المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
إغارة الكرك عَلَى جدة فِي البحر.
وَفِيهَا: ولي عُمَر بْن حفص بْن عُثْمَان بْن أبي صفرة إفريقية، وعزل عَنِ السند، وولي مكانه هِشَام بْن عُرْوَة الثعلبي.
وسبب عزل عُمَر: أنه لما خرج مُحَمَّد وإبراهيم بعث إِلَيْهِ مُحَمَّد بولده عَبْد اللَّه فِي جماعة من أصحابه إِلَى السند بحجة خيل حملوها، فلما عرضت عليه قَالَ لَهُ بعضهم:
أدنني منك. فلما أدناه قَالَ لَهُ: إنما جئناك بما هو خير من الخيل فأعطنا أمانا عَلَى خلتين: إما قبلت ما آتيناك به، وإما/ سترت حَتَّى نخرج من أرضك. فأعطاهم الأمان، 68/ أفقالوا: ما للخيل أتيناك، ولكن هَذَا ابْن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن أرسله أبوه إليك، وقد خرج بالمدينة، ودعا لنفسه بالخلافة، وخرج أخوه إِبْرَاهِيم بالبصرة، وغلب عَلَيْهَا لَهُ. قَالَ لَهُ: بالرحب والسعة، ثُمَّ بايعهم وأمر به فتوارى عنده، ودعا أَهْل بيته وقواده، وكبراء أَهْل البلد إِلَى البيعة فأجابوه، وقطع أعلاما بيضاء، وملابس بيضا، وهيأ لبسته من البياض يصعد فِيهَا [إِلَى] [1] المنبر، وتهيأ لذلك يوم الخميس، فجاءه الخبر بقتل مُحَمَّد، فدخل عَلَى ابْنه فأخبره الخبر وعزاه، فَقَالَ لَهُ: إن مكاني قَدْ عرف، ودمي فِي عنقك، فقال: ها هنا ملك من ملوك السند كثير التبع، وَهُوَ عَلَى شركه أشد [2] الناس تعظيما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو رجل وفي، فأرسل إليه، فاعقد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري.
[2] «أشد» ساقط من ت.

(8/145)


بينك وبينه عقدا، قَالَ: أفعل فأرسل إِلَيْهِ، فأظهر كرامة وبرا، فخرج في أربعمائة من أصحابه يتصيد ويتنزه، وبلغ الخبر المنصور فعزل عُمَر، وولى هشاما، وَقَالَ لَهُ: إن أسلم ذلك الملك عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد وإلا حاربه، وكتب إِلَى عُمَر بولاية إفريقية، فكان هِشَام يدفع عَنْ عَبْد اللَّه ويتمادى فِي أمره، فخرجت خارجة ببلاد الشام فبعث إليهم أخاه، فبينا هو يسير إذا [هو] [1] برهج، فظنه مقدمات العدو الَّذِي يقصده، فوجه طلائعه فقالوا: ليس بعدوك، ولكن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد ركب متنزها، فمضى يريده، فَقَالَ لَهُ نصاحه [2] : هَذَا ابْن رسول الله، وقد علمت أن أخاك قَدْ تركه مخافة أن يبوء بدمه ولم يقصدك. فأعرض عنه، فَقَالَ: لا أدع حظي من التقرب من المنصور بأخذه أو قتله، فقصده، وَكَانَ فِي عشرة آلاف، فقاتله فقتل عَبْد اللَّه وأصحابه كلهم، فكتب بذلك إلى 68/ ب المنصور فشكره، وأمره بمحاربة الملك الَّذِي آواه فحاربه وظفر به وقتله/ وَكَانَ عَبْد اللَّه قَدِ اتخذ بحضرة ذلك الملك جواري فأولد منهن جارية، فحملها وابْنها إِلَى المنصور، فأمر أن يسلم إِلَى أقربائه.
وفي هذه السنة: قدم المهدي من خراسان فِي شوال عَلَى المنصور، فوفد إِلَيْهِ عامة أَهْل بيته [من كل بلد] [3] يهنئونه فأجازهم وكساهم وحملهم، وفعل بهم المنصور مثل ذلك، وأجرى عَلَى كل رجل منهم خمس مائة درهم.
وفي هذه السنة: ابتدأ المنصور ببْناء الرصافة فِي الجانب الشرقي من مدينة السلام لابْنه المهدي.
وَكَانَ السبب فِي ذلك: أن الراوندية لما حاربوا المنصور [4] عَلَى باب الذهب دخل عليه قثم بن الْعَبَّاس بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس، وَهُوَ يومئذ شيخ كبير ومقدم عند القوم، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر: أما ترى مَا نحن فِيهِ من التياث العسكر علينا، قَدْ خفت أن نجتمع كلمتهم فيخرج هَذَا الأمر من أيدينا، فما ترى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عندي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من الطبري 8/ 36.
[2] في ت: «فصاحه» .
[3] ما بين المعقوفتين: من ت.
[4] في ت: «لما شغبت على المنصور على باب الذهب» . وفي الطبري: «لما شغبوا على أبي جعفر وحاربوه على باب الذهب» .

(8/146)


فِي هَذَا رأي، إن أنا أظهرته لك فسد، وإن تركتني أمضيه صلحت لك خلافتك وهابك جندك، فَقَالَ: أفتمضي [1] فِي خلافتي بشيء لا تعلمني مَا هو؟ فَقَالَ لَهُ: إن كنت عندك متهما عَلَى دولتك فلا تشاورني، وإن كنت مأمونا عَلَيْهَا فدعني أمضي رأيي قَالَ: فَقَالَ لَهُ المنصور: أمضه، قَالَ: فانصرف قثم إِلَى منزله فدعا غلاما لَهُ فَقَالَ: إذا كَانَ غدا فتقدمني فاجلس فِي دار أمير المؤمنين، فإذا رأيتني قَدْ دخلت وتوسطت أصحاب المراتب، فخذ بعنان بغلتي واستوقفني واستحلفني بحق رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] وبحق الْعَبَّاس، وبحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها، فإني سأنتهرك وأغلظ لك فلا يهولنك ذلك مني، وعاودني بالقول والمسألة، فإني سأضربك بالسوط، فلا يشق عَلَيْك ذلك، وقل: أي الحيين أشرف؟ أَهْل اليمن أو مضر؟ فإذا أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر، فغدا الغلام فجلس حيث أمره، / فلما جاء فعل ما 69/ أأمره به [3] إِلَى أن قَالَ: أي الحيين أشرف أَهْل اليمن أو مضر؟ فَقَالَ لَهُ قثم: مضر، منها رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا كتاب اللَّه عز وجل، وَفِيهَا بيت اللَّه، ومنها [4] خليفة اللَّه. قَالَ:
فامتعضت أَهْل [5] اليمن إذ لم يذكر لها شيئا من شرفها فَقَالَ قائل من قواد أَهْل اليمن لغلامه: قم فخذ بعنان بغلة الشيخ فاكبحها كبحا عنيفا تطأ من به، ففعل الغلام حَتَّى كاد يقعيها عَلَى عراقيبها، فامتعضت [من ذلك مضر] وقالت: أيفعل هَذَا بشيخنا وأمر رجل منهم غلامه فَقَالَ: اقطع يد العبد، فقام ذلك إِلَى غلام اليماني فقطع يده، فتفرق الحيان، وصرف قثم بغلته، فدخل عَلَى أبي جَعْفَر، وافترق الجند، وصارت مضر فرقة، واليمن فرقة، وربيعة فرقة، والخراسانية فرقة، فَقَالَ قثم لأبي جَعْفَر: قَدْ فرقت بين جندك وجعلتهم أحزابا، كل حزب منهم يخاف أن يحدث [6] عَلَيْك حدثا، فتضربه بالحزب الآخر، وقد بقي عَلَيْك فِي التدبير بقية، قَالَ: وما هي؟ قَالَ: اعبر بابْنك، فابْن لَهُ من ذلك الجانب قصرا وحول معه من جيشك قوما فيصير ذلك بلدا وهذا بلدا، فإن
__________
[1] في ت: «اقض» .
[2] «أهل اليمن» ساقطة من ت.
[3] «فلما جاء فصل ما أمره به» .
[4] في الأصل: «وفيها» ، وما أوردناه من ت والطبري.
[5] «فامتعضت أهل» ساقط من ت.
[6] في الأصل: «يخافك إن حدث» وما أوردناه من ت.

(8/147)


فسد عَلَيْك أَهْل هَذَا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب [1] ، فإن فسدت عَلَيْك مضر ضربتها باليمن وربيعة والخراسانية، وإن فسدت عَلَيْك اليمن ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها.
فقبل رأيه وأمره فاستوى له ملكه، وَكَانَ سبب البْناء فِي الجانب الشرقي، فبْنى الرصافة للمهدي، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا، وأجرى لَهُ الماء، وأقطع القواد هُنَاكَ قطائع، وتولى صالح صاحب المصلى القطائع فِي الجانب الشرقي، وفعل كفعل أبي الْعَبَّاس الطوسي فِي فصول القطائع فِي الجانب الغربي.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مخلد الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي قال: حدّثنا الحسن بن 69/ ب مُحَمَّد السكوني/ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشروي، عَنْ أبيه [قَالَ] [2] : قدم المهدي من المحمدية بالري سنة إحدى وخمسين ومائة، فِي شوال، ووفدت إِلَيْهِ الوفود، وبْنى لَهُ المنصور الرصافة، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا، وأجرى لها الماء.
قَالَ ابْن خلف: وَقَالَ يَحْيَى بْن حسن: كَانَ بْناء المهدي بالرهوص [3] إلا مَا كا [ن] يسكنه [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: [أَخْبَرَنِي القاضي أبو عبد الله الحسين بْن عَلِيّ الصيرمي، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، قال:
أخبرني محمد بن يحيى، قَالَ:] [5] أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن موسى المنجم أن المعتصم وابْن أبي دؤاد اختلفا فِي مدينة أبي جَعْفَر والرصافة أيهما أعلى؟ [قَالَ] : فأمر بي المعتصم فوزنتهما [6] فوجدت [المدينة] [7] أعلى من الرصافة بذراعين وثلثي ذراع [8] .
__________
[1] «فإن فسد.... ذلك الجانب» ساقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وتاريخ بغداد، أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «بالرهص» ، وما أوردناه من ت وتاريخ بغداد.
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 82.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من تاريخ بغداد.
[6] في الأصل: «فوجستها» ، وما أوردناه من ت، وتاريخ بغداد.
[7] ما بين المعقوفتين: من ت.
[8] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 83.

(8/148)


أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: وقيل إن الدروب والسكك أحصيت ببغداد، فكانت ستة آلاف درب وسكة بالجانب الغربي، وأربعة آلاف درب وسكة بالجانب الشرقي.
وفي هذه السنة: جدد المنصور البيعة لنفسه ولابْنه المهدي من بعده، ولعيسى بْن موسى من بعد المهدي عَلَى أَهْل بيته فِي مجلسه فِي يوم جمعة، قَدْ عمهم الإذن فِيهِ، فكان كل من بايعه منهم يقبل يده ويد المهدي، ثُمَّ يمسح عَلَى يد عيسى بْن موسى، ولا يقبل يده.
وفي هذه السنة: غزا الصائفة عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد.
وَفِيهَا: شخص عقبة بْن سلم من البصرة واستخلف عَلَيْهَا ابنه نافع بن عقبة على البحرين، فقتل سليمان بْن حكيم العبدي وسبى أَهْل البحرين، وبعث ببعض من سبى منهم إِلَى أبي جَعْفَر، فقتل منهم عدة، ووهب بقيتهم للمهدي، فمن عليهم وأعتقهم، وكسا كل إنسان منهم ثوبين مرويين [1] ، ثُمَّ عزل عقبة عَنِ البصرة.
وَفِيهَا: ولى أَبُو جَعْفَر معن بْن زائدة سجستان، وحميد بن قحطبة خراسان، وقد كان المنصور طلب معنا ليهلكه ثُمَّ أمنه وولاه.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر البزاز قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِيّ بْن أبي على الْبَصْرِيّ، عَنْ أبيه قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفرج بْن عَلِيّ بْن الحسين القرشي قَالَ: أَخْبَرَنِي حبيب بْن نصر المهلبي، قال:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أبي سعد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن نعيم البلخي قَالَ: حدث مروان بْن أبي حفصة قَالَ: كَانَ المنصور قَدْ طلب معن بْن زائدة الشيباني طلبا شديدا، وجعل فِيهِ مالا، فحدثني معن باليمن أنه اضطر لشدة الطلب حَتَّى قام فِي الشمس حَتَّى لوحت وجهه، وخفف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظة، وركب حملا من حمال النقالة، وخرج ليمضي إِلَى البادية، وقد كان أبلى فِي حرب بين يدي عُمَر بْن هبيرة بلاء عظيما، فغاظ المنصور فِي طلبه قَالَ معن: فَلَمَّا خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلد سيفا حَتَّى إذا غبت عَنِ الحرس قبض عَلَى خطام الجمل فأناخه، وقبض عليّ، فقلت: مالك؟ فقال:
__________
[1] في الطبري: «من ثياب مرو» .

(8/149)


أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حَتَّى يطلبْني أمير المؤمنين، فَقَالَ: أنت معن بْن زائدة، فقلت: يا هَذَا اتق اللَّه، وأين أنا من معن بْن زائدة، فَقَالَ: دع ذا عنك فأنا واللَّهِ أعرف بك من نفسك، فقلت لَهُ: إن كَانَ كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف مَا بذله المنصور لمن جاء بي، فخذه ولا تسفك دمي، قَالَ: هاته، فأخرجته إِلَيْهِ فنظر إِلَيْهِ ساعة وَقَالَ: صدقت فِي قيمته ولست نائله حَتَّى أسألك عَنْ شيء، فإن صدقتني أطلقتك، قلت: قل، قَالَ: فإن الناس قَدْ وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت قط مالك كله، قلت: لا، قَالَ: فنصفه، قلت: لا، قَالَ: فثلثه قلت: لا، حَتَّى بلغ العشر فاستحييت، فقلت: أظن إني قَدْ فعلت ذلك، قال: ما أراك فعلته أنا والله رجل راجل رزقي مَعَ أبي جَعْفَر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته آلاف دنانير، وقد وهبته 70/ ب لك ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس، / ولتحتقر بعد هَذَا كل شيء تفعله ولا تتوقف فِي مكرمة، ثُمَّ رمى بالعقد فِي حجري وخلى خطام البعير وانصرف، فقلت: يا هذا، قد والله فضحتني، ولسفك دمي أهون علي مما فعلته، فخذ مَا دفعته إليك فإني غني عنه، فضحك وَقَالَ: أردت أن تكذبْني فِي مقامي هَذَا، والله لا آخذه ولا أتخذ لمعروف ثمنا أبدا، ومضى، فو الله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاءني به مَا شاء، فما عرفت لَهُ خبرا.
وَفِيهَا: حج بالناس مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس وَكَانَ هو العامل عَلَى مكة والطائف، وَكَانَ عَلَى المدينة الْحَسَن بْن زيد، وعلى الكوفة مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى البصرة جَابِر بْن توبة الكلابي، وعلى قضائها سوار بْن عَبْد اللَّه، وعلى مصر يزيد بْن حاتم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
806- أشعث الحداني:
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدً، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عامر، قَالَ: حَدَّثَنَا حزم، قَالَ: قَالَ لنا أشعث الحداني:

(8/150)


انطلقوا إِلَى حبيب أبي مُحَمَّد نسلم عليه- قَالَ: وذاك عند ارتفاع النهار- فانطلقنا معه نسلم، فخرج حبيب فأخذوا فِي البكاء، فما زالوا يبكون حتى حضرت الظهر، فصلينا ثم أخذوا فِي البكاء فما زالوا يبكون حَتَّى حضرت العصر. قال: فصلينا العصر، فما زالوا يبكون حتى حضرت المغرب، ثُمَّ أدنينا حماره فركب فَقَالَ لنا: إن ناسا ينهون عَنْ هَذَا أفأطيعهم؟ قلنا: أنت أعلم، قَالَ: إذا والله لا أطيعهم
807- جَعْفَر الأكبر ابْن المنصور:
كَانَ يتولى إمارة الموصل/ ومات فِي حياة أبيه.
808- حميد بْن جَابِر الشامي، الأمير:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، والمبارك بْن عَلِيّ، قالا: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْعَلافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْحِمَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد الخواص، قال: حدّثنا إبراهيم بن نصر مولى منصور بْن المهدي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن يسار، قَالَ:
كنت يوما من الأيام مارا مَعَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم فِي صحراء، إذ أتينا عَلَى قبر مسنم، فوجم عليه وبكى، فقلت: من هَذَا؟ قَالَ: قبر حميد بْن جَابِر أمير هَذِهِ المدائن كلها، كَانَ غرقا في بحر [1] الدنيا أخرجه اللَّه منها واستنقذه، لقد بلغني أنه سر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره، ثُمَّ نام فِي مجلسه ذلك مَعَ من يخصه من أهله، فرأى رجلا واقفا عَلَى رأسه بيده كتاب، فناوله إياه ففتحه وقرأه فإذا فِيهِ مكتوب بالذهب [2] : لا تؤثرون فانيا عَلَى باق، ولا تغتر [3] بملكك وسلطانك وعبيدك ولذاتك، فإن الَّذِي أنت فِيهِ جسيم لولا أنه عديم، وَهُوَ ملك لولا أن بعده هلك، وَهُوَ فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور، وَهُوَ يوم لو كان يوثق فِيهِ بغد، فسارع إِلَى أمر اللَّه عز وجل، فإن اللَّه قَالَ:
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ من رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ 3: 133 [4] ، فانتبه فزعا وَقَالَ: هَذَا تنبيه [5] من اللَّه عز وجل وموعظة. فخرج من ملكه إذ لا يعلم
__________
[1] في ت: «في بحار الدنيا» .
[2] في ت: «مكتوب بالذهاب» .
[3] في ت: «ولا تقترن بملكك» .
[4] سورة: آل عمران، الآية 133.
[5] في الأصل: «بينه» وما أوردناه من ت.

(8/151)


به، وقصد هَذَا الجبل، فتعبد فِيهِ، فلما بلغني قصته وحدثت بأمره قصدته فسألته فحدثني ببدء أمره [1] ، فما زلت أقصده حَتَّى مات ودفن هاهنا، فهذا قبره.
809- حسان بْن أبي سنان: [2]
روى عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وأنس، وثابت.
أَنْبَأَنَا أَبُو القاسم الجريري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ العشاري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا الحسين بْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر 71/ ب القرشي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي، قَالَ: حَدَّثَنِي غسان بْن الفضل، / قَالَ: حَدَّثَنَا شيخ لنا يقال لَهُ أَبُو حكيم، قَالَ:
خرج [حسان بْن أبي سنان] [3] يوم العيد، فلما رجع قالت لَهُ امرأته: كم امرأة حسنة قَدْ رأيت اليوم؟ فلما أكثرت قَالَ: ويحك مَا نظرت إلا فِي إبهامي منذ خرجت من عندك حَتَّى رجعت إليك.
قَالَ أَبُو بكر القرشي: وحدثنا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شقيق، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه، قَالَ:
كتب غلام [4] لحسان بْن أبي سنان إِلَيْهِ من الأهواز: إن قصب السكر أصابته آفة فاشتر السكر فيما قبلك. فاشترى من رجل فلم يأت عليه إلا قليل، فإذا فيما اشترى ربح ثلاثين ألفا. قَالَ: فأتى صاحب السكر فَقَالَ: يا هَذَا، إن غلامي كَانَ كتب إلي ولم أعلمك فأقلني فيما اشتريت منك، قَالَ الآخر: قَدْ أعلمتني الآن وطيبته لك. فرجع فلم يحتمل قلبه، فأتاه فقال: يا هَذَا، إني لم آت الأمر من وجهه فأحب أن تسترد هَذَا البيع، فما زال به حَتَّى رده عليه.
وَقَالَ عاصم [5] بْن فرقد: دخلنا عَلَى حسان بْن أبي سنان وقد حضره الموت،
__________
[1] في ت: «ببدو أمري» .
[2] تاريخ البخاري الكبير 3/ 149، والجرح والتعديل 3/ 1046، وحلية الأولياء.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «كنت غلاما لحسان» وما أوردناه من ت.
[5] في الأصل: «عن عاصم» وما أوردناه من ت.

(8/152)


فَقَالَ لَهُ [بعض] [1] إخوانه: كيف تجدك؟ قَالَ: أجدني بحال الموت، قَالَ: أفتجد يا أبا عَبْد اللَّه كربا شديدا؟ قَالَ: فبكى ثُمَّ قال: [إن ذلك، ثُمَّ قَالَ: إن ذلك، ثُمَّ قَالَ:] [2] ينبغي للمؤمن أن يسلو عن كرب الموت وألمه لما يرجو من السرور فِي لقاء اللَّه [عز وجل] [3] .
810- عَبْد اللَّه بْن عون بْن أرطبان، يكنى أبا عون مولى عَبْد اللَّه بْن درة المزني: [4]
كَانَ ثقة ورعا.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن حيوية، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن الفهم، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ: أَخْبَرَنَا بكار، قَالَ [5] :
مَا رأيت ابْن عون يمازح أحدا ولا يماري أحدا [ولا ينشد شعرا] [6] ، وَكَانَ مشغولا بنفسه، وكان إذا صلى صلاة الغداة مكث مستقبل القبلة فِي مجلسه يذكر اللَّه، فإذا طلعت عليه الشمس صلى، ثُمَّ أقبل عَلَى أصحابه، وما رأيته شاتما أحدا قط عبدا ولا أمة ولا دجاجة/ ولا شاه، ولا رأيت أحدا أملك للسانه منه، وَكَانَ يصوم يوما ويفطر يوما 72/ أحتى مات، وما رأيت بيده دينارا ولا درهما قط، وما رأيته يزن شيئا قط، وَكَانَ إذا توضأ لا يعينه عليه أحد، وكان يمسح وجهه إذا توضأ بالمنديل أو بخرقة، وَكَانَ طيب الريح لين الكسوة، وَكَانَ إذا خلا [7] فِي منزله صمت ولا يزيد عَلَى الحمد للَّه ربْنا، وما رأيته دخل حماما قط، وَكَانَ إذا وصل إنسانا بشيء وصله سرا، وإن صنع شيئا صنعه سرا يكره أن يطلع عليه أحد، وَكَانَ لَهُ سبع يقرأه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار، وَكَانَ يحفي شاربه، وَكَانَ يأخذه أخذا وسطا، وَكَانَ فِي مرضه أصبر من رأيت، مَا رأيته يشكو شيئا من علته حَتَّى مات في رجب هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل، وت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 24.
[5] الخبر في طبقات ابن سعد 7/ 2/ 25.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من ابن سعد.
[7] في ت: «وكان إذا صلى» .

(8/153)


وروى حماد بْن زيد [1] ، عَنِ ابْن عون، قَالَ: كانت لَهُ حوانيت يكريها، وَكَانَ لا يكريها من المسلمين، فقيل لَهُ فِي ذلك، فَقَالَ: إن لهذا إذا جاء رأس الشهر روعه، وأنا أكره أن أروع المسلم.
811- عُثْمَان بْن عطاء الخراساني:
[2] يروي عَنْ عَبْد اللَّه بْن وهب [3] ، سكن فلسطين، وتوفي في هذه السنة [4]
__________
[1] في الأصل: «عن حماد بن زيد» ، وما أوردناه من ت.
[2] تهذيب التهذيب 7/ 139.
[3] في التهذيب: «روى عنه ابن وهب» ، وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال الجوزجاني: ليس بالقوي في الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة.
[4] قال ضمرة: مات سنة 155، وقال ابن يونس سنة 151، (تهذيب 7/ 39) .

(8/154)


ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا غزوة حميد بْن قحطبة كابل، وغزوة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الصائفة [1] .
وَفِيهَا: عزل المنصور جَابِر بْن توبة عَنِ البصرة وولاها يزيد بْن منصور.
وَفِيهَا: قتل أَبُو جَعْفَر هاشم بْن الأشتاخنج [2] ، وَكَانَ قَدْ عصى [3] وخالف بإفريقية، فحمل إليه فقتله بالقادسية وَهُوَ متوجه إِلَى مكة.
وَفِيهَا: عزل يزيد بن حاتم عَنْ مصر، وولاها مُحَمَّد بْن سَعِيد.
وَفِيهَا: حج بالناس المنصور [4] ، واستعدى عليه/ الحمالون، وحضر معهم عند 72/ ب الحاكم محمد بن عمران الطلحي، فحكم لهم عليه، وسنذكر القصة فِي حديث ابْن عمران بعد ثلاث سنين.
وَكَانَ العمال عَلَى الأمصار في هذه السنة العمال فِي السنة الماضية إلا البصرة ومصر، فإن عامل البصرة كَانَ يزيد بْن منصور، وعامل مصر كان محمد بن سعيد.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 41.
[2] في الأصول: «هاشم بن أسماهيج» والتصحيح من الطبري.
[3] في الأصل: «قد عصاه» وما أوردناه من ت، والطبري.
[4] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة»

(8/155)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
812- إِبْرَاهِيم بْن أبي عبلة، واسم أبي عبلة شمر بْن يقطان، أَبُو إِسْمَاعِيل القيسي ثُمَّ العُقَيْليّ: [1]
من أَهْل فلسطين، سمع من ابْن عُمَر وغيره، وسمع منه ابْن المبارك، والليث بن سعد. وتوفي في هذه السنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الْجَبَّارِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يعلي أَحْمَد بْن عَبْد الْوَاحِدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رجل، عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أبي عبلة، قَالَ:
بعث إلي هِشَام بْن عَبْد الملك، فَقَالَ: يا إِبْرَاهِيم، إنا قَدْ عرفناك صغيرا وخبرناك كبيرا، ورضينا بسيرتك وحالك، وقد رأيت أن أخلطك بْنفسي وبخاصتي، وأشركك فِي عملي، وقد وليتك خراج مصر، فَقَالَ: أما الَّذِي عليه رأيت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فاللَّه يجزيك ويثيبك وكفى به جازيا ومثيبا، وأما الّذي [أنا] [2] عليه فما لي بالخراج تصرف، وما لي عليه قوة. فغضب حَتَّى اختلج وجهه، ثُمَّ قَالَ: ليلين طائعا أو ليلين كارها، فأمسكت عَنِ الكلام حَتَّى رأيت غضبه قَدِ انكسر وثورته [3] قَدْ طفئت، فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أأتكلم؟ فقال: نعم، فقلت: إن الله سبحانه قال في كتابه إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها [وَأَشْفَقْنَ مِنْها] 33: 72. الآية [4] . والله يا أمير 73/ أالمؤمنين ما غضب عليهنّ إذا أبين، ولا أكرههن إذ كرهن، وما أنا بحقيق أن تغضب/ علي إذ أبيت ولا تكرهني إذ كرهت، فضحك وَقَالَ: يا إِبْرَاهِيم، أبيت إلا رفقا فقد أعفيناك ورضينا عنك.
813- خويل بْن مُحَمَّد الأزدي:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي منصور، وعلي بْن عُمَر، قالا: أَخْبَرَنَا رزق الله، وطراد قالا:
__________
[1] التاريخ الكبير للبخاريّ 1/ 1/ 310، والجرح والتعديل 1/ 1/ 105، وتهذيب الكمال 210، وتقريب التهذيب 1/ 38.
[2] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل، وت.
[3] في الأصل: «وسورته» .
[4] سورة: الأحزاب، الآية: 72، وما بين المعقوفتين: من ت.

