المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
قدوم أبي الْعَبَّاس الفضل بْن سليمان الطوسي مدينة السلام منصرفا عَنْ
خراسان، وَكَانَ خاتم الخلافة مَعَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد الأشعث، فلما
قدم أبو العباس أخذه الرشيد منه ودفعه إِلَى أبي الْعَبَّاس، ثُمَّ لم
يلبث أَبُو الْعَبَّاس إلا يسيرا حَتَّى تُوُفِّيَ، فدفع الخاتم إِلَى
يَحْيَى بْن خَالِد [1] .
وَفِيهَا: أمر الرشيد بإخراج من كَانَ بمدينة السلام من الطالبيين
إِلَى مدينة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلا
الْعَبَّاس بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَلِيّ
بْن أبي طالب، وَكَانَ أَبُو الْحَسَن فيمن شخص [2] .
وَفِيهَا: خرج الفضل بْن سَعِيد الحروري فقتله أَبُو خالد المروروذي
[3] .
وَفِيهَا: خرجت الخيزران فِي شهر رَمَضَان إِلَى مكة فأقامت بها إِلَى
وقت الحج وحجت [4] .
وَفِيهَا: حج بالناس [5] عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن
عبد المطلب [6] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[3] هذا الحدث ساقط من ت.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
[5] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 235.
(8/337)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
924- حيان بْن عَلِيّ الْكَوفِيّ، أَبُو علي أخو مندل.
حدث عَنْ الأعمش، وسهيل بْن أبي صالح، روى عنه حجر بْن المثنى وخلف بن
هشام، وكان صالحا دينا فقيها.
قَالَ يَحْيَى: هو صدوق، وفي رواية عنه يضعفه.
تُوُفِّيَ في هذه السنة. وقيل: فِي السنة الَّتِي تليها [1] .
925- سَعِيد بْن السائب الطائفي [2] .
روى [عنه] [3] سفيان ووكيع.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد
الجبار قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال:
أخبرنا الحسين بْن صفوان قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن عبيد قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحسين قَالَ:
حَدَّثَنَا الحميدي، عَنْ سفيان قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن السائب
الطائفي لا يكاد تجف لَهُ دمعة، إنما دموعه جارية دهره، إن صلى فهو
يبكي، وإن جلس فهو يقرأ في المصحف 152/ أفهو يبكي. قَالَ سفيان:
فحدثوني أن/ رجلا عاتبه عَلَى ذلك فبكى، ثُمَّ قَالَ: إنما ينبغي أن
تعذلني وتعاتبْني عَلَى التقصير والتفريط، وأنهما قد استوليا علي.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، وَمُحَمَّدُ بْن
ناصر الحافظ، وعلي بْن عُمَر قالوا: أَنْبَأَنَا طراد قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن بشران قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن
صفوان قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن الصباح
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزيد بْن حسن قَالَ: سمعت الثوري
يَقُول: جلست ذات يوم أحدث ومعنا سَعِيد بْن السائب الطائفي، فجعل
سَعِيد يبكي حَتَّى رحمته، فقلت: يا سَعِيد، مَا يبكيك وأنت تسمعني
أذكر أَهْل الخير وفعالهم، قَالَ: يا سفيان، وما يمنعني من البكاء،
وإذا ذكرت مناقب [4]
__________
[1] في ت: «التي قبلها» .
[2] انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 5/ 521، والتاريخ الكبير 3/ 1605،
والجرح والتعديل 4/ 122، 123، وتاريخ الإسلام 6/ 182.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «مناقب» : ساقطة من ت.
(8/338)
أَهْل الخير كنت منهم بمعزل، قَالَ: يَقُول
سفيان: وحق لَهُ أن يبكي.
تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه في هذه السنة.
926- عُمَر بْن ميمون بْن الرماح، أَبُو علي [1] .
قاضي بلخ، تولى القضاء بها أكثر من عشرين سنة، وَكَانَ محمودا فِي
ولايته، مذكورا بالعلم والحلم والصلاح والفهم، حدث عَنْ سهيل بْن أبي
صالح، والضحاك، روى عنه: سريج بْن النُّعمان، وَكَانَ ثقة، وعمي فِي
آخر عمره، وتوفي ببلخ فِي رَمَضَان هَذِهِ السنة.
927- عيسى بْن يزيد بْن بكر بْن داب، أَبُو الوليد [2] .
أحد بْني الليث بْن بكر المديني، قدم بغداد وأقام بها، وحدث عَنْ صالح
بْن كيسان، وهشام بْن عُرْوَة، وَكَانَ راوية عَنِ العرب، وافر الأدب،
عالما بالنسب، حافظا للسير عارفا بأيام الناس، إلا أنهم قدحوا فيه،
فقالوا: يزيد في الأحاديث ما ليس فيها، ونسبه خلف الأحمر إلى الكذب،
ووضع الحديث.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي الخطيب قال:
أخبرنا الأزهري قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: لم
يتول الخلافة قبل الهادي بسنه أحد، لأنه كَانَ حدثا وَكَانَ يحب الأدب
وأهله ويعطي عليه [3] .
وَكَانَ عيسى بْن داب يجالسه، وَكَانَ أكثر أَهْل الحجاز أدبا، وأعذبهم
ألفاظا، وَكَانَ قَدْ حظي/ عند الهادي، وَكَانَ يَقُول لَهُ: مَا
استطلت بك يوما ولا ليلة قط، ولا 152/ ب غبت عَنْ عيني إلا تمنيت ألا
أرى غيرك. وأمر لَهُ بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابْن داب، وجه
قهرمانه فطالب بالمال، فلقي الحاجب فأبلغه رسالته [فأعلمه] [4] أن ذلك
ليس إِلَيْهِ، وأنه يحتاج إِلَى توقيع، فأمسك ابْن داب، فبينا الهادي
فِي مستشرف لَهُ نظر إِلَى ابْن داب قَدْ أقبل وليس معه غلام، فَقَالَ
لإبراهيم الحداني: أما ترى ابن داب، ما
__________
[1] ترجمته في تاريخ بغداد 11/ 182.
[2] في الأصل: «ابن الوليد» . وترجمته في تاريخ بغداد 11/ 148.
[3] الخبر في تاريخ بغداد 11/ 150.
[4] ما بين المعقوفتين: من ت.
(8/339)
غير حاله؟ ولا تزيي لنا، وقد برزناه بالأمس
لنرى أثرنا عليه، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إن أمرني أمير المؤمنين
عرضت لَهُ بشيء من هَذَا، قَالَ: لا هو أعلم بأمره. ودخل ابْن داب،
فأخذ فِي حديثه إِلَى أن عرض لَهُ الهادي شيئا من أمره، فَقَالَ: أرى
ثوبك غسيلا، وهذا شتاء يحتاج إِلَى لبس الجديد واللين، فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ باعي قصير عما أحتاج إِلَيْهِ، فَقَالَ:
كيف ذاك [1] وقد صرفنا إليك من برنا مَا فِيهِ صلاح شأنك؟ قَالَ: مَا
وصل إلي، فدعا بصاحب بيت مال الخاصة، فَقَالَ: عجل الساعة لَهُ بثلاثين
ألف دينار، فحملت بين يديه [2] .
928- المفضل بن محمد بن يعلى الظبي [3] .
سمع سماك بْن حرب، وأبا إِسْحَاق السبيعي، والأعمش وغيرهم.
وروى القراءات عَنْ عاصم بْن أبي النجود، روى عنه: الكسائي، والفراء،
وغيرهما، وَكَانَ راوية للآداب وأيام الأعراب، علامة موثقا فِي روايته.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن
علي الحافظ قال: أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الخالع
فيما أذن أن نرويه عنه قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن
السري قَالَ: قَالَ لنا جحظة: قَالَ الرشيد للمفضل الضبي: مَا أحسن مَا
قيل فِي الذئب ولك هَذَا الخاتم الّذي في يدي وشراؤه ألف وستمائة
دينار؟ فَقَالَ: قول الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
153/ أ/ فَقَالَ [4] : مَا ألقي هَذَا عَلَى لسانك إلا لذهاب الخاتم.
ورماه إِلَيْهِ، فاشترته أم جَعْفَر بألف وستّمائة دينار وبعثت به
إِلَيْهِ، وقالت: قَدْ كنت أراك تعجب به فالتقطه الضبي وَقَالَ: خذه
وخذ الدنانير، فما كنا نهب شيئا فنرجع فيه [5] .
__________
[1] «ذاك» : ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 150- 151.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13.
[4] الورقة رقم 153 من نسخة الأصل (أحمد الثالث) مفقودة.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 122.
(8/340)
929- أبو عبد الله الحربي الزاهد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي حسن
بن أحمد قال: حدّثنا 153/ ب عبد الغفار بن محمد المؤدب قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن
الْحَسَن بْن دليل قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد المقدمي
قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الجروي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم
بْن شبيب بْن شيبة قَالَ: كنا نتجالس فِي الجمعة فأتى رَجُل عليه ثوب
واحد ملتحف به، فجلس إلينا، فألقى مسألة، فما زلنا نتكلم فِي الفقه
حَتَّى انصرفنا، ثُمَّ جاءنا فِي الجمعة المقبلة، فأجبْناه وسألناه
عَنْ منزله، قَالَ: أنزل الخريبة، فسألنا عَنْ كنيته، فَقَالَ أَبُو
عَبْد اللَّه: فرغبْنا فِي مجالسته ورأينا مجلسنا مجلس فقه، فمكثنا
بذلك زمانا، ثُمَّ انقطع عنا، فَقَالَ بعضنا لبعض، مَا حالنا وقد كَانَ
مجلسنا عامرا بأبي عَبْد اللَّه، وقد صار يوحشنا فوعد بعضنا بعضا إذا
أصبحنا أن نأتي الخريبة فنسأل عَنْهُ، فأتيناه الخريبة وكنا عددا،
فجعلنا نستحي أن نسأل عَنْ أبي عَبْد اللَّه، فنظرنا إِلَى صبيان قَدِ
انصرفوا من الكتاب فقلنا: أَبُو عَبْد اللَّه، فقالوا:
لعلهم يعنون الصياد، قلنا: نعم، قَالُوا: هَذَا وقته الآن يجيء، فقعدنا
ننتظره، فإذا هو قد أقبل مؤتزرا بخرقة، على كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة
وأطيار أحياء، فلما رآنا تبسم إلينا وَقَالَ: مَا جاء بكم؟ فقلنا:
فقدناك، وقد كنت عمرت مجلسنا، فما غيبك عنا؟ قَالَ:
أصدقكم، كَانَ لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذلك الثوب الَّذِي كنت
آتيكم فِيهِ، وَكَانَ غريبا، فخرج إِلَى وطنه، فلم يكن لي ثوب آتيكم
فِيهِ، هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق اللَّه عز وجل؟
فَقَالَ بعضنا لبعض: ادخلوا منزله، فجاء إِلَى الباب فسلم ثُمَّ صلى
قليلا ثُمَّ دخل، فأذن لنا فدخلنا، فإذا هو قد أتى بقطع من البواري
فبسطها لنا فقعدنا، فدخل إِلَى المرأة، فسلم إليها الأطيار المذبحة،
وأخذ الأطيار الأحياء ثُمّ قَالَ:
أنا آتيكم إن شاء اللَّه عَنْ قريب، فأتى السوق فباعها واشترى لنا
خبزا، فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيئته، فقدم إلينا خبزا ولحم
الطير، فأكلنا، فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء، فكلما قام قَالَ
بعضنا لبعض: رأيتم مثل هَذَا؟ ألا تغيرون وأنتم سادة أَهْل البصرة؟!
فقال أحدهم: عليّ خمسمائة، وقال الآخر: على ثلاثمائة، وَقَالَ هَذَا
وَقَالَ هَذَا، ضمن بعضهم أن يأخذ لَهُ من غيره، فبلغ الَّذِي جمع له
فِي الحساب خمسة آلاف درهم، فقالوا: قوموا بْنا نذهب فنأتيه بهذا المال
ونسأله أن يغير مَا هو فِيهِ، فقمنا فانصرفنا عَلَى حالنا ركبانا،
فمررنا بالمربد، وإذا بمحمد بْن سُلَيْمَان أمير البصرة قاعد فِي منظره
(8/341)
لَهُ، فَقَالَ: يا غلام، آتيني بإبراهيم
بْن شبيب بْن شيبة من بين القوم، فجئت فدخلت عليه، فسألني عَنْ قصتنا
ومن أين أقبلنا، فصدقته الحديث، فَقَالَ: أنا أسبقكم إِلَى بره، يا
غلام، آتيني ببدرة دراهم، فجاء فَقَالَ: أحمل هَذِهِ البدرة مَعَ هَذَا
الرجل حَتَّى يدفعها إِلَى من أمرناه، ففرحت، ثُمَّ قمت مسرعا، فلما
أتيت الباب سلمت فأجابْني أَبُو عَبْد اللَّه، ثُمَّ خرج إلي، فَلَمَّا
رأى الفراش والبدرة عَلَى عنقه كأني سفيت فِي وجهه الرماد، فأقبل علي
بغير الوجه الأول وَقَالَ: مَا لي ولك، تريد أن تفتنني؟ فقلت: يا أبا
عَبْد اللَّه أقعد حَتَّى أخبرك، إنه من القصة كذا وكذا، وَهُوَ
الَّذِي تعلم أحد الجبارين- يعني مُحَمَّد بْن سليمان- ولو كَانَ أمرني
أن أضعها حيث أرى لرجعت إِلَيْهِ فأخبرته إني 154/ أقد وضعتها، فاللَّه
اللَّه فِي نفسك، فازداد علي غيظا، وقام فدخل منزله وصفق/ الباب فِي
وجهي فجعلت أقدم وأؤخر، مَا أدري مَا أقول للأمير، ثُمَّ لم أجد بدا من
الصدق، فجئت فأخبرته الخبر فَقَالَ: حروري والله يا غلام، علي بالسيف،
فجاء بالسيف فَقَالَ:
خذ بيد هَذَا حَتَّى يذهب بك إِلَى هَذَا الرجل، فإذا خرج إليك فاضرب
عنقه وآتيني برأسه، قَالَ إِبْرَاهِيم: فقلت: أصلح اللَّه الأمير، الله
الله، فو الله لقد رأينا رجلا مَا هو من الخوارج، ولكني أذهب فآتيك به،
وما أريد بذلك إلا افتداء منه، قال: فضمنيه، فمضيت حَتَّى أتيت الباب
فسلمت، فإذا المرأة تحن وتبكي، ثُمَّ فتحت الباب وتوارت وأذنت فدخلت،
فقالت: مَا شأنكم وشأن أبي عَبْد اللَّه؟ قلت: وما حاله؟ قالت: دخل
فمال إِلَى الركي فنزع منها ماء فتوضأ ثُمَّ صلى ثُمَّ سمعته يَقُول:
اللَّهمّ اقبضني إليك ولا تفتني. ثُمَّ تمدد وَهُوَ يَقُول ذلك، فلحقته
وقد قضى، فهو ذاك ميت، فقلت: يا هَذِهِ إن لنا قصة عجيبة، فلا تحدثوا
فِيهِ شيئا، فجئت مُحَمَّد بْن سليمان فأخبرته الخبر، فَقَالَ:
أنا أركب فأصلي عَلَى هَذَا، قَالَ: وشاع خبره بالبصرة، فشهده الأمير
وعامة أَهْل البصرة، رحمه اللَّه.
(8/342)
ثم دخلت سنة إثنين وسبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
شخوص الرشيد إِلَى مرج القلعة، ثُمَّ مرتادا بها منزلا ينزله، وَكَانَ
قَدِ استثقل مدينة السلام وَكَانَ يسميها البخار، فخرج إِلَى مرج
القلعة فاعتل بها، وانصرف، وسميت تلك السفرة بسفرة المرتاد [1] .
وَفِيهَا: عزل الرشيد يزيد بْن مزيد عَنْ أرمينية وولاها عبيد اللَّه
بْن مُحَمَّد المهدي [2] .
وَفِيهَا: غزا الصائفة إِسْحَاق بْن سليمان بْن عَلِيّ [3] .
وَفِيهَا: وضع [الرشيد] [4] عَنْ أَهْل السواد العشر الَّذِي كَانَ
يؤخذ منهم بعد النصف [5] .
وَفِيهَا: تزوج مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَلِيّ العباسة بْنت المهدي،
وهي أول بْنت خليفة من بْني/ هاشم نقلت من بلد إِلَى بلد، نقلها إِلَى
البصرة، وأول بْنت خليفة نقلت 154/ ب من خلفاء بني أمية صفية بْنت
معاوية، نقلت إِلَى البصرة إِلَى مُحَمَّد بْن زياد ذكره الصولي.
وَفِيهَا: ولي معاذ بن معاذ القضاء.
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
(8/343)
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو
بكر [أحمد] [1] بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن
إبراهيم قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ:
ولي معاذ بن معاذ قضاء البصرة سنة اثنتين وسبعين، وَكَانَ لَهُ محل
ومنزلة، فلم يحمد [2] أَهْل البصرة أمره [وكتبوا] [3] وكثر الكارهون
لَهُ والوقائع عليه، فلما صرف عَنِ القضاء أظهر أَهْل البصرة السرور،
ونحروا النحور وتصدقوا بلحمها، واستتر فِي بيته خوف الوثوب عليه، ثُمَّ
شخص بعد ذلك إِلَى الرشيد فاعتذر، فقبل عذره ووهب لَهُ ألف دينار،
وَكَانَ من الأثبات فِي الحديث [4] .
وَفِيهَا: حج بالناس يعقوب بْن أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ [5] .
وعمال السنة مَا قبلها [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
930- الحسن بن عياش بْن سالم، مولى بْني أسد وَهُوَ أخو أبي بكر بْن
عياش الْقَارِئ [7] .
