «المغيرة بن سعد» .
[5] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 128، والبداية والنهاية 9/ 363، الكامل
لابن الأثير 4/ 428.
[6] في الأصل: «عليه السلام» ، وما أوردناه من ت.
[7] في الطبري: «لو أردت أن أحيي عادا وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا
لأحييتهم» ، وفي الكامل: «لفعلت» .
وفي البداية والنهاية: «لو أردت أن أجيء عادا وثمودا وقرونا بين ذلك
كثيرا لأجبتهم» .
[8] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 129.
(7/193)
قال سعيد بن مرادابند [1] : رأيت خالدا حين
أتى بالمغيرة وبيان في ستة نفر أو سبعة، أمر بسريره فأخرج إلى المسجد
الجامع، وأمر بأطنان [2] قصب ونفط، فأحضرا ثم أمر المغيرة أن يتناول
طنا فتأنى [3] ، فصبت السياط على رأسه، فتناول طنا فاحتضنه، فشد عليه،
ثم صب عليه وعلى الطن نفط ثم ألهبت [4] فيهما النار فاحترقا، ثم أمر
الرهط ففعلوا كذلك. ثم أمر بيانا آخرهم فتقدم إلى الطن مبادرا فاحتضنه
فقال خالد:
ويلكم في كل أمركم تحمقون، هلا رأستم هذا لا المغيرة، ثم أحرقه.
وفي هذه السنة خرج بهلول بن بشر [5] الملقب
كثارة فقتل [6]
وكان منزله بدابق، وكان يتأله [7] ، فخرج يريد الحج، فأمر غلامه أن
يبتاع له بدرهم خلا فجاءه بخمر، فأمره بردها وأخذ الدرهم، فلم يجب إلى
ذلك، فجاء بهلول إلى عامل القرية فكلمه، فقال العامل: الخمر خير منك
ومن قومك، فمضى في حجه، وعزم على الخروج على السلطان، فلقي بمكة من كان
على مثل رأيه، فاتعدوا قرية من قرى الموصل، فاجتمعوا أربعين [8] ،
وأمروا البهلول، فجعلوا لا يمرون [9] على أحد إلا أخبروه أنهم أقبلوا
من عند هشام إلى خالد [10] لينفذهم في أعمالهم، فأخذوا دوابا من دواب
البريد، فلما انتهوا إلى القرية التي كان ابتاع الغلام منها الخل، فقال
بهلول:
نبدأ بهذا العامل الذي قال ما قال، فقال له أصحابه: نحن نريد قتل خالد،
فإن بدأنا بهذا شهرنا وحذرنا [11] خالد وغيره، فننشدك الله أن تقتل هذا
فيفلت منا خالد، فقال: لا أدع [12]
__________
[1] في الأصول: «مردانية» وما أوردناه من الطبري 7/ 129.
[2] في البداية: «أطناب» . والطن هو حزمة القصب.
[3] في الطبري: «طنا فكع وتأني» .
[4] في ت: «ثم ألقيت» .
[5] في الأصل: «بهلوان بن شريف» . وكذا جاء ذكره في هذا الخبر كله.
[6] تاريخ الطبري 7/ 130.
[7] في الطبري: «وكان منزله بدانق وكان يتعبد» .
[8] في الطبري: «فاجتمع بها أربعون رجلا» .
[9] في الأصل: «فجعلوا طولا يمروا» وما أوردناه من ت.
[10] في الطبري: «من عند هشام على بعض الأعمال ووجههم إلى خالد» .
[11] في ت: «وجذرنا» .
[12] في ت: «ألا أدع» .
(7/194)
ما يلزمني لما بعده، وأنا أرجو أن أقتل هذا
وأدرك خالدا، وقد قال الله عز وجل: (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ
مِنَ الْكُفَّارِ) 9: 123 [1] فأتاه فقتله فنذر بهم الناس وعلموا أنهم
خوارج فابتدروا هرابا.