(8/156)


أخبرنا علي بن محمد بن بشران، قال: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عبيد، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سهل الأزدي، عَنِ الهيثم بْن عبيد، قَالَ: سمعت خويل بْن مُحَمَّد- وَكَانَ عابدا- يَقُول:
كَانَ خويلا قَدْ وقف للحساب، فقيل: يا خويل، قَدْ عمرناك ستين سنة، فما صنعت فِيهَا؟ فجمع نوم [1] ستين سنة مَعَ قائلة النهار فإذا قطعة من عمري ذهبت [فِي] [2] نوم، وجمعت ساعات أكلي فإذا قطعة من عمري قَدْ ذهبت فِي الأكل، ثُمَّ جمعت ساعات وضوئي فإذا قطعة من عمري ذهبت فِيهِ، ثُمَّ نظرت فِي صلاتي فإذا صلاة منقوصة وصوم مخرق، فما هو إلا عفو اللَّه أو الهلكة.
814- مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يسار بْن حبان، وقيل: ابْن يسار بْن كوثان المديني، مولى قيس بن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف: [3]
وَقَالَ مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه [4] : يسار مولى عَبْد اللَّه بْن قيس بْن مخرمة، جد مُحَمَّد بْن إِسْحَاق من سبي عين التمر، وَهُوَ أول سبي دخل المدينة من العراق، يكنى أبا بكر، وقيل: أبا عَبْد اللَّه.
رأى أنس بْن مالك، وسعيد بْن المسيب، وسمع القاسم بْن مُحَمَّد بْن أبي بكر [الصديق] [5] ، وأبان بْن عُثْمَان بْن عفان، ومحمد بْن عَلِيّ بْن الحسين، وأبا سلمة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن هرمز الأعرج، ونافعا مولى ابْن عُمَر، والزهري، وغيرهم.
وَكَانَ عالما بالسير والمغازي وأيام الناس والمبتدأ وقصص الأنبياء. وحدث عنه كبار الأئمة كيحيى بْن سَعِيد [الأنصاري، وسفيان الثوري، وابن جريج، وشعبة،
__________
[1] في الأصل: «نوم» . وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] تاريخ بغداد 1/ 214، وطبقات ابن سعد 7/ 2/ 67. وميزان الاعتدال 3/ 468، وتهذيب التهذيب 9/ 38.
[4] تاريخ بغداد 1/ 216.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/157)


والحمادان، [1] وإبراهيم بْن سعد، وسفيان بْن عيينة، وشريك] [2] بْن عَبْد اللَّه وغيرهم.
قَالَ الزهري: لا يزال بالمدينة علم جم مَا كَانَ فيهم ابْن إِسْحَاق.
وَقَالَ يَحْيَى بْن معين: كَانَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق ثقة، وضعفه فِي روايته.
ولما روى ابْن إِسْحَاق عَنْ فاطمة بنت المنذر حديثا قال زوجها/ هِشَام بْن عُرْوَة:
كذب، لقد دخلت بها وهي بْنت تسع سنين، وما رآها مخلوق حَتَّى لحقت باللَّه عز وجل.
وَكَانَ أَحْمَد بْن حنبل يَقُول: لعله دخل عَلَيْهَا وزوجها لا يعلم. وَكَانَ مالك بْن أنس كذبه أيضًا لذلك [3] .
أَخْبَرَنَا القزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب، قَالَ [4] : قَدْ أمسك عَنِ الاحتجاج بروايات ابْن إِسْحَاق غير واحد من العلماء لأسباب منها أنه كَانَ يتشيع، وينسب إِلَى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمدفوع عنه.
وقد قَالَ أَبُو زرعة [5] : مُحَمَّد بْن إِسْحَاق رجل قَدْ أجمع الكبراء من أَهْل العلم عَلَى الأخذ منه [6] ، وقد اختبره أَهْل الحديث فرأوا صدقا وخيرا، مَعَ مدح ابْن شهاب لَهُ، وقد ذاكرت دحيما فِي قول مالك فِيهِ، فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر.
وقد قَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نمير: كَانَ ابْن إِسْحَاق [7] يرمى بالقدر وَكَانَ أبعد الناس منه، وَكَانَ إذا حدث عمن سمع من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.
وَقَالَ سفيان بْن عيينة: مَا رأيت أحدا يتهم ابْن إِسْحَاق.
وَقَالَ ابْن المديني: حديثه عندي صحيح، قيل لَهُ: فكلام مالك فيه، فقال: مالك
__________
[1] الحمادان هم ابن سلمة، وابن زيد.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ بغداد 1/ 223.
[4] تاريخ بغداد 1/ 224.
[5] تاريخ بغداد 1/ 224.
[6] في الأصول: «الأنس منه» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[7] في ت: «كان ابن عباس» .

(8/158)


لَمْ يجالسه ولم يعرفه، قيل: فهشام بْن عُرْوَة، فَقَالَ: الَّذِي قَالَ هِشَام ليس بحجة لعله دخل عَلَى امرأته وَهُوَ غلام فسمع منها.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حنبل: ابْن إِسْحَاق كَانَ يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها فِي كتبه. وَكَانَ أَحْمَد يكتب حديثه ولا يحتج به فِي السنن.
وَقَالَ ابْن المديني، ويحيى بْن معين، والساجي: تُوُفِّيَ سنة اثنتين وخمسين ومائة.
وَقَالَ الهيثم بْن عدي، والفلاس، وابْن عرفة: سنة خمسين ومائة [1] .
وَقَالَ أَحْمَد بْن خالد الوهبي: سنة إحدى وخمسين. وكذلك قَالَ البخاري.
815- مسعر بْن كدام بْن ظهير، أَبُو سلمة [2] :
سمع أبا/ إِسْحَاق الهمداني. روى عنه الثوري، وشعبة. وَكَانَ عالما عابدا كثير 74/ أالبكاء.
قال سفيان الثوري: لم يكن فِي زمانه مثله.
وَقَالَ سفيان بْن عيينة: مَا لقيت أحدا أفضله عَلَى مسعر.
[أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ:] [3] أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْد الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شجاع بْن فارس، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أبي الدنيا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كناسة، قَالَ: سمعت مسعرا يَقُول:
من أهمته نفسه تبين ذلك عليه.
أَخْبَرَنَا زاهر بْن طاهر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن الحسين البيهقي، قَالَ: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد اللَّه الحاكم، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب، قال: سمعت الحسين بْن منصور، قَالَ: سمعت جَعْفَر بن عبد الرحمن، يقول:
__________
[1] «وقال الهيثم ... خمسين ومائة» ساقط من ت.
[2] تهذيب التهذيب 10/ 113.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/159)


أتيت مسعر بْن كدام لأسمع منه، فكأنه رجل [قَدْ] [1] أقيم عَلَى شفير جهنم ليلقى فِيهَا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم، قَالَ: أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قال: حدثنا أبو محمد بن حيان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطيب أَحْمَد بْن روح، قَالَ: حَدَّثَنِي الحسين بْن مسلم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن داود الحراني، قَالَ: سمعت مسعر بْن كدام يَقُول:
رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام وسفيان الثوري آخذ بيده وهما يطوفان، فَقَالَ: يا رسول الله، مات مسعر بْن كدام؟ قَالَ: نعم واستبشر به أَهْل السماء.
تُوُفِّيَ مسعر بالكوفة في هذه السنة. وقيل: في سنة خمس وخمسين ومائة.
816- معن بْن زائدة بْن عَبْد اللَّه بْن مطر بْن شريك، أَبُو الوليد الشيباني: [2]
كَانَ من صحابة المنصور ببغداد لما بْنيت، ثُمَّ ولاه اليمن وغيرها، وَكَانَ جوادا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ] [3] ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عمران، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر [4] النحويّ، قال: حدّثنا القاسم بْن المغيرة، قَالَ: حَدَّثَنَا المدائني، عَنْ غياث بْن إِبْرَاهِيم [5] :
أن معن بْن زائدة دخل عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ أمير المؤمنين/ فقارب فِي خطوه، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: كبرت سنك يا معن، قَالَ: فِي طاعتك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ:
إنك لجلد [6] ، قَالَ: عَلَى أعدائك يا أمير المؤمنين [7] ، قَالَ: وإن فيك لبقية، قَالَ: هي لك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] تاريخ بغداد 13/ 235.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «عمران بن جعفر» ، وما أوردناه من ت وتاريخ بغداد.
[5] الخبر في تاريخ بغداد 13/ 236.
[6] في ت: «إنك لتجلد» .
[7] «يا أمير المؤمنين» سقطت من ت.

(8/160)


أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ الشيباني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزيد النحوي، قَالَ: حَدَّثَنَا قعنب [1] ، قَالَ: قَالَ سَعِيد بْن سلم [2] :
لما ولى المنصور معن بْن زائدة أذربيجان قصده قوم من أَهْل الكوفة، فلما صاروا ببابه واستأذنوا عليه فدخل الآذن، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير، بالباب وفد من أَهْل العراق، قَالَ: من أي العراق؟ قَالَ: من الكوفة، قَالَ إئذن لهم، فدخلوا عليه، فنظر إليهم معن فِي هيئة زرية، فوثب عَلَى أريكته وأنشأ يَقُول:
إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمتها فالدهر بالناس قلب
فأحسن ثوبيك الَّذِي هو لابس ... وأفره مهريك الَّذِي هو يركب
وبادر بمعروف إذا كنت قادرا ... زوال اقتدار أو غنى عنك يعقب
قَالَ: فوثب إِلَيْهِ رجل من القوم، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير، ألا أنشدك أحسن من هَذَا؟ قال: لمن؟ قَالَ: لابْن عمك ابْن هرمة، قَالَ: هات، فأنشأ وجعل يَقُول:
وللنفس تارات تحل بها العرى ... وتسخو عَنِ المال النفوس الشحائح
إذا المرء لم ينفعك حيا فنفعه ... أقل إذا ضمت عَلَيْك الصفائح
لأية حال يمنع المرء ماله ... غدا فغدا والموت غاد ورائح
فَقَالَ معن: أحسنت والله وإن كَانَ الشعر لغيرك، يا غلام أعطهم أربعة آلاف يستعينوا بها عَلَى أمورهم إِلَى أن يتهيأ لنا فيهم مَا نريد، فَقَالَ الغلام: يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم؟ فَقَالَ معن: والله لا تكون همتك أرفع من همتي، صفرها لهم قَالَ المعافى: وحدثنا يزداد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنَا/ أَبُو موسى 75/ أعيسى بْن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي العتبي، قَالَ [3] :
قدم معن بْن زائدة بغداد فأتاه الناس وأتاه ابْن أبي حفصة، فإذا المجلس غاص بأهله، فأخذ بعضادتي الباب فقال:
__________
[1] في الأصول: «معتب» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 13/ 236.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 13/ 238.

(8/161)


وما أحجم الأعداء عنك بقية ... عَلَيْك ولكن لم يروا فيك مطمعا
لَهُ راحتان الجود والحتف فيهما ... أبى اللَّه إلا أن تضر وتنفعا
فَقَالَ معن: احتكم يا أبا السمط، فَقَالَ: عشرة آلاف، فَقَالَ معن: ربحت والله [عليك] [1] تسعين ألفا.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أخبرني الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: [أَخْبَرَنَا ابْن دريد، قَالَ:] [2] أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَان الأشنانداني [3] ، عَنِ الثَّوْريّ، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ [4] :
وقف شاعر بباب معن بْن زائدة حولا لا يصل إِلَيْهِ، وَكَانَ معن شديد الحجاب، فلما طال مقامه سأل الحاجب أن يوصل لَهُ رقعة، فأوصلها فإذا فِيهَا مكتوب:
إذا كَانَ الجواد لَهُ حجاب ... فما فضل الجواد عَلَى البخيل
فألقى معن الرقعة إِلَى كتابه وَقَالَ: أجيبوه عَنْ بيته، فخلطوا وأكثروا ولم يأتوا بمعنى، فأخذ الرقعة وكتب فِيهَا:
إذا كَانَ الجواد قليل مال ... ولم يعذر تعلل بالحجاب
فَقَالَ الشاعر: إنا للَّه أيؤيسني من معروفه، ثُمَّ ارتحل منصرفا، فسأل معن عنه فأخبر بانصرافه، فأتبعه بعشرة آلاف وَقَالَ: هي عندنا فِي كل زورة.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت، قَالَ: أخبرني الحسين بن محمد بن عثمان النصيبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو معاذ خلف [5] بْن أَحْمَد المؤدب، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان [6] المازني، قَالَ: حدّثنا صاحب شرطة معن، قال [7] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[3] في الأصل: «عثمان الإستابداني» وفي ت: «عثمان الأستاباذي» . وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] الخبر في تاريخ بغداد 13/ 237.
[5] في ت: «أبو معاوية، وخلف بن أحمد» خطأ.
[6] في الأصل: «أبو عمر» والتصحيح من ت، وتاريخ بغداد.
[7] تاريخ بغداد 13/ 236.

(8/162)


بينا أنا عَلَى رأس معن إذا هو براكب يوضع، فَقَالَ معن: مَا أحسب هَذَا/ الرجل 75/ ب يريد إلّا إياي، ثُمَّ قَالَ لحاجبه: لا تحجبه، فجاء حَتَّى مثل بين يديه، فَقَالَ:
أصلحك اللَّه قل مَا بيدي ... فما أطيق العيال إذ كثروا
ألح دهر رمى بكلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا
فَقَالَ معن وأخذته أريحية: لا جرم والله لأعجلن أوبتك، ثُمَّ قَالَ: يا غلام، ناقتي الفلانية وألف دينار، فدفعها إِلَيْهِ وَهُوَ لا يعرفه.
أَخْبَرَنَا القزاز، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد المقري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طالب الكاتب، قال: حدثنا أبو عكرمة الضبي [1] ، قال: حدثنا سليمان، قَالَ [2] :
خرج المهدي يوما يتصيد، فلقيه الحسين بْن مطير فأنشده يَقُول:
أضحت يمينك من جود مصورة ... لكن يمينك منها صور الجود
من حسن وجهك تضحي الأرض مشرقة ... ومن بْنانك يجري الماء فِي العود
فَقَالَ المهدي: كذبت يا فاسق، وهل تركت فِي شعرك موضعا لأحد مَعَ قولك فِي معن بْن زائدة:
ألما بمعن ثُمَّ قولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعا ثُمَّ مربعا
فيا قبر معن كنت أول حفرة ... من الأرض حطت للمكارم مضجعا
أيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كَانَ منه البر والبحر مترعا
ولكن حويت الجود والجود ميت ... ولو كَانَ حيا ضقت حَتَّى تصدعا
وما كَانَ إلا الجود صورة وجهه [3] ... فعاش ربيعا ثُمَّ ولى فودعا
فلما مضى معن مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا
__________
[1] كذا في الأصول، وفي تاريخ بغداد «أبو عكرمة عمرو بن عام، كذا قال، وإنما هو عامر بن عمران الضبي» .
[2] الخبر في تاريخ بغداد 13/ 240.
[3] في الأصل: «صفرة وجهه» . وما أوردناه من ت، وبغداد.

(8/163)


فأطرق الحسين ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وهل معن إلا حسنة من حسناتك. / فرضي عنه وأمر له بألفي دينار.
بلغنا أن بعض فصحاء العرب دخل عَلَى معن، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير، لو شئت أن أتوسل إليك ببعض من يثقل عَلَيْك لوجدت ذلك سهلا ممكنا ولكني استشفعت إليك بقدرك، واستعنت عَلَيْك بفضلك، فإن رأيت أن تضعني من كرمك حيث وضعت نفسي من رجائك، فإني لم أكرم نفسي عَنْ مسألتك فأكرم وجهك عَنْ ردي، قَالَ: سل حاجتك، قَالَ: ألف درهم، قَالَ: ربحت عَلَيْك ربحا بينا، قَالَ: مثلك لا يربح عَلَى سائله، قَالَ: أضعفوا لَهُ مَا سأل.
أَخْبَرَنَا القزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفضل القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال [1] :
قتل معن بْن زائدة بأرض خراسان سنة اثنتين وخمسين ومائة [2] .
قَالَ الخطيب [3] : بلغني أن المنصور ولاه سجستان فنزل بست فأساء السيرة فِي أهلها فقتلوه.
وَقَالَ غيره: قتلته الخوارج بسجستان.
817- يونس بْن يوسف أَبُو عُمَر [4] بْن حماس، وقيل: يوسف:
وَكَانَ عابدا مجتهدا يصوم الدهر ويقوم الليل، وَكَانَ مستجاب الدعوة.
أَخْبَرَنَا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ العميري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّد بْنُ مُحَمَّدِ القاضي [5] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ المرواني، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بن المنذر،
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 13/ 241.
[2] كذا في الأصل، وفي ت وتاريخ بغداد: «سنة اثنتين وخمسين ومائة فيها قتل معن بن زائدة بأرض خراسان.
[3] تاريخ بغداد 13/ 241.
[4] في ت: «أبو عمرو» .
[5] في الأصل: «الفامي» وما أوردناه من ت.

(8/164)


قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحجاج المهدي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْد الحكم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضمرة عاصم بْن أبي بكر الزهري، قَالَ:
سمعت مالك بْن أنس يَقُول:
كَانَ يونس بْن يوسف من العباد [1]- أو [قَالَ] [2] : من خيار الناس- فأقبل ذات يوم وَهُوَ رائح من المسجد، فلقيته امرأة، فوقع فِي نفسه منها، فَقَالَ: اللَّهمّ إنك جعلت لي بصري نعمة وقد خشيت أن تكون علي نقمة فأقبضه/ إليك. قال: فعمي، وكان يروح 76/ ب إِلَى المسجد يقوده ابْن أخ لَهُ، فإذا استقبل به الأسطوانة اشتغل الصبي بلعب مَعَ الصبيان فإن أتته حاجة حصبه فأقبل إِلَيْهِ، فبينا هو ذات ضحوة فِي المسجد إذ حس فِي بطنه بشيء فحصب الصبي فاشتغل عنه مَعَ الصبيان حَتَّى خاف الشيخ عَلَى نفسه، فَقَالَ: اللَّهمّ إنك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك، وقد خشيت الفضيحة فرده [علي] [3] . فانصرف إِلَى منزله صحيحا يمشي.
قَالَ مالك: فرأيته أعمى ورأيته صحيحا.
__________
[1] في الأصل: «من الجياد» وما أوردناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: من ت.

(8/165)


ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا قدوم [1] المنصور من مكة إِلَى البصرة، فجهز جيشا إِلَى البحر لحرب الكرك، وكانوا أغاروا عَلَى جده، وَهَذِهِ قدمته الأخيرة إِلَى البصرة.
وقيل: إنما كانت قدمته الأخيرة فِي سنة خمس وخمسين ومائة، وكانت الأولى فِي سنة خمس وأربعين، وأقام بها أربعين يوما، وبْنى بها قصرا، ثُمَّ انصرف منها إِلَى مدينة السلام.
وَفِيهَا: غضب المنصور عَلَى أبي أيوب المرزباني [2] فحبسه وحبس أخاه وبْني أخيه سعيدا ومسعودا ومخلدا ومحمدا فطالبهم، وَكَانَ سبب ذلك أن أبان بْن صدقة كاتب أبي أيوب سعى به إِلَيْهِ.
وَفِيهَا: قتل عُمَر بْن حفص بْن عُثْمَان بْن أبي صفرة بإفريقية، قتله أبو حاتم الإباضي [3] ومن كان معه من البربر، وكانوا ثلاثمائة ألف وخمسين ألفا، الخيل [4] منها خمسة وثمانون ألفا، ومعهم أَبُو قرة الصفري فِي أربعين ألفا، وكان يسلم عليه بالخلافة.
__________
[1] تاريخ الطبري: 8/ 42.
[2] في الطبري: «المورياني» .
[3] في الأصل: «الأنماطي» وما أوردناه من ت والطبري.
[4] في ت: «الجند منها» .

(8/166)


وَفِيهَا: حمل عباد مولى المنصور [1] ، وهرثمة بْن أعين، ويوسف بْن علوان من خراسان فِي سلاسل/ لتعصبهم لعيسى بْن موسى.
وَفِيهَا: أخذ المنصور الناس بلبس القلانس الطوال المفرطة الطول، فَقَالَ أَبُو دلامة:
وكنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى فِي القلانس
تراها عَلَى هام الرجال كأنها ... دنان يهود جللت بالبرانس
وَفِيهَا: غزا الصائفة معيوف [2] بْن يَحْيَى الهمداني، فصار إِلَى حصن من حصون الروم ليلا وأهله نيام، فسبى وأسر من كَانَ فِيهِ، ثُمَّ سار إِلَى اللاذقية وفتحها، وأخرج منها ستة آلاف امرأة سوى الرجال البالغين.
وَفِيهَا: ولى المنصور بكار بْن مسلم العقيلي [أرمينية] [3] .
وَفِيهَا: [4] حج بالناس المهدي، وَكَانَ عَلَى مكة يومئذ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، وعلى المدينة الْحَسَن بْن زيد بْن حسن، وعلى الكوفة مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى البصرة يزيد بْن منصور، وعلى قضائها سوار، وعلى مصر مُحَمَّد بْن سَعِيد.
وذكر الواقدي أن يزيد بْن منصور كَانَ والي اليمن في هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
818- إبراهيم بن نشيط بن يوسف، ويكنى أبا بكر [5] :
كان فقيها عابدا رأى عبد الله بن الحارث، وسمع منه، وغزا القسطنطينية في خلافة الوليد بن عبد الملك في سنة ثمان وتسعين [6] مع مسلمة بن عبد الملك.
__________
[1] في الأصل: «منصور» .
[2] في الأصل: «معروف بن يحيى» والتصحيح من ت والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[5] تهذيب الكمال 26، وتاريخ الإسلام للذهبي 3/ 330، وتقريب التهذيب 1/ 45.
[6] في ت: «سنة ثمان وسبعين» خطأ.

(8/167)


وروى عنه الليث بن سعد، وابن المبارك، ورشدين بن سعد، وابن وهب.
توفي في هذه السنة.
819- حيوة بن شريح بن صفوان بن مالك، أبو زرعة التجيبي [1] :
روى عَنْ عقبة بْن مسلم، وَكَانَ فقيها عابدا مجاب الدعوة. روى عنه الليث، وابْن المبارك، وابْن لهيعة، وابْن وهب.
قَالَ/ ابْن المبارك: مَا وصف لي أحد فرأيته إلا كَانَ دون مَا وصف إلا حيوة بْن شريح، فإن رؤيته كانت أكثر من صفته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ ناصر، قالا: أَخْبَرَنَا طراد، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن بشران، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن سهل الأزدي، قَالَ:
حَدَّثَنِي خالد بْن الفرز، قَالَ [2] :
كَانَ حيوة بْن شريح دعاء من البكاءين، وَكَانَ ضيق الحال جدا، فجلست إِلَيْهِ ذات يوم وَهُوَ مختل وحده يدعو، فقلت: رحمك اللَّه، لو دعوت اللَّه يوسع عَلَيْك فِي معيشتك؟ قَالَ: فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا، فأخذ حصاة من الأرض فَقَالَ: اللَّهمّ اجعلها ذهبا، قَالَ: فإذا هي واللَّهِ قبره فِي كفه، مَا رأيت أحسن منها، قَالَ: فرمى بها إلي وَقَالَ: لا خير فِي الدنيا إلا الآخرة، ثُمَّ التفت إلي فَقَالَ: هو أعلم بما يصلح عباده، فقلت: مَا أصنع بها، قَالَ: استنفقها [3] ، فهبته والله أن أراده.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن السَّرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ، قال: حدّثني أَبُو بكر الآجري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نصر بْن كردي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بكر المروزي، قَالَ: سمعت أبا بكر بْن أبي عون، يَقُول: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْبَصْرِيّ، قَالَ: حدّثنا محمد بن بشار اليشكري [4] ، قال:
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 515، والتاريخ الكبير 3/ 404، والجرح والتعديل 3/ 1366، وتذكرة الحفاظ 1/ 185.
[2] الخبر في تهذيب الكمال 7/ 481.
[3] في الأصل: «أنفقها» ، وما أوردناه من ت والتهذيب.
[4] في ت: «محرز بن يسار اليشكري» .

(8/168)


لما قدم أَبُو عون مصر وقتل بها من قتل واستولى عَلَى البلد أرسل إِلَى حيوة بْن شريح: ائتني، قَالَ: فجاء فدخل عليه فَقَالَ: إنا معشر الملوك لا نعصى، فمن عصانا قتلناه، قَدْ وليتك القضاء، [قَالَ] [1] : أو آمر أهلي: قَالَ: اذهب، قَالَ: فجاء إِلَى أهله، فغسل رأسه ولحيته ونال شيئا من الطيب، ولبس أنظف مَا قدر عليه من الثياب قَالَ: ثُمَّ جاء فدخل عليه فَقَالَ: من جعل السحرة [2] أولى بما قالوا منا، اقض مَا أنت قاض لست أتولى لك شيئا. قَالَ: فأذن لَهُ فرجع.
تُوُفِّيَ حيوة بْن شريح في هذه السنة.
820-/ الْحَسَن بْن عمارة بْن المضرب، أَبُو مُحَمَّد الْكَوفِيّ، مولى بجيلة [3] :
حدث عَنْ الزهري، وأبي إِسْحَاق السبيعي، وأبي زهير المكي، وعمرو بْن دينار، وغيرهم. روى عَنْهُ أَبُو يوسف القاضي، وشبابة.
وولي القضاء ببغداد فِي خلافة المنصور، ثُمَّ بعث المنصور إِلَى عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن صفوان إِلَى مكة من يقدم به عليه، فلما قدم ولاه القضاء وضم الْحَسَن بْن عمارة إِلَى المهدي.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر بْن بكير النجار، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الربيعي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه اليزيدي، قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان بْن أبي شيخ، قَالَ: حَدَّثَنِي جبلة بْن سليمان، قَالَ [4] :
جاء رجل إِلَى الْحَسَن بْن عمارة، فَقَالَ: إن لي عَلَى مسعر بن كدام سبعمائة درهم من ثمن دقيق وغير ذلك، وقد مطلني، ويقول: ليس عندي اليوم، فدفعها إِلَيْهِ الْحَسَن بْن عمارة، وَقَالَ: أعط مسعرا كلما أراد، وإذا اجتمع لك عليه شيء فتعال إلي حَتَّى أعطيك.
وقد قدحوا فِي الْحَسَن بْن عمارة، وَكَانَ شعبة يشهد أنه كذاب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] كذا بالأصلين.
[3] تاريخ بغداد 7/ 345.
[4] في الأصول: «جبلة بن سليمان» والتصحيح من تاريخ بغداد والخبر في تاريخ بغداد 7/ 345.

(8/169)


وَقَالَ ابْن المديني: أمره أبين من ذلك، قيل لَهُ: كَانَ يغلط، قَالَ: وأي شيء كان يغلط، وذهب إلى أنه كَانَ يضع الحديث.
وَقَالَ يَحْيَى: لا يكتب حديثه.
وَقَالَ أَحْمَد، ومسلم بْن الحجاج: هو متروك الحديث.
وَقَالَ الفلاس: هو رجل صدوق صالح كثير الوهم متروك الحديث.
وَقَالَ الساجي: أجمع أَهْل الحديث عَلَى ترك حديثه.
وَقَالَ سفيان بْن عيينة: كنت إذا سمعت الْحَسَن بْن عمارة يروي عَنِ الزهري، وعمرو بْن دينار جعلت إصبعي فِي أذني.
تُوُفِّيَ الْحَسَن بْن عمارة في هذه السنة.
821- شقيق بْن إِبْرَاهِيم، أَبُو علي البلخي:
كَانَ ذا ثروة عظيمة، فخرج منها وتزهد، وصحب إِبْرَاهِيم بْن أدهم.
أَخْبَرَنَا المحمدان ابْن ناصر وابْن عبد الباقي، قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن أحمد البغدادي، قال:
78/ ب حَدَّثَنَا عباس بْن أَحْمَد الشاشي، قَالَ: / حَدَّثَنَا أَبُو عقيل الرصافي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الزاهد، قَالَ: قَالَ عَلِيّ بْن محمد بن شقيق [1] :
كان لجدي ثلاثمائة قرية ولم يكن لَهُ كفن يكفن فِيهِ، قدم ذلك كله بين يديه، وثيابه وسيفه إِلَى الساعة معلق يتبركون به، وَكَانَ قَدْ دخل إِلَى بلاد الترك لتجارة وَهُوَ حدث، فدخل إِلَى أصنامهم فَقَالَ لعاملهم: إن هَذَا الَّذِي أنت فِيهِ باطل، ولهذا الخلق خالق ليس كمثله شيء، رازق كل شيء، فَقَالَ لَهُ: ليس يوافق قولك فعلك، فَقَالَ:
كيف؟ قَالَ: زعمت أن لك خالقا قادرا وقد تعنيت إلى هاهنا لطلب الرزق، قَالَ شقيق:
فكان سبب زهدي كلام التركي، فرجع فتصدق بجميع ماله وطلب العلم.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم
__________
[1] الخبر في حلية الأولياء 8/ 59.
[2] في الأصل: «أحمد» والتصحيح من ت.

