المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
خروج حكيم المقنع بخراسان من قرية من قرى مرو، وَكَانَ فيما ذكر يَقُول
بتناسخ الأرواح، فاستغوى بشرا كثيرا، وسار إِلَى مَا وراء النهر، فوجه
المهدي لقتاله عدة من قواده، فيهم مُعَاذ بْن سالم وَهُوَ يومئذ عَلَى
خراسان، ومعه عقبة بْن سالم، وجبرئيل بْن يَحْيَى، وليث مولى المهدي،
ثُمَّ أفرد المهدي لمحاربته سَعِيد الحرشي، وضم إِلَيْهِ هؤلاء القواد،
فابتدأ المقنع يجمع الطعام فِي قلعة بكش عدة للحصار [1] .
وَفِيهَا: ظفر بِشْر بْن مُحَمَّد بْن الأشعث الخزاعي بعَبْد اللَّه
بْن مروان بالشام، فقدم به عَلَى المهدي ولم يعرض لَهُ [2] .
وَفِيهَا: غزا الصائفة ثمامة بْن الوليد، وخرج إِلَى الروم، وأصيب من
المسلمين عدة [3] .
وَفِيهَا: أمر المهدي ببْناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور الَّتِي
كَانَ أَبُو الْعَبَّاس بْناها من القادسية إِلَى زبالة، وأمر بالزيادة
فِي قصور أبي الْعَبَّاس، وترك منازل أبي جَعْفَر الَّتِي كَانَ بْناها
عَلَى حالها، وأمر باتخاذ المصانع فِي كل منهل، وبتجديد الأميال
والبرد، وحفر الركايا مَعَ المصانع، وولى ذلك يقطين بْن موسى، فلم يزل
ذلك إِلَيْهِ إِلَى سنة إحدى وسبعين ومائة، وَكَانَ خليفة يقطين فِي
ذلك أخوه أبو موسى [4] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 135.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 136.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 135.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 136.
(8/247)
112/ أوفيها: / أمر المهدي بالزيادة فِي
المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الجامع بالبصرة، فزيد فِي مقدمته
مما يلي القبلة، وعن يمينه مما يلي رحبة بْني سليم [1] ، وولى ذلك
مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، وَهُوَ يومئذ والي البصرة.
وَفِيهَا [2] : أمر المهدي بْنزع المقاصير، وتقصير المنابر وتصييرها
إِلَى المقدار الَّذِي عليه مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [اليوم] [3] ، وكتب بذلك إِلَى الآفاق فعمل به [4]
.
وَفِيهَا: أمر المهدي يعقوب بْن داود بتوجيه الأمناء فِي جميع الآفاق،
ففعل وَكَانَ لا ينفذ للمهدي كتاب [5] إِلَى عامل فيجوز حَتَّى يكتب
يعقوب إِلَى ثقته وأمينه بإنفاذ ذلك [6] .
وَفِيهَا: اتضعت منزلة أبي عبيد اللَّه وزير المهدي، وسبب ذلك أن
الموالي كانوا يشنعون عليه عند المهدي ويحرضونه عليه، ولما رأى أَبُو
عبيد اللَّه غلبة [7] الموالي عَلَى المهدي، وخلوتهم به، ضم إِلَى
المهدي رجالا من قبائل شتى من أَهْل الأدب والعلم وكانوا فِي صحابته،
ولم يكونوا ليدعوا الموالي يخلون به، ولما تولى الربيع أمر البيعة
للمهدي وقدم عَلَى أبي عبيدة، فلم يتحرك لَهُ ولم يكرمه ولم يسأله كيف
كَانَ أمر البيعة، فابتدأ الربيع يحدثه، فَقَالَ: قَدْ بلغنا نبأكم،
فخرج الربيع مجتهدا فِي أذى أبي عبيد اللَّه، فاتهم ابنه مُحَمَّد ببعض
حرم المهدي، حَتَّى استحكمت الظنة عند المهدي بمحمد بْن أبي عُبَيْد
اللَّه، فأمر فأحضر، فَقَالَ: يا مُحَمَّد، اقرأ، فاستعجمت عليه
القراءة، فَقَالَ: يا معاوية، ألم تعلمني أن ابْنك جامع للقرآن،
فَقَالَ: بلى، ولكن فارقني منذ سنين فنسي، فَقَالَ: قم فتقرب إِلَى
الله تعالى بدمه. فذهب يقوم فوقع، فَقَالَ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد: إن
رأيت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أن تعفي الشَّيْخ، ففعل، وأمر به
فضربت عنقه، ثُمَّ اتهم المهدي أبا عُبَيْد اللَّه فِي نفسه فَقَالَ
لَهُ الرَّبِيع، قتلت ابْنه وليس ينبغي أن
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 136.
[2] «وفيها» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 136.
[5] «كتاب» ساقط من ت.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 136.
[7] في ت: «نقاقة» .
(8/248)
يوثق به فأوحش المهدي/ منه واشتفى الربيع
[1] .
وروى القاسم بْن الربيع قَالَ: دخل الربيع عَلَى المهدي وأبو عبيد
اللَّه يعرض عليه كتبا، فقال لَهُ أَبُو عُبَيْد اللَّه: مر هَذَا أن
[2] يتنحى- يعني الربيع- فَقَالَ لَهُ: تنح، قَالَ: لا أفعل قال: كأنك
تراني بالعين الأولى، قَالَ: لا بل أراك بالعين الَّتِي أنت بها،
قَالَ: فلم لا تتنحى إذ أمرتك، قَالَ: أنت ركن الإسلام، وقد قتلت ابْن
هَذَا، فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها، فقام المهدي مذعورا وأمر
بتفتيشه فوجد بين جوربه وخفه سكينا، فردت الأمور كلها إلى الربيع، وعزل
أَبُو عبيد اللَّه، وولي يعقوب بْن داود مكانه، وَكَانَ بلغ المهدي من
قبل الربيع أن ابْن أبي عبيد اللَّه زنديق، فأتي به، فأقر بذلك،
فاستتيب فلم يتب، فقتله وصلبه على باب أبي عبيد اللَّه.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أبي
القاسم عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو الحسين عَلِيّ بْن هِشَام قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن
أَحْمَد بْن مُحَمَّد الكاتب المعروف بابْن أبي عُمَر قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد العتابي قَالَ: حَدَّثَنَا خالي
أَبُو مُحَمَّد قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم بْن العباسي الصوفي يَقُول:
حدثت عَنِ المأمون، عَنِ الرشيد أنه سمع المهدي يقول: بعد زوال أبي
عبيد اللَّه [3] عَنِ الوزارة، وتفويض الأمر إِلَى يعقوب بْن داود، مَا
رأيت أحزم ولا أفهم ولا أعف ولا أكفأ من أبي عبيد اللَّه، ولقد كنت
أحبه وأجريه مجرى الوالد، ومذ خدمني اجتهدت أن يدعوني إِلَى داره
فيمتنع ويزعم أنه لا تتسع همته ولا نعمته لذلك فاعتل، فكتب إلي
باستعلاله، وأنه عَلَى الركوب إلي عازم [4] بعد يوم أو يومين، فسابقته
فركبت إِلَيْهِ وقلت: قَدْ كنت أجتهد بك أن تدعوني فتأبى، وقد جئتك
جامعا للعيادة والتهنئة بالعافية والدعوة، فقال: والله يا أمير
المؤمنين:
ما لي طعام ولا غلمان ولا زي يصلح لدعوتك، فقلت: قَدْ فرغت لك من ذلك
وتقدمت إِلَى غلماني بحمل الآلات والطعام، وإنما أردت تشريفك والأنس
بك، وجاء الغلمان بالآلات/ وجلسنا فأكلنا وجعل يتحفني بالفاخر من الفرش
والآنية والآلات التي في بيته 113/ أهدية لي، فأخذت أحسنها فازداد
ابتهاجا، فلما أردت الانصراف قال لي: أريد أن أبكي
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 137- 139.
[2] «أن» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: أبي عبيدة.
[4] «عازم» ساقطة من ت.
(8/249)
وأنا أتطير أن أبكي بعد انصراف أمير
المؤمنين، وأنا أستأذن فِي البكاء بحضرته، وانحدرت دموعه، بعد عقيب
الكلام، وبكى بكاء شديدا، فقلت: يا هَذَا، أنا أعلم فيك سخاء نسميه حسن
تدبير، فإن كَانَ بك مَا أهديته فهو مردود عَلَيْك. فحلف بأيمان عظيمة
أنه مَا بكى لذلك، وَقَالَ: كيف أبكي عَلَى مَا أسر به، حيث جعلتني
أهلا لقبوله، قلت: فلم؟ قَالَ: لم يبق مرتبة تنال إلا وقد نلتها
وبلغتها بفضل أمير المؤمنين حَتَّى انتهت بي الحال إِلَى أن يعودني
أمير المؤمنين أو يهنئني بحال تورده أو يصير إِلَى دعوتي، فلما كَانَ
اليوم جمع لي أمير المؤمنين ذلك [1] ، فعلمت أني قَدْ بلغت النهاية
وأنه ليس بعدها إلا الانحطاط، فبكيت لذلك فرققت لَهُ، وعلمت فضله، وقلت
لَهُ: أما فِي أيامي فأنت آمن من ذاك، واعتقدت أن لا أنكبه، فلما رأى
الربيع منزلته حسده، فجد فِي السعاية إلي به، والفساد بيننا، والحيلة
عليه، إِلَى أن جرى فِي أمر ابْنه وإقراره بالزندقة مَا لم يسع معه إلا
أن يقتل فقتله، وخفت أن يكون قَدِ استوحش لذلك، فلم آمنه عَلَى نفسي،
فاحتجت إِلَى صرفه فصرفته وَكَانَ الأمر عَلَى ظنه من النقصان بعد
التناهي [2] .
وَفِيهَا [3] : غزا الغمر بْن الْعَبَّاس الخثعمي فِي البحر [4] .
وَفِيهَا: ولي نصر بْن مُحَمَّد بْن الأشعث السند مكان روح بْن حاتم،
وشخص إليها، ثُمَّ عزل وولي مكانه مُحَمَّد بْن سليمان، فوجه إليها
عَبْد الملك بْن شهاب المسمعي، وأبا نصر بْن مُحَمَّد عَلَى السند،
فرجع إِلَى عمله، وإنما أقام بها عَبْد الملك ثمانية عشر يوما ورجع
إِلَى البصرة [5] .
وَفِيهَا استقضى المهدي عافية بْن يزيد الأزدي، فكان هو وابْن غلاثة
يقضيان في 113/ أعسكر المهدي بالرصافة، وَكَانَ القاضي/ بالمدينة
الشرقية عُمَر بْن حبيب العدوي [6] .
وَفِيهَا: عزل الفضل بْن صالح عَنِ الجزيرة واستعمل عَلَيْهَا عَبْد
الصَّمَدِ بن علي،
__________
[1] «أو يهنئني ... » حتى « ... أمير المؤمنين ذلك» ساقط من ت.
[2] في ت: «التناجي» .
[3] في ت: «وفي هذه السنة» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 140.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 140.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 140.
(8/250)
وولي يزيد بْن منصور سواد الكوفة، وحسان
الشروي الموصل، وبسطام بْن عُمَر أذربيجان [1] .
وَفِيهَا: صرف أبان بْن صدقة عَنْ هارون بْن المهدي إِلَى موسى بْن
المهدي، وجعل كاتبا لَهُ ووزيرا، وجعل مكانه مَعَ هارون يَحْيَى بْن
خالد بْن برمك [2] .
وَفِيهَا: عزل مُحَمَّد بْن سليمان عَنْ مصر فِي ذي الحجة، ووليها سلمة
بْن رجاء [3] .
وَفِيهَا: حج بالناس موسى بْن المهدي وَهُوَ فِي عهد أبيه، وَكَانَ
عامل مكة والطائف والمدينة جَعْفَر بْن سليمان، وعامل اليمن عَلِيّ بْن
سليمان، وَكَانَ عَلَى صلاة الكوفة وأحداثها إِسْحَاق بْن الصباح
الكندي. وعلى سوادها يزيد بْن منصور [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
866- زند- بالنون [5]- بْن الجون، أَبُو دلامة الشاعر.
[قَالَ المؤلف] [6] : ومن قَالَ: زيد [فقد] [7] صحف، وَكَانَ كوفيا
أسود، مولى لبْني أسد، وَكَانَ أبوه عبدا لرجل منهم يقال لَهُ: قصاقص
فأعتقه، أدرك آخر بْني أمية- أعني أَبُو دلامة- لكن لم يكن لَهُ نباهه
فِي أيامهم ونبغ فِي أيام بْني الْعَبَّاس، فانقطع إِلَى السفاح
والمنصور والمهدي، وكانوا يقدمونه ويفضلونه ويستطيبون نوادره، ومدح
المنصور، وذكر قتل أبا مسلم فَقَالَ فِيهَا:
أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى ... عَلَيْك بما خوفتني الأسد الورد
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 140.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 140.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 141.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 141.
[5] «بالنون» ساقط من ت.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 489.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/251)
أبا مسلم مَا غير اللَّه نعمة ... عَلَى
عبده حَتَّى يغيرها العبد
وأنشدها المنصور فِي محفل من الناس فَقَالَ: لَهُ عشرة آلاف درهم، فأمر
له بها، فلما خلا به قال لَهُ: أما والله لو تعديتها لقتلتك.
وقد قيل إنه بقي إِلَى خلافة/ الرشيد ولا يثبت. وَكَانَ مطبوعا كثير
النوادر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سمعت ثعلبا
يَقُول: لما ماتت حمادة بْنت عِيسَى امرأة المنصور، وقف المنصور والناس
معه عَلَى حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة وأبو دلامة، فأقبل عليه المنصور
فَقَالَ: يا أبا دلامة مَا أعددت لهذا المصرع؟ قَالَ: حمادة بْنت
عِيسَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فأضحك القوم [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن على قال:
أخبرنا أحمد بن مُحَمَّد العتيقي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن دريد قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أخي
الأصمعي قَالَ: سمعت الأصمعي يَقُول: أمر المنصور أبا دلامة بالخروج
نحو عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ فَقَالَ لَهُ أَبُو دلامة: نشدتك اللَّه
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أن تحضرني شيئا من عساكرك، فإني شهدت تسعة
عساكر انهزمت كلها، وأخاف أن يكون عسكرك العاشر.
فضحك منه وأعفاه [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن ثابت
قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مَخْلَد قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عمران قَالَ: حَدَّثَنَا تمام بْن المنتصر
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العيناء قَالَ: أَخْبَرَنِي العتابي قَالَ:
دخل أَبُو دلامة عَلَى المهدي فطلب كلبا فأعطاه، ثُمَّ قائده فأعطاه،
ثُمَّ دابة، ثُمَّ جارية تطبخ الصيد، فأعطاه قَالَ: من يعولها، أقطعني
ضيعة أعيش فِيهَا وعيالي. قَالَ: قَدْ أقطعك أمير المؤمنين مائة جريب
من العامر، ومائة من الغامر قَالَ: وما الغامر؟ قَالَ: الخراب الَّذِي
لا ينبت، قَالَ أَبُو دلامة: قَدْ أقطعت أمير المؤمنين خمسمائة جريب من
الغامر أرض بْني أسد، قَالَ: فهل بقيت لك من حاجة، قَالَ: نعم. قَالَ:
تأذن لي أن أقبل يدك، قَالَ: ما إلى ذلك سبيل.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 489.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 490.
(8/252)
قَالَ: والله مَا رددتني عَنْ حاجة أهون
علي فقدا منها [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ
وحدثنا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنا أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن سليمان الواسطي
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد
الفرضي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرو مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد
النحويّ/ قال: 114/ ب حَدَّثَنَا ثعلب، عَنْ مُحَمَّد بْن سلّام قَالَ:
لقي روح بْن حاتم بعض الحروب فَقَالَ لأبي دلامة- وقد دعاه رجل منهم
إِلَى البراز- تقدم إِلَيْهِ، قَالَ: لست بصاحب قتال، قَالَ:
لتفعلن، قَالَ: إني جائع فأطعمني، فدفع إِلَيْهِ خبزا ولحما، وتقدم فهم
به الرجل فَقَالَ لَهُ أَبُو دلامة: اصبر يا هَذَا أي محارب تراني؟
ثُمَّ قَالَ: أتعرفني؟ قَالَ: لا، قَالَ: فهل أعرفك؟
قَالَ: لا، قَالَ: فما فِي الدنيا أحمق منا ودعاه للغداء فتغديا جميعا
وافترقا، فسأل روح عما فعل، فحدث فضحك، ودعا به، وسأله عَنِ القصة
فَقَالَ:
إني أعوذ بروح أن تقدمني ... إِلَى القتال فيخزي بي بْني أسد
إن المهلب حب الموت ورثكم ... ولا ورثت لحب الموت من أحد
867- سفيان بْن سَعِيد بْن مسروق، أَبُو عَبْد اللَّه الثوري [2] .
من أَهْل الكوفة، ولد فِي خلافة سليمان بْن عَبْد الملك وسمع خلقا
كثيرا وَكَانَ من كبار أئمة المسلمين، لا يختلف فِي إمامته وأمانته
وحفظه وعلمه وزهده.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن
علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: حدثنا عثمان بن أحمد
قال: حدثنا سهل بْن عَلِيّ الدوري [3] قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْن
بْن عَلِيّ بْن يزيد الصدائي قَالَ: حَدَّثَنَا البراء بْن رستم قَالَ:
سمعت يونس بْن عبيد يَقُول: مَا رأيت أفضل من سفيان الثوري، فَقَالَ
لَهُ: يا أبا عَبْد اللَّه رأيت سَعِيد بْن جبير، وإبراهيم [4] ،
وعطاء، ومجاهدا وتقول هَذَا؟ قَالَ: هو مَا أقول، مَا رأيت أفضل من
سفيان الثوري [5] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 492- 493.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 151- 174.
[3] في ت، الأصل: «إسماعيل بن علي الروبي» .
[4] «وإبراهيم» ساقط من ت.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 155.
(8/253)
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن
عَلي بْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن عُمَر بْن برهان قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد الباقي بْن قانع قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُوسَى
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ
بْن مهدي يَقُول: مَا عاشرت فِي الناس رجلا أرق من سفيان الثوري، وكنت
أرمقه فِي الليلة بعد الليلة ينهض مرعوبا ينادي: النار النار، شغلني
ذكر النار عن النوم والشهوات [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي/
قال: أخبرنا أبو عبد الله مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد قَالَ:
أَخْبَرَنَا الوليد بن بكر الأندلسي قال: حدثنا علي بن أحمد بن زكريا
الهاشمي قال: حدثنا صالح بن أحمد العجلي قال: حدثني أبي قال:
دخل سفيان على المهدي فقال السلام عليكم، كيف أنتم. ثُمَّ جلس فَقَالَ:
حج عُمَر بْن الخطاب [رضي اللَّه عنه] فأنفق فِي حجته ستة عشر دينارا،
وأنت حججت، فأنفقت فِي حجتك بيوت الأموال قَالَ: فأي شيء تريد، أكون
مثلك؟ قَالَ: فوق مَا أنا فِيهِ ودون مَا أنت فِيهِ. فَقَالَ وزيره
أَبُو عبيد اللَّه: يا أبا عبد الله، قد كانت كتبك تأتينا فننفذها.
قَالَ: من هَذَا؟ قَالَ: أَبُو عبيد اللَّه وزيري. قَالَ: احذره، فإنه
كذاب، أنا كتبت إليك. ثُمَّ قام فَقَالَ لَهُ المهدي: إِلَى أين يا أبا
عبد الله؟ قال: أعود، وكان قد ترك نعله حين قام، فعاد فأخذها ثُمَّ
مضى، فانتظره المهدي فلم يعد، قَالَ: وعدنا أن يعود فلم يعد، قيل:
إنه عاد لأخذ نعله فغضب. وَقَالَ: قَدْ آمن الناس إلا سفيان الثوري،
ويونس بْن فروة الزنديق، فإنه لبطلب وإنه لفي المسجد الحرام، فذهب
فألقى نفسه بين النساء فجللنه، قيل لَهُ: لم فعلت؟ قَالَ: إنهن أرحم
ثُمَّ خرج إِلَى البصرة، فلم يزل بها حَتَّى مات. فلما احتضر قَالَ:
مَا أشد الغربة انظروا إليّ هاهنا أحدا من أَهْل بلادي؟ فنظروا فإذا
أفضل رجلين من أَهْل الكوفة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد الملك بْن
أبجر، والحسن بْن عياش أخو أبي بكر، فأوصى إِلَى الْحَسَن فِي تركته،
وأوصى إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بالصلاة عليه [2] .
تُوُفِّيَ بالبصرة في هذه السنة.
قَالَ مؤلف الكتاب وقد أوردت أخبار سفيان الثوري [3] فِي كتاب كبير،
فلهذا اقتصرت هاهنا على هذا المقدار.
__________
[1] هذا الخبر ساقط من ت.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 157.
[2] انظر: تاريخ بغداد 9/ 160.
[3] في ت: «وقد أفردت لأخبار سفيان في كتاب كبير» .
(8/254)
868- المؤمل بْن أميل المحاربي الشاعر [1]
.
مدح المهدي وله أشعار.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال:
قرأت على الجوهري، عن أبي عبد الله المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي
مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس قَالَ: ذكر المؤمل بين يدي المبرد، فَقَالَ:
كانوا يقولون المؤمل/ البارد. فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي شعره ذلك
[ولكنه] [2] 115/ ب شاعر، قَالَ: أنشدني لَهُ [3] عَبْد الصَّمَدِ بْن
المعدل:
لا تغضبْن عَلَى قوم تحبهم ... فليس ينجيك من أحبابك الغضب
ولا تخاصمهم يوما وإن ظلموا ... إن القضاة إذا مَا خوصموا غلبوا
يا جائرين علينا فِي حكومتهم ... والجور أعظم مَا يؤتى ويرتكب
لسنا إِلَى غيركم منكم نفر إذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب
قَالَ المرزباني: وأخبرني الصولي قَالَ: يقال إن المؤمل لما قَالَ:
شفى المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق لَهُ بصر
عمي فرأى فِي منامه إنسانا يَقُول لَهُ: هَذَا مَا تمنيت [4] فِي شعرك.
869- نصر بْن مالك صاحب الشرطة.
تُوُفِّيَ من فالج أصابه، ودفن فِي مقابر بْني هاشم، وصلى عليه المهدي،
وولي الشرطة بعده حمزة بن مالك.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 177- 180.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «له» ساقط من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 179- 180.
(8/255)
ثم دخلت سنة اثنتين
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
مقتل عَبْد السَّلامِ الخارجي بقنسرين، وَكَانَ قَدْ خرج بالجزيرة وكثر
بها أتباعه، واشتدت شوكته، فلقيه من قواد المهدي عدة فهزمهم، إِلَى أن
بعث المهدي إِلَيْهِ جنودا كثيرة، فهرب منهم إِلَى قنسرين فلحقوه
فقتلوه بها [1] .
وَفِيهَا: وضع المهدي دواوين الأزمة، وولى عَلَيْهَا عُمَر بْن بزيع
مولاه، فولى عُمَر [ابْن بزيع] [2] النُّعمان بْن عُثْمَان زمام خراج
العراق [3] .
وَفِيهَا: أمر المهدي أن يجري عَلَى المجذمين وأهل السجون فِي جميع
الآفاق [4] .
وَفِيهَا: خرجت الروم إِلَى الحدث فهدموا سورها [5] .
وَفِيهَا: غزا الْحَسَن بْن قحطبة الصائفة فِي ثمانين ألف مرتزق سوى/
المطوعة، فأكثر التخريب والتحريق فِي بلاد الروم من غير أن يلقى جمعا
أو يفتح حصنا، ثم قفل
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 142.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 142.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 142.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 142.
(8/256)
بالناس سالمين، وَكَانَ عَلَى قضاء عسكره
وما تجمع من الفيء جَعْفَر بْن عُمَر بْن عامر السلمي [1] .
وَفِيهَا: غزا يزيد بْن أبي أسيد السلمي [باب] [2] قاليقلا فغنم،
وافتتح ثلاثة حصون وأصابوا شيئا كثيرا وأسرى [3] .
وَفِيهَا: عزل عَلِيّ بْن سليمان عَنِ اليمن، وولي مكانه عَبْد اللَّه
بْن سليمان، وعزل سلمة بْن رجاء عَنْ مصر ووليها عيسى بْن لقمان فِي
المحرم، ثُمَّ عزل فِي جمادى الآخرة ووليها واضح مَوْلَى المهدي، ثُمَّ
عزل فِي ذي القعدة ووليها يَحْيَى الحرشي [4] .
وَفِيهَا: ظهرت المحمرة بحرجان، وعليهم رجل يقال لَهُ: عَبْد
الْقَهَّارِ، فغلب عَلَى جرجان وقتل خلقا كثيرا، فغزاه عُمَر بْن
العلاء من طبرستان، فقتل عَبْد الْقَهَّارِ وأصحابه [5] .
وَفِيهَا: حبس المهدي موسى بْن جَعْفَر: فرأى فِي المنام عَلِيّ بْن
أبي طالب وهو يَقُول لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ
تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22 [6] فأرسل
إِلَيْهِ فأطلقه.
وَفِيهَا: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن جَعْفَر بْن المنصور، وَكَانَ
الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد استأذن المهدي فِي الحج بعد ذلك، فعاتبه أن لا
يكون استأذنه قبل أن يولي الموسم أحدا فيوليه إياه، فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عمدا أخرت [ذلك] [7] لأني لم أرد الولاية.
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها فِي السنة الَّتِي قبلها، غير
أن الجزيرة كانت في هذه السنة إِلَى عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ
وطبرستان والرويان إِلَى سَعِيد [بْن] دعلج
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 143.
[2] ما بين المعقوفتين: زيادة من الطبري.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 143.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 143.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 143.
[6] سورة: محمد، الآية: 22.
[7] ما بين المعقوفتين: زيادة من الطبري.