من أَهْل الكوفة، وَكَانَ وصي سفيان الثوري، وسمع أبا إِسْحَاق
الشيباني، وإسماعيل بْن أبي خَالِد، والأعمش، وغيرهم، وَكَانَ ثقة.
تُوُفِّيَ في هذه السنة.
931- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سليمان بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد
اللَّه بْن حنظلة بْن الغسيل الأنصاري المَدِينيّ [8] .
رأى سهل بْن سعد وأنس بْن مالك، وسمع عكرمة، روى عنه أَبُو نعيم الفضل
بْن دكين، وَكَانَ ثقة.
تُوُفِّيَ في هذه السنة. وقيل: السنة الَّتِي قبلها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «فلم يحتمل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 132.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 236.
[6] «وعمال السنة ما قبلها» ساقط من ت.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 350.
[8] انظر: ترجمته في: تاريخ 7/ 292.
(8/344)
ثم دخلت سنة ثلاث
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فِيهَا:
[أن الرشيد] [1] أقدم جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن الأشعث من خراسان
وولاها ابْنه الْعَبَّاس بْن جَعْفَر [2] .
قَالَ الصولي: وخرج [3] بالناس الرشيد محرما من بغداد [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
932- إسماعيل بن زكريا بْن مرة، أَبُو زياد الخلقاني، مولى أسد بْن
خزيمة يلقب شقوصا [5] .
كوفي الأصل، سمع إِسْمَاعِيل بْن أبي خالد، وأبا إِسْحَاق والأعمش
وغيرهم وَكَانَ ثقة.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو بكر] [6] ابْن ثَابِت
قَالَ: أَخْبَرَنِي الأزهري قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وفيها «أنه» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 238.
[3] في الأصل: «وحج بالناس» وما أثبتناه من ت.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 238.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 215- 218.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/345)
حدّثنا مُحَمَّد بْن عباس قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا [الحسين] [1] بن الفهم قال:
حدثنا محمد بن سعد قال إسماعيل بن زكريا: كَانَ تاجرا فِي الطعام
وغيره، وَهُوَ من أَهْل الكوفة، نزل بغداد فِي ربض حميد بْن قحطبة ومات
بها فِي أول سنة ثلاث وسبعين ومائة، وَهُوَ ابْن خمس وستين سنة [2] .
933- الخيزران جارية المهدي [3] .
اشتراها فأعتقها وتزوجها، فولدت لَهُ الهادي والرشيد، ولم تلد امرأة
خليفتين غير ثلاث نسوة هي إحداهن، والثانية ولادة العنسية بْنت
الْعَبَّاس زوجة عَبْد الملك بْن مروان أم الْوَلِيد وسليمان،
والثالثة: شاهفريذ بْنت فيروز بْن يزدجرد ولدت للوليد بْن عَبْد الملك
إِبْرَاهِيم ويزيد فوليا الخلافة [4] .
وَقَدْ أَسْنَدْتُ الْحَدِيثَ، عَنِ الْمَهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ اللَّهُ كُلَّ
شَيْءٍ» [5] .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَحَلِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
الصَّيدَلانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَحْمُودٍ الْكَاتِبُ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ
الطَّوِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمَأْمُونِ قَالَ: لَمَّا عُرِضَتِ الْخَيْزُرَانُ عَلَى
الْمَهْدِيِّ قَالَ لَهَا: وَاللَّهِ يَا جَارِيَةُ إِنَّكِ لَعَلَى
غَايَةِ التَّمَنِّي، وَلَكِنَّكِ خَمْشَةُ السَّاقَيْنِ، فَقَالَتْ
يَا مَوْلَانَا [6] ، إنك أحوج ما تكون إليهما لا تَرَاهُمَا، فَقَالَ
اشْتَرُوهَا فَحَظِيَتْ عِنْدَهُ، فَأَوْلَدَهَا مُوسَى وَهَارِونَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن
علي ابن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالُوا:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ
قال: حدّثنا علي بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 218.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 430- 431.
[4] تاريخ بغداد 14/ 430.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 430- 431.
[6] في ت: «يا أمير المؤمنين» .
(8/346)
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ/ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الطَّوِيلِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى
الْمَهْدِيِّ فَدَعَا بِمِحْبَرَتِهِ وَدْفَتِرِه، وَكَتَبَ عَنِّي
أَشْيَاءَ حَدَّثْتُهُ بِهَا، ثُمَّ نَهَضَ وَقَالَ: كُنْ بِمَكَانِكَ
حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، وَدَخَلَ إِلَى دَارِ الْحَرَمِ ثُمَّ خرج
متنكرا ممتلئا غيظا، فلما جلس: قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
خَرَجْتَ عَلَى خِلافِ الْحَالِ الَّتِي دَخَلْتَ عَلَيْهَا؟ قَالَ:
نَعَمْ دَخَلْتُ عَلَى الْخَيْزُرَانِ فَوَثَبْت إِلَيَّ وَمَدَّتْ
يَدَهَا إِلَيَّ وَخَرَقَتْ ثَوْبِي، وَقَالَتْ: يَا قَشَّاشُ، وَأَيُّ
خَيْرٍ رأيت منك؟ وإنما اشْتَرَيْتُهَا مِنْ نَخَّاسٍ وَرَأَتْ مِنِّي
مَا رَأَتْ وَعَقْدُتَ لابْنَيْهَا وِلايَةَ الْعَهْدِ وَيْحَكِ
وَأَنَا قَشَّاشٌ؟ قال: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُنَّ
يَغْلِبْنَ الْكِرَامَ وَيَغْلِبْهُنَّ اللِّئَامُ» وَقَالَ:
«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» ،
وَقَالَ: «خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ إِنْ قَوَّمْتَهُ
كَسَرْتَهُ» . وحدثته فِي هَذَا الباب بكل مَا حضرني، فسكن غضبه، وأسفر
وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وَقَالَ: أصلح بهذه من حالك، وانصرفت، فلما
وصلت إِلَى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام،
وتقول لك: يا عم قَدْ سمعت جميع مَا كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن
اللَّه جزاك، وَهَذِهِ ألفا دينار إلا عشرة دنانير بعثت بها إليك لأني
لم أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ووجهت إلي بأثواب [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ
البسري، عَنْ أبي عَبْد اللَّه بن بطة قال: حدّثنا أبو عَلِيّ بْن
الحسين بْن القاسم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفضل بْن الربعي قَالَ:
حَدَّثَنِي أبي قال: سأل رجل الخيزران حاجة ثُمَّ أرسل إليها بهدية
فأجابته: إن كَانَ مَا وجهت به من هديتك ثمنا لرأيي فيك فلقد بخستني
القيمة، وإن كَانَ استزادة فقد استغششتني في المودّة وردتها عليه.
وقد حكى نحوه أَبُو بكر الصولي فَقَالَ: لما ولي مُحَمَّد بْن سليمان
البصرة أهدى إِلَى الخيزران مائة وصيف بيد كل وصيف [2] جام من ذهب/
مملوء مسكا. فقبلت ذلك، 156/ أوكتبت إِلَيْهِ: عافاك اللَّه إن كَانَ
مَا وصل إلينا منك ثمن رأينا فيك، فقد بخستنا فِي القيمة، وإن كَانَ
وزن مثلك إلينا فظننا بك فوقه.
قَالَ ابْن الأعرابي: كتب المهدي إلى الخيزران وهي بمكة:
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 430- 431.
[2] «بيد كل وصيف» ساقطة من ت.
(8/347)
نحن فِي أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم
يتم السرور
عيب مَا نحن فِيهِ من أَهْل ودي ... أنكم غيب ونحن حضور
فأجدوا فِي السير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مَعَ الرياح فطيروا
فأجابته، أو قالت لمن أجابه:
قَدْ أتانا الَّذِي وصفت من الشوق ... فكدنا وما فعلنا نطير
ليت إن الرياح كن تؤدين ... إليكم مَا قَدْ يجن الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... فِي سرور فدام ذاك السرور
توفيت الخيزران ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ
السنة، ودفنت بمقابر قريش.
وروى يَحْيَى بْن الْحَسَن أن أخاه حدثه قَالَ: رأيت الرشيد يوم ماتت
الخيزران وعليه طيلسان أزرق قَدْ شد به وسطه وَهُوَ آخذ بقائمة السرير
حافيا يعدو فِي الطين حَتَّى أتى مقابر قريش فغسل رجليه ودعا بخف، فصلى
عَلَيْهَا ودخل قبرها، فلما خرج من المقبرة وضع لَهُ كرسي فجلس عليه،
ودعا الفضل بْن الربيع وَقَالَ لَهُ: وحق المهدي- وكان لا يحلف بها إلا
إذا اجتهد- إني لأهم بالشيء لك من التولية [1] وغيرها فتمنعني أمي
فأطيع أمرها، فخذ الخاتم من جَعْفَر وولي الفضل نفقات العامة والخاصة
وبادوريا والكوفة، فتمت حاله، وانصرف الرشيد من جنازتها يتمثل بقول
متمم بْن نويرة:
كنا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَة ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ
لن تتصدعا
156/ ب/ فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ
اجْتِمَاعٍ لَمْ نبت ليلة معا
وكانت غلة الخيزران ألف ألف وستين ألف درهم، فاتسع الرشيد بغلتها وأقطع
الناس من ضياعها.
934- سعد بْن عَبْد اللَّه بْن سعد، أَبُو عُمَر المعافري.
روى عنه عَبْد اللَّه بْن وهب، ويقال هو الَّذِي أعان ابْن وهب عَلَى
تصنيف كتبه، وكانت لَهُ عُبَادة وفضل. تُوُفِّيَ بالإسكندرية في هذه
السنة.
__________
[1] في الأصل: «لأهم بالشيء لك من الليل من التولية» .
(8/348)
935- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الموالي،
ويقال: ابْن زيد ابْن أبي الموالي، أَبُو مُحَمَّد المدني، مَوْلَى
عَلِيّ بْن أبي طالب، وقيل: مولى أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدث عَنْ مُحَمَّد بْن كعب القرظي، وابْن المنكدر، روى عنه: الثوري،
وابْن المبارك، وأبو عامر العقدي، والقعنبي، وقتيبة، وَكَانَ ثقة.
وتوفي في هذه السنة.
936- غادر جارية الهادي.
حكى جَعْفَر بْن قدامة قَالَ: كَانَ لموسى الهادي جارية يقال لها:
غادر، وكانت من أحسن النساء وجها وغناء، وَكَانَ يحبها حبا شديدا،
فبينا هي تغنيه يوما عرض لَهُ فكر وسهو تغير له لونه، فسأله من حضر
عَنْ ذلك، فَقَالَ: وقع فِي فكري أني أموت، وأن أخي هارون يلي الخلافة
ويتزوج جاريتي هَذِهِ، فقيل لَهُ: نعيذك باللَّه، ونقدم الكل قبلك،
فأمر بإحضار أخيه وعرّفه [1] بما خطر لَهُ فأجابه بما يوجب زوال هَذَا
الخاطر، فَقَالَ: لا أرضى حَتَّى تحلف لي إني متى مت لم تتزوجها.
فأحلفه واستوفى عليه الأيمان من الحج راجلا، وطلاق نسائه [2] ، وعتق
المماليك، وتسبيل مَا يملكه، ثُمَّ نهض إليها فأحلفها بمثل ذلك فما لبث
إلا نحو شهر حَتَّى تُوُفِّيَ، وولي الرشيد فبعث يخطب الجارية، فقالت:
كيف يميني ويمينك؟ فَقَالَ: أكفر عَنِ الكل وأحج راجلا، فتزوجها/ وزاد
شغفه بها عَلَى شغف أخيه حَتَّى إنها كانت تضع رأسها على حجره وتنام
ولا يتحرك 157/ أحتى تنتبه، فبينا هي ذات يوم عَلَى ذلك انتبهت فزعة
تبكي، فسألها عَنْ ذلك، فقالت:
رَأَيْت أخاك الساعة وَهُوَ يَقُول:
أخلفت وعدي بعد ما جاورت سكان المقابر ... ونسيتني وحنثت في أيمانك
الكذب الفواجر
ونكحت غادرة أخي صدق الذي سماك غادر ... أمسيت في أهل البلاد وغدوت في
حور الغرائر
لا يهنك الألف الجديد ولا تدر عنك الدوائر ... ولحقت بي قبل الصباح
فصرت حيث غدوت صائر
__________
[1] في ت: «وعرف ما خطر» .
[2] في ت: «وطلاق الزوجات» .
(8/349)
والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فكأني
لما سمعتها كتبها فِي قلبي فما أنسيت منها كلمة، فَقَالَ لها الرشيد:
أضغاث أحلام، فقالت: كلا. ثُمَّ لم تزل تضطرب وترتعد حَتَّى ماتت بين
يديه.
937- مُحَمَّد بْن سليمان بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عباس
الهاشمي
أمه أم حسن بْنت جَعْفَر بْن حسن بْن حسن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب
[رَضِيَ اللَّه عنهم] [1] .
كَانَ من رجال بْني هاشم وشجعانهم، وَكَانَ قَدْ ولاه المنصور البصرة
والكوفة، وزوّجه المهدي بابْنته العباسة، ونقلها إِلَيْهِ إِلَى
البصرة، وَكَانَ لَهُ خاتم من ياقوت أحمر لم ير مثله، فسقط ليلة من يده
[2] [ليلة بْنائه بالعباسة] [3] فجعلوا يطلبونه فلم يجدوه، فَقَالَ:
أطفئوا الشمع ففعلوا فرأوه، وَكَانَ لَهُ خمسون ألف مولى منهم عشرون
ألف عتاقة، وكانت به رطوبة فكان يتداوى بالمسك يستعمل منه كل يوم عشرين
مثقالا ويتركه فِي عكن بطنه، وأقره على ولايته الهادي والرشيد، وكانت
غلته كل يوم مائة ألف درهم.
وروي عنه حديث مسند لا يعرف لَهُ غيره/.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن
ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْوَاحِدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الْمُسْتَمْلِي قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صاعد قَالَ: حَدَّثَنَا
الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ
حَيَّانَ الْعَتَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ النَّاجِي، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي
الأَكْبَرِ- يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «امْسَحْ عَلَى رَأْسِ الْيَتِيمِ
هَكَذا إِلَى مَقْدِمِ رَأْسِهِ وَمَنْ لَهُ أَبٌ هَكَذَا إِلَى
مُؤَخَّرِ رَأْسِه» [4] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن
مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: لما بويع الرشيد بالخلافة قدم عليه مُحَمَّد
بْن سُلَيْمَان وافدا، فأكرمه وعظمه وبره وصنع به ما لم يصنع
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 291- 292.
[2] «من يد» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 291.
(8/350)
بأحد، وزاده فيما كَانَ يتولى من أعمال
البصرة وكور دجلة والأعمال المفردة والبحرين وعمان واليمامة، وكور
الأهواز وكور فارس، ولم تجمع هَذِهِ لأحد غيره، فلما أراد الخروج شيعه
الرشيد إِلَى كلواذي.
وتوفي فِي جمادى الآخر من هَذِهِ السنة، وسنه إحدى وخمسون سنة وخمسة
أشهر، وأمر الرشيد بقبض أمواله [1] .
وذكر ابْن جرير: أن الرشيد بعث رجلا يصطفي مَا خلفه من الصامت، ورجلا
إِلَى الكسوة و [ولى] [2] الفرش والرقيق والدواب والطيب والجوهر، فجعل
لكل آلة رجلا يصطفيها، فأصابوا لَهُ ستّين ألف ألف، وأخرج من خزانته
ثيابه الَّتِي كَانَ يلبسها كل سنة فِي زمن الصغر وأخرجوا مَا كَانَ
يهدي إِلَيْهِ من البلاد حَتَّى الدهن والسمك، فوجدوا أكثر ذلك فاسدا،
فألقي فِي الطريق فأنتنت الطريق.
وحكى الصولي: أن الرشيد قبض مَا خلفه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان من المال
فكان ثلاثة آلاف ألف دينار، ولم يتعرض للضياع ولا الدور ولا المستغلات/
ولا الجوهر ولا الفرش 158/ أولا العطر ولا الكسوة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن
عَبْد اللَّه الطبري قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أَخْبَرَنَا
أَبُو صفوان [قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ عُبَيْدٍ] [3]
قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد العتكي قَالَ: حَدَّثَنِي الحسين بْن سلام
مولى آل سُلَيْمَان بْن عَلِيّ] [4] قَالَ: لما احتضر مُحَمَّد بن
سُلَيْمَان بْن عَلِيّ كَانَ رأسه فِي حجر أخيه جَعْفَر بْن
سُلَيْمَان، فَقَالَ جَعْفَر: وانقطاع ظهراه، فَقَالَ مُحَمَّد:
وانقطاع ظهر من يلقى الجبار غدا [والله] ليت أمك لم تلدني، ليتني كنت
حمالا، وأني لم أكن فيما كنت فِيهِ، وولى الرشيد مكانه عمه سُلَيْمَان
بْن أبي جَعْفَر.
وحكى ابْن جرير أن قوما قالوا: كانت وفاة مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان
والخيزران فِي يوم واحد [5] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد
الجبار قال: أخبرنا
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 5/ 292.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 238.
