المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها [1] غزوة مسلمة الروم، وافتتح بها مطامير [2] .
وغزوة مروان بن محمد بلاد صاحب سرير الذهب، ففتح قلاعه، وخرب أرضه،
وأذعن له بالجزية في كل سنة ستة آلاف رأس [3] يؤديها، وأخذ بذلك الرهن،
وملكه مروان على أرضه.
وفي هذه السنة قتل زيد بن علي [4] في بعض
الأقوال،
وفي قول: إنه قتل في سنة عشرين. وزعم هشام بن محمد أنه قتل سنة اثنتين
وعشرين.
واختلف في سبب خروجه، فقال عبد الله بن عياش [5] : قدم زيد بن علي
ومحمد بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهم
وداود بن علي بن عبد الله بن عباس على خالد بن عبد الله وهو على العراق
فأجازهم ورجعوا إلى المدينة، فلما ولي يوسف بن عمر كتب إلى هشام
بأسمائهم وبما أجازهم به، وكتب يذكر أن خالدا ابتاع من زيد أرضا
بالمدينة بعشرة آلاف دينار، ثم رد الأرض عليه. وكتب هشام إلى عامل
المدينة أن
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 160.
[2] في الأصل: «وافتتح فيها مطامير» . وفي ت: «وافتتح مطامير» . وما
أوردناه من الطبري.
[3] كذا في الأصول، وفي الطبري: «ألف رأس» .
[4] تاريخ الطبري 7/ 160.
[5] في الأصل: «عبد الله بن عباس» . وما أوردناه من ت والطبري.
(7/207)
يسرحهم إليه، ففعل، فسألهم هشام فأقروا
بالجائزة، وأنكروا ما سوى ذلك، فسأل زيدا عن الأرض فأنكرها وحلفوا
لهشام فصدقهم.
وفي رواية [1] : أن يزيد بن خالد القسري ادعى مالا قبل زيد بن علي
ومحمد بن عمر وداود بن علي [في آخرين] [2] فأنكروا.
وفي رواية [3] أن خالدا القسري لما عذب ادعى أنه استودع هؤلاء مالا،
فكتب فيهم يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك، فقال لهم هشام: فإنا
باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه، فقال له زيد بن علي: أنشدك الله
والرحم أن تبعث بي إلى يوسف فإنّي أخاف أن يعتدي عليّ، قال: ليس ذلك
له، ثم كتب إلى يوسف: أما بعد، فإذا قدم عليك فلان وفلان فاجمع بينهم
وبين يزيد بن خالد، فإن هم أقروا بما ادعى عليهم فسرحهم إلي، وإن هم
أنكروا فسله بينة، وإن لم يقم بينة فاستحلفهم بعد العصر باللَّه الذي
لا إله إلا هو ما استودعكم يزيد وديعة ولا له قبلكم شيء، ثم خل سبيلهم،
فلما قدموا سألهم عن المال فأنكروا جميعا وقالوا: لم يستودعنا مالا ولا
له قبلنا حق، فقال له يوسف: هؤلاء الذين ادعيت عليهم ما ادعيت، فقال:
ما لي قبلهم قليل ولا كثير، فقال له: أفبي تهزأ أم بأمير المؤمنين،
فعذبه عذابا ظن أنه قتله، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فلحقوا بالمدينة.
وقيل لخالد: لم ادعيت عليهم؟ فقال: اشتد علي العذاب فرجوت مجيء فرج قبل
وصولهم. وأقام زيد بن علي بالكوفة.
وقيل [4] : إنما كانت الخشونة بين زيد وعبد الله بن حسن بن حسن، فقدم
زيد على هشام لمخاصمه ابن عمه عبد الله، فقال له هشام: قد بلغني أنك
تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك أنت ابن أمة، فقال: إن لك يا أمير
المؤمنين جوابا، قال: فتكلم، قال: ليس أحد أولى باللَّه من نبي ابتعثه،
وقد كان إسماعيل من خير الأنبياء، وكان ابن أمة.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 160.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 162.
[4] تاريخ الطبري 7/ 163.
(7/208)
وخرج [1] فجعلت الشيعة تختلف إلى زيد
وتأمره بالخروج، ويقولون: إنا لنرجو أن تكون المنصور، وأن يكون هذا
الزمان الذي يهلك فيه بنو أمية، فأقام بالكوفة، وكتب هشام إلى يوسف [2]
: أشخص زيدا إلى بلده فإنه لا يقيم ببلد فيدعو أهله إلا أجابوه، فإنه
جدل لسن حلو الكلام، فإن أعاره القوم أسماعهم فحشاها [3] من لين لفظه
مع ما يدلي به من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم- مالوا إليه،
فجعل يوسف بن عمر يسأل عنه، فيقال [4] :
هو هاهنا، فيبعث إليه: أن أشخص، فيقول: نعم، ويعتل بالوجع، ويبلغ يوسف
أن الشيعة تختلف إلى زيد، فسأل عنه بعد مدة، فقيل: لم يبرح، وكان قد
أقام نحو خمسة عشر شهرا، فبعث إليه يستحثه، وكان يوسف بالحيرة، وإنما
كان يكتب إلى عامله بالكوفة، فتهيأ زيد وخرج، فلحقته الشيعة فقالوا:
أين تذهب ومعك مائة ألف راجل من أهل الكوفة يضربون دونك بأسيافهم غدا،
وليس قبلك من أهل الشام إلا عدة قليلة، لو أن قبيلة من قبائلنا نصبت
لهم لكفتهم بإذن الله، فننشدك الله لما رجعت. فلم يزالوا به حتى ردوه
إلى الكوفة.
وفي رواية [5] : أن جماعة من وجوه أهل الكوفة بايعوه حين كان بالكوفة
منهم سلمة بن كهيل، ونصر بن خزيمة، وحجية بن الأجلح، ثم إن سلمة أشار
على زيد ألا يخرج، فلما رأى ذلك داود بن علي قال له: يا ابن عم، لا
يغرنك هؤلاء من نفسك ففي أهل بيتك لك عبرة، وفي خذلان هؤلاء إياهم،
فقال: يا داود، إن بني أمية قد عتوا. فلم يزل به داود حتى شخص إلى
القادسية، فتبعه أهل الكوفة فقالوا: نحن أربعون ألفا فإن رجعت إلى
الكوفة لم يتخلف عنك أحد، وأعطوه المواثيق والأيمان المغلظة، فجعل
يقول: إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم بأبي وجدي، فيحلفون له
فيقول داود بن علي: يا ابن عم، إن هؤلاء يغرونك، أليس قد خذلوا من كان
أعز منك عليهم، جدك علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قتل، والحسن بعده
بايعوه [6] ثم وثبوا
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 166.
[2] في الأصل: «وكتب إلى هشام إلى يوسف» . والتصحيح من ت.
[3] في الأصل: «فحثاها» ، والتصحيح من ت والطبري 7/ 169.
[4] في ت: «فيقول» .
[5] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 168.
[6] في ت: «بايعوا» .
(7/209)
[عليه] [1] فانتهبوا فسطاطه وجرحوه، أو ليس
قد أخرجوا جدك الحسين، وحلفوا له ثم خذلوه، ثم لم يرضوا بذلك حتى
قتلوه، فلا تفعل ولا ترجع معهم، فقالوا له: إن هذا لا يريد أن تظهر،
ويزعم أنه وأهل بيته أحق بهذا الأمر.
فمضى داود إلى المدينة، ورجع زيد إلى الكوفة فاستخفى فأقبلت الشيعة
تختلف إليه وتبايعه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل، فأرسل إلى
السواد وأهل الموصل رجالا يدعون إليه.
وتزوج بالكوفة، فكان ينزل تارة في دار امرأته وتارة في دار أصهاره،
ومرة عند نصر بْن خزيمة، ثم تحول إلى دار معاوية بن إسحاق، وكانت بيعته
التي بايع الناس:
ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وجهاد الظالمين، والدفع عن
المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم [2] هذا الفيء بين أهله بالسواد،
ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا. فإذا قال القائل: نعم،
وضع يده على يده، وقال: عليك عهد الله وميثاقه وذمة الله وذمة رسوله
لتفين بيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية؟ فإذا قال:
نعم، مسح يده على يده ثم قال: اللَّهمّ اشهد.
فمكث كذلك بضعة عشر شهرا، فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد
والتهيؤ، فشاع أمره في الناس، فلما عزم على الخروج أمر أصحابه بالتأهب،
فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر فأخبره خبره، فبعث
يوسف في طلب زيد فلم يجده، فلما رأى الناس الذين بايعوه أن يوسف بن عمر
يستبحث عن أمره اجتمع إليه جماعة من رؤسائهم، فقالوا له: رحمك الله، ما
تقول في أبي بكر وعمر؟ قال: رحمهما الله ورضي عنهما، ما سمعت أحدا من
أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب إذا
بدم أهل هذا البيت، إلا أنهما وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم، فقال
زيد: لو قلنا إنهم استأثروا علينا لم يبلغ ذلك بهم كفرا [3] ، قد
[والله] [4] ولوا فعدلوا، قالوا: فإذا كان أولئك لم يظلموكم فلم تدعونا
إلى قتال هؤلاء، فقال: إن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في ت: «ودفع» .
[3] في الأصل: «إلا كفرا» . وما أوردناه من ت والطبري 8/ 181.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/210)
هؤلاء ظالمون لكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم
[1] إلى كتاب الله وإلى السنن أن تحيى، وإلى البدع أن تطفأ. ففارقوه
ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الإمام- وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن
علي أخا زيد بن علي هو الإمام، وكان قد هلك يومئذ- وكان ابنه جعفر بن
محمد حيا، فقالوا: جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه وهو أحق بالأمر ولا نتبع
زيدا وليس بإمام، فسماهم زيد الرافضة.
ثم استتب لزيد خروجه، فواعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة
اثنتين وعشرين، وبلغ يوسف بن عمر، فبعث إلى الحكم بن الصلت وهو يومئذ
على الكوفة، فأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم ويحصرهم فيه.
فجمع الناس في المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم، وطلب زيد فخرج
ليلا، ورفع أصحابه هرادي [2] النار ونادوا: زيد يا منصور [3] . وأمر
الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت وأغلقوا أبواب المسجد على أهل
الكوفة، وكان جميع من وافى زيدا تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر
رجلا، فقال زيد: سبحان الله، أين الناس؟ فقيل له: هم في المسجد الأعظم
محصورون.
فذهب زيد إلى الكناسة، فإذا بها جمع من جموع أهل الشام فهزمهم، ثم خرج
إلى الجبانة، وخرج يوسف بن عمر، فنزل على تل قريب من الحيرة ومعه أشراف
الناس، ثم عاد زيد فدخل الكوفة فقصد المسجد، فجعل أصحابه يقولون: يا
أهل المسجد اخرجوا. واقتتل هو وأهل الشام.
فلما كانت غداة الخميس بعث يوسف بن عمر جندا فلقوا زيدا فاقتتلوا
فهزمهم زيد، وقتل من أهل الشام نحوا من سبعين، فانصرفوا وهم بشر حال.
ثم عبأهم يوسف بن عمر وسرحهم، فالتقوا بأصحاب زيد فحمل عليهم زيد
وأصحابه، فكشفهم وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد، فقتل
وثبت زيد حتى إذا جاء الليل رمي
__________
[1] في ت: «وإنكم تدعونهم» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] في الأصل: «هوادي» . وما أوردناه من ت، والهرادي: قصبات تضم ملوية
بطاقات الكرم تحمل عليها قضبانه.
[3] تاريخ الطبري 7/ 183.
(7/211)
بسهم فأصاب جبهته، فثبت [1] في الدماغ،
فأدخل إلى بيت، وجيء بالطبيب فانتزع السهم فجعل يضج ثم مات. فقال
القوم: أين ندفنه؟ فقال بعض أصحابه: نلبسه درعه ونطرحه في الماء، وقال
آخر: بل نحتز رأسه ونطرحه بين القتلى، فقال ابنه: لا والله لا تأكل لحم
أبي الكلاب. فجاءوا به إلى نهر فسكروا الماء وحفروا له فدفنوه وأجروا
عليه الماء، وتصدع الناس، وتوارى ولده يحيى بن زيد.
فلما سكن الطلب خرج في نفر من الزيدية إلى خراسان، ثم دل القوم على قبر
زيد، فاستخرجوه وقطعوا رأسه وصلبوا جسده، وبعث برأسه إلى هشام، فأمر به
فنصب على باب دمشق، ثم أرسل به إلى المدينة فصلب بها، ومكث البدن
مصلوبا حتى مات هشام، فأمر به الوليد فأنزل وأحرق، فلما ظهر ولد العباس
عمد عبد الله بن علي إلى هشام بن عبد الملك، فأخرجه من قبره وصلبه بما
فعل بزيد.
وذكر أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي في كتاب المقالات:
أن زيد بن علي لما خرج قتل في المعركة ودفنه أصحابه، فعلم به يوسف بن
عمر، فنبشه وصلبه ثم كتب هشام يأمر بحرقه فأحرق ونسف رماده في الفرات.
ثم خرج يحيى بن زيد بالجوزجان على الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فبعث
نصر بن سيار إليه سلم بن أجوز المازني فحاربه فقتل في المعركة ودفن في
بعض الخانات.
وخرج محمد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بالمدينة، وبويع
له في الآفاق، فبعث إليه المنصور بعيسى بن موسى، وحميد بن قحطبة
فقتلاه، وقتلا من أجله تحت الهدم أباه عبد الله، وعلي بن الحسن بن
الحسن وجماعة، ودفن إبراهيم بن الحسن بن الحسن وهو حي بالكوفة، وكان
محمد بن عبد الله وجه ولده واخوته إلى الآفاق يدعون إليه فوجه ابنه
عليا إلى مصر، فأخذ هناك وقتل، ووجه ابنه عبد الله إلى خراسان فطلب
فهرب إلى السند فأخذ بها وقتل، ووجه ابنه الحسن إلى اليمن فأخذ لنفسه
أمانا ثم حبس فمات في السجن، ثم وجه أخاه موسى إلى الجزيرة، فأخذ لنفسه
أمانا، ووجه أخاه إدريس إلى المغرب، ووجه أخاه يحيى إلى الري، وخرج
بعده أخوه إبراهيم [بن عبد الله
__________
[1] في الطبري: «فتثبت» .
(7/212)
إلى] [1] البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز
وفارس وأكثر السواد، وشخص عن البصرة يريد محاربة المنصور، فبعث إليه
المنصور بعيسى بن موسى وسعيد بن سلم، فحارب حتى قتل ومضى أخوه إدريس بن
عبد الله إلى المغرب فغلب على بلدان كثيرة [وبسط العدل فيها.
وخرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن فبايعه الناس] [2] ، وعسكر بفخ على
ستة أميال من مكة، فخرج إليه موسى بن عيسى في أربعة آلاف فقتل وأكثر من
كان معه ولم يتجاسر أحد أن يدفنهم ثلاثة أيام، فأكلت أكثرهم السباع [3]
. وكان خروجه سنة سبع [4] وستين ومائة في خلافة موسى، وأسر ممن كان معه
[5] سليمان بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن فضربت عنقه
بمكة صبرا وقتل معه جماعة.
وخرج يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن فقتل، وخرج محمد
بن جعفر بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن علي بتاهرت فغلب عليها. وخرج
بالكوفة أيام المأمون محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن
بن الحسن ثم مات بعد أربعة أشهر. فخرج من بعده محمد بن محمد بن زيد بن
زيد بن علي فأخذ وأظهر موته.
وخرج باليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين داعية
لمحمد بن إبراهيم فأمنه المأمون. وخرج جعفر بن إبراهيم بن موسى بن جعفر
باليمن، فقدم به على المأمون فأمنه. وخرج محمد بْن القاسم بْن علي بْن
عمر بن علي بن الحسين بالطالقان في خلافة المعتصم، فوجه إليه عبد الله
بن طاهر فانهزم محمد ثم وقعوا به فأنفذ إلى المعتصم، فحبسه في قصره
فقيل إنه مات، وقال قوم من الشيعة إنه سيظهر.
وخرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين داعية لمحمد بن إبراهيم،
فلما مات محمد دعى إلى نفسه [فحمل إلى المأمون، وخرج الأفطس بالمدينة
داعية
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في ت: «الكلاب» .
[4] في ت: «تسع وستين» .
[5] «وأسر ممن كان معه» : ساقط من ت.
(7/213)
لمحمد بن إبراهيم فلما مات محمد دعى إلى
نفسه] [1] ، وهرب العباس بن محمد بن عبد الله بن علي من الرشيد، فدعا
به فشتمه فرد عليه [ما قال] [2] ، فضرب بين يديه بالعمد حتى مات.
وخرج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بطبرستان فما زالت بيده حتى مات،
[وخلفه أخوه محمد فحاربه رافع بن هرثمة، ثم تابعه بالري محمد بن جعفر
بن الحسن فأسروا وحمل إلى محمد بن طاهر فحبسه حتى مات] [3] .
وخرج الكوكبي واسمه الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل فهزمه موسى بن
بغا، وخرج بالكوفة أيام المستعين يحيى بن عمر بْن يحيى بْن زيد بْن علي
بْن الحسين بن علي فحارب فقتل. وخرج الحسين بن محمد بن حمزة فأخذ وحبس.
وخرج ابن الأفطس [بالمدينة] [4] ، وخرج بالمدينة إسماعيل بن يوسف بن
إبراهيم بن عَبْد الله، فخلفه أخوه محمد فطلب فهرب ومات.
وخرج ابن لموسى بن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
فمضى إلى فارس فمات بها. وخرج صاحب البصرة وكان يدعي أنه علي بن محمد
بْن علي بن عيسى بن زيد بن علي، وكان أنصاره الزنج، وكان يرى رأي
الأزارقة وسيأتي.
وستأتي أخبار هؤلاء في أماكنها [5] إن شاء الله.
وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار ما وراء
النهر مرتين [6]
وقتل أمير الترك، وذهب إلى فرغانة فسبى بها ثلاثين ألف رأس، وصالح
ملكها.
فجاءت أم الملك إلى نصر بن سيار فقالت له في مخاطبتها إياه: كل ملك لا
يكون عنده ستة أشياء فليس بملك: وزير يباثه بنيات صدره [7] ويشاوره
ويثق بنصحه، وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهيه، وزوجة إذا
دخل عليها مغتما فنظر إليها ذهب غمه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] في الأصل: «أماكنهم» وقد صححت لاستقامة المعنى.
[6] تاريخ الطبري 7/ 173.
[7] في الطبري: «بكتاب نفسه» .
(7/214)
وحصن إذا فزع أو جهد فزع إليه [1] فأنجاه
[2]- تعني الفرس- وسيف إذا قارع الأقران لم يخش خيانته، وذخيرة إذا
حملها عاش بها أينما وقع من الأرض.
وكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار: سر إلى هذا الغارز ذنبه في الشاش
[3]- يعني الحارث بن شريح- فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش فخرب ديارهم
واسب ذراريهم. فسار فقتل المسلمون فارس الترك.
وفي هذه السنة حج بالناس [4] محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وهو
عامل مكة والمدينة والطائف. وكان العامل على أذربيجان وأرمينية مروان
بن محمد، وعلى خراسان نصر بن سيار، وعلى قضاء البصرة عامر بن عبيدة،
وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة. وكان على العراق كله يوسف بن عمر الثقفي.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك وأحمد قالا: أخبرنا عبد
الجبار الصيرفي وهو أبونا قال: أخبرنا القاضي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
الْمُهْتَدِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل محمد بن الحسن بن
المأمون، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن الأنباري، قال: حدثني أحمد
بن بشار بن الحسن بن بيان، قال: حدثنا إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي،
قال: حدثني أبي، قال: حدثنا إسحاق بن زياد عن شبيب بن شبة، عن خالد بن
صفوان بن الأهتم، قال: [5] أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك
في وفد العراق، فقدمت عليه وقد خرج متبديا بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته
من جلسائه، فنزل في أرض قاع صحصح متنايف أفيح في عام قد بكر وسميه،
وتتابع وليه، وأخذت الأرض زينتها من اختلاف نبتها من نور ربيع مونق،
فهو أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر، بصعيد كان
__________
[1] في الأصل: «فزع وجهد فزع إليه» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] في ت: «فنجت» .
[3] في الأصل: «هذا الغارس ذنبه في الشاش» . وفي ابن الأثير: «الغادر
دينه في الشاش» . وما أوردناه من ت والطبري.
[4] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[5] الخبر في الروض المعطار 226، وعيون الأخبار 2/ 341.
