المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
غزو الرشيد أرض الروم، فافتتح بها عنوة حصن الصفصاف، فقال مروان بن أبي
حفصة:
إن أمير المؤمنين المصطفى ... قد ترك الصفصاف قاعا صفصفا
[1] وفيها: غزا عبد الملك بن صالح الروم فبلغ أنقرة، وافتتح مطمورة [2]
.
وفيها: غلبت المحمرة على جرجان [3] .
وفيها: أحدث الرشيد عند نزوله للرقة في صدور كتبه الصلاة على النبي
مُحَمَّد صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [4] .
وفيها: حج بالناس [5] الرشيد، وتخلف عنه يحيى بن خَالِد، ثم لحقه
بالعمرة، فاستعفاه من الولاية، فأعفاه فرد إليه الخاتم، وسأله الإذن له
في المقام بمكة، فأذن له، فانصرف اليها [6] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 267. وتاريخ الموصل ص 290. والبداية والنهاية 10/
177.
[2] تاريخ الطبري 8/ 268. والبداية والنهاية 10/ 177.
[3] تاريخ الطبري 8/ 168. والبداية والنهاية 10/ 177.
[4] البداية والنهاية 10/ 177. وتاريخ الطبري 8/ 268.
[5] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة» .
[6] تاريخ الطبري 8/ 268. والبداية والنهاية 10/ 177. وتاريخ الموصل ص
292.
(9/57)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
976- الحسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان، أبو الحَسَن، وهو أخو
حميد بن قحطبة
[1] .
والحسن أحد قواد الدولة [العباسية] [2] .
توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة.
977- خلف بن خليفة بن صاعد، أبو أحمد الأشجعي
[3] .
روى عَنْه: هشيم، وقتيبة، والحسن بن عرفة. وكان ثقة صدوقا، نزل الكوفة،
ثم انتقل إلى واسط، ثم تحول إلى بغداد فأقام بها، حتى توفي في هذه
السنة وهو ابن مائة سنة وستة.
978- عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن المروزي، مولى بني حنظلة
[4] .
كان أبو تركيا [وكان عبدا لرجل من التجار] [5] من همذان من بني حنظلة،
وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لوالديه [6] ويعظمهم [7] ، وكانت أمه
خوارزمية [8] .
ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وسمع هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد،
والأعمش، وسليمان التَّيْمي، وحميد الطويل، وابن عَوْن ومالكا،
والثَّورِي، والأوزاعي، وغيرهم. وكان من أئمة المسلمين الموصوفين
بالحفظ والفقه والعزيمة والزهد والكرم والشجاعة. وله التصانيف الحسان/،
والشعر المتضمن للزهد والحكمة، وكان من أهل الغزو والمرابطة، وكان ابن
عُيَيْنَة يَقُولُ: نظرت في أمر
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 493.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 8/ 318.
[4] تاريخ بغداد 10/ 152- 169.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «لولده» .
[7] في ت: «ويطعمهم» .
[8] تاريخ بغداد 10/ 153.
(9/58)
الصحابة وأمر ابن المبارك، فما رأيت لهم
عليه فضلا إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخبرنا [أبو] منصور القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [1] الخطيب،
أخبرنا أحمد بن عبد الله أبو الحسين المحاملي قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي قَالَ:
حدّثنا أبو العباس مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ الدغولي قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد المجيد بن إبراهيم، حدثنا وهب بن زمعة [2] قال: حدّثنا
معاذ بن خَالِد قَالَ: قال إسماعيل بن عيّاش: ما على وجه الأرض مثل عبد
الله بن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد
جعلها في عبد الله بن المبارك [3] ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر
إلى مكَّةَ، فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم [4] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال:] أخبرنا أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرنا
أبو الطيب [5] عبد العزيز بن علي بن محمد الْقُرَشِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عمر بن أَحْمَد بن هارون قَالَ: حدثنا محمد بن حمدويه
قَالَ: حدثنا أحمد بن سعيد بن مسعود المروزي قَالَ:
حدثنا أبو حاتم الرازيّ قال: سمعت عبده بن سُلَيْمَان يَقُولُ: كنا في
سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان
خرج رجل من العدو فدعى إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة، فطعنه
فقتله، ثم خرج آخر فقتله، ثم خرج آخر/ فقتله، ثم دعى إلى البراز فخرج
إليه رجل فطارده ساعة فقتله [6] ، فازدحم عليه الناس، فكنت فيمن ازدحم
عَلَيْهِ، فإذا هو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد
الله بن المبارك، فَقَالَ: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا [7] .
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [8] الخطيب
قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بن جمعة» .
[3] في الأصل: «قد جعلها فيه» .
[4] تاريخ بغداد 10/ 157.
[5] في الأصل: «الخطيب أبو الطيب» .
[6] «ثم خرج آخر فقتله ... ساعة فقتله» ساقطة من ت.
[7] تاريخ بغداد 10/ 167.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/59)
أخبرني أَبُو عَلي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فضالة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَضْلِ مُحَمَّد بْنُ مُحَمَّدِ بن مجاهد قَالَ: حدثنا محمد بن
جبريل قَالَ: سمعت أبا حسان [1] الْبَصْرِيّ يَقُولُ: سمعت الحسن بن
عرفة يَقُولُ: قال ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشّام، فذهب علي أن
أرده إلى صاحبه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي إلى
[أرض] [2] الشام حتى رددته على صاحبه [3] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: حدثني
يحيى بن علي بن الطيب الدسكري قَالَ: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم
الإسماعيلي قال:
أخبرنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الرازي قَالَ: حدثنا محمد بن
علي الهَمَذاني قَالَ: حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك قَالَ: حدثنا القاسم
بن عبد الرحمن قَالَ: حدثنا أشعث بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون
الرشيد أمير المؤمنين الرقة [وقدم عبد الله بن المبارك بعده] [4]
فانجفل الناس خلف/ عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت
الغبرة، فاشرفت أم ولد لأمير [5] المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما
رأت النَّاسَ قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال
لَهُ:
عبد الله بن المبارك [6] . فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الّذي
لا يجمع الناس إلا بسوط [7] وأعوان [8] .
أخبرنا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ البيهقيّ
قَالَ: حدثنا أبو عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا عبد الله مُحَمَّد بْن
العباس الضَّبُّي يَقُولُ: سمعت عمر بن علي الجوهري يقول: حدّثنا [أبو
بكر] [9] محمد بن عيسى الطرسوسي يَقُولُ: حدّثنا نعيم بن
__________
[1] في ت: «سمعت حسان» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 10/ 167.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وتاريخ بغداد.
[5] في ت: «أم ولد مروان أمير المؤمنين» .
[6] في الأصل: «ابن المبارك عبد الله» .
[7] في الأصل: «إلا بصوت» . وفي تاريخ بغداد «إلا بشرط» .
[8] تاريخ بغداد 10/ 156، 167.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/60)
حمَّاد قَالَ: حدثنا ابن المبارك قَالَ:
قدمت على معمر فسمعت منه وأمرت له بجارية وخمسين دينارا، ثم ودعته
وخرجت، فلما كنت على مرحلة ذاكرني عنه إنسان بحديث لم أكن سمعته منه
فقلت: لم أسمع منه هذا [1] ، فَقَالَ: ارجع فإنك منه قريب. فقلت:
بعد ما بررته لا أرجع فيكون عليه فيه غضاضة أن أرجع إليه بعد البر،
حدثني أنت [2] عَنْه. فحدثني عَنْه.
قال الحاكم: وحدثنا محمد بن أيّوب قَالَ: أخبرنا أحمد بن عيسى قال:
سمعت علي بن الحسن يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يَقُولُ. لا أرى
لصاحب عشرة آلاف درهم أن يدع الكسب، فإنه إن لم يفعل لم آمن أن لا يعطف
على جاره/ ولا يوسع على عياله.
قال الحاكم: وأخبرني مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ المنذر قال: حدثني محمد بن إبراهيم الحدثي قَالَ: حدثني
أبي عن رجل قد سماه كان ينزل عليه عبد الله بن المبارك في بعض ما كان
ومعه إخوان لَهُ، فشكى إلي العزبة [3] وأمرني أن أشتري له جارية.
قَالَ: فاشتريت له [جارية] [4] وعرضتها عليه فرضيها، وقَالَ: ابعث بها
إلى المنزل. قَالَ: فأتيت بها أهلي فأقامت حتى حاضت وطهرت، فأخبرته
بذلك فقال لي: ابعث بها الليلة، فأتيت بناتي فأخبرتهن، فقمن إليها
فمشطنها وهيأنها. قَالَ:
فلما صلى العشاء الآخرة وجهتها إِلَيْهِ، فلما أصبحنا قَالَ للجارية:
امضي إلى أهل فلان. قَالَ: فجاءت الجارية فسألتها بناتي وأمهن عن حالها
فقالت: ما وضع يده عليّ، قَالَ: فغدوت إليه فقلت: يا أبا عبد
الرَّحْمَن، شكوت إلي العزبة، وأمرتني فاشتريت لك جارية، وعرضتها عليك
فرضيتها، وقامت بناتي فهيأنها، وإن أم فلان أخبرتني أنك لم تضع يدك
عليها؟! قال: لي يا أبا [5] فلان، القول ما قلت لك من شدة العزبة، لكني
لما
__________
[1] «فقلت لم أسمع منه هذا» ساقطة من ت.
[2] «أنت» ساقطة من ت.
[3] في ت: «العزوبة» .
والعزبة، والعزوبة: واحد، وهي عدم التزوج. انظر (لسان العرب «عزب» ) .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «أبا» ساقطة من ت.
(9/61)
خلوت بها ذكرت إخواني فتذهمت أن أنال شهوة
لا ينالوها، وليس في يميني [1] ما يسعهم أخرج الجارية فبعها.
وفي معنى هذه الحكاية قول الشاعر: /
وتركي مواساة الأخلاء بالذي ... تنال يدي ظلم لهم وعقوق
وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... بحال اتساع والصديق مضيق
قال الحاكم: وأخبرني أبو نصر الخفاف قَالَ: أخبرنا محمد بن المنذر
قَالَ:
سمعت يعقوب [بْن إسحاق بن أيوب] [2] الشيباني يقول: سمعت أبي يحكي عن
أَبِيهِ قَالَ: كان عبد الله بن المبارك يحج ومعه أحمال وصناديق وخدم
[3] كثيرة، وكان مع بعض خدمه قبجة فلما ارتحلوا من المنزل قدم أثقالهم،
فنظر صاحب القبجة إلى القبجة وهي ميتة، فألقاها على كناسة [4] ، وبقرب
الكناسة باب صغير، وعبد الله قائم على دابته، ونظر إلى جويرية تخرج
رأسها وترجع لتجد بذلك فرصة لكي لا يراها أحد، فتغافل عنها عبد اللَّه،
فخرجت في إزارها [5] ليس عليها قميص ولا مقنعة، فحملت تلك القبجة،
ودخلت الدار تعدو، فقال عبد اللَّه لغلام لَهُ: انزل واقرع هذا الباب.
ونزل الغلام وفعل ما أمره بِهِ، فخرجت تلك الجارية، فسألها عبد الله عن
حالها وقصتها وقصة القبجة الميتة، لماذا حملتها؟ فقالت: يا أبا عبد
الله، أنا وأخت لي في هذه الحجرة ليس لنا في هذه الدنيا إلا هذا/
الإزار [الواحد] [6] وكان والدنا [7] رجلا موسرا [فمات] [8] فظلمنا
وغصبنا على أموالنا، فبقينا بحال [9] تحل لنا [أكل] [10] الميتة، وليس
في منزلنا
__________
[1] في ت: «يدي» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وخدكم» .
[4] في ت: «الكناسة» .
[5] في ت: «إزار» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «وكان لنا والد» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «بحاله» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/62)
شيء إلا هذا الإزار، إذا لبسته بقيت أختي
عريانة، فهو كسوتنا وفراشنا ودثارنا. فقال لها [1] عبد الله: ليس لكم
قيم؟ قالت: لا، والله. فرق لها عبد اللَّه، ثم قال لغلامه:
الحق فرد الأثقال، فردها، فسأل وكيله: أين النفقة؟ فَقَالَ: على وسطي.
وكان حمل ألف دينار فَقَالَ: يا غلام، عد عشرين دينارا لنفقتنا [2] إلى
مرو، وصب [3] الباقي في إزار هذه الجارية. ففعل الغلام ذَلِكَ، فلما
رجع إلى المنزل قيل لَهُ: ما ردك؟ قَالَ: استقبلني ما هو أفضل من الحج.
ورجع إلى مرو.
قال محمد بن المنذر [4] : وحدثني موسى بن عمر وقَالَ: سمعت الحسين بن
الحسن يقول: كنا عند ابن المبارك جلوسا، فجاء سائل فسأله شيئا،
فَقَالَ: يا غلام ناوله درهما، فلما ولى السائل قَالَ له بعض أصحابه:
يا أبا عبد الرَّحْمَن، هؤلاء السؤال يتغدون بالشواء والفالوذج! كَانَ
يكفيه قطعة، فلم أمرت له بدرهم؟ قَالَ ابن المبارك: يا غلام، رده، إنما
ظننت أنهم يجيزون بالبقل والخل عند غدائهم، فأما إذا كان غداؤهم
بالشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم، يا غلام ناوله عشرة دراهم.
قال مؤلف الكتاب [5] : وقرأت/ على ابن ناصر، عن أبي القاسم بن اليسرى،
عن عبد الله بن بطة قَالَ: سمعت أحمد بن الخليل يَقُولُ: حدثني الحسن
بن عيسى قَالَ: سمعت إبراهيم بن رستم يَقُولُ: حدثني خالد الواسطي
قَالَ: سمعت سفيان الثَّورِي يَقُولُ: إني لأجهد أن أكون ثلاثة أيام
عَلَى حالة يكون عليها ابن المبارك سنة فما أقدر عليّه.
توفي ابن المبارك بهيت، في رمضان هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
979- عيسى بن أبي جعفر المنصور.
توفي ببغداد في ذي القعدة من هذه السنة [6] .
__________
[1] في ت: «فسألها» .
[2] في ت: «تكفينا» .
[3] في ت: «وصبت» .
[4] في الأصل: «أخبرنا محمد بن المنذر» .
[5] «قال مؤلف الكتاب» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 11/ 152.
(9/63)
980- علي بن هاشم بن البريد، أَبُو الحسن
الخزاز
[1] .
الكوفي قدم بغداد، وحدث بها عن إسماعيل بن أبي خالد، الأعمش.
روى عنه: أحمد بن حنبل، واتفقوا على أنه [كان] ثقة [ولكن] [2] كان
يتشيع.
وتوفي في هذه السنة.
981- المفضل بن فضالة بن عبيد، أبو معاوية الرعيني، ثم القتباني
[3] .
ولد سنة سبع ومائة وولي القضاء بمصر مرتين، وكان من أهل الدين والفقه
والورع، وإجابة الدعوة، دعا إلى الله أن يذهب عنه [4] الأمل فأذهبه
عنه، وكاد يختلس/ عقله ولم يهنئه شيء من الدنيا، فدعى الله أن يرده
إِلَيْهِ، فرده فرجع إلى حاله.
قال ابن رمح: كان بيني وبين جار لي مشاجرة في حائط، فقالت أمي: امض إلى
القاضي المفضل بن فضالة فقل لَهُ: أمي تقول لك: أحب أن تأتي فتنظر هذه
الحائط لنا أو لجارنا؟ فمضيت فأخبرته، فَقَالَ اجلس لي بعد العصر حتى
آتيك. فجلست له، فأتى فدخل إلى دارنا ثم دخل إلى دار جارنا، فنظر ثم
قَالَ: الحائط لجاركم. ثم انصرف.
توفي في شوال هذه السنة وسيأتي ذكر ابن ابنه المفضل بن فضالة بن المفضل
بن فَضَالة [5] .
982- يعقوب العابد الكوفي
[6] .
أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي صادق
الحيريّ قال: أخبرنا أبو عبد الله باكويه الشيرازي قَالَ: حدثنا عمر بن
محمد الأردبيلي حدّثنا
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 116.
وفي ت: «علي بن هشام» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] التاريخ الكبير 8/ 317. وطبقات ابن سعد 7/ 517. والجرح والتعديل 8/
317. وتهذيب التهذيب 10/ 273. والتقريب 2/ 271. والبداية والنهاية 10/
179.
[4] «عنه» ساقطة من ت.
[5] سيأتي في الجزء الثاني عشر إن شاء الله.
[6] البداية والنهاية 10/ 179. وفيه: يعقوب التائب.
(9/64)
علي بن محمد الْقُرَشِيّ قَالَ: حدثنا علي
بن الموفق، حدثنا منصور بن عمار قَالَ:
خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت، فإذا علي ليل، فقعدت عند باب صغير،
فإذا بصوت [1] شاب يبكي ويقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك/،
ولقد عصيتك حين عصيتك، وما أنا بنكالك جاهل، ولا بعقوبتك متعرض، ولا
بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي، وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخي
علي، عصيتك حين عصيتك [2] بجهلي، وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من
يستنقذني، وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني؟ وا سوأتاه على ما مضى من
أيامي في معصية ربي، يا ويلي كم أتوب وكم أعود، قد آن [3] لي أن أستحي
من ربي.
قال منصور: فلما سمعت كلامه، قُلْتُ: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم،
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ
عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ.. 66: 6 [4] الآية، فسمعت صوتا
واضطرابا شديدا، فمضيت لحاجتي، فلما أصبحت [5] رجعت، وإذا أنا بجنازة
علي الباب، وعجوز تذهب.
وتجيء، فقلت لها: من الميت؟ فقالت: اذهب [عني] [6] لا تجدد علي أحزاني
[7] .
فقلت: إني رجل غريب. فقالت: هذا ولدي، مر بنا البارحة رجل [8]- لا جزاه
الله خيرا- فقرأ آية فيها ذكر النار، فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى
مات.
قال منصور: هكذا والله صفة الخائفين يا ابن عمار.
__________
[1] «بصوت» ساقطة من ت.
[2] في ت: «ما عصيتك بجهلي» .
[3] في ت: «قد حان» .
[4] سورة: التحريم، الآية: 6.
[5] في ت: «أصبحنا» .
[6] في ت: «إليك عني» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أجرا في» .
[8] «رجل» ساقطة من ت.
(9/65)
ثم دخلت سنة اثنتين
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
انصراف الرشيد عن مكَّةَ، ومسيره إلى الرقة، وبيعته بها لابنه المأمون
بعد الأمين [1] ، فأخذ له البيعة على الجند، وضمه إلى جعفر بن يحيى،
ووجهه إلى مدينة السلام، ومعه من أهل بيته: جعفر بن المنصور، وعبد
الملك بن صالح. ومن القواد:
علي بن عيسى، فبويع له بمدينة السلام حين قدمها، وولاه أبوه خراسان وما
يتصل بها إلى همدان، وسماه المأمون [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله
الحُمَيْدِي قَالَ: أخبرنا أبو غالب بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين
بن دينار الكاتب قَالَ: حدثنا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ
الطُّومَارِيُّ قَالَ: حدثنا أبو بكر بن الجنيد قال: حدثني الحسين بن
الصباح الزعفراني. قال: لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد
للأمين والمأمون [على العهد] [3] .
قَالَ: فبكر الناس ليهنئوا الرشيد، فجلسوا في دار العامة ينتظرون
الإذن، قَالَ:
فجعل الناس يقولون: كيف/ ندعو لهما؟ فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء عَلَى
الخليفة، وإن لم ندع لهما كان تقصيرا؟ قَالَ: فدخل الشافعي رضي الله
عنه، فجلس [4] ، فقيل له
__________
[1] في الأصل: «الأمين بعد المأمون» ووضع الناسخ علامة التقديم
والتأخير.
[2] تاريخ الطبري 8/ 269. وتاريخ الموصل 293. والبداية والنهاية 10/
179. والكامل 5/ 317.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «رضي الله عنه، فجلس» ساقطة من ت.
(9/66)
في ذلك، فقال: الله الموفق. فلما أذن دخل
النَّاسَ، وكان أول متكلم الشافعي رضي الله عَنْه فقال:
لا قصرا عنها ولا بلغتهما ... حتى تطول على يديك طوالها
وفيها: غزا عبد الرحمن بن عبد الملك الصائفة [1] فبلغ أفسوس [2] مدينة
أصحاب الكهف [3] .
وفيها: سملت الروم عيني ملكهم قسطنطين [4] .
وحج بالناس في هذه السنة [5] موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي [6]
.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
983- إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، أبو عتبة
[7] .
من أهل حمص، ولد سنة اثنتين ومائة. وقيل: سنة ست. وسمع من الأكابر [8]
من أبي بكر بن أبي مريم، ويحيى بن سعيد الْأنصَارِيّ، وسهل بن أبي
صالح، وغيرهم.
وروى عَنْه: الأعمش وابن المبارك ويزيد بن هارون/ وقدم بغداد على
المنصور فولاه خزانة الكسوة، وكان يَقُولُ: ورثت عن أبي أربعة آلاف
دينار فأنفقها في طلب العلم.
__________
[1] في ت: «وغزا فيها الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك» .
[2] في الطبري: «أفسوس» وأسقطها ابن كثير، وفي تاريخ الموصل: «فشوش»
وفي الكامل لابن الأثير كما هنا في الأصول، وهو الصحيح.
[3] تاريخ الطبري 8/ 269. والكامل 5/ 317. وتاريخ الموصل ص 293.
والبداية والنهاية 10/ 179.
[4] تاريخ الطبري 8/ 269. والبداية والنهاية 10/ 179. والكامل 5/ 317.
[5] «في هذه السنة» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 269. وتاريخ الموصل ص 294. والبداية والنهاية 10/
179. والكامل 5/ 317.
[7] «أبو عتبة» ساقطة من ت.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 221- 228.
[8] «من الأكابر» ساقطة من ت.
(9/67)
قال يحيى بن معين: إِسْمَاعِيل ثقة،
والعراقيون يكرهون حديثه. وقال البخاري:
إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غير أهل بلده ففيه نظر.
توفي في هذه السنة وبعضهم يَقُولُ: في سنة إحدى وثمانين.
984- عمار بن محمد، أبو اليقظان الكوفي
[1] .
ابن أخت سفيان الثَّورِي، سكن بغداد وحدث عن الأعمش. روى عَنْه:
أحمد بن حنبل، والحسن بن عرفة. وقد وثقه قوم.
وقال ابن حِبّان: كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه فاستحق الترك.
توفي في محرم هذه السنة.
985- محمد بن أبي شيبة بن إبراهيم بن عثمان [2] [العبسي] الكوفي
[3] .
والد أبي بكر وعثمان وغيرهما.
قال أبو زكريّا [يحيى بن معين] [4] كان رجلا جميلا ثقة كيسا، وكان على
قضاء فارس، ومات بفارس فِي هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين [5] سنة.
986- محمد بن حميد، أبو سفيان اليشكري يعرف بالمعمري
[6] .
[لقي] [7] معمر بن راشد، ولرحلته [إليه] [8] سمّي المعمري. وسمع سفيان
الثوري وغيره. وكان ثقة صدوقا فاضلا.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 252، 253. والتاريخ الكبير 7/ 29. والجرح والتعديل
6/ 393. وطبقات ابن سعد 6/ 388، 7/ 328. وتهذيب التهذيب 7/ 405.
والتقريب 2/ 48.
[2] في الأصل: «بن عمار» . ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 1/ 383- 387. وتهذيب التهذيب 9/ 12- 13.
[4] في الأصل: «أبو بكر» . ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «وهو ابن بضع وسبعين» .
[6] تاريخ بغداد 2/ 257- 259.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/68)
987- مروان بن سليمان [بن يحيى] [1] بن أبي
حفصة، أبو الهيذام. وقيل: أبو السمط
[2] .
واسم أبي حفصة: يزيد، وكان من سبي اصطخر، سبي غلاما فاشتراه عثمان بن
عفان، فوهبه لمروان [بن الحكم] [3] / فأعتقه يوم الدار، لأنه أبلى
يومئذ بلاء [4] حسنا.
وقيل: إن أبا حفصة كان طبيبا يهوديا أسلم على يد عثمان بن عفان. وقيل:
على يد مروان بن الحَكَم [5] .
كان مروان بن سليمان شاعرا مجيدا، ومدح المهدي والرشيد ومعن بن زائدة.
وقال الكسائي: إنما الشعر سقاء تمخض، فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي
حفصة [6] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بن علي] [7] الخطيب
قال:
أخبرني أبو علي الجازري قَالَ: حدثنا المعافى قَالَ: حدثنا أحمد بن
العباس العسكري قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أبي سعد قَالَ: حدثنا
عبد الله بن موسى بن حمزة قَالَ: حدثني أحمد بن مُوسَى قَالَ: حدثنا
الفضل بن بزيع [8] قَالَ: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي
بعد موت معن [بن زائدة] فمدحه بأبيات، فَقَالَ: من أنت؟ قَالَ:
شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال لَهُ: ألست تَقُولُ:
أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاما ما نريد به زيالا
وقلنا أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 13/ 142- 145.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «يومئذ بلاء» ساقطة من ت.
[5] «بن الحكم» ساقطة من ت.
انظر: تاريخ بغداد 13/ 142.
[6] تاريخ بغداد 13/ 145.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «بن الربيع»
(9/69)
قد جئت تطلب نوالنا، وقد ذهب النوال [1]
فلا شيء لك عندنا، جروا برجله.
فجر برجله [2] حتى أخرج. فلما كان في العام المقبل تلطف حتى دخل مع
الشعراء.
وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء [3] في كل عام مرة، فمثل بين يديه
فأنشده:
طرقتك زائرة فحي خيالها
إلى أن بلغ [منها] [4]
شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم أبطالها/
فجعل المهدي يتزاحف عن مصلاه إعجابا بقوله، ثم قَالَ: كم هي بيتا؟ قال:
مائة بيت. فأمر له بمائة ألف درهم، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد أنشده
فقال: ألست القائل في معن كذا وكذا؟ وذكر البيتين، ثم أمر بإخراجه،
فتلطف حتى عاد ودخل بعد يومين، فأنشده قصيدة، فأمر له بعدد أبياتها
ألوفا [5] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب [قَالَ:
أَخْبَرَنَا] [6] الأزهري قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن إبراهيم،
حَدَّثَنَا إبراهيم [7] بْن مُحَمَّد بن عرفة قَالَ: حدثني عبد الله بن
إِسْحَاق بن سلام قَالَ: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف
درهم، فمر بزمن، فسأله فأعطاه ثلثي درهم، فقيل لَهُ: هلا أعطيته درهما؟
فَقَالَ: لو أعطيت مائة ألف لأتممت له درهما.
قَالَ: وكان مروان يبخل فلا يسرج له في داره [8] ، فإذا أراد أن ينام
أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام [9] .
__________
[1] «وقد ذهب النوال» ساقطة من ت.
[2] «فجر برجله» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الحلفا» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 13/ 144، 45.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «حدثنا إبراهيم» ساقطة من ت.
[8] «في داره» ساقطة من ت.
[9] تاريخ بغداد 13/ 143.
(9/70)
أنبأنا محمد بن عبد الملك، عن أبي محمد
الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني قَالَ:
أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم، عن أبيه قَالَ [1] : حدثني ابن
مهرويه قَالَ: حدثني علي بن محمد النوفلي قَالَ: سمعت أَبِي يَقُولُ:
كان المهدي يعطي ابن أَبِي حفصة وسلما الخاسر عطية واحدة، وكان سلم
يأتي باب المهدي على برذون قيمته عشرة آلاف درهم، ولباسه الخز والوشي
والطيب يفوح منه، ويجيء مروان/ وعليه فرو وكل [2] وقميص كرابيس، وكساء
غليظ، وكان لا يأكل اللحم بخلا حتى يقدم إِلَيْهِ، فإذا قدم [إليه] [3]
أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله، فقيل لَهُ: نراك لا تأكل إلا الرءوس.