(8/257)
وجرجان إِلَى المهلهل بْن صفوان [1] . ومصر
فِي آخر السنة إِلَى يَحْيَى الحرشي كما تقدم [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
870- إبراهيم بن أدهم العجليّ كوفي.
116/ ب ليس بالزاهد المشهور، قدم مصر زائر لرشدين [ين بن] / سعد حفظ
عنه.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل سنة ثلاث.
871- إسرائيل بْن يونس بْن أبي إِسْحَاق السبيعي. واسم أبي إِسْحَاق:
عَمْرو بْن عَبْد اللَّه الهمداني وسبيع الَّذِي نسب إِلَيْهِ هو صعب
بْن معاوية بْن كثير بْن مالك، وإسرائيل: يكنى أبا يوسف، وَهُوَ كوفي
[3] .
سمع جده أبا إِسْحَاق، وسماك بْن حرب، ومنصور بْن المعتمر، والأعمش.
روى عنه: وكيع، وابْن مهدي، وأبو نعيم. قَالَ: يَحْيَى ثقة، وَقَالَ
علي: هو ضعيف.
تُوُفِّيَ في هذه السنة. وقيل: سنة إحدى وستين. وقيل سنة ستين.
872- سفيان بْن حسين بْن حسن مولى بْني سليم. وقيل: مولى عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن سمرة، ويكنى أبا مُحَمَّد، ويقال: أبا الْحَسَن [4] .
حدث عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وابْن سيرين، والزهري، وَكَانَ ثقة.
روى عَنْ شعبة، وهشيم، ويزيد بْن هارون، وَكَانَ من أَهْل واسط، فقدم
إلى بغداد فضمه المنصور إلى المهدي، فعلمه وخرج معه إِلَى الري.
وتوفي بالري في خلافة المهدي.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 243.
[2] «ومصر من آخر السنة إِلَى يَحْيَى الحرشي كما تقدم» . ساقطة من ت.
انظر: تاريخ بغداد 8/ 143.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 20.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 310.
(8/258)
873- عباد بْن عباد أَبُو عتبة الخواص [1]
.
[قَالَ المؤلف] [2] : كذلك ذكره البخاري وغيره، وقد اشتهر بأبي عبيدة
الخواص، [3] كَانَ من أَهْل الوجد والشوق، وأسند الحديث عَنِ [4]
الأوزاعي وغيره.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر العامري قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن أبي صادق
قَالَ: أخبرنا ابن باكويه قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ماهان الجويني
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الأزدي قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْد الأعلى بْن سليمان قَالَ: رأيت أبا عبيدة الخواص عَلَى سرته
خرقة، وعلى رقبته خرقة، وهو يمشي ويقول: وا شوقاه إلى من يراني ولا
أراه.
أَخْبَرَنَا سليمان بْن مسعود قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد
الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طالب مُحَمَّد بْن عَلِيّ
البيضاوي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَر بْن
سعد قَالَ:
حدثني محمد بن الحسين قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد
قَالَ: حَدَّثَنَا عقبة بْن فضالة قَالَ: سمعت أبا عبيدة الخواص بعد
ما/ كبر وَهُوَ آخذ بلحيته يبكي ويقول: قَدْ كبرت 117/ أفأعتقني.
874- عيسى بْن أبي عيسى، واسمه: ماهان، وكنيته: أَبُو جَعْفَر
التَّمِيمِيّ [5] .
أصله من مرو، وسكن الري، ومات بها، فنسب إليها، سمع عطاء بْن أبي رباح،
وعمرو بْن دينار، وقَتَادَةَ، ومنصور بْن المعتمر، وغيرهم.
حدث عنه شعبة، وجرير، ووكيع، وَكَانَ ثقة صدوقا. لكن كَانَ سيئ الحفظ،
يهم كثيرا، وَكَانَ صديق سفيان فابتلي بأن صحبهم ولبس السواد، وزامل
المهدي إلى مكة فهجره سفيان.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن
ثابت قال: أخبرنا البرقاني قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الفضل جعفر بن محمد
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 101.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «وقد اشتهر بأبي عبيدة الخواص» ساقطة من ت.
[4] في ت: «وأسند إلى الأوزاعي» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 143.
(8/259)
الصندلي [1] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حفص
عُمَر بْن ياسر الْعَطَّار، عَنْ بِشْر بْن الحارث قَالَ: كَانَ أَبُو
جَعْفَر الرّازيّ صديقا لسفيان الثوري، وكانت لَهُ معه بضاعة، وَكَانَ
يكثر الحج، فكان إذا قدم الكوفة تلقاه سفيان من القنطرة، فإذا خرج
إِلَى مكة شيعه إِلَى النجف، فقدم سنة من السنين مدينة السلام، فاجتمع
إِلَيْهِ الأضراء. فقالوا: يا أبا جَعْفَر، تكلم لنا أمير المؤمنين
فإنه قَدْ ولى علينا رجلا يقطع أرزاقنا، ويسيء فيما بيننا وبينه، فلم
يجبهم إلى شيء فبلغ ذلك سفيان، فتلقاه عَلَى القنطرة وشيعه حَتَّى جاوز
النجف، وزاده فِي البر، فَلَمَّا كَانَ العام المقبل قدم أَبُو جَعْفَر
وَهُوَ يريد الحج، فاجتمع إِلَيْهِ الأضراء وكلموه بما كلموه به فِي
العام الماضي، فرق لهم، فأتى باب الذهب فَقَالَ للحاجب استأذن لي عَلَى
أمير المؤمنين فأخبره أن بالباب أبا جَعْفَر الرازي، فأسرع الرسول أن
أدخل، فدخل على المنصور، فأكرمه بغاية الكرامة، وجعل يسأله عَنْ أحواله
ويسأله هل لَهُ حاجة، فَقَالَ:
نعم، فقص عليه قصة الأضراء، فَقَالَ: يعزل عنهم كاتبهم، وولي عليهم من
أحبوا، 117/ ب ونأمر لأبي جَعْفَر بعشرة آلاف/ [درهم] [2] لسؤاله إيانا
هَذِهِ الحاجة، فلما صارت الدراهم بيده سقط في يديه، وعلم أنه قد أخطأ،
فجلس بسور القصر، ثُمَّ دعا بخرق وجعلها صررا، وفرقها عَلَى قوم، فنفض
ثوبه وليس معه منها شيء، فبلغ ذلك سفيان الثوري، فلما دخل أبو جعفر
الرازيّ الكوفة توارى سفيان فطلبه، فلم يقدر عليه، وسأل عنه، فلم يدل
عليه فانتقض عليه [3] لذلك بعض إخوان سفيان فقال له: ألك إِلَيْهِ
حاجة؟ فَقَالَ: نعم، فَقَالَ: اكتب كتابا وادفعه إلي أوصله لك
إِلَيْهِ، فكتب كتابا ودفعه إليه. قَالَ: فصرت بالكتاب إِلَى سفيان،
فإذا أنا به فِي غرفة وإذا هو مستلق عَلَى قفاه مستقبل القبلة، فسلمت
عليه، وأظهرت الكتاب، وقلت: كتاب أبي جَعْفَر الرازي، فَقَالَ: أقرأه،
فقرأته، فَقَالَ لي: اكتب جوابه فِي ظهره. فكتبت:
بسم الله الرحم الرحيم: وقلت: ماذا أكتب؟ قَالَ: أكتب لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ 5: 78 [4] إِلَى
آخر الآية..، اردد إلينا بضاعتنا لا حاجة لنا في أرباحها. قال: فأتيته
بالكتاب والناس إذ ذاك متوافرون بالكوفة، فنظر في الكتاب، فأجمع رأيهم
على أنهم يوجهون بكتابين إِلَى ابْن أبي ليلى، ولا يعلمونه ممن الكتاب
ولا من صاحب الجواب ليعرفوا مَا عنده من الرأي، فوجهوا بالكتابين، فنظر
فيهما، فقال:
__________
[1] في ت: «الصيدلي» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «عليه» ساقط من ت.
[4] سورة: المائدة الآية: 78.
(8/260)
أما الأول: فكتاب رجل مداهن، وأما الجواب
فجواب رجل يريد اللَّه بفعله [1] .
875- مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ المطلب [2] .
كَانَ فاضلا دينا وعاقلا لبيبا مشهورا بالجود والمروءة، وَكَانَ لَهُ
اختصاص بالمنصور.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عبيد اللَّه بن أبي الفتح قال: أخبرنا أحمد بن إِبْرَاهِيم
البزاز قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاس المنصوري، عَنْ يَحْيَى بْن زكريا مولى/
عَلِيّ بْن عبيد 118/ أالله عَنْ أبيه قَالَ: كَانَ المنصور يعجب بمحمد
بْن جَعْفَر بْن عبيد اللَّه بْن الْعَبَّاس بمؤانسته ومفاوضته
ومداعبته [3] ويلتذ لمحادثته، وَكَانَ أديبا لبيبا لسنا، وَكَانَ لحسن
منزلته عند المنصور، وعظيم قدره عنده تفزع إِلَيْهِ الناس فِي حوائجهم
فيكلمه فِيهَا فيقضيها حتى أكثر عليه من الحوائج وأفرط فِيهَا، فأمر
الربيع أن يحجبه، فلما حجبه قعد فِي منزله أياما فظمئ المنصور إِلَى
رؤيته، وتشوق إِلَى محادثته فَقَالَ: يا ربيع، إن جميع لذات مولاك قَدْ
أخلقن [عنده] [4] ورثثن في عينه سوى لذته من محادثة مُحَمَّد بْن
جَعْفَر، فإنها تتجدد عنده فِي كل يوم وقد كدرها علي ما بحملني عليه من
حوائج الناس، فاحتل لمولاك فيما كدر عليه من لذته. فقال الربيع: أفعل
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وخرج من عنده، فأتى مُحَمَّد بْن جَعْفَر
فعاتبه عَلَى مَا يحمل المنصور عليه من حوائج الناس ويسأله إعفاءه عَنْ
ذلك فنضح عَنْ نفسه فيما عاتبه عليه وأجابه أن لا يسأله حاجة لأحد
وأمره بالغدو عَلَى المنصور، ورجع إِلَى المنصور فأعلمه بذلك، وبلغ
قوما من قريش قدموا العراق بحوائجهم مَا كَانَ من أمر مُحَمَّد بْن
جَعْفَر [ومن الربيع، وأنه عازم عَلَى الغدو عَلَى المنصور فكتبوا
حوائجهم فِي رقاع ووقفوا بها عَلَى طريق مُحَمَّد بْن جَعْفَر] [5] .
فلما غدا
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 145- 146.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 111- 113.
[3] في ت: «يؤانسه ويفاوضه ويداعبه» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وفي الأصل زيادة: «ووقفوا بها عَلَى طريق مُحَمَّد بْن جَعْفَر فلما
غدا يريد المنصور» .
(8/261)
يريد المنصور عرضوا لَهُ بها ومتوا
إِلَيْهِ بقراباتهم، وتوسلوا [بأرحامهم] [1] . وسألوه إيصال رقاعهم
إِلَيْهِ فاعتذر إليهم وسألهم أن يعفوه من ذلك فأبوا وألحوا عليه،
فَقَالَ: لست أكلم المنصور فِي حاجة لأحد، فإن أحببتم أن تودعوا رقاعكم
كمي فافعلوا فقدموا رقاعهم فِي كمه، ومضى حَتَّى دخل عَلَى المنصور
وَهُوَ فِي القبة الخضراء مشرف عَلَى مدينة السلام ودجلة والصراة وما
حولها من البساتين والمزارع فعاتبه، فنفح عن نفسه، ثم حادثة ساعة، فقال
له المنصور: أما ترى حسن مستشرفنا هَذَا؟ قَالَ: أرى يا أمير المؤمنين
118/ ب فبارك اللَّه لك فيما أتاك وهنأك بإتمام النعمة عَلَيْك فيما
أعطاك، فما/ بْنت العرب في دولة الإسلام والعجم في مدة الكفر مدينة
أحصن ولا أحسن ولا أجمع للخصال المحمودة منها، وقد سمجتها [2] فِي عيني
يا أمير المؤمنين خصلة، قال: [و] ما هي؟
قَالَ: ليس [لي] [3] فِيهَا ضيعة. فتبسم، ثم قال: فإنّي أحسنها فِي
عينك بثلاث ضياع أقطعك فِي أكنافها فاغد عَلَى أمير المؤمنين يسجل لك
بها، فَقَالَ: أنت والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سهل الموارد، كريم
المصالح، فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، فلقد بررت فأفضلت [4] ،
ووصلت فأجزلت، وأنعمت فأسبغت فبدت الرقاع من كمه وَهُوَ يتشكر لَهُ،
فأقبل يردهن فِي كمه ويقول: لترجعن خاسئات، فضحك- يعني الخليفة-
وَقَالَ: بحق أمير المؤمنين عَلَيْك لما أخبرت [5] خبر هَذِهِ الرقاع،
فأعلمه. فَقَالَ: أبيت يا ابْن معلم الخير إلا كرما، فف للقوم بضمانك
وألقها عَنْ كمك لننظر فِي حوائجهم، فطرحها بين يديه فتصفحها ثم دفعها
إِلَى الربيع، ثُمَّ التفت إِلَيْهِ، فتمثل بقول امرئ القيس:
لسنا وإن أحسابْنا كرمت ... يوما عَلَى الأحساب نتكل
نبْني كما كانت أوائلنا ... تبْني ونفعل مثل مَا فعلوا
وَقَالَ: قَدْ قضى أمير المؤمنين حوائجهم، فأمرهم بلقاء الربيع، قال
محمد:
فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وقد تم» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «فقد بررت فأمنت» .
[5] في ت: «ألا أخبرته» .
[6] انظر: تاريخ بغداد 2/ 111- 113.
(8/262)
ثم دخلت سنة ثلاث
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
هلاك المقنع، وذلك أن سعيدا الحرشي حصره بكش فاشتد عليه الحصار، فلما
أحسّ بالهلكة شرب سما وسقاه نساءه، فمات ومتن، فدخل المسلمون قلعته
فاجتزوا رأسه ووجهوا به إِلَى المهدي [1] .
وَفِيهَا: قطع المهدي البعوث للصائفة عَلَى جميع الأجناد من أَهْل
خراسان وغيرهم، وخرج فعسكر بالبردان فأقام بها نحوا من شهرين يتهيأ
ويعطي الجنود، وأخرج/ بها صلات لأهل بيته الذين خرجوا معه.
وتوفي عيسى بْن عَلِيّ فِي آخر جمادى الآخر [2] .
وخرج المهدي من الغد من البردان متوجها إِلَى الصائفة، واستخلف بمدينة
السلام ابْنه مُوسَى، وكاتبه يومئذ أبان بْن صدقة، وعلى خاتمه عَبْد
اللَّه بْن علاثة، وعلى حرسه عَلِيّ بْن عِيسَى، وعلى شرطته عَبْد
اللَّه بْن خازم، وإنما خرج مشيعا لولده هارون، وضم إِلَيْهِ الربيع،
والحسن بْن قحطبة، وخالد بْن برمك، والحسن وسليمان ابْني برمك. ووجه
معه عَلَى أمر العسكر ونفقاته والقيام مَعَ ابْنه هارون [3] بإمرة
يَحْيَى بْن خالد، وَكَانَ أمر هارون كله إِلَيْهِ، ففتح الله عليهم
فتوحا كثيرة [4] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 144.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 144.
[3] «مع ابنه هارون» ساقط من ت.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 144- 147.
(8/263)
وفي مسير المهدي مَعَ ابْنه هارون عزل
عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ عَنِ الجزيرة وولى مكانه زفر بْن عاصم
الهلالي. وَكَانَ السبب أن المهدي سلك فِي سفرته هَذِهِ طريق الموصل
وعلى الجزيرة عَبْد الصَّمَدِ، فلما بلغ أرض الجزيرة ولم يتلقه عَبْد
الصَّمَدِ ولا هيأ لَهُ، ولا أصلح القناطر، فاضطغن ذلك عليه، فلما لقيه
تجهمه وأظهر لَهُ جفاء فبعث إليه عبد الصمد بألطاف لم يرضها، فردها
وازداد عليه سخطا، وأغلظ لَهُ، فرد عليه عَبْد الصَّمَدِ، فأمر بحبسه
وعزله عَنِ الجزيرة، ولم يزل فِي حبسه إِلَى أن رضي عنه.
وأتي المهدي وَهُوَ بحلب بزنادقة فقتلهم وصلبهم وقطع كتبا كانت معهم،
ثُمَّ عرض بها جنده، وأمر بالرحلة وأشخص جماعة ومن وافاه [1] من أَهْل
بيته مَعَ ابْنه هارون إِلَى الروم وشيع المهدي ابْنه هارون حَتَّى قطع
الدروب، وبلغ جيحان وارتاد بها المدينة الَّتِي تسمى المهدية، وودع
هارون عَلَى نهر جيحان، فسار هارون حَتَّى نزل رستاقا من رساتيق أرض
الروم، فِيهِ قلعة، فأقام عَلَيْهَا ثمانيا وثلاثين ليلة، ونصب
عَلَيْهَا المجانيق، ففتحها اللَّه تعالى بعد أن أصاب الناس- يعني
أهلها- عطش وجوع، وأصاب المسلمون قتل وجراح، وقفل هارون بالمسلمين [2]
.
وفي هَذِهِ السفرة صار المهدي/ إِلَى بيت المقدس فصلى فِيهِ [3] .
وَفِيهَا: ولى المهدي ابْنه هارون المغرب كله وأذربيجان وأرمينية وجعل
كاتبه عَلَى الخراج ثَابِت بْن موسى، وعلى رسائله يَحْيَى بْن خالد بْن
برمك [4] .
وَفِيهَا: عزل زفر بْن عاصم، عَنِ الجزيرة، وولى مكانه عَبْد اللَّه
بْن صالح بْن عَلِيّ.
وعزل معاذ بْن مسلم عَنْ خراسان، ووليها المسيب بن زهير، وعزل يحيى
الحرشي عَنْ أصبهان، وولى الحكم بن معبد مكانه.
وعزل سعيد بن دعلج عَنْ طبرستان والرويان، ووليها عُمَر بن العلاء.
وعزل
__________
[1] «ومن وافاه» ساقط من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 147- 148.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 148.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 148- 149.
(8/264)
مهلهل بْن صفوان عَنْ جرجان، ووليها هِشَام
بْن سَعِيد [1] .
وَفِيهَا: حج بالناس عَلِيّ بْن المهدي [2] .
وَكَانَ عَلَى مكة والمدينة والطائف واليمامة جعفر [3] بن سليمان وعلى
الصلاة والأحداث بالكوفة إِسْحَاق بْن الصباح الكندي، وعلى قضائها
شريك، وعلى البصرة وأعمالها، وكور دجلة والبحرين، وعمان، وكور الأهواز،
وكور فارس: مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى خراسان المسيب بْن زهير، وعلى
السند نصر بْن مُحَمَّد بْن الأشعث [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
876- إبراهيم بْن طهمان، أَبُو سَعِيد الخراساني [5] .
ولد بهراة، ونشأ بْنيسابور، ورحل فِي طلب العلم، فلقي جماعة من
التابعين مثل: عَبْد اللَّه بْن دينار مولى ابْن عُمَر، وأبي
الزُّبَيْر مُحَمَّد بْن مسلم، وعمرو بْن دينار، وأبي حازم الأعرج،
وأبي إِسْحَاق الشيباني. وورد بغداد وحدث بها، ثُمَّ انتقل إِلَى مكة
فسكنها إِلَى آخر عمره [6] .
وَكَانَ ثقة صالحا دينا جوادا، وَكَانَ يميل إِلَى الإرجاء.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا محمد بن عُمَر بْن بكير قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن ياسين
قَالَ:
سمعت إِسْحَاق بْن مُحَمَّد يَقُول: قَالَ مالك بْن سليمان: كَانَ
لإبراهيم بْن طهمان جراية من بيت المال فاخرة، وَكَانَ يسخو بذلك، فسئل
يوما مسألة فِي مجلس الخليفة فَقَالَ:
لا أدري. فقالوا لَهُ: تأخذ فِي كل شهر كذا/ وكذا ولا تحسن مسألة؟ قال:
إنما آخذه 120/ أعلى مَا أحسن، ولو أخذت عَلَى مَا لا أحسن لفني بيت
المال ولا يفنى مَا لا أحسن.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 149.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 149.
[3] في الأصل: «سعد بن سليمان» .
[4] انظر تاريخ الطبري 8/ 149.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 105- 111.
[6] انظر: تاريخ بغداد 6/ 105.
(8/265)
فأعجب أمير المؤمنين جوابه، وأمر لَهُ
بجائزة فاخرة وزاد فِي جرايته. [1] أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أخبرنا
أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
يَعْقُوبَ قال: أخبرنا محمد بْن نعيم قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد
عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الفقيه قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن صالح
الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زرعة قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن حنبل-
وذكر عنده إِبْرَاهِيم بْن طهمان، وَكَانَ متكئا من علة فاستوى جالسا-
وَقَالَ: لا ينبغي أن يذكر الصالحون متكئ، ثُمّ قَالَ أَحْمَد:
حَدَّثَنِي رجل من أصحاب ابْن المبارك، قَالَ:
رأيت ابْن المبارك فِي المنام [2] ومعه شيخ مهيب، فقلت: من هَذَا معك؟
قَالَ: أما تعرف؟ هَذَا سفيان الثوري. قلت: من أين أقبلتم؟ قَالَ: نحن
نزور كل يوم إِبْرَاهِيم بْن طهمان. قلت [3] : وأين تزورونه؟ قَالَ:
فِي دار الصديقين، دار يَحْيَى بْن زكريّا [4] .
تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيم بْن طهمان بمكة في هذه السنة.
877- جرير بْن عثمان بن عفان بن خيبر بْن أَحْمَد بْن أسعد بْن
عُثْمَان، وقيل: أبو عون الرحبيّ الحمصي.
سمع عَبْد اللَّه بْن بشير صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وخلقا كثيرا من التابعين.
روى عنه: إِسْمَاعِيل بْن عياش، وبقية، ويزيد بْن هارون، واتفق العلماء
على أنه ثقة ثبت لكنه اتهموه بأنه كَانَ ينتقض لعلي بْن أبي طالب عليه
السلام.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أبي جَعْفَر قَالَ:
أَخْبَرَنَا يوسف بْن أَحْمَد الصيدلاني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد
بْن عَمْرو العقيلي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الخولاني قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان
بْن أبان قَالَ: سمعت جرير بْن عُثْمَان يَقُول لأخيه: قتل إياي- يعني
عليا عليه السلام.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال:
حدّثنا محمد بن
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 110.
[2] في ت: «أنه رآه في المنام» .
[3] من هنا حتى نهاية الخبر ساقط من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 110- 111.
(8/266)
عَبْد اللَّه بْن أبان الهيتي قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بن عبد الله بن روح الجواليقيّ قَالَ:
حَدَّثَنِي هارون بْن رضى مولى مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ/ بْن
إِسْحَاق القاضي قَالَ: 120/ ب حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سنان قَالَ:
سمعت يزيد بْن هارون يَقُول: رأيت رب العزة تعالى فِي المنام، فَقَالَ
لي: يا أبا يزيد لا تكتب عَنْ جرير بْن عُثْمَان، فقلت: يا رب مَا علمت
منه إلا خيرا، فَقَالَ لي: يا أبا يزيد لا تكتب عنه فإنه يسب عليا.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن مُحَمَّد الأزرق قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين النقاش قَالَ: حَدَّثَنَا مسيح بْن
حاتم قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن شادي الواسطي قَالَ: كنت فِي مجلس
أَحْمَد بْن حنبل فَقَالَ لَهُ رجل: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن
هارون في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي ورحمني وعاتبني، فقلت: غفر لك ورحمك وعاتبك، فقال: نعم،
قَالَ لي: يا يزيد بْن هارون كتبت عَنْ جرير بْن عُثْمَان؟ قلت: يا رب
العزة مَا علمت إلا خيرا، قَالَ: إنه كَانَ يبغض أبا الحسن علي بن أبي
طالب.
[قَالَ المؤلف] : [1] وقد روينا من طريق آخر قَالَ: والله مَا سببته قط
وإني أترحم عليه.
تُوُفي هذه السنة، وقيل: فِي سنة ست وستين.
878- سليمان بْن القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ مولى قريش، ثُمَّ مولى
لبْني سهم.
روى عنه: عَبْد اللَّه بْن وهب وغيره، وَكَانَ من العابدين الزهاد.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
879- عُثْمَان بْن الحكم الجذامي [2] .
روى عَنْ موسى بْن عقبة وغيره، وَكَانَ فقيها متدينا. عرض عليه القضاء
بمصر فلم يقبل. وَكَانَ الليث أشار بولايته فهجر الليث لذلك.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 2/ 7.
(8/267)
880- عَبْد الْحَمِيدِ بْن سالم مولى مهرة.
روى عنه ابْن وهب مقطعات، وَكَانَ كاتبا فِي ديوان مصر فِي خلافة بْني
أمية.
[قَالَ المؤلف] : [1] وليس بِعَبْدِ الْحَمِيدِ الَّذِي يضرب به المثل
فِي الكتابة ذلك كما ذكرنا تُوُفِّيَ قبل هَذَا. وهذا تُوُفِّيَ في هذه
السنة.
881- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خالد بْن يزيد، أَبُو الْحَسَن مولى بْني
جمح.
روى عنه: الليث، وابْن وهب، ورشدين بْن سعد، وَكَانَ فقيها وهو أوّل من
قدم 121/ أ/ بمسائل مالك إلى مصر.
وتوفي بالإسكندرية في هذه السنة.
882- عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، عم السفاح المنصور [2] .
حدث عَنْ أبيه، وروى عنه: شيبان بْن عَبْد الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيّ،
وإليه ينسب ببغداد قصر عيسى ونهر عيسى.