(7/215)
ترابه قطع الكافور حتى لو أن بضعة ألقيت
فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبرة، وكان صنعه له يوسف بن عمر
باليمن، فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها، وعليه دراعه من خز
أحمر مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم، فأخرجت رأسي من ناحية
السماط فنظر إلي مثل المستنطق لي [1] ، فقلت: أتم الله عليك يا أمير
المؤمنين نعمة، وسوغكها بشكره، وجعل ما قلدك من هذه الأمور رشدا وعاقبة
ما يؤول إليه حمدا أخلصه الله لك بالتقى، وكثره لك بالنماء، لا كدر
عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة
ومستراحا، إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجئون في أمورهم، وما أجد يا
أمير المؤمنين جعلني الله فداك [2] شيئا هو أبلغ في قضاء حقك من أن
أذكرك نعمة الله عليك فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ
من حديث من يقدم قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته.
وكان متكئا فاستوى قاعدا وقال: هات يا ابن الأهتم، فقلت:
يا أمير المؤمنين، إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا
إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه، وتتابع وليه، وأخذت الأرض
فيه زخرفها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن منظر،
وأطرف مختبر، وألذ مستمطر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن
بضعة ألقيت فيه لم تترب، وكان قد أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة
والنماء فنظر فأبعد النظر فقال: لمن هذا الذي أنا فيه، هل رأيتم مثل ما
أنا فيه؟ هل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجة
والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال [له] [3] : أيها الملك، إنك قد سألت
عن أمر أفتأذن في الجواب؟ قال: نعم، قال: أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به،
أهو شيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا عن غيرك وهو زائل عنك،
وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: فكذلك هو، قال: أفلا أراك إنما
أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا لحسابه
مرتهنا، قال: ويحك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك
فتعمل بطاعة ربك على ما ساءك وسرك ومضّك
__________
[1] في الأصل: «كالمستنطق» . وما أوردناه من ت.
[2] «يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك» : ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/216)
وأومضك، وإما أن تضع تاجك، وتلبس أمساحك،
وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك. قال: فإذا كان السحر فاقرع علي
بابي، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا تعصى [وجليسا لا يقصى] [1] ،
وإن اخترت خلوات الأرض و [قعر] [1] البلاد كنت رفيقا لا يخالف.
فلما كان السحر قرع عليه بابه، فإذا هو قد وضع تاجه ولبس أمساحه وتهيأ
للسياحة، فلزما والله الجبل حتى أتتهما آجالهما، وذلك حيث يقول أخو بني
تميم عدي بن زيد العبادي [2] :
أيها الشامت المعير بالدهر ... أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيام ... بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أبو ... ساسان أم أين قبله سابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك ... الروم لم يبق منهم مذكور
وأخو الحصن إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا ... فللطير [3] فِي ذراه وكور
لم تهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور
وتأمل رب الخورنق إذ أشرف ... يوما وللهدى تفكير
سره ماله وكثرة ما يملك ... والبحر معرض والسدير
فارعوى قلبه وقال وما غبطة ... حي إلى الممات يصير
ثم بعد الإفلاح والملك و ... الأمة وارتهم هناك القبور
ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فألوت به الصبا والدبور
قال: فبكى هشام حتى اخضلت لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته وبنقلان
قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، ولزم [4] قصره. قال: فاجتمعت
الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت بأمير المؤمنين،
نغصت عليه لذته، وأخذت عليه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ديوان عدي: 87- 90.
[3] في الأصل: «وجلله كلسا فما للطير» . والتصحيح من ت والديوان.
[4] في الأصل: «ولزوم» . وما أوردناه من ت.
(7/217)
ناديته، فقال لهم: إليكم عني فإني عاهدت
الله تعالى عهدا لن أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل.
قال ابن الأنباري: الذي حفظناه عن مشايخنا متنايف أفيح.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الصواب مسايف جمع مسافة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
654- الربيع بن أبي راشد، أبو عبد الله [1] :
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بكر بْن مالك، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، قال: حدثني الفضل بن سهل، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال:
حدثني من سمع عمر بن ذر يقول:
كنت إذا رأيت الربيع بن أبي راشد كأنه مخمار من غير شراب [2] .
أخبرنا علي بْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رِزْقُ اللَّهِ،
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن
صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر القرشي، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل،
قال: حدثني عبد السلام بن حرب، عن خلف بن حوشب، قال:
قال الربيع بن أبي راشد:
اقرأ عليّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ من
الْبَعْثِ) 22: 5 [3] فقرأتها [عليه] [4] فبكى ثم قال: والله لولا أن
تكون بدعة لسحت- أو قال: لهمت- في الجبال.
655- زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب:
دخل على هشام بن عبد الملك فرفع دينا وحوائج فلم يقضها له، وأسمعه
كلاما شديدا، فخرج إلى الكوفة، وخرج بها ويوسف بن عمر الثقفي عامل هشام
على العراق، فوجه إلى زيد من يقاتله، فاقتتلوا، فتفرق عن زيد من خرج
معه، ثم قتل
__________
[1] التاريخ الكبير 2/ 1/ 273، والجرح والتعديل 3/ 461، حلية الأولياء
5/ 75.
[2] الخبر في حلية الأولياء 5/ 76.
[3] سورة الحج، الآية: 5.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/218)
وصلب، فلما ظهر ولد العباس أخرج هشام من
قبره فصلب. وكان قتل زيد في هذه السنة، وكان ابن اثنتين وأربعين سنة.
656- عطاء السليمي: [1]
كان شديد الخوف والحياء من الله، لم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة.
وكان يبكي حتى يبل ما حوله، فعوتب في بكائه، فقال: إذا ذكرت أهل النار
وما ينزل بهم من العذاب تمثلت نفسي بينهم، فكيف لنفس تغل وتسحب في
النار؟ ألا تبكي؟!.
وكان يقول: ارحم في الدنيا غرتي، وفي القبر وحدتي وطول مقامي غدا بين
يديك.
وقال جعفر [بن سليمان] [2] : التقى ثابت وعطاء السليمي ثم افترقا، فلما
كان وقت الهاجرة جاء عطاء فخرجت الجارية إليه فقالت: أخوك عطاء، فخرج
إليه فقال: يا أخي في هذا الحر، قال: ظللت صائما فاشتد علي الحر، فذكرت
[حر] [3] جهنم فأحببت أن تعينني على البكاء، فبكيا حتى سقطا.
قال جعفر: ولما مات عطاء رأيته في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال:
رحمني ووبخني وقال لي: يا عطاء، ما استحييت مني، تخافني ذلك الخوف كله،
أما علمت أني أرحم الراحمين.
657- عطية بن قيس الكلابي [4]
من أهل القرآن والفضل، توفي في هذه السنة وهو ابن مائة سنة وأربع سنين.
658- محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ بن عمرو بن مالك، أبو عبد الله [5]
:
كانت له حلقة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وكان يفتي،
وكان كثير الحديث ثقة.
توفي بالمدينة في هذه السنة.
__________
[1] حلية الأولياء 6/ 215. وجاء في الأصل: «عطاء السلمي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] الجرح والتعديل 6/ 383، حلية الأولياء 5/ 142.
[5] طبقات ابن سعد الجزء المخطوط، وتهذيب التهذيب 6/ 290، والتاريخ
الكبير 1/ 1/ 266، الجرح والتعديل 8/ 122.
(7/219)
ثم دخلت سنة اثنتين
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها قتل كلثوم [1] القشيري الذي كان بعثه هشام في خيول
أهل الشام إلى إفريقية حين وقعت الفتنة بالبربر.
وفيها: قتل عبد الله البطال في جماعة من المسلمين بأرض الروم.
وفيها: ولد محمد بن إبراهيم بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عباس.
وفيها: وجه يوسف بن عمر بن شبرمة على سجستان، واستقضى ابن أبي ليلى.
[وفي هذه السنة [2] حج بالناس محمد بن هشام المخزومي، وكانت عمال
الأمصار في هذه السنة العمال فِي السنة التي قبلها، وقد ذكرناهم، إلا
أن قاضي الكوفة فيما ذكر محمد بن عبد الرحمن بْن أَبِي ليلى.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
659- إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني [3] :
سمع من أبيه، وأنس، وابن المسيب، وغيرهم. روى عنه حماد بن سلمة وغيره.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 191.
[2] الورقة 96 سقطت من التصوير. وما أوردناه من ت.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 4، والمعارف 467، والتاريخ الكبير 1/ 1/ 442،
والجرح والتعديل 2/ 282، وحلية الأولياء 3/ 123، وتاريخ الإسلام 5/ 44،
وسير أعلام النبلاء 5/ 155.
(7/220)
ولي قضاء البصرة لعمر بن عبد العزيز، وكانت
له فراسة وذكاء وفطنة. وتوفي في هذه السنة وكان له عقب.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: أخبرنا محمد بْنُ أحمد، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال:
حدثنا الحسين بن المتوكل، قال: حدثنا أبو الحسن المدائني، عن أبي إسحاق
بن حفص، قال:
قيل لإياس بن معاوية: فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك،
وتعجيل في القضاء. قال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة
الكلام فبصواب أم بخطأ؟ قالوا: بصواب، قال: فالإكثار من الصواب أمثل.
وأما إعجابي بنفسي، أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم، قال: فإني أحق
أن أعجب بنفسي. وأما قولكم إني أعجل بالقضاء، فكم هذه- وأشار بيده
خمسة؟ فقالوا: خمسة، فقال:
عجلتم، ألا قلتم: واحد واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة؟ قالوا: ما نعد شيئا
قد عرفناه، قال: فما أحبس شيئا قد تبين لي فيه الحكم.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا محمد
بن أحمد بن رزق، قال: أخبرنا أبو اليسر إبراهيم بن موسى الجزري، قال:
حدّثنا القاضي المقدمي، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، قال:
حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال:
كنت جالسا عند إياس بن معاوية، فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطول عليه،
فأقبل عليه إياس فقال: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن فإنه معلمي
ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك بن يعلى- وكان على
قضاء البصرة يومئذ- وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل، وتدري ما
يقول لك؟ يقول لك: حط عنه شيئا، ويقول لصاحبك زده شيئا حتى يصلح بينكما
وإن كنت تريد الشغب فعليك بصالح السدوسي، وتدري ما يقول لك، اجحد ما
عليك وادع ما ليس لك، وادع بينة غيبا.
660- زبيد اليامي: [1]
أدرك ابن عمر وأنسا، وكان عابدا ثقة دينا، كان يقول سعيد بن جبير: لو
خيرت
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 216، والتاريخ الكبير 3/ 1499، والجرح والتعديل
3/ 2818، وتاريخ الإسلام
(7/221)
عبدا ألقى الله في صلاحه لاخترت زبيد
اليامي.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المسيب، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا
جرير، عن ابن شبرمة، قال:
كان زبيد اليامي يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءا عليه، وجزءا على عبد
الرحمن ابنه، وجزءا على عبد الله ابنه، فكان زبيد يصلي ثلث الليل ثم
يقول لأحدهما: قم، فإن تكاسل صلى جزأه، ثم يقول للآخر: قم، فإن تكاسل
صلى جزأه فيصلي الليل كله.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناده عن سفيان، قال: كان زبيد إذا كانت
ليلة مطيرة أخذ شعلة من النار فطاف على عجائز الحي فقال: أولف عليكم
بيت، أتريدون نارا، فإذا أصبح طاف على عجائز الحي: ألكم في السوق حاجة
أو تريدون شيئا؟.
قال أحمد: حدثني أبو سعيد الأشج، حدثني المجازي، عن سفيان، قال:
دخلنا على زبيد نعوده، فقلنا: شفاك الله، فقال: أستجير الله.
توفي زبيد في هذه السنة، وكان طلحة أسن منه بعشر سنين، فاستوفى زبيد
عشر سنين ثم مات.
661- سيار بن دينار- ويقال: ابن وردان- أبو الحكم القسري [1] :
روى عن طارق] / بن شهاب، والشعبي، وأبي وائل، وأبي حازم، وكان شديد
الحزن كثير البكاء. وقال: إن الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان
في قلب عبد، إذا سكن أحدهما القلب خرج الآخر.
أنبأنا يحيى بن الحسين بن البناء، قال: أنبأنا أبو غالب محمد بن أحمد
بن بشران، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن الحاجري، قال: أخبرنا
محمد بن عثمان بن
__________
[5] / 69، وسير أعلام النبلاء 5/ 296، وتهذيب التهذيب 3/ 310.
[1] التاريخ الكبير 4/ 2333، وتاريخ واسط 175، والجرح والتعديل 4/ 1103
وحلية الأولياء 8/ 313، وسير أعلام النبلاء 5/ 391، وتاريخ الإسلام 5/
85، وتهذيب التهذيب 4/ 291.
(7/222)
سمعان، قال: أخبرنا أسلم بن سهل الرزاز،
قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: أخبرني حسين بن زياد، قال:
بعث بعض القضاة إلى سيار بواسط، فأتاه فقال له: لم لا تجيء إلينا؟ فقال
له:
إن أدنيتني فتنتني، وإن باعدتني غممتني، وليس عندك ما أرجو، ولا عندي
ما أخافك عليه. ثم قام.
قال أسلم: وحدثني عبد الحميد بن بيان، قال: سمعت أبي يقول: خرج سيار بن
يسار إلى البصرة، فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع، وكان حسن
الصلاة وعليه ثياب جياد، فرأه مالك بن دينار فجلس إليه، فسلم سيار فقال
له مالك:
هذه الصلاة وهذه الثياب؟ فقال له سيار: ثيابي هذه ترفعني عندك أو
تضعني؟ قال:
تضعك [1] ، قال: هذا أردت، ثم قال له: يا مالك، إني لأحسب ثوبيك هذين
قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك من الله، فبكى مالك وقال له: أنت سيار؟
قال: نعم، فعانقه.
وفي رواية: جاء مالك فقعد بين يديه.
662- عبد الملك بن حبيب، أبو عمران الجوني [2] :
أسند عن أنس، وجندب بن عبد الله، وعائذ بن عمرو، وأبي برزة، وكان عالما
متعبدا.
قال أبو بكر القرشي: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحسين، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عمر الضرير، قال: حدثنا الحارث بن سعيد، قال:
كان أبو عمران الجوني إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه.
663- عثمان بن أبي دهرش المكي [3] :
يروي عن رجل من الصحابة، روى عنه ابن عيينة.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا
ابن
__________
[1] في الأصل: «تضعني» . وما أوردناه من ت.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 8، والتاريخ الكبير 3/ 1/ 410، وتقريب التهذيب
1/ 518، والجرح والتعديل 5/ 346.
[3] الجرح والتعديل 6/ 149، والتاريخ الكبير 3/ 2/ 220.
(7/223)
الْمُذْهَبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني
العباس بن محمد مولى بني هاشم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن
بْن شقيق، عن عبد الله بن المبارك، عن عثمان بن أبي دهرش:
أنه كان إذا رأى الفجر أقبل عليه تنبه وقال: أسير الآن مع الناس ولا
أدري ما أجني على نفسي.
وقال عثمان: ما صليت صلاة قط إلا استغفرت الله عز وجل من تقصيري فيها.
664- مسلمة بن عبد الملك بن مروان، كنيته أبو سعيد [1] :
كان شجاعا جوادا ذا رأي وحزم وفضل، وغزا غزوات، وكان حسن التدبير.
قال: ما لمت نفسي على خطأ افتتحته بحزم، ولا حمدتها على صواب افتتحته
بعجز.
وإنما زوت عنه بنو أمية لأن أمه أم ولد. [توفي في هذه السنة] [2] .
__________
[1] التاريخ الكبير 4/ 1/ 387، والجرح والتعديل 8/ 266، تهذيب التهذيب
10/ 144.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/224)
ثم دخلت سنة ثلاث
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها ما جرى بين الصغد ونصر بن سيار من الصلح [1] .
وفيها [2] : غزا نصر فرغانة غزوته الثانية [3] .
وفيها [4] : أوفد يوسف بن عمر الحكم بن أبي الصلت إلى هشام بن عبد
الملك يسأله ضم خراسان إليه، وعزل نصر بن سيار. وذلك أن ولاية نصر
طالت، ودانت له خراسان، فحسده يوسف وأمر من قدح فيه عند هشام بالكبر
فلم يلتفت هشام إلى ذلك.
وفيها: حج بالناس يزيد بن هشام بن عبد الملك، وكان عمال الأمصار في هذه
السنة العمال الذين كانوا في السنة قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
665- سماك بن حرب السدوسي:
كان قد ذهب بصره فرأى في منامه إبراهيم الخليل عليه السلام فأصبح يبصر.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 192.
[2] تاريخ الطبري 7/ 193.
[3] في الأصل: «غزاته الثانية» . وفي ت: «غزوة الثانية» . وما أوردناه
من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 7/ 192، 193.
(7/225)
666- وسماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار،
أبو المغيرة الذهلي [1] :
رأى المغيرة بن شعبة، وسمع من النعمان بن بشير، وجابر بن سمرة، وسويد
بن قيس، وأنس بن مالك، ومحمد بن حاطب، وثعلبة بن الحكم.
وقال سماك: أدركت ثمانين من أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم.
روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، والثوري، وشعبة، وزائدة، وحماد بن سلمة.
وكان ثقة، وبعثه ابن هبيرة إلى بغداد فقدمها قبل أن تمصر [2] .
وتوفي في هذه السنة.
667- سعيد بن أبي سعيد المقبري، مولى بني ليث [3] :
روى عن سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد وغيرهم، وكان ثقة.
قال محمد بن سعد: لكنه بقي حتى اختلط قبل موته بأربع سنين.
ومات في هذه السنة.
668- عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي [4] :
سمع من ابن عمر، وابن عباس، وجمهور رواياته عن أبيه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناد لَهُ عن ابن عيينة، عن
مسعر، قال: قال عون بن عبد الله:
كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلا على من هو دونك.
قال عبد الله: وحدثني أبو معمر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي هارون، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 225، وقد جاء ذكره بدون ترجمة، والتاريخ الكبير
4/ 382، والجرح والتعديل 4/ 1203، وتاريخ بغداد 9/ 214، والأنساب
للسمعاني 6/ 30، وسير أعلام النبلاء 5/ 245، وتهذيب التهذيب 4/ 232.
[2] في الأصل: «قبل أن تضو» . وما أوردناه من ت.
[3] طبقات ابن سعد الجزء المخطوط، وطبقات خليفة 257، والتاريخ الكبير
3/ 1585، والجرح والتعديل 4/ 251، وتهذيب ابن عساكر 6/ 171، وتاريخ
الإسلام 5/ 80، وسير أعلام النبلاء 5/ 216، وتذكرة الحفاظ 1/ 116،
وتهذيب التهذيب 4/ 38، وميزان الاعتدال 2/ 3187.
[4] طبقات ابن سعد 6/ 218، والجرح والتعديل 6/ 384 والتاريخ الكبير 4/
1/ 13، وتقريب التهذيب.
(7/226)
كان عون يحدثنا ولحيته ترش بالدموع.
669- عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي [1] :
أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. روت عن عائشة أم المؤمنين خالتها.
وكانت فائقة الحسن، تزوجها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي بكر، فولدت له عمران، وعبد الرحمن، وأبا بكر، وطلحة،
ونفيسة، ثم فارقت [2] زوجها ثم عادت إليه ثم توفي عنها، فما فتحت فاها
عليه.
ثم تزوجها بعده مصعب بن الزبير وأمهرها خمسمائة ألف درهم وأهدى لها مثل
ذلك. وكانت تكثر مخاصمته، ودخل عليها وهي نائمة بثماني لؤلؤات قيمتها
عشرون ألف دينار فأيقظها ونثر اللؤلؤ في حجرها، فقالت له: نومتي كانت
أحب إلي من هذا اللؤلؤ. ثم قتل عنها مصعب. فخطبها بشر بن مروان.
وقدم عُمَر بْن عبيد اللَّه بْن معمر التيمي من الشام، فنزل الكوفة،
فبلغه أن بشرا خطبها، فأرسل إليها جارية لها، وقال لها: قولي لها ابن
عمك يقرئك السلام ويقول لك أنا خير لك من هذا الميسور والمطحول، وإن
تزوجت بك ملأت بيتك خيرا. فتزوجته فبنى بها بالحيرة.
وفي رواية أن بشرا بعث إليها عمر بن عبيد الله يخطبها، فقالت له: أما
وجد بشر رسولا إلى ابنة عمك غيرك، فأين بك عن نفسك؟ قال: أو تفعلين؟
قالت: نعم، فتزوجها وحمل إليها ألف ألف درهم، خمسمائة ألف مهرا
وخمسمائة ألف هدية، وقال لمولاتها: لك علي ألف دينار إن دخلت بها
الليلة، فحمل المال فألقي في الدار وغطي بالثياب، وخرجت عائشة فقالت
لمولاتها: ما هذا أفرش أم ثياب؟ قالت: انظري، فنظرت فإذا مال، فتبسمت
فقالت لها: أجزاء [من حمل] [3] هذا أن يبيت عندنا، قالت:
لا والله ولكن لا يجوز دخوله إلا بعد أن أتزين له وأستعد، قالت: وبماذا
فو الله لوجهك أحسن من كل زينة، وما تمدين يديك إلى طيب أو ثوب أو فرش
إلا وهو عندك، وقد
__________
[1] طبقات ابن سعد 8/ 342.