فَقَالَ: الرأس أعرف شعره فآمن خيانة الغلام، وليس بلحم يطبخه الغلام
فيقدر أن يأكل منه، وآكل منه ألوانا: آكل [4] عينيه لونا، وأذنيه لونا،
وغلصمته لونا، ودماغه لونا، وأكفى [5] مئونة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه
مرافق.
قال المرزباني: وحدثني أحمد بن عيسى الكرخي قَالَ: حدثنا أبو العيناء
قَالَ:
كان مروان بن أبي حفصة [6] من أبخل النَّاسَ، خرج يريد المهدي، فقالت
له امرأة من أهله: ما لي عليك إن رجعت بالجائزة؟ قال: إن أعطيت [7]
مائة ألف درهم أعطيتك درهما، فأعطى ستين ألفا، فدفع إليها أربعة
دوانيق.
توفي مروان في هذه السنة ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك.
988- يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري
[8] .
وسعد من الصحابة، عرض على النَّبِيِّ [9] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فاستصغره. وحبتة أمه، وأبوه: بحير بن معاوية.
__________
[1] «قَالَ أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم، عن أبيه قال:» ساقطة من
ت.
[2] هكذا في الأصول كلها.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «آكل ألوانا» .
[5] في ت: «أكتفي» .
[6] في ت: «كان بن حفصة» .
[7] في الأصل: «أعطى» .
[8] تاريخ بغداد 14/ 242- 262. والبداية والنهاية 10/ 180- 182.
[9] في ت: «رسول الله» .
(9/71)
ويكنى يعقوب: أبا يوسف القاضي، وهو صاحب
أبي حنيفة.
سَمِعَ أبا إسحاق الشيباني، وسليمان التَّيْمي، ويحيى بن سعيد
الْأنصَارِيّ، والأعمش، وهشام بن عروة، وابن إسحاق، والليث في آخرين.
روى عَنْه: محمد/ بن الحَسَن، وعلي بن الْجَعْد، وأحمد بن حنبل، ويحيى
ابن معين.
وسكن بغداد وولاه الهادي القضاء، ثم الرشيد، وهو أول من دعي بقاضي
القضاة في الإسلام.
وكان استخلف ابنه يوسف على الجانب الغربي، وأقره الرشيد على عمله وولاه
قضاء القضاة بعد أبي يوسف.
وقد روينا أنه تردد إلى أبي حنيفة وهو فقير، فنهاه أبوه عن ذَلِكَ
فانقطع فلما رآه أبو حنيفة [انقطع] [1] سأله عن سبب [2] انقطاعه،
فأخبره فأعطاه مائة درهم وقَالَ:
استمتع [3] بهذه، فإذا فرغت [4] فأخبرني. ثم كان يتعاهده [5] .
وروينا أن أباه مات وخلفه طفلا، وأن أمه هي التي أنكرت عليه ملازمة أبي
حنيفة [6] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا الحسن بن أبي بَكْر قَالَ: ذكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش:
أن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشامي أخبرهم قَالَ: أخبرنا علي بن
الجعد قَالَ: أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف قَالَ: توفي أبي وخلفني
صغيرا في حجر أمي، فأسلمتني إلى قصار أخدمه، فكنت أدع القصّار وأمر إلى
حلقة أبي حنيفة، فأجلس فأستمع، وكانت أمي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «سبب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «استنفع» .
[4] في ت: «فنيت» .
[5] تاريخ بغداد 14/ 244.
[6] تاريخ بغداد 14/ 244.
(9/72)
تجيء خلفي إلى الحلقة [1] فتأخذ بيدي،
وتذهب بي إلى القصار، وكان أبو حنيفة يعنى بي، لما يرى من حرصي على
التعلم، فلما كثر ذلك على أمي قالت لأبي حنيفة: ما لهذا الصبي فساد
غيرك، هذا صبي يتيم لا كسب [2] له، وأنا/ أطعمه من مغزلي، وآمل أنه
يكسب دانقا يعود به عَلَى نفسه. فقال لها أبو حنيفة: مري يا رعناء، ها
هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق. فانصرفت وقالت لَهُ: أنت شيخ قد
خرفت وذهب عقلك.
ثم لزمته، فنفعني الله بالعلم، ورفعني حتى تقلدت القضاء، وكنت أجالس
الرشيد، وآكل معه على مائدته، فلما كان في بعض الأيام قدّم إلي هارون
فالوذجة بدهن [فقال لي هارون: يا يعقوب، كل منه، فليس كل يوم يعمل لنا
مثْلَه. فقلت: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فَقَالَ: هذه فالوذجة بدهن]
[3] الفستق، فضحكت. فقال لي: مم تضحك؟
فقلت: خيرا، أبقى الله أمير المؤمنين. فقال: لتخبرني. وألحّ عليّ،
فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فتعجب من ذَلِكَ، وقَالَ: لعمري إن
العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة.
وترحّم على أبي حنيفة، وقَالَ: كان ينظر بعين عقله ما لا يرى بعين رأسه
[4] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
حدثني أَبِي قَالَ: كَانَ سَبَبُ اتِّصَالِ يُوسُفَ بِالرَّشِيدِ
أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي حَنِيفَةَ، فحنث بعض
الْقُوَادِ فِي يَمِينٍ، وَطَلَبَ فَقِيهًا يَسْتَفْتِيهِ [5] فِيهَا،
فَجِيءَ بِأَبِي يُوسُفَ فَأَفْتَاهُ أَنَّهُ لَم يَحْنَثْ، فَوَهَبَ
لَهُ دَنَانِيرَ، وَأَخَذَ لَهُ دَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ، وَاتَّصَلَ
بِهِ، فَدَخَلَ الْقَائِدُ يَوْمًا إِلَى الرَّشِيدِ فَوَجَدَهُ
مَغْمُومًا، فَسَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ غَمِّهِ، فَقَالَ: شَيْءٌ مِنْ
أَمْرِ الدِّينِ قَدْ أَحْزَنَنِي فاطلب لي فقيها أستفتيه فَجَاءَهُ
بِأَبِي يُوسُفَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَى
مَمَرٍّ بَيْنَ الدُّورِ رَأَيْتُ فَتًى حَسَنًا عَلَيْهِ أَثَرُ
الْمُلْكِ/، وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ مَحْبُوسٌ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ
بِإِصْبَعِهِ مُسْتَغِيثًا، فَلَمْ أَفْهَمْ عَنْهُ إِرَادَتَهُ،
فَأُدْخِلْتُ إِلَى الرَّشِيدِ، فَلَمَّا مَثُلْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ
سَلَّمْتُ وَوَقَفْتُ، فَقَالَ لِي: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: يَعْقُوبُ،
أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قال: ما تقول
__________
[1] إلى الحلقة» ساقطة من ت.
[2] في ت: «لا شيء له» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 14/ 244، 245.
[5] في ت: «ليستفتيه» .
(9/73)
فِي إِمَام شَاهَدَ رَجُلا يَزْنِي، هَلْ
يَحُدُّهُ [1] ؟ قُلْتُ: لا يَجِبُ ذَلِكَ. فَحِينَ قُلْتُهَا سَجَدَ
الرشيد فوقع لي أنه قد رَأَى بَعْضَ أَهْلِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ
الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ بِالاسْتِغَاثَةِ هُوَ الزَّانِي. ثُمَّ قَالَ
الرَّشِيدُ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ قُلْتُ: مِنْ قول [2] النبي
صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ
بِالشُّبُهَاتِ» وَهَذِهِ شُبْهَةٌ يَسْقُطُ الْحَدُّ مَعَهَا.
فَقَالَ: وَأَيُّ شُبْهَةٍ مَعَ الْمُعَايَنَةِ؟! قُلْتُ: لَيْسَ
تُوجِبُ الْمُعَايِنَةُ لِذَلِكَ أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا جَرَى،
وَالْحُدُودُ لا تَكُونُ بِالْعِلْمِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَخْذُ حَقِّهِ
بِعِلْمِهِ. فَسَجَدَ مَرَّةً أُخْرَى وَأَمَرَ لِي بِمَالٍ جزيل، وأن
أَلْزَمَ الدَّارَ، فَمَا خَرَجْتُ حَتَّى جَاءَتْنِي هَدِيَّةُ
الْفَتَى، وَهَدِيَّةُ أُمِّهِ، وَأَسْبَابُهُ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلا
لِلنِّعْمَةِ، وَلَزِمْتُ الدَّارَ، فَكَانَ هَذَا الْخَادِمُ
يَسْتَفْتِينِي وَهَذَا يُشَاوِرُنِي وَصِلاتُهُمْ تَصِلُ إِلَيَّ،
ثُمَّ اسْتَدْعَانِي الرَّشِيدُ وَاسْتَفْتَانِي فِي خَوَاصِّ
أَمْرِهِ، فَلَمْ تَزَلْ حَالِي تَقْوَى حَتَّى قَلَّدَنِيَ قَضَاءَ
الْقُضَاةِ.
قال لي أَبِي: بلغني أن أبا يوسف لما مات خلف مائتي سراويل [من أصناف
السراويلات وكل] [3] بتكة أرمني تساوي دينارا.
وبلغ من محله عند الرشيد أنه طلبه [4] يوما فجاء/ وعليه بُردَة فقال
[الرشيد] [5] :
جاءت به معتجرا ببرده ... سفواء ترضى بنسيج وحده
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا محمد بن القاسم [6] الأزرق قَالَ: حدثنا
محمد بن الحسن المقرئ أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قَالَ:
أخبرنا ابن الجعد قَالَ: سمعت أبا يوسف يَقُولُ:
العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فأنت إذا أعطيته كلك كان [7]
من إعطائه البعض على عشر [8] .
__________
[1] في ت: «أيحده» .
[2] في ت: «لأن النبي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «من محله أنه طلبه الرشيد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «بن أبي القاسم» .
[7] في الأصل: «كنت» .
[8] في تاريخ بغداد: «غرر» . انظر الخبر في تاريخ بغداد 14/ 248، 249.
(9/74)
قال مؤلف الكتاب [1] : كان أبو حنيفة يشهد
لأبي يوسف أنه أعلم الناس.
وقال المُزَني: أبو يوسف أتبعهم للحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] [2] الخطيب،
أخبرنا الحسين بن محمد المعدل قَالَ: أخبرنا عبد الله بن الأسدي قَالَ:
حدثنا أبو بكر الدامغاني الفقيه قَالَ: حدثنا أبو جعفر الطحاوي قَالَ:
حدثنا ابن أبي عمران قال: حدثنا بشر بن الوليد قال: سمعت أبا يوسف
يَقُولُ: سألني الأعمش عن مسألة فأجبته فيها، فقال [لي] [3] : من
أَيْنَ قُلت هذا؟ قلت: لحديثك الذي حدثتناه أنت. ثم ذكرت الحديث، /
فقال [لي] : [4] يا يعقوب، إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يخرج أبواك،
فما عرفت تأويله حتى الآن [5] .
وقال أبو زرعة الرازي: كان محمد بن الحسن جهيما، وكان أبو يوسف سليما
من التجهم [6] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَبُو بكر أَحْمَد بْن عَلي
قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي طَالِب قَالَ: حدثنا علي بن عمر بن
محمد التمار قَالَ: حدثنا مكرم بن أحمد القاضي قَالَ: حدثنا أحمد بن
عطية قَالَ: سمعت بشارا الخفاف [7] قَالَ: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: من
قال القرآن مخلوق فحرام كلامه وفرض مباينته [8] .
قال ابن المَدِيني: كان أبو يوسف صدوقا. وقال يحيى: هو ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال:] أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [9]
__________
[1] في ت: «قال المؤلف» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 14/ 246.
[6] تاريخ بغداد 14/ 253.
[7] في الأصل: «يسار» .
[8] تاريخ بغداد 14/ 253.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/75)
الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو
العلاء الواسطي قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بن جعفر التميمي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الحسن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا وكيع قَالَ:
أخبرني إبراهيم بن أبي عثمان، عن يحيى بن عبد الصمد قَالَ: خوصم موسى
أمير المؤمنين إلى أبي يوسف في بستانه فكان الحكم في الظاهر لأمير [1]
المؤمنين، وكان الأمر على خلاف ذلك. / فقال أمير المؤمنين لأبي يوسف:
ما صنعت في الأمر الذي نتنازع إليك فيه؟ قَالَ: خصم أمير المؤمنين
يسألني أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق. فقال له مُوسَى:
وترى ذَلِكَ؟ قَالَ: [قد] [2] كان ابن أَبِي ليلى يراه. قَالَ: فأردد
البستان عَلَيْهِ، إنما احتال أبو يوسف [3] .
وروى الحسن بن أبي مالك قَالَ: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: وليت هذا الحكم
[4] ، وانغمست فيه، وليس في قلبي منه شيء، وأسأل الله أن لا يسألني عن
جور ولا ميل مني إلى أحد إلا يوما واحدا، فإنه يقع في قلبي منه شيء.
قالوا: وما هو؟ قال:
جاءني رجل فقال: لي بستان قد اغتصبني إياه أمير المؤمنين. فقلت: في يد
من هو الآن؟ فَقَالَ: في يد أمير المؤمنين. قلت: ومن يقوم بعمارته
ومصلحته؟ قال: أمير المؤمنين. فأخذت قصته ودخلت، فقلت: يا أمير
المؤمنين، إن لك خصما بالباب [قد] [5] ادعى كيت وكيت. فَقَالَ: هذا
البستان لي، اشتراه [لي] [6] المهدي. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن رأيت
أن تدعو خصمك فأسمع منكما. قَالَ: فدعي بِهِ، فأدخل فادعى، فقلت: يا
أمير المؤمنين، ما تقول فيما ادعى؟ قَالَ: البستان لي وفي يدي، اشتراه
لي/ المهدي. قلت: يا رجل [قد سمعت] [7] فما تشاء. قَالَ: خذ لي يمينه.
قلت: أيحلف أمير المؤمنين؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، أعرض
عليك اليمين ثلاثا، فإن حلفت وإلا حكمت عليك. فعرضت عليه اليمين ثلاثا،
فأبى أن يحلف،
__________
[1] في ت: «على أمير المؤمنين» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 14/ 249.
[4] في ت: «وليت القضاء» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/76)
فقلت: يا أمير المؤمنين، قد حكمت عليك بهذا
البستان، فإن رأيت أن تأمر بتسليمه إِلَيْهِ. قَالَ: لا أسلم. قُلْتُ:
يا رجل، تعود في مجلس غير هذا [1] فَقَالَ: افعل لي [2] ما يجب أن
تفعل. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، بالحبس يعرض. فأمر به فأخرج. فقال
الفضل بن الربيع: والله ما رأيت مجلسا قط إلا وهذا أحسن منه. فقلت: يا
أمير المؤمنين، إن رأيت أن يتم حسن هذا المجلس برد هذا البستان. قيل
لَهُ: فأي شيء في قلبك؟ قال: جعلت أحتال في صرف الخصومة والقضية عن
أمير المؤمنين، ولم أسأله أن يقعد مع خصمه أو يأذن لخصمه أن يقعد معه
على السرير.
أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلَيٍّ]
[3] الْخَطِيبُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن عمر بن روح النهرواني قَالَ: أَخْبَرَنَا
المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن أبي الأزهر قَالَ: حدثنا
حماد بن إسحاق الموصلي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ:
حدثني بشر بن الوليد وسألته: من أَيْنَ جاء؟ قَالَ: كنت عند أبي يوسف/
القاضي وكنا في حديث ظريف، فقلت لَهُ: حدثني به، قَالَ: قال لي يعقوب
القاضي: بينا أنا البارحة قد آويت إلى فراشي، فإذا داق يدق الباب دقا
شديدا، فأخذت علي إزاري وخرجت وإذا هو هرثمة [4] بن أعين، فسلمت
عَلَيْهِ فَقَالَ: أجب أمير المؤمنين. فقلت: يا أبا حاتم، لي بك حرمة،
وهذا وقت كما ترى، فإن أمكنك أن تدفع ذلك إلى الغد [5] .
قَالَ: ما لي إلى ذلك سبيل. قلت: وكيف كان السبب؟ قَالَ: خرج إلي مسرور
الخادم فأمر أن آتي بك أمير المؤمنين. فقلت: قد أذن لي أن أصب [6] علي
ماء وأتحنط، فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني، وإن رزق الله
العافية فلن يضر. فأذن لي فدخلت، فلبست ثيابا جددا، وتطيبت بما أمكن من
الطيب، ثم خرجنا، فمضينا [حتى أتينا] [7] إلى دار الرشيد، فإذا مسرور،
فقال له هرثمة: قد جئت به. فقلت
__________
[1] في ت: «مجلس آخر» .
[2] «لي» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «تمامة بن أعين» .
[5] في الأصل: «غد» .
[6] في ت: «فتأذن لي أن أصبت» .
[7] في الأصل: «حتى مضينا إلى دار الرشيد» .
(9/77)
لمسرور: يا أبا هاشم، خدمتي وحرمتي، وهذا
وقت ضيق فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال: لا. قُلْتُ: فمن عنده؟
قَالَ: عيسى بن جعفر. قلت: ومن؟ قَالَ: ما عنده ثالث. فَقَالَ: مر.
فإذا صرت [1] في الصحن، فإنه في الرواق، فحرك رجلك [في الأرض] [2] ،
فإنه سيسألك، فقل: أنَا. فجئت ففعلت، فَقَالَ: / من هذا؟ قُلْتُ:
يعقوب قَالَ: ادخل. فدخلت، فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر، فسلمت
فرد عليّ السلام، وقَالَ: أظننا روعناك. قُلْتُ: أي والله، وكذلك من
خلفي. قَالَ: اجلس.
فجلست حتى سكن روعي، ثم التفت إلي فَقَالَ: يا يعقوب، تدري لم دعوتك؟
قُلْتُ:
لا. قَالَ: دعوتك لأشهدك على هذا أن عنده جارية سألته أن يهبها لي
فامتنع، وسألته أن يبيعنيها فأبى، وو الله لئن لم يفعل لأقتلنه. قَالَ:
فالتفت إلى عيسى فقلت لَهُ: وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين
وتنزل نفسك هذه المنزلة؟ فقال لي: عجلت في القول قبل أن تعرف ما عندي.
قُلْتُ: وما في هذا من الجواب؟ قَالَ: إن علي يمينا بالطلاق والعتاق
وصدقة ما أملك أن لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها. فالتفت إلي الرشيد
فَقَالَ: هل لَهُ في ذلك من مخرج؟ قلت: نعم. قَالَ: وما هُوَ؟ قُلْتُ
[3] : يهب لك النصف ويبيعك النصف [4] . فيكون لم يبع ولم يهب. قَالَ:
ويجوز ذلك؟ قُلْتُ: نعم. قَالَ: فأشهدك أني قد وهبت له نصفها وبعت له
نصفها [5] الباقي بمائة ألف دينار، فَقَالَ: [علي] [6] بالجارية. فأتى
بالجارية وبالمال، فَقَالَ: خذها يا أمير المؤمنين [7] ، بارك الله لك
فيها.
قال: يا يعقوب، بقيت واحدة. قُلْتُ: وما هي؟ قَالَ: هي مملوكة، ولا بد
أن تستبرأ، وو الله لئن لم أبت معها ليلتي إني لأظن أن نفسي ستخرج.
قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، تعتقها وتتزوجها، فإن الحرة لا تستبرأ.
قَالَ: / فإني قد أعتقتها فمن يزوجنيها؟ قلت:
__________
[1] في الأصل: «ضربت» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «قال: وما هو قلت» ساقطة من ت.
[4] في ت: «يهبك نصفها ويبيعك نصفها» .
[5] في ت: «وبعت النصف» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
(9/78)
أنَا فدعا بمسرور وحسين [1] فخطبت وحمدت
الله، ثم زوجته على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها، ثم قال
لي يا يعقوب، انصرف. ورفع رأسه إلى مسرور وقَالَ: يا مسرور [قَالَ:
لبيك أمير المؤمنين. قَالَ:] [2] احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم،
وعشرين تختا ثيابا. فحمل ذلك معي.
فقال بشر بن الوليد: فالتفت إلي يعقوب فَقَالَ: هل رأيت بأسا فيما
فعلت؟ قُلْتُ:
لا. قَالَ: فخذ منها حقك. قُلْتُ: وما حقي؟ قال: العشر. قَالَ: فشكرته
ودعوت له وذهبت لأقوم، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت: يا أبا يوسف، ابنتك
تقرئك السلام وتقول لك: والله ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير
المؤمنين إلا المهر الذي عرفته، وقد حملت إليك النصف منه، وخلفت الباقي
لما أحتاج إِلَيْهِ. فقال: ردّيه، فو الله لا قبلته، أخرجتها من الرق
وزوجتها من أمير المؤمنين وترضى لي بهذا؟!! فلم نزل نشفع [3] إليه أنا
وعمومتي حتى قبل، وأمر لي منه بألف دينار [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي
قال: أخبرني محمد بن الحسين القطان قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ النَّقَّاشُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ
الصَّايغَ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ
قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي [5] وَعِنْدَهُ
جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، فَوَافَتْهُ
هَدِيَّةٌ مِنْ أُمِّ جَعْفَرٍ احْتَوَتْ عَلَى تُخُوت/ دَبِيقِيٍّ،
وَمُصْمَتٍ، وَطِيبٍ، وَتَمَاثِيلَ نِدٍّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ،
فَذَاكَرَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه
وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ فَهُمْ
شُرَكَاؤُهُ فِيهَا» فَسَمِعَهُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ:
أَبِي تَعْرِضُ؟ ذَلِكَ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [6] وَالْهَدَايَا يَوْمَئِذٍ [7] الأَقْطُ
وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، وَلَمْ تَكُنِ الْهَدَايَا مَا تَرَوْنَ يَا
غُلامُ، شُلْ إِلَى الخزائن [8] .
__________
[1] في الأصل: «حسن» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «يطلب» .
[4] تاريخ بغداد 14/ 250، 251.
[5] في الأصل: «الرضي» .
[6] في ت: «إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذلك» .
[7] «يومئذ» ساقطة من ت.
[8] تاريخ بغداد 14/ 252.
(9/79)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا
أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرني الخلال قَالَ: أخبرنا علي بن عمرو الحريري:
أن علي بن محمد النَّخْعي حدثهم قَالَ: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق، عن
بشر بن غياث قال: سمعت أبا يوسف يَقُولُ: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة،
ثم انصبت عليّ الدنيا سبع عشرة سنة، فما أظن أجلي إلا قد اقترب [قال:]
فما مضت [1] شهور حتى مات [2] .
قال النَّخْعي: وحدثني أبو عمرو القزويني قَالَ: حدثنا القاسم بن الحكم
العربي قَالَ: سمعت أَبَا يوسف يَقُولُ عند موته: يا ليتني مت على ما
كنت عليه من الفقر، وإني لم أدخل في القضاء، يا ليتني على أني ما تعمدت
بحمد الله ونعمته جورا ولا حابيت خصما على خصم من سلطان أو سوقة [3] .
توفي أبو يوسف رحمه الله [4] فِي ربيع الأول من هذه السنة. وهو ابن تسع
وستين سنة، وأقام في القضاء ست عشرة سنة [5] .
989- يعقوب بن داود بن طهمان، أبو عبد الله
[6] .
مولى عبد الله بن حازم السلمي، استوزره المهدي، وقرب من قلبه، وغلب على
أمره، ثم إنّه أمره بقتل [بعض] [7] العلويين فَقَالَ: قد فعلت. ولم
يفعل على ما حكيناه في سنة ست وستين، فسجنه إلى أن أخرجه الرشيد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا علي بن محمد المعدل قَالَ: أخبرنا أبو علي الحسين [8] بن
صَفْوان قال: حدّثنا أبو
__________
[1] في ت: «قد قرب. قال: فما كان» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 14/ 252.
[3] تاريخ بغداد 14/ 252.
[4] «رحمه الله» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 14/ 261.
[6] تاريخ بغداد 14/ 262- 265. والبداية والنهاية 10/ 182.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «أبو الحسن» .
(9/80)
بكر بن أبي الدنيا قَالَ: حدثني خالد بن
يزيد [1] الْأَزْدِيّ قَالَ: حدثني عبد الله بن يعقوب بْن دَاوُد
قَالَ: قال أَبِي: حبسني المهدي في بئر وبنيت علي قبة، فمكثت فيها خمس
عشرة سنة [2] حتى مضى صدر من خلافة الرشيد، وكان يدلى إلي كل يوم رغيف
وكوز من ماء، وأوذن [3] بأوقات الصلوات، فلما كان في رأس ثلاث عشرة حجة
أتاني آت في منامي فَقَالَ:
حنى على يوسف رب فأخرجه ... من قعر جب وبيت حوله غمم
قَالَ: فحمدت اللَّه، وقلت: أتى الفرج. قَالَ: فمكثت حولا لا أرى شيئا،
فلما كان رأس الحول أتاني ذلك الآتي فقال [لي] : [4]
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله النائي الغريب
فلما أصبحت نوديت، فظننت أني أوذن [5] بالصلاة، فدلي لي حبل أسود، وقيل
لي: اشدد به وسطك [6] ففعلت [فأخرجوني] [7] فلما قابلت الضوء عشي بصري،
فانطلقوا [8] بي فأدخلوني على الرشيد/، فقيل لي: سلم على أمير
المؤمنين. فقلت:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين المهدي. فَقَالَ: لست
به. قُلْتُ:
السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي. قال: ولست به.
قلت: السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال [9] : الرشيد.
فقلت: الرشيد. فَقَالَ: يا يعقوب، إنه والله ما شفع فيك إلي أحد غير
أني حملت الليلة صبية لي على عنقي،
__________
[1] في الأصل: «خالد بن زيد» .
[2] في ت: «حجة» .
[3] في الأصل: «وزن» . والتصحيح من تاريخ بغداد 14/ 264.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
هذا وقد تكررت الفقرة السابقة في النسخة ب.
[5] في الأصل: «أوقت» .
[6] في ت: «اشدده وسطك» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فانطلق» .
[9] «وقال» ساقطة من ت.
(9/81)
فذكرت حملك إياي على عنقك، فرثيت لك من
المحل الذي كنت فيه، فأفرجت عنك [1] . قال: فأكرمني وقرب مجلسي.
ثم قَالَ: إن يحيى بن خالد تنكر لي كأنه خاف أن أغلبه على أمير
المؤمنين دونه، فخفته فاستأذنت للحج، فأذن لي.
فلم يزل مقيما بمكة حتى مات بها [2] في هذه السنة رحمه اللَّه.
990- يزيد بن زريع بن معاوية العيشي
[3] .
من بني عايش، وهم من ولد بكر بن [وائل] [4] . كان عالما صدوقا ثبتا.
وكان أبوه والي البصرة، فلم يأخذ من ميراثه شيئا، وكان يعمل الخوص.
أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أبو
بكر الخياط قال: حدّثنا ابن أبي الفوارس قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن
سلم قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو بكر
المروزي قَالَ: سمعت عبد الوهاب يقول:
سمعت أبا سليمان الأشقر يقول: تنزّه/ يزيد بن زريع عن خمسمائة ألف من
ميراث أبيه فلم يأخذه.
توفي يزيد بالبصرة فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ
وسبعين، وكان ثقة صدوقا ثبتا في الحديث [5] .
__________
[1] «عنك» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 14/ 264، 265.
[3] البداية والنهاية 10/ 182. والجرح والتعديل 9/ 263. وطبقات ابن سعد
7/ 289. والتاريخ الكبير 8/ 335. وتهذيب التهذيب 11/ 325. والتقريب 2/
364.
[4] في الأصل «وابل» .
[5] «وكان ثقة صدوقا ثبتا في الحديث» هذه الجملة قد سبقت في أول
الترجمة، هذا وقد أسقطها ناسخ النسخة ت.
(9/82)
ثم دخلت سنة ثلاث
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج الخزر على الناس. وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: أن ابنة خاقان الملك [1] ماتت، فقيل لأبيها إنما قتلها
المسلمون غيلة.
فحنق لذلك، فأخذ في الأهبة لحرب المسلمين، وجاء في أكثر من مائة ألف،
فانتهكوا أمرا عظيما، وأوقعوا بالمسلمين وبأهل الذمة، وسبوا منهم.