وخرجت البرد إلى خالد، فأعلموه أن خارجة قد خرجت، فبعث إليهم جندا
فالتقوا على الفرات فهزمهم البهلول، وارتحل إلى الموصل فخافه عامل
الموصل [2] ، فتوجه يريد هشاما، فخرجت إليه الأجناد فكانوا عشرين ألفا
وهو في سبعين، فقاتلهم فقتل منهم جماعة، ثم عقد أصحابه [3] دوابهم
وترجلوا، فأوجعوا في الناس، ثم طعنه رجل فوقع، فقال أصحابه: ول أمرنا
من يقوم به، قال: إن هلكت فأمير المؤمنين دعامة الشيباني فإن هلك فعمرو
اليشكري [4] ، ثم مات من ليلته، فلما أصبحوا هرب دعامة وخلاهم، فخرج
عمرو اليشكري فلم يلبث أن قتل، ثم خرج العميري، فخرج إليه السمط بن
مسلم، فانهزمت الحرورية، فتلقاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم فرموهم
بالحجارة حتى قتلوهم.
ثم خرج وزير السجستاني [5] ، وكان مخرجه بالحيرة، فجعل لا يمر بقرية
إلا أحرقها ولا أحد إلا قتله، وغلب على بيت المال، فوجه إليه خالد
قائدا من أصحابه فقتل عامة أصحابه وارتث، فحمل إلى خالد، فقرأ عليه
آيات من القرآن ووعظه، فأعجب خالد من كلامه فحبسه [6] ، وكان يبعث إليه
في الليالي فيؤتى به فيحادثه [7] ، فبلغ ذلك هشاما وقيل: أخذ حروريا
واتخذه سميرا، فغضب هشام وكتب إلى خالد يشتمه ويأمره بقتله وإحراقه.
فشده وأصحابه بأطنان القصب، فصب عليهم النفط وأحرقهم بالنار، فما منهم
إلا من اضطرب إلا هذا الرجل، فإنه لم يتحرك، ولم يزل يتلو القرآن حتى
مات.
__________
[1] سورة: التوبة، الآية: 123.
[2] «فخافه عامل الموصل» : سقطت من ت.
[3] في الأصل: «ثم عقدوا أصحابه» .
[4] في ت: «فعمره اليشكري» .
[5] كذا في الأصول، وفي الطبري: «وزير السختياني» .
[6] في ت: «خالد بما سمع منه فحبسه» .
[7] في ت: «فيحدثه» .
(7/195)
وفي هذه السنة خرج الصحاري [1] بن شبيب على
خالد، ووافقه جماعة، فبعث إليهم خالد جندا فاقتتلوا فقتلوهم بأجمعهم.
وفي هذه السنة حج بالناس [2] مسلمة بن هشام بن عبد الملك، وحج [معه]
[3] ابن شهاب الزهري، وكان العامل في هذه السنة على مكة والمدينة
والطائف محمد بن هشام، وعلى العراق والمشرق خالد بن عبد الله، وعامل
خالد على خراسان أخوه أسد.
وقد قيل: إن أسد هلك في هذه السنة واستخلف جعفر بن حنظلة البهراني [4]
، وقيل: إنما هلك أسد في سنة عشرين، وكان على أرمينية وأذربيجان مروان
بن محمد بن مروان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
644- حبيب بن أبي ثابت الأسدي، مولى لبني كاهل [5] :
روي عن عمر وابن عباس [وجابر وحكيم بن حرام، وأنس بن مالك] [6] وابن
أبي أوفى. وكان كثير التعبد.
قال أبو بكر بن عياش: لو رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدا لقلت: ميت من طول
سجوده، وكان كريما، أنفق على القراء مائة ألف، وكان يقول: ما استقرضت
شيئا من أحد أحب إلي من نفسي، أقول لها: أمهلي حتى يجيء من حيث أحب.
[وتوفي في هذه السنة] .
__________
[1] في الطبري 7/ 137: «شرى الصحاري» .
[2] تاريخ الطبري 7/ 138.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[4] في ت: «البهزاني» .
[5] طبقات ابن سعد 6/ 223، وطبقات خليفة 159، والتاريخ الكبير 2/ 2592،
والجرح والتعديل 3/ 495، وتاريخ الإسلام الذهبي 4/ 240، وسير أعلام
النبلاء 5/ 288، وتذكرة الحفاظ 1/ 116، وميزان الاعتدال 1/ 451،
والوافي بالوفيات 11/ 290، ومرآة الجنان 1/ 256، وتهذيب ابن عساكر 4/
39، وتهذيب التهذيب 2/ 178.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/196)
645- حبيب، أبو محمد الفارسي:
حضر مجلس الحسن البصري فتأثر بموعظته، فخرج مما كان يملكه وتعبد.