(8/351)
مُحَمَّد بْن عبد الواحد قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيمِ المازني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي
الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن يزيد قَالَ:
بلغني أن جارية من جواري مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان وقفت عَلَى قبره
فقالت:
أمسى التراب لمن هويت مبيتا ... ألق التراب فقل لَهُ حييتا
إنا نحبك يا تراب وما بْنا ... إلا كرامة من عليه حثيتا
938- هيلانة جارية الرشيد [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا [أحمد بْن علي بْن ثابت]
[2] الخطيب قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي
قال: حدثنا محمد بن القاسم بْن خلاد قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي قَالَ:
كَانَ الرشيد شديد الحب لهيلانة، وكانت قبله ليحيى بْن خالد بْن برمك،
فدخل يوما إِلَى يَحْيَى قبل الخلافة فلقيته فِي ممر فأخذت بكمه فقالت:
نحن لا 158/ ب يصيبنا منك يوم، فقال لها: فكيف السبيل إِلَى ذلك،
فقالت: تأخذني/ من هَذَا الشيخ، فَقَالَ ليحيى: أحب أن تهب لي فلانة
فوهبها له حَتَّى غلبت عليه، وكانت تكثر [3] أن تقول هي إلا أنه،
فسماها هيلانة، فأقامت عنده ثلاث سنين ثُمَّ ماتت، فوجد عَلَيْهَا وجدا
شديدا وأنشد:
قَدْ قلت لما ضمنوك الثرى ... وجالت الحسرة فِي صدري [4]
اذهب فلا والله لا سرني ... بعدك شيء آخر الدهر
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [5] الخطيب
قَالَ: أَخْبَرَنَا الأصبهاني قَالَ: أَخْبَرَنَا العسكري عَنْ أبي بكر
الصولي قَالَ: أَخْبَرَنَا الغلابي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: لما توفيت هيلانة جارية الرشيد أمر
الْعَبَّاس بْن الأحنف أن يرثيها فَقَالَ:
يا من تباشرت القبور بموتها ... قصد الزمان مساءتي فرماك
أبغي الأنيس فلا أرى لي مؤنسا ... إلا التردد حيث كنت أراك
ملك بكاك وطال بعدك حزنه ... لو يستطيع بملكه لفداك
__________
[1] انظر ترجمتها في: تاريخ بغداد 1/ 97- 98.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «يكثر» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 1/ 97- 98.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(8/352)
يحمي الفؤاد عَنِ النساء حفيظة ... كيلا
يحل حمى الفؤاد سواك
فأمر لَهُ بأربعين ألف درهم لكل بيت عشرة آلاف وَقَالَ: لو زدت لزدناك.
الخاتمة تم الجزء الثامن من كتاب «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»
تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد
بن علي الجوزي غفر الله له.
يتلوه في الجزء التاسع:
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة: فمن الحوادث فيها: أن الرشيد ولى إسحاق
بن سليمان الهاشمي السند ومكران.
(8/353)
[المجلد التاسع]
بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن الرشيد ولى إسحاق بن سليمان الهاشمي السند [ومكران] [1] ، واستقصى،
[الرشيد فيها] [2] يوسف بن أبي يوسف وأبوه حي [3] .
وغزا الصائفة عبد الملك بن صالح [4] .
وفيها: خرج الرشيد إلى البصرة يريد الحج، فزاد في مسجد البصرة مما يلي
القبلة، وخرج فبدأ بالمدينة، فقسم في أهلها مالا عظيما [5] .
ووقع الوباء في هذه السنة بمكة، فأبطأ عن دخولها، ثم دخلها [6] فقضى
طوافه وسعيه، ولم ينزل مكة [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 239. البداية والنهاية: 1/ 165 والكامل لابن
الأثير 5/ 287 (أحداث سنة 174) .
[4] المصادر السابقة والصفحات.
[5] المصادر السابقة والصفحات.
[6] «ثم دخلها» ساقطة من ت.
[7] تاريخ الطبري 8/ 239. والبداية والنهاية 10/ 165. ولم يذكر ابن
الأثير في الكامل وقوع الوباء في هذه السنة.
(9/3)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
939- بكر بن مضر بن محمد بن حكيم، أبو عبد الملك، مولى ربيعة بن شرحبيل
بن حسنة
[1] ولد سنة مائة، وكان عابدا، وتوفي يوم عرفة من هذه السنة.
940- عبد الله [2] بْن لهيعة بن عقبة بن فرغان، أبو عبد الرحمن
الحضْرَمِيّ
[3] .
ولد سنة سبع وتسعين. وروى عَن مشرح [4] بن هاعان، وغيره. وكان قاضي
مصر، وروى عنه: الليث، وابن المبارك [5] .
وتوفي فِي ربيع/ الأول من هذه السنة، وكان ضعيفا.
941- عبد الرحمن بن أبي الزناد، يكنى: أبا عبد الله
[6] .
تُوُفّي في هذه السنة.
942- محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد
[7]- واسم أبي الزناد: عبد الله بن ذكوان- مولى رملة بنت شَيْبة، وكنية
محمد: أبو عبد الله، المَدِيني.
كان يطلب الحديث مع أَبِيهِ، ولقي عامة شيوخه، وكان بينهما في السن سبع
عشرة سنة، وحديثه قليل، روى عنه محمد بن عمر الواقدي [8] . وكان عالما
بالقراءة
__________
[1] تهذيب التهذيب 1/ 487. وتهذيب الكمال 756. وتقريب التهذيب 1/ 107
وقال: ثقة ثبت. والتاريخ الكبير 2/ 95. والجرح والتعديل 2/ 392.
[2] في ت: «عبيد الله» .
[3] تهذيب الكمال ت 353. وتهذيب التهذيب 5/ 373. وتقريب التهذيب 1/
444. والتاريخ الكبير 5/ 182. والجرح والتعديل 5/ 145. وطبقات ابن سعد
7/ 516.
[4] في الأصل، ت: «مسروح» .
[5] في الأصل: «ابن مبارك» .
[6] في ت: «محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد، واسم أبي الزناد يكنى
أبا عبد الله» .
انظر ترجمة عبد الرحمن بن أبي الزناد في: تهذيب التهذيب 6/ 170.
والتقريب 1/ 479. والجرح والتعديل 5/ 252. وطبقات ابن سعد 5/ 415، 7/
324. وتاريخ بغداد 10/ 228- 230.
[7] في ت: « ... بن عبد الرحمن بن أبي الزناد» .
[8] في الأصل: «روى عنه غير الواقدي» .
(9/4)
والحديث، والفرائض، والحساب، والعروض.
توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وخمسين سنة، ومات أبوه قبله بإحدى
وعشرين ليلة، ودفنا في مقابر باب التين. وقيل: في مقبرة الخيزران.
943- منصور، مولى عيسى بن جعفر، ولقبه: زلزل فغلب عليه ونسي اسمه.
وكان يضرب بالعود، فيضرب به المثل، وعمل ببغداد بركة للسبيل كان يضرب
بها المثل.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر] أحمد [بن
علي] [1] الخطيب قال:
أنشدنا الحَسَن بن أبي بَكْر قَالَ: أنشدنا أَبِي [2] قَالَ: أنشدنا
إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه:
لو انَّ زهيرا [3] وامرأ القيس أبصرا ... ملاحة ما تحويه بركة زلزل
/ لما وصفا سلمى ولا أم سالم ... ولا أكثرا ذكر الدخول فحومل
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ: أنبأنا
أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حيويه
قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: أخبرنا أبو العباس
المروزي قَالَ: حدَّثني المفضل قَالَ: حدَّثني إسحاق بن إبراهيم
الموصلي، عن أَبِيهِ قَالَ: قال لي زلزل: عندي جارية من حالها من قصتها
قد علمتها الغناء. فكنت أشتهي أن أراها، وأستحي أن أساله، فلما توفي
زلزل بلغني أن ورثته يعرفون الجارية، فصرت إليهم، فأخرجوها فإذا هي [4]
جارية كاد الهزال يكويها، لولا ما تم منها ونقص منه، فقلت لها: غني،
فغنت وعيناها تذرفان، ثم شهقت، ظننت أن نفسها قد خرجت.
فركبت من ساعتي، فدخلت على أمير المؤمنين، فأخبرته خبرها، فأمر
بإحضارها، فلما دخلت عَلَيْهِ قَالَ: غني. فغنت وجعلت تريد البكاء،
فتمنعها هيبة [5] أمير المؤمنين،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «قال: أنشدنا الحَسَن بن أبي بَكْر قَالَ: أنشدنا أبي» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «وقرا» .
[4] «هي» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فيمنعها إجلال» .
(9/5)
فرحمها وأعجب بها، وقَالَ: أتحبين أن
أشتريك؟ فقالت: يا سيدي، أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك عليّ، والله لا
يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي. فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها
رزقا.
وفي رواية أخرى: أنه قَالَ: أتحبين/ أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير
المؤمنين، لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن
يملكني أحد فينتفع بي. فزاد رقة عليها، وقال: غني [صوتا] [1] فغنت:
العين تظهر كتماني وتبديه ... والقلب يكتم ما ضمنته فيه
وكيف ينكتم المكنون بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه
فاشتراها وأعتقها، وأجرى عليها إلى أن مات.
944- عابد مصري مبتلى.
أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار
قال: أخبرنا أحمد بن علي التوذي قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بْن ثابت
[قَالَ:] أَخْبَرَنَا علي بْن أحمد بْن أبي قيس [قَالَ:] حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا [قَالَ:] [2] حدثنا علي بن
الحُسَين، عن موسى بن عيسى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيّ قَالَ:
حدثني بعض الحكماء قَالَ: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش
مصر أو دونه إذا أنا بمظلة، وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره،
وإذا هُوَ يقول: اللَّهمّ إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على
سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا.
فقلت: والله لأسألنه أعلمه أم ألهمه، فدنوت منه، فسلمت عَلَيْهِ فرد
علي السلام فقلت لَهُ: إني/ سائلك عن شيء تخبرني بِهِ. قَالَ: إن كان
عندي منه علم أخبرتك. فقلت:
على أي نعمة من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره؟ قَالَ: أليس ترى ما
قد صنع بي؟ قُلْتُ: بلى. قال: فو الله لو أن الله عز وجل صب علي السماء
نارا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض
فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/6)
وشكرًا وإن لي إليك حاجة. قُلْتُ: وما
هِيَ؟ قَالَ [1] : كان لي من [2] يتعاهدني [3] في وقت صلاتي [4]
ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر [لي] [5] ، هل تحسه لي.
فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى، فخرجت في طلبه
حتى إذا كنت في كثبان من رمل، إذا سبع قد افترس الغلام فأكله، فقلت:
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، كيف آتي هذا العبد
الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت، فأتيته، فسلمت عَلَيْهِ،
فرد علي السلام، فقلت لَهُ [6] : إني سائلك عن شيء، أتخبرني بِهِ؟
قَالَ: إن كان عندي منه علم أخبرتك بِهِ. قُلْتُ: أنت أكرم على الله عز
وجل [7] منزلة أم أيوب عليه السلام؟ قَالَ: بل أيوب عليه السلام [8]
كان أكرم على الله عز وجل مني، وأعظم منزلة. فقلت: أليس [قد] [9]
ابتلاه فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وصار غرضا لمرار الطريق؟
فَقَالَ: بلى. قُلْتُ: إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني [10] ،
خرجت في طلبه، حتى إذا كنت/ بين كثبان رمل، إذا أنا بالسبع قد افترس
الغلام وأكله. فقال: الحمد للَّه الّذي لم يجعل في قلبي حسرة من
الدنيا. ثم شهق شهقة فمات. فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
راجِعُونَ 2: 156، من يعينني على غسله وتكفينه ودفنه. فبينا أنا كذلك
إذا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا، فقالوا: ما أنت وهذا؟
فأخبرتهم بالذي كان من أمره، فثنوا رحلهم [11] فغسلناه بماء البحر،
وكفناه بأثواب كانت معهم، ووليت الصلاة عليه من بينهم، ودفناه في مظلته
تلك، ومضى القوم إلى
__________
[1] في ت: «إليك حاجة لي كان» .
[2] «لي من» ساقطة من ت.
[3] في ت: «يتعاهد» .
[4] في ت: «في لوقت» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «له» ساقطة من ت.
[7] «عز وجل» ساقطة من ت.
[8] «عليه السلام» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «الّذي استخبرتني عنه خرجت» .
[11] في الأصل: «فتنوا أرجلهم» .
(9/7)
رباطهم، وبت في مظلته تلك الليلة آنسا به.
فلما مضى من الليل مثل ما بقي، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء عليه ثياب
خضر قائما يتلو الوحي، فقلت: أليس أنت صاحبي؟ قَالَ: بلى. قُلْتُ: فما
الذي صيرك إلى ما أرى؟ قَالَ: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها
إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء [1] .
فقال الأوزاعيّ ما زلت أحب أهل ذلك البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا
الحديث
__________
[1] في الأصل: «الرضا» .
(9/8)
ثم دخلت سنة خمس
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
عقد الرشيد لابنه محمد من بعده ولاية [1] العهد، فأخذ له بيعة القواد
والجند ببغداد/، وسماه: الأمين، وله يومئذ خمس سنين، فقدّمه على
المأمون، والمأمون أكبر 5/ أمنه، لأن [2] أمه زبيدة [3] .
وقد روى أبو بكر الصولي قَالَ: حدثنا سليمان بن داود [المهلبي قَالَ:]
[4] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عن أَبِيهِ
قَالَ: كان الرشيد يَقُولُ: إني لأتعرف في عبد الله حزم المنصور، ونسك
المهدي، وعزة نفس الهادي، فلو أشاء أن أنسبه إلى الرابعة في لنسبته،
وإني لأرضى سيرته، وأحمد طريقته، واستحسن سياسته، وأرى قوته وذهنه،
وأمن ضعفه ووهنه، وإني لأقدم محمدا عَلَيْهِ، وأعلم أنه منقاد لهواه،
متصرف في طريقه، مبذر لما حوته يده، مشارك للنساء والإماء في رأيه،
ولولا أم جعفر وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه [5] .
__________
[1] في ت: «بولاية» .
[2] في ت: «لأجل» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 240. والبداية والنهاية 10/ 165. والكامل لابن
الأثير 5/ 288. وتاريخ الموصل للأزدي ص 274.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] البداية والنهاية 10/ 165.
(9/9)
قال الصولي: ثم جعل يرى فضل المأمون، وعقله
فيندم [1] على تقديمه محمدا، فقال:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني ... غلبت على الأمر الذي كان أحزما
فكيف يرد الذر في الضرع بعد ما ... توزع حتى صار نهبا مقسما
/ أخاف التواء الأمر بعد انصداعه [2] ... وأن ينقض الأمر الذي كان
أبرما
[3] وكان السبب في التقدم لمحمد: أن جماعة من بني العباس مدوا أعناقهم
إلى الخلافة بعد الرشيد، إذ لم يكن له ولي عهد، فمضى عيسى بن جعفر إلى
الفضل بن يحيى، فقال لَهُ: أنشدك الله لما عملت في البيعة لابن أختي-
يعني محمد بن زبيدة- فإنه ولدك، وخلافته لك. فوعده أن يفعل، فلما صار
الفضل إلى خراسان فرق فيهم أموالا وأعطى [الجند] [4] عطيات متتابعة، ثم
أظهر البيعة لمحمد، فبايع الناس لَهُ، وكتب إلى الآفاق فبويع لَهُ،
فأنكر قوم البيعة لصغر سنه [5] .
وفيها: [6] عزل الرشيد العباس بن جعفر عن خراسان، وولاها خاله الغطريف
بن عطاء [7] .
وفيها: صار يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن إلى الديلم، فتحرك هناك [8]
.
وفيها: غزا الصائفة [9] عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح [10] .
__________
[1] في ت: «فيقدم» .
[2] في ت، والبداية والنهاية: «استوائه» .
[3] البداية والنهاية 10/ 165، 166.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 240. والكامل لابن الأثير 5/ 288.
[6] في ت: «وفي هذه السنة» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل لابن الأثير 5/ 288.
[8] تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل لابن الأثير 5/ 288، 5/ 291 (أحداث
سنة 176) . والبداية والنهاية 10/ 166.
[9] في ت: «وغزا الصائفة من هذه السنة»
[10] تاريخ الطبري 8/ 241، والكامل 5/ 288، والبداية والنهاية 10/ 166.
(9/10)
[قال الواقدي: الذي غزاها عبد الله بن
صالح] [1] . قَالَ: وأصابهم في هذه الغزاة [2] برد قطع أيديهم وأرجلهم
[3] .
/ وفيها [4] : حج بالناس الرشيد [5] . وقيل: بل سليمان بن المنصور.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
945- الحكم بن فضيل، أبو محمد الواسطي
[6] .
نزل المدائن، وحدث بها عن خالد الحذّاء، ويعلى بن عطاء، روى عنه: أبو
النضر هاشم [7] بْن القاسم، وكان الحكم ثقة عند أهل زمانه، توفي في هذه
السنة.
946- شعوانة العابدة
[8] .
كانت كثيرة التعبد، شديدة الخوف، طويلة البكاء، وسألها الفضيل بن عياض
الدعاء فقالت: يا فُضَيْل، أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك؟
فشهق الفضيل وخر مغشيا عَلَيْهِ.
أخبرنا [محمد بن] [9] ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا [10] جَعْفَرُ بْنُ
أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا [11]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «في هذه السنة» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل 5/ 288. والبداية والنهاية 10/ 166.
[4] في ت: «وفي هذه السنة» .
[5] «الرشيد» ساقطة من ت.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 241. والكامل 5/ 288. والبداية والنهاية 10/
166.
[6] تاريخ بغداد 8/ 222- 223.
[7] في الأصل: «أبو نصر» .
في ت: «أبو نضر الهاشم» .
[8] البداية والنهاية 10/ 166.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في ت: «قال: أنبأنا» .
[11] في ت: «قال: حدثنا» .