(8/170)


الأصفهاني، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بن بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبي عمران، قَالَ: سمعت حاتما الأصم يَقُول [1] :
كنا مَعَ شقيق البلخي ونحن مصافو الترك فِي يوم لا أرى فِيهِ إلا رءوسا تبدر وسيوفا تقطع، فَقَالَ لي شقيق ونحن بين الصفين: يا حاتم، كيف ترى نفسك فِي هَذَا اليوم؟
تراها مثلها في الليلة التي زفت إليك امرأتك، فقلت: لا والله، فَقَالَ: لكني والله أرى نفسي فِي هَذَا اليوم مثلها فِي الليلة الَّتِي زفت فِيهَا امرأتي. قَالَ: ثُمَّ نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه حَتَّى سمعت غطيطه.
822- عبيد اللَّه بْن أبي ليلى القاضي:
تُوُفِّيَ في هذه السنة، فاستقضي مكانه شريك بْن عَبْد اللَّه النخعي.
823- عميرة بْن أبي ناجية، أَبُو يَحْيَى:
كَانَ عابدا ناسكا دائم البكاء، وَكَانَ أبوه روميا. [وتوفي عميرة فِي هَذَا السنة] [2] .
824- معمر بْن راشد، أَبُو عُرْوَة الْبَصْرِيّ:
سكن اليمن وَقَالَ: طلبت العلم يوم مات الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وسمعت من قتادة وأنا ابْن أربع عشرة سنة، فما من شيء سمعته فِي تلك السنين إلا وكأنه مكتوب فِي صدري.
وسمع من الزهري وغيره. وروى عنه الثوري، وابْن عيينة، وابْن المبارك.
وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
825- موسى بْن سليمان بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه/ بْن عباس: [3]
كَانَ من وجوه بْني هاشم وأفاضلهم، وَهُوَ أخو مُحَمَّد، وجعفر. قدم بغداد فِي خلافة المنصور، فتوفي بها في هذه السنة.
__________
[1] حلية الأولياء 8/ 64.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ بغداد 13/ 20.

(8/171)


826- هِشَام بْن العلاء [1] بْن ربيعة، أَبُو الْعَبَّاس- وقيل: أَبُو عَبْد اللَّه- الجرشي الشامي: [2]
سمع عطاء بْن أبي رباح [3] ، ونافعا، ومكحولا. روى عنه ابْن المبارك، ووكيع، وشبابة، نزل بغداد وحدث بها، وولاه المنصور بيت المال، وكان ثقة من خيار الناس.
وتوفي في هذه السنة.
827- هشام بن أبي عبد الله، واسمه سنبر، الدستوائي، مولى لبني سدوس: [4]
كان شديد الخوف [من الله] [5] ، كثير البكاء.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْن عَبْد الجبار، قال: أخبرنا علي بن أحمد الملطي، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا الحسين بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عامر، قَالَ:
كَانَ هِشَام بْن أبي عَبْد اللَّه قَدْ أظلم بصره من طول البكاء، فكنت تراه يبصر إليك ولا يعرفك حَتَّى تكلمه.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: سنة اثنتين وخمسين ومائة.
828- وهيب بْن الورد بْن أبي الورد، مولى بْني مخزوم، يكنى أبا أمية، وقيل: أبا عُثْمَان: [6]
وَكَانَ اسمه عَبْد الوهاب، فصغر فقيل وهيب. أدرك عطاء، ومنصور بْن زاذان، وَكَانَ شديد الورع كثير التعبد، وَكَانَ سفيان الثوري إذا فرغ من حديثه يَقُول: قوموا بْنا إِلَى الطبيب، يعني وهيبا.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا
__________
[1] كذا في الأصول، وفي تاريخ بغداد: «هشام بن المغاز» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 42، 43.
[3] في ت: «سمع عطاء، وابن أبي رباح» خطأ.
[4] تهذيب التهذيب 11/ 43.
[5] ما بين المعقوفتين: من ت.
[6] تهذيب التهذيب 11/ 170، وصفة الصفوة، 2/ 123، وحلية الأولياء، 8/ 140.

(8/172)


أَبُو بكر مُحَمَّد بْن عَلِيّ الخياط، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن أبي الفوارس، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أَبُو بكر المروزي، قَالَ: قَالَ قادم الديلمي:
قيل لوهيب بْن الورد: ألا تشرب من زمزم، قَالَ: بأي دلو.
قَالَ المروزي: وسمعت عَبْد الوهاب الوراق يَقُول: قَالَ شعيب بْن حرب:
مَا احتملوا لأحد مَا احتملوا لوهيب، كَانَ يشرب بدلوه.
قَالَ المروزي: وحدثنا أَحْمَد بْن الخليل، قَالَ: حَدَّثَنَا/ ابْن عيسى، قَالَ: 79/ ب سمعت ابْن المبارك يَقُول:
مَا جلست إِلَى أحد كَانَ أنفع لي مجالسة من وهيب، وَكَانَ لا يأكل من الفواكه، وَكَانَ إذا انقضت السنة وذهبت الفواكه يكشف عَنْ بطنه وينظر إِلَيْهِ ويقول: يا وهيب مَا أرى بك بأسا، ما أرى تركك الفواكه ضرك شيئا.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن عَلِيّ الطناجيري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن منصور البوشري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مخلد، قَالَ:
حَدَّثَنَا موسى بْن هارون الطوسي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن نعيم بْن الهيضم، قَالَ:
سمعت بِشْر بْن الحارث يَقُول:
كَانَ وهيب بْن الورد تئن خضرة البقل من بطنه من الهزال.
قَالَ ابْن مخلد: وحدثنا أَحْمَد بْن الفتح، قَالَ: سمعت بشرا يَقُول: بلغني أن وهيبا كَانَ إذا أتي بقرصيه بكى حَتَّى يبلهما.
قَالَ أَبُو بكر بْن عبيد: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يزيد بْن خنيس، قَالَ: حلف وهيب بْن الورد ألا يراه الله ضاحكا ولا أحد من خلقه حَتَّى يعلم مَا يأتي به رسل اللَّه. قَالَ: فسمعوه يَقُول عند الموت: وفيت لي ولم أف لك.
تُوُفِّيَ وهيب في هذه السنة.

(8/173)


ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا خروج المنصور إِلَى الشام. ومضيه إِلَى بيت المقدس، وتوجيهه يزيد بْن حاتم إِلَى إفريقية فِي خمسين ألفا لحرب الخوارج الذين قتلوا عامله عُمَر بْن حفص، وأنفق المنصور على ذلك الجيش ثلاثة وستين [1] ألف ألف درهم.
وَفِيهَا: غزا الصائفة زفر بْن عاصم الهلالي [2] .
وَفِيهَا: عزم المنصور عَلَى بْناء مدينة الرافقة، فلما أراد بْناءها امتنع أَهْل الرقة وأرادوا محاربته، وقالوا: يعطل علينا أسواقنا ويذهب معايشنا ويضيق منازلنا. فهم بمحاربتهم.
والرافقة عَلَى شط الفرات، كانت الرقة إِلَى جانبها، فخربت الرقة. والرافقة تعرف اليوم بالرقة.
وَفِيهَا: وقعت صاعقة فِي المسجد الحرام/ فقتلت ستة نفر [3] .
وَفِيهَا: أمر المنصور موسى بْن دينار حاجب أبي الْعَبَّاس بقطع أيدي بني أخي
__________
[1] في الأصل: «ثلاثة وستون» ، وما أوردناه من ت.
[2] في ت: «عاصم الحلالي» .
[3] كذا في الأصلين، وفي الطبري: «خمسة نفر» .

(8/174)


[أبي] [1] أيوب المورياني [2] ، وأرجلهم، وضرب أعناقهم. وكتب بذلك إِلَى المهدي، ففعل موسى فيهم مَا أمره به.
وَفِيهَا [3] : حج بالناس مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، وَهُوَ كَانَ العامل عَلَى مكة والطائف.
وَكَانَ عَلَى المدينة الْحَسَن بْن زيد، وعلى الكوفة مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى البصرة عَبْد الملك بْن أيوب، وعلى قضائها سوار، وعلى السند هِشَام بْن عَمْرو، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم، وعلى مصر مُحَمَّد بْن سَعِيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
829- إِبْرَاهِيم بْن يزيد بْن شراحيل، أَبُو خزيمة:
دخل عَلَى عَبْد اللَّه بْن الحارث بْن جزء، وروى عَنْ يزيد بْن أبي حبيب. وروى عنه المفضل بْن فضالة، وجرير بْن حازم، ورشدين بْن سعد. وولي القضاء بمصر بعد أن عرضه الأمير عَبْد الملك بن يزيد أَبُو عون عَلَى السيف. تُوُفِّيَ في هذه السنة.
830- أشعب الطامع، ويقال إن اسمه شعيب، واسم أبيه جبير [4] :
ولد أشعب سنة تسع من الهجرة، وَكَانَ أشعب خال الأصمعي، وقيل: خال الواقدي.
وفي كنيته قولان، أحدهما: أَبُو العلاء، والثاني: أَبُو إِسْحَاق.
وفي اسم أمه ثلاثة أقوال، أحدها: جعدة مولاة أسماء بْنت أبي بكر، والثاني: أم حميدة، والثالث: أم حميدة بفتح الحاء.
واتفقوا أنه مولى، واختلفوا فِي مولاه عَلَى أربعة أقوال: أحدها: عُثْمَان بْن عفان، والثاني سَعِيد بْن العاص، والثالث: عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر، والرابع: فاطمة بنت الحسين.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصول أوردناه من الطبري.
[2] في الأصل: «إخوة أيوب المرزباني» ، وما أوردناه من ت والطبري.
[3] في ت: «وحج بالناس من هذه السنة» .
[4] تاريخ بغداد 7/ 37.

(8/175)


وعمر دهرا طويلا، وَكَانَ قَدْ أدرك زمن عُثْمَان بْن عفان، قرأ القرآن وتنسك.
وروى عَنْ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر، والقاسم بْن محمد، وسالم بن عبد الله، وعكرمة.
80/ ب/ وتوفي في هذه السنة، وله أخبار طريفة.
أخبرنا عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بْن الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الشَّافِعِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن سَوَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن شُجَاعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس نَسِيمٌ الْكَاتِبُ، قَالَ [1] :
قِيلَ لأَشْعب: طَلَبْتَ الْعِلْمَ، وَجَالَسْتَ النَّاسَ، ثُمَّ تَرَكْتَ، فَلَوْ جلست لنا فسمعنا منك، فقال: نعم، فجلس لَهُمْ فَقَالُوا: حَدَّثَنَا، فَقَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُول: سَمِعْتُ ابْنَ الْعَبَّاسِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «خَلَّتَانِ لا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ ... » . ثُمَّ سَكَتَ، فَقَالُوا: مَا الخلتان؟ فقال: نسي عكرمة واحدة ونسيت أنا الأُخْرَى.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أخبرني أَبُو الحسن [2] مُحَمَّد بْن عبد الواحد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحيم المازني، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن بْن مسلم، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ: قَالَ الواقدي [3] :
لقيت أشعب يوما فَقَالَ لي: يا ابْن واقد قَدْ وجدت دينارا، فكيف أصنع به؟ قلت:
تعرفه؟ قَالَ: سبحان اللَّه، قلت: فما الرأي؟ قَالَ: أشتري به قميصا وأعرفه، قلت: إذا لا يعرفه أحد، قَالَ: فذاك أريد.
[قَالَ المصنف] : وقد نقلت عَنْ أشعب كلمات مضحكات ونوادر.
قَالَ الهيثم بْن عدي: أسلمته فاطمة بْنت الحسين إِلَى البزازين، فقيل لَهُ: أين بلغت من معرفة البز؟ قَالَ: أحسن أنشر ولا أحسن أطوي، وأرجو أن أتعلم الطي.
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 7/ 39.
[2] في الأصل: «أبو الحسين» خطأ. والتصحيح من تاريخ بغداد.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 7/ 41.

(8/176)


ومر برجل يتخذ طبقا، فَقَالَ: اجعله واسعا لعلهم أن يهدون إلينا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ المقري: قَالَ أشعب: مَا خرجت في جنازة قط فرأيت اثنين يتشاوران [1] إلا ظننت أن الميت قَدْ أوصى لي بشيء.
قَالَ سليمان الشاذكوني: كَانَ لي بْني فِي المكتب فانصرف إلي يوما فَقَالَ: يا أبت، ألا أحدثك بطريف؟ فقلت: هات، فَقَالَ: كنت أقرأ على المعلم أن أبي يدعوك وأشعب الطامع عنده جالس، فلبس نعليه وَقَالَ: امش بين يدي، فقلت: إنما أقرأ عشري، فَقَالَ: عجبت أن تفلح أو يفلح أبوك.
831-/ سَعِيد بْن يزيد، أَبُو شجاع القتباني: [2]
روى عنه الليث بْن سعد، وابْن المبارك، وَكَانَ ثقة من العباد المجتهدين. كَانَ إذا أصبح عصب ساقه من طول القيام. تُوُفِّيَ بالإسكندرية [في هذه السنة] [3] .
832- سليمان بْن أبي سليمان المورياني [4] ، مولى بْني سليم [5] :
كَانَ قديما مَعَ ابْن هبيرة، ثُمَّ استكتبه المنصور، ثُمَّ أخبر المنصور أن خالدا أخا أبي أيوب، وَكَانَ بالأهواز قد جمع مالا عظيما، فغضب عليه المنصور فحبسه وحبس أخاه خالدا وبْني أخيه، وقطع أيدي بني أخيه وقتلهم عَلَى مَا سبق ذكره. وَكَانَ أَبُو أيوب [سليمان] [6] كريما جوادا.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن المرزبان، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن هيثم، قال: قال ابن شبرمة:
__________
[1] في الأصل: «يتشاورون» .
[2] التاريخ الكبير للبخاريّ 3/ 1741، والجرح والتعديل 4/ 309.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل: أوردناه من ت.
[4] في الأصل: «المرزباني» والتصحيح من ت والطبري وكتب التراجم.
[5] وفيات الأعيان 1/ 215، وفيه: «سليمان بن مخلد المورياني» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/177)


زوجت ابْني عَلَى ألفي درهم فلم أقدر عَلَيْهَا، ففكرت فيمن أقصد، فوقع فِي قلبي أَبُو أيوب المورياني [1] ، فدخلت عليه فَقَالَ: لك ألفان، فلما نهضت لأقوم، قَالَ:
والمهر ألفان فأين الجهاز؟ ثم قَالَ: ألفان للجهاز، فذهبت لأقوم فَقَالَ: المهر والجهاز فأين الخادم؟ ولك ألفان للخادم، فذهبت لأقوم فَقَالَ: والشيخ لا يصيب شيئا؟ ولك ألفان، فلم أزل أقوم ويقعدني حَتَّى انصرفت من عنده بخمسين ألفا.
وَقَالَ أَبُو بكر الصولي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعِيد الأصم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد أَبُو هفان، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن إِبْرَاهِيم [2] ، قَالَ:
كَانَ أَبُو أيوب إذا دعاه المنصور يصفر ويرعد، فإذا خرج من عنده تراجع لونه، فقيل له: إنا نراك مَعَ كثرة دخولك إِلَى أمير المؤمنين وأنسه بك إذا دخلت إِلَيْهِ ترعد [3] ، فَقَالَ: مثلي ومثلكم فِي هَذَا كمثل بازي وديك تناظرا، فَقَالَ البازي للديك: مَا أعرف أقل وفاء منك، فَقَالَ: وكيف ذاك؟ فَقَالَ: تؤخذ بيضة ويحضنك أهلك وتخرج على 81/ ب أيديهم فيطعمونك بأكفهم حَتَّى إذا كبرت صرت/ لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصحت، فإذا [4] علوت حائط دار كنت فِيهَا سنين طرت منها وتركتها وصرت إِلَى غيرها. وأنا أؤخذ من الجبال وقد كبرت فأطعم الشيء اليسير وأؤنس يوما أو يومين ثُمَّ أطلق عَلَى الصيد فأطير وحدي وآخذه وأجيء به إِلَى صاحبي. فَقَالَ له الديك: [ذهبت عنك الحجة] أما لو رأيت بازيا فِي سفود مَا عدت إليهم أبدا، وأنا فِي كل وقت أرى السفافيد مملوءة ديوكا وأبيت معهم، فأنا أكثر وفاء منك [5] ، ولو عرفتم من المنصور مَا أعرف لكنتم أسوأ حالا مني عند طلبه إياكم.
تُوُفِّيَ أَبُو أيوب في هذه السنة.
833- عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب العدوي المديني: [6]
وكان من أحسن الناس صورة.
__________
[1] في الأصل: المرزباني» وما أوردناه من ت.
[2] في ت: «العباس بن رستم» .
[3] في ت: «وأنسه بك تتغير إذا دخلت إليه» .
[4] في ت: «فإن» .
[5] في ت: «فإنّي أوفى منك» .
[6] تاريخ بغداد: 10/ 434.

(8/178)


أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أحمد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْن أبي علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْد العزيز الزهري، عَنْ أبي هريرة بْن جَعْفَر المخزومي [1] :
أن الديباج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عفان، وَعَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب خطبا امرأة من قريش، فاختلف عليها في جمالهما، فجعلت تسأل وتبحث إِلَى أن خرجت تريد صلاة العتمة فِي المسجد، فرأتهما قائمين [2] فِي القمر يتعاتبان فِي أمرها، فنظرت إِلَى بياض عَبْد العزيز وطوله، فتزوجته، فجمع الناس وأولم لدخولها، فبعث إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فدعاه فيمن دعاه، فأكرمه وأجلسه فِي مجلس شريف، فلما فرغ الناس برك لَهُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وخرج وَهُوَ يَقُول:
وبينا أرجي أن أكون وليها ... رميت بعرق من وليمتها سخن
قَالَ الزُّبَيْر [3] : وحدثني مُصْعَب بْن عُثْمَان، ومحمد بْن الضحاك الخزامي، ومحمد بن الحسن/ المخزومي وغيرهم: أن عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه كان فيمن أسر [4] 82/ أحديد، فلما دخل عليه قَالَ لَهُ: مَا رضيت أن خرجت علي حَتَّى خرجت معك بثلاثة أسياف من ولدك، فَقَالَ لَهُ عَبْد العزيز: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، صل رحمي واعف عني واحفظ فِي عُمَر بْن الخطاب، فَقَالَ: أفعل، فعفا عنه، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن الرَّبِيع: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اضرب عنقه لا يطمع فيك فتيان قريش، فَقَالَ لَهُ المنصور: إذا قتلت هَذَا فعلى من تحب أن أتأمر.
834- عَلِيّ بْن صالح بْن حي [5] :
ولد هو وأخوه الْحَسَن توأما فِي بطن، وَكَانَ علي قد تقدم بساعة، وكان الحسن
__________
[1] كذا في الأصول وفي تاريخ بغداد «المحرري» . والخبر في تاريخ بغداد 10/ 435.
[2] في ت: «نائمين» .
[3] الجند في تاريخ بغداد 10/ 435.
[4] في ت: «أشرف» .
[5] طبقات ابن سعد 6/ 260.

(8/179)


يعظمه ويقول: قَالَ أَبُو مُحَمَّد. وَكَانَ علي كثير العبادة، وأسند عَنْ جماعة من التابعين، وتوفي في هذه السنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن خيرون، قَالَ:
قرئ عَلَى أبي عَلِيّ بْن شَاذَان أن أَحْمَد بْن كامل القاضي أخبرهم، قَالَ: حَدَّثَنَا عيسى بْن إِسْحَاق الأنصاري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عمران البغدادي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن حي قَالَ:
قَالَ لي أخي علي فِي الليلة الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا: اسقني ماء، وكنت قائما أصلي، فلما قضيت الصلاة أتيته بماء فقلت يا أخي، فَقَالَ: لبيك، فقلت: هَذَا ماء، فَقَالَ: قَدْ شربت الساعة، فقلت: من سقاك وليس فِي الغرفة غيري وغيرك؟ قَالَ: أتاني جبريل الساعة بماء فسقاني وَقَالَ لي: أنت وأخوك وأبوك مَعَ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وخرجت روحه رحمة الله عليه.
835- الفضل بْن عطية الخراساني المروزي، مولى بْني عبس [1] : روى عَنْ سالم بْن عَبْد اللَّه.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ السرخسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الوهاب، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن سهل، عَنْ سلام بْن سالم، قَالَ:
زاملت الفضل بْن عطية إِلَى مكة فلما رحلنا من فيد أنبهني/ فِي جوف الليل، فقلت: مَا تشاء؟ قَالَ: أريد أن أوصي إليك، قلت: غفر اللَّه لك وأنت صحيح، فجزعت من قوله، فَقَالَ: لتقبلن مَا أقول لك، قلت: نعم فأخبرني مَا الَّذِي حملك عَلَيْهَا هَذِهِ الساعة؟ قَالَ: أريت فِي منامي ملكين فقالا: إنا قَدْ أمرنا بقبض روحك، فقلت لهم: لو أخرتماني إِلَى أن أقضي نسكي، فَقَالَ: إن اللَّه عز وجل قَدْ تقبل منك نسكك، ثُمَّ قَالَ أحدهما للآخر: افتح إصبعيك، ففتح السبابة والواسطي فخرج من بينهما ثوبان ملأت خضرتهما مَا بين السماء والأرض، فقالا: هَذَا كفنك من الجنة، ثم طواه وجعله بين
__________
[1] تقريب التهذيب 2/ 111، وقال: «صدوق ربما وهم» .

(8/180)


إصبعيه، فما وردنا المنزل حَتَّى قبض، فإذا امرأة قَدِ استقبلتنا وهي تسأل الرفاق: هل فيكم الفضل بْن عطية؟ فلما انتهت إلينا قلت: مَا حاجتك إِلَى الفضل؟ هَذَا الفضل زميلي، فقالت: رأيت فِي المنام أنه يصبحنا اليوم رجل ميت يسمى الفضل بْن عطية من أَهْل الجنة، فأحببت [أن أشهد] [1] الصلاة عليه.
836- مُحَمَّد بْن عمران بْن إِبْرَاهِيم بْن طلحة بْن عبيد اللَّه التيمي المدني، أَبُو سليمان: [2]
[ولي القضاء بالمدينة لبْني أمية، ثُمَّ ولاه ذلك المنصور، وَكَانَ مهيبا قليل الحديث، و] [3] مات بالمدينة في هذه السنة وَهُوَ عَلَى القضاء، فبلغ موته المنصور، فَقَالَ: اليوم استوت قريش.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن ميمون، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّدً بْن علي العلوي، وأبو الفرج محمد بن أحمد بْن غيلان، [قالا: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الفزاري، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو القاسم الحسن بن محمد السكوني، قال:] [4] حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْر بْن بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَر بْن أبي بَكْر، عَنْ نمير المدني، قَالَ:
قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بْن عمران الطلحي عَلَى قضائه وأنا كاتبه، فاستعدى الحمالون عَلَى أمير المؤمنين فِي شيء ذكروه، فأمرني أن أكتب إِلَيْهِ كتابا بالحضور معهم وإنصافهم، فقلت: اعفني من هَذَا فإنه يعرف خطي، فَقَالَ: أكتب، فكتبت ثُمَّ ختمه وَقَالَ: لا يمضي به والله غيرك [5] ، فمضيت به إِلَى الربيع وجعلت أعتذر إِلَيْهِ، فَقَالَ: لا تفعل، فدخل عليه بالكتاب ثُمَّ خرج الربيع فَقَالَ للناس وقد حضر وجوه أَهْل/ المدينة والأشراف وغيرهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام 83/ أويقول لكم: إني قَدْ دعيت إِلَى مجلس الحكم فلا أعلمن أحدا قام إلي إذا خرجت أو بدأني بالسلام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] أخبار القضاة لوكيع 1/ 181، وطبقات ابن سعد ورقة 236/ أ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] في ت: «لا يمضي أحد والله غيرك» .

(8/181)


قَالَ: ثُمَّ خرج المسيب بين يديه والربيع وأنا خلفه فِي إزار ورداء، فسلم عَلَى الناس، فما قام إِلَيْهِ أحد، ثُمَّ مضى حَتَّى بدأ بالقبر فسلم عَلَى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ التفت إِلَى الربيع، فَقَالَ: يا ربيع، ويحك أخشى إن رآني مُحَمَّد بْن عمران أن يدخل قلبه هيبة فيتحول عن مجلسه، وتا الله لئن فعل لا ولي لي ولاية أبدا.
قَالَ: فلما رآه- وَكَانَ متكئا- أطلق رداءه عَلَى عاتقه ثُمَّ احتبى به ودعى بالخصوم وبالحمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين ثم ادعوا وحكم عليه لهم، فلما دخل الدار قَالَ للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ما دعا بك حَتَّى تفرغ من أمر الناس جميعا، فدعاه، فلما دخل عليه سلم، فَقَالَ: جزاك اللَّه عن دينك وعن بنيك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء، قَالَ: قَدْ أمرت لك بعشرة آلاف دينار فاقبضها، فكانت عامة أموال مُحَمَّد بْن عمران الطلحي من تلك الصلة.
837- ابْن عمار أَبُو عَمْرو بْن العلاء القاري:
وقيل: اسمه زبان، وقيل: سفيان، والصحيح أن اسمه كنيته، وَكَانَ أبوه عَلَى طراز الحجاج. وجده عمار حمل راية عَلِيّ [بْن أبي طالب] [1] عليه السلام يوم صفين.
ولد أَبُو عَمْرو بْن العلاء فِي سنة سبعين فِي أيام عَبْد الملك بْن مروان. ونشأ بالبصرة وقرأ عَلَى مجاهد، وسعيد بْن جبير، والحسن، وشيبة بْن نصاح، ويحيى بْن يعمر، وابْن كثير. وَكَانَ مقدما فِي دهره، عالما بالقراءة. عارفا بوجوهها، أعلم الناس بأمور العرب مع صدق وصحة سماع.
وَكَانَ قَدْ كتب عَنِ العرب الفصحاء مَا ملأ به بيتا إِلَى قريب من السقف، ثُمَّ أنه تقرى فأحرقها كلها، فلما رجع من بعد إِلَى علمه لم يكن عنده إلا ما قد حفظه، وكانت 83/ ب عامة أخباره/ عَنْ أعراب قَدْ أدركوا الجاهلية.
تُوُفِّيَ بالكوفة في هذه السنة وَهُوَ ابْن أربع وثمانين سنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/182)


ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا افتتاح [1] يزيد بْن حاتم إفريقية، وقتله أبا غازي [2] ، وأبا حاتم ومن كَانَ معهما، واستقامة بلاد المغرب، ودخول [3] يزيد القيروان.
وَفِيهَا: غزا الصائفة يزيد بْن أسيد السلمي.
وَفِيهَا: وجه المنصور ابْنه المهدي لبْناء مدينة الرافقة، فشخص إليها فبناها على بناء مدينته ببغداد، فِي أبوابها وفصولها ورحابها وشوارعها سوى سورها وخندقها، ثُمَّ انصرف إِلَى مدينة السلام.
وَفِيهَا: خندق أَبُو جَعْفَر عَلَى الكوفة والبصرة، وضرب عليهما سورا، وجعل مَا أنفق فِي ذلك من أموال أَهْل المكان.
وَفِيهَا: عزل عَبْد الملك بْن أيوب عَنِ البصرة، واستعمل عَلَيْهَا القاسم بْن معاوية العكي [4] ، وضم إِلَيْهِ سَعِيد بْن دعلج وأمره ببْناء سور لها يطيف بها، وخندق عَلَيْهَا من دون السور.
قَالَ ابْن جرير: وقد ذكرنا أن المنصور لما أراد الأمر ببْناء سور الكوفة وبحفر خندق
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 46.
[2] في الطبري: «وقتله أبا عاد» .
[3] في الأصل: «دخل» . وما أوردناه من ت.
[4] في ت: «الحكمي» .