قَالَ يَحْيَى بْن معين: كَانَ لَهُ مذهب جميل، وَكَانَ معتزلا
للسلطان.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ:
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيم بْن مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي
قَالَ: تُوُفِّيَ عيسى بْن عَلِيّ فِي سنة ثلاث وستين ومائة، وصلى عليه
موسى بْن المهدي، ومشى فِي جنازته من قصر عيسى إِلَى مقابر قريش،
وَكَانَ سنة ثمانيا وسبعين سنة رحمه اللَّه.
وفي رواية: أن المهدي عسكر بالبردان فِي سنة أربع وستين يريد الشام،
وتوفي عيسى، فرجع من عسكره فصلى عليه فِي مقابر قريش، وعاد إِلَى عسكره
[3] .
883- عبيدة بْنت أبي كلاب.
بكت من خشية اللَّه عز وجل أربعين سنة حَتَّى ذهب بصرها.
أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن عَلِيّ الْمُقْرِئ قَالَ: أَخْبَرَنَا
الحسين بْن أحمد بن طلحة قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 147- 148.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 148.
(8/268)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبيد اللَّه
الحنائي قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ قَالَ:
حدثنا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الختلي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه
بْن معلى الْكَوفِيّ، عَنْ يَحْيَى بْن بسطام قال: حدّثني سلمة الأفقم
قَالَ: قلت لعبيدة بْنت أبي كلاب مَا تشتهي؟ قالت: الموت، قلت: ولم؟
قالت: لأني والله فِي كل يوم أصبح أخشى أن أجني عَلَى نفسي جناية يكون
فِيهَا عطبي أيام الآخرة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن
هبة اللَّه قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرَان قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن
صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدً قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّد بْن الحسين قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْن مرحوم قَالَ: حدثتني
عبيدة بْنت أبي كلاب قالت: رأيت رابعة فِي المنام، قلت: مَا فعلت عبيدة
بْنت أبي كلاب؟ قالت: هيهات سبقتنا والله إِلَى الدرجات العلى. قلت:
وبم وقد كنت عند الناس أكبر منها. قالت: إنها لم تكن تبالي عَلَى مَا
أصبحت من الدنيا وأمست.
884- مُحَمَّد بْن النضر/ الحارثي، ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ.
كَانَ كثير التعبد مؤثرا للعزلة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر العامري قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن أبي صادق قال:
أخبرنا ابن باكويه قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد
الكرماني، عَنْ أبي أسامة قَالَ: قلت: لمحمد بْن النضر كأنك تكره أن
تزار قَالَ:
أجل، قلت: أما تستوحش؟ قَالَ: كيف استوحش وَهُوَ يَقُول: «أنا جليس من
ذكرني» !؟
885- موسى بْن عَلِيّ بْن رباح بْن قيصر بْن القشب، أَبُو عَبْد
الرَّحْمَنِ اللخمي، أمير مصر لأبي جعفر المنصور.
ولد بأفريقية سنة تسعين، قدم وافدا عَلَى هِشَام بْن عَبْد الملك سنة
عشرة ومائة، وكان يخضب بالسواد.
روى عنه: الليث بْن سعد، وابْن المبارك، وابْن وهب.
تُوُفِّيَ [بالإسكندرية] في هذه السنة.
(8/269)
ثم دخلت سنة أربع
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
غزوة عَبْد الْكَرِيمِ بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ زَيْدِ بْن الخطاب، فأقبل إِلَيْهِ بطريق فِي تسعين ألفا، فعجز
عنه عَبْد الْكَرِيمِ فانهزم، فأراد المهدي ضرب عنقه فكلم فِيهِ فحبسه
[1] .
وَفِيهَا: بْنى المهدي بعيساباذ الكبرى قصرا من لبْن إِلَى أن أسس قصره
الَّذِي بالآجر، وَكَانَ تأسيسه إياه يوم الأربعاء فِي شهر ذي القعدة
[2] .
وَفِيهَا: عزل المهدي مُحَمَّد بْن سليمان عَنْ أعماله ووجه صالح بْن
داود عَلَى مَا كَانَ إِلَى مُحَمَّد بْن سليمان [3] .
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ
بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران
المرزباني قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَد بْن سَعِيد قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ:
حَدَّثَنِي مُصْعَب قَالَ: لما بْنى المهدي عيساباذ نزل منزله بها،
فأمر أن يكتب لَهُ أبْناء المهاجرين وأبْناء الأنصار، فكتبوا ودعا
نقباءهم وجلس مجلسا عاما لهم، ففرق فيهم ثلاثة آلاف ألف درهم، فأغنى كل
عائل، وجبر كل كسير، وفرج 122/ أعن كل مكروب، ثُمَّ قامت الخطباء
فخطبت، ودخل الشعراء فأنشدوا/ ففرق فيهم خمسمائة ألف درهم، ثم دعا
بغدائه، وحضر خاصته وبطانته، وأهل المراتب من قوّاده
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 150.
[2] في الأصل: «ذي الحجة» انظر: تاريخ الطبري 8/ 150.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 150- 151.
(8/270)
فطعموا فلم ينصرف واحد منهم إلا بحباء
وكرامة، فكثر الدعاء لَهُ فِي الطرقات والبوادي، وَقَالَ الناس: هَذَا
مفتاح الخير، هَذَا مهدي هذه الأمة الّذي بشرّ به النبي صلّى الله عليه
وسلّم. وقام في هذا اليوم مروان بْن أبي حفصة فأنشده:
مَا يلمع البرق إلا حسن مغترب ... كأنه من دواعي شوقه وصب
مجالس الأنس غيثا طل وابله ... علي من راحة المهدي ينسكب
شمسا فما أخطفتنا من مخايله ... سحابة صوبها الأوراق والذهب
صدقت يا خير مأمول ومعتمد ... ظني بأضعاف مَا قَدْ كنت أحتسب
أعطيت سبعين ألفا غير متبعها ... منا ولست بمنان بما تهب
قَدْ لاح للناس بالمهدي نور هدى ... يضيء والصبح فِي الظلماء محتجب
خليفة طاهر الأثواب معتصم ... بالحق ليس لَهُ فِي غيره أدب
وَفِيهَا: شخص المهدي حين أسس هَذَا القصر إِلَى الكوفة حاجا، فأقام
برصافة الكوفة أياما ثم خرج متوجها إِلَى الحج حَتَّى انتهى إِلَى
العقبة، فعرف قلة الماء، وأخذته حمى، فرجع من العقبة، وعطش الناس فغضب
عَلَى يقطين لأنه كَانَ صاحب المصانع، فرجع المهدي وبعث أخاه صالح بْن
المنصور فحج بالناس [1] .
وَفِيهَا: عزل عَبْد اللَّه بْن سليمان عَنِ اليمن عَنْ سخطة، ووجه من
يستقبله ويفتش متاعه ويحصي مَا معه، ثُمَّ حبسه عند الربيع حين قدم
حَتَّى أقر من المال والجوهر والعنبر [2] ، بما أقر به، واستعمل مكانه
منصور بْن يزيد [3] .
وَكَانَ العامل عَلَى مكة والمدينة والطائف واليمامة جَعْفَر بْن
سليمان، وعلى اليمن منصور بن يزيد، وعلى صلاة الكوفة/ وأحداثها وكور
دجلة والبحرين وعمان وكور 122/ ب الأهواز وفارس صالح بن داود بْن
عَلِيّ.
وعلى خراسان المسيب بْن زهير، وعلى الموصل مُحَمَّد بْن الفضل، وعلى
قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن، وعلى مصر إِبْرَاهِيم بْن صالح، وعلى
إفريقية يزيد بن
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 150.
[2] في ت: «العزيز» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 1518.
(8/271)
خَالِد، وعلى طبرستان والرويان وجرجان
يَحْيَى الحرشي، وعلى الري خلف بْن عَبْد اللَّه [1]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
886- حماد الراوية: وَهُوَ حماد بْن ميسرة مولى بْني شيبان، وقيل: هو
حماد بْن سابور.
وَكَانَ من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها. وكانت
بْنو أمية تقدمه وتسني عطاءه، ودخل عَلَى المنصور والمهدي.
وروى المدائني أن الوليد بْن يزيد قَالَ لحماد: لم سميت الراوية، وما
بلغ من حفظك حَتَّى استحققت هَذَا الاسم؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إن كلام العرب تجري عَلَى ثمانية وعشرين حرفا، أنا
أنشدك عَلَى كل حرف منها مائة قصيدة. فَقَالَ: هات، فأنشد حَتَّى مل
الوليد، ثم استخلف من يسمع منه حَتَّى وفاه مَا قَالَ فأجزل صلته.
وفي رواية أنه أنشده ألفين وسبعمائة قصيدة للجاهلية، فأمر لَهُ بمائة
ألف درهم، وَقَالَ الطرماح: أنشدت حماد الراوية قصيدة لي ستين بيتا
فسكت ساعة ثُمَّ قَالَ: أهذه لك؟ قلت: نعم. قَالَ: ليس الأمر كذلك،
ثُمَّ ردها علي كلها وزيادة عشرين بيتا زادها فِي وقته.
قَالَ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الموصلي: دخل مطيع بْن إياس، ويحيى بْن
زياد عَلَى حماد الراوية، فإذا سراجه عَلَى ثلاث قصبات قَدْ جمع أعلاهن
وأسفلهن بطين فَقَالَ يَحْيَى: يا حماد، إنك لمسرف متبذل، تحر المتاع،
فَقَالَ لَهُ مطيع: ألا تبيع هَذِهِ المنارة وتشتري أقل ثمنا منها
وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي وتتسع فَقَالَ لَهُ يحيى: ما أحسن/ 123/
أظنك به ومن أين لَهُ هَذِهِ المنارة؟ هَذِهِ وديعة، أو عارية، فَقَالَ
مطيع: إنه لعظيم الأمانة عند الناس. قال لا يَحْيَى: وعلى عظم أمانته
فما أجمل من يخرج هَذِهِ من داره ويأمن عَلَيْهَا غيره. قَالَ مطيع،
مَا أظنها عارية ولا وديعة، ولكني أظنها مرهونة عنده عَلَى مال، وإلا
فمن يخرج هَذِهِ من بيته؟ فَقَالَ حَمَّاد: شر منكما من يدخلكما إلى
بيته.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 151.
(8/272)
وَقَالَ الجاحظ: كَانَ حماد الراوية وحماد
بْن الزبرقان وحماد عجرد ووالبة بْن الحباب وبشار بْن برد اللاحقي كلهم
كَانَ متهما فِي دينه.
887- شيبان بن عبد الرحمن، أَبُو معاوية التَّمِيمِيّ المؤدب
الْبَصْرِيّ [1] .
وذكر أَبُو أَحْمَد العسكري أن شيبان النحوي ينسب إِلَى بطن يقال لهم
بْنو نحو بْن شمس، بضم الشين من بطن من الأزد.
وَقَالَ أَبُو الحسين بْن المنادي: المنسوب إِلَى القبيلة الَّتِي يقال
لها نحو هو يزيد النَّحْويّ لا شيبان.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن
ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي قال: حدثنا جعفر بْن
مُحَمَّد الأزهر قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن الغلابي، عَنْ يَحْيَى بْن
معين قَالَ: كَانَ شيبان بْن عَبْد الرَّحْمَنِ ثقة، وَكَانَ مؤدبا
لسليمان بْن داود الهاشمي وَكَانَ أصله من البصرة فانتقل إِلَى الكوفة
[2] .
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه: حدث شيبان عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ،
وقتادة، ويحيى بْن أبي كثير.
وتوفي ببغداد في هذه السنة، ودفن فِي مقابر قريش بباب التبن، كذلك قال
ابن سعد. وقال يحيى بْن معين: دفن فِي مقابر الخيزران.
888- شبيب بْن شيبة، أَبُو معمر الخطيب المنقري الْبَصْرِيّ [3] .
حدث عَنْ الْحَسَن، وعطاء بْن أبي رباح، وهشام بْن عُرْوَة.
روى عَنْ عيسى بْن يونس، والأصمعي، وغيرهما. وقدم بغداد فِي أيام
المنصور فاتصل به ثم بالمهديّ من بعده وَكَانَ مقدما عندهما. وَقَالَ
لَهُ المنصور/ عظني وأوجز 123/ ب فقال: يا أمير المؤمنين إن اللَّه لم
يرض من نفسه بأن يجعل فوقك أحدا من خلقه، فلا ترضى لَهُ من نفسك بأن
يكون عبدا لَهُ أشكر منك، فقال: والله لقد أوجزت.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 271- 274.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 273.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 274- 278.
(8/273)
وخرج من دار المهدي فقيل لَهُ: كيف تركت
الناس فَقَالَ: تركت الداخل راجيا والخارج راضيا.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن ثابت
قال: أخبرنا الجوهري قال:
أَخْبَرَنَا محمد بن عمران بن موسى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن
مُحَمَّد بْن عيسى قال: حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد، عَنْ موسى بْن
إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ شبيب بن شيبة يصلي بنا الصبح يوما وقرأ
السجدة وهَلْ أَتى 76: 1، ولما قضى الصلاة قام رجل فَقَالَ: لا جزاك
اللَّه عني خيرا، فإنّي كنت غدوت لحاجة فلما أقمت الصلاة دخلت أصلي
فأطلت الصلاة حَتَّى فاتتني حاجتي. قَالَ: وما حاجتك؟ قَالَ: قدمت من
الثغر فِي شيء فِيهِ مصلحته، وكنت وعدت البكور إِلَى الخليفة لأتنجز
ذلك قَالَ: فأنا أركب معك، فركب معه، ودخل عَلَى المهدي فأخبره الخبر
وقص عليه القصة، قَالَ: فيريد ماذا؟ قَالَ: يقضي حاجته، فقضى حاجته
وأمر لَهُ بثلاثين ألف درهم فدفعها إلى الرجل، ودفع إِلَيْهِ شبيب من
ماله أربعة آلاف درهم، وَقَالَ لَهُ: [لم] [1] تضرك السورتان [2] .
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه: كَانَ شبيب بْن شيبة فصيحا ذا لسان،
لكنه كَانَ يخطئ فِي العربية أحيانا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين المرزباني بإسناده عَنِ الْحَسَن بْن
عَبْد الله بن سعيد العسكري قال: أخبرني أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد
بْن ذكوان، عَنِ الرياشي قَالَ: تُوُفِّيَ ابْن لبعض المهالبة فأتاه
شبيب بْن شيبة المنقري يعزيه وعنده بكر بْن حبيب السهمي، فَقَالَ شبيب:
بلغنا أن الطفل لا يزال محتبطا عَلَى باب الجنة يشفع لأبويه فَقَالَ
بكر: إنما هو محتبطا بالطاء غير المعجمة [3] . فَقَالَ شبيل القول لي
هَذَا وما بين لابتيها أفصح مني، فَقَالَ بكر: وهذا خطأ، تأتي ماء
البصرة واللوب أهلك، غيرك قولهم: ما بين لابتي 124/ أالمدينة/ يريدون
الحرة، قَالَ أَبُو أَحْمَد: الحرة أرض تركبها حجارة سود، وهي اللابة
والجمع لابات، فإذا أكثرت فهي اللوب، وللمدينة لابتان من جانبيها، وليس
للبصرة لابة ولا حرة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبيد: المحتبطي بغير همز:
المتعصب المستبطئ للشيء والمحتبطئ بالهمز: العظيم البطن المنتفخ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ بغداد 9/ 275.
[3] «غير المعجمة» ساقطة من ت.
(8/274)
وقد تكلم أصحاب الحديث فِي شبيب. سئل ابْن
المبارك أنأخذ عَنْ شبيب؟
فَقَالَ: خذوا عنه، فإنه أشرف من أن يكذب.
وَقَالَ الساجي: هو صدوق يهم. وَقَالَ أَبُو علي صالح بْن مُحَمَّد. هو
صالح الحديث.
فأما ابْن معين فَقَالَ: ليس بثقة. وَقَالَ أَبُو داود: ليس بشيء.
889- عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سلمة الماجشون،
واسم أبي سلمة: ميمون مولى آل الهدير التيمي، وكنية عَبْد العزيز أَبُو
عَبْد اللَّه. وقيل: أَبُو الأصبغ [1] .
سمع الزهري، وابْن المنكدر، وأبا حازم وغيرهم. روى عنه: وكيع، وابْن
مهدي، ويزيد بْن هارون، وَكَانَ عالما فقيها صدوقا ثقة ثبتا.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن ثابت
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد العتيقي قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن العباس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ
بْنُ إِسْحَاقَ الجلاب قَالَ سمعت الحربي يَقُول: الماجشون فارسي وإنما
سمي الماجشون لأن وجنتيه كانتا حمراوين [2] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت
قَالَ: أخبرنا العتيقي قال: حدثنا عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْعَطَّار
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أبي داود قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
طاهر قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْن وهب قَالَ: حججت سنة ثمان وأربعين وصائح يصيح: لا يفتي
الناس إلا مالك بْن أنس وَعَبْد الْعَزِيزِ بن أبي سلمة [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ
قَالَ: أَخْبَرَنِي الحسين بْن أبي طالب قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن
مُحَمَّد بْن عمران قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه
الْعَطَّار قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِبْرَاهِيم أَحْمَد بْن سَعِيد
الزهري قَالَ: سمعت عَمْرو بْن خالد الحراني يَقُول: / حج أَبُو
جَعْفَر المنصور فشيعه المهدي، فلما أراد الوداع قَالَ: يا بنى، 124/ ب
استهدني قَالَ: استهدتك رجلا عاقلا، فأهدى لَهُ عبد العزيز بن أبي سلمة
الماجشون [4] .
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 436.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 436.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 436.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 437.
(8/275)
تُوُفِّيَ عَبْد العزيز ببغداد في هذه
السنة. وجاء المهدي حَتَّى صلى عليه فِي خلافته ودفن فِي مقابر قريش
[1] .
890- المبارك بْن فضالة بْن أبي أمية، أَبُو فضالة، مولى زيد بْن
الخطاب [2] .
حدث عَنْ الْحَسَن بْن أبي الْحَسَن الْبَصْرِيّ [3] ، وثابت، وحميد
الطويل، وخلق كثير.
روى عنه: يزيد بْن هارون وعفان وعلي بْن أبي الجعد.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت
قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد اللَّه الْحَرْبِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيم
الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ المُثَنَّي قَالَ:
حَدَّثَنَا سَوَّارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قال: أني يوما لعند أَبِي جَعْفَر
إِذْ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:
يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقُلْتُ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنَ
الْحَسَن قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ
حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ فَيَقُومُ
مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللَّه [تَعَالَى] فَيَقُولُ: لَيَقُومَنَّ مَنْ
لَهُ عَلَى اللَّه يَدٌ فَلا يَقُومُ إِلا مَنْ عَفَا» . فَأَقْبَلَ
عَلَيَّ فَقَالَ: آللَّه سَمِعْتَهُ مِنَ الْحَسَنِ؟ فَقُلْتُ: آللَّه
سَمِعْتُهُ مِنَ الْحَسَن، فَقَالَ: خَلِّيَا عَنْهُ [4] .
[قَالَ المؤلف] [5] اختلف كلام يَحْيَى بْن معين فِي المبارك فَقَالَ
مرة: صالح.
وَقَالَ مرة: ثقة، وَقَالَ مرة: ضعيف.
تُوُفِّيَ المبارك في هذه السنة. وقيل: فِي سنة ست وستين.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 437.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 211.
[3] «بن أبي الحسن البصري» ساقط من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 212.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/276)
ثم دخلت سنة خمس
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
غزوة هارون بْن المهدي الصائفة من أرض الروم، وجهه أبوه فِي يوم السبت
لإحدى [عشر] [1] ليلة بقيت من جمادى الآخرة غازيا إِلَى بلاد الروم،
وضم إليه الربيع مولاه/ فأوغل هارون فِي بلاد الروم فلقيته خيول
فقاتلها فانهزمت، وسار هارون في 125/ أخمسة وتسعين ألفا وسبعمائة
وثلاثة وتسعين، وحمل من الفيء مائة ألف دينار وثلاثة وسبعين ألفا وأربع
مائة وخمسين دينارا، ومن الورق أحد وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف
وأربعة عشر ألف وثمانمائة درهم، وسار هارون حَتَّى بلغ خليج البحر
الّذي على القسطنطينية، وصاحب الروم يومئذ امرأة أليون، وذلك أن زوجها
هلك وابْنها صغير، [فكان] [2] فِي حجرها فجرت بينها وبين هارون رسل
وسفراء فِي طلب الصلح والموادعة وإعطاء الفدية [3] . فقبل ذلك منها
هارون، وشرط عليها الوفاء بما أعطت، وأن تقيم لَهُ الأدلاء والأسواق
فِي طريقه، وذلك أنه دخل مدخلا ضيقا مخوفا عَلَى المسلمين، فأجابته
إِلَى مَا سأل، والذي وقع عليه الصلح بينه وبينها سبعون ألف دينار
تؤديها فِي نيسان فِي أول سنة، وفي كل سنة فِي حزيران، فقبل ذلك منها،
وكتبوا كتاب الهدنة إِلَى ثلاث سنين، وسلمت الأسارى، فكان الَّذِي أفاء
الله على هارون إلى أن أذعنت الروم بالجزية خمسة آلاف رأس وستمائة
وثلاثة وأربعين رأسا، وقتل من الأساري ألفان
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الهدنة» .
(8/277)
وسبعون أسيرا [صبرا] [1] ، وأفاء اللَّه
عليه من الدواب الذلل بأدواتها عشرين ألفا، وذبح من البقر والغنم مائة
ألف، وكانت المرتزقة سوى المطوعة وأهل الأسواق مائة ألف [2] .
وَفِيهَا: عزل خلف بْن عَبْد اللَّه عَنِ الري ووليها عيسى مولى
جَعْفَر [3] .
وفي هذه السنة: تزوج الرشيد زبيدة بْنت جَعْفَر بْن المنصور وبْنى بها،
وسقط ببغداد ثلج قام فِي الأرض نحو ذراعين [4] .
وَفِيهَا: حج بالناس صالح بْن أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وكانت عمال
الأمصار في هذه 125/ ب السنة/ عمالها فِي السنة الماضية، غير أن العامل
عَلَى أحداث البصرة والصلاة بأهلها كَانَ روح بن حاتم، وعلى كور دجلة،
والبحرين، وعمان، وكسكر، وكور الأهواز، وفارس، وكرمان المعلى مولى أمير
المؤمنين، وعلى السند الليث مولى المهدي أمير المؤمنين [5] .
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
891- الياقوتة بْنت المهدي
توفيت فجزع عَلَيْهَا جزعا شديدا، فدخل عليه شبيب بْن شيبة فأنشده
يَقُول:
فحسبي بقاء اللَّه من كل ميت ... وحسبي ثواب اللَّه من كل هالك
إذا كَانَ رب العرش عني راضيا ... فإن شفاء النفس فيما لك [6]
فدعا بالطعام ثُمَّ أكل.
892- داود بْن نصير الطائي الْكَوفِيّ [7] .
سمع عَبْد الملك بْن عمير، والأعمش، ومحمد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن
أبي ليلى، وغيرهم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 152- 153.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 153.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 153.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 153.
[6] هذا البيت ساقط من ت.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 347- 355.
(8/278)
روى عنه: ابن علية، وأبو نعيم، وغيرهما،
وكان قد اشتغل بالعلم والفقه، ثم انقطع إلى العبادة ولازم المجاهدة،
وقدم بغداد في أيام المهدي، ثم عاد إلى الكوفة وبها كانت وفاته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن
علي بن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي عبد الرحمن بْن مُحَمَّد
بْن فضالة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضِل
السلمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عمران موسى بْن الْعَبَّاس الجويني
قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن الحجاج الرقي قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد
بْن جناد قَالَ: سمعت عطاء يَقُول: كَانَ لداود الطائي ثلاثمائة درهم
فعاش بها عشرين سنة ينفقها عَلَى نفسه، وكنا ندخل عَلَى داود فلم يكن
فِي بيته إلا بارية، ولبْنة يضع عَلَيْهَا رأسه وإجانة فِيهَا خبز،
ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا علي بن مُحَمَّد بن/ عبد الله المعدل قَالَ: حدّثنا عثمان بن
أحمد بن الدقاق قال: حدّثنا إسحاق بن 126/ أإبراهيم بْن أبي حسان
الأنماطي قال: حدثنا أحمد بْن أبي الحواري قَالَ: قَالَ أَبُو سليمان
الدارانيّ: ورث داود الطائي من أمه دارا، فكان ينتقل فِي بيوت الدار
كلما خرب بيت من الدار انتقل منه إِلَى آخر ولم يعمره، حَتَّى أتى
عَلَى عامة بيوت الدار [2] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن رزق قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَر الخالدي قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الحضرمي قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيّ بْن حرب قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن زبان قَالَ: قالت داية لداود: يا أبا
سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال: يا داية، بين مضغ الخبز وشرب الفتيت
قراءة خمسين آية [3] .
توفي في هذه السنة. وقيل في سنة ستين.
893- عَبْد اللَّه بْن العلاء بْن زبر بن عطاء، أبو زبر العجليّ
الدمشقيّ [4] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 348.
[2] انظر: تاريخ بغداد 8/ 348.
[3] انظر: تاريخ بغداد 8/ 353.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 16.
(8/279)
ولد سنة خمس وسبعين، وحدث عَنْ القاسم بْن
مُحَمَّد بْن أبي بكر، وسالم، والزهري، ومكحول [1] .
روى عنه: الوليد بْن مسلم وشبابة، وَكَانَ ثقة.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
894- رواد العجلي.