(9/11)
أحمد بن علي التوزي قَالَ: حدثنا محمد بن
عبد الله الدقاق، حدثنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن عبيد قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن
الحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنِي مالك بن ضيغم قال: قال لي أبي يوما [1] :
انطلق بنا [2] حتى نأتي هذه المرأة الصالحة، فننظر إليها- يعني شعوانة-
فانطلقت أنا وأبو همام فدخلنا عليها فقالت: مرحبا يا ابن من لم نره
ونحن نحبه، أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك، وما يمنعني من
إتيانه إلا أني أخاف أن أشغله عن خدمة/ سيده، وخدمة سيده أولى به من
محادثة شعوانة، ثم قالت [3] :
ومن شعوانة، وما شعوانة [4] ؟! أمة سوداء عاصية. ثم أخذت في البكاء فلم
تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله
القطيعي قَالَ: حدثنا ابْن صفوان قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد قَالَ: حدثني إبراهيم بن عبد
الملك قَالَ:
قدمت شعوانة [5] وزوجها مكَّةَ، فجعلا يطوفان ويصليان، فإذا كل أو أعيا
جلس، وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه: أنا العطشان من حبك لا أروى [6] .
وتقول هِيَ:
أنبت لكل داء دواء في الجبال ودواء المحبين في الجبال لم ينبت.
947- الليث بن سعد بن عبد الرحمن، أبو الحارث. يقال إنه مولى خالد بن
ثابت الفهمي
[7] .
ولد بقرقشندة، وهي قرية من أسفل أرض مصر، سنة أربع وتسعين. وروى عَن:
عطاء بن أبي رباح، والزُّهْرِيّ، ونافع في آخرين. حدث عَن: هشيم، وابن
المبارك
__________
[1] «يوما» ساقطة من ت.
[2] «بنا» ساقطة من ت.
[3] «ثم قالت» ساقطة من ت.
[4] «وما شعوانة» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «شغوانة» .
[6] في ت: «تروى» .
[7] تاريخ بغداد 13/ 3- 14. والتاريخ الكبير 7/ 246. والجرح والتعديل
7/ 179. وطبقات ابن سعد 7/ 517. وتهذيب التهذيب 8/ 459. والتقريب 2/
138.
(9/12)
وغيرهما. وكان فقيها فاضلا ثقة جوادا، يحفظ
[1] القرآن ويعرف الحديث/ والعربية 7/ أوالشعر.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد [بْن علي بْن ثابت] [2]
الخطيب قَالَ أخبرني الأزهري [3] قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الدقاق
قال: حدثنا علي بن محمد الْمَصْريّ قَالَ: حدثني محمد بن أحمد بن عياض
[4] قَالَ: سمعت حرملة بن يحيى يَقُولُ: سمعت [5] ابن وَهْبِ يَقُولُ:
كتب مالك [بن أنس] إلى الليث [بن سعد:] [6] أريد أن أدخل ابنتي على
زوجها فأحب أن تبعث لي بشيء من عصفر [7] .
قَالَ: فبعث إليه الليث ثلاثين حملا [8] عصفر فصبغ لابنته، وباع منه
بخمس مائة دينار وبقي عنده فضلة [9] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن طلحة
المقري، أَخْبَرَنَا صالح بن أحمد بن محمد الهَمْداني قَالَ: حدثنا
أحمد بن القاضي قَالَ: حدثنا أحمد بن عثمان النسائي قَالَ: سمعت قتيبة
بن سَعِيد يَقُولُ: سمعت شعيب بن اللَّيْث يَقُولُ: خرجت مع أبي حاجا،
فقدم المدينة، فبعث إليه مالك بن أنس بطبق فيه [10] رطب، فجعل على
الطبق ألف دينار ورده إِلَيْهِ [11] .
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال
أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال: حدثنا عبد الله بن سُلَيْمَان
[12] قَالَ: سمعت أبي يقول:
__________
[1] في ت: «الحفظ القرآن» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الزهري» .
[4] في ت: «بن العباس» .
[5] «حرملة بن يحيى يقول: سمعت» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «العصفر» .
[8] في تاريخ بغداد: «جملا» .
[9] تاريخ بغداد 13/ 7، 8.
[10] «وفيه» ساقطة من ت.
[11] تاريخ بغداد 13/ 9.
[12] في ت: «حدثنا أبي قال: حدثنا عبيد الله بن سُلَيْمَان قَالَ سمعت
أَبِي يَقُولُ» .
(9/13)
قَالَ قتيبة بن سَعِيد: كان الليث بن سعد
يستغل كل سنة عشرين ألف دينار، وقَالَ:
ما وجبت [1] علي زكاة قط، وأعطى ابن لهيعة ألف دينار وأعطى مالك بن أنس
ألف دينار، وأعطى منصور بن عمار ألف دينار، وجارية تساوي ثلاثمائة
دينار. قَالَ: وجاءت امرأة إلى الليث [بن سعد] [2] فقالت: يا أبا
الحارث إن ابني [3] عليل/ وقد [4] اشتهى عسلا، فَقَالَ: يا غلام، أعطها
مرطا من عسل. والمرط مائة وعشرون رطلا [5] .
توفي الليث في شعبان من هذه السنة.
948- المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن
حزام
[6] .
كان من سروات قريش، وأهل الفضل.
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة
قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود قال: حدثنا الزبير
بن بكار قَالَ:
حدثني عمي مصعب قَالَ: أخبرني الفضل بن الربيع قال: دعاه أمير المؤمنين
المهدي إلى قضاء المدينة فلمُ أر رجلا قط [7] كان له استعفاء منه،
قَالَ لأمير المؤمنين: إني كنت وليت ولاية فخشيت أن لا أكون [8] سلمت
منها، فأعطيت الله عهدا أن لا ألي ولاية أبدا، وأنا أعيذ أمير المؤمنين
باللَّه ونفسي أن يحملني على أن أخيس بعهد اللَّه. قال أمير المؤمنين
[المهدي:] [9] فو الله لقد أعطيت هذا من نفسك قبل أن أدعوك. قَالَ:
والله لقد أعطيت هذا من نفسي قبل أن تدعوني. فَقَالَ: قد أعفيتك [10] .
__________
[1] في ت: «ما وجب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «إن لي ابنا» . وفي تاريخ بغداد: «إن ابنا لي» .
[4] «وقد» ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[5] تاريخ بغداد 13/ 8.
[6] تاريخ بغداد 13/ 244، 245.
[7] «قط» ساقطة من ت.
[8] في ت: «أن لا يكون» .
[9] «أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] تاريخ بغداد 13/ 244.
(9/14)
قال الزُّبَيْر: وحدثني غير عمي من قريش
قَالَ: عرض عليه [1] أمير المؤمنين المهدي [2] مائة ألف درهم على أن
يلي له القضاء فاستعفى، فَقَالَ: لا أعفيك حتى تدلني على إنسان أوليه
القضاء [3] . فدله على عبد الله بن محمد بن عمران فاستقضاه، فحج تلك
الأيام المنذر بْن عَبْد الله وأبوه فاكترى لأبيه إلى الحج وما يجد ما
يكتري لنفسه فحج ماشيا.
توفي المنذر في هذه السنة رحمه الله [4] .
__________
[1] «عليه» ساقطة من ت.
[2] «المهدي» ساقطة من ت.
[3] في ت: «على إنسان أستقضيه» .
[4] «توفي المنذر من هذه السنة رحمه الله» ساقطة من ت.
(9/15)
ثم دخلت سنة ست
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها [1] :
تولية الرشيد الفضل بن يحيى كور الجبال، وطبرستان، ودنباوند، وقومس،
وأرمينية، وأَذْرَبَيْجان [2] .
وفيها: ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن بالديلم، فاشتدت شوكته، وقوي أمره،
ونزع إِلَيْهِ الناس [3] من الأمصار والكور، فاغتم لذلك الرشيد، وندب
إليه [4] الفضل بن يحيى [5] في خمسين ألفا، ومعه صناديد القواد،
فاستخلف منصور بن زياد بباب أمير المؤمنين يجري الكتب على يديه، ثم مضى
وحمل معه الأموال، وكاتب صاحب الديلم وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل
خروج يحيى، فأجاب يحيى إلى الصلح [والخروج] [6] على أن يكتب له الرشيد
[7] أمانا بخطه على نسخة يبعث بها إِلَيْهِ. فكتب الفضل بذلك إلى
الرشيد، فسره وكتب أمانا ليحيى بن عبد الله، وأشهد [عليه] [8]
__________
[1] في الأصل: «فمن الحوادث ومائة» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 242. وتاريخ الموصل ص 277. والبداية والنهاية لابن
كثير 10/ 167.
[3] في ت: «ونزع الناس إليه» .
[4] «من الأمصار ... وندب إليه» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فوجه إليه الفضل بن يحيى» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أن يكتب الرشيد له» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/16)
الفقهاء والقضاة وجلة [بني هاشم] [1]
مشايخهم منهم: عبد الصمد بن عليّ، والعباس بن مُحَمَّد، ومحمد بن
إبْرَاهِيم، وموسى بن عيسى، ومن أشبههم ووجه [2] به مع جوائز وكرامات
وهدايا فوجه الفضل بذلك إِلَيْهِ، فقدم يحيى عَلَيْهِ، وورد به الفضل/
8/ ب بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحب، وأمر له بمال كثير، وأجرى له
أرزاقا سنية، وأنزله منزلا سريا بعد أن أقام في منزل يحيى بْن خالد
أياما، وكان يتولى أمره بنفسه، ولا يكل ذلك إلى غيره، وأمر الناس
بإتيانه والسلام [3] عليه بعد انتقاله عن منزل يحيى، وفي ذلك يقول
مروان بن أبي حفصة الشاعر [4] في الفضل:
ظفرت فلا شلت يد برمكية ... رتقت بها الفتق الذي بين هاشم
على حين أعيا الراتقين التئامه ... فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم
فأصبحت قد فازت يداك بخطة ... من المجد باق ذكرها في المواسم
وما زال قدح الملك يخرج فائزا ... لكم كلما ضمت قداح المساهم
[5] ثم إن الرشيد دعا يحيى بن عبد اللَّه وعنده أبو البختري القاضي
ومحمد بن الحَسَن الفقيه، وأحضر كتاب الأمان الذي أعطاه يحيى، فَقَالَ
لمحمد [6] بن الحسن:
ما تقول في هذا الأمان، أصحيح هُوَ؟ قَالَ: نعم، فحاجه الرشيد في
ذَلِكَ [7] . فقال له محمد بن الحَسَن: ما يصنع بالأمان لو كان محاربا
ثم وُلَّي وكان آمنا. فسأل أبا البختري أن ينظر في الأمان، فقال/ أَبُو
البختري: هذا منتقض من وجه كذا ومن وجه كذا، فقال 9/ أالرشيد: أنت قاضي
القضاة وأنت أعلم بذلك، فمزق الأمان وتفل فيه أبو البختري، وقام يحيى
ليمضي إلى الحبس. فقال لَهُ الرشيد [8] : انصرف، أما ترون به أثر علة
الآن، إن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وجهز» .
[3] في ت، وتاريخ الطبري: «والتسليم» .
[4] «الشاعر» ساقطة من ت.
[5] تاريخ الطبري 8/ 242، 243. والكامل 5/ 291. والبداية والنهاية 10/
167. وتاريخ الموصل ص 277.
[6] في ت: «فقال محمد» .
[7] في ت: «في ذلك الرشيد» .
[8] «أنت قاضي القضاة ... فقال له الرشيد» . ساقطة من ت.
(9/17)
مات قال النَّاسَ سموه؟! فقال يحيى: كلا ما
زلت عليلا منذ كنت في الحبس وقبله. فما مكث بعد هذا إلا شهرا حتى مات
[1] .
وفي هذه السنة: هاجت العصبية [2] بالشام بين النزارية واليمانية، وكان
رأس النزارية يومئذ أبو الهيذام، وقتل بينهم خلق كثير [3] .
وكان العامل على الشام حين هاجت [هذه] [4] الفتنة موسى بن عيسى، فولى
الرشيد موسى بْن يحيى بن خالد البرمكي [5] الشّام، وضم إليه من القواد
والجنود جماعة [6] ، فأصلح بين أهلها، وسكنت الفتنة، فمدحه الشاعر
[فَقَالَ] [7] :
قد هاجت الشأم هيجا ... يشيب راس وليده
فصب موسى عليها ... بخيله وجنوده
فدانت الشأم لما ... أتى بسنح وحيده
هو الجواد الّذي بذّ ... كل جود بجوده
أعداه جود أبيه ... يحيى وجود جدوده
فجاء موسى بن يحيى ... بطارف وتليده
ونال موسى ذرى المجد ... وهو حشو مهوده
خصصته بمديحي ... / منثوره وقصيده
من البرامك عود ... له فأكرم بعوده
حووا على الشعر طرّا ... خفيفة ومديده
[8]
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 167، 168، والكامل 5/ 291.
[2] في الأصل: «الفتنة» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 251. والكامل 5/ 292. والبداية والنهاية 10/ 168.
وتاريخ الموصل ص 279.
وتاريخ ابن عساكر 7/ 176 (التهذيب) .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «البرمكي» ساقطة من ت.
[6] في ت: «وجماعة»
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ الطبري 8/ 251، 252.
(9/18)
وفي هذه السنة: عزل الرشيد الغطريف [بن
عطاء] [1] عن خراسان [2] ، وولاها حمزة [بن مالك] [3] بْن الهيثم
الخزاعي [4] .
وفيها: ولي جعفر بن يحيى بن خالد مصر فولاها عمر بن مهران [5] .
وسبب ذلك: أن موسى بن عيسى كان على مصر، فبلغ الرشيد أنه عازم على
الخلع، فَقَالَ: والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي. فذكر له عمر بن
مهران وكان أحول مشوه [6] الوجه خسيس اللباس، وكان يشمر ثيابه، ويقصر
أكمامه، ويركب بغلا عليه رسن، ويردف غلامه خلفه، فدعاه فولاه مصر،
فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أتولى (على شرط أن يكون] [7] إلي إذني إذا
أصلحت البلاد انصرفت. فجعل ذلك إِلَيْهِ وبلغ الخبر موسى بن عيسى، فدخل
عمر دار موسى [8] والناس عنده، فجلس في أخريات النَّاسَ، فلما تفرق أهل
المجلس قال موسى لعُمَر: ألك حاجة يا شَيْخ؟ قَالَ: نعم. ثم قام
بالكتب، فدفعها إِلَيْهِ فَقَالَ: يقدم أبو حفص. قَالَ: فأنا أبو حفص.
قَالَ: أنت عمر بن مهران [9] ؟! قَالَ: نعم. قَالَ: لعن الله فرعون حين
قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ 43: 51 [10] ، ثم سلم له العمل ورحل،
فتقدم عمر إلى غلامه، فَقَالَ: لا تقبل مُن الهدايا إلا ما يدخل في
الجراب، / لا تقبل دابة، ولا جارية، ولا غلاما. فجعل الناس يبعثون
بهداياهم، فيرد 10/ أالألطاف، ويقبل المال والثياب، فيأتي بها عُمَر،
فيكتب عليها أسماء من بعث بها، ثم وضع الجباية. وكان قوم قد اعتادوا
المطل وكسر الخراج، فبدأ برجل منهم فلواه، فقال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «عن الشام» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ الطبري 8/ 252. والبداية والنهاية 10/ 169.
[5] تاريخ الطبري 8/ 252. والبداية والنهاية 10/ 169. والكامل 5/ 291،
292.
[6] في الأصل: «مسنون الوجه» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «دار عيسى» .
[9] في الأصل: «عمر بن ماهان» .
[10] سورة: الزخرف، الآية: 51.
(9/19)
والله لا تؤدي [ما عليك من] [1] الخراج إلا
[في بيت المال] [2] بمدينة السلام بغداد [3] .
فأشخصه مع رجلين، وكتب إلى الرشيد بالحال، وأخبره أنه قد خلف. فلم يلوه
بعدها أحد من الخراج بشيء، واستأدى النجم الأول، والثاني، فلما كان في
الثالث وقعت مماطلة فأحضر [4] أهل الخراج فشكوا الضيقة، فأمر بإحضار
تلك الهدايا فأجزاها عن أهلها، ثم انصرف عَن البلد [5] .
وحكى [أبو بكر] [6] الصولي أن الرشيد بايع في سنة ست وسبعين [ومائة]
[7] لابنه عبد الله بالعهد بعد الأمين، وسماه: المأمون، وولاه المشرق
كله، وكتب بينهما كتابا علقه في المسجد [8] الحرام.
وفيها [9] غزا الصائفة [عبد الرحمن] [10] بن عبد الملك، فافتتح حصنا
[11] .
وفيها: حج بالناس [12] سليمان بن المنصور [13] .
قال أبو بكر [14] الصولي: وفي هذه السنة حجت زبيدة فأمرت ببناء المصانع
[15] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «إلا بمدينة السلام بغداد في بيت المال» .
[3] «بغداد» ساقطة من ت.
[4] في الأصل: «فدعى» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 253، 254. البداية والنهاية 10/ 169. والكامل 5/
292.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «البيت الحرام» .
[9] في ت: «غزا الصائفة من هذه السنة» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] تاريخ الطبري 8/ 254. والبداية والنهاية 10/ 169.
[12] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[13] تاريخ الطبري 8/ 254.
[14] «أبو بكر» ساقطة من ت.
[15] تاريخ الطبري 8/ 254. والبداية والنهاية 10/ 169.
(9/20)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
949- إبراهيم بن صالح بن عبد الله بن عباس
[1] .
كان أمير مصر، حكى عنه ابن وَهْبِ، وتوفي في شعبان هذه السنة.
950- إبراهيم [بن علي] [2] بن سلمة بن علي بن هرمة، أبو إسحاق الفهري
المَدِيني
[3] .