[2] في الأصل: «ثم صارمت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/227)
عزمت عليك أن تأذني له، قالت: افعلي، فذهبت
إليه فقالت: بت ببيتنا الليلة، فجاءهم عند العشاء الآخرة، ومكثت معه
ثماني سنين، وكانت تصف له مصعبا فيكاد يموت من الغيظ، فلما مات ندبته
قائمة وقالت: كان أكرمهم علي وأمسهم رحما بي، فلا أتزوج بعده، وكانت
المرأة إذا ندبت زوجها قائمة علم أنها لا تتزوج بعده، ودخلت على الوليد
بن عبد الملك وهو بمكة، فقالت: يا أمير المؤمنين، مر لي بأعوان يكونون
معي، فضم إليها جماعة يكونون معها، فحجت ومعها ستون بغلا وعليها
الهوادج والرحال [1] ..
وحجت سكينة بنت الحسين، فكانت عائشة أحسن منها آلة وثقلا، فقال حادي
عائشة يترنم:
عائش يا ذات البغال الستين ... لا زلت ما عشت غدا تحجين
فشق على سكينة، فنزل حاديها فقال:
عائش هذه ضرة تشكوك ... لولا أبوها ما اهتدى أبوك
فأمرت عائشة حاديها أن يكف، وكانت عائشة لما تأيمت تقيم بمكة سنة،
وبالمدينة سنة، وتخرج إلى مال لها بالطائف وقصر لها فتتنزه. وقدمت على
هشام بن عبد الملك، فقال: ما أقدمك؟ فقالت: حبست السماء قطرها، ومنع
السلطان الحق، فأمر لها بمائة ألف درهم وردها إلى المدينة.
__________
[1] في الأصل: «الرحايل» . وما أوردناه من ت.
(7/228)
ثم دخلت سنة أربع
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها أن جماعة [1] من شيعة بني العباس اجتمعوا بالكوفة،
فغمز بهم، فأخذوا وحبسوا، [وفيهم] [2] بكير بن ماهان، فرأى بكير أبا
مسلم صاحب دعوة بني العباس مع عيسى بن معقل العجلي، فقال: ما هذا
الغلام؟ فقال: مملوك، فقال: بعنيه، فأعطاه أربعمائة [ألف] [3] درهم،
وبعث به إلى إبراهيم فدفعه إبراهيم إلى موسى السراج، فسمع منه وحفظ
واختلف إلى خراسان.
وفي هذه السنة: غزا سليمان بن هشام الصائفة، فلقي أليون ملك الروم فسلم
وغنم.
وفيها: حج بالناس [4] محمد بن هشام بن إسماعيل، وَكَانَ عمال الأمصار
في هذه السنة عمالها في السنين التي قبلها
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
670- عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام [5] :
روى عن أبيه وغيره من الصحابة، وعن جماعة من التابعين، وكان رجلا صالحا
لا
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 198.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[5] طبقات ابن سعد، الجزء الخطوط، والتاريخ الكبير 6/ 2951، وسير أعلام
النبلاء، 5/ 219، وتاريخ
(7/229)
يعرف الشر. أتي يوما بعطائه، فوضعه في
المسجد ثم قام فنسيه [1] ، فذكر، فقال لخادمه: ادخل المسجد وائتني
بعطائي، قال: وأين أجده؟ قال: سبحان الله أو يأخذ أحد ما ليس له؟
أخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: أخبرنا حمد بْن أَحْمَد، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن شيبان
الرملي [2] ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمران بن أبي عمران، قال:
سمعت سفيان بن عيينة يقول:
اشترى عامر بن عبد الله نفسه من الله عز وجل بتسع ديات.
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن عبد
الْجَبَّارِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن علي بن الخياط [3] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن
صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن محمد القرشي، قال: حدثنا
محمد بن الحسين، قال: حدثنا قدامة، قال: سمعت أبا مودود يقول:
كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتحين العباد وهم سجود: أبا حازم،
وصفوان بن سليم، وسليمان بن سحيم وأشباههم، فيأتيهم بالصرة فيها
الدنانير والدراهم، فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون
بمكانه، فيقال له: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم؟ فيقول: [إني] [4] أكره
أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذا لقيني.
أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن
المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن
سُلَيْمَانَ بْنُ دَاوُدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الزُّبْيَرُ بن بكار، قال: حدثني عياش بن المغيرة، قال:
كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على القبر، فقال:
ألا أراك
__________
[ () ] الإسلام 5/ 91 والتهذيب، 5/ 74، والجرح والتعديل 6/ 1810.
[1] في ت: «بعطائه وهو في المسجد ثم قام ونسيه» .
[2] في الأصل: «البرمكي» وكتب الناسخ بعدها: «أو يكون الرمليّ لأن ختلف
خط الأصل» وما أوردناه من ت وكتب الرجال.
[3] في الأصل: «علي بن الحافظ» . وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/230)
ضيقا، ألا أراك رقعا، ألا أراك مظلما، لئن
سلمت لأتأهبن لك أهبتك، فأول شيء يراه من ماله يتقرب به إلى ربه، فإن
كان [رقيقه] [1] ليتعرضون له عند انصرافه من الجنازة ليعتقهم.
قَالَ الزُّبَيْرُ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الله،
قال: سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من
المسجد، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل، فقال: أسمع داعي الله فلا
أجيب، فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات.
671- محمد بن مسلم بن عبيد الله [2] بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن
زهرة بن كلاب، أبو بكر الزهري [3] :
ولد سنة ثمان وخمسين، وهي السنة التي توفيت فيها عائشة رضي الله عنها.
وسمع جماعة من الصحابة، وأخذ عن ابن المسيب سنين وعن غيره. وجمع الفقه
والحديث.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي
الْبَزَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أَبُو
أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الْخَلالُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَارِثُ بْنُ [أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا] [4] مُحَمَّدُ بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ
يَقُولُ:
نَشَأْتُ وَأَنَا غُلامٌ لا مَالَ لِي مِنَ الدِّيوَانِ، وَكُنْتُ
أَتَعَلَّمُ نَسَبَ قَوْمِي مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
صُعَيْرٍ [5] ، وَكَانَ عَالِمًا بِنَسَبِ قَوْمِي، فَأَتَاهُ رَجُلٌ
فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الطَّلاقِ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «محمد بن مسلمة بن عبد الله» ، والتصحيح من ت وكتب
الرجال.
[3] طبقات ابن سعد (الجزء المخطوط) ، 2/ 2/ 135، وطبقات خليفة 261،
وتهذيب التهذيب 9/ 444، وتذكرة الحفاظ 1/ 102، ووفيات الأعيان 1/ 451،
وغاية النهاية 2/ 262، وصفة الصفوة 2/ 77، وحلية الأولياء 3/ 360،
وتاريخ الإسلام للذهبي، 5/ 136، والبداية والنهاية 9/ 384.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت. والخبر في
الطبقات (الجزء المخطوط) .
[5] في الأصل: «صغرة» ، وما أوردناه من كتب الرجال.
(7/231)
فَعَيِيَ بِهَا وَأَشَارَ [لَهُ] [1] إِلَى
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَلا أَرَانِي مَعَ
هَذَا الرَّجُلِ الْمُسِنِّ [يَعْقِلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ] [2] وَهُوَ لا
يَدْرِي مَا هَذَا، فَانْطَلَقْتُ مَعَ السَّائِلِ إِلَى سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَجَلَسْتُ إِلَى سَعِيدٍ
وَتَرَكْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَجَالَسْتُ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ [3] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ
حَتَّى فَهِمْتُ [4] ، فَرَحَلْتُ إِلَى الشَّامِ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ
دِمَشْقَ فَأَتَيْتُ حَلَقَةً وِجَاهَ الْمَقْصُورَةِ فَجَلَسْتُ
فِيهَا، فَنَسَبَنِي الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ
سَاكِنِي الْمَدِينَةِ، قَالُوا: أَهَلْ لَكَ [عِلْمٌ] [5] بِالْحُكْمِ
فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ؟ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِمْ [6] ، فَقَالَ لِي
الْقَوْمُ: هَذَا مَجْلِسُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ جَائيكَ،
وَقَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ هَذَا فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ
فِي ذَلِكَ عِلْمًا، فَجَاءَ قَبِيصَةُ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ،
فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ، وَسَأَلَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ وَنُظَرَائِهِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَنَا أُدْخِلُكَ
عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
فصلى الصُّبْحَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَجَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ سَاعَةً حَتَّى
ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ خَرَجَ الآذَانَ فَقَالَ: أَيْنَ هَذَا
الْمَدِينِيُّ الْقُرَشِيُّ؟
قَالَ: قُلْتُ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ مَعَهُ
عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَجِدُ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمُصْحَفَ
قَدْ أَطْبَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُ
قَبِيصَةَ جَالِس، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، فَقَالَ: مَنْ
أَنْتَ؟ قُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ: أوه قَوْم يَغَارُونَ فِي
الفتن. قال: وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْدِ [اللَّهِ] [7] مَعَ ابْنِ
الزُّبَيْرِ، ثُمَّ قَالَ: مَا عِنْدَكَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ؟
فَأَخْبَرْتُهُ فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ- فقال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد (خط) .
[3] في الأصل: «عبد الله» . وما أوردناه من ت، وهو الصحيح.
[4] كذا في الأصلين، وفي طبقات ابن سعد: «فقهت» . وهو أحسن.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] في ت: «في أمهات الأولاد» وكذا ابن سعد.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(7/232)
كَيْفَ سَعِيدُ بْنُ [الْمُسَيِّبِ] [1] ،
وَكَيْفَ حَالِهِ؟ ثُمَّ قُلْتُ: - وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وَحَدَّثَنِي عُرْوَةُ،
وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ
الْحَدِيثَ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلادِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قَالَ: فَالْتَفَتُّ إِلَى قَبِيصَةَ بْنِ
ذُؤَيْبٍ، فَقَالَ: هَذَا يُكْتَبُ بِهِ إِلَى الآفَاقِ، فَقُلْتُ: لا
أَجِدُهُ أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ، وَلَعَلِّي لا أَدْخُلُ عَلَيْهِ
بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَقُلْتُ: إِنْ رَأَى أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَصِلَ رَحِمِي وَأَنْ يَفْرِضَ لِي فَرَائِضَ
أَهْلِ بَيْتِي، - فَإِنِّي رَجُلٌ لا دِيوَانَ لِي-، فَعَلْ، فَقَالَ:
إِيهَا [2] الآنَ امْضِ لِشَأْنِكَ، فَخَرَجْتُ مُوئِسًا مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ خَرَجْتُ لَهُ، وَأَنَا حِينَئِذٍ مُقِلٌّ مُرْمِلٌ، فَجَلَسْتُ
حَتَّى خَرَجَ قَبِيصَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ لائِمًا لِي، فَقَالَ لِي:
مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي، أَلا
اسْتَشَرْتَنِي؟ قُلْتُ: ظَنَنْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لا أَعُودُ
إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَقَامِ، قَالَ: وَلِمَ [ظَنَنْتَ ذَلِكَ؟
تَعُودُ إِلَيْهِ] [3] ، فَالْحَقْ بِي. فَمَشَيْتُ خَلْفَ دَابَّتِهِ
حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَلَّ مَا لَبِثَ حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ
خَادِمُهُ [4] ، بِرُقْعَةٍ فِيهَا: هَذِهِ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ
قَدْ أَمَرْتُ لَكَ بِهَا، وَبَغْلَةٌ تَرْكَبُهَا، وَغُلامٌ يَكُونُ
مَعَكَ يَخْدِمُكَ، وَعَشَرَةُ أَثْوَابٍ كِسْوَة، فَقُلْتُ
للرَّسُولِ: مِمَّنْ أَطْلُبُ هَذَا؟ فَقَالَ: أَلا تَرَى فِي
الرُّقْعَةِ اسْمَ الَّذِي أَمَرَكَ أَنْ تَأْتِيَهُ؟ فَنَظَرْتُ فِي
طَرَفِ الرُّقْعَةِ، فَإِذَا فِيهَا. تَأْتِي فُلانًا فَتَأْخُذُ
مِنْهُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ: قَهْرَمَانُهُ، فَأَتَيْتُهُ
بِالرُّقْعَةِ فَأَمَرَ لِي بذلك من ساعته، فانصرفت وقد ريشني،
فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَأَنَا عَلَى بَغْلَتِهِ فَسِرْتُ
إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ:
احْضُرْ بَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أُوَصِّلَكَ إِلَيْهِ،
قَالَ: فَحَضَرْتُ فَأَوْصَلَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: إِيَّاكَ أَنْ
تُكَلِّمَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَبْتَدِئَكَ وَأَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنِ اجْلِسْ،
فَلَمَّا جَلَسْتُ ابْتَدَأَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْكَلامَ، فَجَعَلَ
يُسَائِلُنِي عَنْ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ، فَلَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِهَا
مِنِّي. قَالَ: وَجَعَلْتُ أَتَمَنَّى أَنْ يَقْطَعَ ذَاكَ
لِتَقَدُمِّهِ عَلَيَّ فِي الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ
فَرَضْتُ لَكَ فَرَائِضَ أَهْلِ بَيْتِكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى
قَبِيصَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ فِي الدَّوَاوِينِ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «إيه الآن» . وما أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: من ابن سعد.
[4] في ت: «خادم» وكذا في ابن سعد.
(7/233)
فَلَمَّا خَرَجَ قَبِيصَةُ قَالَ: إِنَّ
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَ أَنْ تُثْبَتَ فِي صَحَابَتِهِ
وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ رِزْقُ الصَّحَابَةِ، وَأَنْ تُرْفَعَ
فَرِيضَتُكَ إِلَى أَرْفَع مِنْهَا، فَالْزَمْ بَابَ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: وَكَانَ عَلَى عرضِ الصَّحَابَةِ رَجُلٌ فَظٌّ غَلِيظٌ،
فَتَخَلَّفْتُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَجَبَهَنِي جَبْهًا شَدِيدًا،
فَلَمْ أَعُدْ لِذَلِكَ التَّخَلُّفِ. وَجَعَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ
يَقُولُ: مَنْ لَقِيتَ؟ فَجَعَلْتُ أُسَمِّي لَهُ وَأُخْبِرُهُ بِمَنْ
لَقِيتُ مِنْ قُرَيْشٍ لا أَعْدُوهُمْ، قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنِ
الأَنْصَارِ فَإِنَّكَ وَاجِدٌ عِنْدَهُمْ عِلْمًا؟ أَيْنَ أَنْتَ عَنْ
خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ [بْنِ ثَابِتٍ] [1] ؟ أَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ؟ فَسَمَّى رِجَالا، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ
فَسَأَلْتُهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُمْ.
وتوفي عبد الملك فلزمت الوليد حتى توفي، ثم سليمان، ثم عمر، ثم يزيد..
واستقضى يزيد الزهري وسليمان بن حبيب.
قال: وحج هشام سنة ست ومائة، وحج معه الزهري، فصيره هشام مع ولده
يعلمهم ويفقههم ويحدثهم، فلم يفارقهم حتى مات [2] .
قال ابن سعد: وأخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثني
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال:
ما أرى أحدا أجمع بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما
جمع ابن شهاب [3] .
قال: وأخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري، قال: سمعت [مالك] [4] بن أنس
يقول:
ما أدركت بالمدينة فقيها محدثا غير واحد، فقلت: من هو؟ قال: ابن شهاب
الزهري.
وفي رواية عن مالك قال: أول من دون العلم ابن شهاب.
وقال أيوب: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] «حتى مات» ساقطة من ت.
[3] الخبر في الطبقات.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت، والخبر في ابن
سعد.
(7/234)
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أهون
عليه الدينار [1] والدرهم من الزهري.
توفي ابن شهاب في رمضان هذه السنة بأدامى وهي من أعمال فلسطين وهو ابن
خمس وسبعين، وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق.
672- نصر بن عمران، أبو جمرة الضبعي [2] :
قال: كنت أدفع الزحام عن ابن عباس فحممت أياما فتأخرت، فلما حضرته
سألني عن تأخري فأخبرته بالحمى، فَقَالَ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» . توفي في هذه
السنة.
__________
[1] في ت: «قال أيوب: ما رأيت أحدا أهون عليه الدينار» . بإسقاط ما
بينها.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 6، والجرح والتعديل 8/ 465، والتاريخ الكبير
4/ 2/ 104.
(7/235)
ثم دخلت سنة خمس
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها غزوة النعمان بن يزيد بن عبد الملك الصائفة.
وفيها: مات هشام بن عبد الملك، وولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
باب ذكر خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك
عقد يزيد بن عبد الملك الخلافة [1] لولده الوليد بعد أخيه هشام بن عبد
الملك، وكان يومئذ ابن إحدى عشرة سنة، فلم يمت يزيد حتى بلغ ابنه خمس
عشرة سنة، فندم على استخلافه هشاما، وولي هشام وهو للوليد مكرم معظم،
فظهر من الوليد لعب وشرب للشراب [2] ، واتخذ ندماء، فولاه هشام الحج
سنة ست عشرة ومائة، فحمل معه كلابا في صناديق، وعمل قبة على قدر الكعبة
ليضعها على الكعبة وحمل معه خمرا وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس
فيها، فخوفه أصحابه، فجمع المغنين بمكة، وتشاغل باللهو.
__________
[1] في الأصل: «الملك لولده» . وما أوردناه من ت.
[2] في ت: «وشرب من الشراب» .
(7/236)
أنبأنا علي بن عبيد الله بن نصر، قال:
أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابْن أخي
ميمي، قال: أخبرنا أبو مسلم بن مهدي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن قارن،
قال: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني [1] ، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج،
قال: سمعت ابن عيينة يحدث:
أن الوليد بن يزيد كان أمر بقبة من حديد أن تعمل وتركب على أركان
الكعبة ويخرج لها أجنحة لتظلله [2] إذا حج وطاف، فعملت ولم يبق إلا أن
تركب، فقام الناس في ذلك- الفقهاء والعباد-، وغضبوا في ذلك [3] وتكلموا
وقالوا: لا يكون هكذا قط [4] ، وكان من أشدهم في ذلك كلاما وقياما سعد
بن إبراهيم بن عبد الرحمن، وكتب إلى الوليد بذلك، فكتب: أن اتركوها،
فقال سعد بن إبراهيم عند ذلك: ليس إلا هذا لاها الله حتى يصنع بها كما
صنع بالعجل لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا، النار النار، فدعي بالنار
حتى أحرقت.
أخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أنبأنا علي بن أحمد بْن البسري، عن أبي
عبد الله بْن بطة العكبري، قال: حدثني أبو صالح محمد بن أحمد، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حدثنا الواقدي،
قال: حدثنا موسى بن أبي بكر، عن صالح بن كيسان:
أن الوليد ولى سعد بن إبراهيم على قضاء المدينة، وأراد الوليد الحج،
فاتخذ قبة من ساج ليجعلها حول الكعبة ليطوف هو ومن أحب من أهله ونسائه
فيها، وكان فظا متجبرا، فأراد بزعمه أن يطوف فيها حول الكعبة، ويطوف
الناس من وراء القبة، فحملها على الإبل من الشام، ووجه معها قائدا من
قواد أهل الشام في ألف فارس، وأرسل معه مالا يقسمه في أهل المدينة،
فقدم بها فنصبت في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففزع لذلك أهل
المدينة ثم اجتمعوا فقالوا: إلى من نفزع في هذا الأمر، فقالوا: إلى سعد
بن إبراهيم، فأتاه الناس فأخبروه الخبر، فأمرهم أن يضرموها بالنار [5]
، فقالوا: لا
__________
[1] في الأصل: «الفنسجاني» خطأ. وما أوردناه من ت وكتب الرجال.
[2] في ت: «أجنحة لتظله» .
[3] في ت: «وغضبوا له» .
[4] في ت: «لا تكونوا هذا قط» .
[5] في الأصل: «أن يضرموها بالنار» . وما أوردناه من ت.
(7/237)
نطيق ذلك، معها قائد في ألف فارس من أهل
الشام، فدعى مولى له فقال: هلم الجراب، فأتاه بجراب فيه درع عبد الرحمن
التي شهد فيها بدرا، فصبها عليه وقال لغلامه: هلم بغلتي، فأتاه ببغلته
فركبها، فما تخلف عنه يومئذ قرشي ولا أنصاري حتى إذا أتاه قال: علي
بالنار، فأتي بنار فأضرمها فيها، فغضب القائد وهم بالخصومة، فقيل له:
هذا قاضي أمير المؤمنين ومعه الناس ولا طاقة لك به، فانصرف راجعا إلى
الشام، وشبع عبيد أهل المدينة من الناطق مما استلبوه من حديدها.