وكان له زوجة يقال لها عمرة تنبهه في السحر وتقول: قم يا رجل فقد ذهب
الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد والزاد قليل، وقوافل الصالحين
قد سارت قدامنا وبقينا.
أَخْبَرَنَا أبو بكر العامري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد الحيري،
قال: أخبرنا ابن باكويه الشيرازي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن
الفضل، قَالَ: حدثنا محمد بن العباس الآملي، قال: حدّثنا محمد بن
إبراهيم الشيروزي، قال: حدثنا عبد الصمد بن محمد العباداني، قال: حدثنا
خلف بن الوليد، قال:
اشترى حبيب الفارسي نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألف درهم، أخرج بدرة
فقال: يا رب اشتريت منك نفسي بهذه، وأخرج بدرة أخرى، فقال: إلهي إن كنت
قبلت تلك فهذه شكرانها، ثم أخرج الثالثة فقال: إلهي إن كنت لم تقبل
[الأولى] [1] والثانية فاقبل هذه، ثم أخرج الرابعة فقال: إلهي إن كنت
قبلت الثالثة فهذه شكر لها.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا بإسناد له عن إسماعيل بن زكريا وكان جارا
لحبيب، [قال] [2] : كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه [3] ، وإذا أصبحت سمعت
بكاءه، فأتيت أهله فقلت: ما شأنه يبكي إذا أمسى ويبكي إذا أصبح؟ قال:
فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسى.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَلي [4] الصيرفي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد
الواحد بن محمد الصباغ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد العزيز بْن الحسن الضراب، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مروان، قَالَ: حَدَّثَنَا
الحسن بْن عَلي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ عبد الواحد بن زيد:
أن حبيبا أبا محمد جزع جزعا شديدا عند الموت، فجعل يقول بالفارسية:
أريد أن أسافر سفرا ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقا ما سلكته قط،
أريد أن أدخل تحت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل، وت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] في الأصل: «بكاوه» .
[4] «أخبرنا ابن المبارك بن علي» . وما أوردناه من ت.
(7/197)
التراب فأبقى تحته إلى يوم القيامة ثم أوقف
بين يدي الله فأخاف أن يقول لي: حبيب، هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين
سنة لم يظفر بك الشيطان فيها، فماذا أقول وليس لي حيلة، أقول: يا رب هو
ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي.
قال عبد الواحد: هذا عبد الله، ستين سنة مشتغلا به ولم يشتغل من الدنيا
بشيء قط، فأي شيء حالنا؟ وا غوثاه باللَّه.
646- مجمع بن سمعان، أبو حمزة [1] :
كان سفيان الثوري يرى له أمرا عظيما حتى قال: ليس شيء من عملي أرجو ألا
يشوبه شيء كحبي لمجمع التيمي.
وقال سفيان: يروى عن أبي حيان [2] التيمي أنه قال وحلف: ما من عمله شيء
أوثق في نفسه من حبه من مجمع التيمي.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: ومن كان أورع من مجمع.
ورأى مجمع في إزار سفيان خرقا فأعطاه أربعة آلاف درهم [3] ، قال سفيان:
لا أحتاج إليها، قال: صدقت، أنت [4] لا تحتاج إليها ولكني أحتاج.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن هبة الله الطبري، قال:
حدثنا محمد بن الحسين بن الفضل، قال: حدثنا ابن درستويه، قال: حدثنا
يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا سفيان، قال: قال مسعر:
جاء مجمع إلى السوق بشاة يبيعها [5] ، فقال: يخيل إلي أن في لبنها
ملوحة.
قال أبو حاتم الرازي: دعا مجمع ربه عز وجل أن يميته قبل الفتنة فمات من
ليلته، وخرج زيد بن علي من الغد.
__________
[1] التاريخ الكبير 4/ 1/ 409، وفيه: «مجمع بن صمعان» . وقال: «كوفي
ويقال: ابن سمعان» . والجرح والتعديل 8/ 295.