/ شاعر مفلق، فصيح مسهب مجيد، أدرك دولة [4] الأمويين والهاشميين، وكان
10/ ب ممن اشتهر بالانقطاع للطالبيين.
أخبرنا أبو منصور القزاز، [أخبرنا الخطيب، أخبرنا الأزهري، أخبرنا أحمد
بن إبْرَاهِيم، أخبرنا] [5] إبراهيم بن عرفة قَالَ: تحول المنصور إلى
مدينة السلام، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم
وشعراءهم، فكان ممن وفد عليه إبراهيم بن هرمة، قَالَ: فلم يكن في
الدنيا خطبة أبغض إلي من خطبة تقربني منه، واجتمع الخطباء والشعراء من
كل مدينة، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب
حاجبه قائم يَقُولُ: يا أمير المؤمنين، هذا فلان الشاعر فيقول: أنشد،
حتى كنت آخر من بقي. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، هذا إبراهيم بن هرمة
[6] ، فسمعته يَقُولُ: لا مرحبا ولا أهلا، ولا أنعم الله بِهِ عيشا [7]
، فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، ذهبت
والله نفسي ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي [8]
فيه هلكت، فقال أبو الخصيب: أنشد. فأنشدته:
سرى ثوبه عنك الصبى المتخايل ... وقرب للبين الخليط المزايل
[9]
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 169.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] البداية والنهاية 10/ 169، 170. وتاريخ بغداد 6/ 127- 131.
[4] «دولة» ساقطة من ت.
[5] في الأصل، ت: «أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ
بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ إبراهيم بن عرفة» وما بين المعقوفتين من تاريخ
بغداد.
[6] «بن هرمة» ساقطة من ت.
[7] في تاريخ بغداد «عينا» .
[8] في الأصل: «تستدي» .
[9] في ت: «المنازل» .
(9/21)
حتى انتهيت إلى قولي:
فأما [1] الذي أمنته يأمن الردى ... وأما [2] الذي حاولت بالثكل ثاكل
/ فَقَالَ: يا غلام، ارفع عني الستر فرفع، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر، ثم
قَالَ: تمم القصيدة. فلما فرغت قَالَ: ادن. فدنوت، ثم قَالَ: اجلس،
فجلست، وبين يديه مخصرة فَقَالَ: يا إبراهيم، قد بلغني عنك أشياء
لولاها لفضلتك على نظرائك، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك [3] . فقلت: هذا
رَجُل فقيه عالم، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب عليَّ فقلت: يا أمير
المؤمنين، كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقرّ به.
فتناول المخصرة فضربني بها، فقلت:
أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك
[4] ثم ثنى [5] فضربني، فقلت:
أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثر البطان فيه والحقب
فَقَالَ: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، وألحقتك بنظرائك من طريح بن
إِسْمَاعِيل، ورؤبة بْن العَجَّاج ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك.
قُلْتُ: نعم، وأنت في حل [وسعة] [6] من دمي إن بلغك أمر تكرهه. قال ابن
هرمة: فأتيت المدينة. فأتاني رجل من الطالبيين، فسلم عليّ فقلت: تنح
عني لا تشيط بدمي [7] .
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد [بن علي] الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الحسن المخزومي، حدثنا أبو بكر
الصولي، حدثنا محمد بن زكريّا
__________
[1] في الأصل: «فأمّ» .
[2] في الأصل: «فأمّ» .
[3] في الأصل: «أعف عنها» .
[4] في ت: «في المبرك» .
[5] «ثم ثنى» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 6/ 128، 129.
(9/22)
الغلابي، عن أحمد بن عيسى [1] وذكر ابن
هرمة/ قَالَ- وكان متصلا بنا- وهو القائل فينا:
ومهما ألام على حبهم ... فإني أحب [2] بني فاطمة
بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدين والسنة القائمه
فلست أبالي بحبي لهم ... سواهم من النعم السائمه
فقيل له في دولة بني الْعَبَّاس: ألست القائل كذا. وأنشده هذه الأبيات،
فَقَالَ:
أعض اللَّه قائلها بهن أمه، فقال له من يثق بِهِ: ألست قائلها؟ قَالَ:
بلى [3] ، ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل [4] .
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا الخطيب قَالَ: [حدثنا أبو جعفر محمد بن
علان الوارق، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن حمَّاد قال: حدثنا هاشم بن
محمد بن هارون الخزاعي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ قريب] [5] ابن أخي الأصمعي، عن عمه قَالَ: قال لي رجل من
أهل الشّام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم [6] بن هرمة، فإذا بنية
له صغيرة تلعب بالطين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد إلى بعض
الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة. فقلت: انحري لنا ناقة، فإنا أضيافك.
قالت: والله ما عندنا ناقة. قُلْتُ: فشاة. قالت: والله ما عندنا.
قُلْتُ: فدجاجة، قالت: والله ما عندنا.
قُلْتُ: فأعطينا بيضة. قالت: والله ما عندنا. قتل: فباطل ما قال أبوك:
كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
__________
[1] في ت، الأصل: «أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب بإسناده عن أحمد بن
عيسى» وما أضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في ت: «أجبت» .
[3] «بلى» ساقطة من ت.
[4] تاريخ بغداد 6/ 129. 130.
[5] في الأصل، ت: «أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب بإسناده عن ابن أخي
الأصمعي» وما أضفناه من تاريخ بغداد.
[6] «إبراهيم» ساقطة من ت.
(9/23)
/ قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا
إلى أن ليس عندنا شيء [1] .
قال الأخفش: قال لنا ثعلب مرة: إن الأصمعي قال: ختم الشعر بإبراهيم [2]
بن هرمة، وهو آخر الحجج [3] .
951- الجراح بن مليح بن عَدِيّ، أبو وكيع
[4] .
ولد بالسند [5] ، حدث عَن أبي إسحاق السبيعي، والأعمش. وولي بيت المال
ببغداد في زمان الرشيد. وثقه يحيى بن معين، ويعقوب بن سُفْيان، وقَالَ
محمد بن سعد: كان ضعيفا في الحديث، قال الدارَقُطْنيُّ: ليس [بشيء] [6]
.
توفي في هذه السنة.
952- سعيد بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن جميل، أبو عبد الله
المَدِيني
[7] .
ولي القضاء ببغداد في عسكر المهدي، وزمن هارون [8] الرشيد، وولي سبع
عشرة سنة، وحدث عَن هشام بن عُرْوَة، وسهل بن أبي صالح. قال يحيى: هو
ثقة.
توفي ببغداد في هذه السنة.
953- صالح بن بشير، أبو بشر القارئ، المعروف بالمري
[9] .
من أهل البصرة، كان مملوكا لامرأة من بني مرة بن الحارث، حدّث عن
الحسن،
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 130، 131.
[2] «بإبراهيم» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 6/ 131.
[4] في الأصل: «بن وكيع» انظر: البداية والنهاية 10/ 170. وتهذيب
التهذيب 2/ 66- 68. وطبقات ابن سعد 6/ 308. والتاريخ الكبير 2/ 227.
وتاريخ بغداد 7/ 252.
[5] في الأصل: «بالشعل» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 9/ 67، 69.
[8] «هارون» ساقطة من ت.
[9] تاريخ بغداد 9/ 305.
(9/24)
وابن سيرين، وبكر بن عبد اللَّه، وثابت،
روى عَنْه: عفَّان، وغيره. وكان عبدا صالحا، كثير الخوف، شديد البكاء،
وكان يذكر ويعظ، فحضر مجلسه سفيان الثَّورِي فَقَالَ: هذا نذير قوم.
[قال المؤلف:] [1] وقد ضعفه بعض/ المحدثين، والذي نراه أنه كان يخلط
فيما يروي، ولا يتعمد الخطأ.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال أخبرنا
السُّكري] [2] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي
قال: حدثنا جعفر بن محمد [بن] الأزهر قال: حدّثنا [ابن] الغلابي قال:
حدثنا شيخ من الكتاب: أن صالحا المري [لما] [3] أرسل إليه المهدي، قدم
عَلَيْهِ، فلما دخل عليه ودنا بحماره من بساط المهدي أمر ابنيه- وهما
وليا عهده- مُوسَى وهارون، فَقَالَ: قوما فأنزلا عمكما. فلما أقبلا
إِلَيْهِ أقبل صالح على نفسه، فَقَالَ: يا صالح [لقد] [4] خبت وخسرت،
إن كنت إنما عملت لهذا اليوم [5] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن [علي] الخطيب [6] قَالَ: أخبرني
علي [ابن أيّوب قال] : [7] حدثنا محمد بن عمران بن موسى قَالَ: حدثنا
محمد بن أحمد الكاتب قَالَ: حدثنا الحسين بْن فهم قَالَ: حَدَّثَني أبو
همام قَالَ: حدثني أبو نعيم بن أعين قال: قال صالح المري: دخلت على
المهدي فقلت: يا أمير المؤمنين، احمل [8] للَّه ما أكلمك به اليوم، فإن
أولى الناس باللَّه أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له [قرابة]
[9] برسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم أن يرث أخلاقه، ويأتمّ
بهداه وقد ورثك الله من فهم العلم
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 9/ 305، 306.
[6] في ت: «أحمد بن علي» في الأصل: «أحمد بن الخطيب» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «استحمل» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/25)
ميراثًا قطع به عذرك، اعلم أن رسول الله
صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خصم من/ خالفه في أمته، ومن كان محمد خصمه
كان الله خصمه، فاعتد لمخاصمة اللَّه، ومخاصمة رسوله حججا تضمن لك
النجاة، أو استسلم للهلكة، واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه
إلى الله قربة، وإن أثبت النَّاسَ قدمًا يوم القيامة آخذهم بكتاب الله
وسنة نبيه صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فمثلك لا يكاثر بتجريد المعصية،
ولكن تتمثل لك الإساءة إحسانا [1] ، ويشهد لك [2] عليها خونة [3]
العلماء، وبهذه الحبالة [4] تصيدت الدنيا نظراءك، فأحسن الحلم [5] فقد
أحسنت إليك الأداء [6] قَالَ: فبكى المهدي.
قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوبا في دواوين
المهدي [7] .
954- عبد الملك [بن محمد] بن أبي بكر بن محمد بن عمر وبن حزم الأنصاري
[8] .
مديني قدم واليا على قضائها من قبل الهادي، وكان عالما بمذاهب أهل
المدينة، روى عَنْه: المفضل بن فَضَالة [وغيره] ، وتوفي [بالعراق] [9]
في هذه السنة.
955- الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم، أبو فضالة الحمصي التنوخي [من
أنفسهم]
[10] .
سكن بغداد، وكان على بيت المال بها في [أول] [11] خلافة الرشيد. حدّث
عن
__________
[1] في ت: «أحيانا» .
[2] «لك» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «حوبة» .
[4] في الأصل: «الحالة» .
[5] في تاريخ بغداد: «الحمل» .
[6] في الأصل: «الآراء» .
[7] تاريخ بغداد 9/ 306.
[8] في الأصل: «عبد الملك بن أبي بكر ... » . انظر ترجمته في: تاريخ
بغداد 10/ 408- 410.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 393- 397. والتاريخ الكبير 7/ 134.
والجرح والتعديل 7/ 86.
وطبقات ابن سعد 7/ 327، 469. وتهذيب التهذيب 8/ 260. والتقريب 2/ 108.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/26)
يحيى بن سعيد الْأنصَارِيّ، وهشام بن
عُرْوَة، وغيرهما. روى عَنْه: علي بن الْجَعْد وسريج [1] بن يونس.
وذكر رجل من ولده أنه ولد في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان في
غزوة [2] مَسْلَمةُ الطوانة جاء الخبر بولادته [يوم فتحت الطوانة،
فأعلم أبوه مسلمة] [3] فَقَالَ مَسْلَمةُ [4] : ما سميته؟ قَالَ: سميته
الفرج لما قرج الله/ عنا في هذا اليوم بالفتح. فقال مسلمة [لفضالة:]
[5] أصبت [6] وكان أصاب المسلمين على الطوانة شدة شديدة. وذلك في سنة
ثمان وثمانين [7] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد] قَالَ: أخبرنا أحمد [بْن علي بْن
ثابت] [8] الخطيب قَالَ: أخبرنا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد
العزيز قَالَ: حدثنا علي بن محمد بن الحسن القزويني قَالَ: سمعت بعض
أصحابنا يَقُولُ: أقبل المنصور يوما راكبا والفرج بن فضالة جالس عند
باب الذهب، فقام النَّاسَ، فدخل من الباب ولم يقم له الفرج فاستشاط
غضبا، ودعا بِهِ [9] فَقَالَ: ما منعك من القيام حين رأيتني؟ قَالَ:
خفت أن يسألني الله عنه لم فعلت، ويسألك لم رضيت، وقد كرهه رَسُولَ
اللَّهِ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فبكى المنصور وقربه
وقضى حوائجه [10] .
توفي الفرج فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ وسبعين،
وقد وثقه بعض المحدثين وضعفه بعضهم.
__________
[1] في الأصل: «هشام بن يونس» .
[2] في ت: «غزاة» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «سلمة» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل بعد ذلك: «وكان ذلك في سنة ثمان وثمانين» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 393.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «غيظا ودعي فقال» .
[10] تاريخ بغداد 12/ 394.
(9/27)
956- المسيب بن زهير بن عمرو، أبو مسلم
الضَّبُّي
[1] .
ولد في خلافة عمر بن عبد العزيز، وكان من رجالات الدولة العباسية، وولي
شرطة بغداد في أيام المنصور، والمهدي، والرشيد، وقد كان تولى خراسان
أيام المهدي، وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن ست وسبعين سنة.
957- الوضاح أبو عوانة، مولى يزيد بن عطاء الواسطي
[2] .
وقال البخاري: يزيد بن عطاء، ويزيد مولى [بني] [3] يشكر، وكان من سبي
جرجان، رأى الحَسَن، وابن سيرين، وسمع من محمد بن المنكدر، وقتادة،
ومنصور/ ابن المعتمر والأعمش، روى عَنْه: شُعْبَة، وابن عليه، وابن
مهدي، وكان أمينا ثبتا [ثقة] [4] صدوقا.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر] أحمد [بْن علي بْن
ثابت] [5] ، الخطيب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ:
حَدَّثَنَا محمد بن جعفر [6] بن أحمد بن الليث الواسطي قَالَ:
حَدَّثَنَا أسلم بن سهل قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن أبان قَالَ:
سمعت أَبِي يَقُولُ:
اشترى عطاء بن يزيد أبا عوانة ليكون مع أبيه يزيد، وكان لأبي عوانة
صديق قاصّ، وكان أبو عوانة يحسن إِلَيْهِ، فقال القاص: ما أدري بأي شيء
أكافئه، فكان بعد ذلك لا يجلس مجلسا إلا قال لمن حضره: أدعو الله لعطاء
البزار، فإنه أعتق أبا عَوَانَة. فكان قل مجلس إلا ذهب إلى عطاء من
يشكره، فلما كثر عليه ذلك أعتقه [7] .
توفي أبو عوانة في هذه السنة. وقيل: في سنة خمس، وله اثنتان وثلاثون
سنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 13/ 137.
[2] تاريخ بغداد 13/ 490- 495.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «حدثنا أحمد بن محمد بن جعفر» .
[7] تاريخ بغداد 13/ 491.
(9/28)
ثم دخلت سنة سبع
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
أن الرشيد عزل جعفر [1] بن يحيى عن مصر، وولاها إسحاق بن سُلَيْمَان.
وعزل حمزة بن مالك عَن خراسان وولاها الفضل بن يحيى إلى ما كان إليه من
الأعمال [2] .
وفيها: غزا الصائفة [3] عبد الرزاق بن عبد الحميد/ التغلبي [4] .
وكان في ليلة الأحد لأربع بقين من المحرم ظلمة وحمرة وريح، ثم كانت
ظلمة ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من المحرم، ثم كانت ريح وظلمة شديدة
يوم الجمعة لليلة خلت من صفر [5] .
وفيها: حج الرشيد بالناس [6] .
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
958- شريك بن عبد الله، أبو عبد الله النخعي الكوفي، القاضي
[7] .
أدرك عمر بن عبد الرَّحْمَن، وسمع أبا إِسْحَاق السبيعي، ومنصور بْن
المعتمر،
__________
[1] في الأصل: «عزل الرشيد جعفر ... » .
[2] تاريخ الطبري 8/ 255. والكامل 5/ 400، 301. والبداية والنهاية 10/
171.
[3] في ت: «غزا الصائفة فيها» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 255. والكامل 5/ 301.
[5] تاريخ الطبري 8/ 255. والكامل 5/ 301. والبداية والنهاية 10/ 171.
[6] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة الرشيد» .
[7] تاريخ بغداد 9/ 279- 295.
(9/29)
وعَبْد الملك بن عُمَيْر، وسماك بن حرب [1]
، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، والأعمش وخلقا كثيرًا. روى عَنْه:
ابن المبارك، ووكيع، وابن مهدي، وغيرهم. وهو من كبار العلماء الثقات،
إلّا أن قوما قدحوا في حفظه.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز، قَالَ: أخبرنا [أبو بكر أحمد بن علي] [2]
الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: أخبرنا
مُحَمَّد بن جعفر التميمي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الحسن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا وكيع قَالَ:
أخبرني إبراهيم بن عثمان قَالَ: حدثنا أبو خَالِد يزيد بن يحيى بن يزيد
قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: مر شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النَّخْعي
فجلس إِلَيْهِ فَقَالَ: أبا عبد اللَّه، من أدبك؟ قَالَ: أدبتني نفسي،
والله ولدت ببخارى فحملني ابن عم لنا حتى طرحني عند بني عم لي، فكنت
أجلس/ إلى معلم لهم فعلق بقلبي تعلم القرآن، فجئت إلى شيخهم فقلت: يا
عماه، الذي كنت تجريه علي هنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة وقومي،
ففعل، فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه وأشتري دفاتر وطروسا، فأكتب فيها
العلم والحديث، ثم طلبت الفقه فبلغت ما ترى فقال المستنير لولده: سمعتم
قول [ابن] [3] عمكم، وقد أكثرت عليكم في الأدب ولا أراكم تفلحون فيه،
فليؤدب كل رجل منكم نفسه، فمن أحسن فلها، ومن أساء فعليها [4] .