(8/183)


لها أمر بقسمة خمسة دراهم [1] عَلَى أَهْل الكوفة، وأراد بذلك علم عددهم، فلما علم عددهم أمر بجبايتهم أربعين درهما من كل إنسان، فجبوا. ثُمَّ أمر بإنفاق ذلك عَلَى سور الكوفة وحفر الخندق، فَقَالَ شاعرهم:
يا لقومي مَا لقينا ... من أمير المؤمنينا
قسم الخمسة فينا ... وجبانا أربعينا [2]
وفي هذه السنة: طلب ملك [3] الروم الصلح من المنصور عَلَى أن يؤدي إِلَيْهِ الجزية.
وَفِيهَا: عزل المنصور أخاه الْعَبَّاس بْن محمد عن الجزيرة وأغرمه مالا، وغضب 84/ أعليه/ وحبسه ثُمَّ رضي عنه، واستعمل عَلَى حرب الجزيرة وخراجها موسى بْن كعب.
وَفِيهَا: عزل المنصور مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَلِيّ عَنِ الكوفة، واستعمل مكانه عَمْرو بْن زهير أخا المسيب بْن زهير.
وَقَالَ عُمَر بْن شبة [4] : إنما كَانَ هَذَا فِي سنة ثلاث وخمسين. وعمرو هو الَّذِي حفر الخندق بالكوفة.
واختلفوا فِي سبب عزله لمحمد بْن سليمان. فَقَالَ بعضهم [5] : إنما عزله لأمور قبيحة بلغته عنه اتهمه فِيهَا.
وَقَالَ آخرون: بل كَانَ السبب أنه أتى فِي عمله عَلَى الكوفة بِعَبْدِ الكريم بن أبي العوجاء، وكانت خال معن بْن زائدة، فكثر شفعاؤه إِلَى أبي جَعْفَر، ولم يشفع فِيهِ إلا ظنين، فأمر بالكتاب إِلَى مُحَمَّد بْن سليمان بالكف عنه إِلَى أن يأتيه رأيه فِيهِ.
فكلم ابن أبي العوجاء أبا الجبار، فَقَالَ لَهُ: إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف درهم ولك كذا وكذا، فأعلم أَبُو الجبار محمدا، فَقَالَ: أذكرتنيه، والله كنت قد نسيته، فإذا
__________
[1] تكررت في الأصل «خمسة دراهم» .
[2] في الطبري: «الأربعينا» .
[3] في ت: «طلب ملوك» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 47.
[5] تاريخ الطبري 8/ 48، 49.

(8/184)


انصرفت من الجمعة فاذكرنيه. فلما انصرف أذكره إياه فأمر بضرب عنقه، فلما أيقن أنه مقتول قَالَ: أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فِيهَا الحلال، وأحلل فِيهَا الحرام، ولقد فطرتكم فِي يوم صومكم وصومتكم فِي يوم فطركم، فضربت عنقه.
وورد عَلَى مُحَمَّد رَسُول أبي جَعْفَر بكتابه: إياك أن تحدث فِي ابْن أبي العوجاء شيئا، فإنك إن فعلت فعلت بك وفعلت، يتهدده. فَقَالَ للرسول: هَذَا رأس ابْن أبي العوجاء وهذا بدنه مصلوبا بالكناسة، فأخبر أمير المؤمنين.
فلما بلغ الرسول أبا جَعْفَر رسالته تغيظ عليه وأمر بعزله، ثُمَّ قَالَ: والله لقد هممت أن أقيده به، ثُمَّ أرسل إِلَى عيسى بْن عَلِيّ فأتاه، فَقَالَ: هَذَا عملك، أنت أشرت بتولية هَذَا الغلام فوليته غلاما جاهلا لا علم لَهُ بما يأتي، يقدم عَلَى رجل فيقتله من غير أن رأى ولا ينتظر أمري، وقد كتبت بعزله وباللَّه لأفعلن، يتهدده/ فسكت عنه عيسى حتى سكن 84/ ب غضبه ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إن محمدا إنما قتل هَذَا الرجل عَلَى الزندقة فإن كَانَ قتله صوابا فهو لك، وإن كَانَ خطأ فعلى مُحَمَّد، والله يَا أَمِيرَ المؤمنين لئن عزلته [1] على تفيئة مَا صنع لترجعن القالة من العامة عَلَيْك. فأمر بالكتب فمزقت وأقره عَلَى عمله.
وَفِيهَا: عزل الْحَسَن بْن زيد عَنِ المدينة، واستعمل عَلَيْهَا عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ، وجعل معه فليح بْن سليمان مشرفا عليه.
وَكَانَ عَلَى مكة والطائف مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، وعلى الكوفة عمرو بن زهير، وعلى البصرة الهيثم بْن معاوية، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم، وعلى مصر محمد بن سعيد [2] .
__________
[1] في ت: «عزلت» .
[2] في نسخة الأصل كتب الناسخ: «قال الناسخ: ما وجدت في الأصل ذكر من حج بالناس في هذه السنة والله أعلم» أ- هـ. وكذا لم نجده في ت والطبري. وفي مروج الذهب للمسعوديّ 4/ 402. «حج بالناس عبد الصمد بن علي» .

(8/185)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
838- زبان بْن فائد، أَبُو جوين الحمراوي [1] :
كَانَ عَلَى المظالم بمصر، وَهُوَ آخر من ولي لبْني أمية، وَكَانَ فاضلا من أعدل ولاتهم.
روى عنه الليث، وابْن لهيعة، ورشدين بْن سعد.
وتوفي في هذه السنة.
839- أَبُو هاشم الزاهد:
من قدماء زهاد بغداد ومن أقران أبي عَبْد اللَّه البراثي.
كَانَ سفيان الثوري يَقُول: مَا زلت أرائي وأنا لا أشعر حَتَّى جالست أبا هاشم الزاهد، فأخذت منه ترك الرياء.
وَكَانَ أَبُو هاشم يَقُول: أخذ المرء نفسه بحسن الأدب تأديب أهله.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَعْقُوبَ الوراق، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مسروق، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن، قَالَ: حدّثني بعض أصحابنا، قال: قال أبو 85/ أهاشم الزاهد:
إن اللَّه تعالى وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المريدين به دونها ليقبل المطيعون لَهُ بالإعراض عنها، فأهل المعرفة باللَّه مستوحشون/ وإلى الآخرة مشتاقون [2] .
قَالَ ابْن مسروق: وحدثنا مُحَمَّد بْن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا حكيم بْن جَعْفَر، قَالَ:
نظر هاشم إِلَى شريك القاضي يخرج من دار يَحْيَى بْن خالد فبكى وَقَالَ: أعوذ باللَّه من علم لا ينفع.
__________
[1] التاريخ الكبير للبخاريّ 3/ 1480، وميزان الاعتدال 2/ 2826.
[2] في الأصل: «فأهل المعرفة بها مستوحشون وفي الآخرة مشتاقون» .

(8/186)


ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا غزوة زفر بْن عاصم الهلالي الصائفة، وأن الهيثم بْن معاوية عامل أبي جَعْفَر عَلَى البصرة ظفر بعمرو بْن شداد عامل إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه عَلَى فارس، فقتل بالبصرة وصلب.
وَفِيهَا: عزل أَبُو جَعْفَر الهيثم بْن معاوية عَنِ البصرة وأعمالها، فاستعمل سوار بْن عَبْد اللَّه عَلَى البصرة وجمع لَهُ القضاء والصلاة، وولى سَعِيد بْن دعلج شرطها وأحداثها.
وَفِيهَا [1] : حج بالناس الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ أخو المنصور، وَكَانَ العامل فِيهَا عَلَى مكة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وَهُوَ ابْن أخي المنصور، وَكَانَ مقيما بمدينة السلام وابْنه إِبْرَاهِيم خليفته بمكة، وَكَانَ إِلَيْهِ مَعَ مكة الطائف، وَكَانَ عَلَى الكوفة عَمْرو بْن زهير، وعلى الأحداث والجوالي والشرطة وصدقات أرض العرب بالبصرة سَعِيد بْن دعلج، وعلى الصلاة والقضاء بها سوار، وعلى كور دجلة والأهواز وفارس عمارة بْن حمزة، وعلى كرمان والسند هِشَام بْن عَمْرو، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم، وعلى مصر محمد بن سعيد.
__________
[1] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .

(8/187)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
840- رباح بْن أبي يزيد اللخمي:
كَانَ من أَهْل إفريقية، وَكَانَ عالما زاهدا يضرب بعبادته المثل، وَهُوَ أخو قحذم بْن يزيد الَّذِي كَانَ عابدا بالإسكندرية.
841- رؤبة بْن العجاج، واسم العجاج عَبْد اللَّه بْن رؤبة بْن لبيد بن صخر، ويكنى 85/ ب أبا الجحاف/ وأبا العجاج: [1]
روى عَنْ أبي الشعثاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وهو من رجاز الإسلام وفصحائهم المقدمين منهم، وَهُوَ بدوي سكن البصرة ومدح بْني أمية وبْني الْعَبَّاس، وتوفي فِي أيام المنصور، وقد أخذ عنه وجوه أَهْل اللغة واحتجوا بشعره.
والرؤبة اسم يقع عَلَى أشياء منها اللبْن الخاثر، وماء الفحل، والحاجة والساعة تمضي من الليل وغير ذلك.
وَكَانَ يونس النحوي يَقُول: مَا رأيت عربيا قط أفصح من رؤبة، مَا كَانَ معد بْن عدنان أفصح منه، وَكَانَ رؤبة يأكل الفأر فعوتب عَلَى ذلك، فَقَالَ: هي أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللاتي تأكلن العذرة، وهل يأكل الفأر إلا نقي البر ولباب الطعام.
ولما تُوُفِّيَ قَالَ الخليل بْن أَحْمَد: دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم.
842- حمزة بْن حبيب الزيات، ويكنى أبا عمارة، مولى لآل عكرمة بْن ربعي التيمي: [2]
كَانَ يجلب الزيت من الكوفة إِلَى حلوان، ويجلب من حلوان الجبْن والجوز إِلَى الكوفة. وَكَانَ صاحب قرآن وفرائض، صدوقا صاحب سنة. وقد أسند عَنِ الأعمش.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سهل بن سعدويه، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الفضل القرشي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مردويه، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن فارس، قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَر يَقُول: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول:
__________
[1] تهذيب التهذيب 3/ 290.
[2] طبقات ابن سعد 6/ 268، وميزان الاعتدال 1/ 2297.

(8/188)


مر بْنا حمزة بْن حبيب فاستسقى فأتيته بماء، فَقَالَ: أنت ممن يحضرنا فِي القراءة؟ قلت: نعم، قَالَ: لا حاجة لي فِي مائك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن بن عبد الجبار، قال: أخبرنا أَبُو الوليد عُتْبَة بْن عَبْد الملك العثماني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الطيب عَبْد الْمُنْعِمِ بْن عَبْد اللَّه بْن غلبون المقرئ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن نصر بْن هارون السامري، قَالَ: أَخْبَرَنَا سليمان بْن جبلة، قَالَ: أَخْبَرَنَا/ إدريس بْن عَبْد الْكَرِيمِ الحداد، قَالَ: أخبرنا خلف بن 86/ أهشام البزاز، قَالَ: قَالَ لي سليم بْن عيسى [1] :
دخلت عَلَى حمزة بْن حبيب الزيات فوجدته يمرغ خديه فِي الأرض ويبكي، فقلت: أعيذك باللَّه، فَقَالَ: رأيت البارحة فِي منامي كَانَ القيامة قَدْ قامت، وقد دعي بقراء القرآن، فكنت فيمن حضر، فسمعت قائلا يَقُول بكلام عذب: لا يدخل علي إلا من عمل بالقرآن، فرجعت القهقري، فهتف باسمي: أين حمزة بْن حبيب الزيات؟
فقلت: لبيك داعي اللَّه، فبدرني ملك فَقَالَ قل: لبيك اللَّهمّ لبيك، فقلت كما قَالَ لي، فأدخلني دارا فِيهَا ضجيج القرآن، فوقفت أرعد، فسمعت قائلا يَقُول: لا بأس عَلَيْك اقرأ وأرق، فأدرت وجهي فإذا أنا بمنبر من در أبيض دفتاه من ياقوت أصفر، مراقيه من زبرجد أخضر، فقال لي: اقرأ سورة الأنعام. فقرأت وأنا لا أدري عَلَى من أقرأ حتى بلغت الستين آية، فلما بلغت: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ 6: 18 [2] قَالَ لي: يا حمزة، ألست القاهر فوق عبادي؟ فقلت: بلى، قَالَ: صدقت، اقرأ، فقرأت حَتَّى أتممتها، فَقَالَ لي:
أقرأ، فقرأت الأعراف حَتَّى بلغت آخرها وأومأت إِلَى الأرض بالسجود، فَقَالَ لي:
حسبك مَا مضى، لا تسجد يا حمزة، من أقرأك هَذِهِ القراءة؟ فقلت: سليمان، فَقَالَ:
صدقت، من أقرأ سليمان؟ قلت: يَحْيَى، قَالَ: صدق يَحْيَى، عَلَى من قرأ يَحْيَى؟
فقلت: عَلَى أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، قَالَ: صدق أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، من أقرأ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ؟ فقلت: ابْن عم نبيك علي، فَقَالَ: صدق علي، فمن أقرأ عليا؟ قلت:
نبيك مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ومن أقرأ نبيي؟ قَالَ: قلت: جبريل عليه السلام، قَالَ: ومن أقرأ جبريل؟ فسكت، فَقَالَ لي: يا حمزة، قل أنت، فقلت: ما أجسر أن أقول أنت، فقال:
__________
[1] الخبر في تهذيب الكمال 7/ 318.
[2] سورة: الأنعام، الآية: 61.

(8/189)


قل أنت، فقلت: أنت، فَقَالَ: صدقت يا حمزة، وحق القرآن لأكرمن أَهْل القرآن لا 86/ سيما إذا عملوا بالقرآن، / يا حمزة القرآن كلامي وما أحب أحدا كحبي أَهْل القرآن، ادن يا حمزة، فدنوت فضمخني بالغالية وَقَالَ: ليس أفعل بك وحدك، قَدْ فعلت ذلك بْنظرائك بمن فوقك ومن دونك، ومن أقرأ القرآن كما أقرأته، لم يزد بذلك غيري، وما خبأت لك يا حمزة عندي أكثر، فأعلم أصحابك مكاني من حبي لأهل القرآن وفعلي بهم، فهم المصطفون الأخيار، يا حمزة وعزتي وجلالي لا أعذب لسانا تلى القرآن بالنار، ولا قلبا وعاه، ولا أذنا سمعته، ولا عينا نظرته، فقلت: سبحانك سبحانك أي رب، فَقَالَ: يا حمزة أين نظار المصاحف؟ فقلت: يا رب أفحفاظ هم؟ قَالَ: لا، ولكني أحفظه لهم حَتَّى يوم القيامة، فإذا لقوني رفعت لهم بكل آية درجة.
أفتلومني أن أبكي وأتمرغ فِي التراب.
تُوُفِّيَ حمزة بحلوان في هذه السنة.
843- سَعِيد بْن أبي عروبة، أَبُو النضر الْبَصْرِيّ، واسم أبي عروبة مهران مولى لبْني عدي بْن يشكر: [1]
سمع النضر بْن أنس وغيره، وَكَانَ كثير الحديث إلا أنه اختلط فِي آخر عمره، وتوفي في هذه السنة.
844- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زياد بْن أنعم، أَبُو خالد الإفريقي [2] :
سمع أبا عَبْد الرَّحْمَنِ الحبلي وغيره. روى عنه سفيان الثوري، وابْن لهيعة. وكان أول مولود ولد بإفريقية فِي الإسلام.
وولي القضاء بها لمروان بْن مُحَمَّد، ووفد إِلَى المنصور فِي بيعة أهل إفريقية وشكى إليه جور العمال.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا البرقاني، قال: حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأدمي، قال: حدثنا محمد بن علي الأيادي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: حدّثني أحمد بن محمد،
__________
[1] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 33.
[2] تاريخ بغداد 10/ 214.

(8/190)


قَالَ: حَدَّثَنِي الهيثم بْن خارجة، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عياش، قَالَ [1] :
ظهر بإفريقية جور من السلطان، فلما قام ولد الْعَبَّاس قدم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زياد عَلَى أبي جَعْفَر، فشكى إِلَيْهِ/ العمال ببلده، فأقام ببابه أشهرا، ثم دخل عليه، فقال: ما 87/ أأقدمك؟ قَالَ: ظهر الجور ببلدنا فجئت لأعلمك فإذا الجور يخرج من دارك، فغضب أَبُو جَعْفَر وهم به ثُمَّ أمر بإخراجه.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاس المنصوري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يزيد، عَنِ ابْن إدريس، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، قَالَ [2] :
أرسل أَبُو جَعْفَر إلي، فقدمت عليه فدخلت والربيع قائم عَلَى رأسه، فاستدناني ثُمَّ قَالَ: يا عَبْد الرَّحْمَنِ، كيف مَا مررت به من أعمالنا إِلَى أن وصلت إلينا؟ قلت: يا أمير المؤمنين، رأيت أعمالا سيئة، وظلما فاشيا ظننته أبعد البلاد منك، فجعلت كلما دنوت منك كَانَ أعظم للأمر. فنكس رأسه طويلا ثُمَّ رفعه إلي، فَقَالَ: كيف لي بالرجال؟
قلت: أفليس عُمَر بْن عَبْد العزيز كَانَ يَقُول: الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها مَا ينفق فِيهَا، فإن كَانَ برا أتوه ببرهم، وإن كَانَ فاجرا أتوه بفجورهم. قَالَ: فأطرق طويلا، فَقَالَ لي الربيع وأومأ إلي أن أخرج، فخرجت ولم أعد إِلَيْهِ.
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [3] : وقد قيل لأحمد بْن صالح الحافظ: تحتج بحديث الإفريقي؟ قَالَ: نعم، هو ثقة، وأنكر عَلَى من تكلم عليه.
وَقَالَ يَحْيَى بْن معين: إنما أنكر عليه الأحاديث.
قَالَ مؤلف الكتاب [4] : وفي هذه السنة تُوُفِّيَ وقد جاز المائة.
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 10/ 215.
[2] الخبر تاريخ بغداد 10/ 215.
[3] في ت: «قال المصنف» .
[4] في ت: «قال المصنف» .

(8/191)


845- عامر بْن إِسْمَاعِيل المسلي:
تُوُفِّيَ بمدينة السلام، وصلى عليه المنصور، ودفن فِي مقابر قريش.
846- قباث بْن رزين بْن حميد [1] بْن صالح، أَبُو هاشم [2] :
روى عَنْ عَلِيّ بْن رباح، وعكرمة. وروى عنه الليث بْن سعد، وابْن لهيعة، وابْن المبارك، وابْن وهب.
وَكَانَ إمام مسجد مصر، يقرئ القرآن في جامعها.
87/ ب/ تُوُفِّيَ في هذه السنة.
847- الهيثم بْن معاوية:
ولي للمنصور البصرة وغيرها. وتوفي في هذه السنة فجأة وَهُوَ عَلَى بطن جارية لَهُ، وصلى عليه المنصور، ودفن فِي مقابر قريش.
__________
[1] في الأصول: «أحمد» وما أوردناه من التهذيب.
[2] تقريب التهذيب 2/ 122.

(8/192)


ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا أن المنصور حول الأسواق من مدينة السلام إِلَى باب الكرخ وغيره من المواضع.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين القطان، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن درستويه، قَالَ:
حَدَّثَنَا يعقوب بْن سفيان [1] ، قَالَ:
سنة سبع وخمسين ومائة نقل أَبُو جَعْفَر الأسواق من المدينة الشرقية إلى باب الكرخ وباب الشعير والمحول، وفي السوق الَّتِي تعرف بالكرخ، وأمر ببْنائها من ماله عَلَى يدي الربيع مولاه.
وَفِيهَا: وسع طرق المدينة وأرباضها، ووضعها عَلَى مقدار أربعين ذراعا، وأمر بهدم مَا شخص من الدور غير ذلك القدر.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأزهري، قال: حدثنا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن عرفة، قَالَ [2] :
لما دخلت سنة سبع وخمسين وَكَانَ أَبُو جَعْفَر قَدْ ولى الحسبة يحيى بن زكريا
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 79.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 79، 80.

(8/193)


فاستغوى [1] العامة وزين لهم الجموع، فقتله أَبُو جَعْفَر بباب الذهب، وحول أسواق المدينة إِلَى باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول، وأمر ببْناء الأسواق عَلَى يد الربيع.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الوراق، وأحمد بْن عَلِيّ المحتسب، قالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر النحوي، قال:
حدثنا الحسن بن محمد السكوني، قال: قَالَ مُحَمَّد بْن خلف: قَالَ الخوارزمي، يعني مُحَمَّد بْن موسى [2] :
وحول أَبُو جَعْفَر الأسواق/ إِلَى الكرخ وبْناها من ماله بعد مائة سنة وست وخمسين، وخمسة أشهر وعشرين يوما، ثُمَّ بدأ بعد ذلك فِي بْناء قصر الخلد عَلَى شاطئ دجلة بعد شهر وأحد عشر يوما.
قَالَ مُحَمَّد بْن خلف [3] : وأخبرني الحارث بْن أبي أسامة، قَالَ: لما فرغ المنصور من مدينة السلام، وصير الأسواق فِي طاقات مدينته من كل جانب، قدم عليه وفد ملك الروم، فأمر أن يطاف بهم فِي المدينة، ثُمَّ دعاهم فَقَالَ للبطريق: كيف رأيت هَذِهِ المدينة؟ قَالَ: رأيت أمرها كاملا إلا فِي خلة واحدة، قَالَ: وما هي؟ قَالَ: عدوك يخترقها متى شاء وأنت لا تعلم، وأخبارك مبثوثة فِي الآفاق، لا يمكنك سترها، قَالَ:
كيف؟ قَالَ: الأسواق فِيهَا، والأسواق غير ممنوع منها أحد، فيدخل العدو كأنه يريد أن يتسوق، وأما التجار فإنها ترد الآفاق فيتحدثون بأخبارك، قَالَ: فزعموا أن المنصور حينئذ أمر بإخراج الأسواق من المدينة إِلَى الكرخ، وأن يبْني مَا بين الصراة إِلَى نهر عيسى، وولى ذلك مُحَمَّد بْن حبيش الكاتب، ودعا المنصور بثوب واسع فحد فِيهِ [4] الأسواق، ورتب كل صنف منها فِي موضعه، وَقَالَ اجعلوا سوق القصابين فِي آخر الأسواق، فإنهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع، ثُمَّ أمر أن يبْنى لأهل الأسواق مسجد يجتمعون فِيهِ يوم الجمعة لا يدخلون المدينة، ويفرد لهم ذلك، وقلد ذلك رجلا
__________
[1] في الأصل: «فابتغوا» .
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 80.
[3] تاريخ بغداد 8/ 80.
[4] في الأصول: «فخذ فيها» . وما أوردناه من تاريخ بغداد.

(8/194)


يقال لَهُ: الوضاح [بْن شبا] [1] . فبْنى القصر الَّذِي يقال لَهُ قصر الوضاح والمسجد فِيهِ، وسميت الشرقية لأنها فِي شرقي الصراة، ولم يضع المنصور عَلَى الأسواق غلة حَتَّى مات، فلما استخلف المهدي أشار عليه أَبُو عبيد اللَّه بذلك، وأمر فوضع عَلَى الحوانيت الخراج، وولى ذلك سَعِيد الحرسي سنة سبع وستين ومائة.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بن علي] الخطيب، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد المروزي، قال: حدّثنا أَبُو إِسْحَاق مُحَمَّد بْن هارون/ الهاشمي، قَالَ: حدّثنا 88/ ب حميد بْن الصباح، مولى المنصور، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ:
أراد المنصور أن يذرع الكرخ، فَقَالَ لي: احمل الذراع معك، فخرج وخرجت معه ونسيت أن أحمل الذراع، فلما صرنا بباب الشرقية قَالَ لي: أين الذراع؟ فدهشت وقلت: نسيته يا أمير المؤمنين، فضربْني بالمقرعة فشجني وسال الدم عَلَى وجهي، فلما رآني قال: أنت حر لوجه الله.
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ حتى يسيل دَمه فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ» [2] . وَفِيهَا: ولى [3] المنصور جَعْفَر بْن سليمان عَلَى البحرين فلم تتم ولايته، ووجه مكانه سَعِيد بْن دعلج أميرا، فبعث سَعِيد ابْنه تميما.
وَفِيهَا: عرض المنصور جنده فِي السلاح والخيل فِي مجلس اتخذه عَلَى شط دجلة دون قطربُّل، وأمر أَهْل بيته وصحابته يومئذ بلبس السلاح، وخرج هو وَهُوَ لابس درعا وقلنسوة تحت البيضة سوداء لاطئة مضربة.
وَفِيهَا: عقد المنصور الجسر بباب الشعير.
[وَفِيهَا] : [4] عزل مُحَمَّد بْن سليمان الكاتب عَنْ مصر، واستعمل عليها مولى للمنصور.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 8/ 162.
[3] تاريخ الطبري 8/ 52.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/195)


وَفِيهَا: ولى معبد بْن الخليل السند وعزل عنها هِشَام بْن عَمْرو، ومعبد يومئذ بخراسان كتب إِلَيْهِ.
وغزا الصائفة يزيد بْن أسيد السلمي في هذه السنة. وقيل: إنما غزاها زفر بْن عاصم، والله أعلم.
وَفِيهَا: حج بالناس [إِبْرَاهِيم] [1] بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد، وَهُوَ كَانَ عَلَى المدينة، وقيل: إنما كَانَ عَلَى المدينة عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ، وَكَانَ عَلَى مكة والطائف قثم، وعلى الأهواز وفارس عمارة بن حمزة، وعلى كرمان والسند معبد بْن الخليل، وعلى مصر مطر مولى المنصور رحمه اللَّه [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
848- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَمْرو، أَبُو عَمْرو الأوزاعي، [3] :
والأوزاع بطن من همدان، كذلك ذكر مُحَمَّد بْن سعد. وَقَالَ البخاري: الأوزاع قرية بدمشق إذا خرجت من [باب] الفراديس.
ولد سنة ثمان وثمانين، وسكن بيروت، وبها مات.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم، قَالَ: أَخْبَرَنَا حمد، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن حيان، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا عباس بْن الوليد، قَالَ: أخبرني أبي، قَالَ: سمعت الأوزاعي يَقُول:
ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة عَلَى العبد يوم القيامة يوما فيوما وساعة فساعة فلا تمر به ساعة لم يذكر اللَّه فِيهَا إلا تقطعت نفسه عَلَيْهَا حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مَعَ ساعة ويوم مع يوم [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] «رحمه الله» ساقط من ت.
[3] طبقات ابن سعد 7/ 2/ 185.
[4] في الأصل: «ويوم إلى يوم» وما أوردناه من ت.

(8/196)


قَالَ أَبُو نعيم: وحدثنا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سالم الفامي [1] ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن منصور الهروي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عُرْوَة، قَالَ: سمعت يوسف بن موسى القطان يحدث أن الأوزاعي قَالَ:
رأيت رب العزة فِي المنام فَقَالَ لي: يا عَبْد الرَّحْمَنِ، أنت الَّذِي تأمر بالمعروف وتنهى عَنِ المنكر؟ قلت: بفضلك يا رب، فقلت: يا رب أمتني عَلَى الإسلام، فَقَالَ:
وعلى السنة.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بْن أَحْمَد السمرقندي، قال: أخبرنا عبد العزيز بن أَحْمَد الكناني، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن جَعْفَر بْن عَلِيّ الميداني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو بْن فضالة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أنس، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاس بْن الوليد بْن مزيد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيدِ بْن بكار، عَنْ مُحَمَّد بْن شعيب، قَالَ:
جلست إِلَى شيخ فِي المسجد- يعني مسجد دمشق- فَقَالَ: أنا ميت يوم كذا وكذا، فلما كَانَ ذلك اليوم إذا به يَقُول: مَا أخذتم السرير خذوه قبل (أن تسبقوا إِلَيْهِ] [2] ، فقلت: رحمك اللَّه، قَالَ: هو مَا أقول لك، إني رأيت فِي المنام كَانَ طائرا وقع/ على 89/ ب ركن من أركان هَذِهِ القبة، فسمعته يَقُول: فلان قدري، وفلان كذا، وأبو حفص عُثْمَان بْن أبي عاتكة نعم الرجل، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَمْرو الأوزاعي خير من يمشي عَلَى وجه الأرض، وأنا ميت يوم كذا وكذا، قَالَ: فما حان الظهر حَتَّى مات وأخرجت جنازته.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين عَلِيّ بْن الْحَسَن بن محمد بن جميع الغساني بصيداء، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا جدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كريمة عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز الصيدلاوي [3] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه بْن مهرجان البغدادي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد المصري، [4] قَالَ: حَدَّثَنَا [مُحَمَّد] [5] بْن مُصْعَب القرقساني، عَنِ الوليد بْن مسلم، عَنِ الأوزاعي، قَالَ:
أردت بيت المقدس فرافقت يهوديا، فلما صرنا إِلَى طبرية نزل، فاستخرج
__________
[1] في ت: «القاضي» .
[2] في الأصل: «قبل تسبقوا» .
[3] في ت: «الصيداوي» .
[4] في ت: «محمد بن حماد المقري» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل أوردناه من ت.