والثاني: أن سعيد بن مسلم قتل المنجم السلمي بفارس، فدخل ابنه بلاد
الخزر، فاستجاشهم على سَعِيد، فدخلوا أرمينية من الثلمة، فانهزم سعيد،
ونكحوا المسلمات، فأقاموا مدة، فوجه الرشيد خزيمة بن خازم ويزيد بن
مزيد إلى أرمينية حتى أصلحوا ما أفسد سعيد، وأخرجوا الخزر، وسدت الثلمة
[2] .
وفيها: كتب الرشيد إلى عيسى بن ماهان وهو بخراسان أن يصير إِلَيْهِ،
وكان سبب كتابه: أنه حمل عَلَيْهِ، وقيل: إنه قد أجمع على الخلاف [3] .
وفيها: خرج أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي [4] .
__________
[1] في ت: «أن بنت خاقان ماتت» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 270. والكامل 5/ 319. والبداية والنهاية 10/ 183.
وتاريخ الموصل ص 294، 295.
[3] تاريخ الطبري 8/ 270. والكامل 5/ 319.
[4] تاريخ الطبري 8/ 270. والكامل 5/ 319.
(9/83)
وفيها: / حج بالناس العباس بن موسى الهادي
[1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
991- إبراهيم بن سعد [2] بن عبد الرحمن بن عوف بن إسحاق الزهري
[3] .
سَمِعَ أَبَاهُ، وابن هشام، وابن شهاب [4] وابن عروة، وغيرهم.
روى عنه: شعبة، والليث بن سعد، وابن مهدي، وعلي بن الجعد، وأحمد بن
حنبل، وكان ثقة، ونزل بغداد فمات بها فِي هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين
سنة، ودفن في مقابر باب التين.
992- بهلول بن راشد الإفريقي
[5] .
روى عَن يونس بن يزيد، والقعنبي وكانت له عبادة وفضل، أمر محمد بن
مقاتل العتكيّ الأمير بالمعروف فضربه فمات بإفريقية في هذه السنة.
993- داود بن مهران بن زياد، أبو هاشم الربعي
[6] .
ولد سنة مائة، وقدم مصر سنة تسع وثلاثين، وخرج عن المغرب إلى البصرة،
وأقام بها ورجع إلى مصر سنة ستين وخرج إلى المغرب فأقام بها، وعاد إلى
مصر فمات بها في رمضان هذه السنة، وكان عالما دينا في خلقه زعارة لا
يحدث.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 271. والكامل 5/ 319. وتاريخ الموصل ص 295.
وفي الأصل: «العباس بن مرداس الهلالي» .
وفي ت: «حج بالناس هذه السنة ... » .
[2] في الأصل: «سعيد» .
[3] تاريخ بغداد 6/ 81. والتاريخ الكبير 1/ 288. والجرح والتعديل 2/
101. وطبقات ابن سعد 7/ 322. وتهذيب التهذيب 1/ 121. والتقريب 1/ 35.
[4] في ت: «ابن شهاب، وابن هشام» .
[5] ميزان الاعتدال 1/ 355.
[6] الربعي بفتح الراء والباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها العين
المهملة. هذه النسبة إلى ربيعة بن نزار (الأنساب 6/ 76) .
(9/84)
994- علي بن الفضيل بن عياض
[1] .
مات في حياة أَبِيهِ، وكان متعبدا، مجتهدا، شديد الخوف من الله تعالى
على حداثة سنه، يدقق في الورع، ويبالغ في النظر في المطعم، وقد أسند
الحديث عَن عبد العزيز/ بن أبي رواد، وسفيان بن عُيَيْنَة، وغيرهما.
[أخبرنا المحمدان، ابن ناصر، وابن عبد الباقي قَالا:] [2] أَخْبَرَنَا
حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حدثنا عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الحذاء قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد
بْن إبراهيم الدورقي قَالَ: حدثنا سلمة بن عفان، عن محمد بن الحسين
قَالَ: كان علي بن الفضيل يصلي حتى يزحف إلى فراشه ثم [يلتفت إلى
أَبِيهِ] [3] فيقول: يا أبت، سبقني العائدون.
قال الدورقي: وحدثني محمد بن شجاع، عن سفيان بن عُيَيْنَة قَالَ: ما
رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه عليّ [4] .
995- علي بن زياد، أبو الحسن العبسي [5] المغربي.
من أهل تونس، رحل إلى الحجاز والعراق في طلب العلم. وروى عن:
الثوري، ومالك، وهو الّذي أدخل المغرب «جامع الثوري» [6] ، و «موطأ
مالك» وفسر لهم قول مالك [7] ولم يكونوا يعرفونه [قبل ذلك] [8] ، وهو
معلم سحنون بن سعيد الفقيه.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] تهذيب التهذيب 7/ 373. وتقريب التهذيب 2/ 42. وحلية الأولياء 7/
57، 8/ 297- 299.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «علي» ساقطة من ت.
[5] بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وكسر السين المهملة
(الأنساب 8/ 365) .
[6] «الثوري» ساقطة من ت.
[7] «وفسر لهم قول مالك» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/85)
996- محمد بن صبيح، أبو العباس المذكر،
مولى بني عجل [1] ، يعرف: بابن السماك
[2] .
سَمِعَ هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وسفيان الثوري،
وغيرهم.
روى عنه: حسين بن [علي] الجعفي [3] ، وأحمد بن حنبل، وغيرهما. وله
مواعظ حسان، ومقامات عند الرشيد.
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال: أخبرنا] [4] أحمد بن عليّ قَالَ:
أخبرني بكران بن الطيب [5] قال: حدثنا محمد بن أحمد [6] المفيد قال:
حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال: حدّثنا أبي قال: حدّثني أبي
المغيرة بن شعيب قَالَ: حضرت يحيى بن خالد [وهو] [7] يقول لابن السماك:
/ إذا دخلت على [8] أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عَلَيْهِ. قَالَ:
فلما دخل عَلَيْهِ وقام بين يديه قَالَ: يا أمير المؤمنين، إن لك بين
يدي الله مقاما، وإن لك من مقامك منصرفا، فانظر [9] إلى أَيْنَ منصرفك
إلى الجنة أم إلى النار. قَالَ: فبكى هارون حتى كاد أن [10] يموت [11]
.
توفي ابن السماك بالكوفة في هذه السنة.
__________
[1] «مولى بني عجل» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 5/ 368- 374.
[3] في الأصل: «حسين بن الجعفي» .
وفي الأصل: «حسين الجعفي»
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «بكر بن الخطيب» .
[6] في الأصل: «حمد» .
وفي ت: «حميد» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «إذا أحضرت عند» .
[9] في الأصل: «فأين» .
[10] «ان ساقطة من ت.
[11] تاريخ بغداد 5/ 372، 373.
(9/86)
997- موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عَنْهُمْ، أبو الحسن الهاشمي
[1] .
ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين. وقيل: سنة تسع وعشرين. وولد له
أربعون ولدا من ذكر وأنثى، وكان كثير التعبد، جوادا، وإذا بلغه عن رجل
أنه يؤذيه بعث إليه ألف دينار، وخرج إلى الصلح [2] .
وأهدى له بعض العبيد عصيدة، فاشترى الضيعة التي فيها ذلك العبد والعبد
بألف دينار، وأعتقه ووهبها لَهُ.
وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة لمنام له رآه.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثَابِت قَالَ: حدثني
الحسن بْن مُحَمَّد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن
عمران قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى الصولي قَالَ: حدثنا عون بن
مُحَمَّد قَالَ: سمعت إِسْحَاق الموصلي يَقُولُ: حدثني الفضل بن
الربيع، عن أبيه: أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم
علي بن أبي طالب رضي الله عَنْه وهُوَ يَقُولُ: يا مُحَمَّد فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22 [3] قَالَ الربيع: فأرسل إلي ليلا،
فراعني ذلك فجئته، فإذا هو يقرأ/ هذه الآية، وكان أحسن النَّاسَ صوتا.
وقال علي بموسى بن جعفر: فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وقَالَ: يا
أبا الحَسَن، رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم فقرأ علي
كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فَقَالَ: والله لا فعلت
ذلك، ولا هو من شأني قَالَ: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده
إلى أهله إلى المدينة [4] قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلّا
وهو على الطريق خوف العوائق [5] .
__________
[1] تاريخ بغداد 13/ 27- 32.
[2] تاريخ بغداد 13/ 27.
[3] سورة: محمد، الآية: 22.
[4] في الأصل: «ورده إلى المدينة إلى أهله» .
[5] تاريخ بغداد 13/ 30، 31.
(9/87)
قال مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [1] : ثم لم
يزل مقيما بالمدينة إلى أيام الرشيد، فحج الرشيد فاجتمعا عند قبر
النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ فسمع منه الرشيد كلاما غيره
[2] .
وهو ما أخبرنا به منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن على قَالَ:
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بن
أَحْمَد الواعظ قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بن القاسم [3] قَالَ: حدثني
أحمد بن وَهْبِ قَالَ: أخبرني عبد الرحمن بن صالح الْأَزْدِيّ قَالَ:
حج هارون الرشيد فأتى قبر النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ
زائرا له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر فلما انتهيا إلى
القبر قَالَ: السلام عليك يا رسول الله [4] ، يا ابن عم. افتخارا على
من حوله، فدنا موسى بن جعفر فَقَالَ: السلام عليك يا أبت فتغير وجه
هارون وقَالَ: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا [5] ؟
ثم اعتمر الرشيد في رمضان سنة تسع وسبعين، فحمل موسى معه/ إلى بغداد
فحبسه بها، فتوفي في حبسه، فلما طال حبسه كتب إلى الرشيد بما أخبرنا به
عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا
الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا
عبد الواحد بن محمد الخصيبي قَالَ: حدثني أحمد بن إِسْمَاعِيل قَالَ:
بعث موسى بْن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت: إنه لن ينقضي عني
يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى
يوم ليس فيه انقضاء، يخسر فيه المبطلون [6] . توفي موسى بن جعفر لخمس
بقين من رجب هذه السنة.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرِ بْنُ ثابت]
[7] الخطيب قال: أخبرنا القاضي أبو
__________
[1] «مؤلف الكتاب رحمه الله» ساقطة من ت. وبدلا منها: «وقال المصنف» .
[2] في ت: «كلمات غيرته» .
[3] في الأصل: «الحسين بن الفهم» .
[4] «يا رسول الله» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 13/ 31.
[6] تاريخ بغداد 13/ 32.،
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/88)
محمد الحسن بن الحسين الأستراباذي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنُ حَمْدَانَ القطيعي قال:
سَمِعْتُ الحسن بن [1] إبراهيم الخلال يَقُولُ: ما أهمني أمر، فقصدت
قبر موسى بن جعفر، فتوسلت به إلّا سهل الله لي ما أحب.
998- هشيم بن بشير بن أبي حازم، واسم أبي حازم: القاسم بن دينار. وكنية
هشيم: أبو معاوية، السلمي الواسطي
[2] .
بخاري الأصل. ولد سنة أربع ومائة، وكان أبوه طباخ الحجاج بن يوسف.
سمع هشيم من: عمرو بن دينار، والزُّهْرِيّ، ويونس بن عُبَيْد، وأيوب،
وابن عَوْن، وخلق كثير.
روى عَنْه: مالك، والثَّورِي، وشعبة، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل،
وغيرهم.
وكان من العلماء الحفاظ الثقات.
أَخْبَرَنَا/ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قال: أخبرنا [أحمد بن علي]
[3] الخطيب، قال:
أخبرنا العتيقي قال: حدثنا محمد بن العباس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ الجلاب قَالَ: قال أَبُو إسحاق
الحربي كان هشيم رجلا كان أبوه صاحب صحناة وكواميخ [4] ، يقال له: بشر،
فطلب ابنه هشيم الحديث واشتهاه، وكان أبوه يمنعه، فكتب الحديث حتى جالس
أبا شيبة القاضي، وكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم، فقال أبو
شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل. فَقَالَ:
قوموا بنا حتى نعوده [فقام أهل المجلس جميعا يعودونه حتى جاءوا إلى
منزل بشير، فدخلوا إلى هشيم، فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة.
فَقَالَ: الحق ابنك، قد جاء القاضي إليه يعوده] [5] فجاء بشير والقاضي
[6] في داره فلما خرج قَالَ لابنه: يا بني، قد
__________
[1] «الأستراباذي ... سمعت الحسن بن» . ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 14/ 85- 94.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] الصحنا والصحناة: إدام يتخذ من السمك الصغار منه مصلح للمعدة.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فجاء القاضي وبشير» .
(9/89)
كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا.
فصار القاضي يجيء إلى بابي، متى أملت [1] أنَا هذا؟ [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أحمد
بن أحمد بْن رزق قَالَ: حدثنا أحمد بن سليمان النجاد قَالَ: حدثنا عبد
الله بن محمد بن أبي الدنيا قَالَ: حدثني من سمع عمرو بن عَوْن قَالَ:
مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشر سنين [3] .
توفي هشيم ببغداد في شعبان هذه السنة.
999- يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، أبو سَعِيد
[4] .
سَمِعَ أَبَاهُ وهشاما بن عُمَر، والأعمش. [وغيرهم. روى عَنْه: قتيبة،
وأحمد، ويحيى] [5] وغيرهم وولي قضاء المدائن، وكان عالما ثقة.
وقال ابن المَدِيني: انتهى العلم إليه في زمانه. وقال عبد الرحمن بن
أبي حاتم:
هو أول من صنف الكتب بالكوفة [6] .
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة/ اثنتين وثمانين. وقيل أربع وثمانين
[7] ، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
__________
[1] في ت: «آمنت» .
وما أثبتناه من الأصل وتاريخ بغداد.
[2] تاريخ بغداد 14/ 87.
[3] تاريخ بغداد 14/ 93.
[4] تاريخ بغداد 14/ 114- 119.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 14/ 116.
[7] «وثمانين» ساقطة من ت من الموضعين.
(9/90)
1000- يونس بن حبيب
[1] .
صحب أبا عمرو بن العلاء، وسمع من العرب. وقد روى عن العرب. وروى [2] .
عنه سيبويه، فأكثر. وله مذهب في النحو تفرد به، وقد سمع منه الكسائي
والفراء، وكانت حلقته بالبصرة يتباهى بها أهل العلم وأهل [3] الأدب
وفصحاء العرب والبادية.
توفي في هذه السنة وله ثمان وتسعون سنة.
__________
[1] وفيات الأعيان 2/ 416. طبقات النحاة لابن قاضي شهبة (خط) . والمزهر
2/ 231. ومرآة الجنان 1/ 388.
[2] «عن العرب وروى» ساقطة من ت.
[3] «أهل» ساقطة من ت.
(9/91)
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قدوم هارون مدينة السلام في جمادى الآخرة منصرفا إليها من الرقة في
الفرات بالسفن، وغرق أكثر بغداد بزيادة الماء [1] .
وولي حماد البربري مكة واليمن، وولي داود بن يزيد بن حاتم المهلبي
السند، ويحيى الحرشي الجبل، ومهرويه الرازي طبرستان، [وقام بأمر] [2]
إفريقية إبراهيم بن الأغلب [3] .
وفيها: خرج أبو عمرو الشاري فقتل [4] .
وفيها: طلب أبو الخصيب الأمان، فأعطاه ذلك علي بن عيسى [5] .
وفيها: حج بالناس إبراهيم بن محمد المهدي أمير المؤمنين [6] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 272. والبداية والنهاية 10/ 184.
[2] الزيادة من تاريخ الطبري 8/ 272.)
[3] تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321.
[4] تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321. والبداية والنهاية 10/ 184،
وتاريخ الموصل ص 299.
[5] تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321.
[6] في ت: «وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن المهدي» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 272. والكامل 5/ 321. وتاريخ الموصل ص 300.
والبداية والنهاية 10/ 184.
(9/92)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
1001- أحمد بن هارون الرشيد
[1] .
أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيُّ
قَالَ: أنبأنا أبو طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ
الْعِشَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ غالب/ الخوارزمي قَالَ: أَخْبَرَنَا إبراهيم بن أحمد
المزكي قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قَالَ: سمعت
عليّ بن الموفق يَقُولُ: سمعت عبد الله بن الفتوح يَقُولُ: خرجت يوما
أطلب رجلا يرم لي شيئا في الدار، فذهبت، فأشير لي إلى رجل حسن الوجه
بين يديه مزود وزنبيل، فقلت: تعمل لي؟ قَالَ: نعم بدرهم [2] ودانق.
فقلت: قم. فقام فعمل لي عملا بدرهم ودانق [ودرهم ودانق، ودرهم ودانق]
[3] ثم أتيت يوما آخر فسألت عنه فقيل ذاك رجل لا يرى في الجمعة إلا
يوما واحدا يوم كذا. قال: فجئت ذلك اليوم، فقلت: تعمل لي؟ قَالَ: نعم
بدرهم ودانق. فقلت أنا [4] : بدرهم. فَقَالَ: بدرهم ودانق [5] . ولم
يكن بي الدانق، ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده، فلما كان المساء وزنت
لَهُ درهما [6] ، فقال لي: ما هذا؟ قلت: درهم. قَالَ: ألم أقل لك: درهم
ودانق؟! أفسدت عليّ. فقلت: وأنا ألم أقل لك بدرهم؟ فَقَالَ: لست آخذ
منه شيئا قَالَ: فوزنت له درهما ودانقا. فقلت: خذ. فأبى [أن يأخذ] [7]
وقَالَ: سبحان الله أقول [لك] [8] لا آخذ وتلح عليّ!؟ فأبى أن يأخذه
ومضى.
قَالَ: فأقبل علي أهلي، وقالت: فعل الله بك ما أردت من رجل عمل لك عملا
بدرهم أن أفسدت عَلَيْهِ. قَالَ: / فجئت يوما أسأل عنه [9] ، فقيل لي:
مريض،
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 184.
[2] في ت: «تعمل لي؟ فقال: بدرهم» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «أنا» ساقطة من الأصل.
[5] في ت: «فقلت: قم» .
[6] في ت: «وزفت درهما» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «فسألت عنه» .
(9/93)
فاستدللت على بيته فأتيته، فاستأذنت عليه
فدخلت وهو مبطون، وليس في بيته شيء إلا ذَلِكَ المزود [1] والزنبيل،
فسلمت عَلَيْهِ وقلت لَهُ: لي إليك حاجة، وتعرف فضل إدخال السرور عَلَى
المؤمن أحب لما جئت إلى بيتي أمرضك. قَالَ: وتحب ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نعم.
قَالَ: بشرائط ثلاث. قُلْتُ: نعم. قَالَ: أن لا تعرض علي طعاما حتى
أسألك، وإذا أنا مت أن [2] تدفني في كسائي وجبتي هذه. قُلْتُ: نعم.
قَالَ: والثالثة أشد منهما، وهي شديدة، قُلْتُ: وإن كان. فحملته إلى
منزلي عند الظهر، فلما كان من [3] الغد ناداني يا عبد اللَّه [فقلت: ما
شأنك. قَالَ] [4] قد احتضرت، افتح صرة على كم جبتي. قَالَ:
ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر، فَقَالَ: إذا أنا مت ودفنتني فخذ
هذا الخاتم، ثم ادفعه إلى هارون [الرشيد] [5] أمير المؤمنين، فقل لَهُ:
يقول لك صاحب هذا الخاتم:
ويحك! لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت. قَالَ:
فلما دفنته سألت [6] يوم خروج هارون الرشيد [7] أمير المؤمنين، وكتبت
قصة، وتعرضت له وأوذيت أذى شديدا، فلما دخل قصره وقرأ القصة وقَالَ:
علي بصاحب هذه القصة.
قال: فأدخلت عليه وهُوَ مغضب يَقُولُ: يتعرضون لنا ويفعلون. فلما رأيت
غضبه/ أخرجت الخاتم، فلما نظر إلى الخاتم قَالَ: من أين لك هذا
[الخاتم] [8] قلت: دفعه إلي رجل طيان. فقال لي: طيان طيان، وقربني منه.
فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية. فقال [9] لي: ويحك! قل.
فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقول
لك يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك: ويحك لا تموتن على سكرتك
هذه فإنك إن مت عليها ندمت. فقام على رجليه قائما وضرب
__________
[1] في الأصل: «في بيته غير المزود» .
[2] «ان» ساقطة من ت.
[3] في ت: «فلما أصبحت» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «سألته» .
[7] «الرشيد» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «قال» .
(9/94)
بنفسه على البساط، وجعل يتقلب عَلَيْهِ
ويقول: يا بني نصحت أباك. فقلت في نفسي:
كأنه ابنه، ثم جلس وجاءوا بالماء، فمسحوا وجهه، وقَالَ: كيف عرفته؟
قَالَ: فقصصت عليه قصته.
قَالَ: فبكى وقَالَ: هذا أول مولود لي، وكان أبي المهدي ذكر لي زبيدة
أن يزوجني بها [1] ، فبصرت بهذه [2] المرأة فوقعت في قلبي، وكانت خسيسة
فتزوجتها سرا من أَبِي، فأولدتها هذا المولود، وأحدرتها إلى البصرة
[وأعطيتها] [3] هذا الخاتم وأشياء، وقلت لها [4] : اكتمي نفسك، فإذا
بلغك أني قعدت للخلافة فأتيني، فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فقيل [لي
إنهما] [5] ماتا، ولم أعلم أنه باق، فأين دفنته؟
قُلْتُ: يا أمير المؤمنين دفنته في قبور عبد الله بن مالك. / قَالَ: لي
إليك حاجة، إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أنزل [6] إليك
[فأخرج] [7] متنكرا إلى قبره.
فوقفت لَهُ، فخرج متنكرا والخدم حوله حتى وضع يديه بيدي، وصاح بالخدم
فتنحوا، فجئت به إلى قبره، فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويداه ورأسه
ولحيته على قبره [وجعل] [8] يَقُولُ: يا بني، لقد نصحت أباك. قَالَ:
فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني لَهُ، ثم سمع كلاما فقال: كأني أسمع كلام
النَّاسَ. قلت: أجل أصبحت يا أمير المؤمنين، قد طلع الفجر. فقال لي: قد
أمرت لك بعشرة آلاف درهم، واكتب عيالك مع عيالي، فإن لك علي حقا بدفنك
ولدي، وإن أنا مت أوصيت: من يكون من بعدي أن يجري عليك ما بقي لك عقب،
ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبا من القصر [ويده بيدي، فلما صار إلى
القصر] [9] قال: أَنظر ما أوصيك به إذا طلعت الشمس، فقف لي حتى
__________
[1] «بها» ساقطة من ت.
[2] «بهذه» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «لها» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «حتى أخرج» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/95)
أنظر إليك فأدعو بك فتحدثني حديثه. قُلْتُ:
إن شاء الله، فلم أعد إِلَيْهِ.
[قال المصنف] [1] : وقد روي حديث السبتي من طريق آخر، وفيه أشياء تخالف
هذا، وهذه الطريق التي سقناها أصح، وأسنادها ثقات.
وقد زاد القصّاص في حديث السبتي، وأبدءوا وأعادوا وذكروا أنه كان من
زبيدة، وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المرِّيُّ، فوقع من فرسه وأشياء كلها
محال.
1002- زين بن شعيب بن كريب، أبو عبد الملك المعافري
[2] .
روى عَنْه: ابن وَهْبِ، وغيره، وآخر من حدث عنه: مرة الترسلي. وكانت له
[3] .
عبادة وفضل، كان يحيى بن بُكَيْر يَقُولُ: حدثني زين بن شُعَيْب وكان
والله زينا.
توفي بالإسكندرية في هذه/ السنة.
1003- عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو
بكر الأسدي
[4] .
روى عَن أبي حازم، وهشام بن عروة، وموسى بن عقبة، وغيرهم. فلما قدم
المهدي المدينة اتصل به، وصار أحد خواصه، وكان المهدي يقول: والله ما
كان في آبائه أحد إلا وهو أكمل منه، وما له في الناس نظير في كماله [5]
.
وبعث إليه أبو عبيد الله بألفي دينار فردها وكتب إليه إني لا أقبل صلة
إلا من خليفة أو ولي عهد [6] .
ولما بايع المهدي لموسى قال له عبد الله بن مُصْعَب:
اشدد بهارون حبال العقد ... ووله بعد وليّ العهد.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «المعامري» .
[3] في الأصل: «كان له» .
وفي ت: «وكانت عبادة» .
[4] البداية والنهاية 10/ 185. وتاريخ بغداد 10/ 173- 176.
[5] تاريخ بغداد 10/ 174.
[6] تاريخ بغداد 10/ 174.
(9/96)
فبايع له بعد موسى، فقال له عبد الله بن
مُصْعَب:
لا قصرا عنها ولا بلغتهما ... حتى تطول علي يديك طوالها
فلما ولي الرشيد عرض على عبد الله بن مصعب الولاية [فأبى] [1] ،
فألزمه، فكان جميل السيرة.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] [2] الخطيب
قَالَ: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن
سليمان الطوسي قال:
حدثنا الزبير قال: حدّثني عمي مُصْعَب قَالَ: كان أبي يكره الولاية،
فعرض عليه الرشيد ولاية المدينة، فأبى فألزمه، فأقام على ذلك ثلاث [3]
ليال يلزمه فيأبى، فلما كان في الليلة الثالثة قال لَهُ: أغد علي
بالغداة إن شاء اللَّه فغدا [عَلَيْهِ] [4] فدعا أمير المؤمنين بقناة
وعمامة [5] ، فعقد اللواء بيده، / ثم قَالَ: عليك طاعة؟ قَالَ: نعم يا
أمير المؤمنين. قَالَ:
فخذ هذا اللواء. فأخذه، وقَالَ له: أما إذا ابتليتني يا أمير المؤمنين
[6] بعد العافية فلا بد لي أن أشترط لنفسي؟ قال لَهُ: اشترط. فاشترط
خلالا، منها: أنه قال له مال الصدقات مال قسمه الله بنفسه، ولم يكله
إلى أحد من خلقه، فلست أستجيز أن أرتزق منه، ولا بد أن أرزق المرتزقة،
فاحمل معي رزقي ورزق المرتزقة من مال الخراج. قَالَ: قد أجبتك إلى ذلك
[7] .
قَالَ: وأنفذ من كتبك ما رأيت [، وأقف] [8] عما لا أرى، قَالَ: وذلك
لك. قَالَ:
فولي المدينة، وكان يأمر بمال الصدقات يصير إلى عبد العزيز بن محمد
الدراوَرْديّ، وإلى آخر معه وهو يحيى بْن أبي غسان، فكانا يقسمانه، ثم
ولّاه الرّشيد اليمن، وزاده
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «ثلاث» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «عمامته» .
[6] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «إلى هذا» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/97)
معها ولاية عك، وكانت عك إلى والي مكَّةَ،
ورزقه ألفي دينار في كل شهر. فَقَالَ يحيى بْن خَالِد: يا أمير
المؤمنين، كان رزق والي اليمن ألف دينار، فجعلت رزق عبد الله بن مصعب
ألفي دينار، وأخاف أن لا يرضى أحد توليه اليمن من الرزق [1] من قومك
بأقل ما أعطيت عَبْد الله بن مصعب، فلو جعلت رزقه ألف دينار كما كان
[يكون] [2] وأعضته من الألف الأخرى ما لا تجيزه به لم يكن عليك حجة
لأحد من قومك في الجائزة فصير رزقه ألف دينار، وأجازه بعشرين ألف
دينار، واستخلف على اليمن الضحاك بن عثمان [3] .
قال مؤلف الكتاب رحمه الله [4] : ثم ولى المدينة/ ابنه بكار بن عبد
اللَّه، وشخص عبد الله بْن مصعب إلى بغداد، ثم رحل إلى الرقة في صحبة
الرشيد، فتوفي بها فِي ربيع الأول من هذه السنة، وهو ابن سبعين سنة،
فتلهف عليه الرشيد، وبعث ابنه المأمون فصلى [5] عَلَيْهِ.
أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَارِعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان
الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عبد الله بن نافع قال:
قال لي عبد الله بن مُصْعَب: أريت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول: يولد
لك ابن من أم ولدك ولا تراه، فلم يكن شيء أثقل عليه من [حمل] [6] أم
ولده أم عبد الله، فولدت عبد الله بْن عبد الله بن مصعب يوم مات عبد
الله، فلم يره.
1004- عبد الله بن عبد العزيز العمري، أبو عبد الرحمن
[7] .
أدرك أبا طوالة، وروى عَن أَبِيهِ، وعن إبراهيم بن سعد، وكان عابدا
مجتهدا، ووعظ الرشيد فبالغ.
__________
[1] «من الرزق» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 10/ 175، 176.
[4] في ت: «قال المؤلف» .
[5] في ت: «يصلي عليه» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] البداية والنهاية 10/ 185.
(9/98)
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ إْبِرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ الْحَبَّالِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الْجَرَّاح قَالَ: حدثنا محمد
بن جعفر بن دران قَالَ: أخبرنا هارون بن عبد العزيز العباسي قَالَ:
حدثنا محمد بن خلف بن حِبّان قال: حدثنا محمد بن إسحاق بْن عَبْد
الرحمن البغوي قَالَ: سمعت سعيد بن سليمان يَقُولُ: كنت بمكة في رواق
[1] الشطوي وإلى جنبي عَبْد الله بن عبد العزيز [العمري] [2] وقد حج
هارون الرشيد، فقال لي إنسان: يا أبا عبد الرحمن، هو ذا أمير المؤمنين
يسعى، قد أخلي له المسعى [3] . قَالَ/ العمري للرجل: لا جزاك الله عني
خيرا، كلفتني أمرا كنت عنه غنيا. ثم تعلق نعليه وقام، فتبعته، فأقبل
هارون [الرشيد] [4] من المروة [5] يريد الصفا، فصاح بِهِ: يا هارون
قَالَ: فلما نظر إليه قال: لبيك يا عم. قال: ارق الصفا.
فلما رقيه قَالَ: ارم بطرفك [إلى البيت] [6] قَالَ: قد فعلت. قَالَ: كم
هُمْ؟ قَالَ: ومن يحصيهم؟ قال: فكم في الناس مثلهم؟ قَالَ: خلق لا
يحصيهم إلا الله، قَالَ: اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن
حاجته نفسه، وأنت تسأل وحدك [7] عنهم كلهم، فانظر كيف تكون. قَالَ:
فبكى هارون، وجلس وجعلوا يعطونه منديلا منديلا للدموع.
قال العمري: وأخرى أقولها [لك] [8] قَالَ: قل يا عم. قَالَ: والله إن
الرجل ليسرع في ماله فيستحق الحجر عَلَيْهِ، فكيف بمن أسرع في مال
المسلمين؟ ثم مضى وهارون يبكي.
قال محمد بن خلف: سمعت محمد بن عبد الرَّحْمَن يَقُولُ: بلغني أن هارون
الرشيد قَالَ: إني لأحب أن أحج كل سنة ما يمنعني إلا رجل من ولد عمر،
ثم يسمعني ما أكره.
__________
[1] في ت: «في زقاق» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «له الطواف» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «على المروة» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «وحدك» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/99)
وقد روي لنا من طريق آخر أنه لقيه بالمسعى
[1] ، فأخذ بلجام دابته فأهوى الأجناد إِلَيْهِ، فكفهم عنه الرشيد،
فكلمه، فإذا دموع الرشيد تسيل على معرقة دابته، ثم انصرف.
وإنه لقيه مرة فَقَالَ: يا هارون، فعلت وفعلت. فجعل يسمع منه ويقول:
مقبول منك يا عم، على الرأس والعين [2] . فقال لَهُ: يا أمير المؤمنين،
حال الناس كيت وكيت. / فقال: عن غير علمي وأمري.
وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه، فلما نزل الكوفة زحف العسكر، حتى لو
[كان] [3] نزل بهم مائة ألف من العدو وما زادوا على هيئته، ثم رجع ولم
يصل إِلَيْهِ.
توفي العمري بالمدينة في هذه السنة، وهو ابن ست وستين سنة.
1005- محمد بن يوسف بن معدان، أبو عبد الله الأصفهاني
[4] .
أدرك التابعين، وتشاغل بالتعبد، وكان ابن المبارك يسميه عروس الزهاد.
وقال ابن المهدي: ما رأيت مثْلَه.
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت أفضل منه، وكان كأنه قد عاين.
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد الباقي قَالا: أَخْبَرَنَا حَمَدُ
بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن جعفر [بن حبان] [5] الحافظ قَالَ:
حدثنا أحمد بن عصام قَالَ: حدثني يوسف بن زكريّا قَالَ: كان محمد بن
يوسف لا يشتري زاده من خباز واحد ولا من بقال واحد، قَالَ: لعلهم
يعرفوني فيحابوني، فأكون ممن يعيش بدينه.
قال ابن عاصم: وأخبرنا عبد الرحمن بن عمر قَالَ: قال عبد الرحمن بن
مهدي
__________
[1] في ت: «في المسعى» .
[2] في الأصل: «على الرأس والرأس» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] البداية والنهاية 10/ 185. وحلية الأولياء 9/ 49.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
و «الحافظ» ساقطة من ت.
(9/100)
باينت محمد بن يوسف في الشتاء والصيف فلم
يكن يضع جنبه.
توفي محمد بن يوسف [1] ، ولم تكتمل له أربعون سنة.
1006- المعافى بن عمران، أبو مسعود الأزدي الموصلي
[2] .
رحل في طلب الحديث إلى البلاد البعيدة، / وجالس العلماء، ولازم سفيان
الثوري فتفقه به وتأدب بآدابه، حدث عَنْه وعن أبي ذئب، ومالك، وابن
جُرَيْج، وغيرهم [3] .
وكان سُفْيان يَقُولُ: أنت معافى كاسمك [4] . وكان يسميه الياقوتة،
فيقول: يا ياقوتة [5] العلماء.
وصنف كتبا، وروى عَنْه: ابن المبارك، وبشر الحافي، وكان زاهدا عابدا
[6] ، فاضلا عاقلا، صاحب سنّة ثقة [7] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو منصور] القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر بْنِ
ثَابِتٍ] [8] الْخَطِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمر بن
القاسم النرسي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي
قَالَ: حدثنا هيثم بن مجاهد قَالَ: حدثنا إسحاق بن الضيف قَالَ: سمعت
بشر بن الحارث يَقُولُ:
قتل للمعافى بن عمران ابنان في وقعة الموصل، فجاء إخوانه يعزونه من
الغد، فقال لهم: إن كنتم جئتم لتعزوني فلا تعزوني، ولكن هنئوني، قَالَ:
فهنوه، فما برحوا حتى غدّاهم وغلفهم بالغالية [9] .
__________
[1] «محمد بن يوسف» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 10/ 226- 229. والتاريخ الكبير 8/ 60. والجرح والتعديل
8/ 399. وتهذيب التهذيب.
10/ 199. والتقريب 2/ 258. وتاريخ الموصل ص 301.
[3] «حدث عنه ... وغيرهم» ساقطة من ت.
[4] «وكان سفيان ... كإسمك» ساقطة من ت.
[5] في ت: «ياقوتة» بسقوط أداة النداء.
[6] «عابدا» ساقطة من ت.
[7] في ت: «وفقه» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] تاريخ بغداد 10/ 228.
(9/101)
توفي المعافى في هذه السنة بالموصل [1] .
وقيل: في سنة خمس. وقيل: ست.
1007- يعقوب بن الربيع. حاجب المنصور
[2] .
وهو أخو الفضل بن الربيع، كان أديبا شاعرا، حسن الافتنان في العلوم،
وكان له جارية طلبها سبع سنين يبذل فيها ماله وجاهه حتى ملكها، وأعطي
بها [مائة] [3] ألف دينار فلم يبعها، ولم تمكث عنده إلا ستة أشهر حتى
ماتت، فرثاها بمراث كثيرة [4] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن
ثابت] [5] الخطيب قَالَ: أخبرنا التنوخي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد
بْن عمران المرزباني قَالَ: أنشدنا/ علي بن سليمان الأخفش ليعقوب بن
الربيع:
أضحوا يصيدون الظباء وإنني ... لأرى تصيدها علي حراما
أشبهن منك سوالفا ومدامعا ... فأرى بذاك لها علي ذماما
أعزز علي بان أودع شبهها ... أو أن تذوق على يدي حماما
[6] وله أيضا في جاريته:
لئن كان قربك لي نافعا ... لبعدك أصبح لي أنفعا
لأني أمنت رزايا الدهور ... وإن جل خطب بأن أجرعا [7]
__________
[1] في الأصل: «توفي المعافى بالموصل في هذه السنة بالموصل» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 267، 268.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 14/ 267.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 14/ 267.
[7] تاريخ بغداد 14/ 268.
(9/102)
ثم دخلت سنة خمس
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قتل أهل طبرستان مهرويه الرازي واليها، فولى الرشيد مكانه عبد الله بن
سعيد [الحرشي] [1] .
وفيها: قتل عبد الرحمن الأبناوي [2] أبان بن قحطبة الخارجي بموج القلعة
[3] .
وفيها: أغار حمزة الشاري بباذغيس من خراسان فوثب عيسى بن علي على عشرة
آلاف من أصحاب حمزة فقتلهم، وبلغ كابل، وزابلستان [4] .
[وفيها غدر أبو الخصيب، وخرج وذهب إلى مرو، فأحاط بها، فهزم، ومضى نحو
سرخس، وقوي أمره] [5] .
وفيها: مات يزيد بن مزيد ببرذعة، فولّي مكانه أسد بن يزيد [6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/
186.
[2] في الأصل: «الأبياوي» .
وفي ت: «الأنباري» وكذا في الكامل وابن كثير. والصحيح ما أثبتناه، وهو:
«عبد الرحمن بن جبلة الأبناوي» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/ 186.
[4] تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/ 186.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 273. والكامل 5/ 322. والبداية والنهاية 10/
186.
[6] في الأصل: «فولى أسد بن يزيد مكانه» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 273. وتاريخ الموصل ص 300. والبداية والنهاية
10/ 186.
(9/103)
وفيها: شخص الرشيد إلى الرقة على طريق
الموصل [1] .
واستأذنه فيها يحيى بن خالد في العمرة والمجاورة، فأذن له، فخرج في/
شعبان هذه السنة [2] ، واعتمر عمرة رمضان، ثم رابط بجدة إلى وقت الحج
[3] .
وفيها: حج بالناس [4] منصور بن المهدي ووقعت صاعقة في المسجد الحرام في
رمضان هذه السنة على بعض ظلال المسجد الحرام [5] فأحرقت الظلة، وقتلت
رجلين [6]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1008- عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس
[7] .
روى عن أَبِيهِ، ولد سنة أربع ومائة، وكان عظيم الخلق، وكانت فيه
عجائب:
منها: أنه حج يزيد بن معاوية سنة خمسين، وحج [8] عبد الصمد بالناس [9]
سنة خمسين ومائة. كذلك ذكره أبو بكر الخطيب.
وقال الزبير بن بكار: حج يزيد بالناس [10] سنة خمسين، وعبد الصمد سنة
خمسين إحدى ومائة [11] وكان بين حجهما [مائة سنة على قول الخطيب، وهما
في النسب إلى عبد مناف سواء، لأن يزيد هو ابن معاوية بن صخر بن حرب بن
أمية بن
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 273. تاريخ الموصل ص 300.
[2] «هذه السنة» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 273. والبداية والنهاية 10/ 186.
[4] في ت: «ثم حج بالناس في هذه السنة» .
[5] «الحرام» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 274. والبداية والنهاية 10/ 186. والكامل 5/ 322.
[7] تاريخ بغداد 11/ 37- 39.
[8] «وحج» ساقطة من ت.
[9] «بالناس» ساقطة من ت.
[10] «بالناس» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «سنة إحدى وسبعين» وهو خطأ.
(9/104)
عبد شمس بن عبد مناف. وعبد الصمد بن علي بن
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف] [1] .
ومنها: أنه ولد سنة أربع ومائة، وتوفي سنة خمس وثمانين.
وولد أخوه محمد بن علي سنة ستين، وكانت بينه وبين أخيه في المولد أربع
وأربعون [2] سنة.
وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين، وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثمانين،
وكان بينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة [3] .
ومنها: أنه ولد عبد الله بن الحارث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو وعبد الصمد إلى عبد مناف سواء.
ومنها: أنه أدرك [أبا] [4] العباس وهو ابن أخيه، وأدرك المنصور وهو ابن
أخيه، ثم أدرك [5] المهدي وهو عم أَبِيهِ، ثم أدرك الهادي وهو عم جدّه،
/ ثم أدرك الرشيد.
وقال يوما للرشيد: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه أمير المؤمنين، وعم
أمير المؤمنين، وعم عمه، وعم عم عمه، وذلك أن سليمان بن جعفر عم
الرشيد.
والعباس بن محمد بن علي عم سليمان، وعبد الصمد عم الْعَبَّاس.
ومنها: أنه مات بأسنانه التي ولد بها ولم تتغير، وكانت أسنانه قطعة
واحدة من أسفل [6] .
ومنها: أنه طارت ريشتان إلى عينيه فذهب بصره [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل «أربع وخمسون» والتصحيح من ت وتاريخ بغداد.
[3] في الأصل: «تسعا وثلاثين سنة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «المنصور وهو ابن أخيه، ثم أدرك» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 11/ 37، 38.
[7] تاريخ بغداد 11/ 38.
(9/105)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [1] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
حدثني عبد العزيز بْن عَلي الوراق قَالَ: حدثنا أبو موسى هارون بن عيسى
[2] الخطيب قَالَ: حدثنا إبْرَاهِيم بن عَبْد الصمد بن موسى بن محمد بن
إبراهيم الإمام قَالَ: حدّثني أبي قال: حدّثنا جدي [3] محمد بن إبراهيم
الإمام- وكان يجلس لولده وولد ولده في كل يوم خميس يعظهم ويحدثهم-
قَالَ: أرسل إلي المنصور بكرة واستعجلني الرَّسُول فدخلنا، فإذا الربيع
واقف عند الستر، وإذا المهدي ولي العهد في الدهليز جالس، وإذا عبد
الصمد بن عليّ، وداود بن عليّ، وإسماعيل بن عليّ [وسليمان بن عليّ] [4]
، وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن حسن بن حسن، والعباس
بن مُحَمَّد، فقال الربيع: اجلسوا مع بني عمكم فجلسنا، ثم دخل الربيع
وخرج، وقَالَ للمهدي: ادخل أصلحك الله. ثم خرج، فَقَالَ: ادخلوا جميعا.
[فدخلنا] [5] فسلمنا، وأخذنا/ مجالسنا، فقال للربيع: هات دوى وما
يكتبون فيه. فوضع بين يدي كل واحد منا دواة وورق، ثم التفت إلى عَبْد
الصمد بن عليّ فَقَالَ: يا عم، حدث ولدك واخوتك [6] ، وبني أخيك بحديث
البر والصلة.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ [7] : حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ
جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْبِرَّ وَالصِّلَةِ
لَيُطِيلانِ فِي الأَعْمَارِ، وَيُعَمِّرَانَ الدِّيَارَ،
وَيُثْرِيَانِ الأَمْوَالَ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ فُجَّارًا» . ثُمَّ
قَالَ: يَا عَمِّ، الْحَدِيثَ الآخر.
فقال عبد الصمد: حدثني أبي، عن جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
الْبِرَّ وَالصِّلَةَ لَيُخَفِّفَانِ سُوءَ الْحِسَابِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ» ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ 13: 21
__________
[1] «القزاز» ساقطة من ت.
[2] «بن عيسى» ساقطة من ت.
[3] «جدي» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «وأقربك» .
[7] «بن علي» ساقطة من ت.
(9/106)
يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ
يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ 13: 21
[1] .
فقال المنصور: يَا عَمِّ، الْحَدِيثَ الآخَرَ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي [2] ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ
فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَلِكَانِ أَخَوَانِ عَلَى مَدِينَتَيْنِ،
وَكَانَ أَحَدُهُمَا بَارًّا بِرَحِمِهِ، عَادِلا عَلَى رَعِيَّتِهِ،
وَكَانَ الآخَرُ عَاقًّا بِرَحِمِهِ، جَائِرًا عَلَى رَعِيَّتِهِ،
وَكَانَ فِي عَصْرِهِمَا نَبِيٌّ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى
ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِ هَذَا الْبَارِّ
ثَلاثُ سِنِينَ، وَبَقِيَ مِنْ هَذَا [3] الْعَاقِّ ثَلاثُونَ سَنَةً.
قَالَ: فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ رَعِيَّةَ هَذَا وَرَعِيَّةَ هَذَا،
فَأَحْزَنَ ذَلِكَ رَعِيَّةَ الْعَادِلِ، وَأَحْزَنَ ذَلِكَ رَعِيَّةَ
الْجَائِرِ، قَالَ: فَفَرَّقُوا بَيْنَ الأَطْفَالِ/ وَالأُمَّهَاتِ،
وَتَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَخَرَجُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ
يَدْعُوَن اللَّهَ أَنْ يُمَتِّعَهُمْ بِالْعَادِلِ، وَيُزِيلَ
عَنْهُمْ أَمْرَ الْجَائِرِ [فَأَقَامُوا ثَلاثًا،] [4] فَأَوْحَى
اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنْ أَخْبِرْ عِبَادِي أَنِّي قَدْ
رَحِمْتُهُمْ، وَأَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ، فَجَعَلْتُ مَا بَقِيَ مِنْ
عُمْرِ هَذَا الْبَارِ لِذَلِكَ الْجَائِرِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ
الْجَائِرِ لِهَذَا الْبَارِ [5] . قَالَ: فَرَجِعُوا إِلَى
بُيُوتِهِمْ، وَمَاتَ الْعَاقُّ لِتَمَامِ الثَّلاثِ سِنِينَ، وَبَقِيَ
الْعَادِلُ فِيهِمْ ثَلاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا
يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى الله
يَسِيرٌ 35: 11 [6] .
ثم التفت المنصور إلى جعفر بن مُحَمَّد، فَقَالَ: يا أبا عبد اللَّه
حدث بني عمك وأخوتك [7] بحديث أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ [بْنِ
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنْه] [8] عن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم في البر.
__________
[1] سورة: الرعد، الآية: 21.
[2] في ت: «عن جدي عن ابن عباس» .
[3] «هذا» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «من عمر هذا البار لذلك لهذا البار قال: فرجعوا» وكتب الكلام
الساقط على الهامش، وفيه نقص.
[6] سورة: فاطر، الآية: 11.
[7] في ت: «إخوتك وبني عمك» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/107)
فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَلِكٍ يَصِلُ رَحِمَهُ وَذَا
قُرْبَتِهِ وَيَعْدِلُ فِي رَعِيَّتِهِ إِلا شَيَّدَ اللَّهُ مُلْكَهُ،
وَأَجْزَلَ لَهُ ثَوَابَهُ، وَأَكْرَمَ مَا بِهِ، وَخَفَّفَ حِسَابَهُ»
. توفي عبد الصمد في هذه السنة بالجدري، وصلى عليه الرشيد ليلا، ودفن
في باب البردان، وله إحدى وثمانون سنة.
1009- عباد بن العوام بن عبد الله، أبو سهل الواسطي
[1] .
سَمِعَ حصين بن عبد الرَّحْمَن، وسعيد بن أبي عروبة.
روى عَنْه: أبو نُعَيم، وأحمد بن حنبل، / وكان ثقة صدوقا.
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [2] الخطيب قال:
أخبرنا الجوهري قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم قال: حدثنا محمد
بن سعد قَالَ: عباد بن العوام كان من أهل واسط، وكان يتشيع، فأخذه
هارون أمير المؤمنين فحبسه زمانا، ثم خلى عَنْه [3] ، فأقام ببغداد،
وكان ينزل بالكرخ على نهر البزازين [4] .
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة ست وثمانين. وقيل: في سنة تسع. وقيل:
في سنة ثلاث.
1010- محمد بن إبْرَاهِيم، المعروف بالإمام، ابن مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس
[5] .
كان يلي إمارة الحج والمسير بالناس [6] إلى مكَّةَ وإقامة المناسك في
خلافة المنصور عدة سنين.
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 104- 106.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «خلى سبيله» .
[4] تاريخ بغداد 11/ 106.
[5] البداية والنهاية 10/ 186.
[6] «بالناس» ساقطة من ت.
(9/108)
وتوفي ببغداد في خلافة الرشيد لإحدى عشرة
بقيت من شوال هذه السنة.
وكان الرشيد إذ ذاك قد شخص إلى الرقة، فصلى عليه الأمين، ودفن في
المقبرة المعروفة بالعباسية بباب الميدان.
1011- محمد بن إبراهيم، المعروف بالإمام بن الحسن، أبو بكر الهُذَلي
[1] .
كان هروي الأصل، وهو أخو أبي معمر إِسْمَاعِيل وأبي الهذيل إسحاق.
سمع من سفيان بن عُيَيْنَة وغيره.
وقال موسى بن هارون الحافظ: هو صدوق لا بأس به.
__________
[1] في الأصل: «الهذلي» .
(9/109)
ثم دخلت سنة ست
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب/ إلى نسا، فقتل بها،
وسبي نساؤه وذراريه، فاستقامت خراسان [1] .
وفيها: حبس الرشيد ثمامة بن أشرس لوقوفه على كذبه في أمر أحمد بن عيسى
بن زيد [2] .
وكانت ببغداد رجفة شديدة بين المغرب والعشاء في رمضان.
وفيها: حج الرشيد، وكان شخوصه من الرقة في رمضان، فمر بالأنبار، ولم
يدخل مدينة [3] السلام، ولكنه نزل منزلا على شاطئ الفرات، وأخرج معه
ابنيه الأمين والمأمون، فبدأ بالمدينة، فأعطى أهلها ثلاث عطيات، وبدأ
بنفسه، فنودي باسمه، فأخذ ثلاث [4] أعطيات فوضعها بين يديه، وفعل ذلك
بالأمين والمأمون، ثم ببني هاشم، ثم بالناس بعدهم، ثم صار إلى مكة
فأعطى أهلها عطاءين، فبلغ ذلك ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار، وكان
عقد لابنه محمد ولاية العهد في يوم الخميس في شعبان سنة ثلاث وسبعين،
وسماه الأمين، وضم إلَيْهِ الشام والعراق في سنة خمس وسبعين. ثم بايع
للمأمون في سنة ثلاث [5] وثمانين، وولّاه من حدّ همذان إلى آخر المشرق.
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 275. والبداية والنهاية 10/ 187. وتاريخ الموصل ص
303. والكامل 5/ 326.
[2] تاريخ الطبري 8/ 275.
[3] في الأصل: «إلى مدينة السلام» .
[4] «عطيات وبدأ بنفسه فنودي باسمه فأخذ ثلاثة» ساقطة من ت، وكتبت على
الهامش.
[5] في ت: «اثنتين وثمانين» .
(9/110)
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أخبرنا الحميدي
قَالَ: أخبرنا أبو غالب أبو غالب بن بشران قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْن دينار قَالَ: حدثنا أبو علي الطوماري
قال: حدثنا أبو بكر بن الجنيد قال: حدثني الحسين بن الصباح الزعفراني
قال: لما قدم الشافعي إلى بغداد وافق عقد الرشيد للأمين، والمأمون/ على
العهد. قَالَ: فبكر الناس لتهنئة الرشيد، فجلسوا في دار العامة ينتظرون
الإذن، فجعل الناس يقولون: كيف ندعو لهما، فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء
على الخليفة وإن لم ندع لهما كان تقصيرا، فدخل الشافعي، فجلس، فقيل
لَهُ في ذَلِكَ، فقال: الله الموفق، فلما أذن دخل الناس، فكان أول
متكلم الشافعي فَقَالَ:
لا قصرا عنها ولا بلغتهما ... حتى تطول على يديك طوالها
قال علماء السير: وكان القاسم بن الرشيد في حجر عبد الملك بن صالح،
فلما بايع [1] الرشيد للأمين والمأمون، كتب إليه عبد الملك:
يا أيها الملك الذي ... لو كان نجما كان سعدا
اعقد لقاسم بيعة ... واقدح [2] له في الناس [3] زندا
الله فرد واحد ... فاجعل ولاة العهد فردا
[4] فكان ذلك أول ما حض الرشيد على البيعة للقاسم، فبايع له وسماه
المؤتمن، وولاه الجزيرة والثغور والعواصم [5] .
فلما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة قال بعض الناس: قد أحكم الملك.
وقَالَ بعضهم: بل ألقى بأسهم بينهم، وعاقبة ما صنع مخوفة [6] على
الرّعيّة [7] .
__________
[1] في الأصل: «بلغ» .
[2] في الأصل: «أقدم» .
[3] في ت: «الورى» .
وفي تاريخ بغداد «الملك» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 276.
[5] تاريخ الطبري 8/ 276.
[6] في الأصل: «مجوفة» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 276.
(9/111)
وحج هارون ومعه أبناؤه [1] ووزراؤه، وقواده
[2] ، وقضاته في سنة ست وثمانين، وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك
العكي، وعلى الحرم، والخزائن [3] ، والأموال والعسكر [4] / وأشخص
القاسم ابنه إلى [5] منبج، فأسكنه إياها، ثم ضم [إليه] [6] من القواد
والجند، فلما قضى مناسكه كتب إلى المأمون [7] ابنه كتابين أجهد الفقهاء
والقضاة آراءهم فيهما، أحدهما: على مُحَمَّد الأمير [8] بما اشترط عليه
من الوفاء بتسليم [9] ما ولي عبد الله من الأعمال، وصير له من الضياع
والغلات والجوهر والأموال. والآخر: نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة
والعامة والشروط لعبد الله على محمد وعليهم، وحضر في الكعبة، وأحضر
[وجوه] [10] بني هاشم والقواد والفقهاء، وقرأ الكتاب على الأمين
والمأمون، وأشهد عليهما جميع من حضر من سائر ولده وأهل بيته ومواليه
ووزرائه وقواده وكتابه وغيرهم، ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة، فلما
رفع ليعلق [11] سقط [12] .
وقد روى إبراهيم بن عبد الله الحجبي عن أبيه قَالَ: لما رفع الكتاب
ليعلق بسقف الكعبة سقط قبل أن يعلق، فقلت في نفسي: هذا أمر سريع
انتقاضه. وتقدم إلى الحجبة في حفظ الكتابين ومنع من أراد إخراجهما.
وكانت نسخة الكتاب: «هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين [كتبه
محمد بْن هارون أمير المؤمنين] [13] في صحة عقله وجواز [من] [14] أمره
طائعا غير مكره أن أمير المؤمنين ولاني العهد من بعده وصيّر البيعة لي
في رقاب المسلمين، وولى عبد الله بن
__________
[1] «أبناؤه» ساقطة من ت.
[2] «قواده» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «والجزائر» .
[4] «والعسكر» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «ابنه محمد الى منبج» والتصحيح من ت والطبري.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «للمأمون» .
[8] «الأمير» ساقطة من ت.
[9] في ت: «الوفاء من تسليم» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] «ليعلق» ساقطة من ت.
[12] تاريخ الطبري 8/ 277، 278.