لما ولي القضاء اضطرب حفظه.
أخبرنا أبو منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ:
أخبرنا أبو الفرج محمد بن عُمَر الجصاص قَالَ: أخبرنا مُحَمَّد بن
أَحْمَد بن الحسن الصواف قَالَ: وجدت في كتابنا عن أبي الْعَبَّاس بن
مسروق ما يدل حاله على السماع. قَالَ: سمعت أبا كريب يَقُولُ:
سمعت يحيى بن يمان يَقُولُ: لما ولي شريك القضاء أكره على ذلك، وأقعد
معه جماعة من الشرطة يحفظونه، ثم طاب للشيخ [فقعد] [5] من نفسه، فبلغ
الثوري أنه قعد من
__________
[1] في الأصل: «بن الحارث» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 9/ 380.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/30)
نفسه، فجاء فتراءى لَهُ، فلما رأى الثوري
قام إليه فعظمه وأكرمه، ثم قَالَ: يا أبا عبد اللَّه، هل من حاجة؟
قَالَ: نعم مسألة. قَالَ: أو ليس عندك من العلم ما يجزيك؟
قَالَ: أحببت أن أذاكرك/ بها. قَالَ: قل. قَالَ: ما تقول في امرأة جاءت
فجلست على باب رَجُل، ففتح الرجل الباب واحتملها، ففجر بها [، لمن تحد
منهما؟] [1] فقال لَهُ:
دونها لأنها مغصوبة. قَالَ: فإنه لما كان من الغد جاءت فتزينت [وتبخرت]
[2] وجلست على ذلك الباب، ففتح الرجل الباب فرأها فاحتملها ففجر بها،
لمن تحد منهما؟ قَالَ:
أحدهما [3] جميعا، لأنها جاءت من نفسها، وقد عرفت الخبر بالأمس. قَالَ:
أنت كان عذرك [4] حيث كان الشرط يحفظونك، اليوم أي عذر لك؟ قَالَ: يا
أَبَا عبد الله، أكلمك. قَالَ: ما كَانَ الله ليراني [5] أكلمك أو
تتوب. قَالَ: فوثب فلم يكلمه حتى مات وكان إذا ذكره قَالَ: أي رجل كان
لو لم يفسدوه [6] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] [7] الخطيب
قَالَ: أخبرنا حمزة بن مُحَمَّد بن طاهر قَالَ: أخبرنا أحمد بن
إبْرَاهِيم قال: حدثنا البغوي قَالَ: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدّثنا
سليمان بن شيخ قال: حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم قَالَ: كان شريك
على قضاء الكوفة فخرج يلقى الخيزران، فبلغ شاهي [8] وأبطأت الخيزران،
فأقام ينتظرها ثلاثا ويبس خبزه، فجعل يبله بالماء ويأكله، فقال العلاء
بن المنهال:
فإن كان الذي قد قلت حقا ... بأن قد أكرهوك على القضاء
فما لك موضعا في كل يوم ... تلقى من يحج من النساء
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «هما جميعا» .
[4] في الأصل: «عذرك كان» .
[5] في ت: «ليراني وأنا» .
[6] تاريخ بغداد 9/ 286، 287.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] شاهي: موضع قرب القادسية.
(9/31)
/
مقيم في قرى شاهي ثلاثا ... بلا زاد سوى كسر وماء
[1] أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أبو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى
بْنُ زَكَرِيَّا قال: حدثنا محمد بن مزيد [2] الخزاعي قَالَ:
حَدَّثَنَا الزُّبَيْر قَالَ: حدثني عمي، عن عمر بن الهياج بن سَعِيد
قال: أتته امرأة يوما- يعني شريكا- وهو في مجلس الحَكَم، فقالت: إنا
باللَّه ثم بالقاضي، امرأة من ولد جرير بن عبد الله صاحب النَّبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ. ورددت الكلام فَقَالَ: إيها عنك الآن
من ظلمك؟
فقالت: الأمير موسى بن عيسى، كَانَ لي بستان على شاطئ الفرات، لي فيه
نخل ورثته عن آبائي، فقاسمت أخوتي وبنيت بيني وبينهم حائطا، وجعلت فيه
فارسيا في بيت يحفظ النخل، ويقوم ببستاني، فاشترى الأمير موسى بن عيسى
من أخوتي جميعا، وساومني وأرغبني فلم أبعه، فلما كان في هذه الليلة بعث
بخمسمائة فاعل فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعرف من نخلي شيئا، واختلط
بنخل أخوتي، فَقَالَ: يا غلام طينه بختم، ثم قال لها: امضي إلى بابه
[3] حتى يحضر معك. فجاءت المرأة بالطينة فأخذها الحاجب ودخل بها إلى
مُوسَى/ فَقَالَ: أعدى شريك عليك، فَقَالَ: ادع لي صاحب الشرط. فدعا
بِهِ، فَقَالَ: امض إلى شَرِيك، فقل يا سبحان الله، ما رأيت أعجب من
أمرك امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها عليّ! قَالَ: يقول [4] له صاحب
الشرط، إن رأى الأمير أن يعفيني فليفعل، فَقَالَ: امض ويلك. فخرج فأمر
غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغيره من آلة الحبس، فلما جاء وقف
بين يدي شَرِيك فأدى الرسالة؟
قَالَ: خذ بيده فضعه [5] في الحبس. قال: قد عرفت والله إنك [6] تفعل بي
هذا، فقدمت ما يصلحني إلى الحبس، وبلغ مُوسَى بن عيسى الخبر، فوجه
الحاجب إِلَيْهِ فَقَالَ: هذا رسول، أي شيء عَلَيْهِ؟ فلما وقف بين
يديه وأدى الرسالة قال: ألحقه بصاحبه فحبس.
__________
[1] تاريخ بغداد 9/ 285.
[2] في ت: «بن يزيد» .
[3] في الأصل: «بابك» .
[4] في الأصل: «قال» .
[5] في ت: «فوضعه» .
[6] في ت: «قد والله عرفت بأنك» .
(9/32)
فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن
الصباح الأشعثي وجماعة من وجوه الكوفة من أصدقاء شَرِيك. فَقَالَ:
امضوا إليه وأبلغوه سلامي [1] ، وأعلموه أنه قد استخف بي وإني لست
كالعامة، فمضوا وهو جالس في مسجده بعد العصر، فدخلوا عليه فأبلغوه
الرسالة، فلما انقضى كلامهم قال [لهم:] [2] ما لي لا أراكم جئتم في
غيره من الناس فكلمتموني؟ من ها هنا من فتيان الحي؟ فليأخذ كل واحد
منكم بيد رَجُل، فيذهب به إلى الحبس لا ينم والله إلّا فيه. قالوا:
أجاد أنت؟ قَالَ: حقا حتى لا تعودوا برسالة ظالم.
فحبسهم فركب موسى بن عيسى فِي الليل إلى باب/ الحبس، فأطلقهم [3]
جميعا.
فلما كان من الغد وجلس شريك للقضاء، جاء السجان فأخبره فدعا بالقمطر
فختمه، ووجه به إلى منزله، ثم قَالَ لغلامه ألحقني بثقلي إلى بغداد، فو
الله ما طلبنا هذا الأمر منهم، ولكن أكرهونا عَلَيْهِ، ولقد ضمنوا لنا
الإعزاز فيه إذ [قد] [4] تقلدناه لهم، ومضى نحو قنطرة الكوفة إلى
بغداد.
وبلغ موسى بن عيسى الخبر، فركب في موكبه فلحقه وجعل يناشده اللَّه
ويقول:
يا أبا عَبْد اللَّه تثبت، انظر إخوانك تحبسهم دع أعواني. قَالَ: نعم
لأنهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه، ولست ببارح أو يردوا
جميعا إلى الحبس وإلا مضيت إلى أمير [5] المؤمنين فاستعفيته مما قلدني.
فأمر بردهم جميعا إلى الحبس، وهو والله [6] واقف مكانه حتى جاءه السجان
فقال لَهُ: قد رجعوا إلى الحبس. فَقَالَ لأعوانه: خذوا بلجامه، فردوه
بين يدي إلى مجلس الحَكَم فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد وجلس مجلس
القضاء، ثم قَالَ: علي بالجويرية المتظلمة [من هذا] [7] فجاءت فَقَالَ:
هذا خصمك قد حضر، وهو جالس معها بين يديه، فقال: أولئك يخرجون من الحبس
__________
[1] في ت: «السلام» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت، وتاريخ بغداد: «ففتح الباب وأخرجهم» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ألق أمير المؤمنين» .
[6] «والله» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/33)
قبل كل شيء. قال: أما الآن فنعم، أخرجوهم.
ثم قال لَهُ: / ما تقول فيما تدعيه هذه [المرأة؟] [1] قَالَ: صدقت.
قَالَ: فرد جميع ما أخذ منها وتبني حائطها في وقت واحد سريعا كما هدم.
قَالَ: أفعل. قَالَ: بقي لك شيء. قَالَ: تقول المرأة بيت الفارسي
ومتاعه. قَالَ: يقول موسى بن عيسى: ونرد ذلك [جميعه] [2] ، بقي لك شيء
تدعينه؟
قالت: لا، وجزاك الله خيرا. قَالَ: قومي، ثم وثب من مجلسه، فأخذ بيد
موسى بن عيسى، فأجلسه في مجلسه، ثم قَالَ: السلام عليك أيها الأمير
تأمر بشيء؟ قَالَ: أي شيء آمر؟! وضحك [3] .
أخبرنا القزاز قال أخبرنا [أحمد بن علي] [4] الخطيب قَالَ: أخبرنا
العتيقي قَالَ:
أخبرنا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس قَالَ: حدثنا محمد بن خلف قَالَ: أخبرني
أحمد بن عثمان بن حكيم قَالَ: أخبرني أَبِي قَالَ: كان شريك القاضي لا
يجلس حتى يتغدى ثم يأتي المسجد فيصلي ركعتين، ثم يخرج رقعة من قمطرة
فينظر فيها، ثم يدعو بالخصوم، وإنما كان يقدمهم الأول فالأول، فقيل
لابن شَرِيك: نحب أن نعلم ما في هذه الرقعة؟
فنظر فيها ثم أخرجها إلينا، فإذا فيها: يا شريك بْن عبد اللَّه [اذكر
الصراط وحدته، يا شريك بن عبد اللَّه] [5] اذكر الموقف بين يدي الله
تعالى [6] .
توفي شريك بالكوفة يوم السبت غرة ذي القعدة من هذه السنة رحمه الله
تعالى [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 9/ 290، 291.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 9/ 293، 294.
[7] «رحمه الله تعالى» ساقطة من ت.
(9/34)
ثم دخلت سنة ثمان
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
/ وثوب الحوفية بمصر بعامل الرشيد عليهم إسحاق بن سُلَيْمَان، وقتالهم
إياه وتوجيه الرشيد إليه هرثمة بن أعين في عدة من القواد [مددا له] [1]
حتى أذعن أهل الحوف، ودخلوا في الطاعة، وأدوا [2] ما كان عليهم من
وظائف السلطان، وكان هرثمة إذ ذاك والي فلسطين، فلما انقضى أمر الحوفية
صرف هارون إسحاق عن مصر، وولاها هرثمة نحوا من شهر، ثم صرفه عنها
وولاها عبد الملك بن صالح [3] .
وفيها: كان وثوب أهل إفريقية بعبدويه الأنباري ومن معه من الجند هنالك،
فقتلوا الفضل بن روح بن حاتم، وأخرج من كان بها من آل المهلب، فوجه
الرشيد إليهم هرثمة فرجعوا إلى الطاعة، وكان عبدويه قد غلب على
إفريقية، وخلع السلطان فتلطف الأمير يحيى بن خالد، وكاتبه بالترغيب في
الطاعة [والترهيب والتجريد للمعصية] [4] فقبل الأمان، وعاد إلى الطاعة،
فولي له يحيى [5] .
وفيها: فوض [6] الرشيد أموره إلى يحيى بن خالد بن [7] برمك [8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «وأدوا» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171. والكامل 5/ 302.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171.
[6] في ت: «وفي هذه السنة فوّض» .
[7] «خالد بن» ساقطة من ت.
[8] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171. وتاريخ الموصل ص
280. والكامل 5/ 304.
(9/35)
وفيها: خرج الوليد بن طريق الشاري بالجزيرة
فقتل إبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين، ثم مضى إلى إرمينية [1] .
وفي هذه السنة [2] : شخص الفضل بن يحيى إلى/ خراسان واليا عليها، فأحسن
السّيرة بها، وبنى المساجد والرباطات، وغزا ما وراء النهر، واتخذ
بخراسان جندا من العجم يبلغ عددهم خمس مائة ألف، وسماهم العباسية، وقدم
بغداد منهم عشرون ألفا فسموا [3] ببغداد الكرنبية [4] .
وفيها [5] : غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم، وغزا الشاتية سليمان
بن راشد [6] .
وفيها: حج بالناس [7] محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي، وهو إذ ذاك
العامل على [8] مكة [9] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
959- عبد الملك بن محمد بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو
بن حزم، أبو طاهر الأنصاري الْمَدَنِيّ
[10] .
قدم بغداد [11] فحدث بها، وروى عنه: سريج [12] بن النُّعْمان وكان ثقة
جليلا، من
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 256. والبداية والنهاية 10/ 171، 172. والكامل 5/
302- 304.
[2] في ت: «وفيها» .
[3] في ت: «فسموه» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 257. والكامل 5/ 304، 305. والبداية والنهاية 10/
173.
[5] «وفيها» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 260. والكامل 5/ 304.
[7] في ت: «وحج فيها» .
[8] «وهو إذ ذاك العامل على» ساقطة من ت.
[9] تاريخ الطبري 8/ 260. وتاريخ الموصل ص 281. والبداية والنهاية 10/
173.
[10] تاريخ بغداد 10/ 408- 410.
[11] «بغداد» ساقطة من ت.
[12] في ت: «شريح»
(9/36)
أهل العلم والسّنَّة [1] والحديث، وولاه
الرشيد القضاء بالجانب الشرقي من بغداد، فمكث أياما ثم مات، فصلى عليه
هارون ودفنه [2] في مقبرة العباسة بنت المهدي، وقيل: توفي [في] سنة ست
وسبعين [ومائة] [3] .
960- عبثر بن القاسم، أبو زبيد الكوفي
[4] .
سَمِعَ أبا إسحاق الشيباني، وسليمان التَّيْمي، والأعمش، والثَّورِي،
روى عن قتيبة، وكان ثقة صدوقًا [5] توفي في هذه السنة.
__________
[1] في ت: «والسير»
[2] في ت: «ثم دفنه» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 12/ 310، 312. والجرح والتعديل 7/ 43. وطبقات ابن سعد
6/ 382. وتهذيب التهذيب 5/ 136. والتقريب 1/ 400.
[5] «صدوقا» ساقطة من ت.
(9/37)
ثم دخلت سنة تسع
وسبعين ومائة
فمن الحوادث فيها:
انصراف الفضل بن يحيى عن خراسان، واستخلافه عليها عمرو بن شُرَحْبيل
[1] .
وفيها: ولى الرشيد خراسان منصور بن يزيد بن منصور الحمْيَرِي، وعزل
محمد بن خالد بْن برمك عن الحجبة، وولاها الفضل بن الربيع [2] .
وفيها: خرج بخراسان حمزة بن أترك السجستاني [3] .
وفيها: رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة، واشتدت شوكته، وكثر
تبعه، فوجه الرشيد إليه يزيد بن مزيد بن زائدة [4] الشيباني، فراوغه
يزيد، ولقيه على غرة فقتله وجماعة [ممن] معه [5] وتفرق الباقون [6] .
واعتمر الرشيد في هذه السنة في رمضان شكرا للَّه تعالى على ما أنعم به
عليه في
__________
[1] في الأصل، ت: «عمرو بن جبل» .
وفي ابن كثير: «عمرو بن جميل» .
وما أثبتناه من الطبري.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 261. والبداية والنهاية 10/ 173. والكامل 5/
306.
[2] تاريخ الطبري 8/ 271. والكامل 5/ 306. والبداية والنهاية 10/ 173.
[3] تاريخ الطبري 8/ 261. والكامل 5/ 436. والبداية والنهاية 10/ 173.
[4] «بن زائدة» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ الطبري 8/ 261. والبداية والنهاية 10/ 173. وتاريخ الموصل ص
281، 282.
(9/38)
الوليد بن طريف، فلما قضى عمرته انصرف إلى
المدينة، فأقام بها إلى وقت الحج، ثم حج بالناس، فمضى من مكة إلى منى،
ثم إلى عرفات وشهد مشاهدها [1] والمشاعر ماشيا، ثم انصرف على طريق
البصرة [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
961-/ إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة، أبو هاشم الحمْيَرِي
[3] .
يلقب: السيد، كان شاعرا مجيدا، لكنه أفرط في سب الصحابة، وقذف أزواج
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول بإمامة محمد بن الحنفية،
ويقول: إنه مقيم بجبل رضوى، وإنه لم يمت.