(8/197)


ضفدعا فشد فِي عنقه خيطا فصار خنزيرا، فَقَالَ: حَتَّى أذهب فأبيعه من هؤلاء النصارى، فذهب فباعه وجاء بطعام ثُمَّ ركبْنا، فما سرنا غير بعيد حَتَّى جاء القوم فِي الطلب، فَقَالَ لي: أحسبه صار فِي أيديهم ضفدعا. قَالَ: فحانت مني التفاتة فإذا بدنه بْناحية ورأسه بْناحية، فوقفت وجاء القوم، فلما نظروا إِلَيْهِ فزعوا من السلطان ورجعوا عنه. قَالَ: فَقَالَ لي الرأس: رجعوا؟ قلت: نعم قَالَ: فالتأم الرأس إِلَى البدن وركب وركبْنا، فقلت: لا أرافقك أبدا، [اذهب عني] [1] .
وقد روى هَذِهِ الحكاية الوليد بْن مسلم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عطية بْن قيس، قَالَ: خرجت أريد بيت المقدس، فذكر نحوه.
849- مُحَمَّد بْن طارق المكيّ:
روى عن طاووس، وروى عنه الثوري. وَكَانَ زاهدا فِي الدنيا كثير التعبد والطواف.
أَخْبَرَنَا المحمدان ابْن ناصر وابْن عَبْد الباقي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حمد بْن أحمد 90/ أالحداد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن مالك، قَالَ: / حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثني شريح بن يونس، قال: حدثنا محمد بن فضيل، قَالَ:
رأيت ابْن طارق فِي الطواف وقد انفرج لَهُ أَهْل الطواف، عليه نعلان مطرفتان فحرزنا طوافه فِي ذلك الزمان فإذا هو يطوف فِي اليوم والليلة عشر فراسخ.
قَالَ أَبُو نعيم: وحدثنا أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال:
حدثنا عَلِيّ بْن الوليد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فضيل، قَالَ: سمعت ابْن شبرمة يَقُول:
لو شئت كنت ككرز فِي تعبده ... أو كابْن طارق حول البيت فِي الحرم [2]
قَدْ حال دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا فِي طلاب الفوز والكرم
قَالَ: وَكَانَ طارق يطوف فِي كل يوم وليلة سبعين أسبوعا. وَكَانَ كرز يختم القرآن فِي كل يوم وليلة ثلاث ختمات.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «حول البيت والحرم» ، وما أوردناه من ت.

(8/198)


ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا غزوة يزيد بْن أسيد السلمي الصائفة [1] . وفتحت الطالقان [2] وطبرستان ونهاوند عَلَى يدي عمر بن العلاء.
ومن الحوادث: [3] توجيه المنصور ابْنه المهدي إِلَى الرقة، وأمره إياه بعزل موسى بْن كَعْب عَنِ الموصل، وتولية [يَحْيَى بْن] [4] خالد بْن برمك عَلَيْهَا.
وسبب ذلك أن المنصور كَانَ ألزم خالد بْن برمك ثلاثة آلاف ألف درهم، ونذر دمه فِيهَا، واجله بها ثلاثة أيام، فَقَالَ خالد لابْنه يَحْيَى: يا بْني، قَدْ أوذيت وطولبت بما ليس عندي وإنما يراد بذلك دمي، فانصرف [إِلَى حرمتك وأهلك فما كنت فاعلا بهم بعد موتي فافعله، ثُمَّ قَالَ: يا بْني] [5] ، لا يمنعنك ذلك [من] أن تلقى إخواننا، وأن تمر بعمارة بْن حمزة وصالح صاحب المصلي ومبارك التركي، فتعلمهم حالنا.
فأتاهم فأخبرهم فمنهم من تجهمه وبعث/ المال سرا، ومنهم من لم يأذن له وبعث 90/ ب بالمال في أثره، واستأذن على عمارة فدخل عليه وهو في صحن داره مقابل بوجهه
__________
[1] في ت: «أنه غزا الصائفة يزيد بن السلمي» .
[2] في الأصل: «وفتح الطالقان» وما أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 54.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/199)


الحائط، فلما انصرف إليه بوجهه وسلم عليه فرد عليه ردا ضعيفا وَقَالَ: يا بْني، كيف أبوك؟ قَالَ [1] : بخير، يقرأ عليك السلام ويعلمك بما قَدْ لزمه من الغرم، ويستسلفك مائة ألف درهم، فما رد عليه قليلا ولا كثيرا، وَقَالَ: إن أمكنني شيء فسيأتيك، فانصرف وَهُوَ يَقُول: لعن اللَّه كل شيء يأتي من تيهك وكبرك. ورجع إِلَى أبيه وأعلمه بالخبر، فإذا رَسُول عمارة قَدْ طلع بالمائة ألف، فجمعوا فِي يومين ألفي ألف وسبع مائة ألف، فورد على المنصور [2] : انتقاض الموصل وانتشار الأكراد، فَقَالَ المنصور: من لها؟ فَقَالَ له المسيب: ما رميتها بمثل خالد، قال: ويحك، فيصلح لنا بعد ما أتينا إِلَيْهِ مَا أتينا؟ قَالَ:
إنما كَانَ ذلك تقويما لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وأنا ضامن عليه، قَالَ: فليحضر غدا، فأحضر فصفح له عن الثلاثمائة ألف وعقد له [3] . فلم يزل خالد عَلَى [الموصل إِلَى] [4] أن تُوُفِّيَ المنصور، ويحيى عَلَى أذربيجان، وَكَانَ المنصور معجبا بيحيى، وَكَانَ يَقُول: ولد الناس أبْناء وولد خالد آباء.
وروى الجاحظ عَنْ ثمامة قَالَ: كَانَ أصحابْنا يقولون: لم يكن يرى لجليس خالد بن برمك دارا إلا وخالد قَدْ بْناها، ولا ضيعة إلا وَهُوَ اشتراها، ولا ولدا إلا وَهُوَ اشترى أمه إن كانت أمه، أو أمهرها إن كانت حرة، ولا دابة إلا وهي من حملانه.
وَكَانَ خالد أول من سمى أَهْل الاستماحة والاسترفاد الزوار، فَقَالَ بعض من قصده:
حذا خالد فِي جوده حذو برمك ... فمجد لَهُ مستطرف وثليل
وَكَانَ بْنو الإعدام يدعون قبله ... بنبر على الإعدام فيه دليل
91/ أ/ يسمون بالسؤال فِي كل موطن ... وإن كَانَ فيهم نابه وجليل
فسماهم الزوار سترا عليهم ... وأستاره فِي المحتدين سدول
وفي هذه السنة [5] : نزل المنصور قصره الَّذِي يعرف بالخلد عَلَى دجلة، وإنما
__________
[1] في الأصول: «قلت» خطأ.
[2] في الأصل: «فورد على الموصل» ، وما أوردناه من ت.
[3] في ت: «إنما قومته بذلك فلم يزل خالد» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[5] تاريخ الطبري 8/ 56.

(8/200)


سماه الخلد تشبيها لَهُ بجنة الخلد، وَقَالَ: إنما ابتنيته لأنظر إِلَى الماء فإنه يجلو البصر.
وَكَانَ موضعه وراء باب خراسان، وقد اندرس فلا عين [لَهُ] ولا أثر.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ [بْنِ ثَابِتٍ] [1] ، قَالَ: أخبرنا علي بن محمد المعدل، قال: أخبرنا ابن صفوان، قال: أخبرنا أبو بكر القرشي، قال: حَدَّثَنِي ابْن جهور، قَالَ: [2] مررت مَعَ عَلِيّ بْن [أبي] [3] هاشم الْكَوفِيّ بالخلد، فنظر إِلَى الآثار فوقف متأملا وقال:
بنوا وقالوا لا نموت ... وللخراب بْنى المبْني
مَا عاقل فيما رأيت ... إِلَى الحياة بمطمئن
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُثْمَان بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن البراء، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن أبي مريم، قَالَ [4] :
مررت بسويقة عَبْد الوهاب وقد خربت منازلها وعلى جدار منها مكتوب:
هذي منازل أقوام عهدتهم ... فِي رغد عيش رغيب ماله خطر
صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا ... إِلَى القبور فلا عين ولا أثر
وفي هذه السنة: [5] سخط المنصور عَلَى المسيب بْن زهير، وعزله عَنِ الشرطة وأمر بحبسه وتقييده. وذلك أنه قتل أبان بْن بشير الكاتب بالسياط لأمر وجد عليه فِيهِ، ثُمَّ كلمه فِيهِ المهدي فأعاده. [6] وَفِيهَا: وجه المنصور نصر بْن حرب التَّمِيمِيّ واليا عَلَى ثغر فارس.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 93.
[3] ما بين المعقوفتين: من تاريخ بغداد.
[4] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 86.
[5] تاريخ الطبري 8/ 56.
[6] تاريخ الطبري 8/ 57.

(8/201)


وَفِيهَا: سقط المنصور عَنْ/ دابته بجرجرايا فانشج مَا بين حاجبيه. وَكَانَ قَدْ خرج مشيعا ولده المهدي لما مضى إِلَى الرقة.
وَفِيهَا: عاد المهدي من الرقة إِلَى بغداد فدخلها فِي شهر رَمَضَان.
وَفِيهَا: أمر المنصور بمرمة القصر الأبيض الَّذِي كَانَ كسرى بْناه، وأمر أن يغرم كل من وجد فِي داره شيء من الآجر الخسرواني، قَالَ: هَذَا فيء المسلمين، فلم يتم ذلك ولا مَا أمر به من مرمة القصر.
وَفِيهَا: غزا الصائفة معيوف بْن يَحْيَى [1] ، فلقي العدو فاقتتلوا وتحاجزوا.
وَفِيهَا: حبس مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَهُوَ أمير مكة- بأمر المنصور- ابْن جريج، وعباد بْن كثير، والثوري، ثُمَّ أطلقهم من الحبس بغير أمر أبي جَعْفَر، فغضب أَبُو جَعْفَر عليه.
وروى عُمَر بْن شبة أن مُحَمَّد بْن عمران مولى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم حدثه عَنْ أبيه، قَالَ: كتب المنصور إِلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد وَهُوَ أمير عَلَى مكة يأمره بحبس رجل من آل [علي بن] [2] أبي طالب بمكة، وبحبس ابْن جريج وعباد بْن كثير، والثوري. فحبسهم، وَكَانَ لَهُ سمار يسامرونه بالليل، فلما كَانَ [3] وقت سمره جلس وأكب عَلَى الأرض ينظر إليها ولم ينطق بحرف حَتَّى تفرقوا، فدنوت منه فقلت: مَا لك؟
فقال: عمدت إلى ذي رحم فحبسه وإلى عيون من عيون الناس فحبستهم وما أدري مَا يكون، لعله يأمر بهم فيقتلون فيشتد سلطانه ويهلك ديني. قال: قلت: فتصنع ماذا؟
قَالَ: أؤثر اللَّه وأطلق القوم، اذهب إِلَى إبلي فخذ راحلة وخذ خمسين دينارا فأت بها الطالبي وأقرئه السلام وقل لَهُ إن ابْن عمك يسألك أن تحله من ترويعه إياك، وتركب هَذِهِ الراحلة وتأخذ هَذِهِ النفقة، قَالَ: فلما أحس بي جعل يتعوذ باللَّه من شري، فلما بلغته قَالَ: هو فِي حل، ولا حاجة لي إِلَى الراحلة والنفقة، قَالَ: فقلت: فإن أطيب لنفسه أن تأخذ. قال: ففعل.
__________
[1] في الأصول: «معروف بن يحيى» وما أوردناه من الطبري 8/ 57.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] «فلما كان» تكررت في الأصل.

(8/202)


قَالَ: ثُمَّ جئت ابْن جريج وإلى سفيان وعباد بْن كثير، / فأبلغتهم مَا قَالَ، فقالوا:
هو فِي حل، فقلت: يَقُول لكم: لا يظهرن أحد منكم مَا دام المنصور بمكة مقيما. قَالَ:
فلما قرب المنصور وجهني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بألطاف، فلما أخبر المنصور أن رَسُول مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم قدم، أمر بالإبل فضربت وجوهها، فلما صار إِلَى بئر ميمون لقيه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فأمر بدوابه فضربت [1] وجوهها، فكان يسير ناحية وعدل بأبي جَعْفَر عَنِ الطريق فِي الشق الأيسر فأنيخ به ومحمد واقف قبالته ومعه طبيب لَهُ، فلما ركب أَبُو جَعْفَر وسار وعديله الربيع، أمر مُحَمَّد الطبيب فمضى إِلَى موضع مناخ أبي جَعْفَر فرأى نجوه، فَقَالَ لمحمد: رأيت نجو رجل لا تطول به الحياة، فلما دخل مكة لم يلبث أن مات وسلم مُحَمَّد.
وفي هذه السنة: شخص أَبُو جَعْفَر من مدينة السلام متوجها إِلَى مكة وذلك فِي شوال، فنزل قصر عَبْدَوَيْهِ، فانقض فِي مقامه هُنَاكَ كوكب لثلاث بقين من شوال بعد إضاءة الفجر، فبقي أثره بينا [2] إِلَى طلوع الشمس، وَكَانَ المهدي معه [وَهُوَ] [3] يوصيه بالمال، والسلطان يفعل ذلك كل يوم من أيام مقامه لا يفتر [4] ، وَقَالَ لَهُ [5] : إني سائر وإني غير راجع، فإنا للَّه وإنا إِلَيْهِ راجعون، فاسأل اللَّه بركة مَا أقدم عليه، وهذا كتاب وصيتي مختوما، فإذا بلغك أني قَدْ مت فانظر فِيهِ. وعلي دين فأحب أن تقضيه وهو ثلاثمائة ألف ونيف، فلست أستحلها من بيت مال المسلمين، فاضمنها عني، وإني ولدت [6] فِي ذي الحجة، ووليت فِي ذي الحجة وقد هجس في نفسي أني أموت فِي ذي الحجة من هَذِهِ السنة، وهذا الَّذِي حداني عَلَى الحج، فاتق اللَّه، وإياك والدم الحرام، وافتتح عملك بصلة الأرحام، وإياك والتبذير.
فلما كَانَ فِي [7] اليوم الَّذِي أراد أن يرتحل فِيهِ دعى المهدي فَقَالَ لَهُ: إني لم أدع
__________
[1] في الأصل: «فضرب» وما أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «أبينا» وما أوردناه من ت والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] تاريخ الطبري 8/ 103.
[5] تاريخ الطبري 8/ 104.
[6] تاريخ الطبري 8/ 105.
[7] تاريخ الطبري 8/ 103.

(8/203)


شيئا إلا تقدمت إليك فِيهِ، وسأوصيك بخصال والله مَا أظنك تفعل واحدة منها، وَكَانَ لَهُ 92/ ب سفط فِيهِ دفاتر، فكان لا يأمن/ عَلَى فتحه أحدا، فَقَالَ: انظر هَذَا السفط فاحتفظ به، فإن فِيهِ علم آبائك، وانظر هَذِهِ المدينة وإياك أن تستبدل بها فإنها مدينتك وعزك، وقد جمعت [1] لك فيها من الأموال مَا لم يجمعه خليفة قبلي، فإن حبس عنك الخراج عشر سنين كَانَ عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات وعطاء الذرية ومصلحة الثغور، فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا مَا دام بيت مالك عامر [2] ، وما أظنك تفعل.
وأوصيك بأهل بيتك أن تظهر كرامتهم، والإحسان إليهم، وتوليهم المنابر، وتعطي النّاس أعقابهم، فإن عزهم عزك وذلهم ذلك، وانظر مواليك فأحسن إليهم وقربهم، واستكثر منهم، وإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك. وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم دونك أن تحسن إليهم، وتتجاوز عَنْ مسيئهم، وتخلف من مات منهم فِي أهله وولده، وإياك أن تبْني مدينة شرقية فإنك لا تتم بْناءها، وإياك أن تدخل النساء فِي مشورتك وأمرك.
ثُمَّ مضى المنصور إِلَى الكوفة فنزل الرصافة، ثُمَّ خرج منها فأهل بالحج والعمرة، وساق معه الهدي وأشعره وقلده لأيام خلت من ذي القعدة، فلما سار منازل من الكوفة عرض له وجعه الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا ابن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن سهل بْن عسكر يَقُول:
بعث أَبُو جَعْفَر الخشابين حين خرج إِلَى مكة، فَقَالَ: إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه، قَالَ: فجاء النجارون ونصبوا الخشب ونودي سفيان، وإذا رأسه فِي حجر الفضيل ورجلاه في حجر ابن عيينة. قَالَ: فقالوا لَهُ: يا عَبْد اللَّه، اتّق الله ولا تشمت بنا 93/ أالأعداء. قَالَ: فتقدم إِلَى/ الأستار فأخذها ثُمَّ قَالَ: برئت منه إن دخلها أَبُو جَعْفَر. قَالَ:
فمات قبل أن يدخلها- يعني مكة- فأخبر بذلك سفيان فلم يقل شيئا.
وفي هذه السنة: تُوُفِّيَ المنصور، وبويع لولده المهدي.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 106.
[2] في الأصل: «ما دام مالك بيته عامر» وما أوردناه من ت والطبري.

(8/204)


باب ذكر خلافة المهدي
واسمه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، ويكنى أبا عَبْد اللَّه، ولد بأيذج [1] سنة سبع وعشرين ومائة، وأمه أم موسى بْنت منصور الحميرية، وَكَانَ أبيض- وقيل: أسمر- طويلا [2] جعدا، وبعينه اليمنى نكتة بياض. قيل: كَانَ ذلك باليسرى.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد [3] ، قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الرَّزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ- يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ- عَنِ الْمِنْهَالِ- يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: [4] مِنِّا الْمَنْصُورُ وَمِنَّا السَّفَّاحُ وَمِنَّا الْمَهْدِيُّ.
وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا. وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاتِمٍ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قال: حدّثنا سفيان
__________
[1] في الأصول: «ولد بأيذرج» وما أوردناه من الطبري 8/ 171.
[2] في الأصل: «وكان طويلا جعدا وقيل أسمر» وما أوردناه من ت.
[3] في الأصل: «عبد الوهاب بن محمد» ، وما أوردناه من ت.
[4] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 391، وراجع أيضا 1/ 63، 64.

(8/205)


وزائدة، عن عاصم ابن أَبِي وَائِلٍ [1] ، [عَنْ زِرٍّ] [2] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [3] : «الْمَهْدِيُّ يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» . وَكَانَ للمهدي من الولد: موسى، وهارون، والياقوتة، وأمهم الخيزران أم ولده.
وعلي، وعبيد اللَّه، وأمهما ريطة بْنت أبي الْعَبَّاس السفاح وعباسة وإبراهيم لأم ولد.
وَكَانَ المنصور أراد أن يولي ابْنه صالح بعد المهدي، فَقَالَ لَهُ المهدي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا تحملني عَلَى قطيعة الرحم فإن كَانَ لا بد لك من إدخال آخر فِي هَذَا الأمر 93/ ب فوله/ قبلي، فإن الأمر إذا صار إلي أحببت ألا يخرج عَنْ ولدي.
ذكر صفة العقد الَّذِي عقد للمهدي بالخلافة
روى عَلِيّ بْن مُحَمَّد النوفلي، عَنْ أبيه، قَالَ [4] : خرجت فِي السنة الَّتِي مات فِيهَا أَبُو جَعْفَر من طريق البصرة، وَكَانَ أَبُو جَعْفَر قَدْ خرج عَلَى طريق الكوفة، فلقيته بذات عرق [5] ، فسرت معه، فلما صار ببئر ميمون نزل بها ودخلنا مكة، فقضيت عمرتي ثُمَّ كنت أختلف إِلَى مضربه فأقيم فيه إلى قرب الزوال ثُمَّ أنصرف.
وأقبلت علته تزداد، فلما كانت الليلة الَّتِي مات فِيهَا ولم نعلم صليت الصبح فِي المسجد الحرام مَعَ طلوع الفجر، ثُمَّ ركبت وأنا أساير مُحَمَّد بْن عون الحارثي، فلقينا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد، ومحمد بْن سليمان فِي خيل ورجال يدخلان مكة فَقَالَ لي مُحَمَّد بْن عون: مَا ترى هذين ودخولهما مكة، قلت: أحسب الرجل قد مات، فأرادا أن يحصنا مكة، فكان ذلك كذلك، فبينا نحن نسير إذا رجل يخفي صوته فِي طريق ونحن بعد فِي غلس قَدْ جاء، فدخل بين أعناق دابتينا، ثُمَّ أقبل علينا فَقَالَ: والله مات الرجل ثُمَّ خفي عنا، فمضينا حتى دخلنا العسكر، فدخلنا إِلَى السرادق فسمعنا همسا من بكاء، فَقَالَ لي الْحَسَن بْن زائدة: أتراه قَدْ مات؟ فقلت: لعله ثقل أو أصابته غشية، فما راعنا إلا بأبي العنبر الخادم الأسود خادم المنصور قد خرج علينا مشقوق الأقبية، من بين يديه ومن
__________
[1] في الأصل: «عن عاصم، عن أبي وائل» . وما أوردناه من ت وبغداد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من بغداد.
[3] الخبر في تاريخ بغداد.
[4] الخبر في تاريخ الطبري 8/ 110.
[5] في الأصول: «في ذات عرق» .

(8/206)


خلفه وعلى رأسه التراب، فصاح: وا أمير المؤمنيناه. ثُمَّ خرج الربيع وفي يده قرطاس فقرأه:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله المنصور أمير المؤمنين إِلَى من يخلف بعده من بْني هاشم وشيعته من أَهْل خراسان وعامة المسلمين- ثُمَّ ألقى القرطاس من يده وبكى وبكى النّاس. فأخذ القرطاس وَقَالَ: قَدْ أمكنكم البكاء ولكن هَذَا عهد أمير لا بد من أن أقرأه عليكم فأنصتوا رحمكم اللَّه، فسكت الناس ثُمَّ رجع إِلَى القراءة- أما بعد، فإني كتبت كتابي هذا/ وأنا فِي آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ من أيام الآخرة، وأنا أقرأ عليكم السلام، وأسأل اللَّه ألا يفتنكم ولا يلبسكم [شيعا] [1] ، ولا يذيق بعضكم بأس بعض، يا بْني هاشم ويا أَهْل خراسان، ثُمَّ أخذ فِي وصيتهم بالمهدي وإذكارهم البيعة له وحضهم على القيام بدولته والوفاء بعهده إِلَى آخر الكتاب.
وَكَانَ ذلك شيء قَدْ وضعه الربيع ثُمَّ نظر فِي وجوه الهاشميين [2] ، وتناول الْحَسَن بْن زيد، فَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد، قم فبايع، فقام الْحَسَن وانتهى به الربيع إِلَى [موسى بْن المهدي فأجلسه بين يديه، فتناول الْحَسَن] [3] يد موسى فبايعه للمهدي، ثُمَّ جاء الربيع إِلَى مُحَمَّد بْن عون، فأنهضه فبايع وبايع الناس، ثُمَّ قَالَ للهاشميين: انهضوا، فنهضوا فدخلوا فإذا المنصور عَلَى سريره فِي أكفانه مكشوف الوجه، فحملناه حَتَّى أتينا به مكة ثلاثة أميال، فكأني أنظر إِلَيْهِ حين أدنو من قائمة سريره حَتَّى أحمله والريح تطير شعر صدغيه، وَكَانَ قَدْ وفر شعره للحلاق، وقد نصل خضابه حَتَّى أتينا به حفرته فدليناه فِيهَا.
وبعث موسى بْن المهدي والربيع مولى المنصور منارة البربري مولى المنصور بخبر وفاة المنصور وبالبيعة للمهدي، وبعثا بعده بقضيب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبردته الَّتِي يتوارثها الخلفاء مَعَ الْحَسَن السروي، وبعث أَبُو الْعَبَّاس الطوسي بخاتم الخلافة مع منارة أيضا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[2] في الأصل: «بني هاشم» وصححت على الهامش.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.

(8/207)


وفي رواية عَنِ الربيع، أنه قَالَ [1] : رأى المنصور فِي طريق الحج رؤيا ففزع منها وَقَالَ:
يا ربيع مَا أحسبْني إلا ميتا فِي وجهي هَذَا [وأنك تؤكد البيعة للمهدي] [2] . وثقل وَهُوَ يَقُول: بادر بي إِلَى حرم اللَّه وأمنه [يأمن ذنوبي وإسرافي عَلَى نفسي] [3] ، فلما وصل إِلَى بئر ميمون قلت: قَدْ دخلت الحرم، فَقَالَ: الحمد للَّه وقضى من يومه.
وَقَالَ الربيع: وأمرت بالخيم فضربت، وبالفساطيط فهيئت، وعمدت إِلَى أمير المؤمنين فألبسته الطويلة والدراعة وأسندته وألقيت عَلَى وجهه كله [رقيقة] [4] يرى منها شخصه ولا يفهم أمره، ثُمَّ دخلت فوقفت بالموضع الَّذِي أوهمهم أنه يخاطبْني ثم 94/ ب خرجت، فقلت: إن أمير المؤمنين مفيق بمن اللَّه، وَهُوَ/ يقرأ عليكم السلام ويقول:
إني أحب أن يؤكد اللَّه أمركم، ويكبت عدوكم ويسر وليكم وقد أحببت أن تجددوا البيعة لأبي عَبْد اللَّه المهدي كيلا يطمع فيكم عدو ولا باغ، فَقَالَ القوم كلهم: وفق اللَّه أمير المؤمنين، نحن إِلَى ذلك أسرع، فدخل فوقف ثُمَّ رجع إليهم، فَقَالَ: هلم للبيعة، فبايع القوم كلهم ثُمَّ دخل، وخرج باكيا مشقوق الجيب لاطما عَلَى رأسه، فَقَالَ بعض من حضر: ويلي عَلَيْك يا ابْن الشاة- يريد الربيع- كانت أمه ماتت وَهُوَ رضيع فأرضع عَلَى شاة.
وحفر للمنصور مائة قبر لئلا يعرف موضع قبره، ودفن في غيرها للخوف، عليه، وبويع للمهدي بمكة صبيحة الليلة الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا المنصور.
قَالَ أَبُو بكر الصولي: وَكَانَ الربيع بْن أنس وزير المنصور، فلما تُوُفِّيَ أخذ البيعة للمهدي، فشكر لَهُ المهدي ذلك إلا أنه لم يوله الوزارة لغلبة أبي عبيدة معاوية بْن عَبْد اللَّه عليه، فولى أبا عبيدة الوزارة، والربيع الحجبة، ثُمَّ وزر لَهُ يعقوب بْن داود، ثُمَّ الفيض بْن أبي صالح.
وبعثوا منارة فوصل يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، فكتم الخبر يومين، ثُمَّ خطب المهدي يوم الخميس ونعى إليهم المنصور، وَقَالَ: إن أمير المؤمنين عبد الله
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 8/ 113.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل أوردناه من ت.

(8/208)


دعي فأجاب، وأغر ورقت عيناه فَقَالَ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيما وقلدت جسيما، وعند اللَّه أحتسب أمير المؤمنين، وبه عز وجل أستعين عَلَى خلافة المسلمين، ثُمَّ بايعه الناس.
وحكى أَبُو بكر الصولي أنه لما جلس المهدي للتعزية والتهنئة دخل عليه أَبُو دلامة فأنشده [1] :
عينان واحدة ترى مسرورة ... بإمامها جذلى وأخرى تذرف [2]
تبكي وتضحك مرة ويسوءها ... مَا أنكرت ويسرها ما تعرف
/ فيسوؤها موت الخليفة محرما ... ويسرها أن قام هَذَا الأرأف [3]
95/ أفكان أول من وصله.
وفي هذه السنة: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، وَكَانَ المنصور أوصى بذلك، وَكَانَ هو العامل عَلَى مكة والطائف، وعلى المدينة عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ، وعلى الكوفة عَمْرو بْن زهير الضبي، وقيل: كَانَ العامل عَلَيْهَا إِسْمَاعِيل بْن أبي إِسْمَاعِيل الثقفي، وعلى قضائها شريك بْن عَبْد اللَّه النخعي وضمت إِلَيْهِ بغداد. وقيل: كَانَ القاضي عَلَى بغداد يوم مات المنصور عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن صفوان الجمحي، وَكَانَ عَلَى خراج الكوفة ثَابِت بْن موسى، وعلى خراسان حميد بْن قحطبة، وَكَانَ عَلَى ديوان الخراج بالبصرة وأرضها عمارة بْن حمزة، وعلى قضائها والصلاة عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن العنبري، وعلى أحداثها سَعِيد بْن دعلج، وعلى الشرط ببغداد عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ أخو عَبْد الْجَبَّارِ، وقيل: موسى بْن كعب.
وَفِيهَا: أصاب الناس وباء شديد.
وَفِيهَا: هلك طاغية الروم.
ذكر طرف من أخبار المهدي وسيرته [4]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 392.
[2] في الأصول: «وأخرى تطرف» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[3] في الأصل: «الأروق» وما أوردناه من ت، وبغداد.
[4] تاريخ بغداد 5/ 391، وما بعدها.