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/112)
هارون [أمير المؤمنين] [1] العهد والخلافة،
وجميع أمور المسلمين بعدي، برضا مني وتسليمه طائعا غير مكره، وولاه
خراسان وثغورها، وكورها، وحربها/، وجندها، وخراجها، وبيوت أموالها،
[وصدقاتها، وعشرها، وجميع أعمالها في حياته وبعده، وشرطت لعبد الله
هارون أمير المؤمنين برضا مني وطيب نفسي أن لأخي عبد الله بن هارون علي
الوفاء بما عقد له هارون أمير المؤمنين من العهد والولاية والخلافة
وأمور المسلمين جميعا بعدي، وتسليم ذلك له، وما جعل له من ولاية
خراسان] [2] وأعمالها كلها، وما أقطعه أمير المؤمنين من قطيعته أو جعل
لَهُ من عقده [3] أو ضيعة من ضياعه [4] ، وابتاع من الضياع والعقد وما
أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلي أو جوهر، أو متاع، أو كسوة، أو
منزل، أو دواب، أو قليل، أو كثير، فهو لعبد الله بن هارون أمير
المؤمنين موفرا مسلما إليه، وقد عرفت ذلك كله شيئا فشيئا، فإن حدث
بأمير المؤمنين الموت، وأفضت الخلافة إلى محمد ابن أمير المؤمنين، فعلى
محمد إنفاذ ما أمر به [5] هارون أمير المؤمنين في تولية عبد الله بن
هارون أمير المؤمنين خراسان وثغورها من لدن الري إلى أقصى خراسان ليس
لمحمد ابن أمير المؤمنين أن يحول عنه قائدا ولا راجلا واحدا ممن ضم
إليه من أصحابه الذين ضمهم إليه أمير المؤمنين، ولا يحول عبد الله ابن
أمير المؤمنين من ولايته التي ولاها إياه [6] هارون [أمير المؤمنين]
[7] من ثغور خراسان وأعمالها كلها بندارا [8] ولا عاملا، ولا يدخل عليه
في صغير من أمره ولا كبير ضرارا [9] ، ولا يحول بينه وبين العمل في ذلك
كله برأيه وتدبيره، ولا يعرض
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «عقد» .
[4] في ت: «طبيعته في ضياعه» .
[5] في الأصل: «ما أمره» .
[6] في ت: «ولاه إياها» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «مدارا» .
[9] في الأصل: «ضررا» .
(9/113)
لأحد ممن ضم إليه أمير المؤمنين من أهل
بيته وصحابته، وقضاته، وعماله، وكتابه، وخدمه، ومواليه، وجنده بما [1]
يلتمس إدخال الضرر والمكروه عليهم في أنفسهم، ولا قرابتهم/، ولا
مواليهم، ولا أموالهم، ولا في ضياعهم ودورهم ورباعهم ورقيقهم، ولا أحد
من الناس بأمره ورأيه يترخص له في ذلك ولا ينزع إليه أحد ممن ضم أمير
المؤمنين عبد الله ابن أمير المؤمنين وأهل بيت أمير المؤمنين، وصحابته
وعماله وخدمه وجنده، ورفض اسمه [ومكتبه] [2] ومكانه مع عبد الله، عاصيا
لَهُ أو مخالفا، فعلى محمد ابن أمير المؤمنين رده إلى عَبْد الله ابن
أمير المؤمنين بصغر له [3] وقماء حتى ينفذ رأيه وأمره.
فإن أراد محمد ابن أمير المؤمنين خلع عبد الله ابن أمير المؤمنين من
ولاية خراسان وثغورها وأعمالها، أو صرف أحد من قواده الذين ضمهم إليه
أمير المؤمنين أو أن ينتقصه [4] قليلا أو كثيرا مما جعله أمير المؤمنين
[5] له بوجه من الوجوه، أو بحيلة من الحيل، فلعبد اللَّه بن هارون أمير
المؤمنين الخلافة بعد أمير المؤمنين، وهو المقدم على مُحَمَّد ابن أمير
المؤمنين وهو ولي الأمر بعد أمير المؤمنين والطاعة من جميع قواد أمير
المؤمنين هارون من أهل خراسان وجميع المسلمين في جميع الأمصار لعبد
الله ابن أمير المؤمنين، والقيام معه، والمجاهدة لمن خالفه، والذب
عَنْه، ما كانت الحياة في أبدانهم. وليس لأحد منهم أن يخالفه أو يعصيه،
ولا يخرج من طاعته، ولا يطيع محمد ابن أمير المؤمنين في خلع عبد الله
بن هارون أمير المؤمنين، وصرف العهد عنه من بعده إلى غيره أو ينتقصه
شيئا مما جعله/ له أمير المؤمنين هارون في حياته وصحته.
واشترط [6] في كتابه الذي كتبه عليه في البيت الحرام وفي كتابه هذا.
وعبد الله ابن أمير المؤمنين المصدق في قوله، وأنتم في حل من البيعة
التي في أعناقكم لمحمد
__________
[1] في ت: «مما» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وأثبتناه من الطبري 8/ 279.
[3] في الأصل: «صغرا وفما» .
[4] في الأصل: «ينتقضه» .
[5] في الأصل: «مما جعله له أمير المؤمنين» .
[6] في الأصل: «وأشرط» .
(9/114)
ابن أمير المؤمنين، وعلى محمد بن أمير
المؤمنين أن ينقاد لعبد الله ابن أمير المؤمنين، ويسلم له الخلافة.
وليس لمحمد ولا لعبد الله أن يخلعا القاسم ابن أمير المؤمنين، ولا
يقدما [1] عليه أحدا من أولادهما وقراباتهما ولا غيرهم من جميع البرية،
فإذا أفضت الخلافة إلى عبد اللَّه ابن أمير المؤمنين فالأمر إليه في
إمضاء ما جعله أمير المؤمنين من العهد للقاسم بعده، أو صرف ذلك عنه إلى
من رأى من ولده وإخوته، وتقديم من أراد أن يقدم قبله، يحكم في ذلك بما
أحب وأراد [2] ، فعليكم معشر المسلمين إنفاذ ما كتبه أمير المؤمنين في
كتابه هذا وشرط، وعليكم السمع والطاعة لأمير المؤمنين فيما ألزمكم لعبد
الله ابن أمير المؤمنين، وعهد الله وذمته وذمم المسلمين والعهود
والمواثيق التي أخذ الله عَلَى الملائكة المقربين والمرسلين والنبيين،
ووكدها في أعناق المؤمنين ليقرب لعبد الله ابن أمير المؤمنين بما سمى،
ولمحمد، وعبد الله، والقاسم بني أمير المؤمنين بما سمى، وكتب في كتابه
هذا واشترط عليكم، فبرئت منك ذمة الله، وذمة رسوله مُحَمَّد/ صلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وذمم المسلمين، وكل مال هو اليوم لكل رجل منكم
أو يستفيده إلى خمسين سنة فهو صدقة عَلَى المساكين، وعلى كل رجل منكم
المشي إلى بيت الله الحرام الّذي بمكة خمسين حجّة نذرا واجبا لا يقبل
الله منه إلا الوفاء بذلك، وكل مملوك لأحد منكم- أو يملكه فيما يستقبل
إلى خمسين سنة- حر، وكل امرأة له [3] فهي طالق ثلاثا ألبتة طلاق الحرج،
لا مثنوية لذلك [4] فيها، والله عليكم بذلك كفيل، وكفى باللَّه حسيبا
[5] .
ونسخة الشرط الذي كتبه عبد الله ابن أمير المؤمنين [بخط يده في الكعبة:
هذا كتاب لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين] [6] كتبه له عبد الله بن
هارون أمير
__________
[1] في الأصل: «يقدمان» .
[2] في الطبري: «ورأى» .
[3] في الأصل: «وكل امرأة يتزوجها أو متزوجها» .
[4] «لذلك» ساقطة من ت.
[5] تاريخ الطبري 8/ 278- 281. وفيه زيادات عما أورده ابن الجوزي هنا.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/115)
المؤمنين في صحة من عقله وجواز أمر من
أمره، وصدق نية، فيما كتبه في كتابه هذا، ومعرفة بما فيه من الفضل [1]
والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين أن أمير المؤمنين هارون ولاني
العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين بعد أخي محمد بن هارون، وولاني في
حياته ثغور خراسان وكورها، وجميع أعمالها، وشرط على محمد بن هارون
الوفاء بما عقد لي من الخلافة وولاية العباد والبلاد بعده وولاية
خراسان وجميع أعمالها، ولا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين،
أو ابتاع [2] لي من الضياع والعقد والرباع، / أو ابتعت [3] منه من ذلك،
وما أعطاني أمير المؤمنين من الأموال والجواهر والكساء والمتاع والدواب
والرقيق [4] وغير ذلك، فلا يعرض لي ولا لأحد من عمالي وكتابي بسبب
محاسبة، ولا يتّبع لي في ذلك ولا لأحد [5] منهم أبدا، ولا يدخل علي ولا
عليهم ولا على من كان معي ممن استعنت به من جميع الناس مكروها في نفسي
ولا دم، ولا شعر، ولا بشر ولا مال، ولا صغير ولا كبير. فأجابه إلى ذلك
وأقر بِهِ، وكتب له كتابا أكد فيه على نفسه ورضي به أمير المؤمنين،
وقبله [6] فشرطت لأمير المؤمنين، وجعلت له على نفسي [7] أن أسمع وأطيع
لمحمد، ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشه، وأوفي ببيعته وولايته، ولا أغدر،
ولا أنكث، وأنفذ كتبه وأوامره [8] ، وأحسن مؤازرته، وجهاد عدوه في
ناحيتي، ما وفى لي على ما شرط لأمير المؤمنين في أمري، وسمي في الكتاب
الذي كتبه لأمير المؤمنين، فإن احتاج محمد إلى جند وكتب إلي يأمرني
بإشخاصه إليه، أو إلى ناحية من النواحي، أو عدو خالفه وأراد نقض شيء من
سلطانه أو سلطاني الذي أسنده أمير المؤمنين إلينا أن أنفذ أمره ولا
أخالفه، ولا أقصر في شيء كتب به إلي، وإن أراد محمد أن يولي رجلا من
ولاة العهد
__________
[1] في الأصل: «القصد» .
[2] في الأصل، وت: «وابتاع» .
[3] في الأصل، وت: «وابتعت» .
[4] «والرقيق» ساقطة من ت.
[5] «من عمالي وكتابي بسبب محاسبة، ولا يتبع لي في ذلك ولا لأحد» ساقطة
من ت.
[6] في الأصل: «وقربه وقبله» .
[7] «نفسي» ساقطة من ت.
[8] في الطبري: «وأموره» .
(9/116)
والخلافة بعدي، فذلك له ما وفى لي بما جعله
لي أمير المؤمنين واشترط لي عَلَيْهِ، وعلي إنفاذ ذلك والوفاء له به/
ولا انقض ذلك ولا أبدله، ولا أقدم قبله أحدا من ولدي، ولا قريبا ولا
بعيدا من الناس، إلا أن يولي [1] أمير المؤمنين هارون أحدا من ولده
العهد بعدي فيلزمني ومحمدا الوفاء لَهُ [2] .
وجعلت لأمير المؤمنين ولمحمد الوفاء لي بما شرطت وسميت في كتابي هذا،
ما وفى لي محمد بجميع ما اشترط لي أمير المؤمنين عليه في نفسي، وما
أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسماة في هذا الكتاب الذي كتبه
لَهُ، وعلي عهد الله وميثاقه وذمه أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم
المسلمين وأشد ما أخذ الله على ميثاقه على النبيين والمرسلين من خلقه،
من عهوده ومواثيقه، والأيمان المؤكدة التي أمر الله الوفاء بها، ونهى
عن نقضها وتبديلها، وإن أنا نقضت شيئا مما شرطت وسميت في كتابي هذا، أو
غيرت أو بدلت، أو نكثت أو غدرت، فبرئت من الله ومن ولايته ودينه، ومحمد
رسوله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، ولقيت الله يوم القيامة كافرا
مشركا، وكل امرأة هي لي اليوم [3] ، أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق
ثلاثا ألبتة [طلاق الحرج، وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين
سنة أحرار لوجه الله، وعلي المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين
حجة، نذرا واجبا علي في عنقي حافيا راجلا، لا يقبل الله مني إلا الوفاء
بذلك، وكل مال لي أو أملكه إلى ثلاثين سنة] [4] هدي بالغ الكعبة، وكل
ما جعلت لأمير المؤمنين وشرطت في كتابي هذا لازم لا أضمر غيره، ولا
أنوي غيره. / وشهد سليمان ابن أمير المؤمنين وفلان وفلان. وكتب في ذي
الحجة سنة سبع وثمانين ومائة [5] .
وكان في نسخة الكتاب الذي كتبه هارون إلى العمّال [6] :
__________
[1] من أول: «رجلا من ولاة العهد والخلافة ... » . حتى: « ... من الناس
إلا أن يولي» ساقطة من ت.
[2] الطبري 8/ 281، 282.
[3] في ت: «لي اليوم طالقة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ الطبري 8/ 281- 283، وفيه زيادات عما أورده ابن الجوزي هنا.
[6] في ت: «إلى عماله» .
(9/117)
أما بعد، فإن الله ولي أمير المؤمنين، وولي
ما ولاه، والحافظ لما استرعاه وأكرمه بِهِ من خلافته وسلطانه والصانع
له فيما قدم وأخر من أموره، والمنعم عليه بالنصر والتأييد في مشارق
الأرض ومغاربها، والكالئ والحافظ والكافي من جميع خلقه [1] ، وهُوَ
المحمود على جميع آلائه، والمسئول تمام حسن [2] ما مضى من قضائه لأمير
المؤمنين، وعادته الجميلة عنده، وإلهام ما يرضى بِهِ، ويوجب له عليه
أحسن المزيد من فضله [3] .
ولم يزل أمير المؤمنين منذ اجتمعت الأمة على عقد العهد لمحمد ابن [4]
أمير المؤمنين [من] [5] بعد أمير المؤمنين، ولعبد الله ابن أمير
المؤمنين من بعد محمد، يعمل رأيه ونظره ورويّته [6] فيما فيه الصلاح
لهما ولجميع الرعية والجمع للكلمة، واللّم للشعث، والحسم لكيد أعداء
النعم من أهل الكفر والنفاق والغل، والقطع لآمالهم من كل فرصة يرجون
إدراكها وانتهازها، ويستخير الله [7] في ذلك ويسأله [8] العزيمة له على
ما فيه الخيرة لهما ولجميع الأمة [9] .
فعزم الله لأمير المؤمنين على الشخوص بهما إلى بيت الله الحرام، وأخذ
البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة والانقياد لأمره، واكتتاب
الشرط/ على كل واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشد المواثيق والعهود
وأغلظ الأيمان والتوكيد، وأخذ لكل واحد منهما على صاحبه بما التمس به
أمير المؤمنين اجتماع ألفتهما ومودتهما
__________
[1] في الأصل: «وجميع خلقه عنده» .
[2] في الأصل، وت: «والمسئول بما أحسن» .
[3] «من فضله» ساقطة من ت.
تاريخ الطبري 8/ 283- 284.
[4] «ابن» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ورؤيته» .
وما أثبتناه من الطبري والأصل.
[7] في الأصل: «نستخير الله» .
[8] في الأصل: «ونسأله» .
[9] تاريخ الطبري 8/ 284.
(9/118)
وتواصلهما ومكانفتهما على حسن النظر
لأنفسهما ولرعية أمير المؤمنين التي استرعاهما [1] .
فلما قدم مكة أظهر لمحمد وعبد الله رأيه في ذَلِكَ، وما نظر فيه لهما،
فقبلا ما دعاهما إِلَيْهِ، وكتبا لأمير المؤمنين في بطن بيت الله
الحرام بخطوطهما، بمحضر ممن شهد الموسم وأهل بيت أمير المؤمنين وقواده
وقضاته وحجبة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين
الحجبة، وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة [2] .
فلما فرغ أمير المؤمنين من ذَلِكَ أمر قضاته الذين شهدوا عليهما،
وحضروا كتابيهما، أن يعلموا جميع من حضر الموسم من الحاج والعمار [3]
ووفود الأمصار ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابيهما [4] ليعرفوا ذلك
ويؤدوه [5] إلى إخوانهم وأهل بلدانهم.
ففعلوا، وقرئ عليهم الشرطان جميعا في المسجد الحرام، فانصرفوا. وقد
اشتهر علم ذلك عندهم فأثبتوا الشهادة عليه، وعرفوا نظر أمير المؤمنين
لصلاحهم [6] وحقن دمائهم، ولم شعثهم/ وإطفاء جمرة أعداء الله، وأعداء
دينه.
وقد نسخ أمير المؤمنين ذينك الشرطين اللذين كتبهما محمد وعبد الله في
أسفل كتابه هذا.
وكتب إسماعيل بن صبيح يوم السبت لسبع ليال بقين من المحرم سنة ثمان
وثمانين ومائة [7] .
وأمر هارون الرشيد للمأمون بمائة ألف درهم حملت له من الرقة إلى بغداد
[8] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 284.
[2] تاريخ الطبري 8/ 285.
[3] في الأصل: «العما» .
[4] في ت: «كتابتها» .
[5] في الأصل: «يردوه» .
[6] في الطبري: «بصلاحهم» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 283- 286، وفيه زيادات عما أورده ابن الجوزي هنا.
[8] في ت: «إلى بغداد من الرقة» .
(9/119)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
1012- أصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أبو زيان
[1] حكى عنه عون بن عبد الله قَالَ: قال لي أصبغ: سمعت من أبيك كلاما
نفعني الله بِهِ: لئن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.
توفي أصبغ في رمضان هذه السنة.
1013- حسان بن إبراهيم، أبو هشام العنزي الكوفي، قاضي كرمان
[2] .
ولد سنة ست وثمانين، رأى محارب بن دثار، وسمع هشام بن عروة،
والثَّورِي، وروى عَنْه عفان بن مسلم، ووثقه يحيى. وتوفي في هذه السنة،
وله مائة سنة.
1014- سلم الخاسر
[3] الشاعر هو: سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء [4] .
يقال إنّه مولى أَبِي بَكْر الصديق رضي اللَّه عَنْهُ. ويقال: بل مولى
المهدي.
واختلف لم سمي الخاسر، / فقال اليزيدي: ورث من أبيه مائة ألف درهم
[وأصاب من مدائح الملوك مائة ألف درهم] [5] فأنفقها كلها على الأدب
[وأهله] [6] .
وحكى الأصفهاني: أنه ورث من أبيه مصحفا فباعه واشترى بثمنه طنبورا.
وذكر الصولي أن الرشيد قال له: لم سميت الخاسر؟ فَقَالَ: بعت وأنا صبي
مصحفا واشتريت بثمنه شعر امرئ القيس، وقد رزقني الله حفظ القرآن بعد
ذَلِكَ، فقال لَهُ: فأنت الآن الرابح.
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 187.
وفي ت: «أبو زبان» .
[2] البداية والنهاية 10/ 187، 188. وتاريخ بغداد 8/ 260.
[3] في ت: «سلم بن الخاسر» .
[4] البداية والنهاية 10/ 188. وتاريخ بغداد 9/ 136. ووفيات الأعيان 1/
198، وفيه: «سالم الخاسر» .
والأعلام 3/ 110، 111.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/120)
قَالَ: وقيل إنهم رأوه يوما في سوق الدفاتر
وقد باع مصحفا بشعر الأعشى، فقال له الناس: أنت والله الخاسر. فبقيت
[1] عَلَيْهِ.
قَالَ: وكان مقتدرا على الشعر بلغ من اقتداره أنه اخترع شعرا على حرف
واحد لم يسبق إليه، وأقل شعر سمع للعرب على حرفين، نحو قول دريد بن
الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع [2]
فقال سلم [الخاسر] [3] لموسى الهادي شعرا على حرف واحد منه:
موسى المطر ... غيث بكر
ثم انهمر ... كم اعتسر
ثم اقتسر ... وكم قدر
ثم غفر ... عدل السير
باقي الأثر/ ... خير البشر
فرع مضر ... بَدْرٌ بَدَر
لمن نظر ... هو الوزر
لمن حضر ... والمفتخر
لمن غبر ... والمجتبر
لمن عثر
[4] .
وذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون والخلاعة والفسق،
ثم تعرى وترك ذَلِكَ، فرقت حاله، فاغتم لذلك، ورجع إلى شر مما كان عليه
أولا، فباع مصحفا كان لَهُ واشترى بثمنه دفترا فيه شعر، فشاع خبره في
النَّاسَ فسموه: سلما الخاسر لذلك [5] .
وكان من الشعراء المجيدين، وكان من تلامذة بشار، وصار يقول أرق من
شعره، فغضب بشار، وكان بشار قد قَالَ:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
__________
[1] في ت: «فثبتت» .
[2] في ت: «وأقع» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] البداية والنهاية 10/ 188.
[5] تاريخ الطبري 9/ 136.
(9/121)
فقال هو:
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
فغضب بشار وقَالَ: ذهب والله بيتي، تأخذ المعاني التي قد تعبت فيها
فتكسوها [1] ألفاظا أخف من ألفاظي!؟ لا أرضى عنك. فما زالوا يسألونه
حتى رضي عنه [2] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز [قال] : أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن
ثابت] [3] الخطيب [قَالَ:] أخبرنا الجوهري، [قَالَ] : / أخبرنا طلحة بن
محمد بن عُمَر قَالَ: قال محمد بن داود بن الجراح: حدثني محمد بن
القاسم بن مهرويه قَالَ: حدثني أحمد بن المبارك بن خَالِد قَالَ: حدثني
الجواني [4] الهاشمي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: كان سلم قد كسب مالا
بقصيدته التي مدح بها المهدي، التي أوّلها:
حضر الرحيل وشدّت الأحداج ... وحدابهنّ مشمر مزعاج
شربت بمكة من ذرى بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج
وكان المهدي أعطى [هارون] [5] بن أبي حفصة مائة ألف درهم، التي أولها
[6] :
طرقتك زائرة فحي خيالها.
فأراد أن ينقص سلما عن هذه الجائزة، فحلف سلم أن لا يأخذ إلا مائة ألف
درهم، وألف درهم [7] ، وقَالَ: تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى
يخيروا بتقديم قصيدتي، فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم، وألف درهم، فلما
بلغ إلى زمان الرشيد.
قال قصيدته التي أولها [8] : /
قل للمنازل بالكثيب الأعفر ... أسقيت غادية السحاب الممطر
__________
[1] في ت: «فتكسرها» .
[2] تاريخ بغداد 9/ 139.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «الحراني» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] التي أولها» ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[7] «وألف درهم» ساقطة من ت.
[8] في ت: «التي فيها» .
(9/122)
قد بايع الثقلان مهدي الهدى ... لمحمد ابن
زبيدة ابنة جعفر
فحشت زبيدة فاه درا، فباعه بعشرين [1] ألف دينار، وهذا حين بايع الرشيد
لمحمد ابن زبيدة.
ومات سلم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده من المال قيمة ستة وثلاثين ألف
دينار، فأودعها أبا السمراء الغساني، فبقيت عنده، وأتى [2] إبراهيم
الموصلي يوم [العيد] [3] عند الرشيد وغناه فأطربه، فَقَالَ: يا
إبْرَاهِيم، سل ما شئت. قَالَ: نعم يا سيدي، أسأل شيئا لا يرزأك،
قَالَ: ما هُوَ؟ قَالَ: مات سلم وليس له وارث، وقد خلف ستة وثلاثين ألف
دينار عند أبي السمراء الغساني، تأمره بدفعها إلي. فبعث إليه أن يدفعها
إليه فدفعها. وكان الجماز بعد ذلك قدم هو وأبوه يطلبان ميراث سلم.
وأنهما من قرابته [4] .
وفي رواية: أن تركته كانت [5] خمسين ألف دينار، وذكروا أنه لما قال أبو
العتاهية:
/ تعالى الله يا سلم بن عمر ... وذل الحرص أعناق الرجال
غضب سلم وقَالَ: يزعم أني حريص، فقال يرد عَلَيْهِ:
ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا فلم يلقها ... ولم يك يسعى ويسترفد
[يخاف أن تنفذ أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد] [6]
والرزق مقسوم على ما ترى ... يناله الأبيض والأسود
__________
[1] في الأصل: «بعشرة» .
[2] في الأصل: «وأن» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 9/ 137، 138.
[5] في الأصل: «جاءت» .
[6] هذا البيت ساقط من الأصل.
(9/123)
كلا يوفى رزقه كاملا ... من كف عن جهد ومن
يجهد
قال أبو هفان: وصل إلى سلم من البرامكة خاصة عشرون ألف دينار، ومن
الرشيد مثلها.
1015- شقران بن علي الإفريقي، صاحب الفرائض
[1] .
كان رجلا صالحا، بعبادته يضرب المثل [2] . توفي في هذه السنة.
1016- عمرو بن زرارة بن واقد، أبو محمد، الكلابي النيسابوري
[3] .
سَمِعَ معاذ بن معاذ، وسفيان بن عُيَيْنَة، وهشيم بن بشير، وابن علية،
وغيرهم.
وقرأ القرآن/ على علي بن حمزة الكسائي. روى عنه: البخاري، ومسلم،
وغيرهما.
وكان فوق الثقة.
1017- العباس بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ]
[4] العباس
[5] .
كان من رجالات بني هاشم، وولي إمرة الجزيرة أيام الرشيد، وكان أجود
الناس رأيا، وكان الرشيد يَقُولُ: عمي العباس. يذكرنا أسلافنا [6] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي، قال: أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا أحمد بْن إبراهيم بْن
عرفة قَالَ: توفي العباس سنة خمس وثمانين ومائة، ولي العباس بن محمد-
الذي تنسب إليه العباسية- الجزيرة، وصار إلى الرقة، وأمر الرشيد ففرش
له في قصر الإمارة، واتخذت له فيه الآلات وشحن بالرقيق، وحمل إليه خمسة
آلاف ألف درهم، وفي سنة ست وثمانين ومائة توفي العباس ببغداد في رجب،
وصلى عليه الأمين، ودفن في العباسية وسنه خمس وستون سنة وستة أشهر،
وستة عشر يوما [7] .
__________
[1] الكامل لابن الأثير 5/ 326.
[2] في ت: «وله بأخبار تعبده وعبادته يضرب المثل» .
[3] تهذيب التهذيب 8/ 35. والتقريب 2/ 70.
[4] «بن» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 12/ 125. وتاريخ الموصل ص 303.
[6] في ت: «في أسلافنا» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 125.
(9/124)
أخبرنا عبد الرحمن [1] ، أخبرنا أحمد بن
علي قَالَ: أخبرنا البيهقيّ قَالَ: حدثنا سهل بن أَحْمَد الديباجي
قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل قَالَ: حدثنا أبو سلمة هشام بن
عمرو القرشي قال: قَالَ رجل للعباس بن مُحَمَّد: إني أتيتك لحاجة
صغيرة.
فقال لَهُ: / اطلب لها رجلا صغيرا.
1018- يقطين بن موسى
[2] .
كان أحد الدعاة إلى دولة بني الْعَبَّاس، وكان حازما داهية، ولما حبس
مروان بن محمد إِبْرَاهِيم الإمام تحيرت الشيعة فلم تدر من الإمام
بعده، فقال لهم يقطين: أنا أعلمكم. فمضى إلى الشام فوقف لمروان،
فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أنا رجل تاجر، قدمت بمتاع، فأدخلت إلى هيئة
فابتاعه مني، ولم يزل يسوفني بثمنه، حتى جاءت رسلك فحبسته، فإن رأيت أن
تجمع بيني وبينه وتأخذ لي بحقي. فقال مروان لبعض خدمه: يا غلام، امض
معه إلى إبْرَاهِيم وقل له أخرج لهذا من حقه. فمضى معه إِلَيْهِ، فلما
رآه قَالَ: يا عدو الله، إلى متى تمطلني [3] ومن أمرت بدفع مالي إلي؟.
فَقَالَ: إلى ابن الحارثية. فعاد إلى الشيعة فأعلمهم أن أبا العباس هو
الإمام بعده [4] .
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 125.
[2] البداية والنهاية 10/ 188.
[3] في الأصل: «من تكلني» .
[4] «بعده» ساقطة من ت.
(9/125)
ثم دخلت سنة سبع
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
قتل الرشيد جعفر بن يحيى [بن خالد] [1] ، وإيقاعه بالبرامكة [2] .
فأما سبب غضبه على جعفر الذي قتله لأجله فقد اختلف فيه، وفي سبب تغيره
عَلَى البرامكة.