عاهد اللَّه سبحانه أن لا يضحك حَتَّى يراه.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد
الجبار قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قال: حدثني
محمد بن الحسين قال: حَدَّثَنَا عُمَر بْن حفص قَالَ: حَدَّثَنِي سكين
بْن مسكين قَالَ: كانت بيننا وبين رواد قرابة، فسألت أختا لَهُ كانت
أصغر منه؟ كيف كَانَ ليله؟ قَالَتْ: يبكي عامة الليل ويصرخ. قلت: فما
كَانَ طعامه؟ قالت: قرصا من أول الليل وقرصا فِي أخره عند السحر، قلت:
فتحفظين من دعائه شيئا. قالت: نعم، كَانَ إذا كَانَ السحر أو قريب من
طلوع الفجر سجد، ثم 126/ ب بكى، ثُمّ قَالَ: مولاي عبدك يحب الاتصال
بطاعتك فأعنه عَلَيْهَا/ بتوفيقك. مولاي عبدك يحب اجتناب خطيئتك فأعنه
عَلَى ذلك بمنك. مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح
بخيرك الفائزون.
قالت: فلا يزال عَلَى هَذَا ونحوه حَتَّى يصبح، قالت: وَكَانَ قَدْ كل
من الاجتهاد جدا وتغير لونه. قَالَ سكين: فلما مات رواد وحمل إِلَى
حفرته نزلوا ليدلوه فِي حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان، وأخذ بعض
القوم من ذلك الريحان شيئا فمكث سبعين يوما طريا لا يتغير، يغدوا الناس
ويروحون وينظرون إِلَيْهِ، قَالَ فكثر الناس فِي ذلك حَتَّى خاف الأمير
أن يفتتن الناس فأرسل إِلَى الرجل، فأخذ ذلك الريحان وفرق الناس، وفقده
الأمير من منزله لا يدري كيف ذهب.
__________
[1] «ومكحول» ساقطة من ت.
(8/280)
ثم دخلت سنة ست
وستين [1] ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
قدوم هارون ومن كَانَ معه من خليج القسطنطينية فِي المحرم لثلاث عشرة
ليلة بقيت فِيهِ. وقدمت الروم بالجزية معهم، وجاءوا مَعَ المال بثلاثين
ألف رطل من المرعزي [2] .
وَفِيهَا: أخذ المهدي البيعة لهارون عَلَى قواده بعد موسى بْن المهدي،
وسماه الرشيد [3] .
وَفِيهَا: اعتمر المهدي عمرة فِي شهر رَمَضَان، وأفطر بالمدينة، وصلى
بهم فِي الفطر، واستقضى أبا سفيان.
وَفِيهَا: عزل عبيد اللَّه بْن الْحَسَن عَنْ قضاء البصرة، وولى مكانه
خالد بْن طليق بْن عمران بْن حصين، فلم تحمد ولايته، واستعفى أَهْل
البصرة منه [4] .
وَفِيهَا: عزل جَعْفَر بْن سليمان عَنْ مكة والمدينة وما كَانَ
إِلَيْهِ من العمل.
وَفِيهَا: سخط المهدي على يعقوب بن داود.
وكان سبب سخطه: أن داود بْن طهمان- وَهُوَ أَبُو يعقوب- كان كاتبا لنصر
بن سيار،
__________
[1] في الأصل: «سنة إحدى وستين» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 154.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 154.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 154.
(8/281)
127/ أوقد [1] [كتب قبله لبعض ولاة خراسان،
فلما كانت أيام يَحْيَى بْن زيد أتاه طهمان مطمئنا لما بينه وبينه،
فآمنه أَبُو مسلم فلم يعرض لَهُ نفسه، وأخذ أمواله الَّتِي استفادها
أيام نصر، ونزل منازله بمرو وضيعة كانت لَهُ ميراثا، فلما مات داود خرج
ولده أهل [أدب] [2] وعلم بأيام الناس وسيرهم وأشعارهم، ونظروا فإذا ليس
لهم عند بني العباس منزلة فلم يطمعوا في خدمتهم لأجل أن أباهم كَانَ
كاتبا لنصر، فلما رأوا ذلك أظهروا مقالة الزيدية ودنوا من ال الحسين
وطمعوا أن يكون لهم دولة فيعيشوا فِيهَا.
وَكَانَ يعقوب يجوب البلاد منفردا بْنفسه ومعه إِبْرَاهِيم بْن عَبْد
اللَّه أحيانا فِي طلب البيعة لمحمد بْن عَبْد اللَّه، فلما ظهر
مُحَمَّد وإبراهيم كتب عَلِيّ بْن داود- وَكَانَ أسن من يعقوب-
لإبراهيم بْن عَبْد اللَّه وخرج يعقوب مَعَ عدة من إخوته مَعَ
إِبْرَاهِيم، فلما قتل مُحَمَّد وإبراهيم تواروا من المنصور، فجد فِي
طلبهم، فأخذ يعقوب وعليا فحبسهما أيام حياته، فَلَمَّا تُوُفِّيَ
المنصور من عليهما المهدي فيمن من عليه بتخلية سبيله، وَكَانَ معهما
فِي السجن إِسْحَاق بْن الفضل بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وكانا لا
يفارقانه ولا يفارقان إخوته المحبوسين معهم، فجرت بينهم بذلك صداقة،
فلما خلى المهدي سبيل يعقوب مكث مدة يطلب عيسى بْن زيد والحسن بْن
إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه، هرب الْحَسَن من حبسه، فَقَالَ المهدي
يوما: لو وجدت رجلا من الزيدية لَهُ معرفة بآل الْحَسَن وبعيسى بْن
زيد، وله فقه، فأجتلبه إِلَى طريق الفقه، ويدخل بيني وبين أَهْل حسن
وعيسى، فدل عَلَى يعقوب فأتي به فدخل عليه ذو عمامة كرابيسي وكساء أبيض
[3] غليظ فكلمه فوجده رجلا كاملا، فسأله عَنْ عيسى بْن زيد فوعد الدخول
بينه وبينه وارتفع أمره عند المهدي وممن أرفع به استأمنه للحسن [4] بْن
إِبْرَاهِيم فجمع بينهما بمكة وما زال يعلو أمره عنده حَتَّى استوزره،
وفوض إِلَيْهِ الخلافة، فأرسل إِلَى الزيدية فأتى بهم [من كل] [5] أوب،
وولاهم من أمر الخلافة فِي الشرق والغرب كل عمل نفيس.
__________
[1] الورقة رقم 127، مفقودة من نسخة أحمد الثالث (الأصل) .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أبطل» .
[4] في ت: «الحسين» .
[5] ما بين المعقوفتين من الطبري.
(8/282)
ومال يعقوب إِلَى إِسْحَاق بْن الفضل فقيل
للمهدي لو أراد أخذ لَهُ الدنيا فِي يوم.
فملأ ذلك قلب المهدي عليه. ودخل عليه يوما فَقَالَ: يا أمير المؤمنين،
قد عرفت اضطراب مصر فأمرتني أن ألتمس لها رجلا يجمع أمرها وقد أصبته.
قَالَ: من هو؟ قَالَ:
ابْن عمك إِسْحَاق بْن الفضل، فرأى فِي وجه المهدي التغير، فنهض وأتبعه
المهدي طرفه، وَقَالَ: قتلتني والله إن لم أقتلك. ولم يزل موالي المهدي
يحرضونه عليه، ودخل عليه يوما وَهُوَ فِي مجلس متناهي الْحَسَن، وعنده
جارية فِي غاية الكمال، فَقَالَ لَهُ: يا يعقوب كيف ترى مجلسنا؟ قَالَ:
عَلَى غاية الْحَسَن فمتع اللَّه أمير المؤمنين به، فَقَالَ:
هو لك احمله بما فِيهِ، وَهَذِهِ الجارية ليتم سرورك به، فدعا لَهُ
فَقَالَ: ولي إليك حاجة فأحب أن تضمن لي قضاءها، فَقَالَ: الأمر لأمير
المؤمنين وعلي السمع والطاعة، فَقَالَ:
والله، ثلاث مرات، فَقَالَ: وحياة رأسي، فَقَالَ: فحياة رأسك قَالَ:
فضع يدك عليه فاحلف، ففعل لتقضين حاجته فَقَالَ: هَذَا فلان بْن فلان
من ولد علي، أحب أن تكفيني مئونته وتريحني منه، وتعجل ذلك، فَقَالَ:
أفعل، قَالَ: فخذه إليك فحوله وحول الجارية وجميع مَا كَانَ فِي البيت،
وأمر لَهُ بمائة ألف درهم، فلما مضى إِلَى منزله لم يصبر عن الجارية
فضرب بينه وبينها سترا، ودعا بالعلوي، فإذا أعقل الناس، فسأله عَنْ
حاله فَأَخْبَرَه، فَقَالَ: يا يعقوب تلقى اللَّه بدمي، وأنا من ولد
فاطمة] [1] / بنت رسول 128/ أالله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال له: لا
والله، فهل فيك أنت خير؟ قَالَ: إن فعلت خيرا شكرت [2] ، فَقَالَ لَهُ:
أي الطريق أحب إليك؟ فقال: طريق كذا وكذا. قال: فمن هاهنا تأنس به وتثق
بموضعه؟ قَالَ: فلان وفلان، فقال: فابعث إليهما وخذ هَذَا المال وامض
معهما مصاحبا فِي ستر اللَّه، موعدك فِي خروجك من داري وقت كذا وكذا من
الليل، فسمعت الجارية ذلك، فبعثت به مَعَ خادم لها إِلَى المهدي وقالت:
هَذَا جزاؤك من الَّذِي آثرته عَلَى نفسك، فبعث المهدي من وقته فشحن
تلك الطرق [3] والمواضع برجال، فلم يلبث أن جاءوه بالعلوي وصاحبيه
والمال، وأصبح يعقوب من غد ذلك اليوم، فإذا رسول المهدي يستحضره، فدخل
عليه، فَقَالَ: يا يعقوب مَا فعل الرجل؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، قَدِ أراحك اللَّه منه، قَالَ: مات؟ قَالَ: نعم،
قَالَ: والله، قَالَ: والله، قَالَ: فقم فضع يدك
__________
[1] إلى هنا ينتهي مقدار الورقة رقم 127 المفقودة.
[2] في ت: «شكرتك» .
[3] في ت: «الطريق» .
(8/283)
عَلَى رأسي واحلف، ففعل، فَقَالَ: يا غلام
أخرج إلينا مَا فِي هَذَا البيت، ففتح بابه عَنِ العلوي وصاحبيه والمال
بعينه فأبلس يعقوب، فَقَالَ المهدي: لقد حل لي دمك لو آثرت إراقته،
ولكن احبسوه، ولا أذكر به، فحبسوه فِي مطمورة ثُمَّ أصيب فِيهَا [1]
بصره، وطال شعره إِلَى أن ولي الرشيد، فدعا به، فأدخل عليه، فقيل لَهُ:
سلم عَلَى أمير المؤمنين فسلم، فَقَالَ لَهُ: أي أمير المؤمنين أنا؟
فَقَالَ: المهدي، فَقَالَ: رحم اللَّه المهدي، فَقَالَ: فالهادي،
فَقَالَ: رحم اللَّه الهادي. قَالَ: الرشيد. قَالَ: نعم، فما حاجتك؟
قَالَ:
المقام بمكة، فخرج إِلَى مكة فبقي قليلا ثُمَّ مات [2] .
ولما عزل [3] المهدي يعقوب أمر بعزل أصحابه عَنِ الولايات فِي الشرق
والغرب، وأن يؤخذ أهل بيته وأن يحبسوا ففعل بهم ذلك [4] .
وفي هذه السنة: خرج موسى الهادي إِلَى جرجان، وجعل عَلَى قضائه أبا
يوسف يعقوب بْن إِبْرَاهِيم [5] .
وَفِيهَا: / تحول المهدي إِلَى عيساباذ فنزلها ونزل معه الناس، وضرب
بها الدنانير والدراهم [6] .
وَفِيهَا: أمر المهدي بإقامة إبل وبغال تكون بريدا بين المدينة ومكة
واليمن [7] .
وَفِيهَا: أخذ داود بْن روح بْن حاتم، وإسماعيل بْن سليمان بْن مجالد
[8] ، ومحمد بْن أبي أيوب المكي، ومحمد بْن طيفور فِي الزندقة، فأقروا
فاستتابهم المهدي وخلى سبيلهم وبعث بداود بْن روح إِلَى أبيه، وَكَانَ
عاملا عَلَى البصرة، فمنّ عليه وأمره بتأديبه [9] .
__________
[1] «فيها» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 154- 160.
[3] في ت: «ولما خبس» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 161.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 161.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 161.
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 162.
[8] في الأصل، ت: «عيسى بن مجالد» .
[9] انظر: تاريخ الطبري 8/ 163.
(8/284)
وَفِيهَا: أخرج المهدي عَبْد الصَّمَدِ بْن
عَلِيّ من حبسه، وعزل منصور بْن يزيد بْن منصور عَنِ اليمن، واستعمل
مكانه عَبْد اللَّه بن سليمان الربيعي [1] .
وَفِيهَا: أجدبت الأرض فخرجوا للاستسقاء.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيّ [2] بْن المحسن التنوخي، عَنْ أبي عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن
عمران قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الجرجاني قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَد بْن أبي خيثمة قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه
الزبيري قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بْن الربيع قَالَ:
قحط الناس عَلَى عهد المهدي سنة ست وستين ومائة، فنادى فِي الناس أن
صوموا ثلاثة أيام وأخرجوا للاستسقاء في اليوم الرابع، فخرجوا فسقوا،
فَقَالَ لقيط بْن بكر المحاربي:
يا إمام الهدى سقينا بك الغيث ... وزالت عنا بك اللأواء
أحسب [3] الأرض إذ عزمت لتستسقي ... وجادت بالغيث منها السماء
بت تعنى بالناس والناس نوام ... عليهم من الظلام غطاء
فسقينا وقد قحطنا وقلنا ... سنة قَدْ تنكرت حمراء
بدعاء أخلصته فِي سواد الليل ... للَّه فاستجيب الدعاء
بغيوث تحيا بها الأرض ... حَتَّى أصبحت وهي زهرة خضراء
وَفِيهَا: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد، وَكَانَ
عامل الكوفة/ على 129/ أالصلاة والأحداث روح بْن حاتم، وعلى قضائها
خالد بْن طليق، وعلى كور دجلة وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وكور
الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى أمير المؤمنين [4] .
وعلى خراسان وسجستان الفضل بْن سليمان الطوسي وعلى مصر إِبْرَاهِيم بْن
صالح، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم، وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 163.
[2] في الأصل: «عبد الباقي عن علي» .
[3] في ت: «حسبت» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 163.
(8/285)
الحرشي، وعلى دنباوند وقومس فراشة مولى
المهدي، وعلى الري سعد مولاه أيضا [1] .
وعزل المنصور يزيد بْن منصور عَنِ اليمن، واستعمل مكانه عبيد اللَّه
بْن سليمان [2] .
ولم يكن في هذه السنة صائفة لأجل الهدنة.
وَمَا عرفنا أحدا من الأكابر تُوُفِّيَ فِي هذه السنة.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 162.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 163.
(8/286)
ثم دخلت سنة سبع
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
توجيه المهدي ابْنه موسى فِي جند كثيف إِلَى جرجان للحرب [1] .
وَفِيهَا: جد المهدي فِي طلب الزنادقة والبحث عنهم فِي الآفاق وقتلهم،
وولى أمرهم عمر الكلواذيّ، فأخذ يزيد بْن الفيض كاتب المنصور، فأقر
فحبس فهرب من الحبس [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: اتهم المهدي صالح بْن عَبْد الْقُدُّوسِ
الْبَصْرِيّ بالزندقة، فأمر بحمله إِلَيْهِ فأحضر، فلما خاطبه أعجب
بغزارة علمه وأدبه وحسن ثيابه فأمر بتخلية سبيله، فما ولي رده فَقَالَ:
ألست القائل:
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حَتَّى يوارى فِي ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إِلَى جهله ... كذا الضنى عاد إِلَى نكسه
قَالَ: بلى، قَالَ: وأنت لا تترك أخلاقك، ونحن نحكم فيك بحكمك. ثُمَّ
أمر به فقتل وصلب عَلَى الجسر.
قَالَ ابْن ثَابِت: وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعرض فيها/ بالنبي صلّى
الله عليه وسلّم، قال: ويقال 129/ ب انه كان مشهورا بالزندقة وله مَعَ
أبي الهذيل العلاف مناظرات.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 164.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 64.
(8/287)
وَفِيهَا: عزل المهدي أبا عبيد اللَّه
معاوية بن عبيد الله عَنْ ديوان الرسائل، وولاه الرَّبِيع الحاجب،
واستخلف سَعِيد بْن واقد عليه، وَكَانَ أَبُو عبيد اللَّه يدخل عَلَى
مرتبته [1] .
وَفِيهَا: أمر المهدي بالزيادة فِي المسجد الحرام، فدخلت فِيهِ دور
كثيرة، وولى بْناء مَا زَيْد فِيهِ يقطين بْن موسى، فلم يزل فِي بْنائه
حَتَّى تُوُفِّيَ المهدي [2] .
وَفِيهَا: عزل يَحْيَى الحرشي عَنْ طبرستان والرويان، وما كَانَ
إِلَيْهِ من تلك الناحية وولّاها عمر بْن العلاء، وولى جرجان فراشة
مولى المهدي [3] .
وَفِيهَا: أظلمت الدنيا ظلمة شديدة لليال بقين من ذي الحجة حَتَّى
تعالى النهار فكشف اللَّه تعالى ذلك. وأصاب الناس غير مرة تراب أحمر
يجدونه فِي فرشهم، وعلى وجوههم، وظهر سعال شديد، وفشا الموت [والوباء]
ببغداد والبصرة [4] .
وَفِيهَا: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد وَهُوَ
عَلَى المدينة، ثُمَّ تُوُفِّيَ بعد فراغه من الحج، وقدومه المدينة
بأيام، وولي مكانه إِسْحَاق بْن عيسى بْن عَلِيّ، وَكَانَ العامل عَلَى
مكة والطائف عبيد اللَّه بْن قثم، وعلى اليمن سليمان بْن يزيد الحارثي،
وعلى اليمامة عبيد اللَّه بْن مُصْعَب الزبيري، وعلى صلاة الكوفة
وأحداثها مُحَمَّد بْن سليمان. وعلى قضائها عُمَر بْن عُثْمَان التيمي،
وعلى كور دجلة وأعمال البصرة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس وكرمان
المعلى مولى المهدي، وعلى خراسان وسجستان الفضل بْن سليمان الطوسي،
وعلى مصر مُوسَى بْن مُصْعَب وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم، وعلى طبرستان
والرويان عَمْرو بْن العلاء، وعلى جرجان 130/ أودنباوند/ وقومس فراشة،
وعلى الري سَعِيد مولى المهدي [5] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 165.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 165.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 165.
[4] انظر تاريخ الطبري 8/ 165.
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 165- 166.
(8/288)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
895- بشار بْن برد، أَبُو معاذ الشاعر، مولى عقيل [1] .
ولد أعمى، وَكَانَ يشبه الأشياء فِي شعره، فيأتي بما لا يقدر البصراء
عليه، فقيل [لَهُ] [2] يوما وقد قَالَ:
كَانَ مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
مَا قَالَ أحد أحسن من هَذَا التشبيه، فمن أين لك هَذَا ولم تر الدنيا
قط؟
فَقَالَ: إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب، ويقطع عنه الشغل بما تنظر
إِلَيْهِ من الأشياء، فيتوفر حسه وتذكو قريحته.
وَكَانَ الأصمعي يَقُول: بشار خاتمة الشعراء، والله لولا أن أيامه
تأخرت لفضَّلته عَلَى كثير منهم.
قَالَ الجاحظ: كَانَ بشار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومرواج وسجع ورسائل،
وَهُوَ المقدم من الشعراء المحدثين وهو بصري قدم بغداد [3] .
وَقَالَ أَبُو تمام الطائي: أشعر الناس وأشبههم فِي الشعر كلاما بعد
الطبقة الأولى بشار، والسيد وأبو نواس، ومسلم بْن الوليد بعدهم.
وَقَالَ أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى: قَالَ بشار الشعر ولم يبلغ عشر
سنين، وَقَالَ ثلاثة عشر ألف بيت جيد، ولا يكون عدد شعر الجاهلية
والإسلام هَذَا العدد.
قَالَ: وَكَانَ بشار يهوى امرأة من أَهْل البصرة يقال لها عبيدة، فخرجت
عن البصرة [4] مع زوجها إِلَى عمان [فَقَالَ بشار] : [5]
هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت ... وأشهى لقلبي أن تهب جنوب
وما ذاك إلا أنها حين تنتهي ... تجيء وفيها من عبيدة طيب
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 112.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ بغداد 7/ 112.
[4] «يقال لها عبيدة فخرجت عن البصرة» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/289)
عذيري من العذال يعذلونني ... شفاها وما
فِي العاذلين لبيب
130/ ب/ يقولون لو عزيت قلبك لارعوى ... فقلت وهل للعاشقين قلوب
إذا انطلق القوم الجلوس فإنني ... مكب كأني فِي الجميع غريب
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت
قال أخبرنا علي بن أيوب القمي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمران
المرزباني قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
الْحَسَن اليشكري قَالَ: قيل لأبي حاتم من أشعر الناس؟
قَالَ: الَّذِي يَقُول:
ولها مبسم كثغر الأقاحي ... وحديث كالوشي وشي البرود
نزلت فِي السواد من حبة القلب ... وزادت زيادة المستزيد
عندها الصبر عَنْ لقائي وعندي ... زفرات يأكلن صبر الجليد
يعني: بشارا- وَكَانَ يقدمه عَلَى جميع الناس [1] .
فبلغ المهدي أن بشارا قَدْ هجاه، وشهد قوم أنه زنديق، فأمر المهدي
بضربه، فضرب ضرب التلف، فمات في هذه السنة. وقيل: فِي سنة ثمان، وقد
بلغ نيفا وتسعين سنة [2] .
896- جَعْفَر بْن زياد، أَبُو عَبْد اللَّه، وقيل: أَبُو عَبْد
الرَّحْمَنِ الأحمر الْكَوفِيّ [3] .
حدث عَنْ بيان بْن بِشْر، ومنصور بْن المعتمر، وأبي إِسْحَاق الشيباني،
روى عنه: سفيان بْن عبيدة، ووكيع وغيرهما. وَكَانَ قَدْ خرج إِلَى
خراسان فبلغ المنصور عنه أمر يتعلق بالإمامة، وأنّه ممن يرى رأي
الرافضة، فوجه إِلَيْهِ من قبض عليه، وحمله إِلَى بغداد وأودعه السجن
دهرا طويلا، ثُمَّ أطلقه.
قَالَ يَحْيَى بْن معين: هو ثقة، وَكَانَ من الشيعة.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: فِي سنة خمس وستين.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 117.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 118.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 150- 152.
(8/290)
897- صالح بْن عَبْد الْقُدُّوسِ
الْبَصْرِيّ [1] .
لَهُ شعر حسن فِي الزهد. صلبه المهدي فِي الزندقة.
[قَالَ المؤلف] : [2] وقد ذكرنا حاله فِي الحوادث.
898- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شريح بْن عبيد اللَّه [3] ، أَبُو شريح
المعافري [4] .
روى عنه: ابْن المبارك، وابْن وهب، وزيد بْن الحباب، وكانت لَهُ عبادة/
131/ أوفضل.
تُوُفِّيَ في هذه السنة [5] بالإسكندرية.
899- عيسى بْن موسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عباس.
كَانَ أَبُو الْعَبَّاس [6] السفاح قَدْ عهد عند موته إِلَى أخيه
المنصور، ومن بعده إِلَى عيسى بْن مُوسَى، ومولد عيسى سنة ثلاث ومائة
أو أربع ومائة، فشرع المنصور بعد قتل مُحَمَّد وإبراهيم ابْني عَبْد
اللَّه بْن حسن بْن حسن وَكَانَ قتلهما جميعا عَلَى يدي عيسى بْن موسى
فِي تأخير عيسى، وتقديم المهدي فِي ولاية العهد، وذلك فِي سنة سبع
وأربعين ومائة، وجرت بينهما خطوب ومكاتبات وامتناع من عيسى، ثُمَّ
أجابه إِلَى ذلك، فأقر به وأشهد عَلَى نفسه، وخطب المنصور النّاس
وأعلمهم مَا جرى من تقديم المهدي، ورضي عيسى بذلك وتكلم عيسى وسلم
الأمر للمهدي، فبايع الناس للمهدي، ثُمَّ لعيسى من بعده، فلما ولي
المهدي طالب عيسى بخلع نفسه من ولاية العهد البتة وتسليمه لموسى بْن
المهدي، وألح عليه إلحاحا شديدا، وبذل لَهُ مالا عظيما، وجرت فِي ذلك
خطوب، إِلَى أن أقدمه من الكوفة إِلَى بغداد وتقرر الأمر عَلَى أن يخلع
نفسه، ويسلم الأمر لموسى، ويدفع المهدي إليه عشرة آلاف ألف، وقيل:
عشرين ألف ألف.
وقد كان عيسى ذكر أن عليه أيمانا فِي أهله وماله، فأحضر المهدي من
القضاة والفقهاء من أفتاه فِي ذلك وعوضه المهدي وأرضاه فيما يلزمه من
الحنث في ماله
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 303.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «بن عبيد الله» ساقط من ت.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 484.
[5] «في هذه السنة» ساقطة من ت.
[6] «أبو العباس» ساقطة من ت.
(8/291)
ورقيقه، فقبل ذلك، ورضي به، وخلع نفسه فِي
محرم سنة ستين ومائة، وبايع المهدي، ثُمَّ لموسى بعده، وأقر بذلك عَلَى
المنبر، ورجع إِلَى الكوفة.
فتوفي بها لثلاث بقين من ذي الحجة في هذه السنة، وصلى عليه ابْنه
الْعَبَّاس، وَكَانَ المهدي واجدا عليه، ووالي الكوفة يومئذ روح بْن
حاتم، فأشهد روح على وفاته 131/ ب القاضي وجماعة من الوجوه، ثُمَّ دفن
وله خمس وستون سنة، وولد لَهُ واحد وَثَلاثُونَ ذكرا وعشرون أنثى وورثه
من الرجال ثَلاثُونَ رجلا، ومن النساء أربع عشرة امرأة.