فلما بلغ ذلك الوليد كتب إليه: ول القضاء رجلا وأقدم علينا، فولى
القضاء رجلا وركب حتى أتى الشام، فأقام ببابه أشهرا لا يؤذن له حتى
نفذت نفقته، وأضر به طول المقام، فبينا هو ذا عشية في المسجد إذا هو
بفتى في جبة صفراء سكران، فقال [1] : ما هذا؟ قالوا: هذا خال أمير
المؤمنين سكران يطوف في المسجد، فقال لمولى له: هلم بالسوط، فأتاه
بسوطه، فقال [2] : علي به، فأتي به فضربه في المسجد ثمانين سوطا، وركب
بغلته ومضى راجعا إلى المدينة، فأدخل الفتى على الوليد مجلودا، فقال:
من فعل هذا به؟ قالوا: مديني كان في المسجد، فقال: علي به، فلحق على
مرحلة، فدخل عليه، فقال أبا إسحاق: ماذا فعلت يا ابن أخيك؟ فقال: يا
أمير المؤمنين، إنك وليتنا أمرا من أمورك، وإني رأيت حد الله ضائعا،
سكران يطوف في المسجد وفيه الوفود ووجوه الناس، وكرهت أن يرجع الناس
عنك بتعطيل الحدود، فأقمت عليه حده، فقال: جزاك الله خيرا، وأمر له
بمال وصرفه إلى المدينة ولم يذاكره شيئا من أمر القبة ولا عن فعله
فيها.
ولما ظهر من الوليد تهاون بالدين طمع [3] فيه هشام وأراد خلعه والبيعة
لابنه [مسلمة بن هشام فأبى فتنكر له هشام وعمل سرا في البيعة لابنه]
[4] وتمادى الوليد في الشراب فأفرط، فقال له هشام: ويحك يا وليد، ما
أدري أعلى الإسلام أنت أم لا، ما تدع شيئا من المنكر إلا أتيته غير
متحاش، فكتب إليه الوليد يقول:
__________
[1] في الأصل: «فقالوا» . وما أوردناه من ت
[2] «هلم بالسوط فأتاه بسوطه فقال» . ساقطة من ت.
[3] في ت: «ولما ظهر من تهاون الوليد بالدين طمع» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/238)
يا أيها السائل عن ديننا ... ديني على دين
أبي شاكر
نشربها صرفا وممزوجة ... بالسخن أحيانا وبالفاتر [1]
فغضب هشام على ابنه مسلمة، وكان يكنى أبا شاكر، وقال له: يعيرني بك
الوليد وأنا أرشحك للخلافة فالزم الأدب واحضر الجماعة، وولاه الموسم
سنة تسع عشرة ومائة، فأظهر النسك والوقار، وقسم بمكة والمدينة أموالا،
فلما رأى الوليد تقصير هشام في حقه خرج في ناس من خاصته ومواليه، فنزل
بالأزرق من أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدق [2] ، وخلف كاتبه
عياض بن مسلم وقال له: اكتب إلي ما يحدث قبلكم، فقطع هشام ما كان يجري
على الوليد، وضرب عياضا ضربا مبرحا، فلم يزل الوليد مقيما بتلك البرية
حتى مات هشام، ووصلت إليه الخلافة، فسأل عن كاتبه عياض، فقيل: يا أمير
المؤمنين لم يزل محبوسا، حتى نزل أمر الله بهشام، فلما صار في حد لا
ترجى الحياة لمثله أرسل عياض إلى الخزان احتفظوا بما في أيديكم، ولا
يصلن أحد منه إلى شيء، فأفاق هشام إفاقة، فطلب شيئا فمنعوه، فقال:
أرانا كنا خزانا للوليد، ثم مات من ساعته.
فخرج عياض من السجن، فختم أبواب الخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه،
فما وجدوا قمقما يسخن له فيه الماء حتى استعاروه، ولا وجدوا كفنا من
الخزائن، وكفنه غالب مولى هشام.
فولي الوليد الخلافة يوم السبت في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين
ومائة.
هذا قول هشام بن محمد.
وقال الواقدي: استخلف يوم الأربعاء لست خلون من ربيع الآخر، ولما ولي
الوليد ويكنى أبا العباس وكانت أمه يقال لها أم الحجاج بنت محمد بن
يوسف بن الحكم أخي الحجاج بن يوسف- وكان أبيض أحمر أعين جميلا، قد شاب،
طويل أصابع الرجلين يوتر له سكة حديد فيها خيط، ويشد الخيط في رجله ثم
يثب على الدابة
__________
[1] في الأغاني 7/ 8: وقال: «بل قال ذلك عبد الصمد بن عبد الأعلى ونحلة
إياه» .
[2] كذا في الأصلين، وفي الطبري 7/ 211: «الأغدف» .
(7/239)
فينتزع السكة ويركب، ما يمس الدابة بيده.
وكان عالما باللغة والشعر، فمن شعره.
قوله:
شاع شعري في سليمى وظهر ... ورواه كل بدو وحضر
فتهاداه العذارى بينها ... وتغنين به حتى اشتهر
قلت قولا في سليمى معجبا ... مثلما قال جميل وعمر
لو رأينا لسليمى أثرا ... لسجدنا ألف ألف للأثر
واتخذناها إماما مرتضى ... ولكانت حجنا والمعتمر
إنما بنت سعيد قمر ... هل خرجنا إن سجدنا للقمر
وسلمى هذه بنت سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان، وكانت أخت امرأته، ولم
يكن لجمالها نظير، وأحبها وطلق أختها حتى تزوجها في الخلافة، وله فيها
أيضا:
إن القرابة والمودة ألفا ... بين الوليد وبين بنت سعيد
سلمى هواي ولست أذكر غيرها ... دون الطريف ودون كل تليد
ومن شعره:
أنا الوليد أبو العباس قد علمت ... عليا معد مدى [1] كري وإقدامي
إني لفي الذروة العليا إذا انتسبوا [2] ... مقابل بين أخوالي وأعمامي
[3]
حللت من جوهر الأغراض قد علموا ... في باذخ مشمخر العز قمقام [4]
وكان مقبلا على اللهو والشراب والأغاني حتى إنه أحضر معبدا المغني من
المدينة، فحضر وهو على بركة مملوءة خمرا، فغناه فقذف نفسه في البركة
فنهل منها ثم خرج فتلقي في الثياب والمجامر [5] ، فأعطاه خمسة عشر ألف
دينار، وقال: انصرف بها إلى أهلك واكتم ما رأيت.
[وقد روى أبو عبيدة المرزباني، قال: حدثنا أحمد بن كامل، قال: كان
الوليد بن
__________
[1] في الأصل: «بدى» . وما أوردناه من الأغاني.
[2] في الأصل: «إذا نسبوا» .
[3] في الأصل: «أخوال وأعمام» . وما أوردناه من الأغاني.
[4] في الأصل: «في بادخ مسمر العز قمقام» .
[5] في الأصل: «بالثياب» ، وما أوردناه من ت.
(7/240)
يزيد زنديقا، وأنه فتح المصحف يوما فرأى
فيه (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) 14: 15 [1]
فألقاه ورماه بالسهام، وقال:
تهددني بجبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب حرقني الوليد] [2]
وَقَدْ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ [بْنِ] [3]
الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ،
وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: وُلِدَ لأَخِي أُمِّ سلمة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم غُلامٌ فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«سَمَّيْتُمُوهُ اسْمَ فَرَاعِينِكُمْ لَيَكُونَنَّ فِي هَذِهِ
الأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ هُوَ شَرٌّ عَلَى هَذِهِ
الأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ» . وفي رواية عن الأوزاعي، قال:
سألت عن هذا الحديث الزهري، فقال: إن استخلف الوليد بن يزيد وإلا فهو
الوليد بن عبد الملك.
قال مؤلف الكتاب رحمه الله [4] : والوليد بن يزيد أحق من الوليد بن عبد
الملك، وكان الوليد بن يزيد مشهورا بالإلحاد، مبارزا بالعناد، مطرحا
للدين، وإنما قال عليه السلام: «سميتموه بأسماء فراعينكم» لأن اسم
فرعون موسى الوليد.
فلما ولي الوليد زاد ما كان يفعله من اللهو، وكتب إلى العباس بن عبد
الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحصي ما فيها من أموال هشام وولده،
ويأخذ عماله وحشمه إلا مسلمة بن هشام فإنه كتب إليه [5] : لا يعرض له
ولا يدخل منزله، فإنه كان يكثر أن
__________
[1] سورة: إبراهيم، الآية: 15.
[2] اختلفت رواية الشعر في كتب المراجع، راجع الأغاني 7/ 60، والكامل
4/ 486، وما بين المعقوفتين:
ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت.
[4] في ت: «قال المنصف» .
[5] في الأصل: «فإنه كان إليه» . والتصحيح من ت.
(7/241)
يكلم أباه في الرفق ويكفه. فقدم العباس
الرصافة فأحكم ما كتب به الوليد إليه.
واستعمل الوليد العمال، وجاءت بيعته من الآفاق، وأقبلت إليه الوفود
وأجرى على زمنى أهل الشام وعميانهم، وكساهم، وأمر لكل إنسان منهم
بخادم، وأخرج لعيالات الناس الطيب والكسوة وزادهم على ما كان يخرج لهم
هشام، وزاد الناس جميعا في العطاء عشرات ثم زاد أهل الشام بعد زيادة
العشرات عشرة عشرة لأهل الشام خاصة، وزاد من وفد إليه من أهل بيته في
جوائزهم الضعف.
وفي جمادى الآخرة من هذه السنة، وذلك بعد شهرين من ولايته عقد البيعة
لابنيه الحكم وعثمان بعده، وجعلهما وليي عهده أحدهما بعد الآخر، [وجعل
الحكم مقدما على عثمان] [1] ، وقلد الحكم الشام [2] ، وعثمان حمص، وكتب
بذلك إلى الأمصار، وكان ممن كتب إليه بذلك يوسف بن عمر، وهو عامل
الوليد يومئذ على العراق، وكتب بذلك يوسف إلى نصر بن سيار ليبايع الناس
لهما.
وفي هذه السنة [3] : ولى الوليد بن يزيد نصر بن سيار خراسان كلها
وأفرده بها ثم وفد يوسف بن عمر على الوليد فاشترى نصرا وعماله منه، فرد
إليه ولاية خراسان، فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار يأمره بالقدوم
عليه، ويحمل ما قدر عليه من الهدايا والأموال، وأن يقدم عليه بعماله
أجمعين، فلما أتى نصرا كتابه قسم على أهل خراسان الهدايا وعلى عماله،
فلم يدع بخراسان جارية ولا عبدا ولا برذونا فارها إلا أعده، واشترى ألف
مملوك وأعطاهم السلاح وحملهم على الخيل، وأعد خمسمائة وصيفة، وأمر
بصياغة الأباريق [4] من الذهب والفضة، وتماثيل الظباء [5] ، ورءوس
السباع، والأيايل وغير ذلك. فلما فرغ من ذلك كله كتب إليه الوليد
يستحثه، فسرح الهدايا حتى بلغ أوائلها بيهق، وكتب إليه الوليد يأمره أن
يبعث إليه ببرابط وطنابير وأباريق ذهب وفضة، وأن يجمع كل صناجة [6]
بخراسان [وكل بازي وبرذون فاره، ثم يسير بذلك كله
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في ت: «وقلد الحكم دمشق» .
[3] تاريخ الطبري 7/ 224.
[4] في الأصل: «بصياغة الأباريق» . وفي ت والطبري: «بصنعة أباريق» .
[5] في ت: «وتماثيل الأطيار» .
[6] في ت: «صنّاعه» .
(7/242)
بنفسه ووجوه خراسان] [1] فلم يزل يتوقف [2]
حتى وقعت الفتنة، فتحول نصر إلى قصره بما حاز [3] ، وكان قد أتاه آت
وأخبره أن الوليد قد قتل، ووقعت الفتنة بالشام.
وفي هذه السنة: وجه الوليد بن يزيد خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي
واليا على المدينة ومكة والطائف، ودفع إليه إبراهيم ومحمد ابني هشام بن
إسماعيل المخزومي موثقين [4] في عباءتين وأقامهما للناس في المدينة، ثم
كتب الوليد إليه يأمره أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر وهو يومئذ عامله
على العراق، فلما قدما عليه عذبهما حتى قتلهما، وقد كان رفع عليهما عند
الوليد أنهما أخذا مالا كثيرا [5] .
وفي هذه السنة: عزل يوسف بن محمد سعد بن إبراهيم عن قضاء المدينة،
وولاها يحيى بن سعيد الأنصاري.
وفيها: قدم سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وقحطبة بن شبيب فلقوا محمد
بن علي- في بعض قول أهل السير- فأخبروه بقصة أبي مسلم وما رأوا منه،
فقال لهم: أحر هو أم عبد؟ فقالوا: أما عيسى فيزعم أنه عبد، وأما هو
فيزعم أنه حر، فاشتروه وأعتقوه وأعطوا محمد بن علي مائتي ألف درهم،
وكسى بثلاثين ألف درهم، فقال لهم: ما أظنكم تلقوني بعد عامكم هذا، فإن
حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم بن محمد فإني أثق به لكم، وأوصيكم به خيرا،
وقد أوصيته بكم فصدروا من عنده.
وفيها: قتل يحيى بن زيد بن علي بخراسان، وقد ذكرنا أنه مضى بعد موت
أبيه إليها، وأقام ببلخ عند الحريش بن عمر وحتى هلك هشام وولي الوليد،
فكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار ليأخذ الحريش [بن عمرو] [6] ، فبعث
نصر إلى عقيل بن معقل العجلي يأمره بأخذ الحريش، فأخذه فسأله عن يحيى،
فقال: لا علم لي به، فجلده ستمائة سوط، فقال ابنه: لا تقتل أبي وأنا
أدلك عليه، فدله، فإذا هو في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] تاريخ الطبري 7/ 225: «فلم يزل يتباطأ» .
[3] في ت والطبري: «بما جان» .
[4] في الأصل: «موثوقين» ، والتصحيح من الطبري وت.
[5] «حتى قتلهما.... مالا كثيرا» . ساقط من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/243)
جوف بيت، فأخذه فجاء كتاب الوليد بتخليته،
فدعاه نصر فأمره بتقوى الله وحذره الفتنة وأمره أن يلحق بالوليد، وأمر
له بألفي درهم وبغلين، فمضى حتى انتهى إلى سرخس، فأقام بها، فأخرجه
واليها وبعث نصر بن سيار سلم بن أحوز في طلب يحيى بن زيد، فبعث سلم
سورة بن محمد الكندي فلقيه فقاتله فقتله وقتل أصحابه وأخذ رأسه.
وفيها: حج بالناس [1] يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي، وكانت عمال الأمصار
في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
673- صالح بن أبي صالح، مولى التوأمة، يكنى أبا عبد الله [2] :
واسم أبي صالح نبهان، والتوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي، ولدت مع أخت
لها توأمين، وهي أعتقت أبا صالح. روى عن أبي هريرة، وحديثه قليل ضعيف.
توفي في هذه السنة.
674- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن عبد
المطلب [3] :
أمه العالية بنت عبيد الله بن العباس، وكان بينه وبين أبيه في السن
أربعة عشر سنة، وكان أشبه الناس به، لا يفرق بينهما إلى أن خضب علي،
فعرف بخضابه، وكان له من الولد اثنا عشر ذكرا وخمس بنات فمن الذكور:
إبراهيم الإمام، وإليه أوصى، فقام بالإمامة من بعده. وعبد الله السفاح،
وعبد الله المنصور، وعبد الله الأصغر، وإسماعيل، وموسى، وداود، وعبيد
الله، والعباس، ويعقوب، ويحيى ومن الإناث: بريهة، وريطة، والعالية،
ولبابة، وأم حبيب.
ومحمد بن علي أول من نطق بالدولة العباسية، وأول من دعي إليه من بني
__________
[1] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[2] طبقات ابن سعد (مخطوط) ، وتهذيب التهذيب 4/ 406.
[3] طبقات ابن سعد (مخطوط) ، والتاريخ الكبير 1/ 1/ 183، والجرح
والتعديل 7/ 301، والبداية والنهاية 10/ 5.
(7/244)
العباس وسمي بالإمام، وكوتب وأطيع. وكان
ذلك في سنة تسع وثمانين في خلافة الوليد بن عبد الملك.
وكان عبد الله بن محمد بن الحنفية قد أوصى إليه ورفع إليه كتبه وقال:
إنما الأمر في ولدك.
فتوفي محمد بن علي قبل تمام الدعوة في ذي القعدة من هذه السنة، وكان
بين وفاته ووفاة أبيه سبع سنين، وبلغ من العمر ستين، وقيل: ثلاثا
وستين، وأوصى إلى ابنه إبراهيم، فسمى الإمام.
675- محمد بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن حارثة بن النعمان [1]
:
أمه عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. ويكنى أبا الرجال، وإنما كني
بذلك لأجل ولده، وكان له عشرة ذكور، وروى عن أنس وأمه، وكان ثقة، روى
عنه مالك الفقيه.
وثم آخر اسمه سالم ويكنى أبا الرجال [2] ، روى عن عطاء، وروى عنه الفضل
بن غزوان، لا يعلم من يكنى أبا الرجال سوى هذين.
فأما من يكنى أبا الرحال- بالحاء المهملة المشددة [3] فثلاثة: أبو
الرحال عقبة بن غزوان، لا يعلم من يكنى أبا الرجال سوى هذين.
فأما من يكنى أبا الرحال- بالحاء المهملة المشددة [3] فثلاثة: أبو
الرحال عقبة بن عبيد الطائي، كوفي رأى أنس بن مالك. وأبو الرحال خالد
بن محمد الأنصاري، يروي عن النضر بن أنس الخزرجي، قال البخاري: هو منكر
الحديث. وأبو الرحال سمع [الحسن] [4] ، حديثه مرسل، روى عنه أبو نعيم.
676- معبد بن وهب بن قطن، أبو عباد المغني: [5]
الذي كان يضرب به المثل في الغناء، وكان من أحسن الناس غناء وأجودهم
صناعة، مولى العاص بن وابصة المخزومي. وقيل: هو مولى معاوية بن أبي
سفيان
__________
[1] الجرح والتعديل 7/ 317، وطبقات ابن سعد (مخطوط) ، وتهذيب التهذيب
9/ 295.
[2] في الأصل: «وثم آخر اسمه أبا الرجال سالم» .
[3] في الأصل: «المهملة المشهورة» . وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] الأغاني 1/ 43، وتاريخ الإسلام 5/ 165، ورغبة الآمل 6/ 4، 17.
(7/245)
رضي الله عنه. خلاسيا [1] مديد القامة
أحول، وكان أبوه أسود. عاش معبد حتى كبر وانقطع صوته، توفي في عسكر
الوليد بن يزيد عن خمس وثمانين سنة، فمشى الوليد بين يدي جنازته.
677- هشام بن عبد الملك بن مروان:
مرض بالذبحة، قال سالم أبو العلاء: خرج علينا هشام يوما وهو كئيب،
فسألته عن حاله، فقال: لا أغتم وقد زعم أهل العلم أني ميت إلى ثلاث
وثلاثين يوما. قال:
فلما استكمل الأيام إذا خادم يدق الباب يقول: أجب أمير المؤمنين واحمل
معك دواء الذبحة، وقد كان أخذه مرة فعولج به فأفاق، فخرجت ومعي الدواء
فتغرغر به فازداد الوجع شدة ثم سكن، فانصرفت إلى أهلي فما كان إلا ساعة
حتى سمعت الصراخ، فقالوا: مات. فأغلق الخزان الأبواب، فطلبوا له قمقما
يسخن فيه الماء فما وجدوه حتى استعاروه من بعض الخزان.
قال علماء السير: لما رأى هشام أولاده حوله يبكون في مرضه، قال: جاد
لكم هشام بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما
اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له.
وكان قد خلف سبعمائة ضيعة وكان له الهني والمري [2] بالرقة، وكانا
يرفعان عشرة آلاف ألف، وهو الذي احتفر الهني.
ووحد له اثنا عشر ألف قميص ولم يوجد له إلا أربعة أرؤس من الدواب،
ونعلان [3] وبضعة عشر خادما.
قال أبو معشر: كانت وفاته لست ليال خلون من ربيع الآخر. وكانت خلافته
تسع عشرة سنة وثمانية أشهر ونصف.
وقال المدائني وابن [الكلبي] [4] : وسبعة أشهر وأحد عشر يوما.
واختلفوا في مبلغ سنه، فقال هشام بن محمد: كان له خمس وخمسون سنة.