فقال بختيشوع: إني لقاعد في مجلس الرشيد إذ طلع يحيى بن خَالِد، وكان
يدخل بلا إذن، فلما صار بالقرب/ من الرشيد وسلم عليه رد عليه ردا
ضعيفا، فعلم يحيى أن أمرهم قد تغير، ثم أقبل علي الرشيد فقال: يا
بختيشوع، يدخل عليك في منزلك أحد بلا إذنك؟ فقلت: لا، ولا يطمع في ذلك،
فَقَالَ: ما بالنا يدخل علينا بلا إذن. فقام يحيى فقال: يا أمير
المؤمنين قدمني الله قبلك، والله ما ابتدأت ذلك الساعة، وما هو إلا شيء
خصني به أمير المؤمنين، ورفع به ذكري حتى إن كنت لأدخل وهو في فراشه،
وما علمت أن أمير المؤمنين كره ما كان يحب، وإذ علمت فإني أكون في
الطبقة الثانية من أهل الإذن والثالثة إن أمرني سيدي بذلك. قَالَ:
فاستحى، وكان من أرق الخلفاء وجها، وعيناه في الأرض، ما يرفع طرفة. ثم
قَالَ: ما أردت ما تكره، ولكن [3] الناس يقولون. وخرج يحيى [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 8/ 287. والبداية والنهاية 10/ 189. وتاريخ الموصل ص
304. والكامل 5/ 327.
[3] في ت: «وإنما» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 287، 288.
(9/126)
وقال ثمامة بن أشرس: رفع محمد بن الليث
رسالة إلى الرشيد يعظه فيها ويقول:
إن يحيى بن خالد لا يغني عنك من الله شيئا، وقد جعلته فيما بينك وبين
الله، فكيف أنت إذا وقفت بين يدي الله فسألك عما عملت في عباده وبلاده،
فقلت: استكفيت يحيى أمور عبادك. أتراك تحتج بحجة يرضاها. مع كلام فيه
توبيخ وتقريع، فدعى الرشيد يحيى وقد تقدم إِلَيْهِ خبر الرسالة، /
فَقَالَ: تعرف محمد بن الليث؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: فأي الرجال هُوَ؟ قَالَ: متهم على الإسلام. فأمر به، فوضع في
الحبس دهرا، فلما تنكر الرشيد للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه، فأحضر فقال
له بعد مخاطبة طويلة: يا محمد، أتحبني؟ قال: لا والله يا أمير
المؤمنين. قَالَ: تَقُولُ هذا!؟ قَالَ: نعم، وضعت رجلي في الأكبال،
وحلت بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت، ولا حدث أحدثت [1] ، سوى قول حاسد
يكيد الإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله، فكيف أحبك؟ قَالَ:
صدقت. وأمر بإطلاقه، ثم قَالَ: يا مُحَمَّد، أتحبني؟ قَالَ: لا والله
يا أمير المؤمنين، ولكن قد ذهب ما في قلبي. فأمر أن يعطى مائة ألف
درهم، فأحضرت فَقَالَ: يا مُحَمَّد، أتحبني؟ قَالَ: أما الآن فنعم، قد
أنعمت علي، وأحسنت إلي. قَالَ: انتقم الله ممن ظلمك، وأخذ لك بحقك ممن
بعثني عليك. قال: فقال الناس في البرامكة، فأكثروا، وكان ذلك أول ما
ظهر من تغير [2] حالهم [3] .
وقال محمد بن الفضل مولى سليمان بن أبي جعفر: دخل يحيى بن خالد بعد ذلك
إلى الرشيد [4] ، فقام الغلمان إِلَيْهِ فقال الرشيد لمسرور [الخادم]
[5] : مر الغلمان أن لا يقوموا إليه إذا دخل. فدخل فلم يقم إليه أحد،
فاربد لونه، وكان الغلمان والحجاب بعد ذلك إذا رأوه أعرضوا عنه، فكان
ربما استسقى الشربة فلا يسقونه [6] .
/ وقال أبو محمد اليزيدي: من قال إن الرشيد قتل جعفر بن يحيى بغير سبب
__________
[1] «أتيت ولا حدث أحدثت» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «تغيير» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 288.
[4] في ت: «على الرشيد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ الطبري 8/ 294.
(9/127)
يحيى بن عبد الله بن حسن فلا تصدقه، وذلك
أن الرشيد دفع يحيى إلى جعفر فحبسه، ثم دعي به ليلة من الليالي فسأله
عن شيء من أمره فأجابه إلى أن قال لَهُ: اتق الله في أمري ولا تتعرض أن
يكون خصمك غدا مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلم، فو الله ما أحدثت
حدثا، ولا آويت [1] محدثا. فرق لَهُ وقَالَ: اذهب حيث شئت من بلاد
اللَّه. قَالَ: وكيف أذهب ولا آمن أن أؤخذ بعد قليل. فأرد إليك أو على
غيرك. فوجه إليه من أداه إلى مأمنه. وبلغ الخبر الفضل بن الربيع من عين
كانت له عليه من خاص خدمه، فدخل على الرشيد فأخبره، فأراه أنه لا يعبأ
بخبره وقَالَ: ما أنت وهذا، لا أم لك، فلعل ذلك عن أمري. فانكسر الفضل،
وجاءه جعفر فدعا بالغداء فأكلا، وجعل يلقمه ويحادثه، إلى أن كان آخر ما
كان بينهما أن قَالَ: ما فعل يحيى بن عبد الله؟ قال: بحاله يا أمير
المؤمنين في الحبس الضيق والأكبال الثقيلة. فَقَالَ: بحياتي! فأحجم
جعفر، وكان من أرق الخلق ذهنا، وأصحهم فكرا، فهجس في نفسه أنه قد علم
بشيء من أمره، فقال: لا وحياتك يا سيدي، ولكن أطلقته وعلمت أنه لا حياة
به [2] ، ولا مكروه عنده. قَالَ: نعم ما فعلت، ما عدوت ما كان في نفسي.
فلما خرج أتبعه بصره/ حتى كاد يتوارى عن وجهه، ثم قَالَ: قتلني الله
بسيف الهدى [3] على عمل الضلالة إن لم أقتلك. فكان من أمره ما كان [4]
.
وقال إدريس بن بدر: عرض رجل للرشيد فَقَالَ: نصيحة، فَقَالَ لهرثمة: خذ
إليك الرجل وسله عن نصيحته. فسأله فأبى أن يخبره وقَالَ: هي سر من
أسرار الخليفة. فأخبر هرثمة الرشيد [5] فَقَالَ له: لا تبرح بالباب [6]
حتى أفرغ له. فلما كان في الهاجرة، وانصرف من كان عنده، دعا بِهِ،
فَقَالَ: أخلني. فالتفت هارون إلى بنيه فَقَالَ: انصرفوا يا فتيان.
فوثبوا، وبقي خاقان وحسين على رأسه، فنظر إليهما الرجل فَقَالَ: تنحيا
عنا.
ففعلا، ثم أقبل على الرجل فَقَالَ: هات ما عندك. فَقَالَ: على أن
تؤمنني. قال: على
__________
[1] في الأصل: «أديت» .
[2] في ت: «لا حياء به» .
[3] في الأصل، وت: «بسيف الهدى» . وما أثبتناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 8/ 289. والكامل لابن الأثير 5/ 327، 328.
[5] في الأصل: «فأخبر الرشيد هرثمة» .
[6] خطأ من الناسخ، وقد وضح الناسح علامة التقديم والتأخير.
(9/128)
أن أؤمنك وأحسن إليك. قَالَ: كنت بحلوان في
خان من خاناتها، فإذا أنا بيحيى بن عبد الله في دراعة صوف غليظة وكساء
صوف [1] أخضر غليظ، وإذا معه جماعة ينزلون إذا نزل، ويرحلون إذا رحل،
ويكونون منه برصد، يوهمون من رآهم أنهم لا يعرفونه وهم أعوانه، ومع
[كلّ] [2] واحد منهم منشور يأمن له إن عرض لَهُ. قال: تعرف يحيى بن عبد
الله؟ قَالَ: أعرفه قديما، وذلك الّذي حقق معرفتي به بالأمس. قَالَ:
فصفه. قَالَ: مربوع، أسمر، رقيق البشرة، أجلح، حسن العينين/، عظيم
البطن.
قَالَ: صدقت هو ذَلِكَ. قَالَ: فما سمعته يَقُولُ؟ قال: ما سمعته يقول
شيئا غير أني رأيته يصلي، ورأيت غلاما من غلمانه أعرفه قديما جالسا على
باب بالخان، فلما فرغ من صلاته أتاه بثوب غسيل، فألقاه في عنقه، ونزع
الجبة الصوف، فقال لَهُ: أحسن الله جزاءك، وشكر سعيك، فمن أنت؟ قال:
رجل من أبناء هذه الدولة، وأصلي من مرو، ومولدي مدينة السلام. قال:
فمنزلك بها؟ قَالَ: نعم. فأطرق مليا، ثم قال: كيف احتمالك لمكروه تمتحن
به في طاعتي؟ قَالَ: أبلغ من ذلك حيث أحب أمير المؤمنين.
قَالَ: كن بمكانك حتى أرجع. فدخل حجرة كانت خلف ظهره، فأخرج كيسا فيه
ألفا دينار، فَقَالَ: خذ هذه ودعني وما أدبر فيك. فأخذها وضم عليها
ثيابه، ثم قَالَ: يا غلام.
فأجابه خاقان وحسين، فَقَالَ: اصفعا [3] ابن اللخناء، فصفعاه [4] نحوا
من مائة صفعة، ثم قَالَ: أخرجاه [5] إلى من بقي في الدار [6] وعمامته
في عنقه، فقولا [7] : هذا جزاء من يسعى ببطانة أمير المؤمنين وأوليائه!
ففعلا [8] ذلك وتحدثوا بخبره، ولم يعلم بحال الرجل أحد [9] ، ولا بما
ألقى إلى الرشيد حتى كان من أمر البرامكة ما كان [10] .
__________
[1] «غليظة وكساء صوف» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت، وأثبتناها من الطبري.
[3] في الأصل، ت: «اصفعوا» .
[4] في الأصل، ت: فصفعوه» .
[5] في الأصل، ت: «أخرجوه» .
[6] في الأصل، ت: «من الدار» .
[7] في الأصل، ت: «فقولوا» .
[8] في الأصل، ت: «ففعلوا» .
[9] في الأصل: «ولم يعلموا» . وفي ت: «ولم يعلم أحد بحال الرجل» .
[10] تاريخ الطبري 8/ 289- 291.
(9/129)
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عبد الجبار قال: أخبرنا/ أبو محمد
الجوهري قَالَ: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قَالَ: حدثنا عبد
الواحد بن محمد الخصيبي قال: حدّثني أبو الفضل ميمون بن مهران [1] قال:
حدثتني أمية البرمكية [2] قالت: الناس يكثرون في قصة البرامكة، وأوكد
الأسباب فيما نالهم أن جعفر بن يحيى كان اشترى جارية [مغنية] [3] يقال
لها «فتينة» [4] لم يكن لها نظير في الدنيا في حسن الخلق وسجاة وطيبة
[5] ، وكان ابن جامع إذا سمعها بكى ما دامت تغني، وكان غيره من الحذاق
يسلمون لها، وكان شراؤها على جعفر مائة ألف دينار، فطلبها منه الرشيد
فلم يدفعها إِلَيْهِ، فلم يكن إلا قليلا حتى نزل بهم ما نزل، فأخذت
وأخذ جميع من معها من الجواري [6] والعوامل، ثم جلس لنا وأدخلنا عليه
وفي يد كل واحدة منا ما تعمل بِهِ، فأقبل يأمر واحدة واحدة، فتغني
المغنية، وتزمر الزامرة، حتى بلغ إلى «فتينة» [7] فقال لها: غني.
فأمسكت، فقلنا لها ونحن نرعد: ويحك غني! فأسبلت دمعها وقالت: أما بعد
السادة فلا. فحثثناها على ذلك فأبت، فنظر الرشيد إلى أقبح من على رأسه
وهو الحارث بن بسيحر وقال: خذها، قد وهبتها لك. فأخذ بيدها ومضت معه،
فلما ولت دعا الحارث وأسر إليه شيئا علمناه فيما بعد، أمره أن لا
يقربها، إذ كان إنما أراد كسرها، ثم أمر بصرفنا فانصرفنا، ومكثنا
أياما، ثم ذكرنا فأمر بإحضارنا/ على السبيل التي حضرناها [أولا] [8] ،
فلما وقفنا بين يديه قال للحارث: ما فعلت فلانة؟ يعني: فتينة. قال:
__________
[1] في ت: «بن هارون» .
[2] في ت: «البرامكية» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فنفنه» في جميع المواضع.
وفي ت: «قتيته» في جميع المواضع.
وما أوردناه من ابن كثير 10/ 192.
[5] في ت: «شجاة وطية» .
[6] في ت: «وأخذ معها جميع الجواري» .
[7] في ت: «قتيته» .
وفي الأصل: «فنفته» .
[8] في الأصل: «التي حضرنا» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/130)
هي قبلي يا أمير المؤمنين. قَالَ: هاتها.
فأحضرها وجلست وجلسنا، فأخذنا في شأننا وقَالَ: هيه غني. فعصرت عينيها
ثم بكت [1] وقالت: أما بعد السادة فلا. فغضب الرشيد وقَالَ: سيف ونطع،
ثم قال لها: غني. فردت مثل قولها الأول، وأسبلت الدموع، وذهبت عقولنا
نحن، ووقعت علينا الرعدة من شدة الخوف، فقال للسياف: انظر إلى يدي،
فإذا عقدت لك بالخنصر اثنين فأمسك [2] ، فإذا عقدت بالوسطى ثلاثا
فاضرب.
فأخذ السياف السيف ووقف وراءها شاهرا به. فقال لها الرشيد: غني: فقالت:
أما بعد السادة فلا، وهي تبكي وقد علا بكاؤها، فعقد بيده واحدة، ثم
قَالَ لها ثانية فقالت القول الأول، فعقد اثنين، ورفع يديه يريها
السياف وأقبل يحرك الوسطى ويقول لها: غني.
وأقبلنا عليها نناشدها في نفسها وفينا [3] ، فاندفعت تغني:
لما رأيت الديار قد درست ... أيقنت أن النعيم لم يعد
فوثب إليها الرشيد، فأخذ العود من يدها، وأقبل يضرب به وجهها ورأسها
حتى تفتت، وأقبلت الدماء، وتطايرنا نحن، وحملت من بين يديه وقيدة [4] ،
فمكثت ثلاثا/ وماتت [5] .
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري [6] سببا [7] عجبا في خبر البرامكة
في هلاك جعفر قال: كان الرشيد لا يصبر عن جعفر وأخته عباسة بنت المهدي،
وقال لجعفر: أزوجكها ليحل لك النظر إليها، ولا تمسها. فكانا يحضران
مجلسه، ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما، فيقوم إليها جعفر فيجامعها، فحبلت
منه، فولدت غلاما، وخافت من [8] الرشيد، فلم يزل الأمر مستورا، ووجهت
المولود مع خواص لها من
__________
[1] في الأصل: «وبكت» .
[2] في الأصل: «فأمسك» .
[3] في ت: «في نفسها ونجهد بها» .
[4] في ت: «يديه رجيدة» .
[5] البداية والنهاية 10/ 192.
[6] في ت: «وروى جعفر بن جرير الطبري» .
[7] في ت: «شيئا» .
[8] «من» ساقطة من ت.
(9/131)
مماليكها إلى مكة، فلم يزل الأمر مستورا عن
الرشيد حتى [1] وقع بين عباسة وبعض جواريها شر، فأنهت أمرها [وأمر
الصبي] [2] إلى الرشيد، وأخبرت بمكان الصبي، ومع من هو من جواريها، وما
معه من الحلي الذي كانت زينته بها أمه [3] ، فلما حج هارون هذه الحجة
أرسل إلى الموضع من يأتيه بالصبي وحواضنه، فلما حضرن سأل اللواتي معهن
الصبي، فأخبرنه بمثل القصة التي أخبرته بها الرافعة على عباسة، وكان
ذلك سبب ما نزل بهم [4] .
وقد ذكر [أبو بكر] [5] الصولي أن علية بنت المهدي قالت للرشيد: ما رأيت
لك يوم سرور منذ قتلت جعفرا، فلأي شيء قتلته؟ فَقَالَ: لو علمت أن
قميصي يعلم السبب الذي قتلت له جعفرا لأحرقته. وكان يحيى بن خالد قد
كتب إلى جعفر: إني إنما أهملتك ليعثر الزمان بك عثرة يعرف بها أمرك،
وإن كنت أخشى أن تكون التي لا سوى لها. وقال يحيى للرشيد: يا أمير
المؤمنين، أنا والله أكره مداخلة جعفر معك، ولست آمن أن ترجع العاقبة
في ذلك علي منك، فلو أعفيته واقتصرت/ به على ما يتولاه من جسيم أعمالك
كان ذلك واقعا بموافقتي. قَالَ الرشيد: يا أبت، ليس بك ذلك [6] ، ولكن
[7] تريد أن تقدم عليه الفضل.
وقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا
عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
الحسين علي بن هشام قال: سمعت الحسن بن عيسى يَقُولُ: الشره قتل جعفر
بن يحيى. فقيل لَهُ: إن الناس يقولون إن ذنبه أمر بعض أخوات الرشيد.
فَقَالَ: هذا من رواية الجهال من كان يجسر على الرشيد بهذا إنما كان
جعفر قد حاز ضياع الدنيا لنفسه، وكان الرشيد إذا سافر لا يمر بضيعة أو
بستان إلا قيل: هذا لجعفر.
__________
[1] في ت: «عن هارون حتى» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وأخبرت بمكانه مع زينته به أمه» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 294.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «هذا» .
[7] في ت: «لكنك» .
(9/132)
فما زال ذلك في نفسه، ثم جنى على نفسه بأن
وجه برأس بعض الطالبيين في يوم نيروز من غير أن يكون قد أمره بقتله،
فاستحل بذلك دمه.
وقيل: بل أرادت البرامكة إظهار الزندقة وإفساد الملك فقتلهم لذلك.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك [1] ، ومحمد بن ناصر قالا: أَخْبَرَنَا
المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا أبو عبد الله النصيبي، أخبرنا أبو
القاسم إسماعيل بن سُوَيْد، حدثنا أبو بكر الأنباري قَالَ: حدثني
أَبِي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن المدائني قَالَ: قال أبو زكار [2]
الأعمى: كنت عند جعفر البرمكي في الليلة التي قتل فيها وهو يغني بهذا
الشعر:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبكر أو يغادي
وكل ذخيرة لا بد يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد/
فلو فوديت من حدث الليالي ... فديتك بالطريف وبالتلاد
فقلت: يا سيدي، ممن أخذت هذا الشعر. قَالَ: من أحسن شعرا من حكم
الوادي. فما قام عن موضعه حتى جاء مسرور غلام الرشيد فأخذ رأسه [3] .
قال علماء السير [4] : لما انصرف الرشيد عن الحج في سنة ست وثمانين قال
مسرور الخادم: سَمِعْتُ الرشيد يقول في الطواف: اللَّهمّ إنك تعلم أن
جعفر بن يحيى قد وجب عليه القتل، وأنا أستخيرك في قتله فخر لي. قالوا:
ثم عاد إلى الأنبار وبعث إليه بمسرور وحماد بْن سالم، والمغني يغني:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبكر أو يغادي
قال مسرور: الذي جئت فيه من ذاك قد والله طرقك، أجب أمير المؤمنين.
قال:
فوقع عَلَى رجلي يقبلها ويقول: حتى أدخل فأوصي. فقلت: أما الدخول فلا
سبيل إِلَيْهِ، ولكن أوص بما شئت. فتقدم في وصيته بما أراد، وقَالَ: كل
مال لي فهو صدقة، وكل
__________
[1] هذا الخبر من أوله لآخره ساقط من ت.
[2] في الأصل: «أبو بكار» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 295.
[4] انظر تاريخ الطبري 8/ 294- 296.
(9/133)
عَبْد لي فهو حر، وكل من لي عنده وديعة أو
حق فهو في حل. ثم أتت رسل الرشيد تستحث مسرورا، فأخرجه إخراجا عنيفا،
حتى أتى به المنزل الذي فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيد حمار، وأخبر
الرشيد فَقَالَ: ائتني برأسه. فجاء إلى جعفر وأخبره، فقال: الله الله،
والله ما أمرك بما أمرك به إلا وهو/ سكران، فدافع بأمري [حتى أصبح] [1]
أؤامره في ثانية. فعاد ليؤامره، فَقَالَ: يا ماص بظر أمه ائتني برأس
جعفر. فرجع إليه فأخبره فقال:
عاوده ثالثة. فأتاه فحذفه بعمود وقَالَ: نفيت من المهدي إن جئتني ولم
تأتني برأسه لأرسلن إليك من يأتيني برأسك، فأتاه برأسه [2] .
وكان قتله ليلة السبت أول ليلة من صفر سنة سبع وثمانين بأرض الأنبار،
وهو ابن سبع وثلاثين سنة، ثم أمر بنصب رأسه على الجسر، وتقطيع بدنه،
وصلب كل قطعة على جسر، فلم يزل كذلك حتى مر عليه الرشيد حين خروجه إلى
خراسان، فَقَالَ:
ينبغي أن يحرق هذا. فأحرق.
قال علماء السير: وجه الرشيد في ليلة قتل جعفر من أحاط بيحيى بن خالد
وجميع ولده ومواليه ومن [كان] [3] منهم [4] بسبيل، فلم يفلت منهم أحد
كان حاضرا، وحول الفضل بن يحيى ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد،
وحبس يحيى بن خالد في منزله، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير
ذَلِكَ، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى
غيرها، ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى الرقة في قبض أموالهم، وما كان
من رقيقهم ومواليهم وحشمهم، وفرق الكتب من ليلته في جميع الغلمان في
نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ [5] وكلائهم [6] فلما أصبح
كتب إلى السندي بتوجيه جثة [7] جعفر إلى مدينة السلام، ونصب رأسه على
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت. وأثبتناه من الطبري 8/ 295.
[2] تاريخ الطبري 8/ 294- 295.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت، والأصل: «منه» .
[5] «وما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم وفرق الكتب ليلته في جميع
الغلمان في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم» ساقط من
ت.
[6] في الأصل: «ودوابهم» .
[7] في ت: «جيفة» .
(9/134)
الجسر الأوسط، وقطع جثته وصلب [1] كل قطعة
على/ الجسر الأعلى والجسر الأوسط. ففعل السندي ذَلِكَ، وأمر بالنداء في
جميع البرامكة أن لا أمان لمن أمنهم أو آواهم [2] إلا محمد بن خالد
وولده وأهله وحشمه، فإنه استثناهم لما ظهر من نصيحة محمد لَهُ، وعرف
براءته مما دخل فيه غيره من البرامكة، وخلى سبيل يحيى قبل شخوصه مع
العم، ووكل بالفضل، ومحمد، وموسى، وأبي المهدي صهرهم حفظة من قبل هرثمة
بن أعين إلى أن وافى بهم الرقة، وأتى بأنس بن أبي شيخ صبيحة الليلة
التي قتل فيها جعفر فأمر بقتله، وكان من أصحاب البرامكة، وكان قد رفع
[إليه] [3] عنه أنه على الزندقة [4] .
وقيل ليحيى بن خَالِد أن الرشيد قد قتل ابنك، فَقَالَ: كذلك يقتل ابنه
[5] .
أنبأنا مُحَمَّد بْن أبي طاهر البزاز، أنبانا علي بن المحسن التنوخي،
عن ابنه قال:
حدثني علي بن هشام، أخبرنا علي بن عيسى قَالَ: حدثنا أبي، حدثنا داود
بن الْجَرَّاح قَالَ: قال لي الفضل بن مروان قَالَ: كنت أعمل في أبواب
ضياع الرشيد الحساب، فنظمت في حساب السنة التي نكب فيها البرامكة،
فوجدت ثمن هدية دفعتين من مال الرشيد أهداهما إلى جعفر بن يحيى بضعة
عشر ألف دينار، وفيه بعد شهور من هذه الهدية قد بينا الحساب لثمن نفط
وحب قطن ابتيع فأحرق به جثة جعفر بن يحيى بضعة عشر قيراطا ذهبا.
وقد ذكر [أبو بكر] [6] الصولي: أن الرشيد كان يقول، لعن الله من أغراني
بالبرامكة، ما رأيت رخاء بعدهم، ولا وجدت لذة راحة.
قال الصولي: / وحدثنا الغلابي، حدثنا العتبي قَالَ: قال لي الرشيد بعد
قتل
__________
[1] في الأصل: «ونصب» .
[2] «لمن آمنهم أو آواهم» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ الطبري 8/ 296، 297.
[5] تاريخ الطبري 8/ 299.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/135)
البرامكة: وددت والله إني شوطرت عمري،
وغرمت نصف ملكي، وأني تركت البرامكة على أمرهم.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري، أخبرنا محمد
بن العباس قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف قال: أخبرني أبو النضر
هشام بن سعيد الزُّهْرِيّ قَالَ: أخبرني أَبِي قَالَ: لما صلب الرشيد
جعفر بن يحيى وقف الرقاشي الشاعر [1] فَقَالَ:
أما والله لولا خوف [2] واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى ... حساما فله السيف الحسام
على اللذات [3] والدنيا جميعا [4] ... ودولة آل برمك السلام
فقيل للرشيد، فأمر به فأحضر فقال لَهُ: ما حملك على ما فعلت؟ قَالَ:
تحركت نعمته في قلبي فلم أصبر. قَالَ: كم أعطاك؟ قَالَ: كان يعطيني كل
سنة ألف دينار. قال:
فأمر له بألفي دينار [5] .
أخبرنا القزاز أخبرنا [أحمد بن علي] [6] الخطيب. قَالَ: أخبرنا محمد بن
عبد الْوَاحِدِ [بْن عَلِيّ] [7] البزاز قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد
الحسن بن عبد الله السيرافي قَالَ:
أخبرنا محمد بن أَبِي الأزهر قَالَ: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني
عمي مصعب بن عبد الله قَالَ: لما قتل جعفر بن يحيى وصلب بباب الجسر
رأسه، وفي الجانب الغربي جسده، وقفت امرأة على حمار فاره، فنظرت إلى
رأسه فقالت بلسان فصيح: / والله لئن
__________
[1] في تاريخ الطبري 8/ 301 أنه العطوى أبو عبد الرحمن.
[2] في الطبري: «لولا قول» .
[3] «اللذات» ساقطة من ت.
[4] في الطبري: «الدنيا وساكنيها» .
[5] تاريخ بغداد 7/ 158. وتاريخ الطبري 8/ 301.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أخبرنا عبد الواحد بن علي» .
وفي الأصل: «أخبرنا محمد بن عبد الواحد البزار» .
(9/136)
صرت اليوم آية لقد كنت في المكارم [1]
غاية، ثم أنشأت تَقُولُ:
لما رأيت السيف خالط جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا وأيقنت أنما ... قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا
وما هي إلا دولة بعد دولة ... تخول ذا نعمى وتعقب ذا بلوى
إذا أنزلت هذا منازل رفعة ... من الملك حطت ذا إلى الغاية القصوى
ثم إنها حركت الحمار الذي تحتها وكأنها [كانت] ريحا لم يعرف لها أثر
[2] .
وفي هذه السنة: هاجت العصبية بدمشق بين المضرية واليمانية، فوجّه
الرشيد محمد بن منصور فأصلح بينهم [3] .
وفيها: زلزلت المصيصة فانهدم بعض سورها، ونضب ماؤهم ساعة [من الليل]
[4] .
وفيها: غزا هارون الروم، وافتتح هرقلة فظفر بابنة بطريقها فاستخلصها
لنفسه، وأغزى ابنة القاسم الصائفة، ووهبه للَّه عز وجل، وجعله قربانا
له ووسيلة، وولاه العواصم، فدخل أرض الروم في شعبان، فأناخ على حصن
سنان، فجهدوا، فبعث إليه [ملك] [5] الروم يبذل له إطلاق ثلاثمائة أسير
وعشرين أسيرا من أسارى المسلمين على أن يرحل عنهم، ففعل [6] .
وفيها: غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح وحبسه، وكان بلغه أنه يروم
__________
[1] في الأصل: «في الكرم» .
[2] في ت: «لم يعرف لها خبر» .
نظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 159، 160. والبداية والنهاية 10/ 192
وفيها: وكأنها كانت ريحا.
[3] تاريخ الطبري 8/ 302. والكامل 5/ 336.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 302. والكامل 5/ 336. والبداية والنهاية 10/
193.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر تاريخ الطبري 8/ 302. والبداية والنهاية 10/ 193. والكامل 5/
336.
(9/137)
الخلافة، فلم يزل محبوسا حتى توفي الرشيد،
فأطلقه محمد، وعقد له على الشّام [1] .
وفيها: نقض صاحب الروم الصلح الذي كان جرى بين الذي/ قبله وبين
المسلمين، ومنع ما كان ضمنه الهالك لهم، وكان سبب النقض: أن الروم كانت
عليهم امرأة تملكهم، فخلعوها وملكوا عليهم نقفور، فكتب إلى الرشيد:
من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي
كانت قبلي [2] أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك
من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثاله إليها [3] ، لكن ذلك ضعف النساء
وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد [4] ما حصل قبلك من أموالها، وافتد
نفسك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.
فلما أن [5] قرأ الكتاب استفزه الغضب، حتى لم يمكن أحدا أن ينظر إليه
دون أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه خوفا، واستعجم الرأي على الوزير [من] [6]
أن يشير عليه أو يتركه برأيه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم. من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم،
قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه. والسلام.
ثم شخص من يومه، وسار حتى أناخ بباب هرقلة، ففتح وغنم، واصطفى، وخرب
وأحرق، واصطلم. فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة، فأجابه
إلى ذلك، فلما/ رجع من غزوته، وصار بالرقة نقض نقفور العهد، وخان
الميثاق، وكان البرد شديدا، فيئس نقفور من رجوعه إليه، فأتى الخبر
بارتداده عما أخذ عَلَيْهِ، فلم يتهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقا
عَلَيْهِ وعلى أنفسهم من الكرّة في مثل تلك الأيام، فاحتيل
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 302- 307. والكامل 5/ 330- 333. والبداية والنهاية
10/ 193.
[2] في الأصل، وت: «كانت قبل» .
[3] في الطبري: «بحمل أمثالها إليها» .
[4] في الأصل: «فاردده» .
[5] «أن» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل،، ت. وأثبتناه من الطبري.
(9/138)
لَهُ بشاعر من أهل جدة يقال لَهُ: أبو محمد
عبد الله بن يوسف فأخبره بذلك في أبيات [1] .
وفي هذه السنة: قتل إبراهيم بن محمد [بن عثمان] [2] بن نهيك. وقيل:
إنما قتل في سنة ثمان وثمانين [3] .
وسبب قتله: أنه كان كثيرا ما يذكر البرامكة فيبكي حبا لهم، إلى أن خرج
من حد البكاء ودخل في باب طالبي الثأر، فكان إذا خلا بجواريه فشرب وسكر
قَالَ: يا غلام، سيفي، فيجيء غلامه بالسيف، فينتضيه ثم يقول: وا
جعفراه، وا سيداه، والله لأقتلن قاتلك. فلما كثر هذا من فعله جاء ابنه
[4] عثمان إلى الفضل بن الربيع فأخبره، فأخبر الفضل الرشيد، فَقَالَ:
أدخله. فأدخله فَقَالَ: ما الذي قال عنك الفضل؟ فأخبره بقول أبيه وفعله
[5] . فقال الرشيد: فهل سمع هذا أحد معك؟ قَالَ: نعم، خادمه. فدعا
خادمه/ سرا فسأله، فَقَالَ: قد قال ذلك غير مرة [6] . فَقَالَ الرشيد:
ما يحل لي أن أقتل وليا من أوليائي بقول غلام وخصي [7] ، لعلهما تواصيا
على هذا. فأراد أن يمتحن إبْرَاهِيم، فقال للفضل: إذا حضر الشراب
فادعه، فإذا شرب خلني وإياه. ففعل ذَلِكَ الفضل، فلما خلا به الرشيد
قَالَ: يا إبراهيم، كيف أنت وموضع السر من قلبك [8] ؟ قال: يا سيدي،
أنا كأحسن عبيدك وأطوع خدمك. قَالَ: إن في نفسي. أمرا أريد أن أودعك
إياه قد ضاق صدري، وأسهد [9] ليلي. قَالَ: إذا أخفيه أن تعلمه نفسي.
قَالَ: ويحك! قد ندمت على قتل جعفر بن يحيى ندامة ما أحسن أن أصفها،
فوددت أني خرجت من ملكي، وأنه كان بقي لي، فما وجدت طعم النوم [10] منذ
فارقته، ولا لذة العيش منذ قتلته. فلما سمعها
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 307- 310. البداية والنهاية 10/ 193، 194. والكامل
5/ 333، 334.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ الطبري 8/ 310- 311. والكامل 5/ 334. والبداية والنهاية 10/
193.
[4] في الأصل: «جاء أبوه» .
[5] في الأصل: «بفعل ابنه وقوله» .
[6] في الأصل: «غير ما مرة» .
[7] في الأصل: «غلام خصي» .
[8] في ت، والطبري: «السر منك» .
[9] في ت، والطبري: «أسهر» .
[10] في الأصل: «طعم العيش» .
(9/139)
إبراهيم أسبل دمعه، وقَالَ: رحم الله أبا
الفضل وتجاوز عَنْه، والله يا سيدي لقد أخطأت في قتله. فقال الرشيد: قم
عليك لعنة الله يا ابن اللخناء [1] ! فقام ما يعقل، فانصرف إلى ابنه
[2] فقال: يا بني [3] ، ذهبت والله نفسي. فما كان إلا ثلاث ليال حتى
قتل [4] .
وفيها حج بالناس عُبَيْد الله بن العباس بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس [5] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1019- جعفر بن يحيى بن خالد، أبو الفضل البرمكي
[6] .
كانت له فصاحة وبلاغة وكرم زائد، وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمه إلى
القاضي أَبِي يوسف ففقهه، فصار له اختصاص بالرشيد. وقيل إنه وقع له [7]
في ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، فنظر في جميعها فلم يخرج
شيء منها عن موجب الفقه.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن
ثابت] [8] .
الخطيب قَالَ: أخبرنا الجوهري قَالَ: أخبرنا محمد بن عمران بن
المرزباني قال: حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قَالَ: سمعت علي بن
الحسين الإسكافي يحدث
__________
[1] في الأصل: «قم يا بن اللخناء عليك لعنة الله» .
[2] في الأصل: «ابنه» .
[3] في الأصل: «يا أبت» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 308- 310. والكامل 5/ 334.
[5] «بن عبد الله بن عباس» ليست في ت.
انظر: تاريخ الطبري 8/ 312. والكامل 5/ 336. والبداية والنهاية 10/
194.
[6] تاريخ بغداد 7/ 152- 160. والبداية والنهاية 10/ 194- 198.
[7] «له» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/140)
قَالَ [1] : كان [2] أحمد بن الجنيد
الإسكافي وكان أخص الناس بجعفر بن يحيى البرمكي، وكان النَّاسَ يقصدونه
في حوائجهم إلى جعفر، وإن رقاع الناس كثرت في خف أحمد بن الجنيد، فلم
يزل كذلك إلى أن تهيأت له الخلوة بجعفر فقال لَهُ: جعلني الله فداك، قد
كثرت رقاع النَّاسَ معي وأشغالك كثيرة، وأنت اليوم خال، فإن رأيت أن
تنظر فيها. فقال له جعفر: على أن تقيم عندي اليوم. فَقَالَ: نعم. فصرف
دوابه وأقام، فلما تغدوا جاءه بالرقاع، فقال له جعفر: هذا وقت ذا دعنا
اليوم، فأمسك عنه وانصرف ولم ينظر في الرقاع، فلما كان بعد أيام خلا
به، فأذكره [3] [الرقاع] [4] ، فقال: نعم، على أن تقيم عندي اليوم.
فأقام عنده، ففعل به مثل الفعل/ الأول، حتى فعل به ذلك ثلاثا، فلما كان
ذلك في آخر يوم أذكره فَقَالَ: دعني الساعة. وناما، فانتبه جعفر قبل
أَحْمَد، فقال لخادم له: اذهب إلى خف أحمد بن الجنيد فجئني بكل رقعة
فيه، وانظر لا يعلم أحمد. فذهب الغلام، وجاء بالرقاع، فوقع فيها جعفر
عن آخرها بخطه بما أحب أصحابها، ووكد ذَلِكَ، ثم أمر الغلام أن يردها
إلى الخف، فردها، فانتبه أحمد ولم يقل فيها شيئا، وانصرف أَحْمَد، فركب
يعلل أصحاب الرقاع بها أياما، ثم قال لكاتب لَهُ:
ويحك هذه الرقاع قد أخلقت في خفي، وهذا ليس ينظر فيها، فخذها فتصفحها،
وجدد ما أخلق منها. فأخذها الكاتب، فنظر فيها، فوجد الرقاع موقعا فيها
بما سأل أصحابها، فتعجب من كرمه ونبل أخلاقه، ومن أنه قضى حاجته ولم
يعلمه بها لئلا يظن أنه اعتد بها عَلَيْهِ [5] .
أخبرنا أبو منصور القزاز [6] ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال:
أخبرنا أبو القاسم الأزهري حدثنا محمد بن العباس الخزَّاز، حدثنا محمد
بن خلف بن
__________
[1] «علي بن الحسين الاسكافي يحدث قال» . ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «حدثنا أحمد بن الجنيد ... » .
وفي ت: «بن محمد الخصيبي قال سمعت أحمد بن الجنيد الإسكافي» .
[3] في تاريخ بغداد: نذاكره» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 7/ 153، 154.
[6] في ت: «قال» بدلا من: «أخبرنا أبو منصور القزاز» .
(9/141)
المرزبان، حدثنا يعقوب النَّخْعي، حدثنا
علي بن زيد كاتب العباس المأمون قَالَ:
حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: حج
هارون الرشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي. قَالَ: وكنت معهم، فلما صرنا
إلى مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي جعفر بن
يحيى: أحب أن تنظر لي جارية، / ولا تبقى غاية في حذاقتها بالغناء
والضرب، والكمال في الظرف [1] والأدب، وجنبني قولهم صفراء. قَالَ:
فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه فرأيت رسول النعمة، وأخرجها إلي فلم
أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب، ثم تغنت إلي أصواتا فأجادتها. قَالَ:
فقلت لصاحبها:
قل ما شئت. قال: أقول لك قولا ولا انقص منه درهما. قَالَ: قُلْتُ: قل.
قَالَ: أربعين ألف دينار. قال: قُلْتُ: قد أخذتها وأشترط عليك نظرة
قَالَ: ذاك لك [2] . قَالَ: فأتيت جعفر بن يحيى. فقلت لَهُ: قد أصبت
حاجتك على غاية الظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجوده الضرب، وقد
اشترطت نظرة [3] ، فاحمل المال ومر بنا [4] . فحمل المال على حمالين،
وجاء جعفر مستخفيا، فدخلنا على الرجل، فأخرجها، فلما رآها جعفر أعجب
بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنّته فازداد بها عجبا، فقال لي: اقطع
أمرها.
فقلت لمولاها هذا المال، قد وزناه ونقدناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من
شئت لينقد.
فَقَالَ: لا بل أقنع بما قلتم. قَالَ: فقالت الجارية: يا مولاي في أي
شيء أنت؟ فَقَالَ: قد عرفت ما كنت [5] فيه من النعمة، وما كنا [6] فيه
من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان [علينا] [7] ، فقدرت
أن تصيري إلى هذا الملك فتنبسطي في شهواتك وإرادتك. فقالت الجارية:
والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها،
وبعد فاذكر العهد/ الذي بيني وبينك. وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها
ثمنا.
__________
[1] في الأصل: «الطرف» .
[2] في الأصل: «ذاك له» .
[3] في الأصل: «نظرك» .
[4] في ت: «وامض بنا» .
[5] في ت، وتاريخ بغداد: «ما كنا» .
[6] في ت، وتاريخ بغداد: «وما كنا» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/142)
فتغرغرت عينا المولى، وقَالَ: اشهدوا أنها
حرة لوجه الله تعالى، وإني قد تزوجتها وأمهرتها داري. قَالَ: فقال لي
جعفر: انهض بنا. قَالَ: فدعوت الحمالين ليحملوا المال فقال جعفر: والله
لا يصحبنا منه درهم، [ثم قال لمولاها: بارك الله لك فيه، انفقه عليها
وعليك] [1] . قَالَ: وقمنا فخرجنا [2] .
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [3] الخطيب قال: أخبرنا
سلام بن الحسن المقرئ قَالَ: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: حدثنا
إبراهيم بن حمَّاد قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أَبِي سعد [4] قَالَ: حدثني محمد بن أحمد
بن المبارك العبدي قَالَ:
حدثني عبد الله بن علي أبو مُحَمَّد قَالَ: لما غضب [الرشيد] [5] على
البرامكة أصيب في خزانة لجعفر بن يحيى في جرة ألف دينار، في كل دينار
مائة دينار، على أحد جانبي كل دينار منها:
وأصفر من ضرب دار الملوك ... يلوح على وجهه جعفر
يزيد على مائة واحدا ... متى تعطه معسرا يوسر
[6] .
[قال المصنف: وقد ذكرنا السبب الذي أوجب قتل جعفر، ونكب البرامكة فلا
نحتاج إلى إعادة.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر قالا: أَخْبَرَنَا
المبارك بْن عَبْد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحُسَيْنُ بْنُ محمد النصيبي قَالَ: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن
سُوَيْد قَالَ: حدثنا أبو بكر الأنباري قَالَ: حدثني أبي قَالَ: حدثنا
عبد الله بن عبد الرحمن المدائني قَالَ: قال أبو زكار الأعمى [7] : كنت
عند جعفر بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 7/ 154، 155.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «إبراهيم بن سعد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 7/ 155، 156.
[7] في ت: «أبو بكار الأعمى» .
(9/143)
يحيى البرمكي في الليلة التي قتل فيها وهو
يغني بهذا الشعر:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبكر أو يغادي [1]
وكل ذخيرة لا بد يوما ... وإن بقيت تصير إلى نفاد
فلو فوديت من حدث الليالي ... فديتك بالطريف وبالتلاد
فقلت لَهُ: يا سيدي، ممن أخذت هذا الشعر؟ فَقَالَ: أخذته من أحسن الناس
شعرا [من] [2] حكم الوادي. فما قام عن موضعه حتى جاء مسرور غلام الرشيد
فأخذ رأسه] [3] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أَخْبَرَنَا أبو يعلي
أَحْمَد بن عبد الواحد قَالَ: أَخْبَرَنَا إسماعيل بن سعيد المعدل
قَالَ: حدثنا الحسين بن الفهم قَالَ:
أخبرني الحسين بن سعيد العنبري قَالَ: حدثني حماد بن إسحاق، عن أَبِيهِ
قَالَ: قال أبو يزيد الرياحي: كنت قاعدا عند خشبة جعفر بن يحيى البرمكي
أتفكر في زوال ملكه، وحاله التي صار إليها إذ أقبلت امرأة راكبة لها
رواء وهيئة، فوقفت على جعفر فبكت فأحزنت [4] ، / وتكلمت فأبلغت، وقالت:
أما والله لئن أصبحت في الناس آية، لقد بلغت فيهم الغاية، ولئن زال
ملكك، وخانك دهرك، ولم يطل بك عمرك، لقد كنت المغبوط حالا، الناعم
بالا، يحسن بك الملك، فاستعظم الناس فقدك إذ لم يستخلفوا ملكا بعدك،
فنسأل الله الصبر على عظيم الفجيعة وجليل الرزية التي لا تستعاض بغيرك،
والسلام عليك وداع غير قال ولا ناس لذكرك، ثم أنشأت تَقُولُ:
العيش بعدك مر غير محبوب ... ومذ صلبت ومقنا كل مصلوب
أرجو لك الله ذا الإحسان إن له ... فضلا علينا وعفوا غير محسوب
ثم سكتت [5] ساعة وتأملته، ثم أنشأت تقول:
__________
[1] في ت: «يفادي» .
[2] ما بين المعقوفتين زيادة لاكتمال المعنى.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، من أول «قال المصنف ... » حتى
هنا.
[4] في الأصل: «وأحرقت» .
[5] في ت: «ثم سكنت» .
(9/144)
عليك من الأحبة كل يوم ... سلام الله، ما
ذكر السلام
لئن أمسى صداك برأي عين ... على خشب حباك بها الإمام
فمن ملك إلى ملك برغم ... من الأملاك أسلمك الحمام
[1] أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد
بن رزق قال: أخبرنا عمر بن جعفر بن محمد بن مُسْلِم قَالَ: حَدَّثَنَا
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ:
حدثني إسماعيل بن مُحَمَّد قال: لما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر بن
يحيى وما نزل بالبرامكة حول وجهه إلى القبلة/ وقال: اللَّهمّ إنه كان
قد كفاني مئونة الدنيا فاكفه مئونة الآخرة [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين
الجازري قال: حدثنا المعافى بن زكريّا (ح) [3] .
وأخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الواحد قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن عبد
الرحيم المازني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو علي الحسين بْن القَاسِم
الكوكبي قَالَ: حدثنا أبو بكر الضرير قَالَ: حدثني غسان بن عمر القاضي،
عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قَالَ: دخلت على أمي في يوم أضحى وعندها
امرأة برزة في أثواب دنسة رثه، فقالت لي: أتعرف هذه؟ قُلْتُ: لا. قالت:
هذه عبادة أم جعفر بن يحيى بن خالد. فسلمت عليها ورحبت بها، وقلت لها:
يا فلانة، حدثيني ببعض أمركم. قالت: أذكر لك جملة كافية فيها اعتبار
لمن اعتبر، وموعظة لمن فكر، لقد هجم علي مثل هذا العيد وعلى رأسي
أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أن جعفرا ابني عاق بي، وقد أتيتكم في هذا
اليوم [أسألكم] [4] جلد شاتين أجعل أحدهما شعارا والآخر دثارا [5] .
__________
[1] في تاريخ بغداد: الهمام» .
انظر الخبر في تاريخ بغداد 7/ 158، 159.
[2] تاريخ بغداد 7/ 160.
[3] علامة تحويل السند ساقطة من الأصل.
[4] في الأصل [أسلكم.]
[5] تاريخ بغداد 7/ 157.
(9/145)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْبَاقِي الْبَزَّارُ، أَنْبَأَنَا عَلي بْن أبي على البصري، عن أبيه،
أن مسروا قَالَ: استدعاني المأمون فقال لي: قد أكثر علي أخبار السر بأن
شيخا يأتي خراب البرامكة فيبكي وينتحب طويلا ثم ينشد شعرا يرثيهم به
وينصرف، فاركب أنت ودينار بْن عَبْد الله/ واستتر بالجدران، فإذا جاء
وشاهدتما ما فعل وسمعتما ما قال فأتياني به، فركبنا مغلسين، فأتينا
الموضع فاختفينا فيه وأبعدنا الدواب، فلما أصبحنا إذا بخادم أسود قد
أقبل ومعه كرسي حديد، فطرحه وجاء على أثره كهل فجلس على الكرسي وتلفت
فلم ير أحدا، فبكى وانتحب حتى قلت قد فارق الدنيا، ثم أنشأ يَقُولُ:
ولما رأيت السيف خلل جعفرا ... ونادى مناد للخليفة في يحيى
[1] وذكر أبياتا قد تقدمت، فلما قام قبضنا عَلَيْهِ، فقال: ما تريدان
مني. قُلْتُ: هذا دينار بْن عَبْد الله وأنا مسرور خادم أمير المؤمنين
وهو يستدعيك فالبس، ثم قَالَ: إني لا آمنه عَلَى نفسي، فأمهلني حتى
أوصي. قُلْتُ: شأنك. فسرنا معه فوقف على دكان رجل واستدعى دواة وبيضاء،
فكتب فيها وصيته، ودفعها إلى خادمه، وسرنا بِهِ، فلما مثل بين يدي
الخليفة زبره وقَالَ: من أنت؟ وبم استحق منك البرامكة ما تصنع [2] .
فقال غير هائب ولا محتشم: يا أمير المؤمنين، إن للبرامكة عندي أيادي
خضراء، فإن أمر أمير المؤمنين حدثته ببعضها. فَقَالَ: هات. فقال: أنَا
المنذر بن المغيرة الدمشقي، نشأت في نعمة فزالت حتى أفضت إلى بيع داري،
وأملقت إلى [غير] [3] غاية، فأشير علي بقصد البرامكة، فخرجت إلى بغداد/
ومعي نيف وعشرون امرأة وصبيا، فدخلت بهم إلى [مسجد] [4] ببغداد، ثم
خرجت وتركتهم جياعا لا نفقة لهم، فمررت بمسجد فيه جماعة عليهم أحسن زي،
فجلست معهم أردد في صدري ما أخاطبهم به فتحيد نفسي عن ذل السؤال [5] ،
فإذا خادم قد أزعج القوم، فقاموا فقمت معهم، فدخلوا دارا كبيرة، فدخلت
معهم، فإذا يحيى بن خالد على دكة وسط بستان، فجلسوا وجلست، وكنا مائة
__________
[1] الأبيات في تاريخ بغداد 7/ 159، 160.
[2] في ت: «يصنع» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فتحد نفسي باني ذل السؤال» .
(9/146)
رَجُل ورجل، فخرج مائة خادم وخادم، في يد
كل واحد منهم مجمرة [1] ذهب، فيها قطعة عنبر، فسجروا العود، وأقبل يحيى
على القاضي فَقَالَ زوج ابن عمي هذا بابنتي عائشة فخطب وعقد النكاح،
فأخذنا النثار من فتات المسك وبنادق العنبر وتماثيل الند، فالتقط
النَّاسَ والتقط، ثم جاءنا الخدم في يد كل واحد منهم صينية فضة، فيها
ألف دينار، مخلوط بالمسك، فوضع بين يدي كل واحد واحدة، فأقبل كل واحد
يأخذ الدنانير في كمه، والصينية تحت إبطه، ويخرج، فبقيت وحدي، لا أجسر
أفعل ذَلِكَ، فغمزني بعض الخدم وقَالَ: خذها [وقم] [2] ، فأخذتها وقمت،
وجعلت أمشي، والتفت/ [خوفا من أن يؤخذ مني،] [3] ويحيى يلاحظني من حيث
لا أفطن، فلما قاربت الستر رددت فيئست من الصينية، فجئت فأمرني
بالجلوس، فجلست فسألني عن حالي فحدثته بقصتي، فبكى، ثم قَالَ: علي
بموسى. فجاءه، فَقَالَ: يا بني، هذا رجل من أولاد النعم، قد رمته
الأيام بصرفها، فخذه واخلطه بنفسك، فأخذني فخلع علي وأمر لي بحفظ
الصينية فكنت في العيش يومي وليلتي، ثم استدعى [أخاه] [4] لعباس
وقَالَ: إن الوزير سلم إلي هذا، وأريد الركوب إلى دار أمير المؤمنين،
فليكن عندك اليوم. فكان يومي مثل أمسي، وأقبلوا يتداولوني وأنا قلق
بأمر عيالي، ولا أتجاسر أن أذكرهم، فلما كان اليوم العاشر أدخلت إلى
الفضل بن يحيى، فأقيمت عنده يومي وليلتي، فلما أصبحت جاءني خادم
فَقَالَ: قم إلى عيالك وصبيانك. فقلت: إنا للَّه، ذهبت الصينية وما
فيها، فيا ليت هذا كان من أول يوم. فقمت والخادم يمشي بين يدي، فأخرجني
من الدار، فازداد يأسي [5] ، ثم أدخلني إلى دار كأن الشمس تطلع من
جوانبها، وفيها من صنوف الآلات والفرش، فلما توسطتها رأيت عيالي يرتعون
فيها في الديباج والستور، وقد حمل إليهم مائة ألف درهم، وعشرة آلاف
دينار/، وسلم إلي الخادم صكا بضيعتين جليلتين، وقال: هذه الدار وما
فيها والضياع لك. فأقمت مع البرامكة في أخفض عيش إلى الآن.
__________
[1] في الأصل: «محمرة» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «أوياسى» .
(9/147)
ثم قصدني عمرو بن مسعدة [1] في الضيعتين،
فألزمني من خراجهما ما لا يفي به دخلهما، فكلما لحقتني نائبة قصدت
دورهم فبكيتهم، فاستدعى المأمون عمرو بن مسعدة، فأمره أن يرد على الرجل
ما استخرج منه، ويقرر خراجه على ما كان في أيام البرامكة. فبكى الرجل
بكاء شديدا، فقال له المأمون: ألم استأنف لك جميلا؟ قال:
بلى، ولكن هذا من بركة البرامكة. فَقَالَ: امض، فإن الوفاء مبارك، وحسن
العهد من الإيمان.
1020- الفضيل بن عياض، أبو علي التميمي
[2] .
ولد بخراسان بكور أبيورد، وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع الأعمش، ومنصور
بن المعتمر، وعطاء بن السائب، وحصين بن عبد الرَّحْمَن، وغيرهم.
ثم تعبد وانتقل إلى مكة، فمات بها في أول هذه السنة. وكان ثقة فاضلا
زاهدا.
أخبرنا محمد [3] بن ناصر قَالَ: حدثنا [4] حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ/ الأصفهاني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سعيد الجندي قَالَ: حدثنا إسحاق بن
إبراهيم قال: كانت قراءة الفضيل حزينة شهية بطيئة مترسلة [5] ، كأنه
يخاطب إنسانا، وكان إذا مرّ بآية فيها ذكر الجنة تردد فيها وسأل [6] ،
وكان يلقى له حصير بالليل في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة حتى تغلبه
عيناه فينام على الحصير [7] ، فينام قليلا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم
نام، ثم يقوم، هكذا حتى يصبح.
وسمعته يَقُولُ: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك
محروم مكبّل [8] ، كبّلتك خطيئتك.
__________
[1] في الأصل: «مصعدة» .
[2] طبقات ابن سعد 5/ 500. والتاريخ الكبير 7/ 123. والجرح والتعديل 7/
73. وتهذيب التهذيب 8/ 294. والتقريب 2/ 113. وحلية الأولياء 5/ 15،
30، 8/ 87- 114.
[3] «محمد» ساقطة من ت.
[4] في ت: «أخبرنا» .
[5] «مترسلة» ساقطة من ت.
[6] في ت: «ويسأل» .
[7] في ت: «فيلقي نفسه على الحصير فينام» .
[8] في الأصل: «مكبول محروم» .
(9/148)
أخبرنا المحمدان: ابن ناصر، وابن عبد
الباقي قَالا: حَدَّثَنَا حَمَدُ [1] بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ زكريا [2] الغلابي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْجَرْمِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَجَّ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَانِي فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا، فَقُلْتُ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو أرسلت [3] إليّ أتيتك. فقال: ويحك! قد حَكَّ
فِي نَفْسِي شَيْءٌ، فَانْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ.
فَقُلْتُ/: هُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. فَقَالَ: امْضِ بِنَا
إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجَ [4] مُسْرِعًا،
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ
أَتَيْتُكَ، فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ
اللَّهُ. فَحَدَّثَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَلَيْكَ دَيْنٌ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَبَا الْعَبَّاس، اقْضِ دَيْنَهُ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا،
انْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ. قُلْتُ: هُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ
هَمَّامٍ. قَالَ: امْضِ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَقَرَعْتُ
الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ:
أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجَ مُسْرِعًا فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ [5] .
قَالَ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ له. فحادثه ساعة، ثُمَّ قَالَ: هَلْ
عَلَيْكَ دَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَبَا عَبَّاسٍ، اقْضِ
دَيْنَهُ.
فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا،
انْظُرْ لِي رَجُلا أَسْأَلُهُ. قُلْتُ: هُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ
عِيَاضٍ. قَالَ: مُرَّ بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ
قَائِمٌ يُصَلِّي، يَتْلُو آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، يُرَدِّدُهَا،
فَقَالَ: اقْرَعِ الْبَابَ. فَقَرَعْتُ الْبَابَ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
فَقُلْتُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: مَا لِي وَلأَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ،
أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ/ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أنه قال: «لَيْسَ للْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» ؟
فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الْغُرْفَةِ،
فَأَطْفَأَ الْمِصْبَاحَ، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا
فجعلنا
__________
[1] في ت: «أحمد» .