900- عتبة بن أبان بن ضمعة، وَهُوَ الَّذِي يقال لَهُ: عتبة الغلام.
وإنما سمي بالغلام لجده واجتهاده لا لصغر سنه، وَكَانَ كثير التعبد
والبكاء، خشن العيش، وَكَانَ يشق الخوص، ويصوم الدهر، ويفطر عَلَى
الخبز والملح.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب الأنماطي قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بن عبد
الجبار قال: حدثنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن مُحَمَّد
بْن يوسف قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قال:
أخبرنا أبو بكر القرشي قال: حدثني مُحَمَّد بْن الحسين قَالَ:
حَدَّثَنَا عمار بْن عُثْمَان الحلبي قَالَ: حَدَّثَنَا سوار أَبُو
عبيدة قَالَ: بكى عتبة الغلام فِي مجلس عَبْد الْوَاحِدِ بْن زيد تسع
سنين لا يفتر يبكي من حين يبدأ عَبْد الْوَاحِدِ فِي الموعظة إِلَى أن
يقوم، لا يكاد يفتر عنه [1] ، فقيل لعبد الواحد: إنا لا نفهم كلامك من
بكاء عتبة الغلام، قَالَ: وأصنع ماذا؟ يبكي عتبة عَلَى نفسه وأنهاه
أنا، لبئس واعظ قوم أنا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ
أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصبهاني قال: حدثنا مُحَمَّد
بْن حيان قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسين قال: حدثنا أحمد بن
إبراهيم الدورقي قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن قال: حدّثني عبد
الخالق المعبدي قال: كان لعتبة بيت يتعبد فِيهِ فلما خرج إِلَى الشام
أقفله وَقَالَ:
لا تفتحوه إِلَى أن يبلغكم موتي، فلما بلغهم قتله، فتحوه فأصابوا فيه
قبرا محفورا وغلا من حديد.
__________
[1] في ت: «لا يكاد يسكت عنه» .
(8/292)
ثم دخلت سنة ثمان
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
نقض الروم الصلح الَّذِي جرى بينهم وبين هارون وقد تقدم ذكره، وَكَانَ
بين أول الصلح وبين أول الغدر اثنان وَثَلاثُونَ شهرا، فوجه عَلِيّ بْن
سليمان/ وَهُوَ يومئذ 132/ أعلى الجزيرة وقيس بن يزيد بْن المنذر بْن
البطال سرية فِي خيل إِلَى الروم فظفروا وغنموا [1] .
وَفِيهَا: وجه المهدي سَعِيد الحرشي إِلَى طبرستان فِي أربعين ألفا [2]
.
وَفِيهَا: قتل المهدي جماعة من الزنادقة ببغداد [3] .
وَفِيهَا: ولى المهدي عَلِيّ بْن يقطين زمام الأزمة عَلَى عُمَر وابْن
بزيع، وَكَانَ عُمَر أول من عمل ديوان الزمام فِي خلافة المهدي، وذلك:
أنه جمعت لَهُ الدواوين، ففكر فإذا هو لا يضبطها إلا بزمام يكون لَهُ
عَلَى كل ديوان [فاتخذ دواوين الأزمة وولى كل ديوان] [4] رجلا وَكَانَ
وإليه عَلَى ديوان الخراج إِسْمَاعِيل بْن صبيح، ولم يكن لبني أمية
دواوين أزمّة [5] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 167.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 167.
[3] انظر تاريخ الطبري 8/ 167.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 167.
(8/293)
وَفِيهَا حج بالناس عَلِيّ بْن [1] المهدي
الَّذِي يقال لَهُ ابْن ريطة [2]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
901- الحسن بن زيد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب [رضي اللَّه
عنهم] ، أَبُو مُحَمَّد الهاشمي المَدِينيّ [3] .
حدث عَنْ أبيه، وعن عكرمة، روى عنه: ابْن إِسْحَاق، ومالك وابْن أبي
ذئب وابْن أبي الزناد. وَكَانَ أحد الأجواد، وولاه المنصور خمس سنين،
ثُمَّ غضب عليه فعزله واستصفى كل شيء له وحبسه ببغداد فلم يزل محبوسا
حَتَّى مات المنصور، فأخرجه المهدي ورد عليه مَا أخذ منه ولم يزل معه.
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر [أَحْمَد بْن
عَلِيّ بْن] ثَابِت قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن زكريا قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن
مُحَمَّد بْن يَحْيَى العلوي قَالَ:
حَدَّثَنَا جدي قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن
قَالَ: حَدَّثَنِي عمي عبيد اللَّه بْن حسن وعَبْد اللَّه بْن
الْعَبَّاس [بْن مُحَمَّد] [4] قالا: كَانَ أول مَا عرف به شرف
الْحَسَن بْن زيد أن أباه تُوُفِّيَ وَهُوَ غلام وخلف دينا أربعة آلاف
دينار فحلف الحسن بن زيد أن لا يظل رأسه سقف بيت إلا سقف مسجد أو سقف
بيت رجل يكلمه فِي حاجة حَتَّى يقضي دين 132/ ب أبيه، فلم يظل رأسه/
سقف بيت حَتَّى قضي دين أبيه [5] .
تُوُفِّيَ الْحَسَن بالحاجر عَلَى خمسة أميال من المدينة وَهُوَ يريد
مكة من العراق في هذه السنة وَهُوَ ابْن خمس وثمانين سنة وصلى عليه
المهدي [6] :
قَالَ الناقل: وهذا الْحَسَن هو أَبُو السيدة نفيسة رضي اللَّه عنها
المدفونة فِي الديار المصرية [7] .
__________
[1] في ت: «وحج في هذه السنة» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 167.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 309- 313.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 309.
[6] انظر: تاريخ بغداد 7/ 113.
[7] عبارة الناقل غير موجودة في ت:
(8/294)
902- حماد بْن سلمة، أَبُو سلمة مولى لبْني
تميم، وَهُوَ ابْن أخت حميد الطويل
كَانَ عالما عابدا محاسبا لنفسه لا يضيع لحظة فِي غير طاعة.
قَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد: لو قيل لحماد بْن سلمة إنك تموت
غدا مَا قدر أن يزيد فِي العمل شيئا. وَكَانَ يبيع الثياب، فإذا ربح
حبة أو حبتين نهض.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن أَحْمَد الأنصاري قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد
اللَّه بْن أَحْمَد السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَبْد الملك بْن
شبابة قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرازي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مهدي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن
بْن عَمْرو المروزي قَالَ: حَدَّثَنَا مقاتل بْن صالح الخراساني قَالَ:
دخلت عَلَى حماد بْن سلمة [فإذا] [1] ليس فِي بيته إلا حصير وَهُوَ
جالس عليه، ومصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه، ومطهرة يتوضأ فيها، فبينا
أنا عنده جالس دق داق الباب، فَقَالَ: يا صبية أخرجي فانظري من هَذَا؟
فقالت: رَسُول مُحَمَّد بْن سليمان، قَالَ: قولي لَهُ يدخل وحده، فدخل
فناوله كتابا فَإِذَا فِيهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّد بْن سليمان إِلَى
حماد بْن سلمة أما بعد، فصبحك اللَّه بما صبح به أولياءه وأهل طاعته،
وقعت مسألة، فإننا نسألك عنها والسلام.
فَقَالَ: يا صبية هلمي الدواة، ثُمَّ قَالَ لي: اقلب الكتاب واكتب:
أما بعد: وأنت فصبحك اللَّه بما صبح به أولياءه وأهل طاعته إنا أدركنا
العلماء وهم لا يأتون أحدا، فإن كانت وقعت مسألة فأتنا وسلنا عَلَى مَا
بدا لك، فإن أتيتني [2] فلا تأتني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجلك،
فلا أنصحك ولا أنصح نفسي والسلام.
فبينا أنا عنده/ دق الباب، فَقَالَ: يا صبية، أخرجي فانظري من هَذَا؟
فقالت: 133/ أمحمد بْن سليمان، قَالَ: قولي لَهُ ليدخل وحده، فدخل فسلم
ثُمَّ جلس بين يديه، فَقَالَ: مَا لي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا، فقال
حماد: سمعت ثابت البناني يقول:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «ولكن إذا أتيتني» .
(8/295)
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجْهَ اللَّهِ هَابَهُ
كُلُّ شَيْءٍ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتَنِزَ بِهِ الْكُنُوزَ هَابَ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» . فَقَالَ: [أربعون] ألف درهم تأخذها تستعين بها
عَلَى مَا أنت عليه. فَقَالَ: أرددها عَلَى من ظلمته بها، فَقَالَ:
والله مَا أعطيك إلا مَا ورثته، قَالَ: لا حاجة لي فِيهَا أزوها عني
زوى اللَّه عنك أوزارك، قَالَ: فنقسمها، قَالَ: فلعلي إن عدلت فِي
قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها لم يعدل، أزوها عني زوى اللَّه عنك
أوزارك.
[قَالَ مؤلف الكتاب] [1] : أسند حماد بْن سلمة عَنْ خلق كثير من
التابعين.
وتوفي في هذه السنة فِي المسجد وَهُوَ يصلي.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، وعلي بْن أبي عُمَر قالا: أَخْبَرَنَا رزق
اللَّه وطراد قالا: أَخْبَرَنَا علي بن محمد بْنُ بِشْرَانَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْن صَفْوَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر
بْن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه التَّمِيمِيّ، عَنْ
أبيه قَالَ: رأيت حماد بْن سلمة فِي النوم، فقلت: مَا فعل اللَّه بك؟
قَالَ: خيرا: قلت: فماذا؟ قَالَ: قيل لي طال مَا كدرت نفسك فاليوم أطيل
راحتك وراحة المتعوبين فِي الدنيا، بخ بخ ماذا أعددت لهم.
903- حماد عجرد [2] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الخطيب قَالَ: هو
حماد بْن عُمَر بْن يونس بْن كليب، مَوْلَى لبْني سوأة بْن عامر بْن
صعصعة، يكنى أبا عَمْرو، وَهُوَ كوفي. ويقال:
واسطي، ويقال: إن أعرابيا، مر به وَهُوَ غلام يلعب مَعَ الصبيان فِي
يوم شديد البرد وَهُوَ عريان، فَقَالَ لَهُ: تعجردت يا غلام، فسمي
عجرد، والمتعجرد المتعري، وَكَانَ خليعا ماجنا ظريفا، ونادم الوليد بن
يزيد وهاجى بشار بْن برد- وَهُوَ فحل الشعراء/ المجيدين فانتصف منه،
وَكَانَ بشار يضج منه، وقدم بغداد في أيام المهدي [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 148- 149.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 149.
(8/296)
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قَالَ:
قرأت عَلَى الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري، عَنْ مُحَمَّد بْن عِمْرَانَ
المرزباني قَالَ: وجدت بخط مُحَمَّد بْن القاسم بْن مهرويه قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل اليزيدي قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ
بْن الجعد قَالَ: قدم علينا في أيام المهدي حماد عجرد ومطيع بْن إياس
الكناني، ويحيى بْن زياد، فنزلوا بالقرب منا، وكانوا لا يطاقون خبثا
ومجانة [1] .
قال المرزباني: وأخبرني علي بن أبي عبد اللَّه الفارسي قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي قَالَ:
حَدَّثَنِي العنزي قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة قَالَ: كَانَ مطيع
بْن إياس، وحماد عجرد، ويحيى بْن زياد يقولون بالزندقة [2] .
وذكر ابْن قتيبة فِي «طبقات الشعراء» قَالَ: كَانَ بالكوفة ثلاثة يقال
لهم الحمادون:
حماد عجرد، وحماد الراوية، وحماد بْن الزبرقان النحوي، وكانوا يتعاشرون
وكانوا كلهم يرمون بالزندقة، وحماد عجرد هو القائل:
إن الكريم لتخفى عنك عسرته ... حَتَّى تراه غنيا وَهُوَ مجهود
وللبخيل عَلَى أمواله علل ... زرق العيون عَلَيْهَا أوجه سود
إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر عَلَى سعة لم يظهر الجود
بيت النوال فلا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقرا فهو محمود
روى حماد بْن إِسْحَاق، عَنْ أبيه قَالَ: اجتمع حفص بْن أبي بردة،
وحماد عجرد، وكان حفص أعمش أفطس، أغصف، مقبح الوجه، فأخذ حفص يطعن
عَلَى مرقش ويعيب شعره فَقَالَ حماد:
لقد كَانَ فِي عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كمثل العود عما تتبع
تتبع لحنا فِي كلام مرقش ... وجهك مبْني عَلَى اللحن أجمع
فأذناك إقواء وأنفك كفّأ ... وعيناك إيطاء فأنت مرقّع
/ 134/ أ
904- عُمَر الكلوذاني [3] .
الَّذِي ولي عَلَى قتل الزنادقة. تُوُفِّيَ في هذه السنة، فولي مكانه
حمدويه، وَهُوَ مُحَمَّد بْن عِيسَى من أَهْل ميسان.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 149.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 149.
[3] جاءت هذه الترجمة في النسخة ت قبل ترجمة «حماد عجرد» .
(8/297)
905- عبيد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الحصين
بْن أبي الحر [1] العنبري.
قاضي البصرة، سمع داود بْن أبي هند، وخالد الحذاء، وسعيد الجريري، روى
عنه: ابْن مهدي، وَكَانَ فقيها ثقة، وولي القضاء سنة ست وخمسين بعد
سوار بْن عَبْد اللَّه العنبري.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن
ثابت قال: أخبرنا الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران
المرزباني قَالَ: حدثنا عبد الْوَاحِدِ بْن مُحَمَّد الخصيبي قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عيسى بْن حمدون قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سهل الرازي
قَالَ: لم يشرك فِي القضاء بين أحد قط إلا بين عبيد اللَّه بْن
الْحَسَن وبين عُمَر بْن عامر عَلَى قضاء البصرة، فكانا يجتمعان جميعا
فِي المجلس وينظران جميعا بين الناس. قَالَ:
فقدم إليهما قوم فِي جارية لا تنبت، فَقَالَ فِيهَا عُمَر بْن عامر:
هَذِهِ فضيلة فِي الجسم، وَقَالَ عبيد اللَّه بْن الْحَسَن: كل ما خالف
ما عليه الخلقة فهو عيب [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد قال: أخبرنا [أحمد بن علي]
بن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا العتيقي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن صاعد قَالَ:
حَدَّثَنَا الحسين بْن الْحَسَن المروزي قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ
بْن مهدي يَقُول: كنا فِي جنازة فِيهَا عبيد اللَّه بْن الْحَسَن
وَهُوَ عَلَى القضاء، فلما وضع السرير جلس وجلس الناس حوله، فسألته
عَنْ مسألة فغلط فِيهَا، فقلت أصلحك اللَّه، القول فِي هَذِهِ المسألة
كذا وكذا، فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: إذن أرجع وأنا صاغر، إذن أرجع
وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا فِي الحق أحب إلي من أن أكون رأسا فِي الباطل
[3] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي الخلال قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن شَاذَان قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَسَن بن محمد بن سعدان قال:
134/ ب حَدَّثَنِي سليمان بْن يزيد قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو علي
إِسْمَاعِيل/ بْن إِبْرَاهِيم القرشي قَالَ:
حَدَّثَنَا أصحابنا أن المهدي كتب إلى عبيد الله بن الحسن- وهو قاضي
البصرة- كتابا
__________
[1] في تاريخ بغداد: «بن الحر» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 306- 310.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 308.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 308.
(8/298)
فقرأه عبيد اللَّه بْن الْحَسَن فرده، فحمل
عبيد اللَّه إِلَى المهدي فعاتبه، فكان فيما عاتبه به أن قَالَ
لَهُ: رددت كتابي فَقَالَ لَهُ عبيد اللَّه: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ إني لم أردّ كتابك، ولكنه كان ملحونا فصدق المهدي
مقالته وأجازه، ورده إِلَى عمله [1] .
تُوُفِّيَ عبيد اللَّه فِي ذي القعدة [2] في هذه السنة وقيل
تُوُفِّيَ سنة ثمان وسبعين.
906- غوث بْن سليمان بْن زياد بْن ربيعة بْن نعيم، أَبُو يَحْيَى
الحضرمي.
ولد سنة أربع وتسعين، وولي القضاء [بمصر] [3] ثلاث مرات فِي أيام
المنصور والمهدي.
روى عنه: ابْن وهب، والواقدي، وآخر من حدث عنه بالعراق أَبُو
الوليد الطيالسي.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ [4] قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو القاسم وأبو عمرو قالا: أخبرنا أبو عبيد اللَّه بْن منده-
وَهُوَ والدهما- قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سعيد بن يونس الحافظ قال:
حدثني عاصم بن رازح قَالَ: حَدَّثَنَا بشير بْن عَبْد الْوَاحِدِ
قَالَ: سمعت أبي يَقُول: سمعت غوث بْن سليمان يَقُول: بعث إلي أمير
المؤمنين أَبُو جَعْفَر المنصور، فحملت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: يا
غوث، إن صاحبتكم الحميرية خاصمتني إليك فِي شروطها، قلت، أفيرضى
أمير المؤمنين أن يحكمني عليه قال: نعم، قلت: فالحكم لَهُ شروط
فيحملها أمير المؤمنين قَالَ: نعم، قلت: يأمرها أمير المؤمنين أن
توكل وكيلا ويشهد عَلَى وكالته خادمين خيرين يعدلهما أمير المؤمنين
عَلَى نفسه ففعل، فوكلت خادما، وبعثت معه بكتاب صداقها وشهد
الخادمان عَلَى توكيلها، فقلت لَهُ: تمت الوكالة، فإن رأى أمير
المؤمنين أن يساوي الخصم فِي مجلسه فليفعل، فانحط عن فرشه وجلس مع
الخصم، فدفع إلى الوكيل كتاب الصداق فقرأته عليه، فقلت: أيقر أمير
المؤمنين بما فيه؟
قَالَ: نعم، قلت: أرى فِي الكتاب شروطا مؤكدة بها تم النكاح بينكما
أرأيت/ يَا أمير 135/ أ
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 308.
[2] في ت: «ذي الحجة» .
[3] ما بين المعقوفتين في الأصل بسنة.
[4] «الحافظ» ساقطة من ت.
(8/299)
الْمُؤْمِنِينَ لو إنك خطبت إليها ولم تشرط
لها هَذَا الشرط أكانت تزوجتك؟ قَالَ: لا، قلت: فبهذا الشرط تم
النكاح، وأنت أحق من وفى لها بشرطها قَالَ: قَدْ علمت إذ أجلستني
هذا المجلس أنك ستحكم علي قلت: أعظم جائزتي وأطلق سبيلي يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: بل جائزتك عَلَى من قضيت لَهُ،
وأمر لي بجائزة وخلعة، وأمرني أن أحكم بين أَهْل الكوفة فقلت: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ليس البلد بلدي، ولا معرفة لي بأهله.
قَالَ: لا بد من ذلك. قلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: فأنا أحكم
بينهم فإذا أنا ناديت من لَهُ حاجة بخصومة ولم يأت أحد تأذن لي
بالرجوع إِلَى بلدي؟ قَالَ: [نعم: قَالَ:] فجلست فحكمت [بينهم] [1]
، ثُمَّ انقطع الخصوم فناديت الخصوم [2] ، فلم يأت أحد، فرحلت من
وقتي إِلَى مصر.
قَالَ أَبُو سَعِيد: وحدثنا عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن فرقد قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن الحكم
قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بْن المسور أَبُو رجاء قَالَ: قدمت امرأة
من الريف فِي محفة وغوث قاضي مصر إذ ذاك، فوافت غوث بْن سليمان عند
السراجين رائحا إلى المسجد، فشكت إليه أمرها وأخبرته بحاجتها، فنزل
عَنْ دابته فِي بعض حوانيت السراجين، ولم يبلغ المسجد، فكتب له
بحاجتها [3] وركب إِلَى المسجد، فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت
والله أمّك حين سمتك غوثا أنت والله غوث.
تُوُفِّيَ فِي جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة.
907- قيس بْن الربيع، أَبُو مُحَمَّد الأسدي، من ولد الحارث بْن
قيس [4] .
الَّذِي أسلم وعنده تسع نسوة فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن
يمسك منهن أربعة ويفارق سائرهن. سمع قيس بْن عَمْرو، وابْن مرة،
ومحارب بْن دثار، وهشام بن عروة في آخرين [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «فناديت الخصوم» ساقط من ت.
[3] «دابته في بعض ... » حتى « ... بحاجتها» ساقطة من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 456.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 456.
(8/300)
روى عَنْ سفيان الثوري، وشعبة، وابْن
المبارك، وأبو معاوية، وعفان وغيرهم.
قَالَ عفان: كَانَ قيس ثقة. / وَقَالَ شريك: مَا خلف بعده مثله [1]
.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة خمس [2] ، وقيل:
سنة ست.
908- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن علاثة بْن علقمة بْن مالك
أَبُو اليسير العقيلي [3] .
حدث عَنْ هِشَام بْن حسان، والأوزاعي، وغيرهما، وروى عنه ابْن
المبارك، ووكيع، وغيرهم. وَكَانَ قاضيا بالجانب الشرقي ببغداد زمن
المهدي.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: قرأت
فِي كتاب أبي الْحَسَن بْن الفرات بخطه: أَخْبَرَنِي أخي أَبُو
القاسم عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن الفرات قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن سراج قَالَ: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن
علاثة يقال لَهُ: قاضي الجن وذلك أن بئرا كانت بين حران وحصن
مسلمة، فكان من شرب منها خبطته الجن، قَالَ: فوقف عَلَيْهَا،
فَقَالَ: أيها الجن إنا قَدْ قضينا بينكم وبين الإنس، فلهم النهار،
ولكم الليل.
قَالَ: فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن
عَلِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد مُحَمَّد بْن موسى
الصَّيْرفيّ قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يعقوب الأصم
يَقُول: سمعت الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدوري يَقُول سمعت يَحْيَى
بْن معين يَقُول: مُحَمَّد بْن علاثة ثقة [5] .
قَالَ المصنف: وقد روينا عَنْ أبي الفتح الأزدي الحافظ أنه طعن فِي
ابْن علاثة ولا يحفظ هذا عَنْ غيره، إلا أن البخاري قَالَ: فِي
حفظه نظر.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
909- مُحَمَّد بْن ميمون، أَبُو حمزة السكري المروزي [6] .
سمع أبا إِسْحَاق السبيعي، وَعَبْد الْمَلِكِ بْن عمير، ورقبة بن
مصقلة، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وغيرهم. وكان من أهل الفضل
والفهم.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 456.
[2] «وقيل سنة خمس» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 389.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 389- 390.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 390.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 266- 269.
(8/301)
حدث عنه ابْن المبارك وغيره.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا [أحمد بْن علي بْن
ثابت] [1] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ
الْقَطِيعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس قال: أخبرنا
أبو 136/ أأيوب/ سليمان بْن إِسْحَاق الجلاب قَالَ: سمعت
إِبْرَاهِيم الحربي يَقُول: قَالَ مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن
الْحَسَن: أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره، قَالَ: فقيل
لَهُ: بكم تبيعها؟ قَالَ: بألفين ثمن الدار، وألفين [حق] جوار أبي
حمزة. قَالَ: فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجه إِلَيْهِ بأربعة آلاف،
وَقَالَ خذها ولا تبع دارك [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو حازم العبدي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حامد
الدهان قَالَ: حَدَّثَنَا خالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى
قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أيوب قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد
اللَّه بْن حكيم قَالَ: حَدَّثَنَا معاذ بْن خالد قَالَ:
سمعت أبا حمزة السكري يَقُول: مَا شبعت منذ ثلاثين سنة إلا أن يكون
لي ضيف [3] .
قَالَ يَحْيَى بْن معين: كَانَ أَبُو حمزة السكري من ثقات الناس
وَكَانَ إذا مرض عنده من قَدْ رحل إِلَيْهِ ينظر إِلَى مَا يحتاج
إِلَيْهِ من الكفاية فيأمر بالقيام به، واسمه مُحَمَّد بْن ميمون،
ولم يكن يبيع السكر، وإنما سمي السكري لحلاوة كلامه [4] .
روى الغلابي عَنْ يَحْيَى بْن معين: أن أبا حمزة كَانَ إذا مرض
الرجل من جيرانه تصدق بمثل نفقة لمريض بما صرف عنه من العلة [5] .
قَالَ البخاري: مُحَمَّد بْن ميمون مات سنة ثمان وستين حدثنيه
بِشْر بْن مُحَمَّد.
قَالَ مؤلف الكتاب [6] : وَقَالَ غيره سنة تسع وستين.
910- مندل بْن عَلِيّ، أَبُو عَبْد اللَّه العنزي [7] .
حدث عَنْ أبي إِسْحَاق الشيناني، وعاصم، والأعمش، وغيرهم، وقيل: إن
اسمه عَمْرو، ولقبه مندل، إلا أنه غلب عليه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 268.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 268.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 269.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 269.
[6] في ت: «قال المؤلف» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 247.
(8/302)
قَالَ يَحْيَى: مندل لا بأس به، وَقَالَ
مرة: ضعيف.
وَقَالَ يعقوب بْن شيبة: كَانَ رجلا فاضلا صدوقا، وَهُوَ ضعيف
الحديث.