(8/209)


أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن عَبْد العزيز الظاهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عبيد اللَّه بْن المغيرة الجوهري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيد الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرِ بْن بكار، قال:
أخبرني يونس بن عَبْد اللَّه الخياط، قَالَ [1] :
دخل ابْن الخياط المكي عَلَى المهدي وقد مدحه، فأمر لَهُ بخمسين ألف درهم، فلما قبضها فرقها عَلَى الناس وَقَالَ:
أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي
فلا أنا منه مَا أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فبددت مَا عندي
فنمي إِلَى المهدي فأعطاه بكل درهم دينارا.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرحمن، قال: أخبرنا/ أحمد بن علي، قال: أخبرنا سلامة [2] بن الحسين المقرئ، قال: أخبرنا عَلِيّ بْن عُمَر الخياط، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أبي سعيد، قَالَ: حَدَّثَنَا هارون بْن ميمون الخزاعي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حزمة الباذغيسي، قَالَ: قَالَ المهدي [3] :
مَا توسل أحد بوسيلة ولا تذرع بذريعة هي أقرب إلي وأحب من أن يذكرني [4] يدا سلفت مني [إليه] [5] أتبعها أختها وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع [شكر] [6] الأوائل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا محمد بن عبد الواحد بْن مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن خلف بْن المرزبان [7] ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنِي بعض أَهْل الأدب عَنْ حسن الوصيف، قَالَ [8] .
__________
[1] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 393.
[2] في الأصل: «سليمان» ، وما أوردناه من ت وتاريخ بغداد.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 394.
[4] في الأصل: «من أن أذكر في» وما أوردناه من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه، من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[7] في الأصل: «المرزباني» وما أوردناه من ت.
[8] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 394.

(8/210)


قعد المهدي قعودا عاما للناس، فدخل رجل فِي يده نعل فِي منديل، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ نعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أهديتها لك، فَقَالَ: هاتها، فدفعها إليه، فقلب باطنها ووضعها عَلَى عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم، فلما أخذها وانصرف قَالَ لجلسائه: أترون إني لم أعلم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لم يرها فضلا عن أن يكون لبسها، ولو كذبْناه لقال للناس: أتيت أمير المؤمنين بْنعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها علي وَكَانَ من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره، إذ كَانَ من شأن العامة الميل إِلَى أشكالها، والنصرة للضعيف عَلَى القوي، فاشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله، ورأينا الَّذِي فعلناه أنجح وأرجح.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي، قال: أخبرني الحسن بن محمد الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْقَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، قال: حدّثنا الحسن بن عَلِيٌّ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن سُلَيْمَانَ بْن عَلِيّ [1] ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي فَائِقَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّه، قَالَتْ [2] :
بَيْنَا أَنَا يَوْمًا عِنْدَ الْمَهْدِيِّ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مُتَنَزِّهًا إِلَى الأَنْبَارِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الرَّبِيعُ وَمَعَهُ قِطْعَةٌ/ مِنْ جِرَابٍ فِيهِ كِتَابٌ بِرَمَادٍ وَخَاتِمٍ مِنْ طِينٍ قَدْ عُجِنَ بالرماد، وهو مطبوع بخاتم 96/ أالخلافة، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ هَذِهِ الرُّقْعَةِ، جَاءَنِي بِهَا رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ وهو يُنَادِي: هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ، دُلُّونِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُسَمَّى الرَّبِيعُ فَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْهِ- أَعْنِي هَذِهِ الرُّقْعَةَ. فَأَخَذَهَا الْمَهْدِيُّ وَضَحِكَ وَقَالَ: صَدَقَ هَذَا خَطِّي وَهَذَا خَاتَمِي، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْقِصَّةِ؟ قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأْيُكَ أَعْلَى [عَيْنًا] [3] فِي ذَلِكَ.
قَالَ: خَرَجْتُ أَمْسَ إِلَى الصَّيْدِ فِي غبِّ سَمَاءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ هَاجَ عَلَيْنَا ضَبَابٌ شَدِيدٌ وفقدت أصحابي حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَصَابَنِي مِنَ الْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَا اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ، وَتَحَيَّرْتُ عِنْدَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ دُعَاءً سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلا حَوْلَ
__________
[1] «ابن علي» ساقط من ت.
[2] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 396، 397.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من تاريخ بغداد.

(8/211)


وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه [اعْتَصَمْتُ باللَّه وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه] [1] الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وُفيَ وَكُفِيَ وَشُفِيَ مِنَ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَمَيْتَةِ السُّوءِ» . فَلَمَّا قُلْتُهَا دفع لي ضوء نار فَقَصَدْتُهَا، فَإِذَا بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ فِي خَيْمَةٍ لَهُ، وَإِذَا هُوَ يُوقِدُ نَارًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ:
أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ هَلْ مِنْ ضِيَافَةٍ؟ قَالَ: انْزِلْ، فَنَزَلْتُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: هَاتِي ذَاكَ الشَّعِيرَ، فَأَتَتْهُ به، فقال: اطحنيه، فَابْتَدَأْتُ بِطَحْنِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْقِنِي مَاءً، فَجَاءَ بِسِقَاءٍ فِيهِ مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ أَكْثَرُهُ مَاءٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهَا شَرْبَةً مَا شَرِبْتُ قَطُّ شَيْئًا إِلا وَهُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ، قَالَ:
فَأَعْطَانِي حِلْسًا لَهُ فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَيْهِ، فَنِمْتُ نَوْمَةً مَا نِمْتُ [نَوْمَةً] [2] أَطْيَبَ مِنْهَا وَأَلَذَّ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَثَبَ إِلَى شُوَيْهَةٍ فَذَبَحَهَا، وَإِذَا امْرَأَتُهُ تَقُولُ لَهُ: وَيْحَكَ قَتَلْتَ نَفْسَكَ وَصِبْيَتَكَ إِنَّمَا كَانَ مَعَاشُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فذبحتها فَبِأَيِّ شَيْءٍ نَعِيشُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لا عَلَيْك هات الشاة، فشققت جوفها واستخرجت كبدها بسكين في خفي فشرحتها ثم 96/ ب طَرَحْتُهَا عَلَى النَّارِ فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ أَكْتُبُ لَكَ فِيهِ؟ فَجَاءَنِي بِهَذِهِ/ الْقِطْعَةِ وَأَخَذْتُ عُودًا مِنَ الرَّمَادِ الَّذِي كَانَ بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب وختمته بِهَذَا الْخَاتَمِ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَجِيءَ وَيَسْأَلَ عَنِ الربيع فيدفعها إليه فإذا في الرقعة خمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، لا أَنْقُصُ وَاللَّهِ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ لْمَ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَهَا احْمِلُوهَا مَعَهُ.
فَمَا كَانَ إِلا قَلِيلا حَتَّى تَكَثَّرَتْ [3] إِبِلُهُ وَشَاؤُهُ، وَصَارَ مَنْزَلا مِنَ الْمَنَازِلِ تَنْزِلُهُ النَّاسُ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنَ الأَنْبَارِ إِلَى مَكَّةَ، وَسُمِّيَ مُضِيفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ المهدي.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ [4] :
وخرج المهدي يوما إِلَى الصيد فانقطع عَنْ خاصته، فدفع إِلَى أعرابي وَهُوَ يريد البول، فَقَالَ: يا أعرابي، احفظ علي فرسي حَتَّى أبول، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من هامش ت. وفي تاريخ بغداد: «بسم الله وباللَّه وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه، اعْتَصَمْتُ باللَّه وتوكلت على الله، حسبي اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه العلي العظيم» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصول، أوردناه من بغداد.
[3] في ت: «فما كان قليلا إلا تكترث إبله» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 398.

(8/212)


المهدي ودفع الفرس إِلَيْهِ فأقبل الأعرابي عَلَى السرج يقتلع حليته، ففطن المهدي وقد أخذ حاجته فقدم إِلَيْهِ فرسه، وجاءت الخيل نحوه فأحاطت به ونذر بها الأعرابي فولى هاربا فأمر برده وخاف أن يكون فطن [1] به، فَقَالَ: خذوا مَا أخذنا منكم ودعونا نذهب إِلَى حرق اللَّه وناره، فَقَالَ المهدي: لا بأس عَلَيْك، فَقَالَ: مَا تشاء جعلني اللَّه فداء فرسك، فضحك من حضره وقالوا: ويلك هل رأيت إنسانا قَدْ قَالَ هَذَا؟
قَالَ: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني اللَّه فداك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أو هَذَا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم، قَالَ: والله لئن أرضاه هَذَا مني فَمَا يرضيني ذاك فِيهِ، ولكن جعل [اللَّه] جبريل وميكائيل فداءه، وجعلني فداءهما. فضحك المهدي واستطابه وأمر لَهُ بعشرة آلاف درهم.
قَالَ ابْن [2] عرفة: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيساباذ [3] ركب في جماعة يسيرة لينظر فدخله مفاجأة وأخرج من كَانَ هُنَاكَ من الناس، وبقي رجلان خفيا عَنْ أبصار/ الأعوان، فرأى المهدي أحدهما وَهُوَ دهش مَا يعقل، فقال: من أنت؟ فقال: 97/ أأنا أنا أنا، قَالَ: ويحك من أنت؟ قَالَ: لا أدري، قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا لا، قَالَ:
أخرجوه أخرج اللَّه نفسه، فدفع فِي قفاه. فلما خرج قَالَ لغلام لَهُ: اتبعه من حيث لا يعلم فسل عَنْ أمره [ومهنته] [4] فإنّي إخاله حائكا، فخرج الغلام يقفوه. ثُمَّ رأى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط، قَالَ: فما جاء بك إلى ها هنا؟ قَالَ: جئت لأنظر إِلَى هَذَا البْناء الْحَسَن فأتمتع بالنظر إِلَيْهِ وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة وتمام النعمة ونماء العز والسلامة، قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم، خطبت ابْنة عمي فردني [أبوها] وَقَالَ: لا مال لك والناس يرغبون فِي الأموال، وأنا بها مشغوف ولها وامق. قَالَ: قَدْ أمرت لك بخمسين ألف درهم، قَالَ: جعلني اللَّه فداك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وصلت فأجزلت الصلة، ومننت فأعظمت المنة فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به عَلَيْك وأمتع رعيتك بك: فأمر
__________
[1] كذا في الأصل، وفي ت، وتاريخ بغداد: «أن يكون غمز به» .
[2] تاريخ بغداد 5/ 398.
[3] عيساباذ: محلة كانت شرق بغداد منسوبة إلى عيسى بن المهدي، وباذ معناه: العمارة.
[4] ما بين المعقوفتين: من ت.

(8/213)


أن تعجل صلته، ووجه بعض خاصته وَقَالَ: سل عَنْ مهنته [1] فإني أخاله كاتبا، فرجع الرسولان معا، فَقَالَ الأول: وجدت الأول حائكا، وَقَالَ الآخر: وجدت الرجل كاتبا، فَقَالَ المهدي: لم تخف علي مخاطبة الكاتب والحائك.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد [بن علي] [2] الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مخلد الوراق، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن محمد بن عمران، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: قَالَ عَمْرو بْن أبي عَمْرو الأعجمي:
اعترضت امرأة للمهدي فقالت: يا عصبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انظر فِي حاجتي، فَقَالَ المهدي: مَا سمعتها من أحد قبلها، اقضوا حاجتها وأعطوها عشرة آلاف [درهم] [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: حَدَّثَنَا سهل بْن أَحْمَد الديباجي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خليفة، قَالَ: حَدَّثَنَا رفيع بْن سلمة، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: [4] كَانَ المهدي يصلي بْنا الصلوات فِي المسجد الجامع/ بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوما، فَقَالَ أعرابي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لست عَلَى طهر وقد رغبت إِلَى اللَّه فِي الصلاة خلفك فأمر هؤلاء ينتظروني، فَقَالَ: انتظروه رحمكم اللَّه، ودخل المحراب ووقف إِلَى أن قيل لَهُ: قَدْ جاء الرجل، فكبر فتعجب الناس من سماحة أخلاقه.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ [5] ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الهاشمي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن البختري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن فرقد مولى المهدي، قَالَ [6] :
هاجت ريح زمن المهدي، فدخل المهدي بيتا فِي جوف بيت وألزق خده بالتراب
__________
[1] في الأصل: «عن حاله» ، وما أوردناه، من ت، وتاريخ بغداد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 399.
[4] ما بين المعقوفتين: من تاريخ بغداد.
[5] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 400.
[6] الخبر في تاريخ بغداد 5/ 400.

(8/214)


ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ إنه بريء من هَذِهِ الجناية، كل هَذَا الخلق غيري فإن كنت المطلوب من بين خلقك فها أنا ذا بين يديك، اللَّهمّ لا تشمت بي أَهْل الأديان، فلم يزل مكانه حتى انجلت الريح.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زكريا، قال: حدثنا أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن منصور، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قلابة، قَالَ: حَدَّثَنِي نصر بْن قديد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو الشعافي، قَالَ:
صلينا مَعَ المهدي المغرب ومعنا العوفي، وَكَانَ من مظالم المهدي، فلما انصرف المهدي من المغرب جاء العوفي حَتَّى قعد فِي قبلته، فقام يتنفل، فجذب ثوبه فَقَالَ: مَا شأنك؟ قَالَ: شيء أولى بك من النافلة، قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: سلام مولاك، قَالَ وَهُوَ قائم عَلَى رأسه: أوطأ قوما الخيل وغصبهم عَلَى ضيعتهم وقد صح ذلك عندي تأمر بردها وتبعث من يخرجهم، فَقَالَ المهدي: حَتَّى نصبح إن شاء اللَّه، فَقَالَ العوفي: لا إلا الساعة، فَقَالَ المهدي: يا فلان القائد، اذهب الساعة إِلَى موضع كذا وكذا فأخرج من فِيهَا وسلم الضيعة إِلَى فلان. قَالَ: فما أصبحوا حَتَّى ردت الضيعة عَلَى صاحبها.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد الفقيه، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا، قال: حدثني محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا [1] أبو العباس/ محمد بن 98/ أإسحاق بْن أبي العنبس، عَنْ إِسْحَاق بْن يَحْيَى بْن معاذ، قَالَ: حَدَّثَنِي سوار، قَالَ:
انصرفت يوما من دار المهدي، فلما دخلت منزلي دعوت بالغداء، فجاشت نفسي فأمرت به فرد، ثُمَّ دعوت جارية لي ألاعبها فلم تطب نفسي بذلك، فدخلت القائلة فلم يأخذني النوم، فنهضت وأمرت ببغلة لي فأسرجت، فركبتها، فلما خرجت استقبلني وكيل لي ومعه مال، فقلت: ما هذا؟ فقال: ألفا درهم جبيتها من مستغلك الجديد، قلت أمسكها معك واتبعني، قَالَ: وخليت رأس البغلة حَتَّى عبرت الجسر، ثُمَّ مضيت فِي شارع دار الرقيق حَتَّى انتهيت إِلَى الصحراء، ثُمَّ رجعت إلى باب الأنبار،
__________
[1] في الأصل: «قال قال» .

(8/215)


وطوفت فلما صرت فِي شارع دار الأنبار انتهيت إِلَى باب دار نظيف وعليه شجرة وعلى الباب خادم، فوقفت وقد عطشت، فقلت للخادم: عندك ماء تسقيني؟ فَقَالَ: نعم. وقام فأخرج قلة نظيفة طيبة الرائحة عَلَيْهَا منديل، فناولني فشربت، وحضر وقت العصر، فدخلت مسجدا عَلَى الباب، فصليت فلما قضيت صلاتي إذا أنا بأعمى يتلمس، فقلت: مَا تريد يا هَذَا؟ قَالَ: إياك أريد، قلت: وما حاجتك؟ فجاء حَتَّى قعد فَقَالَ:
شممت منك ريح الطيب فظننت أنك من أَهْل النعيم فأردت أن ألقي عَلَيْك شيئا، فقلت: قل، قَالَ: أترى هَذَا القصر؟ قلت: نعم، قَالَ: هَذَا قصر كَانَ لأبي فباعه وخرج إِلَى خراسان وخرجت معه فزالت عنا النعم الَّتِي كنا فيها، فقدمت فأتيت صاحب الدار لأسأله شيئا يصلني به وأصير إِلَى سوار فإنه كَانَ صديقا لأبي، قلت: ومن أبوك؟ قَالَ:
فلان بْن فلان، فإذا هو أصدق الناس إلي، فقلت لَهُ: يا هَذَا، فإن اللَّه قَدْ أتاك بسوار، منعه الطعام والنوم حَتَّى جاء به فأقعده بين يديك، ثُمَّ دعوت الوكيل فأخذت الدراهم منه فدفعتها إِلَيْهِ وقلت لَهُ: إذا كَانَ الغد فصر إِلَى المنزل. ثُمَّ مضيت فقلت: مَا أحدث أمير 98/ ب الْمُؤْمِنِين بشيء أطرف من هَذَا. فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت وحدثته/ بالحديث، فأمر لي بألفي دينار فنهضت، فَقَالَ: اجلس، عَلَيْك دين؟ قلت: نعم، قَالَ:
كم؟ قلت: خمسون ألف دينار، فأمسك وجعل يحدثني ساعة، ثُمَّ قَالَ: امض إِلَى منزلك، فصرت إِلَى منزلي، فإذا خادم معه خمسون ألف دينار قَالَ: يَقُول لك أمير المؤمنين اقض بها دينك، فقبضتها، فلما كَانَ من الغد فأبطأ علي المكفوف، وأتاني رَسُول المهدي يدعوني، فجئته فَقَالَ: فكرت فِي أمرك فقلت: يقضي دينه ويحتاج إِلَى الحيلة والقرض وقد أمرت لك بخمسين ألف دينار، فقبضتها وانصرفت. فأتاني المكفوف فدفعت إِلَيْهِ الألفي دينار وقلت: قَدْ رزق اللَّه كلا بكرمه خيرًا كثيرًا، وأعطيته من مالي ألفي دينار.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثَابِتٍ] [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الخالع [2] فيما أذن لَهُ أن نرويه عنه، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن السري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن خلف، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بن محمد بن إسحاق، قال [3] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من ت.
[2] في الأصول: «الخالقي» ، وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 1/ 91، 92.

(8/216)


أنبئت أن يعقوب بْن المهدي سأل الفضل بْن الربيع عَنْ أرحاء البطريق، فَقَالَ:
من هذا البطريق الَّذِي نسبت إِلَيْهِ هَذِهِ الأرحاء؟ فَقَالَ الفضل: إن أباك رضي اللَّه عنه لما أفضت إِلَيْهِ الخلافة وقدم عليه وافد من الروم فاستأذنه ثُمَّ كلمه بترجمان يعبر عنه، قَالَ الرومي: إني لم أقدم عَلَى أمير المؤمنين لمال ولا عرض، وإنما قدمت شوقا إِلَيْهِ وإلى النظر إِلَى وجهه لأنا نجد فِي كتبْنا أن الثالث من أَهْل نبي هَذِهِ الأمة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فَقَالَ المهدي: قَدْ سرني مَا قلت ولك عندنا كل مَا تحب، ثُمَّ أمر الربيع بإنزاله وإكرامه، فأقام مدة ثُمَّ خرج يتنزه، فمر بموضع الأرحاء فنظر إِلَيْهِ فَقَالَ للربيع:
أقرضني خمسمائة ألف درهم ابْني بها مستغلا يؤدي إِلَيْهِ في السنة خمسمائة ألف [درهم] [1] ، قال: أفعل، ثُمَّ أخبر المهدي بما ذكر، فَقَالَ: أعطه خمسمائة ألف دينار وخمسمائة ألف درهم وما أغلت فادفعه إِلَيْهِ فإذا خرج إِلَى بلاده فابعث به إِلَيْهِ فِي كل سنة، قال [2] : / ففعل، فبنى الأرحاء ثُمَّ خرج إِلَى بلاده، فكانوا يبعثون بغلتها إليه [3] 99/ أحتى مات الرومي، فأمر المهدي أن يضم إِلَى مستغله.
قَالَ: واسم البطريق طاراث بْن الليث بْن العيزار بْن طريف، وَكَانَ أبوه ملكا من ملوك الروم أيام معاوية.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ وضاح، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الأَعْلَى بْن مُحَمَّد بْن صفوان الجمحي، قَالَ [4] :
حملت دينا بعسكر المهدي، فركب المهدي يوما بين أبي عبيد اللَّه وعمر بْن بزيع، وأنا وراءه فِي موكبه عَلَى برذون قطوف. فَقَالَ: مَا أنسب بيت قالته العرب؟ قَالَ أَبُو عبيد اللَّه: قول امرئ القيس إذ يَقُول:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك فِي أعشار قلب مقتل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: من تاريخ بغداد.
[2] «قال» . تكررت في الأصل.
[3] في الأصل: «يبعثون إليه بغلتها» .
[4] الخبر في تاريخ بغداد 11/ 70.

(8/217)


قَالَ: هَذَا أعرابي قح، فَقَالَ عُمَر بْن بزيع [1] قول كثير بْن أبي جمعة:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
قَالَ: وما هَذَا بشيء، وما [لَهُ] [2] يريد أن ينسى ذكرها حَتَّى تمثل لَهُ، فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عندي حاجتك- جعلني اللَّه فداك- قَالَ: الحق، قلت: لا لحاق لي، ليس ذاك فِي دابتي، قَالَ: احملوه عَلَى دابة، فقلت: هَذَا أول الفتح، فحملت عَلَيْهَا فلحقته، فَقَالَ: مَا عندك؟ قلت: قول الأحوص:
إذا قلت إني مشتف بلقائها ... فحم التلاقي بيننا زادنا سقما
قَالَ: أحسن [3] والله، اقضوا عنه دينه. فقضى عني ديني.
وَكَانَ المهدي إذا جلس للمظالم قَالَ: أدخلوا علي القضاة، فلو لم يكن ردي للمظالم إلّا للحياء منهم.
وأتي المهدي [4] برجل قَدْ تنبأ، [فلما رآه] [5] قَالَ: أنت نبي؟ قَالَ: نعم قَالَ:
99/ ب وإلى من بعثت؟ قَالَ: أتركتموني أذهب إِلَى من بعثت إِلَيْهِ، وجهت بالغداة فأخذتموني بالعشي/ ووضعتموني فِي الحبس، فضحك المهدي منه، وخلى سبيله.
قَالَ الربيع [6] : رأيت المهدي فِي ليلة يصلي فقرأ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22 [7] . قَالَ: فلما فرغ من صلاته التفت إلي فَقَالَ:
يا ربيع، قلت: لبيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ موسى: وقام إِلَى صلاته، فقلت: من موسى؟ ابْنه موسى أم موسى بْن جَعْفَر، وَكَانَ محبوسا عندي، فجعلت أفكر فقلت: مَا هو إلا موسى بْن جَعْفَر، فأحضرته فقال: يا موسى إني قرأت هذه الآية: فَهَلْ عَسَيْتُمْ 47: 22
__________
[1] في الأصل: «عمرو بن كثير» ، وما أوردناه من ت، وبغداد.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 172.
[4] تاريخ الطبري 8/ 176.
[5] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[6] تاريخ الطبري 8/ 177.
[7] سورة: محمد، الآية: 24.

(8/218)


إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22، فخشيت أن أكون قَدْ قطعت رحمك، فوثق لي أنك لا تخرج، فَقَالَ: نعم، فوثق لَهُ فخلاه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
850- شيبان الراعي.
حج معه سفيان الثوري، فلقيا سبعا، فعرك شيبان أذنه وَقَالَ: لولا مكان الشهرة ما وضعت زادي إلا عَلَى ظهره.
أَخْبَرَنَا المحمدان ابْن ناصر وابن عبد الباقي قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حدثنا عبد الله بن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سليمان الهروي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن يعقوب قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نصر، عن محمد بن يزيد، عَنْ مُحَمَّد بْن حمزة الربضي قَالَ: كَانَ شيبان الراعي إذا أجنب وليس عنده ماء دعا ربه، فجاءت سحابة فأظلته فاغتسل منها، وَكَانَ يذهب إِلَى الجمعة فيخط عَلَى غنمه فيجيء فيجدها لم تتحرك.
851- عَبْد اللَّه بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس وَهُوَ أَبُو جَعْفَر المنصور [1] .
روى عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن سليمان النوفلي، عَنْ أبيه قَالَ: كَانَ المنصور لا يستمرئ طعامه ويشكو إِلَى المتطببين ويسألهم أن يتخذوا لَهُ الجوار شنات، وكانوا يكرهون ذلك ويأمرونه أن يقل من الطعام، ويخبرونه أن الجوار شنات تهضم، ولكنها تحدث من العلل مَا هو أشد عليه. فَقَالَ/ كثير- وَكَانَ من قطيبي العراق- لا يموت أَبُو جَعْفَر إلا بالبطن، 100/ أفقلت له: وما علمك؟ فقال: هو يأخذ الجوارش فيهضم طعامه ويحلق من رأس معدته كل يوم شيئا وشحم مصارينه فيموت ببطنه، وَقَالَ: أضرب لذلك مثلا أرأيت [2] لو أنك وضعت [3] جرة فِي موضع [وضعت] [4] تحتها آجرة جديدة فقطرت إنما كَانَ قطرها يثقب الآجرة عَلَى طول الدهر، فمات بالبطن.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 53- 61.
[2] في ت: «لرأيت» .
[3] في ت: «تركت» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(8/219)


وَقَالَ بعضهم: كَانَ بدو وجعه الَّذِي مات فِيهِ من حر أصابه من ركوبه فِي الهواجر، وَكَانَ رجلا محرورا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر المنكدري قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الصلت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن الأنباري قال: حدثنا محمد بن أحمد المقدمي قال: حدثنا أبو محمد التميمي قال: حَدَّثَنَا منصور بْن أبي مزاحم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سهل الحاسب قَالَ: حَدَّثَنِي طيفور قَالَ: كَانَ سبب إحرام المنصور من مدينة السلام أنه نام ليلة فانتبه فزعا، ثُمَّ عاود النوم فانتبه فزعا، ثُمَّ راجع النوم فانتبه فزعا فَقَالَ: يا ربيع، قَالَ: لبيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لقد رأيت فِي منامي عجبا قال: ما رأيت جعلني الله فداك؟ قَالَ: رأيت كَانَ آتيا أتاني فهيم بشيء لم أفهمه، فانتبهت فزعا، ثُمَّ عاودت النوم فعاودني يَقُول ذلك الشيء، ثُمَّ عاودني بقوله [1] ، حَتَّى فهمته وحفظته وَهُوَ:
كأني بهذا القصر قَدْ باد أهله ... وعرى منه أهله ومنازله
وصار رئيس القوم من بعد بهجة ... إِلَى جدث يبْنى عليه جنادله
وما أحسبْني يا ربيع إلا وقد حانت [وفاتي] [2] ، وحضر أجلي، وما لي غير ربي، قم فاجعل لي غسلا، ففعلت فقام فاغتسل وصلى ركعتين وَقَالَ: أنا عازم عَلَى الحج.
فهيأنا آلة الحج، فخرج وخرجنا حَتَّى إذا انتهى إِلَى الكوفة نزل النجف، فأقام أياما، ثُمَّ أمر بالرحيل فتقدمت نوابه وجنده، وبقيت أنا وَهُوَ فِي القصر وشاكريته بالباب، فقال لي:
100/ ب يا ربيع جئني بفحمة من المطبخ، وَقَالَ لي: أخرج فكن مَعَ دابتي/ إِلَى أن أخرج، فلما خرج وركب، رجعت إِلَى المكان كأني أطلب شيئا، وإذا قَدْ كتب عَلَى الحائط بالفحمة شعرا:
المرء يهوى أن يعيش وطول عيش قَدْ يضره ... تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره
وتصرف الأيام حَتَّى مَا يرى شيئا يسره ... كم شامت بي أن هلكت وقائل للَّه دره [3]
__________
[1] «ثم عاودني بقوله» ساقط من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 61.