[2] في الأصل: «كان سفيان يروي عن أبي حيان التيمي: ما من عمله» . وما
أوردناه من ت.
[3] كذا في الأصل: وفي ت «أربعة دراهم» . وهو أصح.
[4] في الأصل: «أنك» . وما أوردناه من ت.
[5] في ت: «جاء مجمع بشاة إلى السوق يبيعها» .
(7/198)
ثم دخلت سنة عشرين
ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة سليمان بن هشام الصائفة وافتتاحه سندرة وغزوة
إسحاق بن مسلم العقيلي فافتتح قلاعا [1] .
وغزوة مروان بن محمد أرض الترك. وكان قد ولاه هشام أرمينية، فكتب إليه
يستأذنه في الدخول إلى بلادهم، فكتب إليه هشام: كيف أفعل ما لم يفعله
أحد قبلي. فكتب إليه: إن الناس يشتهون ذلك وأرجو أن يكون فيه خير. فأذن
له، فدخل والقوم غارون فهربوا إلى الآجام، فأضرمها نارا واقتتلوا قتالا
شديدا، وظفر المسلمون، وبعثوا [2] إليه بالخبر.
وفي هذه السنة [3] توفي أسد بن عبد الله، فاستخلف جعفر بن حنظلة
البهراني [4] ، فعمل أربعة أشهر، وجاء عهد نصر بن سيار في رجب.
__________
[1] في تاريخ الطبري: «فافتتح قلاع تومان شاه» .
[2] في ت: «بعث إليه» .
[3] تاريخ الطبري 7/ 139.
[4] في الأصل: «النهراني» ، وما أوردناه من ت والطبري.
(7/199)
وفي هذه السنة وجهت
شيعة بني العباس بخراسان إلى محمد بن علي سليمان بن كثير ليعلمه أمرهم
وما هم عليه [1]
وسبب ذلك موجدة كانت من محمد بن علي [على] [2] شيعته بخراسان من أجل
طاعتهم لخداش الّذي كان يكذب على محمد بن علي، فترك مكاتبتهم، فبعثوا
سليمان بن كثير، فقدم عليه، فعنف أهل خراسان [فيما فعلوا.
ثم وجه محمد بن علي بن بكير بن ماهان إلى خراسان] [3] بعد منصرف سليمان
يعلمهم أن خداشا حمل شيعته على غير منهاجه فتابوا من ذلك.
وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك خالد
بن عبد الله عن أعماله التي ولاه كلها [4]
وكان لذلك أسباب منها: أنه اتخذ أموالا وحفرا، فبلغت عشرين ألف ألف،
وكانوا يشيرون عليه أن يعرض بعضها [5] على هشام فلا يفعل. فبلغ ذلك
هشاما، ثم بلغه أن خالدا استخف برجل من قريش، وكان يقول لابنه: ما أنت
بدون مسلمة بن هشام؟ وكان خالد يذكر هشاما فيقول: ابن الحمقاء، وكانت
أم هشام تستحمق. فكتب إليه هشام كتابا فيه غلظة، وقبح له استخفافه
بقريش، وسبه في الكتاب. وعزم على عزله، وأخفى ذلك، فلما أحس طارق خليفة
خالد بالأمر [6] ركب إلى خالد، فقال له: اركب إلى أمير المؤمنين فاعتذر
إليه من شيء بلغه عنك، فقال: كيف أركب [7] إليه بغير إذنه؟
قال: فسر في عملك وأتقدمك، فأستأذنه لك، قال: ولا هذا، قال: فأذهب
فأضمن لأمير المؤمنين جميع ما انكسر في هذه السنين، قال: وما مبلغه؟
قال: مائة ألف ألف، قال: ومن أين أجد هذا [8] ؟ والله ما أجد عشرة آلاف
درهم، قال: نتحمل عنك ونفرق الباقي على العمال، قال: إني للئيم إن كنت
سوغت قوما شيئا ثم أرجع فيه.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 141.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] تاريخ الطبري 7/ 142.
[5] في ت: «أن أعرض بعضها» .
[6] في ت: «خالد بأمره» .
[7] «إلى أمير المؤمنين.... فقال: كيف أركب» : ساقطة من ت.
[8] في ت: «ومن أين آخذ هذا» .