تُوُفِّيَ في [رمضان] هذه السنة وقيل: في سنة سبع) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ حَدَّثَنَا الدسكري قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بكر [مُحَمَّد] بْن الْمُقْرِئ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد
بْن عَلِيّ بْن مخلد قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو قَالَ: قَالَ معاذ بْن معاذ:
دخلت الكوفة/ فلم أر أحدا أورع من 136/ ب مندل بْن عَلِيّ [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي قال: أخبرنا
أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسين بْن الْعَبَّاس قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الأنباري قال: حدثنا أبي قال:
حدثنا عبد الله بْن عَمْرو الرزاق قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام
قَالَ: مرت جارية معها سلة فِيهَا رطب بمندل بْن عَلِيّ، وأصحاب
الحديث حوله، فوقفت تنظر وتسمع، فنظر إليها مندل، ففطن أن السلة قد
أهديت لَهُ، فَقَالَ: قدميها، فقدمتها، فَقَالَ لمن حوله: كلوا مَا
فِيهَا وانصرفت الجارية إِلَى سيدها وقد احتبست، فَقَالَ: مَا أسرع
مَا جئت، فقالت: وقفت أسمع من هَذَا الشيخ، فَقَالَ: قدمي السلة،
ففعلت، فأكل الذين حوله مَا فِيهَا. وَكَانَ سيدها رجلا من العرب
فَقَالَ لها: أنت حرة لوجه اللَّه عز وجل [2] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 249.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 247- 248.
(8/303)
ثم دخلت سنة تسع
وستين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
خروج المهدي فِي المحرم إِلَى ماسبذان.
وَكَانَ سبب خروجه: أنه قَدْ عزم فِي آخر عمره أن يقدم هارون عَلَى
موسى، فبعث إِلَى موسى وَهُوَ بجرجان بعض أَهْل بيته ليقطع أمر
البيعة ويقدم الرشيد، فلم يفعل، فبعث إِلَيْهِ المهدي بعض الموالي
فامتنع موسى من القدوم عليه، وضرب الرسول، فخرج المهدي يريده
بجرجان فأصابه مَا أصابه وولي الهادي [1] .
وَفِيهَا: تُوُفِّيَ المهدي باللَّه [2] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 168.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 168- 186.
(8/304)
باب ذكر خلافة موسى
الهادي
وَهُوَ موسى بْن مُحَمَّد المهدي بْن المنصور، ويكنى أبا محمد،
وأمه:
الخيزران أم ولد، وكان طويلا جسيما أبيض مشربا حمرة، وفي شفته
العليا تقلص، ولد بالري، وَكَانَ يثب عَلَى الدابة وعليه درعان،
وَكَانَ المهدي يسميه: ريحانتي.
ذكر بيعته [1]
بويع لموسى الهادي يوم تُوُفِّيَ المهدي، وَكَانَ الهادي إذ ذاك
بجرجان يحارب أَهْل طبرستان، فاجتمع الموالي والقواد عَلَى هارون،
وقالوا: إن علم الجند بوفاته لم نأمن الشغب، والرأي أن تنادي فِي
الجند بالقفول حَتَّى نواريه ببغداد، فقال هارون:
ادعوا إلي أبي يَحْيَى بْن خالد، وَكَانَ المهدي قَدْ ولى هارون
المغرب كله من الأنبار إِلَى إفريقية، فأمر يَحْيَى بْن خَالِد أن
يتولى ذلك، وَكَانَ يقوم بأعماله ودواوينه إِلَى أن تُوُفِّيَ،
فلما جاء يَحْيَى قَالَ لَهُ هَارُون: يا أبت، مَا تقول فيما
يَقُول عَمْرو بْن بزيع ونصير والمفضل [2] ؟ قَالَ: وما قالوا؟
فأخبره، قَالَ: مَا أرى ذلك، قَالَ: ولم؟ قَالَ: لأن هَذَا لا
يخفى، ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلّقوا بمحمله ويقولون: لا نخليه
حَتَّى نعطى لثلاث سنين وأكثر، ويتحكّموا ويشتطّوا، ولكن أرى أن
يوارى هاهنا، وتوجه نصيرا إِلَى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم
والقضيب والتعزية والتهنئة، فإن البريد لا ينكر أحد خروجه،
__________
[1] في ت: «ذكر أولاده» قبل: «ذكر بيعته» .
انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 187.
[2] في ت: «والفضل» .
(8/305)
وأن تأمر لمن معك من الجند بجوائز مائتين
مائتين، وتنادي فيهم بالقفول، فإنهم إذا قبضوا الدراهم لم يكن لهم
همة سوى أهاليهم [1] وأوطانهم، فلما قبض الجند الدراهم قالوا:
بغداد بغداد، فلما وصلوا إِلَى بغداد وعلموا خبر [2] الخليفة ساروا
إِلَى منزل الربيع فأخرجوه [3] ، وطالبوا بالأرزاق وضجوا، وقدم
هارون بغداد، وأعطى الجند لسنتين، فسكتوا.
ووجه هارون الجنود إِلَى الأمصار ونعى لهم المهدي، وأخذ بيعتهم
للهادي، وله بولاية العهد، ولما بلغ الهادي وفاة المهدي نادى من
فوره بالرحيل، فلما وصل إِلَى مدينة السلام استقبله الناس، فوصل
لعشر بقين من صفر، فسار من جرجان إِلَى بغداد فِي عشرين يوما، فلما
قدمها نزل القصر الَّذِي يسمى الخلد، وَكَانَ لَهُ [جارية] [4]
حظيّة تحبّه، فكتبت إليه وهو بجرجان.
يا بعيد المحل أمسى بجرجان نازلا
[فِي أبيات أخر] [5] / فلما دخل بغداد لم يكن لَهُ هم سواها، فدخل
فأقام عندها يومه وليلته قبل أن يظهر للناس [6] .
ثُمَّ ولى الربيع الوزارة مكان عبيد اللَّه بْن زياد بْن أبي ليلى،
وضم إِلَيْهِ مَا كَانَ عُمَر بْن بزيع يتولاه من الزمام، وولى
الفضل بْن الربيع الحجابة، وولى مُحَمَّد بْن جميل ديوان خراج
العراق، وولى ابْن زياد خراج الشام وما يليه، وأقر عَلَى حرسه
عَلِيّ بْن عيسى بْن ماهان، وضم إِلَيْهِ ديوان الجند، وولى شرطه
عَبْد اللَّه بْن مالك مكان عَبْد اللَّه بْن حازم، وأقر الخاتم
بيد عَلِيّ بْن يقطين، وولى أبا يوسف القضاء.
ذكر أولاده
كَانَ لَهُ جَعْفَر وَهُوَ الَّذِي يرشحه للخلافة، والعباس، وعَبْد
الله، وإسحاق،
__________
[1] في الأصل: «إلّا أهاليهم» .
[2] في ت: «وعلموا بأمر» .
[3] في الطبري: «ساروا إلى باب الربيع فأحرقوه» .
[4] ما بين المعقوفتين زيادة من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 187- 190.
(8/306)
وإسماعيل، وسليمان، وموسى ولد بعد موت
أبيه، وكلهم لأمهات أولاد، وَكَانَ لَهُ ابْنتان: أم عِيسَى وكانت
عند المأمون، وأم الْعَبَّاس [1] .
ذكر طرف من سيرته وأخباره
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ
على بْن ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَزْهَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَحْمَد الدِّيبَاجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
الصُّولِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن عبد الرحمن التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي
الْمُطَّلِبُ بْنُ عُكَّاشَةَ الْمُزَنِيُّ قال: قدمنا على أمير
المؤمنين الهادي [شُهُودًا] [2] عَلَى رَجُلٍ مِنَّا شَتَمَ
قُرَيْشًا، وَتَخَطَّى إِلَى ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلس لنا مجلسا أحضر فِيهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ
زَمَانِهِ، وَمَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ على بابه، وأحضر الرجل
وأحضرنا، فشهدنا عليه بِمَا سَمِعْنَا مِنْهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ
الْهَادِي ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ: إِنِّي
سَمِعْتُ أبي [المهدي] [3] يُحَدِّثُ [4] : عَنْ أَبِيهِ
الْمَنْصُورِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّد بْن عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ
عَلِيّ بْن عَبْد الله عن أبيه عبد الله بن عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ
أَرَادَ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللَّهُ. وَأَنْتَ يَا عَدُّوَ
اللَّهِ لَمْ تَرْضَ بِأَنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى
تَخَطَّيْتَ إِلَى ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى قُتِلَ.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا
138/ أالحسين بْن الْحَسَن النعالي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن
نصر الزراع قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد قَالَ:
حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الفضل، عَنْ أبيه قَالَ: غضب موسى
الهادي عَلَى رجل، فكلم فِيهِ فرضي عنه، فذهب يعتذر، فَقَالَ لَهُ
مُوسَى: إن الرضا قَدْ كفاك مئونة الاعتذار [5] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [6] قال:
أخبرنا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 214.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 22- 23.
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «يقول» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 23.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/307)
الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن [1] عَبْد
الْوَاحِدِ بْن عَلِيّ البزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد
السيرافي قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبي الأزهر النحوي قال: حدثنا الزبير بن
بكار قال: حدثني عمي مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه، عَنْ جدي عَبْد
اللَّه بْن مُصْعَب قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي
فأنشده مديحا لَهُ، حَتَّى إذا بلغ قوله:
تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فَقَالَ لَهُ الهادي: أيما أحب إليك ثَلاثُونَ ألفا معجلة أو مائة
ألف تدور فِي الدواوين؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أنت
تحسن مَا هو أحسن من هَذَا، ولكنك أنسيته، أفتأذن لي أن أذكرك؟
قَالَ: نعم، قَالَ: تعجل الثلاثون الألف، وتدور المائة الألف.
قَالَ: بل تعجّلان لك جميعا، فحمل ذلك إِلَيْهِ [2] .
قَالَ سَعِيد بْن سلم: سرنا مَعَ الهادي بين أبيات جرجان، فسمع
صوتا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى فَقَالَ لصاحب شرطته: علي
بالرجل الساعة. فقلت: يَا أمير المؤمنين، ما أشبه قصة هَذَا الخائن
بقصة سليمان بْن عَبْد الملك، فإنه كَانَ فِي متنزه لَهُ ومعه
حرمه، فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى، فدعا صاحب شرطته فَقَالَ:
علي بصاحب هَذَا الصوت، فلما مثل بين يديه قَالَ: مَا حملك عَلَى
الغناء وأنت إِلَى جنبي ومعي حرمي! أما علمت إن الرّماك [3] إذا
سمعت صوت الفحل حنت؟ قَالَ: فجب الرجل، فلما كَانَ فِي العام
المقبل ذهب سليمان إِلَى ذلك المتنزه فجلس وذكر الرجل، 138/ ب
فَقَالَ لصاحب شرطته: علي بالرجل الَّذِي جببْناه، فلما مثل/ بين
يديه قال له: إمّا بعت فوفّيناك، وإما وهبت فكافأناك قال: فو الله
مَا دعاه بالخلافة، ولكنه قَالَ: يا سُلَيْمَان إنك قطعت نسلي
وذهبت بماء وجهي، وحرمتني لذتي، ثُمَّ تقول: إما وهبت وإما بعت؟ لا
والله حَتَّى أقف بين يدي اللَّه. قَالَ: فَقَالَ موسى: يا غلام،
رد صاحب الشرطة، فرده، قَالَ: لا تعرض للرجل [4] .
قَالَ عَلِيّ بْن صالح: ركب الهادي يوما يريد عيادة أمّه الخيزران
من علّة كانت
__________
[1] في ت: «الحسين بن أحمد» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 23- 24.
[3] الرماك: الرمكة في القاموس: «الفرس أو البرذونة، تتخذ للنسل» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 214- 215.
(8/308)
بها، فاعترضه عُمَر بْن بزيع فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ألا أدلك عَلَى وجه هو أعود عَلَيْك من
هَذَا؟ قَالَ: وما هو يا عُمَر؟ قَالَ: المظالم، لم تنظر فِيهَا
منذ ثلاثة أيام، فأومأ إِلَى المطرقة أن يميلوا إِلَى دار المظالم،
وبعث إِلَى الخيزران بخادم يعتذر من تخلفه ويقول: إن عُمَر
أَخْبَرَنَا من حق اللَّه عز وجل بما هو أوجب علينا من حقك، فملنا
إِلَيْهِ ونحن عائدون إليك فِي غد إن شاء اللَّه تعالى [1] .
وَفِيهَا [2] : اشتد طلب موسى للزنادقة، فقتل منهم جماعة، فكان
فيمن قتل منهم كاتب يقطين وابْنه عَلِيّ بْن يقطين وَكَانَ علي
قَدْ حج فنظر إِلَى الناس فِي الطواف يهرولون فَقَالَ: مَا أشبههم
ببقر يدوس فِي البيدر. فَقَالَ شاعر:
قل لأمين اللَّه [3] في خلقه ... ووراث الكعبة والمنبر
ماذا ترى فِي رجل كافر ... يشبه الكعبة بالبيدر
ويجعل الناس إذا مَا سعوا ... حمرا يدوس البر والدوسر
فقتله موسى [4] ثُمَّ صلبه، فسقطت خشبته عَلَى رجل من الحاج فقتلته
وقتلت حماره، وقتل من بْني هاشم يعقوب بْن الفضل بْن عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن عباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب،
وَكَانَ المهدي أتي به وبابْن لداود بْن عَلِيّ فحبسهما لما أقرا
[5] لَهُ بالزندقة، وَقَالَ ليعقوب: لولا مُحَمَّدٍ [رَسُولِ
اللَّهِ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ من كنت! أما والله
لولا 139/ أإني كنت جعلت عَلَى اللَّه عهدا إن ولاني أن لا أقتل
هاشميا لما ناظرتك، ثُمَّ التفت إِلَى الهادي فَقَالَ: يا موسى،
أقسمت عَلَيْك بحقي إن وليت هَذَا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما
ساعة واحدة. فمات ابْن داود بْن علي في الحبس قبل وفاة المهدي،
فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي، فأرسل إِلَى يعقوب
فألقى عليه فراشا، وأقعدت عليه الرجال حَتَّى مات، ولها عنه،
وَكَانَ الحر شديدا فقيل لَهُ: قد انتفخ، فقال: ابعثوا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 215- 216.
[2] في ت: «وفي هذه السنة» .
[3] في الطبري: «أيا أمين الله» .
[4] «موسى» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فأقر له يا» .
(8/309)
به إِلَى أخيه إِسْحَاق بْن الفضل فأخبروه
أنه مات فِي الحبس، فبعث إِلَيْهِ، فإذا ليس فِيهِ موضع للغسل،
فدفن من ساعته [1] .
وَكَانَ ليعقوب ابْنة تسمى فاطمة، فوجدت حبلى منه، وأقرت بذلك،
فأدخلت وامرأة يعقوب بْن دَاوُد يقال لها خديجة عَلَى الهادي- أو
عَلَى المهدي- فأقرتا بالزندقة وأقرت فاطمة أنها حبلى من أبيها،
فأرسل بهما إِلَى ريطة بْنت أبي الْعَبَّاس فرأتهما مكحلتين
مخضوبتين، فعذلتهما، خصوصا البْنت، فقالت: أكرهني- فقالت لها: فما
بال الخضاب والكحل ولعنتهما، ففزعتا فماتتا [2] .
وفي هذه السنة: خرج الحسين بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن
بْن عَلِيّ بْن أبي طالب [رَضِيَ اللهُ عنهم] .
وسبب ذلك: أن إِسْحَاق بْن عيسى بْن عَلِيّ كَانَ عَلَى المدينة،
فلما استخلف الهادي وفد إِلَيْهِ واستخلف عَلَى المدينة عُمَر بْن
عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عمر بن الخطاب
[رضي الله عنهم] ، فخرج الحسين بالمدينة، وصعد المنبر وعليه قميص
أبيض وعمامة بيضاء، فخطب وَقَالَ: أيها الناس أنا ابْن رسول الله
[صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ] فِي حرم اللَّه وفي مسجد رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنة
نبيه، فإن لم أف لكم فلا بيعة لي فِي أعناقكم [3] .
وجرت الحرب بينه وبين الولاة، ثُمَّ خرج إِلَى مكة، فبعث الهادي
مُحَمَّد بْن سليمان للحرب، فقتل الحسين وأصحابه، وجيء برأسه إِلَى
الهادي، وَكَانَ مبارك 139/ ب التركي/ قَدْ كره حرب الحسين، وبعث
إِلَيْهِ: والله لئن أسقط من السماء أحب إلي من أن أشوكك بشوكة،
ولا بد من الأعذار، فخرج إِلَيْهِ فِي نفر يسير فانهزم، فغضب عليه
الهادي، وأمر بقبض أمواله وتصييره فِي ساسة الدواب، فلم يزل كذلك
حَتَّى مات الهادي [4] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 190- 191.
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 191.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 192- 201.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 192- 203.
(8/310)
وجرت في هذه السنة حادثة عجيبة:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن المحلى قَالَ: أَخْبَرَنَا أخي
أَبُو نصر هبة اللَّه بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سعد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الحاسب
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد العزيز أَبُو الْحَسَن قَالَ: حَدَّثَنَا
[أَبُو] مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه الجوهري قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن الدمشقي قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر
قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن هانئ أَبُو نواس قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو عَمْرو الأعجمي صاحب خبر السند أيام المنصور ثُمَّ ولاه موسى
أول مَا استخلف- قَالَ: فكتب فِي خبره.
أن رجلا من أشراف أَهْل السند من آل المهلب بْن أبي صفرة اشترى
غلاما أسود وَهُوَ صغير، فرباه وتبْناه، فلما اشتد الغلام هوي
مولاته، وراودها عَنْ نفسها فأجابته، فدخل مولاه يوما عَلَى غرة
منه فإذا هو عَلَى بطن امرأته فعمد إِلَيْهِ فجب ذكره، وتركه يتشحط
فِي دمه، ثُمَّ أنه أدركته عليه رقة وتخوف من فعله به، فعالجه
إِلَى أن أبل من علته، فأقام بعد هَذِهِ الحادثة حينا يطلب غرة
مولاه ليثأر منه ويدبر عليه أمرا يكون فِيهِ شفاء قلبه وَكَانَ
لمولاه ابْنان، أحدهما طفل، والآخر يافع، فغاب الرجل عن منزله في
بعض أموره، فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما ذروة سطح عال فنصبهما
هُنَاكَ وجعل يعللهما بالمطعم وباللعب، إِلَى أن دخل مولاه فرفع
رأسه، فإذا بابْنيه فِي شاهق والغلام، فَقَالَ:
ويلك يا فلان عرضت ابنيّ للموت، قال: أجل قد ترى موضعهما، فو الله
الَّذِي تحلف به لأن لم تجب نفسك كما جببتني لأرمين بهما. فَقَالَ:
ويلك/ اللَّه اللَّه فِي وفي بنيّ، قال: دع عنك هذا، فو الله مَا
هي إلّا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء أسقاها، فجعل يكرر ذلك
عليه ويأبى، فذهب ليروم الصعود إِلَيْهِ فأهوى بهما ليرديهما من
ذروة ذلك الشاهق، فَقَالَ أبوهما: ويلك اصبر حَتَّى أخرج مدية،
قَالَ: افعل مَا أردت، فأخذ مدية واستقبله ليرى ما يصنع فرمى ذكره
وهو يراه، فلما علم أنه قَدْ فعل رمى بالصبيين فتقطع الصبيان،
وَقَالَ: هَذَا الَّذِي فعلت ثأري، وهذا زيادة فِيهِ، فأخذ الأسود
وكتب بخبره، فكتب موسى إِلَى صاحب السند بقتل الغلام، وَقَالَ: مَا
سمعت بأعجب من هَذَا، وأمر أن يخرج من ملكه وملك نسائه كل أسود.
وَفِيهَا [1] : حج بالناس في هذه السنة سليمان بن المنصور [2] .
__________
[1] «وفيها» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 204.
(8/311)
وَكَانَ عَلَى المدينة عُمَر بْن عَبْد
العزيز العمري، وَكَانَ عَلَى مكة والطائف عبيد اللَّه بْن قثم،
وعلى اليمن إِبْرَاهِيم بْن سلم بْن قتيبة، وعلى اليمامة والبحرين
سويد بْن أبي سويد الخُراسانيْ، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها موسى
بْن عيسى، وعلى صلاة البصرة وأحداثها مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى
قضائها عُمَر بْن عُثْمَان، وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي، وعلى
قومس زياد بْن حسان، وعلى طبرستان والرويان صالح بْن شيخ ابْن أبي
عميرة الأسدي [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
911- الْحَسَن بْن الخليل بْن مرة.
كَانَ كثير التعبد طويل البكاء.
أَخْبَرَنَا ابْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن
مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن
عَبْد الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمَد بن إبراهيم
بن شاذان قال: حدثنا أبو أيوب سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى
الْبَصْرِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد [بْن بادا] [2]
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: مَا رأيت بمصر من
أفضله عَلَى الْحَسَن بن الخليل 140/ ب فِي زهده وورعه، ولقد رأيته
يحمل دقيقا في جراب/ للناس بأجرة، يتقوب فِي كل جمعة بحمل يوم،
ثُمَّ زاد أمره فلم يكن يدخر لوقت ثاني، وعليه مدرعة قيمتها أقل من
درهم، وأجمع أَهْل مصر أنه مستجاب الدعوة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أيوب قال: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا
سليمان بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد [بْن
بادا] [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ:
حَدَّثَنِي موسى بْن هارون قَالَ: رأيت الْحَسَن بْن الخليل مرة
بعرفات فكلمته ثُمَّ رأيته يطوف بالبيت، فقلت: ادع اللَّه لي أن
يتقبل حجي، فبكى ودعا لي، ثُمَّ أتيت مصر، فقلت إن
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 204.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
(8/312)
الْحَسَن بْن الخليل كَانَ معنا بمكة،
فقالوا: مَا حج العام، وقد كَانَ يبلغني أنه يمر إِلَى مكة فِي
ليلة فما كنت أصدق حَتَّى رأيته فعاتبْني وَقَالَ: شهرتني، مَا كنت
أحب أن تحدث بهذا، فلا تعد بحقي عَلَيْك [1] .
912- الْحَسَن بْن صالح بْن حي.
ولد هو وأخوه علي توأم سنة [2] مائة، فكانا وأمهما يقومون الليل
كله عَلَى الثلث ويقرأ ثلث القرآن، ثُمَّ ينام ويقوم الْحَسَن
الثلث، ويقرأ ثلث القرآن، فماتت أمهما فحزبا الليل بينهما، ثُمَّ
مات علي فقام الْحَسَن به كله، وَكَانَ يختم كل ليلة. وباع
الْحَسَن جارية فَقَالَ: أخبروهم أنها تنخمت عندنا مرة دما.
أَخْبَرَنَا عَبْد الْخَالِقِ بْن أَحْمَد قَالَ: أخبرنا المبارك
بن عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
الْفَتْحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابْن أخي ميمي قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر القرشي قَالَ:
حَدَّثَنَا أبي قَالَ: أَخْبَرَنِي سليمان بْن إدريس المنقري
قَالَ: اشتهي الْحَسَن أخي سمكا، فلما أتي به ضرب بيده إِلَى سرة
السمكة فاضطربت يده، فأمر به فرفع، ولم يأكل شيئا، فقيل لَهُ فِي
ذلك، فَقَالَ: إني ذكرت لما ضربت بيدي إِلَى بطنها إن أول مَا ينتن
من الْإِنْسَان بطنه، فلم أقدر أن أذوقه.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد
بْن هبة اللَّه الطبري قال: أخبرنا/ 141/ أعلي بْن مُحَمَّد بْن
بِشْرَان قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: حدثنا أبو بكر بن
عبيد قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه
بْن صالح قَالَ: حَدَّثَنِي خلف بْن تميم أن حسن بْن صالح كَانَ
يصلي إِلَى السحر، ثُمَّ يجلس يبكي فِي مصلاه، ويجلس علي فيبكي فِي
حجرته، قَالَ: وكانت أمهم تبكي اللّيل والنهار، قَالَ: فماتت ثُمَّ
مات علي، ثُمَّ مات حسن، فرأيت حسنا فِي منامي، فقلت: مَا فعلت
الوالدة؟ قَالَ: بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد، قلت: وعلي؟
قَالَ: وعلي عَلَى خير. قلت: فأنت فمضى وَهُوَ يَقُول: وهل يتكل
إلا عَلَى عفوه.
تُوُفِّيَ الْحَسَن في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «فلا تحدث بعد بحقي عليك» .
[2] في ت: «ولد هو وأخوه على قول سنة مائة» .
(8/313)
913- خالد بْن حميد بْن خالد، أَبُو حميد
النهري.
روى عَنْ قيس بْن الحجاج، وحميد بْن هاني، حدث عنه ابْن وهب وغيره،
وآخر من حدث عنه بمصر روح بْن صلاح المرادي.
وتوفي بالإسكندرية في هذه السنة.
914- عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أويس بْن مالك بْن [أبي]
عامر، أَبُو أويس [1] المديني الأصبحي [2] .
كَانَ زوج أخت مالك بْن أنس، وابْن ابْن عمه لحا، قدم بغداد وحدّث
بها عن الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزناد، وهشام بن عروة.
روى عنه ابناه أبو بكر، وإسماعيل، وشبابة، والقعنبي.
وثقه يحيى، [في رواية] [3] وضعفه في أخرى، وَقَالَ أَحْمَد: هو
صالح. وَقَالَ النسائي: ليس بالقوي.
قَالَ أَبُو نعيم: قدم علينا وإذا معه جوار يضربْن- يعني القيان-
قَالَ: فقلت لا والله لا أسمع منه شيئا.
915- عُثْمَان بْن طلحة بْن عُمَر بْن عبيد اللَّه بْن معمر
التيمي.
من أَهْل مدينة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولاه
بعض أمراء المدينة القضاء عَلَى إكراه، فلم يأخذ عليه رزقا.
وَكَانَ محمود السيرة جميل الذكر.
روى عَنْ مُحَمَّد بْن المنكدر، فلما قدم المهدي المدينة استعفاه
من القضاء، وجرت لَهُ في ذلك قصة قَدْ ذكرناها فِي سنة ستين
فأعفاه.
141/ ب
916- عقبة/ بْن أبي الصهباء، أَبُو خريم [4] .
مولى باهلة الْبَصْرِيّ، سمع سالم بْن عَبْد اللَّه، وبكر المزني،
والحسن، وابن
__________
[1] في ت: «عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن عامر أبو
أويس» .