(8/220)


أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشريف أَبُو بكر المنكدري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن الصلت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن الأنباري قَالَ:
حَدَّثَني أبي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه المطبخي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق الجيلي قَالَ: لما حج المنصور فِي آخر عمره دخل عَلَى [1] بعض المنازل بطريق مكة، فرأى كتابة عَلَى الحائط فقرأها، فإذا هي [2] :
أبا جَعْفَر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر اللَّه لا بد واقع
أبا جَعْفَر هل كاهن أو منجم ... لك اليوم عَنْ حر المنية دافع [3]
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن أَحْمَدَ بِنْ رِزْقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَد الدَّقَّاق قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد البراء قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن هِشَام قَالَ: قَالَ الربيع: بينا أنا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فِي طريق مكة تبرز ونزل يقضي حاجته، فإذا الريح قَدْ ألقت إِلَيْهِ رقعة فِيهَا مكتوب:
أبا جَعْفَر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر [4] اللَّه لا بد واقع
[أبا جَعْفَر هل كاهن أو منجم ... لك اليوم عَنْ حر المنية دافع] [5]
قَالَ: فناداني: يا ربيع تنعي إلي نفسي فِي رقعة؟ قلت: لا والله مَا أعرف رقعة، ولا أدري مَا هي؟ قَالَ: فما رجع من وجهه حَتَّى مات [6] .
قَالَ ابْن البراء: ومات ببئر ميمون، وَهُوَ محرم، فدفن مكشوف الوجه لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وَكَانَ عمره ثلاثا وستين سنة، وخلافته إحدى/ وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثمانية أيام.
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [7] تعالى: وقد اختلفوا [8] في مقدار عمره على
__________
[1] «على» ساقطة من ت.
[2] في ت: «كتابا على الحائط فقرأه فإذا هو» .
[3] انظر الأبيات في: تاريخ بغداد 10/ 60.
[4] في الأصل: أمرك، وبها ينكسر الوزن.
[5] هذا البيت ساقط من الأصل.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 60.
[7] في ت: «قال المصنف» .
[8] في ت: «واختلفوا» .

(8/221)


خمسة أقوال: أحدها: ثلاث وستون سنة كما ذكرنا، والثاني: ثلاث وستون وشهور، الثالث: أربع وستون، والرابع: خمس وستون. والخامس: ثمان وستون. واتفقوا عَلَى أن مدة خلافته اثنان وعشرون سنة تنقص أياما.
وفي ذلك المقدار الناقص خمسة أقوال: أحدها: اثنان وعشرون يوما. والثاني:
أربعة وعشرون يوما، والثالث: ثلاثة أيام، والرابع: سبعة أيام،. والخامس: يومان.
قالوا: ودفن فِي المقبرة التي عند بلبة المدينتين الَّتِي تسمى كدا، وتسمى المعلاة، لأنها بأعلى مكة.
852- عَبْد اللَّه بْن عياش بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الجراح الهمداني الْكَوفِيّ. ويعرف بالمنتوف [1] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ: حدث ابْن عياش، عَنِ الشعبي، وروى عنه الهيثم بْن عدي، وَكَانَ راوية للأخبار والآداب. وَكَانَ من صحابة أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، ونزل بغداد فِي دور الصحابة ناحية شط الصراة، قَالَ: ويقال: إن دجلة مدت وأحاط الماء بداره، فركب المنصور ينظر إِلَى الماء، وابْن عياش معه، فرأى داره وسط الماء، فَقَالَ: لمن هذه الدار قال: لوليك يا أمير المؤمنين، فَقَالَ المنصور:
وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ من الْمُغْرَقِينَ 11: 43 [2] ، فقال له ابن عياش وَكَانَ جريئا عليه: مَا أظن أمير المؤمنين يحفظ من القرآن آية غيرها، فضحك منه وأمر لَهُ بصلة [3] .
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال: حدثنا محمد بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الحكيمي قَالَ: حَدَّثَنَا ميمون بْن هارون قَالَ: حَدَّثَنِي الوضاح بْن حبيب بْن يزيد التَّمِيمِيّ، عَنْ أبيه قَالَ: كنت يوما عند المنصور وعَبْد اللَّه بْن عياش المنتوف 101/ ب وعَبْد اللَّه بْن الربيع الحارثي، وإسماعيل بْن خالد بن عبد الله القسري، وَكَانَ/ المنصور ولى سلم بْن قتيبة البصرة، وولى مولى له كور البصرة والأبلة، فورد الكتاب من مولى أبي جَعْفَر يخبر أن سلما ضربه بالسياط، فاستشاط أَبُو جَعْفَر، وضرب بإحدى يديه عَلَى الأخرى وَقَالَ: علي يجترئ سلم، والله لأجعلنه نكالا وعظة، وجعل يقرأ كتبا بين
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 14- 16.
[2] سورة: هود، الآية 43.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 15.

(8/222)


يديه، قَالَ: فرفع ابْن عياش رأسه- وَكَانَ من أجرئنا عليه- فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لم يضرب سلم مولاك بقوته ولا قوة ابْنه ولكنك قلدته سيفك، وأصعدته منبرك، وأراد مولاك أن يطأطئ من سلم مَا رفعت، ويفسد مَا صنعت، فلم يحتمل لَهُ ذلك، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن غضب العربي فِي رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حَتَّى يخرجه بلسانه أو يده، وإن غضب النبطي في استه، فإذا خري ذهب غضبه، فضحك أَبُو جَعْفَر، وَقَالَ: قبحك اللَّه يا منتوف. وكف عَنْ سلم [1] .
تُوُفِّيَ المنتوف في هذه السنة.
853- الأسود المكي.
أخبرنا محمد بن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بْن أَحْمَد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بن الحسن بْن إِسْمَاعِيل الضراب، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مروان بْن المالكي قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان بْن الْحَسَن قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قَالَ: قَالَ ابْن المبارك: قدمت مكة فإذا الناس قَدْ قحطوا من المطر وهم يستسقون فِي المسجد الحرام، وكنت فِي الناس مما يلي باب بْني شيبة، إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش، قَدِ ائتزر بإحداهما، وألقى الأخرى عَلَى عاتقه، فصار فِي موضع خفي إِلَى جانبي، فسمعته يَقُول: إلهي أخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوىء الأعمال، وقد منعتنا غيث السماء لتؤدب الخليفة بذلك، فأسألك يا حليما ذا أناة، يا من لا [2] يعرف عباده منه إلا الجميل، اسقهم الساعة الساعة. قَالَ ابْن المبارك: فلم يزل يَقُول الساعة الساعة حَتَّى استوت بالغمام، وأقبل المطر من كل مكان، وجلس [3] مكانه يسبّح، وأخذت أبكي، فلما قام تبعته [4] حَتَّى عرفت موضعه، فجئت إِلَى فضيل بن عياض/ فقال لي: ما لي 102/ أأراك كئيبا؟ فقلت: سبقنا إِلَى اللَّه غيرنا، فتولاه دوننا، قَالَ: وما ذاك؟ فقصصت عليه القصة، فصاح وسقط وَقَالَ: ويحك يا ابْن المبارك خذني إِلَيْهِ، قلت: قَدْ ضاق الوقت، وسأبحث عَنْ شأنه. فلما كَانَ من الغد صليت الغداة، وخرجت إِلَى الموضع فإذا شيخ عَلَى
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 15- 16.
[2] «لا» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وجعل» .
[4] في ت: «إذ قام فاتبعه» .

(8/223)


الباب قَدْ بسط لَهُ وَهُوَ جالس، فلما رآني عرفني وَقَالَ: مرحبا بك يا عَبْد الرحمن، حاجتك. فقلت له: احتجت إِلَى غلام أسود. فَقَالَ: نعم عندي عدة، فاختر أيهم شئت؟ فصاح يا غلام، فخرج غلام جلد، فَقَالَ: هَذَا محمود العاقبة، أرضاه لك، فقلت: ليس هَذَا حاجتي، فما زال يخرج إلي [1] واحدا واحدا حَتَّى أخرج إلي الغلام، فلما أبصرت به بدرت عيناي، فَقَالَ: هَذَا هو؟ قلت: نعم [2] ، فَقَالَ ليس إِلَى بيعه سبيل، قلت: ولم؟ قَالَ: قَدْ تبركت لموضعه فِي هَذِهِ الدار وذاك أنه لا يزرأني شيئا، قلت: ومن أين طعامه؟ قَالَ: يكسب من قبل الشريط نصف دانق أو أقل أو أكثر فهو قوته، فإن باعه فِي يومه وإلا طوى ذلك اليوم. وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام هَذَا الليل الطويل، ولا يختلط بأحد منهم مشغول [3] بْنفسه، وقد أحبه قلبي، فقلت لَهُ: أنصرف إِلَى سفيان الثوري وإلى فضيل بْن عياض بغير قضاء حاجة؟ فَقَالَ: إن ممشاك عندي كبير، خذه بما شئت. قال: فاشتريته وأخذت نحو دار فضيل، فمشيت ساعة، فَقَالَ لي: يا مولاي، قلت: لبيك، قَالَ: لا تقل لي لبيك، فإن العبد أولى أن يلبي المولى، قلت: حاجتك يا حبيبي. قَالَ: أنا ضعيف البدن، لا أطيق الخدمة، وقد كَانَ لك فِي غيري سعة، قَدْ أخرج إليك من هو أجلد مني، فقلت: لا يراني اللَّه وأنا أستخدمك، ولكني أشتري لك منزلا وأزوجك وأخدمك أنا بْنفسي، قَالَ: فبكى، فقلت: مَا يبكيك؟
قَالَ: أنت لم تفعل فِي هَذَا إلا وقد رأيت بعض متصلاتي باللَّه تعالى، وإلا فلم اخترتني 102/ ب من بين الغلمان؟ فقلت لَهُ: ليس بك حاجة إِلَى هَذَا، فَقَالَ لي: سألتك باللَّه/ إلّا أخبرتني، فقلت: بإجابة دعوتك، فَقَالَ لي: إني أحسبك إن شاء اللَّه رجلا صالحا، إن للَّه عز وجل خيرة من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم إلا من ارتضى، ثُمَّ قَالَ لي: ترى أن تقف علي قليلا، فإنه قَدْ بقيت علي ركعات من البارحة.
قلت: هَذَا منزل فضيل قريب. قَالَ: لا. هاهنا أحب إلي [4] أمر اللَّه عز وجل لا يؤخر فدخل من باب الباعة إلى المسجد فما زال يصلي حَتَّى إذا أتى عَلَى مَا أراد التفت إلي فَقَالَ: يا أبا عبد الرحمن، هل من حاجة؟ قلت: ولم؟ قَالَ: لأني أريد الانصراف،
__________
[1] «إلى» ساقطة من ت.
[2] «نعم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «مشغل» .
[4] في ت: «أحب أن» .

(8/224)


قلت: إِلَى أين؟ قَالَ: إِلَى الآخرة. قلت: لا تفعل، دعني أسر بك. فَقَالَ لي: إنما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى فأما إذا [1] اطلعت عَلَيْهَا أنت فسيطلع عَلَيْهَا غيرك فلا حاجة لي فِي ذلك، ثُمَّ خر لوجهه، فجعل يَقُول: إلهي اقبضني إليك الساعة الساعة. فدنوت منه فإذا هو قد مات. فو الله مَا ذكرته قط إلّا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني.
__________
[1] «إذا» ساقطة من ت.

(8/225)


ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
غزوة الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الصائفة حَتَّى بلغ أنقرة وانصرفوا سالمين [1] .
وَفِيهَا: ولي حمزة بْن مالك سجستان، وولي جبرئيل بْن يَحْيَى سمرقند [2] .
وعزل عَبْد الصَّمَدِ عَنِ المدينة عَنْ موجدة، واستعمل مكانه عَبْد اللَّه بْن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان الجمحي [3] .
وَفِيهَا: بْنى المهدي مسجد الرصافة وبْنى حائطها وحفر خندقها [4] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن على قال:
أخبرنا الأزهري قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاس المنصوري قَالَ:
لما حصلت فِي يد المهدي الخزائن والأموال ودخائر المنصور أخذ في رد 103/ أالمظالم، وأخرج مَا فِي الخزائن ففرقه وبر/ أهله وأقرباءه ومواليه، وأخرج لأهل بيته أرزاقا لكل واحد منهم في كل شهر خمسمائة درهم، وأخرج لهم فِي الإقسام لكل واحد عشرة آلاف درهم.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 116.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 116.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 116.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 116.

(8/226)


وزاد بعضهم: [وأمر ببْناء مسجد الرصافة وحاط حائطها، وخندق خندقها] [1] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ علي] الخطيب قال: أَخْبَرَنَا الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عياش قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن أَحْمَد المروزي قَالَ:
حَدَّثَنِي أبي قَالَ: حكي لنا أن الربيع قَالَ: مات المنصور وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط مائة ألف ألف درهم، وستون ألف ألف درهم، فلما صارت الخلافة إِلَى المهدي قسم ذلك وأنفقه.
قَالَ الربيع: ونظرنا فِي نفقة المنصور فإذا هو ينفق فِي كل سنة ألفي درهم. قَالَ: وفتح المنصور يوما خزائن مروان بْن مُحَمَّد فأحصى مَا فِيهَا اثني عشر ألف عدل خزفا.
فأخرج منها ثوبا وَقَالَ: يا ربيع، اقطع من هَذَا الثوب جبتين، لي واحدة ولمحمد واحدة. قلت: لا يجيء منه هَذَا. قَالَ: فاقطع لي منه جبة وقلنسوة، وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي.
فلما أفضت الخلافة إِلَى المهدي أمر بتلك الخزانة بعينها ففرقت عَلَى الموالي والغلمان والخدم.
وَفِيهَا: وجه المهدي عَبْد الملك بْن شهاب المسمعي فِي البحر إِلَى بلاد الهند فِي خلق كثير فوصلوا إِلَى الهند فِي سنة ستين [2] .
وَفِيهَا: أمر المهدي بإطلاق من كَانَ فِي سجون المنصور إلا من كَانَ قبله دم أو كَانَ معروفا بالسعي فِي الأرض بالفساد، أو كَانَ لأحد قبله مظلمة. وَكَانَ ممن أطلق يعقوب ابْن داود مولى بْني سليم، وَكَانَ معه فِي الحبس الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب، فحوله المهدي إِلَى نصير الوصيف فحبس عنده [3] .
وَكَانَ سبب تحويله: أنه كَانَ هو ويعقوب فِي مكان واحد فأطلق يعقوب ولم يطلق الْحَسَن، فساء ظنه وخاف عَلَى نفسه، فالتمس مخرجا لنفسه/ فدس إلى بعض ثقاته 103/ ب
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 116.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 117.

(8/227)


فحفر لَهُ سربا فِي موضع مسامت للموضع الَّذِي هو فِيهِ محبوس، وَكَانَ يعقوب بعد أن أطلق يطيف بابْن علاثة- وَهُوَ قاضي المهدي- ويلزمه حَتَّى أنس به، وبلغ يعقوب مَا عزم عليه الْحَسَن من الهرب، فأتى ابْن علاثة فأخبره أن عنده نصيحة للمهدي، فسأله إيصاله إِلَى أبي عبيد اللَّه، فدخل به إِلَيْهِ، فسأله إيصاله إِلَى المهدي ليعلمه النصيحة، فأدخله عليه فساره بذلك، فأمر بتحويل الْحَسَن إِلَى نصير، فلم يزل حَتَّى احتيل لَهُ فخرج، فطلب فلم يقدر عليه، فدعا المهدي يعقوب فأخبره خبر الْحَسَن فَقَالَ: لا علم لي بمكانه، ولكن إن أعطيتني [لَهُ] [1] أمانا يثق به ضمنت أن آتيك به. فأعطاه ذلك، فَقَالَ [لَهُ] : فاله عَنْ ذكره يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [2] ، ودع طلبه، فإن ذلك يوحشه، ودعني وإياه حَتَّى أحتال لَهُ، وَقَالَ يعقوب: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بسطت عدلك، وعممت بخيرك، وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لم تدع النظر فِيهَا بمثل مَا فعلت فِي غيرها، وإن جعلت لي سبيلا إِلَى الدخول عَلَيْك، وأذنت لي فِي رفعها إليك فعلت فأعطاه المهدي ذلك، وَكَانَ يدخل عَلَى المهدي ليلا ويرفع إِلَيْهِ النصائح [3] الحسنة من أمر الثغور، وبْناء الحصون، وفكاك الأسارى، والقضاء عَلَى [4] الغارمين، والصدقة عَلَى المتعففين، فحظي بذلك عنده واتخذه أخا فِي اللَّه تعالى، وأخرج بذلك توقيعا أثبت فِي الدواوين، ثُمَّ تغير عليه وأمر بحبسه [5] .
وَفِيهَا: [6] عزل المهدي [إِسْمَاعِيل] بْن أبي إِسْمَاعِيل عَنِ الكوفة وأحداثها، وولاها إسحاق بن الصباح الكندي، وقيل: بل ولاها عيسى بْن لقمان، وقيل: كَانَ شريك عَلَى الصلاة والقضاء، وعيسى عَلَى الأحداث [7] .
وعزل عَنْ أحداث البصرة سَعِيد بْن دعلج، وعزل عَنِ الصلاة والقضاء عبيد اللَّه بْن الحسين، وولى مكانها عَبْد الملك بْن أيوب بْن ظبيان، وكتب إِلَيْهِ يأمره بإنصاف من
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «يا أمير المؤمنين» ، ساقط من ت.
[3] في الأصل: «الحوائج» .
[4] في الأصل: «عن» .
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 118- 119.
[6] في ت: «في هذه السنة» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 120.

(8/228)


تظلم/ من سَعِيد بْن دعلج، ثُمَّ صرفت الأحداث في هذه السنة عَنْ عَبْد الملك بن 104/ أأيوب إلى عمارة بن حمزة، فولاها عمارة رجلا يقال لَهُ: المسور بْن عَبْد اللَّه وأمر عَبْد الملك عَلَى الصلاة.
وَفِيهَا: عزل قثم بْن الْعَبَّاس عَنِ اليمامة عَنْ سخط فوصل كتاب عزله إِلَى اليمامة وقد تُوُفِّيَ، فاستعمل مكانه بِشْر بْن المنذر [1] الْبَجَلِيّ.
وعزل يزيد بْن منصور عَنِ اليمن فاستعمل مكانه رجاء بْن روح، وعزل الهيثم بْن سَعِيد عَنِ الجزيرة واستعمل عَلَيْهَا الفضل بْن صالح، وعزل مطر مولى المنصور عن مصر واستعمل مكانه أبو ضمرة بْن سليمان [2] .
وَفِيهَا: أعتق المهدي الخيزران أم ولده وتزوجها [3] .
وَفِيهَا: تزوج المهدي [أيضا] أم عبيد اللَّه بْنت صالح بْن عَلِيّ [4] .
وَفِيهَا: وقع حريق فِي ذي الحجة فِي السفن [ببغداد، عند قصر عيسى بْن عَلِيّ، فاحترقت السفن] [5] ، واحترق ناس كثير [6] .
وَفِيهَا: كانت حركة من تحرك من بْني هاشم وشيعتهم من أَهْل خراسان فِي خلع عيسى بْن موسى من ولاية العهد، وتصيير ذلك لموسى بْن المهدي، فلما تبين ذلك المهدي كتب إِلَى عيسى وَهُوَ بالكوفة ليقدم عليه، فأحس عيسى بذلك، فامتنع من القدوم، وَكَانَ المهدي قَدْ سأل عيسى أن يخرج من الأمر، فامتنع عليه، فأراد الإضرار به، فولى الكوفة روح بن حاتم، وكان المهدي يحب أن يحمل روح عَلَى عيسى بعض الحمل، فلم يجد إِلَى ذلك سبيلا، وَكَانَ عيسى قَدْ خرج إِلَى ضيعته بالرحبة فلا يدخل إِلَى الكوفة إلا فِي رَمَضَان، فيشهد الجمع والعيد [7] ، ثُمَّ يرجع إِلَى ضيعته، ثُمَّ إن
__________
[1] في ت: «بشر بن الوليد» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 120- 121.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 121.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 121.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 121.
[7] في ت: «الأعياد» .

(8/229)


المهدي ألح عَلَى عيسى وَقَالَ لَهُ: إن لم تجبْني إِلَى أن تنخلع منها حَتَّى أبايع لموسى وهارون، استحللت منك بمعصيتك مَا يستحل من العاصي، وإن أجبتني عوضتك عنها ما هو أجدى عليك إنعاما. فأجابه فبايع لهما وخلع عيسى وأمر لَهُ بعشرة آلاف ألف.
وقيل بعشرين ألف ألف [1] ، وقطائع كثيرة [2] .
وفي هذه السنة: / حج بالناس يزيد بْن المنصور خال المهدي عند قدومه من اليمن، وكان المهدي قَدْ أمره بالانصراف إِلَيْهِ وولاه الموسم [3] .
وَكَانَ أمير المدينة في هذه السنة عَبْد اللَّه بْن صفوان الجمحي، وَكَانَ عَلَى صلاة الكوفة وأحداثها إِسْحَاق بْن الصباح الكندي، وعلى خراجها ثَابِت بْن موسى، وعلى قضائها شريك بْن عَبْد اللَّه، وعلى صلاة البصرة عَبْد الملك بْن أيوب، وعلى أحداثها عمارة بْن حمزة وخليفته عَلَى ذلك المسور بْن عَبْد اللَّه بْن مسلم الباهلي، وعلى قضائها عبيد اللَّه بْن الْحَسَن وعلى كور دجلة وكور الأهواز وكور فارس عمارة بْن حمزة، وعلى السند البسطام بْن عَمْرو، وعلى اليمن رجاء بْن روح، وعلى اليمامة بِشْر بْن المنذر، وعلى خراسان أَبُو عون عَبْد الملك بْن يزيد، عَلَى الجزيرة الفضل بْن صالح، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم. وعلى مصر أَبُو ضمرة مُحَمَّد بْن سليمان [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
854- حميد بْن قحطبة.
عامل المهدي عَلَى خراسان.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، فولى المهدي مكانه أبا عون عَبْد الملك بْن يزيد.
855- سلمى بْن عَبْد اللَّه بْن سلمى، أَبُو بكر الهذلي الْبَصْرِيّ [5] .
حدث عَنْ الحسن، وابن سيرين، وعكرمة، والشعبي والزهري.
__________
[1] «ألف وقيل: بعشرين ألف ألف» . ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 121- 122.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 122.
[4] انظر تاريخ الطبري 8/ 123.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 223.

(8/230)


روى عنه: أَبُو معاوية وابْن المبارك، وشبابة، وَكَانَ من العلماء بأخبار الناس وأيامهم.
وَقَالَ السفاح: مَا رأيت [أحدا] [1] أغزر علما من أبي بكر الهذلي، لم يعد علي حديثا قط، إلا أن المحدثين ضعفوه وتركوا حديثه.
856- عَبْد العزيز بْن أبي رواد مولى المغيرة بْن المهلب بْن أبي صفرة.
روى عَنْ جماعة من التابعين كعطاء، وعكرمة، ونافع، وَكَانَ من العباد، وذهب بصره فلم يعلم به أهله عشرين سنة.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ القزاز قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت قال: أخبرني 105/ أعبد اللَّه بْن يَحْيَى اليشكري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الشافعي قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَر/ بْن مُحَمَّد بْن الأزهري [2] قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن العلائي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سهل المدائني، عَنْ شعيب بْن حرب قَالَ: جلست إِلَى عَبْد الْعَزِيز بْن أبي رواد خمسمائة مجلس فما أحسب أن [3] صاحب الشمال كتب شيئا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم قَالَ: أَخْبَرَنَا حمد بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حيان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد بْن روح قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن حبيق قَالَ: سمعت يوسف بْن أسباط يَقُول: مكث عَبْد العزيز بْن أبي رواد أربعين سنة لم يرفع طرفه إِلَى السماء، فبينا هو يطوف حول الكعبة إذ طعنه المنصور أَبُو جَعْفَر بإصبعه فِي خاصرته فالتفت إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ علمت أنها إصبع جبار.
تُوُفِّيَ عَبْد العزيز في هذه السنة بمكة.
857-[معبد] [4] بْن الخليل.
عامل المهدي. تُوُفِّيَ بالسند وَهُوَ [عامله] [5] عَلَيْهَا فاستعمل مكانه روح بن حاتم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «جعفر بن أحمد بن الأزهر» .
وفي الأصل: «جعفر بن محمد الأزهري» .
[3] «أن» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(8/231)


858-[مُحَمَّد] [1] بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن المغيرة بْن الحارث بْن أبي ذئب، أَبُو الحارث القرشي المدني [2] .
ولد سنة ثمانين، سمع عكرمة، والزهري وخلقا كثيرا، وَكَانَ فقيها ورعا صالحا ثقة، يأمر بالمعروف وينهى عَنِ المنكر، أقدمه المهدي بغداد، فحدث بها، ثُمَّ رجع يريد المدينة، فمات بالكوفة في هَذِهِ السنة، وَهُوَ ابْن تسع وسبعين سنة.
روى عنه: الثوري ووكيع، ويزيد بْن هارون، وابْن المبارك، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلي قَالَ: أَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن إدريس الأنصاري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد سليمان بْن الأشعث قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن حنبل يَقُول:
كَانَ ابْن أبي ذئب يشبه سَعِيد بْن المسيب. قيل لأحمد: خلف مثله ببلاده؟ قَالَ: لا، ولا بغيرها [3] .
وَقَالَ أَبُو داود: سمعت أَحْمَد يَقُول: كَانَ ابْن أبي ذئب ثقة صدوقا أفضل من مالك بْن أنس، إلّا أن مالكا أشد تنقية للرجال من ابْن أبي ذئب لا يبالي عمن يحدث [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ/ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عيسى المكي قال: حدثنا محمد بن القاسم بْن خلاد قَالَ: قَالَ ابْن أبي ذئب للمنصور: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ هلك الناس، فلو أعنتهم بما فِي يديك من الفيء؟ قَالَ: ويلك لولا مَا سددت من الثغور وبعثت من الجيوش لكنت تؤتى فِي منزلك وتذبح. فَقَالَ ابْن أبي ذئب: فقد سد الثغور وجيش الجيوش، وفتح الفتوح، وأعطى الناس أعطياتهم من هو خير منك. قَالَ: ومن هو ويلك؟ قَالَ: عُمَر بْن الخطاب: فنكس المنصور رأسه، والسيف بيد [5] المسيب والعمود بيد مالك بْن الهيثم ولم يعرض له والتفت إلى
__________
[1] بياض في الأصل مكان ما بين المعقوفتين.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 296- 305.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 298.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 298.
[5] في ت: «والسيف في يد» .

(8/232)


مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الإمام، فَقَالَ: هَذَا الشيخ خير أَهْل الحجاز [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان الصَّيْرفيّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس الخزاز قَالَ: حدثنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد البغوي قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أيوب العابد قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُمَر عَبْد اللَّه بْن كثير قَالَ:
حَدَّثَنِي حسن بْن زَيْد قَالَ: كَانَ قَدْ ولي عَبْد الصَّمَدِ عَلَى المدينة، فعاقب بعض القرشيين وحبسه [2] ، قال: فكتب بعض قرابته إلى أبي جعفر، فكتب أبو جعفر إلى المدينة، وأرسل رسولا وَقَالَ: اذهب فانظر قوما من العلماء فأدخلهم عليه حَتَّى يروا حاله ويكتبوا إلي بها، فأدخلوا عليه فِي حبسه: مالك بْن أنس، وابْن أبي ذئب، وابْن أبي سبرة وغيرهم من العلماء، فقالوا: اكتبوا بما ترون إِلَى أمير المؤمنين. قَالَ: وَكَانَ عَبْد الصَّمَدِ لما بلغه الخبر حل عنه الوثاق وألبسه ثيابا، وكنس البيت الَّذِي كَانَ فِيهِ ورشه، ثُمَّ أدخلهم عليه. فَقَالَ لهم الرسول: اكتبوا بما رأيتم، فأخذوا يكتبون شهد فلان وفلان. فَقَالَ ابْن أبي ذئب: لا تكتبوا شهادتي أنا أكتبها بيدي إذا فرغت فارم إلي بالقرطاس قَالَ: فكتبوا رأينا محبسا لينا ورأينا هيئة حسنة، وذكروا مَا يشبه هَذَا من الكلام. قَالَ: ثُمَّ دفع القرطاس إِلَى ابْن أبي ذئب، / فلما نظر في الكتاب فرأى هذا 106/ أالموضع [3] نادى: يا مالك داهنت وفعلت وفعلت وملت إلى الهوى، لكن اكتب: رأيت مجلسا ضيقا وأمرا شديدا. قَالَ: وجعل يذكر شدة الحبس وضيقه. قَالَ: وبعث الكتاب إِلَى أبي جَعْفَر، فقدم أَبُو جَعْفَر حاجا، فمر بالمدينة فدعاهم، فلما دخلوا عليه جعلوا يذكرون وجعل ابْن أبي ذئب يذكر شدة الحبس وضيقه، وشدة عَبْد الصَّمَدِ، وما يلقون منه. قَالَ: وجعل أَبُو جَعْفَر يتغير وجهه، وينظر إِلَى عَبْد الصَّمَدِ غضبا، قَالَ الْحَسَن بْن زيد: فلما رأيت ذلك أردت أن ألينه، وخشيت عَلَى عَبْد الصَّمَدِ من أبي جَعْفَر [4] أن يعجل عليه، فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ويرضى هَذَا أحد قَالَ ابْن أبي ذئب: أما والله إن يسألني عنك لأخبرته، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: فإني أسألك، فقال: يا أمير المؤمنين [ولي
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 299.
[2] في ت: «وعبسه» .
[3] في الأصل: «ورأى ما كتبوا» .
[4] «من أبي جعفر» ساقطة من ت.