ومن شعره [4] في ذَلِكَ:
ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما
أضر بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك فيهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت لنا أرض عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
هدانا الله إذ حرتم لأمر ... به وارثه [5] يلتمس التماما
/ تمام مودة [6] المهدي حتى/ ... تروا آياتنا تترى نظاما
وكان الحميري يشرب الخمر، ويقول بالرجعة، فقال لرجل [7] : تعطيني
دينارا
__________
[1] في ت: «المشاهد» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 2261. والبداية والنهاية 10/ 173. والكامل 5/ 306.
وتاريخ الموصل ص 282، 283.
[3] البداية والنهاية 10/ 173، 174.
[4] في ت: «وقال في ذلك» .
[5] في ت: «ولديه»
[6] في ت: «إمامة» .
[7] في الأصل: «وقال له رجل» والتصحيح من ت.
(9/39)
بمائة دينار [1] إلى الرجعة؟ فَقَالَ: نعم،
إن وثقت لي بمن يضمن لي أنك ترجع إنسانا، إنما أخشى أن ترجع كلبا أو
خنزيرا فيذهب مالي [2] .
قال الأصمعي لما سمع شعره: قاتله الله، ما أطبعه وأسلكه طريق الشعراء،
والله لولا ما في شعره من سب السلف ما قدمت عليه من طبقته أحدا [3] .
وذكر القاضي أبو بكر محمد بن الطيب قَالَ: كان السيد الحميري [4] يزعم
أن جهنم بحضرموت وبوادي برهوت.
وقال في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يصف عداءهما عنده:
أمست عظامهما بطيبة للبلى ... وبحضرموت شرها روحاهما
وقال في ذم سيدتنا [5] عائشة رضي الله عنها:
أعائش إنك في المحدثات ... وفي المحدثين بوادي اليمن
ببرهوت تسقين من مائها ... شرابا كريها شديد الأسن
قَالَ: وكان شديد اللهج بسب سيدتنا عائشة وسيدتنا حفصة رضي الله عنهما،
وقال في ذَلِكَ [6] :
جاءت مع الأشقين في هودج ... تزجي إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها حية ... ، تريد أن تأكل أولادها
قَالَ: وكان يقصد قذف حرم رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
بالعظائم.
ذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه قال- يعني [في-] [7] عائشة وحفصة:
أحداهما نمت عليه حديثه ... وبغت عليه بغية إحداهما
__________
[1] «دينار» ساقطة من ت.
[2] البداية والنهاية 10/ 173، 174.
[3] البداية والنهاية 10/ 174.
[4] «الحميري» ساقطة من ت.
[5] «سيدتنا» ساقطة من ت.
[6] في ت: «بسب عائشة وحفصة فقال:» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/40)
فهما اللتان سمعت رب محمد ... في الذكر قص
على العباد نباهما
[قال المصنف] [1] : وإنما يذكر العلماء ذَلِكَ [2] لتعرف هذا اللعين
وغوره في الكفر.
واختلفوا أين مات لعنه الله، فقيل: بواسط، أخذه كرب [3] فجلس قبل موته
فَقَالَ: اللَّهمّ هذا كان جزائي لحب [4] آل مُحَمَّد، فمات فلم يدفنوه
لكفره وسبه الصحابة رضي الله عنهم.
وقيل: بل توفي ببغداد، واسود وجهه قبل موته، فأفاق من سكرته وفتح عينيه
وقَالَ: يا أمير المؤمنين، تفعل هذا لوليك؟ قالها ثلاث مرات/ ومات،
فدفن بالحديثة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد.
962- حماد بن زيد بن إبراهيم، أبو إسماعيل
[5] .
كان من كبار العلماء وسادات الفقهاء، أسند عن خلق كثير من التابعين.
وتوفي في رمضان هذه السنة وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
قال ابن مهدي: ما رأيت أعرف بالسنة منه.
وقال يزيد بن زريع يوم موته: مات سيد المسلمين.
963- خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن، أبو الهَيْثَمُ. وقيل: أبو أحمد
الطحان، مولى مُزَيْنَة
[6] .
من أهل واسط، ولد سنة عشر ومائة، وسمع يونس بن عبيد، وابن عون،
وغيرهما. روى عنه: وكيع، وابن مهدي، وعفان بن مسدد، وكان ثقة صالحا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «مثل هذا» .
[3] «كرب» ساقطة من ت.
[4] في ت: «في حب» .
[5] طبقات ابن سعد 7/ 286. والتاريخ الكبير 3/ 25. والبداية والنهاية
10/ 74.
[6] طبقات ابن سعد 7/ 313. والجرح والتعديل 3/ 340. وتهذيب التهذيب 3/
100. والتقريب 1/ 215. والمعرفة والتاريخ 1/ 171. وتاريخ بغداد 8/ 294.
(9/41)
قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل من
خَالِد. قِيلَ: قد رأيت سُفْيان فَقَالَ:
كان سفيان [1] رَجُل نفسه، وكان خالد رجل عامة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ على بْن ثابت
قَالَ: حَدَّثَنَا أبو نُعَيم الحافظ قَالَ: سمعت الطبراني يَقُولُ:
سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يَقُولُ:
قال أَبِي: كَانَ خالد بن عبد الله/ الواسطي من أفاضل المسلمين اشترى
نفسه من الله أربع مرات فتصدق بوزن نفسه فضة أربع مرات [2] .
توفي في رجب هذه السنة، وقيل: في سنة اثنتين وثمانين رحمه الله تعالى
[3] .
964- الإمام مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن الحارث بن غيمان- بالغين
المعجمة بعدها ياء مثناة من تحتها- بن جثيل- بالجيم بعدها ثاء مثلثة-
بن عمرو بن الحارث [4] ، وهُوَ ذو أصبح.
حمل بمالك ثلاث سنين، وكان طوالا عظيم الهامة، أصلع شديد البياض إلى
الشقرة، أبيض الرأس واللحية.
رأى خلقا من التابعين، وروى عَنْهُمْ، وكان ثقة حجة، يلبس الثياب
العدنية الجياد، وكان نقش خاتمه «حسبي الله ونعم الوكيل» فقيل لَهُ: لم
نقشت هذا؟ فَقَالَ:
سمعت الله يقول عقب هذه الآية فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ 3: 174 [5] وكان إذا دخل بيته فأدخل
رجله قَالَ: ما شاء الله، وقَالَ: سمعت الله يقول: وَلَوْلا إِذْ
دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ الله 18: 39 [6]
__________
[1] في الأصل: «سفيان كان» .
[2] تاريخ بغداد 8/ 294، 295.
[3] «رحمه الله تعالى» ساقطة من ت.
[4] تهذيب التهذيب 10/ 5. وصفة الصفوة 2/ 99. وحلية الأولياء 6/ 316.
والديباج المذهب 17/ 30.
ووفيات الأعيان 1/ 439. وتاريخ الخميس 2/ 332. واللباب 3/ 86. والبداية
والنهاية 10/ 174.
والكامل 5/ 306، 307. وتاريخ الموصل ص 284. وطبقات ابن سعد ترجمة رقم
372 (الجزء المتمم) .
[5] سورة: آل عمران، الآية: 174.
[6] سورة: الكهف، الآية: 39. والخبر في طبقات ابن سعد ص 437 الجزء
المتمم.
(9/42)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سهل بن سعدويه قَالَ: أَخْبَرَنَا/ أَبُو الْفَضْلِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضِل القرشي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن
مردويه قَالَ: حدثنا سليمان بن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا مسعدة بن
أسعد العطار قَالَ: حدثنا إبراهيم بن المنذر قَالَ: سمعت معن بن عيسى
يَقُولُ: كَانَ مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم اغتسل وتبخر وتطيب، فإذا رفع أحد صوته عنده
قَالَ: اغضض من صوتك فإن الله عز وجل يَقُولُ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ 49: 2
[1] فمن رفع صوته عند حديث النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ
فكأنما [2] رفع صوته فوق صوت رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
أخبرنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم [3] ، أَخْبَرَنَا حمد بْن أحمد
الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا محمد بن علي بن عاصم قَالَ:
سمعت الفضل بن محمد الجندي يَقُولُ: سمعت أبا مصعب يَقُولُ: سمعت مالك
بن أنس يَقُولُ: ما أفتيت/ حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي [بْنِ سُلَيْمَان قَالَ:] [4] أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قال:
أخبرنا أبو نُعَيم الأصفهاني [الحافظ قَالَ:] [5] حدثنا أبو محمد بن
حيَّان قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد بن عَمْرو قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد
بن عَبْد اللَّهِ بن كليب قَالَ: حدثني أبو طالب، عن أبي عُبَيْدة
قَالَ: سمعت ابن مهدي يَقُولُ: سأل رجل مالكا عن مسألة فَقَالَ:
لا أحسنها. فقال الرجل: إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها. فقال
له مالك [ابن أنس] (ع) : [6] إذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم إني قد
قُلْتُ لك لا أحسنها.
أخبرنا زاهر بن طاهر قَالَ: أخبرنا أَبُو بكر أَحْمَد بْن الحسين
البيهقي قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] [7] الحاكم
قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن يحيى
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 2.
[2] في ت: «فقد رفع» .
[3] هذا الخبر جاء في النسخة ت قبل الخبر السابق.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/43)
العلوي قَالَ: حدثنا أبو علي الغطريف [1]
قَالَ: حدثنا أبو إسماعيل التِّرْمِذِيّ [2] ، حدثنا نعيم بْن حمَّاد
قَالَ: سمعت ابن المبارك يَقُولُ: ما رأيت رجلا ارتفع مثل مالك بن أنس
من رجل ليس لَهُ كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة عند الله
[3] . / أخبرنا محمد بن عبد الباقي قَالَ: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا
ابن حيوية قال:
أخبرنا أبو أيوب الجلاب، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر قَالَ:
لما دعي مالك وسور وسمع منه شنف الناس له وحسدوه، فلما ولي جعفر بْن
سُلَيْمَان المدينة سعوا به إِلَيْهِ، وقالوا: إنه لا يرى أيمان بيعتكم
بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت عن الأحنف، في طلاق المكره أنه لا
يجوز، فغضب جعفر بن سُلَيْمَان [4] ، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رقي
إِلَيْهِ، ثم جرده ومده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلع كتفاه،
وارتكب منه أمر عظيم، فو الله ما زال بمالك بعد ذلك من رفعة عند الناس،
وكأنما [كانت] [5] تلك السياط حليا حلي بها [6] .
وكان يشهد الصلوات والجنائز والجمعة [7] ، ويعود المرضى، ويجلس في
المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي ثم
ينصرف وترك شهود الجنائز، وكان يأتي أهلها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله فلم
يكن يشهد الصلوات في مسجد ولا الجمعة، ولا يأتي أحدا يعزيه، واحتمل
الناس له ذلك، / ومات على ذَلِكَ وربما كلم في ذَلِكَ فيقول: ليس كل
الناس يقدر يتكلم بعذره [8] .
__________
[1] في الأصل: «العطوف» .
[2] في الأصل: «اليزيدي» .
[3] «عند الله» ساقطة من ت.
[4] «سليمان» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «يحلى بها» .
[7] في ت وابن سعد: «الجمعة والجنائز» .
[8] طبقات ابن سعد ص 441- 443 الجزء المتمم. ونقله ابن خلكان في وفيات
الأعيان 4/ 136. والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 310.
(9/44)
ومنذ خرج مُحَمَّد بن [عَبْد اللَّهِ بن]
[1] حسن بالمدينة لزم مالك بيته فلم يخرج حتى قتل مُحَمَّد، وكان يجلس
في منزله على ضجاع لَهُ ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن
يأتيه من قريش والأنصار، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان نبيلا مهيبا
لا يستفهم هيبة [2] .
قال محمد بن سعد: وحدثنا ابن أبي أويس قَالَ اشتكى مالك أياما يسيرة
[3] ، فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت، فَقَالَ: تشهد ثم قَالَ:
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمن بَعْدُ 30: 4 [4] .
وتوفي في صبيحة أربعة عشر من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة، في
خلافة هارون، وصلى عليه والي المدينة عبد الله بن محمد بن إبْرَاهِيم،
ودفن بالبقيع وهو ابْن خمس وثمانين سنة، وقيل: تُوُفِّيَ فِي صفر من
هذه السنة رضي الله عَنْه [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] طبقات ابن سعد ص 442، 443 الجزء المتمم.
[3] «يسيره» ساقطة من ت.
[4] سورة: الروم، الآية: 4.
[5] «من هذه السنة رضي الله عنه» ساقطة من ت.
(9/45)
ثم دخلت سنة ثمانين
ومائة
فمن الحوادث فيها:
عود الفتنة بالشام، فاقتتل أهلها، وتفاقم الأمر، فاغتم بذلك الرشيد [1]
، وعقد لجعفر بْن يحيى على الشّام، وقال لَهُ: إما أن تخرج أنت أو
أنَا. فقال له جعفر: بل أقيك [2] بنفسي. فشخص [3] في جلة القواد
والكراع والسلاح، وأتاهم فأصلح بينهم، وقتل المناصفية منهم ولم يدع بها
رمحا ولا فرسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وانطفأت/ تلك الثائرة،
وولى جعفر بن يحيى صالح بن سليمان البلقاء وما يليها، واستخلف على
الشام عيسى بن العتكي، وانصرف فازداد الرشيد له إكراما، فلما قدم دخل
على الرشيد فقبل يديه ورجليه، وقال: الحمد للَّه الَّذِي آنس وحشتي
وأنسأ في أجلي حتى أراني وجه سيدي وأكرمني بقربه، وردني إلى خدمته، فو
الله إن كنت لأذكر غيبتي، والمقادير التي أزعجتني، فأعلم أنها كانت
بمعاص لحقتني، ولو طال مقامي لخفت أن يذهب عقلي إشفاقا على قربك وأسفا
على فراقك [4] .
وفي هذه السنة: كانت زلزلة بمصر ونواحيها، وسقطت رأس منارة الاسكندرية
فيها [5] .
__________
[1] في ت: «الرشيد بذلك» .
[2] في الأصل: «أفدك» .
[3] في الأصل: «فشخصي» . والتصحيح من: ت.
[4] تاريخ الطبري 8/ 263، 264. والبداية والنهاية 10/ 175. والكامل 5/
310.
[5] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311. والبداية والنهاية 10/ 175.
(9/46)
وفيها: أخذ الرشيد من جعفر بن يحيى الخاتم،
فدفعه إلى أبيه يحيى بن خَالِد [1] .
وفيها: ولى جعفر بن يحيى خراسان وسجستان، فاستعمل جعفر عليها محمد بن
الحسن بن عطية [2] .
وفيها: شخص الرشيد من مدينة السلام يريد الرقة على طريق الموصل، فلما
نزل البردان، ولّى عيسى بن جعفر خراسان، وعزل عنها جعفر بن يحيى، وكانت
ولاية جعفر إياها [3] عشرين ليلة [4] .
وفيها: ولى جعفر بن يحيى الحرس [5] .
وفيها: هدم الرشيد سور الموصل بسبب الخوارج الذين خرجوا منها، ثم مضى
إلى الرقة فنزلها، فاتخذها/ وطنا [6] .
وفيها: عزل هرثمة بن أعين عن إفريقية وأقفله إلى مدينة السلام فاستخلف
جعفر بْن يحيى على الحرس [7] .
وفيها: خرجت خراشة الشيباني وشري بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار بن مسلم
العقيلي [8] .
وفيها: خرجت المحمرة بجرجان، وكتب علي بن موسى بن هامان أن الذي يهيج
ذلك عليه عَمْرو بن محمد العمركي، وأنَّه زنديق، فأمر الرشيد بقتله،
فقتل بمرو [9] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 265. والكامل 5/ 310.
[2] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 310. والبداية والنهاية 10/ 175.
[3] في الأصل: «عليها» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 266. وتاريخ الموصل ص 284- 289.
[5] تاريخ الطبري 8/ 266. والبداية والنهاية 10/ 175. والكامل 5/ 310.
[6] تاريخ الطبري 8/ 866. والكامل 5/ 310.
[7] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311. والبداية والنهاية 10/ 175.
[8] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311. والبداية والنهاية 10/ 175.
[9] تاريخ الطبري 8/ 266. والبداية والنهاية 10/ 175.
(9/47)
وفيها: عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن
طبرستان والرويان، وولى ذلك عبد الله بن حازم. وعزل الفضل أيضا عن
الري، ووليها محمد بن يحيى بن الحارث، وولى سعيد بن مسلم الجزيرة [1] .
وفيها [2] : غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم [3] .
وفيها: قدم الرشيد من مكة إلى البصرة في المحرم فنزل المحمدية أياما،
ثم تحول منها إلى قصر عيسى بالحربية، وشخص عن البصرة لاثنتي عشرة ليلة
بقيت من المحرم، فقدم بغداد، ثم شخص [منها] [4] إلى الحيرة فسكنها،
وابتنى بها المنازل، وأقطع من معه الخطط، وأقام بها نحوا من أربعين
يوما، فوثب أهل الكوفة وأساءوا مجاورته، فارتحل إلى مدينة السلام، ثم
شخص إلى الرقة، فاستخلف ببغداد الأمين، وولاه العراق [5] .
وحج بالناس في هذه السنة: موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي/ [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
965- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير [7] ، أبو إبراهيم الأنصاري
[8] .
مولى بني زريق، قارئ مدينة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، سَمِعَ عبد الله بن دينار، وشريك بن عبد الله، ومالك بن
أنس، وغيرهم. وكان ثقة مأمونا. فأقام ببغداد يؤدب علي بن المهدي إلى أن
توفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311.
[2] «وفيها» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 266. والكامل 5/ 311 والبداية والنهاية 10/ 175.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 266، 267.
[6] تاريخ الطبري 8/ 267. وتاريخ الموصل ص 290. والبداية والنهاية 10/
175. والكامل 5/ 311.
[7] في الأصل: «إسماعيل بن أبي بكر بن أبي كثير» .