وفي الأصل: «عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن عامر بن أويس» . وما
أثبتناه من الكتب التي ترجمت له.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 5- 8. وطبقات ابن سعد 445
الجزء المتمم. والجروح والتعديل 5/ 92. والتاريخ الكبير 5/ 127) .
[3] في هامش الأصل.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 264- 265.
(8/314)
سيرين، وروى عنه يزيد بن هارون، وكان ثقة،
انتقل عَنِ البصرة فنزل المدائن، ثُمَّ دخل إِلَى مدينة السلام [1]
بغداد.
وتوفي في هذه السنة ببغداد.
917- مُحَمَّد المهدي بْن عَبْد اللَّه المنصور [2] .
رأى مناما قبل وفاته يدل عَلَيْهَا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أَبُو الحسين بْن عَلِيّ [بْن مُحَمَّد] بْن المعدل قال
أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ
لي عَلِيّ بْن يقطين: خرجنا مَعَ المهدي فَقَالَ لنا يوما: إني
داخل البهو فنائم فِيهِ فلا يوقظني أحد حَتَّى استيقظ، قَالَ: فنام
ونمنا، فما أنبهنا إلا بكاؤه، فقمنا فزعين، فقلنا: ما شأنك يا أمير
المؤمنين، فقال: أتاني الساعة آت في منامي، شيخ والله لو كَانَ فِي
مائة ألف شيخ لعرفته، فأخذ بعضادتي الباب وَهُوَ يَقُول:
كأني بهذا القصر قَدْ باد أهله ... وأوحش منه ركنه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إِلَى قبر عليه جنادله
ولم يبق إلا ذكره وحديثه ... تنادي عليه بالعويل حلائله
واختلفوا فِي سبب وفاته عَلَى قولين:
أحدهما: رواه واضح قهرمان المهدي قَالَ: خرج المهدي يتصيد بقرية من
قرى ماسبذان فلم أزل معه إِلَى بعد العصر وانصرفت إِلَى مضربي،
وَكَانَ بعيدا من مضربه، فلما كَانَ وقت السّحر ركبت لإقامة
الوظائف ولقيني أسود عريان، فدنا مني، ثُمّ قَالَ: أبا سهل، أعظم
اللَّه أجرك فِي مولاك أمير المؤمنين. فدخلت فإذا به مسجى فِي قبة.
فقلت: فارقتكم بعد [صلاة] [3] العصر وَهُوَ أسر مَا كَانَ حالا
وأصحه
__________
[1] «مدينة السلام» ساقطة من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ الطبري 8/ 168- 186. وتاريخ بغداد 5/
391- 401.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/315)
142/ أبدنا، فما كَانَ الخبر؟ فقالوا:
اطردت الكلاب ظبيا فما زال يتبعها فاقتحم الظبي/ باب خربه، فاقتحمت
الكلاب خلفه واقتحم الفرس خلف الكلاب، فدق ظهره باب الخربة فمات من
ساعته [1] .
القول الثاني: ذكره أَبُو نعيم المروزي قَالَ: بعثت جارية من جواري
المهدي إِلَى ضرة لها لبْنا [2] فِيهِ سم وَهُوَ قاعد فِي البستان
بعد خروجه من عيساباد، فدعا به فأكل، ففرقت الجارية أن تقول إنه
مسموم [3] .
وروى أَحْمَد بْن مُحَمَّد الرازي: أن المهدي كَانَ جالسا فِي علية
قصر بماسبذان، وكانت جاريته حسنة قَدْ عمدت إِلَى كمثرى فجعلته فِي
صينية وسمّت واحدة في أحسنه وأنضجه، وردت القمع عَلَيْهَا ووضعتها
فِي أعلى الصينية، وأرسلت بذلك مَعَ وصيفة لها إلى جارية المهدي-
وكانت حظية عنده- تريد قتلها، فمرت الوصيفة بالصينية، فرآها
المهدي، فدعاها فمدّ يده فأخذ الكمثراة الَّتِي فِي أعلى الصينية
وهي المسمومة، فأكلها فصرخ: جوفي. فأخبرت حسنة الخبر، فجاءت تلطم
وجهها وتبكي وتقول: أردت أن أنفرد بك فقتلتك، فهلك من يومه فجعلت
حسنة عَلَى قبتها المسوح فَقَالَ أَبُو العتاهية فِي ذلك:
رحن فِي الوشي وأصبحن ... عليهن المسوح
كل نطاح من الدهر ... لَهُ يوم نطوح
لست بالباقي ولو ... عمرت مَا عُمَر نوح
فعلى نفسك نح إن ... كنت لا بد تنوح [4]
توفي المهدي بقرية يقال لها الرّد من ماسبذان فِي ليلة الخميس
لثمان بقين من المحرم، سنة تسع وستين، وَهُوَ ابْن ثلاث وأربعين
سنة، ولم توجد لَهُ جنارة يحمل عَلَيْهَا، فحمل عَلَى باب، وصلى
عليه ابْنه هارون، ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتها
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 168- 169.
[2] في الطبري: «لبأ» وهو أول اللبن.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 169.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 170.
(8/316)
فِي المكان الَّذِي قبض فِيهِ، وكانت
خلافته عشر سنين وشهرا ونصف شهر، وقيل: عشر سنين وتسعة وأربعين
يوما.
918- نافع بْن عَبْد الرَّحْمَنِ/ بْن أبي نعيم الْقَارِئ المديني،
ويكنى أبا نعيم. وقيل: أبا 142/ ب رويم، وقيل: أبا عَبْد
الرَّحْمَنِ، وقيل: أبا الْحَسَن [1] .
وَهُوَ مولى جعونة بْن شعوب الليثي حليف حمزة بْن عَبْد المطلب،
وأصله من أصبهان.
سمع من نافع مولى عُمَر، وعامر بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر.
قَالَ الليث بْن سعد:
قدمت المدينة سنة عشر ومائة فوجدت نافعا إمام الناس فِي القراءة لا
ينازع.
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: سنة تسع وخمسين وأقرأ من مائة سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (الجرح والتعديل 8/ 456، والتاريخ الكبير 8/
87. وتهذيب التهذيب 10/ 407) .
(8/317)
ثم دخلت سنة سبعين
ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
وفاة الهادي واستخلاف أخيه هارون [1] الرشيد.
باب ذكر خلافة الرشيد
[2] واسمه هارون بْن مُحَمَّد المهدي، ويكنى أبا جَعْفَر، وأمه
الخيزران، ولد بالري لثلاث بقين من ذي الحجة سنة تسع وأربعين فِي
خلافة المنصور. وقيل: ولد في يوم من المحرم سنة خمسين ومائة.
وَكَانَ الفضل بْن يَحْيَى البرمكي ولد قبله بسبعة أيام، فجعلت أم
الفضل ظئرا لَهُ، وهي زينب بْنت منير، فأرضعت الرشيد بلبان الفضل
وأرضعت الخيزران الفضل بلبان [3] الرشيد.
وَكَانَ الرشيد أبيض طويلا سمينا جميلا وسيما جعدا ولم يمت وخطه
الشيب.
__________
[1] «أخيه هارون» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 230- 238، 343- 374.
[3] في الأصل: «بلبن» وما أثبتناه من ت، والطبري، وفي لسان العرب:
«يقال: هو أخوه بلبان أمه- بكسر اللام- ولا يقال: بلبن أمه، إنما
اللبن الّذي يشرب من ناقة أو شاة أو غيرهما» .
(8/318)
قَالَ الصولي: وَكَانَ به حول فِي فرد عين،
لا يتبين إلا لمن تأمله.
وسمع الحديث من مالك بْن أنس، وإبراهيم بْن سعد الزهري، وأكثر
حديثه عَنْ آبائه.
روى عنه: أَبُو يوسف القاضي، والشافعي، وَكَانَ يحب الحديث وأهله.
ذكر أزواجه
[1] تزوج زبيدة وهي أم جَعْفَر بْنت جَعْفَر بْن [أَبِي جَعْفَرٍ]
[2] الْمَنْصُورِ وأعرس بها فِي سنة خمس وستّين فِي خلافة المهدي
ببغداد فولدت الأمين.
وتزوج أمة العزيز أم ولد موسى بعد موسى.
وتزوج عباسة/ بْنت سليمان بْن المنصور وأعرس بها في ذي الحجة سنة
سبع 143/ أوثمانين.
وتزوج أم مُحَمَّد بْنت صالح، وأعرس بها فِي الرقة فِي ذي الحجة
أيضا، وكانت أملكت من إِبْرَاهِيم بْن المهدي، ثُمَّ خلعت منه
فتزوجها الرشيد فحملتا جميعا إِلَيْهِ.
وتزوج عزيزة بْنت الغطريف وكانت قبله عند سليمان ابْن أبي جَعْفَر
فطلقها، فخلف عَلَيْهَا الرشيد.
وتزوج الجرشية العثمانية من أولاد عُثْمَان بْن عفان، وسمّيت
الجرشيّة لأنها ولدت بجرش باليمن.
فمات الرشيد عَنْ أربع مهائر، أم جَعْفَر، وأم مُحَمَّد، وعباسة،
والعثمانية.
ذكر أولاده
[3] مُحَمَّد الأكبر وَهُوَ الأمين، أمه زبيدة، وعَبْد اللَّه
المأمون وأمه أم ولد يقال لها
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 359.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 360- 361.
(8/319)
مراجل، والقاسم وأمه أم ولد يقال لها قصف،
ومحمد المعتصم وأمه أم ولد يقال لها ماردة، وعلي أمه أمة العزيز،
وصالح أمه أم ولد يقال لها رئم، ومحمد أَبُو عيسى أمه أم ولد يقال
لها عرابة، ومحمد أَبُو يعقوب أمه أم ولد يقال لها شذرة، ومحمد
أَبُو الْعَبَّاس أمه أم ولد يقال لها خبث، ومحمد أَبُو سليمان أمه
أم ولد يقال لها رواح، ومحمد أَبُو علي أمه أم ولد يقال لها دواج
[1] ، وأبو مُحَمَّد وَهُوَ اسمه ولقبه كريب، أمه أم ولد يقال لها
شجر، ومحمد أبو أَحْمَد أمه أم ولد يقال لها كتمان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو العلاء الواسطي قَالَ قرأنا عَلَى الحسين بْن
هارون الضبي، عن أبي العباس بن سعيد قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي عرابة قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن حبيب، عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد وغيره من
أصحابه قَالَ: أَبُو الْعَبَّاس، وأبو أَحْمَد، وأبو إسحاق، وأبو
عيسى، وأبو يعقوب، وأبو أيوب بْنو هارون الرشيد، وكل اسمه محمد،
وكان للرشيد من الإناث:
سكينة وهي أخت القاسم من أمه، وأم حبيب وهي أخت المعتصم لأمه. وأم
الْحَسَن/ وهي أخت أبي عيسى لأمه، وخديجة وهي أخت كريب لأمه، وأم
مُحَمَّد وهي حمدونة، وفاطمة وأمها غصص، وأم سلمة وأمها رحيق، وأم
القاسم وأمها حزق، ورملة أم جَعْفَر وأمها حلي، وأم علي وأمها
أنيق، والغالية وأمها سمندل، وريطة وأمها زينة [2] .
ذكر بيعة الرشيد
[3] بويع للرشيد بالخلافة فِي الليلة الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا
أخوه [الهادي] أخرجه هرثمة بْن أعين ليلا فأقعده للمبايعة، وكانت
تلك الليلة ليلة السبت لأربع عشر بقيت من شهر ربيع الأول سنة
سبعين. وَفِيهَا مات الهادي واستخلف الرشيد وولد المأمون، فلما جلس
للخلافة سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بْن المنصور، وعم أبيه
العباس بن محمد،
__________
[1] في الأصل: «شذور» والتصحيح من الطبري.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 360.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 360.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 230- 233.
(8/320)
وعم جده المنصور بْن عَبْد الصَّمَدِ بْن
عَلِيّ، واستدعى الرشيد يَحْيَى بْن خالد بْن برمك- وَكَانَ قَدْ
حبسه الهادي لميله إِلَى هارون، وعزم عَلَى قتله وقتل هارون- فحضر
يحيى فقلّده الوزارة، وكانت الخيزران هي الناظرة فِي الأمور، فكان
يَحْيَى يعرض عليها [1] ويصدر عن رأيها، وكان الرشيد يَقُول ليحيى:
يا أبي.
وذكر الصولي: أنه كَانَ يَحْيَى يساير الرشيد يوما فقام رجل
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عطبت دابتي، فَقَالَ: يعطى
خمسمائة درهم، فغمزه يَحْيَى، فلما نزل قَالَ:
يا أبة، أومأت إلي بشيء وقت مَا أمرت بالدراهم فما هو؟ فَقَالَ:
مثلك لا يجري هَذَا المقدار عَلَى لسانه، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف
ألف، عشرة آلاف ألف، قَالَ: فإذا سئلت مثل هَذَا كيف أقول، قَالَ:
تقول: نشتري لَهُ دابة يفعل به فعل نظرائه.
ولما بويع للرشيد خرج فوصل إِلَى كرسي الجسر فدعا الغواصين،
فَقَالَ لهم:
كَانَ المهدي وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار، فدخلت عَلَى أخي
وَهُوَ فِي يدي، فلما انصرفت لحقني سُلَيْمَان الأسود فَقَالَ:
يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم، فرميت/ به في هذا الموضع.
فغاصوا فأخرجوه، فسر به غاية السرور [2] .
وَكَانَ الهادي قَدْ خلع الرشيد وبايع لابْنه جَعْفَر، وَكَانَ
خزيمة بْن خازم فِي خمسة آلاف من الموالي عليهم السلاح تلك الليلة،
فهجم، فأخذ جَعْفَر من فراشه، فَقَالَ: والله لأضربْن عنقك أو
تخلعها، فلما كَانَ من غد ركب الناس إِلَى باب جَعْفَر، فأتى به
خزيمة فأقامه على باب الدار فِي العلو، والأبواب مغلقة، فنادى
جَعْفَر: يا معشر الناس، من كَانَ لي فِي عنقه بيعة فقد أحللته
منها والخلافة لعمي هارون، لا حق لي فِيهَا [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي
قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إِبْرَاهِيم قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو الْعَبَّاس المنصوري، عَنْ عَمْرو بْن بحر قَالَ:
أجمع الرشيد مَا لم يجمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير
مثلهم سخاء [وسرورا] [4] ، وقاضيه أَبُو يوسف، وشاعره مروان بْن
أبي حفصة كان
__________
[1] «يعرض عليها» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 232.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 232- 233.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/321)
فِي عصره كجرير فِي عصره، ونديمه عم أبيه
الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد صاحب العباسية، وحاجبه الفضل بْن الربيع
أتيه الناس وأشدهم تعاظما، ومغنيه إِبْرَاهِيم الموصلي أوحد عصره،
وضاربه زلزل [، وزامره برصوما] [1] ، وزوجته أم جَعْفَر أرغب الناس
فِي خير، وأسرعهم إِلَى كل بر ومعروف، وهي التي أدخلت الماء الحرم
بعد امتناعه من ذلك، إِلَى أشياء من المعروف [2] ، ومن كبار قواده
المعلي ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك،
وإليه ينسب نهر معلى.
ذكر طرف [من] [3] وأخباره وسيرته
كَانَ الرشيد يحب العلم ويؤثره ويستفيده، فنال علما كثيرا، وكانت
لَهُ فطنة قوية.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري قَالَ:
حَدَّثَنَا المعافى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن دريد قال: حدثنا أبو
144/ ب حاتم عَنِ/ الأصمعي قَالَ: دخلت عَلَى هارون الرشيد ومجلسه
حافل، فَقَالَ: يا أصمعي مَا أغفلك عنا، وأجفاك لحضرتنا؟ فقلت:
والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ألاقتني بلاد بعدك حَتَّى
أتيتك. فأمرني بالجلوس فجلست، فلما تفرق الناس- إلا أقلهم- نهضت
للقيام، فأشار إلي أن أجلس، فجلست حَتَّى خلى المجلس [4] ، فلم يبق
غيري وغيره ومن بين يديه [من] الغلمان، فَقَالَ لي: يا أبا سعيد:
ما ألاقتني؟ قلت: [ما] [5] أمسكتني، [وأنشدته] :
كفاك كف لا تليق درهما جودا ... وأخرى تعط بالسيف الدما
فَقَالَ لي: أحسنت، وهكذا فكن وقرنا فِي الملأ، وعلمنا فِي الخلاء،
فأمر لي بخمسة آلاف [6] درهم. وفي رواية دينار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة أضفناها من تاريخ بغداد.
[2] إلى هنا الخبر في تاريخ بغداد 14/ 11.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] من أول: «فلما تفرق ... » حتى هنا ساقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 9.
(8/322)
قَالَ الأصمعي: وتأخرت عَنِ الرشيد ثُمَّ
جئته، فقال: كيف كنت يا أصمعي؟
قلت: بت والله بليلة النابغة- فَقَالَ: إنا للَّه هو والله قوله
[1] :
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع
فعجبت من دكائه وفطنته لما قصدت.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد بْن مسلم: كَانَ فهم الرشيد فوق فهم العلماء.
أنشده العماني فِي وصفة فرس بيت:
كَانَ أذنيه إذا تشرفا ... قادمة أو قلما محرفا
فَقَالَ الرشيد: دع كَانَ، وقل: تخال أذنيه.
وَكَانَ الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين.
أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن
علي قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد
اللَّه بْن مُحَمَّد المزني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر عَبْد
اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مرة قَالَ: حَدَّثَنَا حسن الأزدي قَالَ:
سمعت عَلِيّ بْن المديني يَقُول: سمعت أبا معاوية يَقُول:
أكلت مَعَ الرشيد طعاما يوما من الأيام فصب عَلَى يدي رجل لا
أعرفه، فَقَالَ هارون: يا أبا معاوية تدري من يصب عليك [2] ؟ وقلت:
لا، قَالَ: أنا/ قلت: أنت يَا أَمِيرَ 145/ أالمؤمنين، قال: نعم
إجلالا للعلم [3] .
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن عَلِيّ المدبر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَر بْن ابْن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن
سَعِيد بْن سويد قَالَ: حدثنا أَبُو علي الحسين بْن القاسم الكوكبي
قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد
اللَّه- يعني ابْن المديني- قَالَ: قَالَ أَبُو معاوية الضرير:
حدثت الرشيد بهذا الحديث- يعني قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«وددت إني أقتل فِي سبيل اللَّه ثُمَّ أحيا ثُمَّ أقتل» - فبكى
هارون حَتَّى انتحب، ثُمَّ قَالَ: يا أبا معاوية ترى [لي] [4] أن
أغزو؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، مكانك في الإسلام أكبر، ومقامك
أعظم،
__________
[1] في ت: «إنما هو قوله» .
[2] في ت: «على يدك» وكذلك في تاريخ بغداد.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 8.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.
(8/323)
ولكن ترسل الجيوش، قَالَ أَبُو معاوية: وما
ذكرت النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا قَالَ صلى اللَّه عَلَى سيدي
[1] .
وَكَانَ الرشيد معظما للسنة شديد النفور من البدع.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الفضل الْعَطَّار قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر درستويه قَالَ: حَدَّثَنَا
يعقوب بْن سُفْيَان قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن المديني يَقُول: قَالَ
مُحَمَّد بْن حازم: كنت أقرأ حديث الأعمش عَنْ أبي صالح على أمير
المؤمنين هارون، فكلما قلت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قال: صلى الله على سيدي ومولاي، حَتَّى ذكرت
التقاء آدم وموسى فَقَالَ عمه: يا مُحَمَّد، أين التقيا؟ فغضب
هارون الرشيد وَقَالَ: من طرح إليك هَذَا؟ وأمر به فحبس، فدخلت
إِلَيْهِ فِي حبسه فَقَالَ: يا مُحَمَّد، والله مَا هو إلّا شيئا
خطر ببالي، وحلف لي بالعتق وصدقة المال، وغير ذلك من معضلات
الأيمان مَا سمعته من أحد ولا جرى بيني وبين أحد فِيهِ كلام.
قَالَ: [فكلمته فِيهِ] [2] فأمر به فأطلق من الحبس، وَقَالَ لي: يا
مُحَمَّد، ويحك، إنما توهمت أنه طرح إِلَيْهِ بعض الملحدين بهذا
الكلام فأردت أن يدلني عليهم فأستفتحهم وإلا فأنا عَلَى يقين أن
القرشي لا يتزندق [3] .
وَكَانَ الرشيد إذا عرف الصواب رجع إِلَيْهِ سريعا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا/ أَبُو عمر
الْحَسَن بْن عُثْمَان الواعظ قَالَ:
حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الواسطي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الطيب النعمان بْن أَحْمَد القاضي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن زكريا بْن سفيان قَالَ سمعت أصحابْنا
يقولون: قَالَ أَبُو معاوية:
دخلت عَلَى هارون [الرشيد] [4] فَقَالَ لي: يا أبا معاوية، لهممت
أنه من تثبت خلافته علي فعلت به وفعلت [به] . فسكت، فقال لي: تكلم
[تكلم] [5] . فقلت: إن أذنت لي تكلمت. فَقَالَ: تكلم، قلت: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قالت تيم منا خليفة رسول الله، وقالت
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 7.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ بغداد 14/ 7- 8 مع اختلاف.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/324)
عدي: منا خليفة خليفة رسول الله، وقالت
بْنو أمية، منا خليفة الخلفاء، فأين حظكم يا بْني هاشم من الخلافة؟
والله مَا حظكم فِيهَا إلا عَلِيّ بْن أبي طالب رضي اللَّه عنه،
فَقَالَ:
واللَّهِ يا أبا معاوية لا يبلغني أن أحدا لم يثبت خلافة علي إلا
فعلت به كذا وكذا.
وَكَانَ الرشيد يستقبح المدح بالكذب ويذم المادح به. قَالَ يوما
لبعض ولاته:
كيف تركت النّاس؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أحسنت فيهم
السيرة وأنسيتهم سيرة العمرين. فغضب الرشيد واستشاط وَقَالَ: ويلك
يا ابْن الفاعلة، العمرين العمرين، وأخذ سفرجلة فرماه بها فكادت
تهلكه، وأخرج من بين يديه.
وَكَانَ الرشيد يكثر الحج والغزو واتخذ قلنسوة مكتوب عَلَيْهَا:
غاز حاج.
قَالَ ابْن البراء: كَانَ يحج سنة ويغزو سنة، حج بالناس ست مرات،
[فَقَالَ داود بْن رزين] [1] :
بهارون لاح البدر فِي كل بلدة ... وقام به فِي عدل سيرته النهج
إمام بذات اللَّه أصبح شغله ... وأكثر مَا يعنى به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عَنْ نور وجهه ... إذا مَا بدا للناس منظره البلج
وإن أمين اللَّه هارون بالندى ... ينيل الَّذِي يرجوه أضعاف مَا
يرجو [2]
وَقَالَ أَبُو المعلى الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور
/ ففي أرض العدو علي طمر ... وفي أرض البْنية فوق كور
[3] 146/ أوألح عليه فِي بعض غزواته الثلج، فَقَالَ بعض أصحابه:
أما ترى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نحن فيه من الجهد والرعية
وادعة فَقَالَ لَهُ: أسكت، عَلَى الرعية المنام، وعلينا القيام،
ولا بد للراعي من حراسة رعيته. فَقَالَ بعض الشعراء فِي ذلك:
غضبت لغضبتك القواطع والقنا ... لما نهضت لنصرة الإسلام
ناموا إِلَى كنف بعدلك واسع ... وسهرت تحرس غفلة النوّام
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الأبيات في: تاريخ الطبري 8/ 234.
[3] انظر الأبيات في: تاريخ بغداد 14/ 6.
(8/325)
وَكَانَ الرشيد إذا حج حج معه مائة من
الفقهاء وأبْنائهم، وإذا لم يحج أحج ثلاثمائة رَجُل بالنفقة التامة
والكسوة الطاهرة، وَكَانَ يصلي كل يوم مائة ركعة إِلَى أن فارق
الدُّنيا، إلا أن تعرض لَهُ علة، وَكَانَ يتصدق من صلب ماله فِي كل
يوم ألف درهم بعد زكاتها [1] ، وَكَانَ يقتفي أخلاق المنصور ويطلب
العمل بها، إلا فِي بذل المال، وكان لا يضيع عنده إحسان محسن، ولا
يؤخر ذلك، وَكَانَ يميل إِلَى أَهْل الأدب والفقه، ويكره المراء
فِي الدين، ويحب الشعر والشعراء، والمدح ولا سيما من شاعر فصيح،
فدخل عليه يوما مروان بْن أبي حفصة فأنشده من قصيدة لَهُ:
وسدت بهارون الثغور فأحكمت ... به من أمور المسلمين المرائر
وما انفك معقودا بْنصر لواؤه ... لَهُ عسكر عنه تشظى العساكر
فكل ملوك الروم أعطاه جزية ... عَلَى الرغم قسرا عَنْ يد وَهُوَ
صاغر
إِلَى وجهه تسمو [2] العيون وما سمت ... إِلَى مثل هارون العيون
النواظر
ترى حوله الأملاك من آل هاشم ... كما حفت البدر النجوم الزواهر
إذا فقد الناس الغمام تتابعت عليهم ... بكفّيك الغيوث المواطر
146/ ب/ عَلَى ثقة ألقت إليك أمورها ... قريش كما ألقي عصاه
المسافر
فطورا يهزون القواطع والقنا ... وطورا بأيديهم تهز المخاصر
ليهنكم الملك الَّذِي أصبحت بكم ... أسرته مختالة والمنابر
أبوك ولي المصطفى دون هاشم ... وإن رغمت من حاسديك المناخر
فأعطاه عشرة آلاف دينار وكساه، وأمر لَهُ بعشرة من رقيق الروم
وحمله عَلَى برذون [3] .