(7/200)
فخرج طارق يبكي، وقال: هذا آخر ما نلتقي في
الدنيا، وجاء كتاب هشام إلى يوسف [بن عمر] [1] : سر إلى العراق فقد
وليتكها، وإياك أن تعلم بذلك أحدا، وخذ ابن النصرانية وعماله فأشفني
منهم، فقدم يوسف العراق في جمادى فأخذ صالح، فحبسه فصولح على تسعة آلاف
ألف درهم، وقيل أخذ مائة ألف ألف فكانت ولاية خالد في شوال سنة عشر ثم
عزل في جمادى الآخر سنة عشرين.
وفي هذه السنة ولي يوسف بن عمر العراق
فقدم واليا عليها [2] على ما ذكرنا، فولى خراسان جديع بن علي الكرماني،
وعزل جعفر بن حنظلة. واستشار هشام فيمن يولي العراق، فذكروا له رجالا،
فاختار نصر بن سيار فولاه، وكتب إليه أن يكاتب يوسف بن عمر، فكتب يوسف
عهد نصر بن سيار مع عبد الكريم الحنفي فأعطاه نصر عشرة آلاف درهم،
وأحسن الولاية والجباية، وبث العمال وعمرت خراسان عمارة لم تعمر قبلها
مثلها.
وفي هذه السنة حج بالناس [3] محمد بن هشام بن إسماعيل، وكان هو العامل
على المدينة ومكة والطائف.
وقيل: بل حج بهم سليمان بن هشام [4] بن عبد الملك. وقيل: يزيد بن هشام.
وكان على المشرق والعراق يوسف بن عمر، وعلى خراسان نصر بن سيار، وقيل:
جعفر بن حنظلة، وعلى البصرة كثير بن عبد الله السلمي من قبل يوسف بن
عمر، وعلى قضائها عامر بن عبيدة الباهلي، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان
بن محمد، وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
647- أسد بن عبد الله، أخو خالد بن عبد الله القسري [5] :
وقد ذكرنا ما كان إليه من خراسان وغيرها. وكانت به دبيلة في جوفه، فحضر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في ت: «فقدمها واليا» .
[3] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[4] في الأصل: «سليمان بن محمد بن هشام» . وفي ت: «سليمان ابن هشام» .
وما أوردناه من الطبري.
[5] التاريخ الكبير 1/ 2/ 50، وتهذيب التهذيب 6/ 458. وتاريخ الطبري 7/
139- 141.
(7/201)
المهرجان وهو ببلخ، فقدم عليه الأمراء
والدهاقين بالهدايا، وكان فيمن قدم عليه عامله على هراة ودهقانها،
فقدما بهدية قومت ألف ألف، كان فيها قصر من ذهب،. وقصر من فضة، وأباريق
من ذهب وفضة، وصحاف من ذهب وفضة، فأقبلا وأسد جالس على سرير وأشراف
الناس من خراسان على الكراسي، فوضعا القصرين، ثم وضعا خلفهما الأباريق
والصحاف والديباج والقوهي، وغير ذلك. ففرق ذلك ثم مرض فأفاق، فقدم إليه
كمثرى، فأخذ واحدة فرمى بها إلى عامل له فانقطعت الدبيلة فهلك.
648- سلم بن قيس العلوي [1] :
يروي عن أنس. روى عنه جرير بن حازم. وثقه يحيى وأبو بكر بن أبي داود.
وقال يحيى في رواية: هو ضعيف. وقال حماد: ذكرته لشعبة، فقال: الذي يرى
الهلال قبل الناس بيومين. قال له الحسن: خل بين الناس وهلالهم حتى
يروه. قال ابن قتيبة:
يقال إن أشفار عينيه ابيضت، وكان إذا أبصر رأى أشفار عينيه فيظنها
الهلال.
وليس هو من أولاد علي بن أبي طالب، إنما هو من ولد علي بن [يونان، قيل:
كانوا بالبصرة، وثم آخر يقال له: خالد بن يزيد العلوي من ولد علي بن]
[2] الأسود، يروي عن الحسن البصري، وثم آخر يقال له جندب بن سرحان
العلوي من بني مدلج، حدث عن بليغ، روى عنه ابن لهيعة، ومدلج من بني عبد
مناة بن كنانة، وإنما قيل لولده بنو علي لأن أمهم الدفراء واسمها فكيهة
تزوجها بعد أبيهم علي بن مسعود الغساني، فنسبوا إليه. وإياهم عنى أمية
بن أبي الصلت بقوله:
للَّه در بني علي ... أيم منهم وناكح
وما عدا من ذكرنا ممن يقال له العلوي فمنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي
الله عنه [3] .