[8] تاريخ بغداد 6/ 218- 221. والبداية والنهاية 10/ 175.
(9/48)
966- علي بن المهدي [1] ، أبو محمد
الهاشمي، وأمه ريطة بنت أبي العباس
[2] .
تولى أمور الحج وإمارة الموسم غير مرة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، أنبأنا إبراهيم بن
مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قَالَ: توفي أبو محمد علي ابن
أمير المؤمنين [3] المهدي في المحرم من سنة ثمانين ومائة في بستانه
بعيساباذ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، لأن مولده بالري سنة سبع وأربعين
ومائة [4] وهو أسن من أخيه الرشيد بشهور.
967- حسان بن سنان بن أوفى بن عوف، أبو العلاء التنوخي الأنباري
[5] .
ولد سنة ستين من الهجرة على النصرانية، وكانت دينه ودين آبائه ثم أسلم،
وحسن إسلامه/، وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية، ولحق
الدولتين، فلما قلد السفاح ربيعة الرأي القضاء بالأنبار أتى مكتوب
بالفارسية، فلم يحسن أن يقرأه، فطلب رجلا ثقة دينا يحسن قراءته، فدل
على حسان فجاء بِهِ، فكان يقرأ له الكتب بالفارسية، فلما اختبره ورضي
مذاهبه استكتبه، وكان جد إسحاق البهلول، وسمع أنس بن مالك، ودعا لَهُ،
فخرج من أولاده جماعة: فقهاء، وقضاة، ورؤساء، وصلحاء، وكتاب، وزهاد.
وروى عنه: ابن أبي إسحاق.
وتوفي فِي هذه السنة، وهو ابن مائة وعشرين سنة.
968- سلمة بن صالح، أبو إسحاق الجعفي الأحمر الكوفي
[6] .
حدث عَن أبي إسحاق، وحماد بن أبي سُلَيْمَان. روى عنه: أحمد بن منيع،
وكان قد ولي القضاء بواسط في زمن الرشيد ثم عزل وقدم بغداد فأقام بها
إلى أن مات.
__________
[1] في الأصل: «عيسى بن المهدي» .
[2] تاريخ بغداد 12/ 54.
[3] «أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[4] «لأن مولده ... ومائة» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 8/ 258- 260.
[6] تاريخ بغداد 9/ 130- 134.
(9/49)
وكان سبب عزله عن واسط: أن هشيم بن بشير
تقدم مع خصم له إليه، فكلم الخصم هشيما بكلمة، فرفع هشيم يده، فلطم
الخصم، فأمر سلمة بهشيم فضرب عشر درر وقَالَ: تتعدى على خصمك بحضرتي؟
فأغضب ذلك مشيخة واسط، فخرجوا إلى الرشيد/، فلقوه بمكة يطوف، فكلموه في
سلمة وقالوا: لسنا نطعن عَلَيْهِ، ولكن رجل موضع رَجُل. فأمر بعزله
وتقليد سواه [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن
ثابت، أخبرنا محمد بْن عُمَر بْن روح، أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريّا،
حدثنا طاهر بن مسلم العبدي قَالَ: حدثني محمد بن عمران الضَّبُّي،
حَدَّثَنَا محمد بن خلاس قَالَ: لما عزل شريك عن القضاء تعلق به رجل
ببغداد فَقَالَ: يا أبا عبد الله، لي عليك ثلاثمائة درهم فأعطنيها.
قَالَ: ومن أنَا؟ قَالَ:
أنت شريك بن عبد اللَّه، القاضي. قَالَ: ومن أين هي لك؟ قَالَ: ثمن هذا
البغل الذي تحتك. قَالَ: نعم، تعال. فجاء يمشي معه، حتى إذا بلغ الجسر
قَالَ: من ها هنا؟ فقام إليه أولئك الشرط، فَقَالَ: خذوا هذا فاحبسوه،
لئن أطلقتموه لأخبرن أبا العباس عبد الله بن مالك. فقالوا: إن هذا
الرجل يتعلق بالقاضي [إذا عزل] [2] فيدعي عليه فيفتدي منه، قد تعلق
بسلمة الأحمر حين عزل عن واسط، فأخذ منه أربعمائة درهم، فَقَالَ: هكذا؟
فكلم فيه، فأبى أن يطلقه، فقال له عبد الله بن مالك: / إلى كم يحبس؟
قَالَ: إلى أن يرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم. قال: فردّ [3] على
سلمة الأحمر أربعمائة درهم، فجاء سلمة إلى شريك فشكر لَهُ، فقال لَهُ:
يا ضعيف كل من سألك مالك أعطيته إياه [4] .
اضطرب على سلمة حفظه فضعفه أصحاب الحديث، وتوفي ببغداد في هذه السنة.
وقيل: في سنة ست وثمانين. وقيل: سنة ثمان وثمانين.
969- الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام.
كان علامة قريش بالمدينة بأخبارها، وأشعارها، وأيامها، وأيام العرب
وأشعارها،
__________
[1] تاريخ بغداد 9/ 130، 131.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «فرد» ساقطة من الأصول. وأثبتناه من تاريخ بغداد.
[4] تاريخ بغداد 9/ 131.
(9/50)
وأيامها. وكان من أكبر أصحاب مالك بن أنس
هو وأبوه، ولما استعمل عبد الله بن مصعب بْن ثابت على اليمن وجه الضحاك
خليفة له عليها، وفرض له كل سنة ألف دينار، وكلم لَهُ الخليفة فأعطاه
أربعين ألف درهم، وكان محمود السيرة.
وتوفي بمكة عند منصرفه من اليمن يوم التروية من هذه السنة.
970- عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْن أبي
صفرة، أبو معاوية الْبَصْرِيّ
[1] .
سَمِعَ هشام بن عُرْوَة. وروى عَنْه: أحمد بن حنبل، وأبو عُبَيْد، وكان
ثقة صدوقا، غزير العقل، / ذا هيئة حسنة.
وتوفي في هذه السنة. وقيل: سنة إحدى وثمانين.
971- عبد الوارث بن سعيد، أبو عبيدة التميمي، مولى بني العنبر
[2] .
شهد له شعبة بالإتقان. وتوفي في هذه السنة.
972- عافية بن يزيد بن قيس القاضي
[3] .
ولاه المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي، وحدث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، والأعمش، وغيرهما. وكان من أصحاب
أبي حنيفة الذين يجالسونه، فكان أصحابه يخوضون في مسألة فإن لم يحضر
عافية قال أبو حنيفة: لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية، فإذا حضر، فإن
وافقهم قال أبو حنيفة: أثبتوها، وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة: لا
تثبتوها [4] .
وكان عافية هو وابن علاثة فكانا يقضيان في عسكر المهدي في جامع
الرصافة، هذا في أدناه وهذا في أعلاه [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 10 وتاريخ الموصل ص 290.
[2] الكامل لابن الأثير 5/ 311. وتاريخ الموصل ص 290. وشذرات الذهب 1/
293.
[3] تاريخ بغداد 12/ 307- 310. والبداية والنهاية 10/ 176.
[4] تاريخ بغداد 12/ 308.
[5] تاريخ بغداد 12/ 308.
(9/51)
عليّ بن المحسن القاضي قَالَ: أخبرنا أَبِي
[1] قَالَ: حدثنا أبو الحسين علي بن هشام الكاتب/ قَالَ: حَدَّثَنَا
أبو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ سعد مولى بني هاشم قَالَ: حدثنا
إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن أشياخه قَالَ: كان عافية القاضي يتقلد
للمهدي القضاء، وكان عافية عالما زاهدا، فصار إلى المهدي في وقت الظهر
في يوم [2] من الأيام وهو خال، فاستأذن عَلَيْهِ فأدخله، فإذا معه
قمطرة فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك،
فظن أن بعض الولاة [3] قد غض منه، أو أضعف يده في الحَكَم، فقال لَهُ
في ذَلِكَ، فقال لَهُ: ما جرى من هذا شيء، قَالَ: فما كان سبب
استعفائك؟ قَالَ: كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية
معضلة مشكلة، وكل يدعى بينة وشهودا، ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت،
فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يتبين لي وجه فصل ما بينهما. قَالَ:
فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر، فعمد في وقتنا- وهو أول/
أوقات الرطب- إلى أن جمع لي [4] رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله
إلا [5] لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه ورشا بوابي جملة دراهم على
أن يدخل الطبق إلي ولا يبالي أن يرد، فلما دخل إلي أنكرت ذَلِكَ وطردت
بوابي وأمرت برد الطبق، فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه فما تساويا في
قلبي ولا في عيني، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو
قبلت، ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك، وقد فسد [الناس] . [6]
فأقلني أقالك الله وأعفني، فأعفاه [7] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب. قال:
أخبرنا محمد بن الحُسَين القطان، أخبرنا محمد بن الحسن [8] بن زياد
المقرئ أن داود بْن
__________
[1] في الأصل: «أخبرنا أحمد أبي» .
[2] في الأصل: «يوما» .
[3] في تاريخ بغداد: (الأولياء) .
[4] «لي» ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[5] «إلّا» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 12/ 308، 309.
[8] «القطان أخبرنا محمد بن الحسن» ساقطة من ت.
(9/52)
وسيم البوشنجي أخبرهم قَالَ: أخبرنا عبد
الرحمن بن عبد اللَّه، عن عمه عبد الملك بن قريب الأصمعي: أنه قَالَ:
كنت عند الرشيد يوما، فرفع إليه في قاض يقال لَهُ: عافية، فكبر
عَلَيْهِ، فأمر بإحضاره، فأحضر، وكان في المجلس جمع كبير، فجعل أمير
المؤمنين يخاطبه ويوقفه عَلَى ما رفع إِلَيْهِ، وطال المجلس، ثم إن
أمير المؤمنين عطس/ فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه، فإنه لم
يشمته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ فقال له
عافية [لأنك] [1] يا أمير المؤمنين لم تحمد اللَّه، فلذلك لم أشمتك،
هذا النبي صلَّى الله عليه وسلّم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت
الآخر، فَقَالَ يا رسول الله، ما بك شمت ذلك ولم تشمتني؟ قال: «لأن هذا
حمد الله فشمتناه وأنت لم تحمده فلم أشمتك» . فقال له الرشيد: ارجع إلى
عملك، فأنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفا جميلا وزبر
القوم الذين كانوا رفعوا عَلَيْهِ [2] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب قال:
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء مُحَمَّد بْن عَلِي بْن يعقوب قَالَ:
أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن إبراهيم الرياحي قال: حَدَّثَنَا إبراهيم
بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: أخبرنا أبو العباس المنصور، عن ابن
الأعرابي قال: خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية فَقَالَ:
لقد خاصمتني غواة الرجا ... ل وخاصمتهم سنة وافيه
فما دحض الله لي حجة ... وما خيب الله لي قافيه/
فمن كنت من جوره خائفا ... فلست أخافك يا عافيه
فقال له عافية: لأشكونك إلى أمير المؤمنين. قَالَ: لم تشكوني؟ قَالَ:
لأنك هجوتني قَالَ: والله لئن شكوتني ليعزلنك. قَالَ: ولم؟ قَالَ: لأنك
لم تعرف الهجاء من المديح [3] .
973- عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بِشْرِ، المعروف بسيبويه النَّحْوِي،
مولى بْني الحارث بن كعب. وقيل: مولى آل الربيع بن زياد [1] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 12/ 309.
[3] تاريخ بغداد 12/ 310.
(9/53)
وتفسير سيبويه: رائحة التفاح، وكانت والدته
ترقصه [2] في الصغر بذلك.
قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحة.
قال مؤلف الكتاب [3] : وكان سيبويه يصحب المحدثين والفقهاء، ويطلب
الآثار، وكان يستملي على حماد بن سَلَمَة، فلحن في حرف، فعابه حماد
فأنف من ذَلِكَ، ولزم الخليل فبرع في النَّحْو، وقدم بغداد وناظر
الكسائي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أنبأني الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي قال:
أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل النجيرمي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو
الحسن علي بن أحمد المهلبي قَالَ: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد
الرَّحْمَن الروذباري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الملك التاريخي/ قَالَ: حدثنا إبراهيم الحربي قال: سمعت ابن
عائشة يَقُولُ: كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابا جميلا
نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب في كل أدب [4] بسهم مع حداثة سنه
وبراعته في النَّحْو [5] .
قال التاريخي: وحدثني ابن الأعلم قَالَ: حدثنا محمد بن سلام قال: كان
سيبويه جالسا في حلقة بالبصرة، فتذاكرنا شيئا من حديث قَتَادةُ، فذكر
حديثا غريبا وقَالَ: لم يرو هذا غير سعيد [6] بن أبي العروبة. فقال له
بعض من حضر: ما هاتان الزيادتان يا أبا بِشْرِ؟ قَالَ: هكذا يقال، لأن
العروبة يوم الجمعة، فمن قال عروبة فقد أخطأ، قال ابن سلام: فذكرت ذلك
ليونس فَقَالَ: أصاب، للَّه دره [7] .
قال أبو سعيد السيرافي: أخذ سيبويه اللغات عَن أبي الخطاب الأخفش
وغيره،
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 195- 199. وتاريخ بغداد 10/ 176.
[2] في الأصل: «تصغره» .
[3] في ت: «قال المصنف» .
[4] في الأصل: «في كل علم» .
[5] تاريخ بغداد 12/ 196، 197.
[6] في ت: «لم يرو هذا الحديث إلا سعيد ... » .
[7] تاريخ بغداد 12/ 197.
(9/54)
وعمل كتابه الذي لم يسبقه أحد إلى مثله ولا
لحق به من بعده، وكان كتابه لشهرته [1] عند النحويين علما، فكان يقال
بالبصرة قرأ فلان للكتاب فيعلم أنه كتاب سيبويه، وكان المبرد إذا أراد
مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول لَهُ: هل ركبت البحر. تعظيما لَهُ
واستصعابا لما فيه.
وقال السيرافي: / لم نعلم [2] أحدا قرأ كتاب سيبويه عليه، إنما قرئ
بعده على أبي الحسن الأخفش، ورأيت في تعاليق أبي عبد الله المرزباني:
قَالَ ثعلب: اجتمع أربعون نفسا حتى عملوا كتاب سيبويه هو أحدهم، وهو
أصول الخليل ونكته فادعاه سيبويه، وأنا أستبعد هذا لأن مثله لا يخفى
[3] ، والكل قد سلموا للرجل.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ [بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [4] الْخَطِيبُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا هلال بن المحسن قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الْجَرَّاح
قَالَ:
حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قَالَ: أخبرنا ابن المتوكل [5] قَالَ:
حدثنا أبو بكر العبدي قَالَ: لما قدم سيبويه بغداد، فناظر سيبويه
الكسائي وأصحابه، فلم يظهر عليهم، فسأل من يبذل من الملوك ويرغب في
النَّحْو؟ فقيل لَهُ: طلحة بن طاهر.
فشخص إلى خراسان، فلما انتهى إلى ساوة [6] مرض مرضه الَّذِي مات فيه،
فتمثل عند الموت:
يؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
حثيثا يروي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
[7] أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد قال:] أخبرنا [أحمد بن علي بن
ثابت] [8]
__________
[1] في الأصل: «أشهر» .
[2] في ت: «ولا نعلم» .
[3] في الأصل: «لا يلقى» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «ولد المتوكل» . وفي تاريخ بغداد: «أبو بكر مؤدب ولد
الكيّس بن المتوكل» .
[6] في الأصل: «إلى سامراء» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 198. والبيت في البداية والنهاية:
يربي فسيلا ليبقى له ... فعاش الفسيل ومات الرجل
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/55)
الخطيب، أخبرنا عبد الله بن يحيى [1]
السُّكري قَالَ: أخبرنا جعفر/ بن محمد بن أحمد بن الحَكَم قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [2] الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ المتوكل
قَالَ: أخبرنا أبو الحسن المدائني قال: قال أبو عمرو بن يزيد: احتضر
سيبويه فوضع رأسه في حجر أخيه، فأغمي عَلَيْهِ فدمعت عين أخيه فأفاق
فرآه يبكي فَقَالَ [3] :
فكنا جميعا فرق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا؟
توفي سيبويه في هذه السنة. وقيل: في التي قبلها.
قال أبو بكر الخطيب: ويقال أن سنه كانت اثنتين وثلاثين سنة [4] .
974- عفيرة العابدة
[5] .
كانت طويلة الحزن، كثيرة البكاء، قدم أخ لها، فبشرت بقدومه، فبكت، فقيل
لها هذا وقت بكاء؟ فقالت: ما أجد للسرور في قلبي مسكنا مع ذكر الآخرة،
ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومثبور.
أخبرنا ابن ناصر بإسناد لَهُ عن محمد بن عبيد قال: دخلنا على امرأة
بالبصرة يقال لها: عفيرة، فقيل لها: [يا عفيرة] [6] ، ادعي الله لنا.
فقالت: لو خرس الخاطبون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المحسن أمن المسيء
بالدعاء، جعل الله قراكم من بيتي في الجنة، وجعل الموت مني ومنكم/
عَلَى بال.
975- مسلم بن خالد بن سعيد بن خرجة، أبو خَالِد. ويلقب: الزنجي.
كان فقيها، عابدا، يصوم الدهر.
توفي بمكة في هذه السنة، لكنه كان كثير الغلط والخطأ في حديثه [7] .
__________
[1] في الأصل: «بن عيسى» .
[2] في الأصل: «أبو حمزة» .
[3] تاريخ بغداد 12/ 198.
[4] تاريخ بغداد 12/ 199.
[5] البداية والنهاية 10/ 177.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «تم المجلد الثاني عشر والنصف الأول بسم الله الرحمن الرحيم»
.
(9/56)
|