وقال الواقدي: أربع وخمسون، وقال غيره: اثنتان وخمسون.
وكانت وفاته بالرصافة وبها قبره، وصلى [عليه] [4] ابنه مسلمة.
__________
[1] الخلاسي: من كان من أبوين أبيض وأسود.
[2] هما نهران بإزاء الرقة والرافقة.
[3] في ت: «بغلان» .
[4] ما بين المعقوفتين: من ت.
(7/246)
ثم دخلت سنة ست
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها قتل خالد بن عبد الله القسري [1] ، وكان قد عمل لهشام
خمس عشرة سنة إلا [ستة] [2] أشهر على العراق، وخراسان، فلما ولي يوسف
بن عمر أخذه وحبسه وعذبه لأجل انكسار الخراج، فكتب هشام بتخلية سبيله
فخلي سبيله في شوال سنة إحدى وعشرين فخرج إلى ناحية هشام فلم يأذن له
في القدوم عليه، وخرج زيد بن علي فقتل.
وكتب يوسف إلى هشام: إن أهل هذا البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعا
حتى كانت لقمة أحدهم قوت عياله. فلما ولي خالد العراق أعطاهم الأموال،
فقووا بها، فتاقت نفوسهم إلى طلب الخلافة، وما خرج زيد إلا عن رأى
خالد، فقال لرسوله:
كذبت وكذب من أرسلك، لسنا نتهم خالدا في طاعة، وأقام خالد بدمشق حتى
هلك هشام.
وقام الوليد فكتب إلى خالد أن أمير المؤمنين قد علم حال الخمسين ألف
ألف، فأقدم على أمير المؤمنين، فقدم فقال له: أين ابنك؟ قال: كنا نراه
عند أمير المؤمنين، قال: لا ولكنك خلفته للفتنة، فقال: قد علم أمير
المؤمنين أنا أهل بيت طاعة، فقال:
لتأتين به أو لأزهقن نفسك، فقال له: هذا الذي أردت وعليه عولت، والله
لو كان تحت قدمي ما رفعتها، فأمر الوليد صاحب حرسه بتعذيبه، فعذبه فصبر
[فحبسه] [3] ، فقدم يوسف بن عمر فقال: أنا أشتريه بخمسين ألف ألف،
فأرسل الوليد إلى خالد يخبره ويقول: إن كنت تضمنها وإلا دفعتك إليه [4]
، فقال: ما عهدت العرب تباع.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 254.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في ت: «دفعتها إليه» .
(7/247)
فدفعه إلى يوسف فعذبه مرارا، ثم أتى بعود
فوضعه على قدميه، وقامت عليه الرجال حتى كسرت قدماه، فو الله، ما تكلم
ولا عبس، ثم على ساقيه حتى كسرتا، ثم على فخذيه، ثم على حقويه، ثم على
صدره حتى مات.
ودفن بناحية الحيرة، وذلك في المحرم سنة ست وعشرين ومائة.
وفيها: قتل الوليد بن يزيد [1] ، قد ذكرنا أن الوليد كان مشتغلا باللعب
واللهو، معرضا عن الدين قبل الخلافة، فلما وليها زاد ذلك فثقل أمره على
رعيته وكرهوه، ثم ضم إلى ذلك أنه فسد أمره مع بني عمه ومع اليمانية وهي
أعظم جند الشام، فضرب سليمان بن هشام مائه سوط، وحلق رأسه ولحيته وغربه
إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل بها حتى قتل الوليد، وغضب الوليد على خالد
بن عبد الله، وكان يسميه يوسف الفاسق، ورماه بنو هاشم بالكفر والزندقة
وغشيان أمهات [أولاد] [2] أبيه. وقالوا إنه اتخذ مائة جامعة، وكتب على
كل جامعة اسم رجل من بني أمية ليقتله بها، وكان أشدهم فيه قولا ابن عمه
يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه كان يظهر
النسك ويقول: ما يسعنا الرضى بالوليد، حتى حمل الناس على الفتك به،
وأجمع على قتله قوم من قضاعة واليمانية من أهل دمشق خاصة، فأتى قوم
منهم خالد بن عبد الله، فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم، قالوا: فاكتم
علينا، قال: لا أسمي أحدا منكم.
ثم إن الوليد أراد الحج، فخاف خالد أن يفتكوا به في الطريق، فقال: يا
أمير المؤمنين أخر الحج العام. قال: ولم؟ فلم يخبره، فأمر بحبسه وأن
يستأدي ما عليه من أموال العراق، وبايع الناس يزيد بن الوليد سرا،
واجتمع عليه أكثر أهل دمشق، وأجمع يزيد على الظهور، فقيل للعامل: إن
يزيد خارج، فلم يصدق، فأرسل يزيد أصحابه بين المغرب والعشاء ليلة
الجمعة سنة ست وعشرين ومائة، فمكثوا عند باب الفراديس حتى أذنوا
العتمة، فدخلوا فصلوا وللمسجد حرس، وقد وكلوا بإخراج الناس من المسجد
بالليل، فلما صلى الناس صاح بهم الحرس، وتبطأ أصحاب يزيد، فجعلوا
يخرجون من باب ويدخلون من آخر حتى لم يبق في المسجد غير الحرس وأصحاب
يزيد، فقبض أصحاب يزيد على الحرس جميعهم، ومضى يزيد بن عنبسة إلى يزيد
بن الوليد فأعلمه وأخذ بيده وقال: قم يا أمير المؤمنين وأبشر بنصر الله
وعونه، فقام وقال:
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 231.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/248)
اللَّهمّ إن كان هذا لك رضا فأعني عليه
وسددني، فإن كان غير رضا فاصرفه عني بموت، وأقبل في اثني عشر رجلا، ثم
اجتمع أصحابهم وأخذ خزان بيت المال وصاحب البريد وكل من يحذره، وقبضوا
سلاحا كثيرا من المسجد كان فيه. وخرج الوليد إلى حصن للعرب، وقصده
أصحاب يزيد فقاتلهم في جماعة معه، وقال لأصحابه: من جاء برأس فله
خمسمائة، فجاء قوم بأرؤس، فقال: اكتبوا أسماءهم، فقال رجل: ما هذا يوم
يعمل فيه بنسيئة، فتفرق عنه أصحابه فدخل الحصن وأغلق الباب وقال: أما
فيكم رجل له حسب وحياء أكلمه كلمة؟ فقال له يزيد بن عنبسة: كلمني، قال:
ألم أزد في أعطياتكم، ألم أعط فقراءكم، ألم أخدم زمناكم، فقال: ما ننقم
عليك في أنفسنا ولكن ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح
أمهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله، فرجع إلى الدار فجلس وأخذ مصحفا
وقال: يوم كيوم عثمان.
ثم إن أصحاب يزيد علوا حائط [1] الدار، وكان أول من علاه يزيد بن
عنبسة، فنزل إلى الوليد وسيف الوليد إلى جنبه، فقال له ابن عنبسة: نح
سيفك، فقال له الوليد:
لو أردت السيف لكان لي ولك حال غير هذه، فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن
يحبسه ويؤامر فيه، فنزل من الحائط عشرة [2] ، فضربه أحدهم [3] على
رأسه، وضربه آخر على وجهه [4] ، واحتز آخر رأسه [5] ، وقدم بالرأس على
يزيد فسجد، وكانوا قد قطعوا كفه، فبعثوا بها إلى يزيد قبل الرأس، فأمر
يزيد بالرأس فطيف به في دمشق ثم نصب [6] .
وكان يزيد قد جعل في رأس الوليد مائة ألف، وانتهب الناس عسكره وخزانته.
__________
[1] في الأصل: « [؟] تحلوا» هكذا بدون نقط. وفي ت: «فعلوا الحائط» .
[2] ذكرهم الطبري 7/ 246، منهم: «منصور بن جمهور، وحبال بن عمرو
الكلبي، وعبد الرحمن بن عجلان مولى يزيد بن عبد الملك، وحميد بن نصر
اللخمي، والسري بن زياد بن أبي كبشة، وعبد السلام اللخمي» .
وفي الأغاني: «منصور بن جمهور، وعبد الرحمن، وقيس مولى يزيد بن عبد
الملك، والسري بن زياد بن أبرهة» .
[3] في الطبري الّذي ضربه هو: «عبد السلام اللخمي» . وفي الأغاني: «عبد
الرحمن السلمي» .
[4] في الطبري والأغاني: «السري بن زياد» .
[5] في الطبري هو: «أبو علاقة القضاعي» .
[6] في ت: «فأمر يزيد بالرأس فنصب وطيف به في دمشق.
(7/249)
باب ذكر خلافة يزيد
بن الوليد بن عبد الملك
كان يكنى أبا خالد، وأمه أم ولد، وهي بنت فيروز بن يزدجرد. وكان أسمر
طويلا، صغير الرأس، بوجهه خال، وكان جماعة قد بايعوه قبل قتل الوليد،
فلما قتل اجتمعوا عليه فنقص من أعطيات الناس ما كان زادهم الوليد،
وردهم إلى أعطيات هشام، فسموه الناقص. وأول من سماه بهذا الاسم مروان
بن محمد.
وقيل: بل سمي بذلك لنقصان كان في أصابع رجليه، وهو أول خليفة كانت أمه
أمة، وكانت بنو أمية تتجنب ذلك توطيدا للخلافة [1] ، ولأنهم سقط إليهم
أن ملكهم يزول على يد خليفة منهم أمه أمة، فكان ذلك مروان بن محمد،
وسيأتي ذكره بعد خلافة يزيد هذا.
ثم أن يزيدا خطب الناس بعد قتل الوليد، وقال: إني والله ما خرجت أشرا
ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، ولكن خرجت غضبا
للَّه ولرسوله ولدينه، وداعيا إلى كتابه وسنة نبيه، لما هدم الوليد
معالم الهدى، وأطفأ نور أهل التقى، وكان جبارا مستحلا للحرم مع أنه ما
كان يصدق [2] بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب، فسألت الله تعالى فأراح
منه العباد والبلاد، أيها الناس إن لكم علي ألا أضع حجرا على حجر، ولا
لبنة على لبنة، ولا أكري نهرا [3] ، ولا أكثر مالا، ولا أعطيه زوجة ولا
ولدا، ولا أثقله من بلد إلى بلد حتى أسد ثغرة ذلك البلد وخصاصة أهله
بما يغنيهم، ولا أغلق بابي
__________
[1] في ت: «توطيدا للخلافة» .
[2] في الأصل: «أنه ما كان لا يصدق بالكتاب» . وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «ولا أجري نهرا» . وما أوردناه من ت.
(7/250)
دونكم، وإن لكم أعطياتكم في كل سنة،
وأرزاقكم في كل شهر، فإن أنا وفيت لكم بمالكم [1] وبما قلت فعليكم
بالسمع والطاعة، وإن أنا لم أف لكم فلكم أن تخلعوني، وإن علمتم أحدا
ممن يعرف بالصلاح [2] ، يعطيكم من نفسه مثلما أعطيتكم وأردتم أن
تبايعوه فأنا أول من يبايعه. أيها الناس، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق [3] .
ثم دعا الناس إلى تجديد البيعة له، وأظهر النسك وقراءة القرآن وأخلاق
عمر بن عبد العزيز وأحسن السيرة، فلما علم أهل البلاد بقتل الوليد ثارت
الفتن، ووثب سليمان بن هشام بن عبد الملك بعمان [4] ، وكان محبوسا بها،
حبسه ابن عمه الوليد، فأخذ ما فيها من الأموال، وأقبل إلى دمشق.
ووثب أهل حمص، وغلقوا أبوابها، وأقاموا النوائح على الوليد، وهدموا دار
العباس بن الوليد بن عبد الملك لأنه أعان على الوليد، فكتبوا بينهم
كتابا ألا يدخلوا في طاعة يزيد، وخرجوا عليه، فبعث إليهم جيشا فانهزموا
وقتل منهم ثلاثمائة.
ووثب أهل فلسطين والأردن على عاملهم فأخرجوه.
ولما تم الأمر [5] ليزيد بن الوليد [6] عزل يوسف بن عمر عن العراق
وولاها منصور بن جمهور، فسار إلى العراق، فبلغ خبره يوسف بن عمر فهرب
إلى البلقاء فقدم منصور الحيرة في أيام خلت من رجب فأخذ بيوت الأموال،
وأخرج العطاء وولى العمال، وبايع ليزيد [بن الوليد] [7] بالعراق
وكورها، وكتب بذلك، وأطلق من في سجون يوسف، وبلغ خبر يوسف إلى يزيد بن
الوليد، فبعث من يأتيه به، فجيء به في وثاق، فأقام في الحبس ولاية يزيد
كلها وشهرين وعشرة أيام في ولاية إبراهيم، فلما قدم مروان الشام وقرب
من دمشق ولى قتله يزيد بن خالد، فبعث مولى له فضرب عنق يوسف.
__________
[1] «بمالكم» : سقطت من ت.
[2] في الأصل: «بالإصلاح» . وما أوردناه من ت.
[3] نص الخطبة في الطبري 7/ 268.
[4] في ت: «عبد الملك بن نعمان» . خطأ.
[5] في ت: «ولما استوثق الأمر» .
[6] في الأصل: «ليزيد بن عبد الملك» . وما أوردناه من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/251)
وفيها: امتنع نصر بن سيار [1] بخراسان من
تسليم عمله لعامل يزيد منصور بن جمهور، وكان يزيد قد ولاها منصور مع
العراق.
وقد ذكرنا أن يوسف بن عمر كتب إلى نصر بالمصير إليه مع الهدايا للوليد
بن يزيد، فشخص نصر من خراسان إلى العراق، وتباطأ في سفره حتى قتل
الوليد، فجاءه من أخبره بأن منصور بن جمهور قد أقبل أميرا على العراق،
وأن يوسف بن عمر قد هرب، فرد نصر تلك الهدايا، وأعتق الرقيق، وقسم تلك
الآنية، ووجه العمال، وأمرهم بحسن السيرة ودعى الناس إلى البيعة
فبايعوه.
وفيها: عزل يزيد بن الوليد [2] منصور بن جمهور عن العراق، وولاها عبد
الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان.
وفيها: كتب يزيد إلى [3] عامله عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أن يرد
على الحارث بن شريح ما كان أخذ من ماله وولده لأنه خاف منه أن يقدم
عليه بالترك، وطمع أن يناصحه، وأرسل إليه من يرده من بلاد الترك.
وفيها: وجه إبراهيم [4] بن محمد الإمام بكير بن ماهان إلى خراسان، وبعث
معه بالسيرة والوصية، فقدم مرو، وجمع النقباء ومن بها من الدعاة، فنعى
إليهم الإمام محمد بن علي ودعاهم إلى إبراهيم، ودفع إليهم كتاب إبراهيم
فقبلوه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة، فقدم بها بكير على
إبراهيم بن محمد.
وفيها: أخذ يزيد بن الوليد [5] البيعة لأخيه إبراهيم بن الوليد على
الناس، وجعله ولي عهده، ولعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك من بعد
إبراهيم.
وكان سبب ذلك أن يزيد مرض في ذي الحجة من سنة ست وعشرين، فقيل له:
بايع لأخيك إبراهيم ولعبد العزيز من بعده، ففعل.
وفيها: عزل يزيد بن الوليد يوسف بن محمد بن يوسف عن المدينة، وولاها
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 277.
[2] تاريخ الطبري 7/ 284.
[3] تاريخ الطبري 7/ 293.
[4] تاريخ الطبري 7/ 295.
[5] تاريخ الطبري 7/ 295.
(7/252)
عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بن
عثمان رضي الله عنه.
وفيها: أظهر مروان [1] بن محمد بن مروان الخلاف ليزيد، وانصرف من
أرمينية إلى الجزيرة مظهرا أنه طالب بدم الوليد بن يزيد، فلما صار
بحران [2] وجمع جمعا كثيرا وتهيأ للمسير إلى يزيد، كاتبه يزيد على أن
يبايعه ويوليه ما كان عبد الملك بن مروان ولى إياه من الجزيرة وأرمينية
والموصل وأذربيجان فبايع له بحران.
وفي هذه السنة: حج بالناس عمر بن عبد الله بن عبد الملك، بعثه يزيد بن
الوليد، وخرج معه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وهو على المدينة
ومكة والطائف والعراق. وكان على قضاء الكوفة ابن أبي ليلى، وعلى قضاء
البصرة عامر بن عبيدة، وكان على خراسان نصر بن سيار.
وفيها: مات يزيد، وكان إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، يكنى أبا [3]
إسحاق، وأمه أم ولد بربرية اسمها خشف، وكان يزيد بن الوليد قد جدد
البيعة لإبراهيم قبل موته بثلاثة أيام غير أنه لم يتم له أمره، فكان
يسلم عليه جمعة بالخلافة وجمعة بالإمارة وجمعة لا يسلم عليه لا
بالإمارة، ولا بالخلافة، فكان على ذلك حتى قدم مروان بن محمد فخلصه،
وقتل عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان الذي كان يزيد عقد له
البيعة من بعد إبراهيم بن الوليد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
678- خالد بن عبد الله القسري البجلي اليماني [4] :
كان بواسط، وقيل: بالكوفة، وقد ذكرنا كيفية هلاكه في الحوادث.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 295.
[2] في الأصل: «بخراسان» . وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «قد يكنى» . وما أوردناه من ت.
[4] تهذيب تاريخ ابن عساكر 5/ 67، والوفيات 1/ 169، وابن خلدون 3/ 105،
والتاريخ الكبير 3/ 542، والمعارف 398، وتاريخ الطبري 7/ 254، والجرح
والتعديل 3/ 1533، وتاريخ الإسلام 5/ 64، وسير أعلام النبلاء 5/ 425،
والبداية والنهاية 10/ 17، وتهذيب التهذيب 3/ 101، وشذرات الذهب 1/
169.
(7/253)
679- دراج بن سمعان، أبو السمح، مولى عبد
الله بن عمرو بن العاص [1] :
سمع من عبد الله بن الحارث بن جزء. روى عنه الليث وابن لهيعة.
وكان يقص بمصر ويقول: أدركت زمانا إذا سمعنا بالرجل أنه قد جمع القرآن
حججنا إليه لننظر إليه.
680- شميط بن عجلان، أبو عبيد الله [2] :
كان عابدا واعظا.
أخبرنا إسماعيل بن أَحْمَد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن أبي
عثمان، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن الصلت، قال:
حدثنا أحمد بن جعفر بن المنادي، قال: حدثنا هارون بن الحكم، قال: حدثنا
مجاهد بن موسى، قال: حدثنا عبد الله بن عيسى المقابري، قال: حدثنا عبد
الله بن شميط، عن أبيه أنه كان يقول في مواعظه:
إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام، فقد مضى أمس بما فيه، وغدا
أملك لعلك لا تدركه، إنما هو يومك هذا فإن كنت من أهل غد فسيجيء رب غد
برزق غد، إن دون غد يوما وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة، فلعلك المخترم
فيه، كفى كل يوم همه، ثم قد حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور،
وهم الغلاء والرخص، وهم الشتاء قبل أن يجيء، وهم الصيف قبل أن يجيء،
فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة، العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف
يسعى لدار الغرور.
681- عبد الله بن غالب الحراني [3] :
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا حمد بْنُ أحمد الحداد، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم أحمد بن عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن محمد بن عبيد، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّد بْن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي
__________
[1] التاريخ الكبير 3/ 882، وعلل أحمد 1/ 413، 414، والضعفاء للنسائي
187، والجرح والتعديل 3/ 2008، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 224، وتاريخ
الإسلام 5/ 67، وتهذيب التهذيب 3/ 208.
[2] حلية الأولياء 3/ 125.
[3] التاريخ الكبير 5/ 526، والجرح والتعديل 5/ 626، والأنساب للسمعاني
4/ 76، وتهذيب التهذيب 5/ 354، والتقريب 1/ 440.
(7/254)
صدقة بن بكر السعدي، قال: حدثني مرجي بن
وداع الراسبي، قال: حدثني المغيرة بن حبيب، قال: قال عبد الله بن غالب
الحراني:
لما برز العدو على ما أساء من الدنيا، فو الله ما فيها للبيب جدل، وو
الله لولا محبتي لمباشرة السهر بصفحة وجهي وافتراش الجبهة لك يا سيدي،
والمراوحة بين الأعضاء في ظلم الليل، رجاء ثوابك وحلول رضوانك، لقد كنت
متمنيا لفراق الدنيا وأهلها. قال: ثم كسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى
قتل. قال: فحمل من المعركة وإنه لرمق، فمات، دون العسكر، فلما أن دفن
أصابوا من قبره رائحة المسك. قال:
فرآه رجل من إخوانه في منامه، فقال: يا أبا فراس، ما صنعت؟ قال: خير
الصنع، قال:
إلى ما صرت؟ قال: إلى الجنة، قال: بم؟ قال: بحسن اليقين وطول التهجد
وظمأ الهواجر، قال: فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك؟ قال:
تلك رائحة التلاوة والظمأ، قال: قلت: أوصني، قال: اكسب لنفسك خيرا، لا
تخرج عنك الليالي والأيام عطلا.