__________
[1] التاريخ الكبير 4/ 2312، والجرح والتعديل 4/ 1139، والمجروحين لابن
حبان 1/ 343، وتاريخ الإسلام 5/ 81، وميزان الاعتدال 2/ 3378، وتهذيب
التهذيب 4/ 135، وأورده المصنف الضعفاء له.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «عليه السلام» . وما أوردناه من ت.
(7/202)
649- عبد الله بن كثير، أبو معبد المقري،
مولى عمر بن علقمة الكناني، ويقال: الداري [1] :
والدار بطن من لخم، وهو من أبناء فارس الذين كانوا بصنعاء، بعثهم كسرى
إلى اليمن لما طرد الحبشية عنها، وهو أحد القراء السبعة. أخذ عن مجاهد،
وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء.
وكان ذا دين وورع، وكان عطارا، وتوفي بمكة في هذه السنة.
650- عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، أبو عمر الظفري الأنصاري [2] :
كان له علم بالسير والمغازي. روى عن ابن إسحاق وغيره، وكان ثقة، ووفد
على عمر بن عبد العزيز في خلافته في دين لزمه، فقضاه عنه، وأمر له
بمعونة، وأمره أن يجلس في مسجد دمشق [3] فيحدث الناس بمغازي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه رضي الله عنهم، وقال: إن بني أمية
كانوا يكرهون هذا وينهون عنه، فأجلس فحدث، ففعل.
ثم رجع إلى المدينة فتوفي بها في هذه السنة.
651- قيس بن مسلم الجدلي [4] :
روى عن طارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وابن جبير. وكان من
المتعبدين البكاءين، [وتوفي في هذه السنة] [5] .
__________
[1] طبقات ابن سعد 5/ 356، وطبقات خليفة 282، والتاريخ الكبير 5/ 567،
والجرح والتعديل 5/ 673، وسير أعلام النبلاء 5/ 318، وتاريخ الإسلام 4/
268 وتهذيب التهذيب 5/ 367.
[2] طبقات ابن سعد الجزء المخطوط، وطبقات خليفة 258، وعلل أحمد 1/ 276،
والتاريخ الكبير 6/ 3040، والجرح والتعديل 6/ 1913، وسير أعلام النبلاء
5/ 240، وتاريخ الإسلام 4/ 261، وميزان الاعتدال 2/ 4059، وتهذيب
التهذيب 5/ 53، وتقريب التهذيب 1/ 385، وشذرات الذهب 1/ 157.
[3] في الأصل: «مسجد ما مجلس» . وما أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 6/ 221.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/203)
أخبرنا عبد الوهاب [الحافظ] [1] بإسناده عن
أبي بكر بن عبيد، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا الحميدي، قال:
حدثنا سفيان، قال:
كان قيس بن مسلم يصلي حتى السحر، ثم يجلس فيمج البكاء ساعة بعد ساعة
ويقول: لأمر ما خلقنا، لئن لم نأت الآخرة بخير لنهلكن.
652- محمد بن واسع بن جابر، أبو عبد الله [2] :
أسند عن أنس وغيره، وكان عالما خيرا متواضعا، وكان الحسن يسميه سيد
القراء، وكان يصوم الدهر ويخفي ذلك، وكان يبكي طول الليل حتى قالت
جارية له: لو كان هذا قتل أهل الدنيا ما زاد على هذا. وكان يخرج فيغزو،
فخرج مرة إلى الترك مع قتيبة بن مسلم، فقيل لقتيبة: محمد بن واسع يرفع
إصبعه- يعني يدعو- فقال: تلك الإصبع أحب إلي من ثلاثة آلاف عنان.