وللرشيد أشعار حسان، منها: مَا أَخْبَرَنَا به عبد الرحمن بْن محمد
قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قَالَ:
أَخْبَرَنَا سليمان بْن أَحْمَد الطبراني قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّد بْن موسى بْن حسان قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن
إِبْرَاهِيم بْن صالح قَالَ:
حَدَّثَنَا عمي عَلِيّ بْن صالح قَالَ: قَالَ الرشيد فِي ثلاث
جوار:
ملك الثلاث الغانيات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
__________
[1] في ت: «بقدر زكاته» .
[2] في ت: «تشهو العيون وما شهت» .
[3] انظر الخبر وأشعار مع زيادة فيها في: تاريخ الطبري 8/ 347-
349.
(8/326)
ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن
فِي عصياني؟
مَا ذاك إلا أن سُلْطَانَ الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني [1]
وَكَانَ الرشيد طيب النفس، فكها يحب المزح.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن علي الصيرفي قَالَ: أخبرتنا فاطمة بْنت
عَبْد اللَّه الخبرية قالت:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الحسين بْن الفضل قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن خالد الكاتب قَالَ:
أَخْبَرَنَا علي بْن عَبْد اللَّه بْن المغيرة الجوهري قَالَ:
حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد الدمشقي قَالَ:
حدثني الزبير بْن بكار قَالَ: حدثني عَلِيّ بْن صالح قَالَ: كَانَ
مَعَ الرشيد ابْن أبي مريم المديني، وَكَانَ مضاحكا محداثا فكها،
وَكَانَ الرشيد لا يصبر عَنْ محادثته، وَكَانَ قَدْ جمع إِلَى ذلك
[المعرفة] [2] بأخبار العرب من [3] أَهْل الحجاز ومكائد المجان،
فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا فِي قصره وخلطه ببطانته
وغلمانه، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر، فكشف اللحاف عَنْ
ظهره، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كيف أصبحت؟ فَقَالَ: يا هَذَا، مَا أصبحت
بعد، مر إِلَى عملك، قَالَ: ويلك، قم إِلَى/ الصلاة قال: هذا وقت
صلاة 147/ أأبي الجارود، وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي، فقام [4]
ومضى وتركه نائما، وقام الرشيد إِلَى الصلاة، فجاء غلامه فقال:
أمير المؤمنين، قَدْ قام إِلَى الصلاة، فألقى عليه ثيابه ومضى
نحوه، فإذا هو يقرأ فِي صلاة الصبح وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي
فَطَرَنِي 36: 22 [5] فَقَالَ لَهُ ابْن أبي مريم: لا أدري والله
فما تمالك أن ضحك فِي صلاته، ثُمَّ التفت كالمغضب فَقَالَ: يا ابْن
أبي مريم، فِي الصلاة أيضا؟! قَالَ: يا هَذَا، ما صنعت؟ قال:
قطعت علي الصلاة. قَالَ: والله مَا فعلت، إنما سمعت منك كلاما غمني
حين قلت وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي 36: 22 [6]
[فقلت: لا أدري] [7] . فضحك، وَقَالَ: إياك والقرآن والدين ولك ما
شئت بعدها [8] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 12.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «العرب من» ساقطة من ت.
[4] «فقام» ساقطة من ت.
[5] سورة: يس، الآية: 22.
[6] سورة: يس، الآية: 22.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 349.
(8/327)
وَكَانَ الرشيد مَعَ حبه اللهو كثير البكاء
من خشية اللَّه، محبا للمواعظ، وقد وعظه الفضيل [بْن عياض] [1] ،
وابْن السماك، والعمري والبهلول، وغيرهم، وكان يتقبل الموعظة ويكثر
البكاء.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
محمد بن أبي علي الأصبهاني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد
بْن إِسْحَاق الشاهد قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن منيع قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أيوب الواعظ- أو قَالَ: العابد- قَالَ:
سمعت منصور بْن عمار يَقُول: مَا رأيت أغزر دمعا عند الذكر من
ثلاثة: فضيل بْن عياض، وأبي عَبْد الرَّحْمَنِ الزاهد، وهارون
الرشيد، وأتاه يوما رَجُل من الزهاد، فَقَالَ: يا هارون، اتق
اللَّه، فأخذه فخلا به، وَقَالَ: يا هَذَا أنصفني، أنا شر أم
فرعون؟ قَالَ: بل فرعون، قَالَ:
فأنت خير أم موسى؟ قَالَ: بل موسى، قَالَ: أفما تعلم أن اللَّه
تعالى لمّا بعثه وأخاه إِلَيْهِ قَالَ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا
لَيِّناً 20: 44 وقد جبهتني بأغلظ الألفاظ، فلا بأدب اللَّه تأدبت،
ولا بأخلاق الصالحين أخذت. قَالَ: أخطأت وأنا أستغفر الله، فقال:
غفر الله لك، وأمر لَهُ بعشرين ألف درهم، فأبى أن يأخذها. فهذه
الأخلاق الطيبة.
وفي هذه السنة: ولد المأمون فِي ربيع الأول، وولد الأمين/ فِي شوال
[2] .
وَفِيهَا: عزل الرشيد عُمَر بْن عَبْد العزيز العمري عَنْ مدينة
الرسول [عليه السلام] ، وولاها إِسْحَاق بْن سليمان بْن عَلِيّ [3]
.
وَفِيهَا: أمر الرشيد بسهم ذوي القربى قسم فِي بْني هاشم بالسوية
[4] .
وَفِيهَا: عزل الرشيد الثغور كلها عَنِ الجزيرة وقنسرين، وجعل لها
حيزا واحدا، وسمّيت العواصم [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 233.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 233.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
(8/328)
وَفِيهَا: عمرت طرسوس عَلَى يدي أبي سليم،
فخرج الخادم التركي ونزلها الناس [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بْن
عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَر
البرمكي قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الحسين بْن عَبْد اللَّه بْن
إِبْرَاهِيم الزَّيْنبيّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بْن زهير
قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن البربري قَالَ: حَدَّثَنِي أبي-
وَكَانَ أول من سكن طرسوس حين بْناها أَبُو سليم، وَكَانَ شيخا
قديما- قَالَ: كَانَ يغازينا [2] من الشام ثلاثة أخوة فرسان شجعان،
وكانوا لا يخالطون العسكر، وكانوا يسيرون وحدهم، وينزلون كذلك،
فإذا رأوا العدو لم يقاتلوا مَا كفوا، فغزوا مرة، فلقيهم الطاغية
في جمع كثير، فقاتلوا المسلمين فقتلوا وأسروا، فَقَالَ بعضهم لبعض:
قَدْ ترون مَا نزل بالمسلمين، وقد وجب علينا أن نبذل أنفسنا ونقاتل
فتقدموا، وقالوا لمن بقي من المسلمين: كونوا وراء ظهورنا وخلوا
بيننا وبين القتال نكفيكم إن شاء الله تعالى. فقاتلوا فقهروا
الروم، فَقَالَ ملك الروم لمن معه من البطارقة: من جاءني برجل من
هؤلاء قدمته وبطرقته. فألقت الروم أنفسها عليهم فأخذوهم أسرى، لم
يصب رجل منهم كلم، فَقَالَ ملك الروم: لا غنيمة ولا فتح أعظم من
أخذ هؤلاء. فرحل بهم حَتَّى نزل بهم القسطنطينية، فعرض عليهم
النصرانية وَقَالَ:
إني أجعل فيكم الملك وأزواجكم بْناتي. فأبوا عليه ونادوا: يا
محمداه، فَقَالَ الملك: مَا يقولون؟ قالوا: يدعون نبيهم، فَقَالَ
لهم: إن أنتم أجبتموني/ وإلا أغليت قدورا ثلاثة 148/ أفيها الزيت،
حَتَّى إذا بلغت أناها ألقيت كل واحد منهم فِي قدر. فأبوا، فأمر
بثلاث قدور فنصبت، ثُمَّ صب فِيهَا الزيت، ثُمَّ أمر أن يوقد تحتها
ثلاثة أيام يعرضون في كل يوم عَلَى تلك القدور، ويدعوهم إِلَى
النصرانية، وإلى أن يزوجهم بْناته، ويجعل الملك فيهم، فيأبون أن
يجيبوه، وأقاموا عَلَى الإسلام، فنادى الأكبر، ودعاه إلى دينه
فأبى، فناشده وَقَالَ: إني ملقيك فِي هَذِهِ القدر. فأبى فألقاه
فِي قدر منها، فما هو إلا أن سقط فِيهَا، فارتفعت عظامه تلوح،
ثُمَّ فعل بالثاني مثل ذلك، فلما [رأى] [3] صبرهم على ما فعل
__________
[1] «الناس» ساقطة من ت. انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[2] في ت: «قال: تفارينا» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/329)
بهم، وحفظهم لدينهم، ندم الملك وَقَالَ:
فعلت هَذَا بقوم لم أر أشجع منهم، فأمر بالصغير فأدنى منه فجعل
يفتنه عَنْ دينه بكل أمر فيأبى، فقام إِلَيْهِ علج من أعلاجه فقال:
أيها الملك مَا تجعل لي إن أنا فتنته؟ قَالَ: أبطرقك، قَالَ: قَدْ
رضيت، قَالَ: فبماذا تفتنه؟ قَالَ: قَدْ علم الملك أن العرب أسرع
شيء إِلَى النساء، وقد علمت الروم أنه ليس فيهم [امرأة] [1] أجمل
من ابْنتي فلانة، فادفعه إلي حَتَّى أخليه معها، فإنها ستفتنه،
قال:
فضرب الملك بينه وبين العلج أجلا أربعين يوما، ودفعه إِلَيْهِ،
فجاء به فأدخله مع ابنته، وأخبرها بالذي ضمن للملك [2] ، وبالأجل
الَّذِي ضربه بينه وبينه، فقالت: لَهُ: دعه، فقد كفيتك أمره، فأقام
معها نهاره صائما، وليله قائما، لا يفتر من العمل، حَتَّى مضى أكبر
الأجل، فسأل الملك العلج: ما حال الرجل؟ فرجع إِلَى ابْنته فَقَالَ
لها: مَا صنعت؟
قالت: مَا صنعت شيئا هَذَا رجل فقد إخوته في هذه البلدة، فأخاف أن
يكون امتناعه من أجل أخويه، كلما رأى آثارهما، ولكن استزد الملك
فِي الأجل، وانقلني وإياه إِلَى بلد غير هَذَا البلد الَّذِي قتل
فِيهِ أخواه، فسأل العلج الملك فزاده فِي الأجل، أياما، وأذن له في
148/ ب خروجهما/، فأخرجهما إِلَى قرية أخرى، فمكث عَلَى ذلك أياما
صائم النهار، قائم الليل، حَتَّى إذا بقي من الأجل أيام قالت لَهُ
الجارية ليلة من الليالي: يا هَذَا، إني أراك تقدس ربا عظيما، وإني
قَدْ دخلت معك فِي دينك، وتركت دين آبائي فلم يثق بذلك منها،
حَتَّى أعادت عليه مرارا، فَقَالَ لها: فكيف الحيلة فِي الهرب
والنجاة مما نحن فِيهِ؟
فقالت لَهُ: أنا أحتال لك وجاءته بدواب وقالت لَهُ: قم بْنا نهرب
إِلَى بلادك، فركبا، فكانا يسيران الليل ويكمنان النهار، وطلبا
فخفيا، فبينما هما يسيران ذات ليلة سمع وقع حوافر [3] خيل، فقالت
لَهُ الجارية: أيها الرجل، ادع ربك الَّذِي صدقته وآمنت به أن
يخصلنا من عدونا، فإذا هو بأخويه ومعهما ملائكة رسل إِلَيْهِ، فسلم
عليهما وسألهما عَنْ حالهما، فقالا لَهُ: مَا كانت إلا الغطسة
الَّتِي رأيت حَتَّى خرجنا فِي الفردوس، وإن الله أرسلنا إليك
لنشهد تزويجك بهذه الفتاة. فزوجوه إياها ورجعوا، وخرج إِلَى بلاد
الشام، فأقام معها، وكانا مشهورين بذلك، معروفين بالشام فِي الزمن
الأول. وقد قيل فيهما من الشعر ما أنسيته غير هذا البيت:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «فأخبرها بالذي فارق عليه الملك» .
[3] «حوافر» ساقطة من ت.
(8/330)
ستعطي الصادقين بفضل صدق ... نجاة فِي
الحياة وفي الممات
وفي هذه السنة: حج بالناس الرشيد من مدينة السلام، فأعطى أَهْل
الحرمين عطاء كثيرا، وقسم مالا جزيلا [1] .
وغزا الصائفة سليمان بْن عَبْد اللَّه الركابي [2] .
وَكَانَ العامل عَلَى مكة والطائف عَبْد اللَّه بْن قثم، وعلى
المدينة إِسْحَاق بْن سليمان الهاشمي، وعلى الكوفة موسى بْن عيسى
وخليفته عَلَيْهَا ابْنه الْعَبَّاس بْن موسى، وعلى البصرة
والبحرين وعمان واليمامة وكور الأهواز وفارس مُحَمَّد بْن سليمان
بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عباس/ [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
919- جوهرة العابدة البراثية [4] .
نزلت مَعَ زوجها أبي عَبْد اللَّه البراثي، وكانت جارية لبعض
الملوك فعتقت وتركت الدنيا، وتزوجت أبا عَبْد اللَّه، وتعبدت معه،
وكانت تحرضه عَلَى العبادة، وتوقظه من الليل وتقول: يا أَبَا عَبْد
اللَّه كاروان برفت، معناه: قَدْ سارت القافلة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الوراق
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قال:
حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني قَالَ: حَدَّثَنَا حكيم بْن
جَعْفَر قَالَ:
كنا نأتي أبا عَبْد اللَّه بْن أبي جَعْفَر الزاهد، وَكَانَ يسكن
براثا، وكانت لَهُ امرأة متعبدة يُقَالُ لها جوهرة، وَكَانَ يجلس
عَلَى جلة خوص بحرانية، وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى، فأتيناه
يوما وَهُوَ جالس عَلَى الأرض ليست الجلة تحته، فقلنا له يا أبا
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[2] في ت: «البركاري» وفي الأصل: «الركابي» والتصحيح من الطبري.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 234.
[4] انظر ترجمتها في: تاريخ بغداد 14/ 403، 404، 436.
(8/331)
عَبْد اللَّه، مَا فعلت الجلة الَّتِي كنت
تقعد عَلَيْهَا؟ قَالَ: أرى جوهرة أيقظتني البارحة، فقالت: أليس
يقال فِي الحديث «إن الأرض تقول لابْن آدم تجعل بيني وبينك سترا
وأنت غدا فِي بطني» ؟ قَالَ: قلت: نعم، قالت: هَذِهِ الجلال لا
حاجة لنا فِيهَا. فقمت والله فأخرجتها [1] .
وقد روينا عَنْ أبي شعيب الزاهد البراثي أن جارية من بنات الكبار
من أبْناء الدنيا نظرت إِلَى زهده، فتزوجت به وتركت الدنيا وجرت
لها معه مثل هَذِهِ القصة فِي فرش من خوص.
920- الربيع بْن يونس بْن مُحَمَّد بْن يونس بن أبي فروة- واسم أبي
فروة: كيسان [2]-.
مولى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ وحاجبه، ووزر لَهُ بعد أبي أيوب
المرزباني.
أَنْبَأَنَا أَبُو بكر بْن مُحَمَّد بْن الحسين الحاجي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن سليمان الواسطي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد الفرضي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر
الزاهد قال: أخبرنا 149/ ب/ ثعلب، عن ابن شبيب، عن الزُّبَيْر
قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عُثْمَان قَالَ: دخل المنصور أمير
المؤمنين قصرا فرأى في جداره مكتوبا:
وما لي لا أبكي بعين حزينة ... وقد قربت للظاعنين حمول
وتحته مكتوب: إيه إيه. قَالَ أَبُو عُمَر: ويروى آه آه. فَقَالَ
المنصور: أي شيء أه أه؟ فقال له الربيع وَهُوَ إذ ذاك تحت يدي أبي
الخصيب الحاجب: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنه لما كتب البيت أحب
أن يخبر أنه يبكي، فَقَالَ قائله: اللَّه، مَا كَانَ أظرفه، فكان
هَذَا أول مَا ارتفع به الربيع.
وقد روى أَبُو الفرج الأصبهاني: أن الربيع قَالَ: كنت فِي خمسين
وصيفا أهدوا للمنصور، ففرقنا فِي خدمته، فصرت إِلَى ياسر صاحب
وضوئه، فكنت أراه يعطيه الأبريق فِي المستراح، ويقف مكانه لا يبرح.
فَقَالَ لي يوما: كن مكاني في هذا، فكنت
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 403- 404.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 414.
(8/332)
أعطيه الأبريق، وأخرج مبادرا، فإذا سمعت
حركته بادرت إِلَيْهِ فَقَالَ لي: مَا أخفك عَلَى قلبي يا غلام،
ثُمَّ دخل قصرا فرأى حيطانه مملوءة من الشعر وإذا بخط [1] منفرد
فقرأه فإذا هو:
وما لي لا أبكي وأندب ناقتي ... إذا صدر الرعيان نحو المناهل
وكنت إذا مَا أشتد شوقي رحلتها ... فسارت لمحزون طويل البلابل
وتحته مكتوب: أه أه، فلم يدر مَا هو، وفطنت لَهُ، فقلت: يَا أمير
المؤمنين قال الشعر، ثم تأوّه فكتب تأوهه بْنفسه فَقَالَ لي: مالك
قاتلك اللَّه، قَدْ أعتقتك ووليتك مكان ياسر.
قَالَ أَبُو بكر الصولي: لم يزل الربيع وزير المنصور حَتَّى
تُوُفِّيَ المنصور بمكة، فأخذ الرَّبِيع للمهدي البيعة، فشكر
المهدي لَهُ ذلك، وجعله حاجبه، ولم يستوزره.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا الحسين بن علي الصيمري
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد/ بْن علي الصيرفي قال:
150/ أحدّثنا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن سالم الحافظ قَالَ: ذكروا أنه
لم ير فِي الحجابة أعرق من الربيع، حاجب أبي جَعْفَر ومولاه، ثُمَّ
صار وزيره، ثُمَّ حجب للمهدي، ومن ولده الفضل [بْن الربيع] [2] حجب
هارون، ومحمد الأمين، وابْنه عباس بْن الفضل حجب الأمين، فعباس
حاجب ابْن حاجب ابْن حاجب [3] .
وقد مدحهم أَبُو نواس فِي قوله:
سار الملوك ثلاثة مَا منهم ... إن حصلوا إلا أعز قريع
عباس عباس إذا اخترم الورى ... والفضل فضل والربيع ربيع
[تُوُفِّيَ الربيع في هذه السنة] [4] .
__________
[1] في ت: «وإذا بكتاب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 414.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/333)
921- فتح بْن مُحَمَّد بْن وشاح، أَبُو
مُحَمَّد الأزدي الموصلي.
ذكر المعافى بْن عمران أنه لم يكن أعقل منه.
[قَالَ مؤلف الكتاب] [1] : وليس هَذَا بفتح الموصلي المكني بأبي
نصر، فإن أبا نصر مات فِي سنة عشرين ومائتين وابْن وشاح مات سنة
سبعين ومائة وأكثر الحكايات عَنْ أبي نصر لا عَنْ أبي مُحَمَّد.
922- موسى الهادي، أمير المؤمنين ابْن المهدي [2] .
اختلفوا فِي سبب موته قَالَ بعضهم: كَانَ فِي جوفه قرحة، وكانت سبب
منيته.
وحكى أَبُو جَعْفَر ابْن جرير الطبري عَنْ جماعة أنهم قالوا: إن
الخيزران أمه أمرت بقتله، فأنا أستبعد ذلك.
قالوا: وكانت فِي أول خلافته تفتات عليه فِي أمور، وتسلك به مسلك
أبيه فِي الاستبداد بالأمر والنهي، وكانت إذا سألته حاجة قضاها
فانثال الناس إليها [3] ، فأرسل إليها: لا تخرجي من خفر الكفاية
إِلَى بذاذة التبذل، فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض فِي أمر
الملك، وعليك بصلاتك وسبحتك، ولك بعد هَذَا طاعة مثلك، فكلمته يوما
فِي أمر فاعتل بعلة، فقالت: لا بد من إجابتي، فَقَالَ: لا أفعل،
قالت: فإنّي قد ضمنت 150/ ب [قضاء] [4] هَذِهِ الحاجة. قَالَ:
والله لا أقضيها لك، فقالت: إذا والله لا/ أسألك حاجة أبدا. قَالَ:
إذن والله لا أبالي، وغضب، فقامت مغضبة، فَقَالَ: مكانك [حَتَّى]
[5] تستوعبي كلامي والله، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد
لأقبضن ماله، ولأضربْن عنقه، مَا هَذِهِ المواكب الَّتِي تغدو
وتروح إلى بابك؟! أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك أو يصونك!؟
إياك ثُمَّ إياك أن تفتحي بابك لملي أو ذمي [6] . فانصرفت ما تعقل
[7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 21- 25. وتاريخ الطبري 8/
205- 229.
[3] «فانثال الناس إليها» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت، والطبري: «ثم إياك ما فتحت بابك لشريف أو وضيع» .
[7] انظر الخبر في تاريخ الطبري 8/ 205- 206.
(8/334)
قَالَ ابْن جرير: وذكر قوم أن سبب موت
الهادي: أنه لما أخذ فِي خلع هارون والبيعة لابْنه جَعْفَر خافت
الخيزران عَلَى هارون منه، فدست من جواريها لما مرض من غمه وجلس
عَلَى وجهه، ووجهت إِلَى يَحْيَى بْن خالد: إن الرجل قَدْ
تُوُفِّيَ، فاجدد فِي أمرك [1] .
وَكَانَ الهادي قَدْ أمر أن لا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه
الناس وتركوه، وطابت نفس هارون بالخلع لشدة خوفه عَلَى نفسه،
فخلعته جماعة من القواد وبايعوا لجعفر بْن مُوسَى [2] ، ودخل هارون
عَلَى موسى فَقَالَ لَهُ: يا هارون، كأني بك تحدث نفسك بتمام
الرؤيا، فقال: إني لأرجو [أن يفضي] [3] الأمر إلي، فأنصف وأصل،
فَقَالَ لَهُ: ذلك الظن بك، فأجلسه معه وأمر له بألف ألف دينار،
وكانت الرؤيا أن المهدي قَالَ: رأيت فِي منامي كأني دفعت إِلَى
موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من [4] أعلاه قليلا،
وأورق فِي قضيب هارون من أوله إِلَى آخره، فدعا المهدي الحكم بْن
موسى فَقَالَ لَهُ: أعبر هَذِهِ الرؤيا، فقال: يملكان جميعا فتقل
أيام موسى، ويبلغ هارون آخر مدى مَا عاش خليفة، وتكون أيامه أحسن
أيام. فلم يلبث الهادي إلا يسيرا حَتَّى اعتل ثلاثة أيام ومات.
وحكى أَبُو بكر الصولي: أنه خرج عَلَى ظهر قدمه بثرة، فصارت
كاللوزة، وافتصد ومات بعد ثلاث، وجاءت أمه الخيزران/ وبه رمق،
فأخذت خاتمه من يده وقالت: 151/ أأخوك أحق بهذا الأمر منك. وَهُوَ
يرى ذلك ولا يقدر عَلَى حيلة.
تُوُفِّيَ الهادي بعيساباذ للنصف من ربيع الأول من هَذِهِ السنة،
وقيل: لثلاث عشرة بقيت من ربيع وَهُوَ ابْن ست وعشرين سنة، وقيل:
ثلاث وعشرين، وصلى عليه أخوه هارون ودفن فِي بستانه بعيساباذ،
وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة عشر يوما، وقيل:
سنة وثلاثة أشهر، وقيل وشهرين وأحد عشر يوما [5] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 206.
[2] في ت: «وبايعوا الجعفر بن موسى» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من» ساقط من ت.
[5] انظر تاريخ بغداد 13/ 23، 24.
(8/335)
923- معاوية بْن عبيد اللَّه بْن يسار،
أَبُو عبيد اللَّه الأشعري مولاهم من أَهْل طبرية [1] .
ولد سنة مائة، وكتب الحديث، وسمع أبا إِسْحَاق السبيعي، ومنصور بْن
المعتمر ونحوهما، وَكَانَ خيرا فاضلا عالما، وَكَانَ يكتب للمهدي
قبل الخلافة رسمه لَهُ المنصور، وَكَانَ جميع أمر المهدي إِلَيْهِ،
فلا يخالفه فِي شيء، ثُمَّ وزر لَهُ.
أَنْبَأَنَا المحمدان ابْن عَبْد الباقي وابْن عَبْد الملك قالا:
أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن الدارقطني
قَالَ: حَدَّثَنِي القاضي أَبُو الطاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن
عبيد اللَّه بْن نصر قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بْن
عَبْد الملك السراج قَالَ: حَدَّثَنِي عيسى بْن أبي عباد قَالَ:
حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن سليمان بْن أبي عبيد اللَّه قَالَ:
أبلى أبو عبيد الله مصليين، وأسرع فِي الثالث- أو ثلاثة وأسرع فِي
الرابع- موضع الركبتين والوجه واليدين لكثرة صلاته، [قَالَ:] [2]
وَكَانَ لَهُ فِي كل يوم كر دقيق يتصدق به عَلَى المساكين، وَكَانَ
يلي ذلك مولى لَهُ، فلما اشتد الغلاء أتاه فَقَالَ: قَدْ غلا
السعر، فلو نقصنا من هَذَا؟ فَقَالَ: أنت شيطان، أو رَسُول
الشيطان، صيرة كرين. فكان لَهُ فِي كل يوم بعد ذلك كران يخبزان
للمساكين قال: وأخبرت أن الجسور [3] يوم مات امتلأت فلم يعبر
عَلَيْهَا إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل
والمساكين، ودفن فِي مقابر قريش ببغداد وصلى عليه عَلِيّ بْن
المهدي [4] .
تُوُفِّيَ في هذه السنة، وقيل: / في السنة التي قبلها.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 196- 197.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أن الحسن» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 196- 197.
(8/336)
|