682- عبد الله [1] بن سريج، أبو يحيى مولى بني نوفل بن عبد مناف:
وقيل: مولى بني الحارث بن عبد المطلب، وقيل: مولى لبني مخزوم، وقيل:
مولى لبني ليث. ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وكان نائحا، ثم صار من
مشاهير المغنين وكبارهم، وكان آدم أحمر ظاهر الدم سفاطا، في عينه فتل،
وفي رأسه صلع، وكان منقطعا إلى عبد الله بن جعفر.
وذكر الكلبي عن أبيه، قال: كان ابن سريج مخنثا أحول أعمش، وكان أحسن
الناس غناء، وغنى في زمن عثمان.
وقال غيره: كان مغني أهل مكة ابن سريج، ومغني أهل المدينة معبد.
683- الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد [2] :
ولد سنة ستين. شاعر متقدم مقدم، عالم باللغة، كان في أيام بني أمية،
ولم يدرك
__________
[1] جاء اسمه في بعض نسخ الأغاني مختلفا: «عبيد بن سريج» وعبيد الله بن
سريج و «عبد الله» الأغاني 1/ 243 (دار الكتب العلمية) .
[2] شرح شواهد المغني 13، وجمهرة أشعار العرب 187، والشعر والشعراء
562، وخزانة الأدب للبغدادي 1/ 69- 71، 86- 87.
(7/255)
الدولة العباسية، تكلم مع حماد الراوية
فأفحم حمادا، وأنشد هشام بن عبد الملك فأعطاه مالا كثيرا. وأنشد خالدا
القسري فأعطاه مائة ألف درهم.
وقال معاذ الهزاء: الكميت أشعر الأولين والآخرين. وبلغ شعره خمسة آلاف
ومائتين وتسعا وثمانين بيتا.
684- الوليد بن يزيد بن عبد الملك:
قتل يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة من هذه السنة. وكانت
خلافته سنة وثلاثة أشهر في قول أبي معشر. وقال هشام: سنة وشهرين واثني
عشر يوما.
وفي مقدار عمره خمسة أقوال، أحدها: ثمانية وثلاثون سنة، قاله هشام.
والثاني: ست وثلاثون، قاله الواقدي. والثالث: إحدى وأربعون سنة،
والرابع خمس وأربعون، والخامس: ست وأربعون.
685- يزيد بن الوليد بن عبد الملك:
ولي ستة أشهر وليلتين. وقال هشام: ستة أشهر وأياما. وقال المدائني:
خمسة أشهر واثني عشر يوما.
وتوفي لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن ست وأربعين
سنة، وقيل: ابن ثلاثين سنة، وقيل: سبع وثلاثين سنة.
(7/256)
ثم دخلت سنة سبع
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها مسير مروان بن محمد إلى الشام [1] . وقد ذكرنا أنه
خرج بعد مقتل الوليد بن يزيد مظهرا أنه ثائر بالوليد منكر لقتله، ثم
لما كاتبه يزيد عاد فبايع له، وبعث بذلك جماعة من وجوه الجزيرة منهم
محمد بن علاثة، فأتاه موت يزيد، فأرسل إلى ابن علاثة فردهم من منبج،
وشخص إلى إبراهيم بن الوليد، فلما انتهى إلى قنسرين دعا الناس إلى
مبايعته، ثم توجه إلى حمص، وكانوا قد امتنعوا حين مات يزيد أن يبايعوا
إبراهيم، فوجه إبراهيم لهم عبد العزيز في جند أهل دمشق، فحاصرهم في
مدينتهم، وأغذ مروان السير، فلما دنا من مدينة حمص رحل عبد العزيز
عنهم، وخرجوا إلى مروان فبايعوه وساروا معه.
ووجه إبراهيم بن الوليد مع سليمان بن هشام عشرين ومائة ألف، فلقيهم
مروان في نحو من ثمانين ألفا، فاقتتلوا. وبعث مروان أقواما فقطعوا
الشجر وعقدوا على نهر هناك جسورا، فعبروا إلى عسكر سليمان من ورائهم،
فلم يشعروا إلا بالخيل فانهزموا وقتل منهم نحوا من ثمانية عشر ألفا.
وفي هذه السنة: دعا عبد الله بن [2] معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب إلى نفسه بالكوفة، وحارب بها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز،
فهزمه عبد الله [بن
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 300.
[2] تاريخ الطبري 7/ 302.
(7/257)
عمر] [1] ، فلحق بالجبال فغلب عليها. وكان
خروجه في محرم سنة سبع وعشرين.
وكان سبب خروجه أنه قدم إلى الكوفة زائرا لعبد الله بن عمر يلتمس صلته
ولا يريد خروجا فتزوج ابنة حاتم بن الشرقي، فلما وقعت العصبية، وكان
سببها أن عبد الله أعطى قوما ومنع قوما فاختصموا، فقال أهل الكوفة لعبد
الله: ادع إلى نفسك، فبنو هاشم أولى بالأمر من بني مروان [2] ، فدعا
سرا بالكوفة وبايعه ابن ضمرة الخزاعي، فدس إليه ابن عمر فأرضاه، فأرسل
إليه: إذا التقينا انهزمت بالناس، فقيل لابن عمر: قد جاء ابن معاوية،
فأخرج مالا وخرج فأمر مناديا ينادي: من جاء برأس فله خمسمائة، فأتى رجل
برأس فأعطي خمسمائة، فلما رأى أصحابه الوفاء ثاروا بالقوم فإذا خمسمائة
رأس، فانكشف أمر ابن معاوية، وانهزم ابن ضمرة فلم يبق مع ابن معاوية
أحد، فخرج إلى المدائن فبايعوه، وأتاه قوم من أهل الكوفة، ثم خرج [إلى
المدائن] [3] فغلب على حلوان والجبال وهمدان وقومس وأصبهان والري.
وفي هذه السنة: وافى الحارث بن شريح مرو [4] ، وجاء إليها من بلاد
الترك بالأمان الذي كتب له يزيد بن الوليد، فصار إلى نصر ثم حالفه
وبايعه على ذلك جمع كبير، وكان قدم مرو لثلاث بقين من جمادى الآخرة،
سنة سبع وعشرين، فتلقاه نصر وأجرى عليه نزلا كل يوم خمسين درهما، وأطلق
نصر من كان عنده من أهله، وبعث إليه بفرس وفرش، فباع ذلك وقسمه في
أصحابه، وكان يجلس على برذعة [5] ، وتثنى له وسادة غليظة، وعرض عليه
نصر أن يوليه ويعطيه مائه ألف فلم يقبل، وقال:
لست من أهل اللذات، إنما أسألك كتاب الله والعمل بالسنة فإن فعلت
ساعدتك، وإني خرجت من هذا البلد منذ ثلاث عشرة [6] سنة إنكارا للجور،
وأنت تريدني عليه، فانضم إلى الحارث ثلاثة آلاف.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من الطبري.
[2] في الأصل: «فبنو هاشم بالأمر أولى من بني مروان» . وما أوردناه من
ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] تاريخ الطبري 7/ 309.
[5] في الأصل: «برذعته» . وما أوردناه من ت والطبري.
[6] في الأصل: «ثلاثة عشرة» .
(7/258)
وفي هذه السنة: بويع لمروان بن محمد بن
مروان بالخلافة بدمشق.
وذلك أنه لما قيل [1] : قد دخلت خيل مروان دمشق هرب إبراهيم بن الوليد
ونهب بيت المال، وثار موالي الوليد بن يزيد، فقتلوا عبد العزيز بن
الحجاج، ونبشوا قبر يزيد بن الوليد وصلبوه على باب الجابية، ودخل مروان
دمشق، فبايعوه واستوت له الشام وانصرف، فنزل حران وطلب الأمان منه
إبراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام فأمنهما، وخلع إبراهيم في ربيع
الآخر من هذه السنة، وكان مكثه أربعة أشهر، وقيل: أربعين ليلة.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 311.
(7/259)
باب ذكر خلافة مروان
بن محمد بن مروان
وهو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، ويكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا
عبد الملك، وقيل: أبا الوليد، أمه أم ولد كردية، وقيل: رومية، اسمها
مارية البرما، بويع له وهو ابن إحدى وخمسين سنة، ويلقب بالجعدي، لأن
الجعد بن إبراهيم كان مؤدبه، وكان الجعد متهما بالزندقة، فقتله خالد بن
عبد الله القسري، وخص مروان في ملكه بأشياء لم تكن لمن بعده، منها
البقرة التي يضرب بها المثل، كان يقف تحته في الحرب يومه وليلته لا
يبول ولا يروث.
قال الأصمعي: خطباء بني أمية خمسة: معاوية، وعبد الملك، وعمر بن عبد
العزيز، وهشام، ومروان بن محمد.
وفي هذه السنة [1] : انتقض على مروان أهل حمص، وسائر أهل الشام
فحاربهم.
وذلك أنه أقام بحران بعد أن بويع له أربعة أشهر، وقيل: ثلاثة أشهر وهو
الأصح- ثم خالفه أهل الشام، وكان الذي دعاهم إلى ذلك ثابت بن نعيم،
راسلهم وكاتبهم، فبلغ مروان خبرهم، فسار إليهم بنفسه ومعه إبراهيم بن
يزيد المخلوع، وسليمان بن هشام يكرمهما ويجلسان معه على غدائه وعشائه،
فانتهى إلى حمص، فأحدقت بها خيله فأشرفوا عليه، فناداهم مناديه: ما
الذي دعاكم إلى النكث؟ فقالوا: لم ننكث، فاقتحم عمرو بن الوضاح في
ثلاثة آلاف، فقاتلوهم داخل المدينة، فلما كثرتهم خيل
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 312.
(7/260)
مروان انتهوا إلى باب من أبواب المدينة
يقال له: باب تدمر، فخرجوا منه والروابط عليهم، فقاتلوهم، فقتل عامتهم
وأسر منهم قوم، فأني بهم مروان فقتلهم، وأمر بالقتلى وهم نحو من
ستمائة، فصلبوا حول المدينة، وهدم من حائط المدينة نحو من غلوة، وثار
أهل الغوطة إلى دمشق فحاصروا أميرهم زامل بن عمرو، وولوا عليهم يزيد بن
خالد القسري، وقتل مروان خلقا كثيرا، وأقام بدير أيوب حتى بايع لابنيه:
عبيد الله، وعبد الله، وزوجهما ابنتي هشام بن عبد الملك، وهما: أم
هشام، وعائشة. وقطع على جند أهل الشام بعثا، وأمرهم باللحاق بيزيد بن
عمر بن هبيرة، وكان قبل مسيره إلى الشام قد وجهه في عشرة آلاف من أهل
قنسرين والجزيرة، وصيره مقدمه له وانصرف مروان إلى قرقيسياء وابن هبيرة
بها ليقدمه إلى العراق لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني الحروري.
وأقبل نحو من عشرة آلاف ممن كان مروان [1] قطع عليه البعث بدير أيوب
لغزو العراق [مع قوادهم] [2] ، فزادهم [3] حتى جاءوا الرصافة فدعوا
سليمان إلى خلع مروان ومحاربته.
وفي هذه السنة: خرج الضحاك بن قيس الشيباني، فدخل الكوفة. وسبب ذلك أنه
لما قتل الوليد خرج بالجزيرة حروري يقال له سعيد بن بهدلة [4] الشيباني
في مائتين من أهل الجزيرة وفيهم الضحاك، فاغتنم قتل الوليد واشتغال
مروان بالشام، وخرج بسطام البيهقي وهو مفارق لرأيه في مثل عدتهم من
ربيعة، فسار كل واحد منهما إلى صاحبه، فلما تقارب العسكران قتل بسطام
وجميع من معه إلا أربعة عشر لحقوا بمروان، فكانوا معه. ثم مضى سعيد بن
بهدلة نحو العراق لما بلغه من تشتت الأمر بها واختلاف أهل الشام، فمات
سعيد بن بهدلة من طاعون أصابه، واستخلف الضحاك بن قيس، فاجتمع مع
الضحاك نحو من ألف، فتوجه إلى الكوفة ومر بأرض الموصل فأتبعه منها ومن
السواد نحو من ثلاثة آلاف، فبرز له أهل الكوفة فهزمهم واستولى على
الكوفة
__________
[1] في الأصل: «ممن كان مع مروان» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] «فزادهم» : ساقطة من ت.
[4] كذا في الأصلين، وفي الطبري: «بهدلة» .
(7/261)
ومضى إلى واسط فحاصرها وخرجوا يقاتلونه،
فلم يزالوا على ذلك شعبان ورمضان وشوال، ثم خرج والي واسط إلى الخارجي
فبايعه.
وفيها [1] : خلع سليمان بن هشام بن عبد الملك مروان بن محمد ونصب له
الحرب. وذلك أنه لما شخص مروان إلى الرقة لتوجه ابن هبيرة إلى العراق
لمحاربة الضحاك بن قيس استأذنه سليمان بن هشام أن يقيم [أياما] [2]
لإصلاح أمره، فأذن له فقيل له: أنت أرضى عند أهل الشام من مروان وأولى
بالخلافة، فأجابهم وعسكر بهم وسار بهم إلى قنسرين، وكاتب أهل الشام
فانفضوا إليه من كل جانب فأقبل إلى مروان وكتب إلى ابن هبيرة يأمره
بالثبوت في عسكره، واجتمع إلى سليمان بن هشام نحو من سبعين ألفا من أهل
الشام وغيرهم، فلما دنا منه مروان قدم إليه السكسكي في نحو من سبعة
آلاف، ووجه مروان عيسى بن مسلم في نحو من عدتهم، فالتقوا فاقتتلوا
قتالا شديدا، وانهزمت مقدمة مروان، فانهزم سليمان، واتبعته خيول مروان
تقتلهم وتأسرهم، واستباحوا عسكرهم، وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفا،
ومضى سليمان مفلولا حتى انتهى إلى حمص، فانضم إليه من أفلت من أصحابه،
فعسكر بهم وبنى ما كان مروان هدمه من حيطانها، وجاءهم مروان فخرجوا
إليه فاقتتلوا، وعلم سليمان أنه لا طاقة له بهم، فذهب إلى تدمر. ونزل
مروان بحمص فحاصرهم عشرة أشهر، ونصب عليهم نيفا وثمانين منجنيقا وهم في
ذلك يخرجون إليه فيقاتلونه، ثم استأمنوه على أن يدفعوا إليه جماعة ممن
كان يسبه ويؤذيه، فقبل ذلك منهم، ثم أقبل متوجها إلى الضحاك، فارتحل
الضحاك حتى لقي مروان بكفرتوثا من أرض الجزيرة.
وفي هذه السنة: توجه سليمان بن كثير ولاهز بن قريظة [3] ، وقحطبة بن
شبيب إلى مكة، فلقوا إبراهيم بن محمد الإمام بها، وأعلموه أن معهم
عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم ومسكا ومتاعا كثيرا، فأمرهم بدفع ذلك
إلى عروة مولى محمد بن علي، وكانوا قدموا معهم بأبي مسلم في ذلك العام،
فقال سليمان بن كثير لإبراهيم:
هذا مولاك.
__________
[1] في ت: «وفي هذه السنة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «قريظ» . وما أوردناه من ت والطبري.
(7/262)
وفي هذه السنة: حج بالناس عبد العزيز بن
عمر بن عبد العزيز وهو عامل مروان على مكة والمدينة والطائف، وكان
العامل على العراق النضر بن الحرشي، وكان بخراسان نصر بن سيار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
686- سعد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو
إسحاق [1] :
أسند عن عبد الله بن جعفر، وأنس، وغيرهما. وولي قضاء المدينة.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز، قَالَ: أخبرنا أبو محمد الجوهري،
قال:
أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قَالَ: أخبرنا أبو أيوب الجلاب، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: حدثنا محمد بن
سعد، قال: حدثنا الحجاج، عن شيبة، قال:
كان سعد بن إبراهيم يصوم الدهر ويقرأ القرآن في كل يوم وليلة.
توفي سعد بالمدينة في هذه السنة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
687- عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، أبو خالد الفهمي [2] :
أمير مصر لهشام بن عبد الملك، روى عنه الليث بن سعد، ويحيى بن أيوب.
وكان ثبتا في الحديث، توفي في هذه السنة.
688- عمرو بن عبد الله بن علي بن أحمد الهمداني، أبو إسحاق السبيعي [3]
:
ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان، وأجاز شريح شهادته وحده في وصية،
وكان يقول: يا معشر الشباب اغتنموا شبابكم وقوتكم، فقلما مر بي في
شبابي ليلة لا أقرأ
__________
[1] طبقات ابن سعد (مخطوط) ، والتاريخ الكبير للبخاريّ 4/ 1928، وتاريخ
الطبري 7/ 227، وتهذيب ابن عساكر 6/ 82، وتاريخ الإسلام 5/ 77، وسير
أعلام النبلاء 5/ 418، وتذكرة الحفاظ 1/ 136، وتهذيب التهذيب 3/ 463،
وشذرات الذهب 1/ 173.
[2] التاريخ الكبير للبخاريّ 3/ 1/ 277، والجرح والتعديل 5/ 229،
وتقريب التهذيب 1/ 478.
[3] التاريخ الكبير 3/ 2/ 347، وطبقات ابن سعد 6/ 219، وتقريب التهذيب
2/ 73.
وورد اسمه في الأصل: «عمرة» . وما أوردناه من ت وكتب الرجال.
(7/263)
فيها ألف آية، ولقي من الصحابة: علي بن أبي
طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،
ومعاوية بن أبي سفيان، وعدي بن حاتم، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم،
وجابر بن سمرة، وحارثة بن وهب، وحبيش بن جنادة، وأبو جحيفة، والنعمان
بن بشير، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن يزيد، وجرير بن عبد الله، وذا
الجوشن، وعمارة بن رويبة، والأشعث بن قيس، والمغيرة بن شعبة، وأسامة بن
زيد، وعمرو بن الحارث بن المصطلق، ورافع بن خديج، وعمرو بن حريث،
والمسور بن مخرمة، وسلمة بن قيس الأشجعي، وسراقة بن مالك، وعبد الرحمن
بن أبزي.
وانفرد أبو إسحاق بالرواية عن ثلاثة من الصحابة لم يرو عنهم غيره،
أحدهم:
عبدة بن جري، ويقال: عبيدة. والثاني كديد الضبي، والثالث مطر بن عكامس.
فهؤلاء الثلاثة عدهم جماعة من العلماء في الصحابة، وأبى قوم أن تكون
لهم صحبة.
توفي أبو إسحاق يوم دخول الضحاك بن قيس الكوفة سنة سبع وعشرين ومائة،
وهو ابن خمس وتسعين سنة. وتغير أبو إسحاق بآخرة، والذي سمع من حديثه
فهو الجيد.
(7/264)
ثم دخلت سنة ثمان
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها قتل الحارث بن شريح بخراسان [1] . وقد ذكرنا أن يزيد
بن الوليد كتب إليه يؤمنه، وأن الحارث خرج من بلاد الترك إلى خراسان،
وأتى إلى نصر بن سيار، فلما ولي ابن هبيرة العراق كتب إلى نصر بعهده،
فبايع لمروان، فقال الحارث: إنما آمنني يزيد بن الوليد، ومروان لا يجيز
أمان يزيد، فلا آمنه. فدعي إلى البيعة، وأرسل إلى نصر فقال:
اجعل الأمر شورى، فأبى نصر، فخرج الحارث وأمر جهم بن صفوان [2] مولى
بني راسب، فقرأ كتابا، فيه سيرة الحارث على الناس، فانصرفوا يكبرون،
وأرسل الحارث إلى نصر: اعزل فلانا واستعمل فلانا، فاختاروا قوما يسمون
لهم من يعمل بكتاب الله، فاختار نصر مقاتل بن سليمان، ومقاتل بن حبان،
واختار الحارث المغيرة الجهضمي، ومعاذ بن جبلة، وأمر نصر كاتبه أن يكتب
[3] من يرضون من السنن، وما يختارون من العمال [4] ، وعرض نصر على
الحارث أن يوليه ما وراء النهر، ويعطيه ثلاثمائة ألف، فلم يقبل، ثم
تناظر نصر والحارث [5] فتراضيا أن يحكم بينهما مقاتل بن حيان، وجهم بن
صفوان، فحكما أن يعتزل نصر ويكون الأمر شورى، فلم يقبل نصر، وكان جهم
يقص
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 330.
[2] في الأصل: «جهمة بن صفوان» ، وما أوردناه من ت والطبري.
[3] في الأصل: «يختارون» . وما أوردناه من ت.