أنبأنا المبارك بن أحمد الكندي، قال: أخبرنا عاصم بن الحسن، قال:
أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ:
حدثني أبو حفص الصيرفي، قال: حدثني علي بن بزيع الهلالي، قال: قال مطر
الوراق، قال:
ما اشتهيت أن أبكي قط حتى أشتفي إلا نظرت إلى وجه محمد بن واسع، وكنت
إذا نظرت إلى وجهه كأنه قد ثكل عشرة من الحزن.
أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري بإسناد له عن ابن شوذب، قال: كان إذا
قيل بالبصرة: من أفضل أهل البصرة؟ قالوا: محمد بن واسع، ولم يكن يرى له
كثير عبادة، وكان يلبس قميصا بصريا وساجا، وكان له علية، فإذا كان
الليل دخل ثم أغلقها عليه.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قَالَ: حَدَّثَنَا حمد بْن أَحْمَد قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن
مالك، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 10. والتاريخ الكبير 1/ 1/ 255، وحلية
الأولياء 2/ 345، 354، 6/ 391، 301. وتقريب التهذيب والبداية والنهاية
9/ 381.
(7/204)
قال: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن
علية، عن يونس، قال: سمعت محمد بن واسع يقول:
لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنوا مني من نتن ريحي.
قال عبد الله: وحدثني علي بن مسلم، قال: حدثنا سيار، قال: حدثنا الحارث
بن نبهان، قال: سمعت محمد بن واسع يقول:
وا أصحاباه، [ذهب أصحابي] [1] : قلت: رحمك الله، أليس قد نشأ شباب
يصومون النهار، ويقومون الليل، ويجاهدون في سبيل الله؟ قال: بلى، ولكن
يداخ وثفل أفسدهم العجب.
قال عبد الله: وحدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب،
قال:
قسم أمير البصرة على أهل البصرة، فبعث إلى مالك بن دينار فقبل، فقال له
محمد بن واسع: يا مالك قبلت جوائز السلطان، قال: سل [2] جلسائي،
فقالوا: اشترى بها رقابا وأعتقهم، فقال له محمد بن واسع: أنشدك الله،
أقلبك الساعة له على ما كان قبل أن يجيزك؟ قال: اللَّهمّ لا، قال: ترى
أي شيء دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه:
[إنما مالك حمار] [3] ، إنما يعبد الله مثل محمد بن واسع.
قال عبد الله: وحدثني عبيد الله القواريري [4] ، قال: حدثنا حماد بن
زيد، قال:
دخلنا على محمد بن واسع نعوده في مرضه، فجاء يحيى البكاء يستأذن،
فقالوا: يحيى البكاء، فقال: إن شر أيامكم يوم نسبتم إلى البكاء.
وفي رواية أخرى أنه قال: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته لا
تعلم.
وقال لرجل: هل أبكاك قط سابق علم الله فيك.
أخبرنا علي بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ،
قال: أخبرنا أبو الحسين بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في ت: «جاء جلسائي» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «الفزاري» . خطأ، وما أوردناه من ت.
(7/205)
بِشْرَان، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان،
قَالَ: حدثنا أبو بكر بن عبيد الله، قال: حدثنا عبد الله بن عيسى
الطفاوي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الزراد، قال:
رأى محمد بن واسع ابنا له وهو يخطر بيده، فقال: ويحك، تعال، تدري من
أنت؟ أمك اشتريتها بمائتي درهم، وأبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله.
قال ابن عبيد اللَّهِ [1] : وحدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، عن سعيد
بن عامر، عن حزم، قال: قال محمد بن واسع وهو في الموت:
يا إخوتاه، تدرون أين يذهب بي؟ يذهب بي والله الذي لا إله إلا هو إلى
النار أو يعفو عني.
653- أبو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأنصاري [2]
:
اسمه كنيته، وكان فاضلا، وكان إليه القضاء والحج. ولما ولي عمر بن عبد
العزيز ولاه إمرة المدينة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي بإسناده عن عطاف بن خالد، عن أمه، عن
امرأة أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم أنها قالت:
ما اضطجع أبو بكر على فراشه منذ أربعين سنة بالليل.
توفي بالمدينة وهو ابن أربع وثمانين سنة.
__________
[1] في الأصل: «ابن أبي عبيد» . وما أوردناه من ت.
[2] الجرح والتعديل 9/ 337، والتاريخ الكبير، الكنى 10.
(7/206)
|