(8/233)


علينا] [1] ففعل بْنا وفعل. فأطنب فِي. فلما ملأني غيظا قلت: أفيرضي هَذَا أحدا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ سله عَنْ نفسك، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر: فإني أسألك عَنْ نفسي فَقَالَ: لا تسألني، فقال: أنشدك باللَّه فكيف تراني؟ قَالَ: اللَّهمّ مَا أعلمك إلا ظالما جائرا، قَالَ:
فقام إِلَيْهِ وفي يده عمود، قَالَ الْحَسَن فجمعت [إلي] [2] ثيابي مخافة أن يصيبْني من دمه وقلت: الآن يضربه بالعمود فجعل يَقُول لَهُ: يا مجوسي أتقول هَذَا لخليفة اللَّه فِي أرضه؟
وجعل يرددها عليه وابْن أبي ذئب يَقُول: إنك نشدتني باللَّه يا عَبْد اللَّه. قَالَ: ولم ينله بسوء [قَالَ] [3] : وتفرقوا عَلَى ذلك [4] .
عَنْ مُحَمَّد بْن خلاد قَالَ: لما حج المهدي دخل مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يبق أحد إلا قام، إلّا ابْن أبي ذئب فَقَالَ لَهُ المسيب بْن زهير: من هَذَا أمير المؤمنين؟ فَقَالَ ابْن أبي ذئب: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فَقَالَ المهدي: لقد قامت كل شعرة فِي رأسي [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 299- 300.
[5] هذا الخبر ساقط من ت.

(8/234)


ثم دخلت سنة ستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا خروج يوسف بْن إِبْرَاهِيم من خراسان منكرا هو ومن معه عَلَى رأيه عَلَى [1] المهدي الحال التي هو بها وسيرته الَّتِي يسير بها، واجتمع معه بِشْر كثير من الناس، فتوجه إِلَى يزيد بْن مزيد فاقتتلا حَتَّى صارا إِلَى المعانقة، فأسره يزيد وبعث به إِلَى المهدي، وبعث معه من وجوه أصحابه بعده فلما انتهى بهم إِلَى النهروان حمل يوسف عَلَى بعير قَدْ حول وجهه إِلَى ذنب البعير وأصحابه عَلَى بعير، فأدخلوهم الرصافة عَلَى تلك الحال، فأدخلوا عَلَى المهدي، فأمر هرثمة بْن أعين بقطع يدي يوسف ورجليه، وضرب عنقه وأعناق أصحابه وصلبهم عَلَى جسر دجلة الأعلى مما يلي عسكر المهدي، وإنما أمر هرثمة بقتله لأنه كَانَ قتل أخا لهرثمة بخراسان [2] .
وَفِيهَا: خلع عيسى بْن موسى مما كَانَ لَهُ من البيعة بعد المهدي وذلك أنه أحضر وجوه رؤساء الشيعة وألح عليه المهدي، فرضي بالخلع والتسليم، فخلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر وبايع للمهدي ولموسى من بعده يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وقت ارتفاع النهار، ثُمَّ أذن المهدي لأهل بيته فأخذ بيعتهم لنفسه ولموسى بْن المهدي من بعده، ثُمَّ خرج إِلَى مسجد الجماعة بالرصافة، فصعد المنبر وصعد موسى، فقام دونه، وقام عيسى عَلَى أول عتبة من المنبر، فحمد اللَّه، وأثنى عليه- أعني المهدي- وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بما أجمع عليه أهل بيته
__________
[1] «على» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 124.

(8/235)


وشيعته وقواده وأنصاره من خلع عيسى وتصيير الأمر الَّذِي كَانَ عقد لَهُ فِي أعناق المسلمين لموسى ابْن أمير المؤمنين لاختيارهم لَهُ ورضاهم به وأن عيسى قَدْ خلع نفسه، وحللهم مما كَانَ لَهُ من البيعة فِي أعناقهم، وأن مَا كَانَ لَهُ من ذلك فقد صار لموسى ابن أمير 107/ أالمؤمنين بعقد من أمير المؤمنين وأهل بيته/ وشيعته فِي ذلك، وأن موسى عامل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه محمد [1] صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، بأحسن [2] السيرة، وأعدلها، وقرأ على عيسى كتاب ذكر الخلع، فأقر بذلك وتتابع [3] أَهْل بيت أمير المؤمنين والقواد يبايعون للمهدي ثُمَّ لموسى، ويمسحون على أيديهما، ثُمَّ نزل المهدي ووكل ببيعته من بقي من الخاصة والعامة خالد بْن يزيد بْن مَنْصُور، وكتب عَلَى عيسى بخلعه كتاب ليكون حجة عليه، وفيه: أنه قَدْ نزل عما كَانَ حقا لَهُ لموسى بْن المهدي وأنه إن لم يف بذلك فكل زوجة هي عنده من يوم كتب هَذَا الكتاب أو يتزوجها طالق ثلاثا البتة إِلَى ثلاثين [4] سنة، وكل مملوك لَهُ عنده اليوم أو يملكه إِلَى ثلاثين سنة أحرار لوجه اللَّه، وكل مال لَهُ من نقد أو عرض أو أرض أو قليل أو كثير ويستفيده إِلَى ثلاثين سنة صدقة عَلَى المساكين، وعليه من مدينة السلام المشي حافيا إِلَى بيت اللَّه العتيق نذرا واجبا ثلاثين سنة، وأشهد عَلَى نفسه بإقراره هَذَا مائة وثلاثين رجلًا من بْني هاشم والموالي والوزراء والقضاة، وكتب فِي صفر سنة ستين وختم عليه عيسى بْن موسى [5] .
[وفي هذه السنة] [6] : وصل عَبْد الملك بْن شهاب المسمعي فِي خلق كثير من المطوعة وغيرهم إلى بلد الكفار فنصبوا عَلَيْهَا المجانيق وفتحوها عنوة، وقتلوا أهلها واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلا، وهاج البحر فلم يقدروا عَلَى ركوبه، وأقاموا إِلَى أن سكن فأصابهم [7] فِي أفواههم داء فمات منهم نحو من ألف [8] رجل،
__________
[1] «محمد» ساقطة من ت.
[2] في ت: «فأحسن السيرة» .
[3] في ت: «وبايع» .
[4] في ت: «أو يتزوجها ثلاثين طالق ثلاثا البتة» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 124- 128.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «إلى أن سكن فأصابهم» ساقطة من ت.
[8] في ت: «نحو جماعة» .

(8/236)


فيهم الربيع بْن صبيح، ثُمَّ انصرفوا وسبى منهم ابْنة الملك [1] .
[وَفِيهَا] [2] : جعل أبان بْن صدقة كاتبا للمهدي ووزيرا [لَهُ] [3] .
[وَفِيهَا] [4] : عزل أَبُو عون عَنْ خراسان وولي مكانه معاذ بْن مسلم [5] /.
[وَفِيهَا] [6] : غزا ثمامة بْن الوليد الصائفة، وغزا الغمر بْن الْعَبَّاس الخثعمي بحر الشام [7] .
وَفِيهَا: رد المهدي إِلَى أبي بكرة من نسبهم فِي ثقيف إِلَى ولاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وألحقهم به، وأخرج آل زياد من قريش والعرب، وَكَانَ يَقُول ابن سميّة الزانية، ويقبّح استلحاق معاوية زيادا [8] .
وَفِيهَا: ولى المدينة- أعني قضاءها [9]- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عمران الطلحي [10] .
وَفِيهَا: خرج عَبْد السَّلامِ بْن هاشم [اليشكري] [11] الخارجي، وسيأتي خبر مقتله [12] .
وَفِيهَا: عزل بسطام بْن عَمْرو عَنِ السند واستعمل عَلَيْهَا روح بْن حاتم [13] .
__________
[1] في الأصل: «ونساء فيهم ابنة الملك» .
انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 128.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 128.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 128.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 129.
[8] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 129- 132.
[9] في ت: «وفيها ولى المهدي قضاء المدينة» .
[10] انظر: تاريخ الطبري 8/ 132.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] انظر: تاريخ الطبري 8/ 132.
[13] انظر: تاريخ الطبري 8/ 132.

(8/237)


وَفِيهَا: حج المهدي بالناس واستخلف عَلَى مدينة السلام ابْنه موسى، وترك معه يزيد بْن المنصور بأمر المهدي وزيرا لَهُ ومدبرا لأموره، وخرج مَعَ المهدي ابْنه هارون وجماعة من أَهْل بيته، فكان ممن شخص معه: يعقوب بْن داود عَلَى منزلته الَّتِي كانت عنده فأتاه حين وافى مكة بالحسن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الَّذِي استأمن لَهُ يعقوب، فأحسن المهدي صلته وجائزته، وأقطعه مالا من الصوافي بالحجاز.
وفي هذه السنة [1] : نزع المهدي كسوة الكعبة الَّتِي كانت عَلَيْهَا، وكساها كسوة جديدة، وذلك أن حجبة الكعبة رفعوا إِلَيْهِ أنهم يخافون عَلَى الكعبة لكثرة مَا عَلَيْهَا من الكسوة، فأمر أن يكشف عنها فكشف مَا عَلَيْهَا حَتَّى بقيت مجردة، ثُمَّ طلي البيت كله بالخلوق، ولما بلغوا إِلَى كسوة هِشَام وجدوها ديباجا ثخينا ووجدوا كسوة من كَانَ قبله عامتها من متاع اليمن [2] .
وقسم المهدي في هذه السنة فِي أَهْل مكة والمدينة مالا كثيرا، فذكر أنه قسم في 108/ أتلك السفرة ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه، ووصل/ إليه من مصر ثلاثة مائة ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار قسم ذلك كله، وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب، ووسع فِي مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وأمر بْنزع المقصورة الَّتِي فِي مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزعت، وأراد أن ينقض [منبر] [3] مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعيده إِلَى مَا كَانَ عليه، ويلقي مَا كَانَ معاوية زاده فِيهِ، فشاور فِي ذلك، فقيل لَهُ: إن المسامير الَّذِي أحدثه معاوية فِي الخشب الأول وَهُوَ عتيق لا نأمن إن خرجت المسامير الَّتِي فِيهِ وزعزعت أن ينكسر، فتركه عَلَى حاله، وأمر المهدي أيام مقامه بالمدينة بإثبات خمسمائة رجل من الأنصار ليكونوا معه حرسا لَهُ [4] بالعراق [وأنصارا] [5] ، وأجرى عليهم أرزاقا سوى أعطياتهم، وأقطعهم عند قدومهم معه بمدينة السلام قطيعة تعرف بهم، ودخل عليه عُثْمَان بْن طلحة فاستعفاه من القضاء [6] .
__________
[1] في ت: «وفيها» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 133.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «له» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 133.

(8/238)


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَدُ] [1] بْنُ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَدِ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن نصر بْن مكرم قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سعيد المعدل قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: حدثنا أبو الفضل الربعي قال: حَدَّثَنِي أبي قَالَ: استقضى بعض أمراء المدينة عُثْمَان بْن طلحة بْن عُمَر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، فامتنع عليه، فأشرف عليه بضرب السياط، فلما رأى ذلك قضى بين الناس حَتَّى استوجب رزق عشرة أشهر، وقدم المهدي المدينة حاجا، فدخل عليه عُثْمَان بْن طلحة، فسأله أن يعزله عَنِ القضاء، فَقَالَ: ليس إِلَى ذلك سبيل، قَالَ لَهُ عُثْمَان: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو علمت أن بلد الروم تجيرني ولا تمنعني من الصلاة لاستجرت به، قَالَ المهدي: وإنك عَلَى مَا قلت. قَالَ: فإني والله لعلى مَا قلت، قَالَ:
فإني قَدْ عزلتك فاقبض/ مَا لك عندنا من الرزق. قَالَ: والله مَا فِي عنه غنى، ولكن كان 108/ ب لي نظر وأشباه [ذلك] [2] يكرهون من هَذَا العمل مَا أكره، ثُمَّ أكرهوا عليه، فدخلوا فيه، فلما عزلوا كرهوا العزل، فلم أجد معناهم فِي كراهتهم العزل إلا هَذَا الرزق، فلذلك كرهت أخذه.
وتزوج المهدي فِي أيام مقامه بالمدينة رقية بْنت عَمْرو [3] العثمانية [4] .
وَفِيهَا: [5] رد المهدي عَلَى أَهْل بيته وغيرهم قطائعهم الَّتِي كانت مقبوضة عنهم [6] .
وَفِيهَا: حمل مُحَمَّد بْن سليمان الثلج للمهدي، حَتَّى وافى مكة، فكان المهدي أول من حمل لَهُ الثلج من الخلفاء إِلَى مكة [7] .
وَفِيهَا [8] : تزوج الهادي لبابة بْنت جعفر بن المنصور، وهي أخت زبيدة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «بنت عثمان» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 134.
[5] في ت: «وفي هذه السنة» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 134.
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 134
[8] في ت: «وفي هذه السنة» .

(8/239)


وَكَانَ في هذه السنة عَلَى صلاة الكوفة وأحداثها إِسْحَاق بْن الصباح الكندي، وعلى قضائها شريك بْن عَبْد اللَّه النخعي، وعلى صلاة البصرة وأحداثها وأعمالها [1] ، وعلى كور دجلة، والبحرين، وعمان وكور الأهواز، وفارس مُحَمَّد بْن سليمان، وَكَانَ عَلَى قضاء البصرة عبيد اللَّه بْن الْحَسَن، وعلى خراسان معاذ بْن سالم، وعلى الجزيرة الفضل بْن صالح، وعلى السند رواح بْن حاتم. وعلى إفريقية يزيد [2] بْن حاتم، وعلى مصر سليمان بْن عَلِيّ [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
859- إبراهيم بْن أدهم بْن منصور بْن يزيد بْن جَابِر العجلي، ويقال: التَّمِيمِيّ [4] .
أصله من بلخ وَكَانَ من أولاد الملوك، وروى عَنْ جماعة من التابعين كأبي إسحاق السبيعي، وأبي حازم، وقتادة، ومالك بْن دينار، وأبان، والأعمش، واشتغل بالتزهد عَنِ الرواية، وَكَانَ يكون بالكوفة ثُمَّ بالشام.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد أَحْمَد بْن مُحَمَّد البغدادي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْنِ أَبِي/ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي [قَالَ: سمعت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الحارث قَالَ:
سمعت إِسْمَاعِيل بْن بِشْر البلخي] [5] قَالَ: سمعت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد العابد يَقُول:
سمعت يونس بْن سليمان البلخي يَقُول: كَانَ إِبْرَاهِيم بْن أدهم من الأشراف، وَكَانَ أبوه كثير المال والخدم، فخرج إِبْرَاهِيم يوما إلى الصيد مَعَ الغلمان والخدم والجنائب والبزاة فبينا إِبْرَاهِيم في ذلك وهو على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إِبْرَاهِيم، مَا هَذَا العبث أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ 23: 115 [6] اتق اللَّه، وعليك بالزاد ليوم الفاقة، قَالَ: فنزل عن دابته ورفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة.
__________
[1] في ت: «وعمالتها» .
[2] في الأصل: «روح بن حاتم» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 134.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 31.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] سورة: المؤمنون، الآية: 23.

(8/240)


أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ قَالَ: حَدَّثَنَا الغطريفي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن ديمهر قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْر بْن المنذر قَالَ: كنت إذا رأيت إِبْرَاهِيم بْن أدهم كأنه ليس فِيهِ روح لو نفخته الريح لوقع، قَدِ اسود متدرعا بعباءة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بإسناده، عَنْ شقيق بْن إِبْرَاهِيم يَقُول: قلت لإبراهيم بْن أدهم: تركت خراسان، قَالَ: مَا تهنيت بالعيش إلا فِي بلاد الشام أفر بديني من شاهق إِلَى شاهق، ومن جبل إِلَى جبل، فمن يراني يَقُول: موسوس، ومن يراني يَقُول: حمال.
عَنْ أَحْمَد [1] بْن أبي الحواري قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن داود يَقُول: مر يزيد [2] بإبراهيم بْن أدهم وَهُوَ ينظر كرما، فَقَالَ: ناولني من هَذَا العنب، فَقَالَ: مَا أذن لي صاحبه، فقلت: السوط، وجعل يقنع رأسه فطأطأ إِبْرَاهِيم [3] رأسه، وَقَالَ: اضرب رأسا طال مَا عصى اللَّه. قَالَ: فأعجز الرجل عنه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا حمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسين بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الجرجاني قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الطوسي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا محبوب بن موسى قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن بكار قَالَ: كنا جلوسا بالمصيصة وفينا إِبْرَاهِيم بْن أدهم، فقدم رجل من خراسان فَقَالَ: أيكم إِبْرَاهِيم بْن أدهم، فَقَالَ القوم: هَذَا. قَالَ: إن إخوتك بعثوني إليك، فلما/ سمع بذكر إخوته قام فأخذ بيده فنحّاه، فقال: ما جاء بك؟ فَقَالَ: أنا مملوك معي فرس وبغلة وعشرة 109/ ب آلاف درهم، بعث بها إليك إخوتك، قَالَ: إن كنت صادقا فأنت حر، وما معك لك، اذهب فلا تخبر أحدا. فذهب.
عَنْ أحمد [4] بن أبي الحواري قال: سمعت أبا علي الجرجاني يحدّث أبا
__________
[1] في ت: «روى أحمد بن أبي الحواري» .
[2] في ت: «مر رجل» .
[3] «إبراهيم» ساقطة من ت.
[4] في ت: «قال أحمد ... » .

(8/241)


سُلَيْمَان الداراني قَالَ: صلى إِبْرَاهِيم بْن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد.
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [1] : اقتصرت ها هنا عَلَى مَا ذكرت من أخباره، لأني قَدْ جمعت أخباره فِي مجلد فكرهت الإعادة فِي التواليف [2] .
تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيم بالجزيرة، وحمل إِلَى صور فدفن هُنَاكَ.
860- الْحَسَن بْن أبي جَعْفَر، أَبُو سَعِيد الجعفري واسم جَعْفَر: عجلان.
أسند عَنْ أبي الزُّبَيْر، وثابت الْبُنَانِيّ، وغيرهما.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن العباس قال:
حدثنا سلمة بْن شبيب قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ: حَدَّثَنَا القواريري قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ التمار قَالَ: غدوت يوما قبل الفجر إِلَى مسجد الجفري، فإذا باب المسجد مغلق، وإذا حسن جالس يدعو، وإذا ضجة فِي المسجد وجماعة يؤمنون عَلَى دعائه فقام فأذن وفتح باب المسجد، فدخلت، فلم أر فِي المسجد أحدا، فلما أصبح وتفرق عنه الناس، قلت لَهُ: يا أبا سَعِيد، إني والله رأيت عجبا، قَالَ: وما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت، قَالَ: أولئك جن من أَهْل نصيبين يجيئون فيشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة.
861- زمعة بْن صالح المكي [3] .
روى عَنْ سلمة بن وهرام، وابن طاووس. وروى عنه: وكيع.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن عَبْد الجبار قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الدقاق قال: أخبرنا 110/ أأبو الحسين بْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا/ أَبُو بكر القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي المفضل بْن غسان، عَنْ مؤمل بْن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدَّثَنَا القاسم بْن راشد الشيباني قَالَ: كَانَ زمعة نازلا عندنا، وَكَانَ لَهُ أَهْل وبْنات، وَكَانَ يقوم فيصلي ليلا طويلا، فإذا كَانَ السحر نادى بأعلى صوته:
__________
[1] في ت: «قال المصنف» .
[2] في ت: «التصانيف» .
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 263.

(8/242)


أيُّها الركب المعرسون، أكل هَذَا الليل ترقدون، ألا تقومون، فترحلون. فيسمع من هاهنا باك، ومن هاهنا داع، ومن هاهنا قارئ، ومن هاهنا متوضئ. فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى.
862- سليمان الخواص.
كَانَ من المتعبدين الفطناء أَخْبَرَنَا أَبُو بكر العامري قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الْغَفَّارِ بْن مُحَمَّد الشيروي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن باكويه قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن سَعِيد الأموي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سهل الكرماني قَالَ: حَدَّثَنَا يوسف بْن موسى المروزي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سلام قَالَ:
سمعت يزيد بْن سَعِيد يَقُول: دخل سَعِيد بْن عَبْد العزيز عَلَى سليمان الخواص فَقَالَ لَهُ:
أراك فِي ظلمة، قَالَ: ظلمة القبر أشد من هَذَا. قَالَ: أراك وحدك. قَالَ: إن للصاحب عَلَى الصاحب حقا فخفت أن لا أقوم بحق صاحبي، قَالَ: فأخرج سَعِيد صرة فِيهَا شيء، فَقَالَ لَهُ: تنفق هَذَا، وأنا أحلها لك بين يدي اللَّه تعالى، إنه حلال. قَالَ: لا حاجة لي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: رحمك اللَّه مَا ترى مَا الناس فِيهِ دعوة. قَالَ: فصرخ سليمان صرخة، ثُمَّ قَالَ: مالك يا سَعِيد فتنتني بالدنيا وتفتني بالدين، ما لي وللدعاء من أَنَا، فخرج سَعِيد، فأخبر بما كَانَ الأوزاعي، فَقَالَ الأوزاعي: دعوا سليمان، لو كَانَ سليمان من الصحابة كَانَ مثلا.
863- شعبة بْن الحجاج بْن الورد، أَبُو بسطام العتكي مولاهم، واسطي الأصل بصري الدار [1] .
ولد بواسط سنة ثلاث ومائتين، ونشأ بها، وانتقل إِلَى البصرة، ورأى الحسن، وابن سيرين، وسمع قتادة، ويونس بْن عبيد، وأيوب السجستاني، وخالد الحذاء، وعبد الملك بن عمير، وأبا إسحاق/ السبيعي، وطلحة بن مصرف، ومنصور بن 110/ ب المعتمر، والأعمش وغيرهم.
وقد روى عنه: أيوب، والأعمش، وابن عيينة، وابن المهدي، وكان أكبر من سفيان الثوري بعشر سنين، وكان عالما حافظا للحديث صدوقا زاهدا متعبدا، عارفا بالشعر.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 255- 266.

(8/243)


قَالَ الأصمعي: لم نر أحدا أعلم بالشعر من شعبة.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو القاسم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن القاسم الضبعي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو الخفاف قَالَ: حَدَّثَنَا الدوري قَالَ: حَدَّثَنَا قرار أَبُو نوح قَالَ: رأى علي شعبة قميصا فَقَالَ: بكم أخذت هَذَا؟ قلت: بثمانية دراهم. قَالَ: ويحك، أما تتقي اللَّه تلبس قميصا بثمانية دراهم [1] ؟ ألا اشتريت قميصا بأربعة دراهم، وتصدقت بأربعة [2] .
قَالَ الضبعي: وحدثنا أَبُو عَمْرو أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحيري قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ:
سمعت مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة وسليمان بْن حرب إِلَى جنبه يَقُول: خرج الليث بْن سعد يوما فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه وما كَانَ عليه ثمانية عشر ألف درهم إِلَى عشرين ألفا، فَقَالَ سليمان بن حرب: خرج شعبة يوما فقوموا حماره وسرجه ولجامه بثمانية عشر درهما إِلَى عشرين درهما [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: حدثنا محمد بن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو عَبْد اللَّه بْن مغلس] قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ الفلاس قَالَ: سمعت أبا بحر البكراوي يَقُول: مَا رأيت أعبد للَّه من شعبة، لقد عَبْد اللَّه حَتَّى جف جلده عَلَى عظمه ليس بينهما لحم [4] .
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : كَانَ شعبة متشاغلا بالعلم، لا يكسب شيئا من الدنيا، وَكَانَ لَهُ إخوة يقومون بأموره، فاشترى أحد أخوته طعاما من السلطان فخسر فِيهِ، فقدم شعبة على المهدي في ذلك فعابه بالدخول عليهم سفيان الثوري، فَقَالَ شعبة: هو لم يحبس أخوه.
11/ أأخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت/ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلي بْن مخلد قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن محمد بْن عمران قال: أخبرنا محمد بن يحيى
__________
[1] «ويحك ... » حتى « ... دراهم» ساقط من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 262.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 262.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 263.
[5] في ت: «قال المصنف» .

(8/244)


الصولي قَالَ: حَدَّثَنَا المبرد قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الفرج الرياشي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عاصم قَالَ: اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو وشركاؤه، فحبس عَلَى [1] ستة آلاف دينار تخصه، فخرج شعبة إِلَى المهدي ليكلمه فِيهِ فلما دخل عليه قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أنشدني قَتَادَة وسماك بْن حرب لأمية بْن أبي الصلت:
أأذكر حاجتي أم قَدْ كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
كريم لا يغيره صباح ... عَنِ الخلق الكريم ولا مساء
فأرضك أرض مكرمة بْنتها ... بْنو تيم وأنت لهم سماء
فَقَالَ: لا يا أبا بسطام، لا تذكرها، قَدْ عرفناها وقضيناها لك، ادفعوا إِلَيْهِ أخاه، ولا تلزموه شيئا [2] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه المعدل قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق السراج قَالَ: سمعت بعض أصحابْنا يَقُول: وهب المهدي لشعبة ثلاثين ألف درهم فقسمها، وأقطعه ألف جريب بالبصرة، فقدم البصرة فلم يجد شيئا يطيب لَهُ فتركها ولم يرجع [3] .
تُوُفِّيَ شعبة بالبصرة فِي هذه السنة وَهُوَ ابْن سبع وسبعين سنة.
864- عَبْد اللَّه بْن صفوان الجمحي [4] .
والي المدينة. تُوُفِّيَ فولي مكانه زفر بْن عاصم.
865- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّه بْن عتبة بْن عَبْد اللَّه بْن مسعود الهذلي المسعودي [5] .
سمع القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وسلمة بْن كهيل وعاصم بْن بهدلة وغيرهم.
روى عنه: الثوري، وشعبة، وابْن عتبة، ووكيع ويزيد بن هارون وغيرهم.
__________
[1] «على» ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 256.
[3] «ولم يرجع» ساقطة من ت.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 256.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 423.
[5] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 487.

(8/245)


قَالَ الأثرم: سئل أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حنبل عَنْ أبي عمير وَعَبْد الرَّحْمَنِ المسعودي: أيهما أحب إليك؟ قَالَ: كلاهما ثقة، المسعودي عَبْد الرَّحْمَنِ أكثرهما 111/ ب حديثا، قيل: لَهُ إخوة؟ قَالَ: نعم. قيل لَهُ: هما من/ ولد عَبْد اللَّه بْن مسعود أو من ولد عتبة؟ فَقَالَ: هما من ولد عبيد الله بن عتبة بْن مسعود، وابْن عتبة بْن عَبْد اللَّه بْن مسعود، فَقَالَ: ابْن عتبة بْن عَبْد اللَّه بْن مسعود.
قَالَ: وَقَالَ رجل للمسعودي: إنك من ولد عتبة بْن مسعود فغضب، وَقَالَ: أنا من ولد عَبْد اللَّه بْن مسعود. وقد اتفقوا عَلَى أن عَبْد الرَّحْمَنِ ثقة، وإنما ذكروا أنه اختلط في آخر عمره.
تُوُفِّيَ سنة ستين، وقيل: سنة خمس وستين، والأول أصح.

(8/246)