[4] في الأصلين: «ويختارون من العمال» . وما أوردناه من الطبري.
[5] في الأصل: «ثم تناظر هو والحارث» . وما أوردناه من ت.
(7/265)
في عسكر الحارث فاتهم نصر قوما من أصحابه
أنهم كاتبوا الحارث، فأمر نصر مناديا ينادي: إن الحارث عدو الله قد
نابذ وحارب، فاقتتلوا فانهزم الحارث وأسر يومئذ جهم بن صفوان صاحب
الجهمية وقتل. وكان يكنى أبا محرز، وآل الأمر إلى قتل الحارث، وصلب
قبله رجل يقال له: الكرماني.
وفي هذه السنة: وجه إبراهيم بن محمد أبا مسلم إلى خراسان [1] ، وكتب
إلى أصحابه: إني قد أمرته بأمري، فاسمعوا منه واقبلوا قوله، فإني قد
أمرته على خراسان، وما غلب عليه بعد ذلك، فأتاهم فلم يقبلوا قوله
وخرجوا من قابل فالتقوا بمكة عند إبراهيم، فأعلمه أبو مسلم أنهم لم
ينفذوا كتابه وأمره وذلك أنه كان حدثا، فقال إبراهيم:
إني كنت عرضت هذا الأمر على غير واحد فأبوا علي، وقد أجمع رأيي على أبي
مسلم، فاسمعوا له وأطيعوا.
وفي هذه السنة: قتل الضحاك بن قيس الخارجي [2] ، وكان معه عشرون ومائة
ألف، فخرج إلى نصيبين فحاصرها وأقام [بها] [3] ، وأقبل إليه مروان
فالتقيا فاقتتلوا، فقتل الضحاك في المعركة، فبعث مروان برأسه إلى
الجزيرة، فطيف به فيها [4] .
وقيل: إن هذا كان في سنة تسع وعشرين.
وفي هذه السنة: قتل الخيبري الخارجي [5] . وذلك أنه لما قتل الضحاك
أصبح أصحابه فبايعوا الخيبري، فحمل الخيبري على مروان فانهزم، ودخل
أصحاب الخيبري إلى عسكره وقطعوا أطناب خيمته، وجلس الخيبري على فرشه،
ثم ثار إليه عبيد من عسكر مروان فقتلوا الخيبري وأصحابه، ورجع مروان
وانصرف أصحاب الخيبري فولوا عليهم شيبان، فقاتلهم مروان بعد ذلك.
وفي هذه السنة: وجه مروان يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق لحرب من بها
من الخوارج.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 344.
[2] تاريخ الطبري 7/ 344.
[3] في الأصل: «وأقام محاصرا لها» . وما أوردناه من ت والطبري.
[4] في الأصل: «يطاف به فيها» . وما أوردناه من ت والطبري.
[5] تاريخ الطبري 7/ 346.
(7/266)
وفيها: حج بالناس عبد العزيز بن عمر بن عبد
العزيز، وكان هو العامل على مكة والمدينة والطائف، وكان بالعراق عمال
الضحاك، وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وكان بخراسان نصر بن سيار،
وعلى قضاء البصرة ثمامة بن عبد الله بن أنس.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
689- بكر بن سوادة بن ثمامة الجذامي [1] :
حدث عن سهل بن سعد، وسفيان بن وهب الخولاني، وأبي ثور الفهمي، وكلهم
صحابي. وروى عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة. وتوفي بإفريقية في هذه
السنة.
690- جهم بن صفوان، أبو محرز، الذي ينسب إليه الجهمية:
كان في عسكر الحارث بن شريح الخارجي يقص ويعظ، فحاربهم نصر بن سيار
فأسر في الحرب وقتل.
691- جابر بن يزيد الجعفي [2] :
كان رافضيا غاليا، يقول بالرجعة، وروى عنه سفيان، وشعبة.
وتوفي في هذه السنة.
692- حيي بن هانئ، أبو قبيل المعافري [3] :
قدم مصر في أيام معاوية، وغزا رودس مع جنادة بن أبي أمية، والمغرب مع
حسان بن النعمان. روى عنه الليث، وابن لهيعة.
سئل عن القدر، فقال: أنا في الإسلام أقدم منه، ودين أنا أقدم منه، لا
خير فيه.
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 202، وطبقات خليفة 295، والتاريخ الكبير 2/ 1/
89، والجرح والتعديل 1/ 1/ 386، وسير أعلام النبلاء 5/ 20، وتاريخ
الإسلام 5/ 48، وتهذيب التهذيب 1/ 483.
[2] طبقات ابن سعد 6/ 240، والضعفاء للنسائي 287، والجرح والتعديل 1/
1/ 497، وميزان الاعتدال 1/ 379، وتاريخ الإسلام 5/ 52، وتهذيب التهذيب
2/ 46.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 201، وطبقات خليفة 294، والتاريخ الكبير 3/
267، والجرح والتعديل 3/ 1227، وسير أعلام النبلاء 5/ 214، وميزان
الاعتدال 1/ 2393، وتهذيب التهذيب 3/ 72، وشذرات الذهب 1/ 175.
(7/267)
وكان يلي شراء الشيء بنفسه من السوق، وكان
يصوم الاثنين والخميس.
وتوفي بالراس في هذه السنة.
693- عبد الواحد بن زيد:
كان متعبدا كثير البكاء، يقص على أصحابه فيموت في المجلس جماعة، وصلى
الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة.
أخبرنا محمد [1] بن أبي القاسم بإسناده عن أحمد بن أبي الحواري، قال:
قال لي أبو سليمان الداراني:
أصاب عبد الواحد بن زيد الفالج، فسأل الله أن يطلقه في وقت الوضوء،
فإذا أراد أن يتوضأ انطلق، وإذا رجع إلى سريره عاد إليه الفالج.
694- يزيد بن أبي حبيب، واسم حبيب سويد مولى شريك بن الطفيل العامري
يكنى أبا رجاء [2]
ولد سنة ثلاث وخمسين، وكان نوبيا وكان يقول: كان أبي نوبيا من أهل
دملقة [3] فابتاعه شريك بن الطفيل فأعتقه، فولاؤنا له.
يروي عن أبي الطفيل، وعبد الله بن الحارث بن جزء. روى عنه سليمان
التيمي. وكان يزيد مفتي أهل مصر في أيامه، وهو أول من أظهر العلم بمصر
والكلام في الحلال والحرام ومسائل الفقه، وإنما كانوا يتحدثون قبل ذلك
بالفتن والملاحم، والترغيب في الخير، وكان أحد الثلاثة الذين جعل إليهم
عمر بن عبد العزيز الفتيا بمصر، وكان حليما عاقلا. ولما كثرت مسائل
الناس على يزيد لزم منزله.
وكان الليث بن سعد يقول: كان يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمنا
695- يزيد بن القعقاع، أبو جعفر المخزومي القاري المديني، مولى عبد
الله بن عباس: [4]
سمع من عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس. روى عنه مالك بن أنس. وكان
إمام أهل المدينة في القرآن. وكان تقيا خيرا، توفي في أيام مروان بن
محمد بن مروان.
__________
[1] في الأصل: «أحمد» . وما أوردناه من ت.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 202، تقريب التهذيب 2/ 363، والجرح والتعديل
9/ 267، والتاريخ الكبير 4/ 2/ 336.
[3] «دملقة» ، مدينة كبيرة في بلاد النوبة، وهي منزلة ملك النوبة على
شاطئ النيل.
[4] الجرح والتعديل 9/ 285، والتاريخ الكبير 4/ 2/ 353.
(7/268)
ثم دخلت سنة تسع
وعشرين ومائة
فمن الحوادث فيها هلاك شيبان بن عبد العزيز اليشكري [1] . وكان السبب
في ذلك أن الخوارج لما قتل الضحاك والخيبري بعده ولوا عليهم شيبان
وبايعوه، فقاتلهم مروان تسعة أشهر، فلجئوا إلى الموصل واتبعهم مروان
وخندق بإزائهم. فكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بالمسير من
قرقيسياء بجميع من معه إلى عبيدة بن سوار خليفة الضحاك بالعراق، فلقي
خيوله بعين التمر، فقاتلهم عبيدة فهزمهم، ثم تجمعوا لهم بالكوفة
بالنخيلة فهزمهم، ثم اجتمعوا بالصراة ومعهم عبيدة، فقاتلهم [فقتل
عبيدة] [2] وهزم أصحابه، [واستباح عسكرهم فلم يكن لهم بقية بالعراق،
وخرج شيبان وأصحابه] [3] ، من الموصل فتبعهم مروان فمضوا إلى الأهواز،
فوجه مروان إلى عامر بن ضبارة ثلاثة نفر من قواده في ثلاثة آلاف، وأمره
باتباعهم إلى أن يستأصلهم، فتبعهم فوردوا فارس فمضى شيبان إلى ناحية
البحرين فقتل بها.
وكان مع شيبان سليمان بن هشام، فركب مع مواليه وأهل بيته السفن إلى
السند.
وقيل: كان ذلك في سنة ثلاثين.
__________
[1] تاريخ الطبري 7/ 349.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/269)
[إظهار الدعوة
العباسية بخراسان] [1] .
وفي هذه السنة- أعني سنة تسع وعشرين، ومائة [2] أمر إبراهيم بن
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس أبا مسلم
بالانصراف إلى شيعته بخراسان، وأمرهم بإظهار الدعوة العباسية،
والتسويد. فقدم أبو مسلم مرو في أول شعبان. وقيل: في أول يوم من رمضان.
فدفع كتاب الإمام إلى سليمان بن كثير، وكان فيه: أن أظهر دعوتك ولا
تربص [3] . فنصبوا أبا مسلم وقالوا: رجل من أهل البيت، ودعوا إلى طاعة
بني العباس، وأرسلوا إلى كل من أجابهم قريب وبعيد، فأمروه بإظهار أمرهم
والدعاء [إليهم] [4] .
ونزل أبو مسلم قرية من قرى خزاعة [5] ، فبث دعاته في الناس، فوجه النضر
التميمي إلى مروالروذ [6] ، ووجه أبا عاصم عبد الرحمن بن سليمان [7]
إلى الطالقان، ووجه أبا الجهم بن عطية إلى خوارزم.
فلما كانت [8] ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان عقد اللواء الذي بعث به
للإمام على رمح طوله أربعة عشر ذراعا، وعقد الراية التي بعث بها للإمام
على لواء طوله ثلاثة عشر ذراعا. وكان اللواء يدعى الظل، والراية تدعى
السحاب- وكان تأويل الاسمين عندهم أن السحاب يطبق الأرض، وكذلك دعوة
بني العباس تطبق الأرض. وتأويل الظل أن الأرض لا تخلو من الظل أبدا،
كذلك لا تخلو الأرض من خليفة عباسي- ولبس السواد هو وسليمان بن كثير
وأخوه [سليمان] [9] ومواليه ومن أجاب
__________
[1] العنوان ساقط من الأصول.
[2] في ت: «وفي سنة تسع وعشرين» .
[3] في الأصل: «ولا تتربص» . وما أوردناه من ت والطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصلين، أوردناه من الطبري.
[5] في الطبري تسمى: «سفيذنج» .
[6] كذا في الأصلين، وفي الطبري: «مروروذ» .
[7] كذا في الأصل، وفي الطبري وت: «سليم» .
[8] في الأصل: «فلما كان» . وما أوردناه من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، وما أوردناه من الطبري 7/ 356.
(7/270)
الدعوة، وأوقد النيران [1] ، فتجمع أصحابه
مغذين، وقدم عليه من الأماكن من أجاب.
فلما كان يوم الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي به وبالشيعة،
ونصب له منبرا في العسكر، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة [بغير] [2]
أذان ولا إقامة- وكانت بنو أمية تبدأ بالخطبة بأذان [3] ، ثم الصلاة
بإقامة على صلاة يوم الجمعة، ويخطبون على المنابر جلوسا في الأعياد
والجمع- وأمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يكبر في الركعة الأولى ست
تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات- وكانت بنو أمية تكبر في الركعة
الأولى أربع تكبيرات يوم العيد، وفي الثانية ثلاث تكبيرات- فلما قضى
سليمان بن كثير الصلاة والخطبة انصرف أبو مسلم [والشيعة إلى طعام قد
أعده لهم أبو مسلم] [4] ، فطعموا مستبشرين.
وكان أبو مسلم في أول الأمر يكتب إلى نصر بن سيار: الأمير نصر. فلما
قوي أبو مسلم بمن معه بدأ بنفسه فكتب إلى نصر، وأمر أن يقطع مادة نصر
بن سيار من مروالروذ ومن بلخ، فوجه نصر خيلا لمحاربة أبي مسلم وذلك بعد
ثمانية عشر شهرا من ظهوره، فوجه إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي،
فالتقوا بقرية فانهزم أصحاب نصر وقتل منهم جماعة وجيء برءوسهم، فأمر
أبو مسلم بنصب تلك الرءوس، فهي أول حرب كانت بين الشيعة العباسية [5]
وشيعة بني مروان.
وفي هذه السنة: غلب خازم بن خزيمة [6] على مروالروذ، وقتل عامل نصر بن
سيار الذي كان عليها، وكتب بالفتح إلى أبي مسلم [7] .
وفيها تحالف عامة من كان بخراسان من قبائل
العرب على قتال أبي مسلم [8] .
وذلك حين قوي أمره، فبعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبي إلى هراة وعليها
__________
[1] في الطبري: «وأوقدوا النيران» .
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.
[3] في الأصل: «بالخطبة بأذان ولا إقامة» . وما أوردناه من ت والطبري.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] في ت: «الشيعة الهاشمية» .
[6] في الأصلين: «خازم بن أبي خزيمة والتصحيح من الطبري» .
[7] تاريخ الطبري 7/ 360.
[8] تاريخ الطبري 7/ 363.
(7/271)
عيسى بن عقيل الليثي فطرده من هراة، وضاق
المنزل بأبي مسلم لكثرة عسكره، فارتاد منزلا فسيحا وحفر به خندقا، وذلك
لتسع خلون من ذي القعدة. واستعمل على الشرطة مالك بن الهيثم وعلى الحرس
خالد بن عثمان، وعلى ديوان الجند كامل بن مظفر، وعلى الرسائل مسلم بن
صبيح [1] . وكان القاسم بن مجاشع يصلي بأبي مسلم الصلوات، ويقص بعد
العصر، فيذكر فضل بني هاشم ومعايب بني أمية، وكان أبو مسلم كرجل من
الشيعة في هيئته حتى أتاه عبيد الله بن مسلم بالأروقة، والفساطيط
والمطابخ وحياض الأدم للماء.
وبلغت عدة أصحاب أبي مسلم سبعة آلاف، فأعطى لكل رجل ثلاثة دراهم، ثم
أعطاهم أربعة أربعة، وكتب نصر بن سيار إلى مروان يعلمه حال أبي مسلم
وخروجه وكثرة من معه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد، وكتب بأبيات شعر.
أرى بين الرماد وميض جمر [2] ... فأحج بأن يكون له ضرام [3]
فإن النار [4] بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها [5] الكلام
فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام
فكتب إليه مروان: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فاحسم الثؤلول قبلك [6]
، فقال نصر: أما صاحبكم فقد أعلمكم أن لا نصر عنده. وجاء كتاب إبراهيم
الإمام يلوم أبا مسلم أن لا يكون واثب نصرا، وأمره ألا يدع بخراسان
متكلما بالعربية إلا قتله.
وكتب مروان إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك وهو على دمشق أن يكتب
إلى عامل البلقاء فليأخذ إبراهيم بن محمد، ويشده وثاقا، ويبعث به إليه
في خيل، فأخذه فحمله الوليد إلى مروان.
__________
[1] كذا في الأصلين، وفي الطبري: «أسلم بن صبيح» .
[2] في ت: «وميض فار» .
[3] في الأصل: «وأحج أن يكون له ضرام» . وفي ابن الأثير: «وأخشى أن
يكون له ضرام» .
وفي ت: «ويوشك أن يكون له ضرام» . وما أوردناه من الطبري.
[4] في الأصل: «النارين» .
[5] في الطبري: «مبدؤها» .
[6] في الأصل: «قلبك» . وما أوردناه من ت.
(7/272)
وفي هذه السنة: وافى [الموسم] [1] أبو حمزة
الخارجي من قبل عبد الله بن يحيى مخالفا مروان بن محمد [2] ، فلم يشعر
الناس بعرفة إلا وقد طلعت أعلام سود، فسألهم الناس: ما حالكم؟ فأخبروهم
بخلافهم مروان وآل مروان والتبرؤ منهم.
فراسلهم عبد الواحد بن سليمان في الهدنة، فقالوا: نحن بحجنا أضن [3] ،
فصالحهم على أنهم جميعا آمنون حتى ينفر الناس النفر الأخير، ويصبحوا من
الغد، فوقفوا على حدة بعرفة. ودفع بالناس عبد الواحد، ثم مضى إلى
المدينة فضرب على الناس البعث.
وفيها [4] : حج بالناس عبد الواحد، وكان هو العامل على مكة والمدينة،
والطائف. وكان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، وعلى قضاء الكوفة
الحجاج بن عاصم المحاربي، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور، وعلى خراسان
نصر بن سيار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
696- خالد بن أبي عمران التجيبي، يكنى أبا عمر [5] :
سمع من ابن جزء، وكان فقيه أهل المغرب ومصر يفتيهم، وكان مستجاب
الدعوة. توفي في هذه السنة بإفريقية. وقيل: في سنة خمس وعشرين.
697- عاصم بن أبي النجود، أبو بكر الأسدي الخياط، مولى لبني [6] خزيمة
بن مالك بن نضر بن قعص، واسم أبي النجود: بهدلة:
أدرك عاصم ثلاثة عشر صحابيا، وكان كثير الرواية، وقرأ على أبي عبد
الرحمن السلمي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 375.
[3] في الأصل: «بحجنا أطن» . وما أوردناه من ت.
[4] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[5] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 207، وطبقات خليفة 295، وعلل أحمد 1/ 229،
232، 305، والتاريخ الكبير 3/ 560، والجرح والتعديل 3/ 559، وتاريخ
الإسلام 5/ 66، وسير أعلام النبلاء 5/ 378، وتهذيب التهذيب 3/ 110،
وشذرات الذهب 1/ 176.
[6] طبقات ابن سعد 6/ 224، وطبقات خليفة 159، والتاريخ الكبير 6/ 3062،
وتاريخ واسط 194،
(7/273)
698- يحيى بن أبي كثير، مولى طيِّئ، يكنى
أبا نصر:
أخبرنا محمد بن أبي القاسم بإسناد له عن أبي عمرو، عن يحيى بن أبي
كثير، قال:
ما صلح منطق رجل إلا عرفت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطقه إلا عرفت
ذلك في سائر عمله.
أسند يحيى بن أبي كثير عن أنس، وابن أبي أوفى وغيرهما من الصحابة.
وتوفي في هذه السنة. وقيل: في سنة اثنتين وثلاثين.
__________
[283،) ] والجرح والتعديل 6/ 1887، وسير أعلام النبلاء 5/ 256، وتاريخ
الإسلام 5/ 89، وميزان الاعتدال 2/ 4044، 4068، وتهذيب التهذيب 5/ 38،
وتقريب التهذيب 1/ 283.
(7/274)
ثم دخلت سنة ثلاثين
ومائة
فمن الحوادث فيها دخول أبي مسلم مرو ونزوله دار الإمارة بها، ومطابقة
علي بن جديع الكرماني إياه على حرب نصر بن سيار، ودخلها لتسع خلون من
جمادى الأولى يوم الخميس.
وكان سبب موافقة علي أبا مسلم [1] ، أن أبا مسلم وبخه وقال: أما تستحي
من مصالحة نصر وقد قتل أباك بالأمس وصلبه، فرجع عنه فانتقض صلح العرب
الذين اصطلحوا على قتال أبي مسلم، فتمكن لذلك أبو مسلم من دخول دار
الإمارة بمرو، وعبأ جنوده لقتال نصر، فأرسل إلى جماعة بالقتال، ففهم
لاهز، فقرأ لاهز (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ)
28: 20 [2] ففطن فهرب وذلك يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الأول هذه
السنة، وهو اليوم الثاني من دخول أبي مسلم دار الإمارة.
وصفت مرو لأبي مسلم، وأمر أبا منصور طلحة بن رزيق أن يأخذ البيعة على
الجند، وكان طلحة أحد النقباء الاثني عشر الذين اختارهم محمد بن علي من
السبعين الذين استجابوا له حين بعث رسوله إلى خراسان سنة ثلاث ومائة،
أو أربع ومائة، وأمره أن يدعو إلى الرضا ولا يسمي أحدا.
__________
[1] في الأصل: «موافقة على أبي مسلم» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] سورة: القصص، الآية: 20.
(7/275)
- تسمية الاثني عشر:
سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، وزياد بن صالح، وطلحة بن رزيق [1] ،
وعمرو بن أعين، وقحطبة بن شبيب واسم قحطبة زياد، وموسى بن كعب أبو
عيينة، ولاهز بن قرظ [2] ، والقاسم بن مجاشع، وأسلم بن سلام، وأبو داود
خالد بن إبراهيم، وأبو علي الهروي.
وقد جعل بعض الرواة شبل بن طهمان مكان عمرو بن أعين، وعيسى بن كعب مكان
موسى، وأبا النجم إسماعيل بن عمران مكان أبي علي الهروي.
ولما هرب نصر بن سيار سار أبو مسلم إلى معسكره، وأخذ ثقات أصحابه
وصناديد مضر الذين كانوا في عسكره، فكتفهم وحبسهم ثم أمر بقتلهم جميعا.
ومضى نصر بن سيار حتى نزل سرخس فيمن اتبعه، وكانوا ثلاثة آلاف، ومضى
أبو مسلم وعلي بن جديع في طلبه، فطلباه ليلتهما ثم رجعا إلى مرو، وقيل:
إن لاهزا قرأ: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) 28:
20 [3] فقال: يا لاهز أتدغل في الدين [4] ، فقدمه فضرب عنقه.
وفي هذه السنة: قتل شيبان بن سلمة الحروري، وسبب [قتله] [5] ، أنه كان
هو وعلي بن جديع مجتمعين على قتال نصر، فلما صالح علي بن الكرماني أبا
مسلم، وفارق شيبان، تنحى شيبان عن مرو إذ علم أنه لا طاقة له بحرب أبي
مسلم وعلي بن جديع مع اجتماعهما على خلافة وقد هرب نصر من مرو، فأرسل
إليه أبو مسلم يدعوه إلى بيعته، فأرسل شيبان: بل أنا أدعوك، فقال أبو
مسلم: إن لم تدخل في أمرنا فارتحل، فسار إلى سرخس، فاجتمع إليه جمع من
بكر بن وائل، فأرسل إليه أبو مسلم يدعوه ويسأله أن يكف، فأخذ الرسل
فحبسهم، فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبراهيم يأمره أن يسير إلى شيبان
فيقاتله، ففعل فهزمه [6] بسام، فقتل شيبان وعده من بكر بن
__________
[1] في الأصل: «زريق» . وما أوردناه من ت والطبري.
[2] كذا في الأصلين، والطبري: «لاهز بن قريظ» .
[3] سورة: القصص، الآية: 20.
[4] في ت: «أتدخل في الدين» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[6] في الأصل: «ففعل فهزم» . وما أوردناه من ت.
(7/276)
وائل، فلما قتل شيبان مر رجل من بكر بن
وائل برسل أبي مسلم وهم في بيت، فأخرجهم وقتلهم [1] . ثم قتل أبو مسلم
علي بن جديع.
وفي هذه السنة: قدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم خراسان منصرفا من عند
إبراهيم بن محمد ومعه لواؤه الذي عقده له إبراهيم، فوجهه أبو مسلم حين
قدم عليه على مقدمته، وضم إليه الجيوش، وجعل إليه العزل والاستعمال،
وكتب إلى الجنود بالسمع والطاعة.
فوجه قحطبة إلى نيسابور للقاء نصر، وذلك أن شيبان الحروري لما قتل لحق
أصحابه بنصر وهو بنيسابور، فبلغه فارتحل حتى نزل قومس وتفرق عنه
أصحابه.
وفيها: قتل نباتة بن حنظلة عامل يزيد بن هبيرة على جرجان، وذلك أن يزيد
بن عمر بن هبيرة بعث نباتة بن حنظلة إلى نصر، فأتى فارس وأصبهان ثم سار
إلى الري وأتى إلى جرجان، فأرسل أبو مسلم إلى قحطبة، فلقيه فقتل نباتة
وانهزم أهل الشام وقتل منهم عشرة آلاف.
وفيها: كانت الوقعة بقديد بين أبي حمزة الخارجي وأهل المدينة. وذلك أنه
خرج فلقي قريشا بقديد، فأصاب منهم عددا كثيرا، ثم ورد فلال الناس
المدينة، ثم دخل أبو حمزة المدينة، ومضى عبد الواحد بن سليمان والي
المدينة إلى الشام فرقي أبو حمزة المنبر وقال: يا أهل المدينة، سألناكم
عن ولاتكم فأسأتم القول فيهم، وسألناكم: هل يقتلون بالظن؟ فقلتم: نعم،
سألناكم: هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام؟
فقلتم: نعم، فقلنا لكم: تعالوا نناشدهم إلا تنحوا عنا وعنكم، فقلتم: لا
تفعلوا ذلك، فقلنا: تعالوا نقاتلهم فإن نظهر نأت بمن يقيم فينا وفيكم
كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقلتم: لا نقوى، فقلنا
لكم: فخلوا بيننا وبينهم، فإن نظفر نعدل في أحكامكم.
ونحملكم على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلّم، ونقسم فيئكم بينكم فأبيتم،
وقاتلتمونا دونهم، فقاتلناكم فأبعدكم الله وأسحقكم.
وسبب ذلك أن الخوارج لقوا رجال المدينة بقديد، فقالوا: دعونا نمضي على
حكم القرآن، فدعوهم إلى حكم بني مروان، فقالوا لهم: ما لنا حاجة
بقتالكم، فأبى أهل المدينة فالتقوا يوم الخميس لسبع خلون من صفر سنة
ثلاثين، فقتل أهل المدينة
__________
[1] في الأصل: «فقتلهم» .
(7/277)
حتى لم يفلت منهم إلا الشريد، وقدمت
الحرورية المدينة لسبع عشرة خلون من صفر، وأقاموا بها ثلاثة أشهر.
وكان أبو حمزة يقول على قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من زنى فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر، ومن
سرق فهو كافر [1] .
وبعث مروان أربعة آلاف من عسكره ليقاتلهم [2] ، واستعمل عليهم ابن
عطية، فإن ظفر مضى إلى اليمن، فقاتل عبد الله بن يحيى بن زيد ومن تبعه.
فلما التقى أبو حمزة وابن عطية بوادي القرى قال أبو حمزة: لا تقاتلوهم
حتى تختبروهم [3] ، فصاحوا: ما تقولون في القرآن؟ فصاح ابن عطية: نضعه
في جوف الجوالق، قالوا: فما تقولون في اليتيم؟ قالوا: نأكل ماله ونفجر
بأمه، فقاتلوهم. فلما جاء الليل قالوا:
ويحك يا ابن عطية إن الله قد جعل الليل سكنا، فاسكن نسكن، فأبى فقاتلهم
حتى قتلهم وفر منهم قوم إلى المدينة، فقتلهم أهل المدينة.
وأقام ابن عطية بالمدينة شهرا، ثم مضى إلى عبد الله بن يحيى بصنعاء،
فلما وصل التقيا، فقتل عبد الله وبعث برأسه إلى مروان، فكتب مروان إلى
ابن عطية: أغذ السير لتحج بالناس، فأسرع وخلف عسكره وخيله، فلقيته خيل،
فقالوا: أنتم لصوص، فأخرج ابن عطية كتابه وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين
وعهده علي الحج، وأنا ابن عطية، قالوا: هذا باطل لكنكم لصوص. فقتلوه
وقتلوا أصحابه.
وفي هذه السنة: قتل قحطبة بن شبيب من أهل خراسان زهاء ثلاثين ألفا.
وذلك أنهم أجمعوا بعد قتل نباتة على الخروج على قحطبة، فقتل منهم هذا
المقدار.
وكتب أبو مسلم إلى قحطبة أن يتبع نصرا، فكتب نصر إلى ابن هبيرة يستمده
فأبطأ عليه المدد.
وفي هذه السنة: غزا الوليد بن هشام الصائفة.
وفيها: وقع طاعون بالبصرة.
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 7/ 397.
[2] تاريخ الطبري 7/ 398.
[3] كذا في الأصول، وبعض نسخ الطبري المخطوط. وما أوردناه من الطبري
المطبوع.
(7/278)
وفيها: حج بالناس [1] محمد بن عبد الملك بن
مروان، وكان إليه مكة والمدينة والطائف. وكان على العراق يزيد بن هبيرة
[2] ، وعلى قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي، وعلى قضاء البصرة
عباد بن منصور، وعلى خراسان نصر بن سيار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
699- بديل بن ميسرة العقيلي [3] :
أسند عن أنس وغيره، وكان متعبدا طويل البكاء، ما زال يبكي حتى ذهب
بصره.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم [بإسناد له] [4] ، عن سيار، قال: قال مهدي
بن ميمون: رأيت ليلة مات بديل قائلا يقول: ألا إن بديلا أصبح من سكان
الجنة.
700- الخليل بن أحمد، أبو عبد الرحمن الفراهيدي الأزدي النحوي البصري
[5] :
ولا يعرف أحد سمي بأحمد بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قبل أحمد والد الخليل.
سمع الخليل من جماعة، وبرع في علم اللغة وإنشاء العروض، وروى عنه حماد
بن زيد، والنضر بن شميل. وكان الخليل بالبصرة، وهو أليق بالصحة [6] ،
وكان
__________
[1] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[2] في الطبري: «يزيد بن عمر بن هبيرة» .
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 9، وطبقات خليفة 213، والتاريخ الكبير 2/ 1/
122، والجرح والتعديل 1/ 1/ 428، وتاريخ الإسلام 5/ 47، وتهذيب التهذيب
1/ 424.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] التاريخ الكبير 3/ 681، والمعارف 541، والجرح والتعديل 3/ 1734،
وطبقات النحويين للزبيدي 47، وإنباه الرواة 1/ 341، ووفيات الأعيان 2/
242، وسير أعلام النبلاء 7/ 429، وتهذيب التهذيب 3/ 163، وبغية الوعاة
1/ 557، وشذرات الذهب 1/ 275.
وفي تاريخ وفاته خلاف: قال ابن خلكان: وتوفي سنة سبعين ومائة، وقيل:
خمس وسبعين ومائة، وقيل عاش أربعا وسبعين سنة.
وقال ابن قانع إنه توفي سنة ستين ومائة. وأورده ابن كثير في البداية
وقال: ولد الخليل سنة مائة من الهجرة، ومات بالبصرة سنة سبعين ومائة
على المشهور، وقيل سنة ستين، وزعم ابن الجوزي في كتابه «شذور العقود» .
أنه توفي سنة ثلاثين ومائة، وهذا غريب جدا والمشهور الأول.
[6] كذا في الأصلين، وأغلب الظن أنه سبق قلم من الناسخ، وذلك لتكرار
هذه العبارة في مكانها الصحيح في الرواية الآتية بعد قليل.
(7/279)
الخليل منفردا بعلم العربية متعبدا ذا
زهادة في الدنيا.
كتب إليه سليمان بن علي الهاشمي يستدعيه لتعليم ولده بالنهار ومنادمته
بالليل، وبعث إليه ألف دينار ليستعين بها على حاله، فأخرج إلى الرسول
زنبيلا فيه كسر يابسة، فأراه إياها [1] وقال له: إني ما دمت أجد هذه
الكسر فإني عنه غني وعن غيره، ورد الألف دينار وقال للرسول: اقرأ على
الأمير السلام وقل له: إني قد ألفت قوما، وألفوني، أجالسهم طول نهاري
وبعض ليلي، وقبيح لمثلي أن يقطع عادة تعودها [2] إخوانه، وكتب إليه
بهذه الأبيات:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
وإن بين الغنى والفقر منزلة ... مقرونة بجديد ليس بالبالي
سخى بنفسي أني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال
والفقر في النفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا
المال
والرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
كل امرئ بحبال الموت مرتهن ... فاعمد لبالك إني عامد بالي
وقد روي لنا أن الذي بعث إليه سليمان بن حبيب المهلبي، بعث إليه من أرض
السند. وكان الخليل بالبصرة، وهذا أليق بالصحة، وقيل: من أرض الأهواز،
ثم آل الأمر إلى أن صار الخليل وكيلا ليزيد بن حاتم المهلبي، وكان يجري
عليه في كل شهر مائتي درهم.
قال الثوري: اجتمعنا بمكة، أدباء كل أفق، فتذاكرنا أمر العلماء، فجعل
أهل كل بلد يرفعون علماءهم ويصفونهم حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد
منهم إلا قال:
الخليل أذكى العرب، وهو مفتاح العلوم ومصرفها.
وقال نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه: كان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم
نفسا، وأشدهم [3] تعففا، ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرضون [له] [4]
لينال منهم فلم
__________
[1] «فأراه إياها» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «تعودوها إخوانه» . وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «أشددهم» . وما أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/280)
يكن يفعل ذلك، وكان يعيش من بستان خلفه له
أبوه.
وقال عبيد الله بن محمد بن عائشة: كان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى
مات.
وقال النضر بن شميل: ما رأينا أحدا أقبل الناس إلى علمه فطلبوا ما عنده
أشد تواضعا من الخليل.
وقال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة
أذكى من الخليل ولا أجمع ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا
أجمع.
وقال النضر: سمعت الخليل يقول: الأيام ثلاثة، فمعهود وهو أمس، ومشهود
وهو اليوم، وموعود وهو غد.
وقال الخليل: ثلاث تيسر المصائب: مر الليالي، والمرأة الحسناء، ومحادثة
الرجال.
وأنشد لنفسه:
يكفيك من دهرك هذا القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت
701- شيبة بن نصاح بن سرخس بن يعقوب القاري، مولى أم سلمة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم [1] :
توفي في هذه السنة.
702- محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير، أبو عبد الله [2] :
وكان المنكدر دخل على عائشة فقالت: لك ولد؟ قال: لا، فقالت: لو كان
عندي عشرة آلاف [درهم] [3] لوهبتها لك، فما أمسيت حتى بعث إليها معاوية
بمال، فقالت:
ما أسرع ما ابتليت، وبعثت إلى المنكدر بعشرة آلاف فاشترى منها جارية،
فهي أم محمد وأبي بكر وعمر، وكانوا عباد المدينة.
__________
[1] طبقات ابن سعد (مخطوط) ، وطبقات خليفة 261، والتاريخ الكبير 4/
2662، والجرح والتعديل 4/ 1471، وتهذيب التهذيب 2/ 84، وتاريخ الإسلام
5/ 86، وتهذيب التهذيب 4/ 377.
[2] طبقات ابن سعد (مخطوط) ، وغيره.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/281)
وسمع محمد من جابر بن عبد الله، وأميمة بنت
رقية، والحسن، وعروة، وسعيد بن جبير في آخرين. وتوفي بالمدينة.
أخبرنا إسماعيل بن محمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن هبة اللَّه
الطبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن درستويه،
قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثني زيد بن بشر، قال: أخبرنا ابن
وهب، قال: أخبرني ابن زيد، قال:
أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت، فقال: يا أبا عبد
الله، كأني أراك قد شق عليك الموت، قال: فما زال يهون عليه الأمر حتى
كان في وجهه المصابيح، ثم قال محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك، ثم
قضى رحمه الله.
703- محمد بن سوقة، أبو بكر البزاز، مولى بجيلة [1] :
وكان بزازا. [أدرك أنس بن مالك، وأبا الطفيل، وروى عن التابعين] [2] ،
وكان سفيان يقول: ما بقي أحد يدفع به عن أهل الكوفة إلا ابن سوقة.
وكانت عنده عشرون ومائة ألف فقدمها، وكان يقول: أحب الأشياء إلي إدخال
السرور على المؤمن.
أخبرنا أحمد بن محمد المذاري، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن البناء،
قال:
أخبرنا ابن بشران، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا
أبو بكر القرشي، قال: حدثنا محمد بن علي بن شقيق، قال: حدثنا إبراهيم
بن الأشعث، قال: حدثنا فضل بن عياض، عن محمد بن سوقة، قال:
أمران لو لم نعذب إلا بهما لكنا مستحقين بهما عذاب الله: أحدنا يزاد
الشيء من الدنيا فيفرح فرحا ما علم الله أنه فرحه بشيء زاده قط في
دينه، وينقص الشيء من الدنيا فيحزن عليه حزنا ما علم الله أنه حزنه على
شيء نقصه في دينه.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ بإسناد له عن مهدي بن سابق، قال:
طلب ابن أخي محمد بن سوقة منه شيئا فبكى، فقال له: يا عم، لو علمت أن
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 237، والتاريخ الكبير 1/ 1/ 102، والجرح والتعديل
7/ 281، وتقريب التهذيب 2/ 168.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/282)
مسألتي تبلغ منك هذا ما سألتك، قال: ما
بكيت لسؤالك، إنما بكيت لأني لم أبتدئك قبل سؤالك.
704- محمد بن جحادة الأودي، مولى لبني أود [1] :
روى عن أبي صالح، وروى عنه الثوري.
أنبأنا عَبْد الوهاب الأنماطي، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عبد
الجبار، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الدقاق، قال: أخبرنا أبو
بكر القرشي، قال: حدثني مُحَمَّد بْن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا
الحميدي، عَنْ سفيان، قال:
كان محمد بن جحادة من العابدين، وكان يقال إنه لا ينام من الليل إلا
أيسره.
قال: فرأت امرأة من جيرانه كأن حللا فرقت على أهل مسجدهم، فلما انتهى
الذي يفرقها إلى محمد بن جحادة دعى بسفط مختوم، وأخرج منه حلة صفراء.
قالت: فلم يقم لها بصري، فكساه إياها وقال: هذه لك بطول السهر. قالت
تلك المرأة: لقد كنت أراه بعد ذاك فأتخايلها عليه.
705- مالك بن دينار، أبو يحيى، مولى امرأة من بني سامة بن لؤي [2] :
وكان ثقة يكتب المصاحف، وكان زاهدا في الدنيا. وأسند الحديث عن أنس.
أخبرنا [3] أحمد بن أحمد المتوكلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن
ثابت، قَالَ: أخبرنا علي بن المظفر الأصفهاني، قال: حدثنا حبيب بن
الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد [الشطري] [4] ، قال: حدثنا حسين بن
جعفر بن سليمان الضبعي، قال: سمعت أبي يقول:
مر والي البصرة بمالك يرفل، فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه، فهم خدمه
به، فقال: دعوه، ما أراك تعرفني، فقال له مالك: ومن أعرف بك مني، أما
أولك فنطفة
__________
[1] طبقات ابن سعد 6/ 233، والتاريخ الكبير 1/ 1/ 54.
[2] والجرح والتعديل 7/ 222، وتقريب التهذيب 2/ 150.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 11، والجرح والتعديل 8/ 208، والتاريخ الكبير
4/ 1/ 309.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
(7/283)
مذرة، وأما آخرك فجيفة قذرة، ثم أنت بين
ذلك تحمل العذرة، فنكس الوالي رأسه ومشى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْن أيوب [1] ، قَالَ: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، قال:
أخبرنا ابن شاهين، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال:
حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن جعفر بن
سليمان، عن مالك بن دينار:
أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة، ويوم عرفة بعرفات.
أخبرنا محمد بن أبي حبيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه
بْن أبي صادق، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ باكويه، قال: حدثنا
بكر بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن
الحسين النيسابوري، قَالَ:
سمعت مُحَمَّد بن عبد الله الطبري، يقول: سمعت الحسين بن علي الحلواني
يقول:
دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار فلم يجدوا في البيت شيئا فأرادوا
الخروج من داره، فقال مالك: ما عليكم لو صليتم ركعتين.
706- يزيد بن أبان الرقاشي [2] :
أسند عن أنس. وكان عابدا كثير البكاء والسهر حتى قال فيه ثابت البناني:
ما رأيت أصبر على طول القيام والسهر من يزيد بن أبان [الرقاشي] [3] ،
وكان بعد هذا يقول: وا لهفاه سبقني العابدون وقطع بي.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بن عبد
الجبار، قال: أخبرنا علي بن أحمد الملطي، قال: أخبرنا أحمد بْن يوسف،
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن [4] ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن محمد التيمي،
قال: حدثني زهير السكونيّ، قال:
__________
[1] «قال: أخبرنا علي بن أيوب» : ساقط من ت.
[2] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 13، والتاريخ الكبير 4/ 2/ 332، والجرح
والتعديل 9/ 251
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «الحسن» . وما أوردناه من ت.
(7/284)
كان يزيد الرقاشي قد بكى حتى تناثرت أشفاره
وأحرقت الدموع مجاريها من وجهه.
707- يزيد بن عبيد بن سعد بن بكر بن هوازن، أبو وجزة السعدي الشاعر [1]
:
توفي بالمدينة في هذه السنة. قال ابن قتيبة: هو أول من شبب بعجوز [2] .
__________
[1] غاية النهاية 2/ 382، والشعر والشعراء 268، وخزانة الأدب للبغدادي
2/ 150، والمعارف 491، وفي الأصل: «أبو جزء» ، خطأ.
[2] خزانة الأدب 2/ 150.
(7/285)
|