[2] في الأصل: «بكر» .
[3] في الأصل: «لم لا أرسلت» .
[4] في الأصل: «فحرج» .
[5] في الأصل: «أتيك» .
(9/149)
نَجُولُ [1] عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا،
فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ قَبْلِي إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ
كَفٍّ، مَا ألينها، إن نجت غدا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلامٍ مِنْ
قَلْبٍ نَقِيٍّ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ
اللَّهُ.
قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وُلِّيَ
الْخِلافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، ومحمد بن كعب القرظي،
وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ
بِهَذَا الأَمْرِ [2] فَأَشِيرُوا عَلَيَّ.
فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا
من عذاب الله عز وجل فصم [عَنِ] [3] الدُّنْيَا، وَليَكُنْ إِفْطَارُكَ
فِيهَا [4] الْمَوْتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ
اللَّهِ فَلْيَكُنْ كَبِيرُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَكَ أَبًا، وأوسطهم
أخا، وأصغرهم عندك ولدا، فوقّر ْأَبَاكَ، وَأَكْرِمْ أَخَاكَ،
وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ.
وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ: إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ/ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا
تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ
مِتْ إِذَا شِئْتَ، وَإِنِّي أَقُولُ لَكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ
أَشدَّ الْخَوْفِ، يَوْمًا تَزَلْ فِيهِ الأَقْدَامُ، فَهَلْ مَعَكَ-
رَحِمَكَ اللَّهُ- مَنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟
فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: ارْفُقْ
بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا بْنَ أُمِّ الرَّبِيعِ، تَقْتُلُهُ
أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ وَأَرْفُقُ أَنَا [5] . بِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ
فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين،
بلغني أَنَّ عَامِلا [6] لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَكَى
إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ:
يَا أَخِي، أُذَكِّرُكَ اللَّهَ طُولَ سَهَرِ أَهْلِ النَّارِ فِي
النَّارِ مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف
__________
[1] في الأصل: «نحول» .
[2] في ت: «البلاء» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «منه» .
[5] «أنا» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «غلاما» وصححت في الهامش.
(9/150)
بِكَ مَنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونَ آخِرَ
الْعَهْدِ مِنْكَ وَانْقِطَاعَ الرَّجَاءِ [1] .
فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز فقال: ما أقدمك؟
قال: خلعت قلبي بِكِتَابِكَ، لا أَعُودُ إِلَى وِلايَةٍ حَتَّى أَلْقَى
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا،
ثُمَّ قَالَ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ
الْمُصْطَفَى صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِّرْنِي عَلَى
إِمَارَةٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ الإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، فَإِنِ استطعت أن لا تَكُونَ أَمِيرًا فَافْعَلْ» .
قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا، وَقَالَ لَهُ: زِدْنِي
رَحِمَكَ اللَّهُ/.
قَالَ: يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَنْ
هَذَا الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ
هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ
وَفِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ النَّبيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ غَاشًّا
لِرَعِيَّتِهِ لَمْ يَرِحْ [2] رَائِحَةَ الْجَنَّة» . فبكى هارون وقال
لَهُ: عليك دين؟ قَالَ: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن
سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قَالَ: أعني
من دين العباد. قَالَ: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أوحده وأطيع
أمره، فقال عز وجل: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ
يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
51: 56- 58 [3] .
فقال لَهُ: هذه ألف دينار خذها أنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادتك.
فَقَالَ:
سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني [4] بمثل هذا؟ سلمك
الله ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب
قَالَ: أبا الْعَبَّاس، إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد
المسلمين.
__________
[1] في الأصل: «الرحا» .
[2] في الأصل: «من أصبح لهم غاشا لم يرح ... » .
[3] سورة: الذاريات، الآية: 57.
[4] في الأصل: «تكافني» .
(9/151)
فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت لَهُ: يا
هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، / فلو قبلت هذا المال فانفرجنا
بِهِ. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه،
فلما كثر نحروه فأكلوا لحمه.
فلما سمع هارون هذا الكلام قَالَ: تدخل فعسى يقبل المال، فلما علم
الفضيل خرج فجلس على السطح على باب الغرفة، فجلس هارون إلى جنبه، فجعل
يكلمه فلا يجيبه، فبينا نَحْنُ كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا
هذا، قد أذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف رحمك اللَّه. فانصرفنا.
1021- أبو شعيب البراثي العابد
[1] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْر بْن ثَابِت قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: أخبرني أبو جعفر [2] الخلدي [3]
في كتابه. وحدثني فيه محمد بن إبْرَاهِيم عَنْه قال: سمعت الجنيد بن
مُحَمَّد يَقُولُ: كان أبو شعيب البراثي أول من سكن براثا في كوخ يتعبد
فيه، فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار [4] من أبناء الدنيا كانت ربيت
[5] في قصور الملوك، فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله [6] ، فصارت
كالأسير له، فعزمت على التجرد عن الدنيا والاتصال بأبي شعيب، فجاءت
إليه وقالت: أريد أن أكون لك خادمة. فقال لها: إن أردت ذلك فغيري من
هيئتك وتجردي عما أنت فيه حتى تصلحي لما أردت. فتجردت عن كل ما تملكه/
ولبست لبسة النساك وحضرته فتزوجها، فلما دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف وكان
يجلس عليها أبو شُعَيْب تقيه من الندى، فقالت: ما أنا بمقيمة فيها حتى
تخرج ما تحتك، لأني سمعتك تقول: إن الأرض تقول لابن آدم: تجعل بيني
وبينك حجابا وأنت غدا في بطني، فما كنت لأجعل
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 199.
[2] في ت: «أخبرني جعفر» .
[3] في الأصل: «الخالديّ» .
[4] في ت: «الكتاب» .
[5] في الأصل: «ربيبته» .
[6] في الأصل: «إلى حال أبي شعيب فاستحسنتها» .
(9/152)
بيني وبينها حجابا، فأخذ أبو شعيب الخصاف
فرمى بِهِ، فمكثت معه سنين كثيرة يتعبدان أحسن عبادة، وتوفيا على ذلك
متعاونين.
[قال المصنف:] [1] وقد ذكرنا فيما تقدم أن جوهرة [2] زوجة عبد الله
البراثي جرى لها نحو هذا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «جوهر» .
(9/153)
ثم دخلت سنة ثمان
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
غزو [1] إبراهيم بن جبريل الصائفة، ودخوله أرض الروم، فخرج للقائه
نقفور، فجرح وانهزم وقتل من الروم أربعون ألفا وسبعمائة، وأخذ أربعة
آلاف دابة [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب
قَالَ:
قرأت عَلَى الجوهري، عن أبي عبد الله المرزباني قَالَ: حدثني علي بن
هارون قَالَ:
أخبرني أَبِي قَالَ: قال أبو الشيص يمدح الرشيد عند ورود الخبر بهزيمة
نقفور وفتح بلد الروم من قصيدة: /
شددت أمير المؤمنين قوى الملك ... صدعت بفتح الروم أفئدة الترك.
قرنت بسيف الله هام عدوه ... وطأطأت بالإسلام ناصية الشرك
فأصبحت مسرورا ولا تعي ضاحكا ... وأصبح نقفور على ملكه يبكي
[3] .
وفيها: رابط القاسم بن الرشيد بدابق [4] .
__________
[1] في ت: «غزاة» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 313. والبداية والنهاية 10/ 199. والكامل 5/ 337.
[3] تاريخ بغداد 5/ 401، 402.
[4] في الأصل: «بغدائق» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 313. والبداية والنهاية 10/ 200.
(9/154)
وفيها: حج بالناس [1] الرشيد، وهي آخر حجة
حجها الرشيد، ولقيه بهلول في الطريق، فوعظه [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد أبو
الغنائم بن ميمون الزينبي قَالَ:
حَدَّثَنَا محمد بن علي بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: حدثنا زيد بن الحاجب
قَالَ: أخبرنا محمد بن هارون قَالَ: حدثنا علي بن الحَسَن قَالَ: حدثنا
علي بن إبراهيم الكرخي قَالَ [3] : حدّثنا محمد بن الحسن الحراني
قَالَ: حدثنا أحمد بن عبد الله [4] القزويني، عن الفضل بن الربيع
قَالَ: حججت مَعَ هارون الرشيد، فمررنا بالكوفة، فإذا بهلول المجنون
يهذي، فقلت: اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين. فسكت، فلما حاذاه الهودج
قَالَ: يا أمير المؤمنين، حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ بَابِلَ [5] قَالَ:
حَدَّثَنَا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنًى عَلَى
جَمَلٍ، وَتَحْتَهُ رَحْلٌ رَثٌّ/، وَلَمْ يَكُنْ ثُمَّ طَرْدٌ وَلا
ضَرْبٌ وَلا إِلَيْكَ إِلَيْكَ. قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، إنه بهلول
المجنون، قَالَ: قد عرفته، قل يا بهلول. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين:
فهب أن قد ملكت الأرض طرا ... ودان لك العباد فكان ماذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر ... ويحثو الترب هذا ثم هذا
قَالَ: أجدت يا بهلول، أفغيره؟
قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، من رزقه الله جمالا ومالا، فعف في جماله،
وواسى في ماله، كتب في ديوان الأبرار.
قَالَ: فظن أنه يريد شيئا، قَالَ: فإنا قد أمرنا بقضاء دينك.
قَالَ: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا تقض دينا بدين، اردد الحق إلى
أهله، واقض دين نفسك من نفسك.
__________
[1] في ت: «وحج في هذه السنة الرشيد» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 313. والبداية والنهاية 10/ 200. والكامل 5/ 337.
[3] «حدثنا علي بن إبراهيم الكرخي قال» ساقطة من ت.
[4] في ت: «عبيد الله» .
[5] في ت: «أيمن بن بابل» .
(9/155)
قَالَ: إنا قد أمرنا أن نجري عليك.
قَالَ: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا يعطيك شيئا وينساني، أجرى علي
الذي أجرى عليك، لا حاجة لي في جرايتك [1] .
وقد روى أبو بكر الصولي قَالَ: حدثنا محمد بن القاسم قَالَ: حدثنا محمد
بن مِسْعَر قال: لما دخل الرشيد إلى الفضيل بن عياض ولم يعرفه الفضيل،
ثم عرفه فقال لَهُ: أنت هو يا حسن الوجه، استكثر من زيارة هذا البيت،
فإنه لا يحج خليفة بعدك.
قال الصولي: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم البزار قَالَ: حدّثنا إسحاق بن
إبراهيم السندي [2] ، عن/ أبي بكر بن عياش أنه قَالَ وقد مر به الرشيد
بالكوفة منصرفا من الحج سنة ثمان وثمانين ومائة: لا يحج الرشيد بعد هذه
الحجة، ولا يحج بعده خليفة أبدا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1022- إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة، أبو إسحاق
الفَزَارِيّ
[3] .
كان عالما صاحب سنة، أسند الحديث عن سفيان الثَّورِي، والأوزاعي. وتوفي
بالمصيصة في هذه السنة، وقيل: سنة خمس وثمانين.
1023- إبراهيم بن ماهان بن بهمن، أبو إسحاق، المعروف بالموصلي
[4] .
وهو من أرجان، ينسب إلى ولاء الحنظليين، وأصله من الفرس. خرج أبوه من
أرجان بأمه وهي حاملة بِهِ، فقدم الكوفة فولدته سنة خمس وعشرين ومائة،
وصحب بالكوفة فتيانا في طلب الغناء، فاشتدت عليه أخواله في ذلك، فخرج
إلى الموصل، ثم عاد إلى الكوفة، فقال لَهُ أخواله: مرحبا بالفتى
الموصلي، ونظر في الأدب، وقال الشعر: واتصل بالخلفاء والملوك.
__________
[1] البداية والنهاية 10/ 200.
[2] في ت: «الشهيدي» .
[3] البداية والنهاية 10/ 200. وتهذيب التهذيب 1/ 151- 153.
[4] تاريخ بغداد 6/ 175- 178.
(9/156)
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا
[أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت] [1] الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن
عبد العزيز الطاهري قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن عَبْد اللَّه بْن
المغيرة الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن سَعِيد [2] الدمشقي
قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرِ بْن بكار قَالَ: حدثني إسحاق الموصلي،
عن أبيه إبْرَاهِيم قَالَ: جاءني غلامي فَقَالَ: بالباب رجل حائك يطلب
عليك الأذن. فقلت: ويلك! ما لي وللحائك؟ قَالَ: لا أدري غير أنه حلف
بالطلاق أنه لا ينصرف/ حتى يكلمك لحاجته. فقلت: ائذن لَهُ. فدخل، فقلت:
ما حاجتك؟ قَالَ: جعلني الله فداك، أنا رجل حائك كان بالأمس جماعة من
أصحابي وأنا تذاكرنا الغناء والمقدمين فيه، فأجمع من حضر أنك رأس القوم
وبندارهم [3] وسيدهم فيه، فحلفت بطلاق ابنة عمي أعز الخلق علي، ثقة مني
بكرمك على أن تشرب عندي غدا وتغنيني، فإن رأيت- جعلني الله فداك- أن
تمن على عبدك بذلك.
فقلت لَهُ: أَيْنَ منزلك؟ قَالَ في دور الصحابة. قلت: فصف للغلام
موضعه.
فلما صليت الظهر مضيت، فلما دخلت قام لي الحاكة وأكبوا عليّ، فقبلوا
[4] أطرافي، وعرضوا عليّ الطعام، فقلت: قد تقدمت في الأكل، وقلت لَهُ:
اقترح. فقال لي الحائك: غنني [5] بحياتي:
يقولون لي لو كان بالوصل [6] لم تمت ... نسيبة [7] والطراق يكذب قيلها
فغنيت، فَقَالَ: أحسنت والله، جعلني الله فداك. ثم قُلْتُ: اقترح.
فَقَالَ: غنني بحياتي:
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ... وردّا على عينيّ فضل ردائيا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بن سعد» .
[3] في الأصل: «بيدارهم» .
[4] في ت: «يقبلون» .
[5] في ت: «عني» .
[6] في ت: «بالرّحل» .
وفي تاريخ بغداد: «بالرمل» .
[7] في الأصل: «نبيشة» .
(9/157)
فغنيت، فَقَالَ: أحسنت والله، جعلني الله
فداك. فقلت: اقترح. فَقَالَ غنني بحياتي:
أحقا عباد الله أن لست واردا ... ولا صادرا إلا علي رقيب
/ فقلت: يا بن اللخناء، [أنت] [1] بابن سريج أشبه منك بالحاكة، ثم قلت:
والله إن عدت ثانية حلت امرأتك لغلامي قبل أن تحل لك. ثم انصرفت، وجاء
رسول الرشيد يطلبني، فمضيت من فوري [ذلك] [2] فدخلت على الرشيد،
فَقَالَ: أين كنت يا إبْرَاهِيم؟ فقلت: ولي الأمان؟ فَقَالَ: ولك
الأمان [، فحدثته] [3] فضحك وقَالَ: هذا أنبل حائك على وجه الأرض،
والله لقد كرمت في أمره وأحسنت في إجابته. وبعث إلى الحائك فاستنطقه
وسأله، فاستطابه [4] واستظرفه، وأمر له بثلاثين ألف درهم [5] .
توفي إبراهيم في هذه السنة، وقال في ذَلِكَ:
مل والله طبيبي ... من مقاساة الذي بي
سوف أنعى عن قريب ... لعدو وحبيب
ويقال: مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. والأول أصح. ووجد له من المال أربعة
وعشرين ألف ألف درهم.
1024- جرير بن عبد الحميد بن جرير بن قرط بن هلال، أبو عبد الله الضبي
الرازي
[6] .
كوفي الأصل، ولد سنة عشر ومائة، ورأى أيوب السجستاني. وسمع من مغيرة بن
مقسم، وحصين بن عبد الرَّحْمَن، ومنصور بن المعتمر، وهشام بن عروة،
والأعمش، وغيرهم.
روى عَنْه ابن المبارك، والطيالسي، وأحمد بن حنبل، ويحيى، وابن
المَدِيني،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «فاستطابه» ساقطة من ت.
[5] تاريخ بغداد 6/ 176، 177.
[6] التاريخ الكبير 2/ 214. والجرح والتعديل 2/ 505. وطبقات ابن سعد 7/
281. وتهذيب التهذيب 2/ 75. والتقريب 1/ 127.
(9/158)
وغيرهم. وكان صاحب ليل، وعرض عليه ابن
شبرمة [1] أن يجري عليه من/ الصدقة في كل شهر مائة درهم، فأبى.
وتوفي فِي هذه السنة وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
1025- رشيدين بن سعد [2] بن مفلح، أبو الحجاج
[3] .
ولد سنة عشر ومائة، وروى عنه: ابن المبارك، وبقية. وكان رجلا صالحا
أدركه نوع [من] التغفل [4] .
وتوفي في هذه السنة.
1026- عمر بن أيّوب، أبو حفص العبدي الموصلي
[5] .
رحل إلى الشام [6] ، والعراق، وأكثر من سماع الحديث وكتابته، وسمع من
المعافى بن عمران، والثَّورِي، وخلق كثير. روى عنه: أحمد بن حنبل
ومدحه، وقَالَ:
هو ثقة، وكانت له هيئة.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أحمد بْن علي بْن ثابت] الخطيب
[قَالَ:
أَخْبَرَنَا البرقاني قال:] أخبرنا [أبو الفضل محمد بن عبد الله] [7]
بن حميرويه قَالَ: حدثنا الحسين بن إدريس الْأنصَارِيّ قَالَ: قال ابن
عمار: رأيت [عمر] [8] بن أيوب أخرج
__________
[1] في الأصل: «سبرمة» .
[2] في الأصل: «رشد بن سعد» .
[3] قال أحمد: ليس به بأس في أحاديث الرقاق. وقال ابن معين: لا يكتب
حديثه. وقال عمرو بن علي، وأبو زرعة وابن قانع والدارقطنيّ: ضعيف
الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وفيه غفلة ويحدث بالمناكير عن
الثقات، ضعيف الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حجر ضعيف.
انظر: التاريخ الكبير 3/ 337. والجرح والتعديل 3/ 513. وطبقات ابن سعد
7/ 517. وتهذيب التهذيب 3/ 277. والتقريب 1/ 251.
[4] في الأصل: «أدركه نوع تعقل» وفي ت: «فيه تعقل» .
[5] التاريخ الكبير 6/ 143. والجرح والتعديل 6/ 98. وتهذيب التهذيب 7/
429. والتقريب 2/ 52.
وتاريخ ابن معين 2/ 425. وتاريخ بغداد 11/ 185.
[6] في الأصل: «دخل الشام» .
[7] ما بين المعقوفتين في السند ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/159)
صوفا [من قفة] [1] مرقعة [2] فدفعه إلى
ابنه، فذهب بِهِ فباعه، فجاء بخبز، فوضعه بين أيدينا، فأبينا أن نأكل،
فبات ليلته ولم يكن عنده شيء، وما رأيته يذكر الدنيا بواحدة، وكان من
أشد الناس حياء [3] .
توفي [بالرقة] [4] في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «مرقعة» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 11/ 186.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/160)
ثم دخلت سنة تسع
وثمانين ومائة
فمن الحوادث فيها:
شخوص الرشيد إلى الري. وسبب ذلك: أن الرشيد كان [1] قد استشار يحيى بن
خالد في تولية خراسان علي بن عيسى بن ماهان، فأشار عليه أن لا يفعل،
فخالفه وولاه إياها، فلما شخص علي بن عيسى ظلم الناس وعسفهم، وجمع مالا
جليلا، ووجه/ إلى هارون بهدايا لم ير مثلها قط من الخيل، والرقيق،
والثياب، والنساء، والأموال، فقعد هارون بالشماسية على دكان مرتفع حين
وصلت إليه تلك الهدايا وأحضرت فعرضت عَلَيْهِ، فعظمت في عينه، وكان إلى
جانبه يحيى بن خالد، فقال لَهُ: يا أبا عليّ، هذا الذي أشرت علينا أن
لا نوليه هذا الثغر فخالفناك فيه، وكان في خلافك البركة. وهو كالمازح
[2] معه إذ ذاك فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، أنَا وإن
كنت أحب أن أصيب في رأيي وأوافق في مشورتي، فأنا أحب أن يكون رأي أمير
المؤمنين أعلى، وفراسته أثقب، وما أحسن هذا وأكثره إن لم يكن وراءه ما
تكره. قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ:
إني أحسب أن أكثر هذا أخذ ظلما. فوقر ذلك في نفس الرشيد، فلما عاث علي
بن عيسى بخراسان ووتر أشرافها، وأخذ أموالهم، واستخف برجالهم شكى الناس
سوء سيرته، وسألوا أمير المؤمنين أن يبدلهم من أحب من كفاءته، فدعا
يحيى بن خالد فشاوره في أمر علي بن عيسى وفي صرفه، وقَالَ: أشر عليّ
برجل ترضاه لذلك الثغر،
__________
[1] في ت: «أنه كان» .
[2] في الأصل: «كالماذح» .
(9/161)
يصلح ما أفسد ذلك [1] الفاسق ويرتق ما فتق.
فأشار عليه بيزيد بن مزيد، فلم يقبل.
وكان قد قيل للرشيد أن علي بن عيسى قد أجمع على خلافك، فشخص إلى الري
من أجل ذلك عند منصرفه [2] من مكة، فعسكر بالنهروان لثلاث عشرة بقيت من
جمادى الأولى ومعه ابناه: المأمون والقاسم، فلما صار بقرميسين أشخص
إليه جماعة من القضاة/ وغيرهم، وأشهدهم عليه [3] أن جميع ماله في عسكره
ذلك من الأموال والخزائن والسلاح والكراع، وما سوى ذلك للمأمون، وأنه
ليس له فيه قليل ولا كثير، وجدد البيعة له على من كان معه، ووجه هرثمة
بن أعين صاحب حرسه إلى بغداد، فأخذ البيعة [4] على الأمين، ثم مضى
الرشيد عند انصراف هرثمة إلى الري، وأقام بها نحوا من أربعة أشهر حتى
قدم عليه علي بن عيسى من خراسان بالأموال، والهدايا، والطرف، والمتاع،
والمسك، والجوهر، وآنية الذهب والفضة، والسلاح، والدواب، وأهدى بعد ذلك
إلى جميع من كان معه من أهل بيته وخدمه على طبقاتهم، فرأى منه خلاف ما
كان ظن به، وغير ما كان يقال عنه، فرضي عنه، ورده إلى خراسان، فخرج وهو
مشيع له.
وقدم خزيمة بن خازم على الرشيد الري، فأهدى له هدايا كثيرة [5] .
وفي هذه السنة [6] : قدم سعيد الجرشي [7] بأربعمائة رجل من طبرستان،
فأسلموا على يد الرشيد [8] .
وفيها: ولى الرشيد عبد الله بن مالك طبرستان، والريّ، والرّويان [9] ،
ودنباوند، وقومس، وهمدان. وولى عيسى بن جعفر بن سليمان عمان، فقطع
البحر فافتتح
__________
[1] «ذلك» ساقطة من ت.
[2] «منصرفه» ساقطة من ت.
[3] «عليه» ساقطة من ت.
[4] في ت: «فأعاد أخذ البيعة» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 314- 316. والكامل 5/ 338، 339. والبداية والنهاية
10/ 201.
[6] في الأصل: «وفيها» .
[7] في الأصل: «الجرسي» .
[8] تاريخ الطبري 8/ 316.
[9] في الأصل: «روبان» .
(9/162)
حصنين، وعاد الرشيد إلى بغداد، فدخلها
لليلتين بقيتا من ذي الحجة، وقَالَ: والله إني لأطوي [1] مدينة ما وضعت
مدينة بشرق ولا غرب [2] ، وما رأيت مدينة أيمن منها ولا أيسر، وإنها
لوطني ووطن آبائي، ودار مملكة بني العباس ما بقوا، وما رأى أحد من
آبائي سوءا ولا نكبة/ ولا شرا، ولنعم الدار هي، ولكني أريد المناخ على
ناحيتها أهل الشقاق والنفاق والبغض لأئمة الهدى، ولولا ذلك ما فارقت
بغداد ما حييت، ولا خرجت عنها أبدا [3] .
وفي هذه السنة: كان الفداء [4] بين المسلمين والروم، فلم يبق بأرض
الروم مسلم إلا فودي بِهِ. فقال مؤمل بن جميل [5] بن يحيى بن أبي حفصة
ابن عم مروان بن أبي حفصة، من قصيدة:
وفكت بك الأسرى التي شيدت لها ... محابس ما فيها حميم يزورها
على حين أعيا المسلمين فكاكها ... وقالوا: سجون المشركين قبورها
[6] .
وفي هذه السنة [7] : رابط القاسم بدابق.
وفيها: حج بالناس العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس [8] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1027- إسحاق بن عبد الرحمن بن المغيرة بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري
[9] .
من أهل المدينة، سكن بغداد، وكان له قدر عند الخلفاء والأمراء، وأبوه
__________
[1] في ت: «لأطري» .
[2] في الأصل: «ما وصف بشرق ولا غرب مدينة» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 317. والكامل 5/ 338، 339.
[4] في ت: «كان الفراة» .
[5] في ت: «بن حميد» .
[6] تاريخ الطبري 8/ 318. والبداية والنهاية 10/ 201.
[7] في الأصل: «وفيها» .
[8] تاريخ الطبري 8/ 318. والكامل 5/ 339. والبداية والنهاية 10/ 201.
[9] تاريخ بغداد 6/ 316.
(9/163)
عَبْد الرَّحْمَن [1] كان [2] يقال لَهُ:
عزيز، وكان إسحاق في صحابة المهدي، والهادي، والرشيد وهلك/ في خلافته،
وكان موصوفا بالصفاء والجود، حتى قال الشاعر الهيصبي [3] فيه ولأخيه
يعقوب:
نفى الجوع عن بغداد إسحاق ذو الندى ... كما قد نفى جوع الحجاز أخوه
وما يك من خير أتوه فإنما ... فعال غرير قبلهم ورثوه
فأقسم لو ضاف الغريري بغتة ... جميع بني حواء ما حفلوه [4]
هو البحر بل لو حل بالبحر وفده ... ومن يجتديه [5] ساعة نزفوه
[6] أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ أحمد بن علي الحافظ، أخبرنا علي بن أبي علي، حدثنا محمد بن عبد
الرَّحْمَن وأحمد بن عبد اللَّه قالا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، حدثنا أبو عزية [7]
محمد بن موسى الأنصاري قال:
__________
[1] في ت: «وأبو عبد الرحمن» .
[2] «كان» ساقطة من ت.
[3] «الهيصبي» ساقطة من ت.
وفي تاريخ بغداد: «الصهيبي» .
[4] في ت: «جفلوه» .
وفي الأصل: «خلفوه» .
[5] في الأصل: «يجتدبه» .
وفي ت: «يحتديه» .
[6] من هنا ساقط من نسخة ترخان (ت) حتى عنوان: «باب: خلافة المأمون» .
والّذي يقع في الجزء العاشر.
وجدير بالذكر أن الناسخ قد وضع في هذا المكان جزءا آخر خاصا بأحداث سنة
309 هـ حتى سنة 442 هـ بدلا من هذا الجزء الساقط، هذا وقد قام أحد
الناسخين بإكمال الجزء الخاص بهذه الفترة (309 هـ- 442 هـ) وذلك في
موضعه الأصلي الصحيح على أنه جزء ساقط ولم ينتبه أنه موجود ولكن في هذا
المكان، وقد ميّز هذا ببرواز حول الصفحة، كما أن الخط مغاير لخط الناسخ
الأصلي.
ومثل هذا الخطأ قد وقع في عدة أماكن من هذه النسخة، وقد قام الناسخ
الآخر باستدراك النقص في كل المواضع، ولكنه لم يفطن لهذا الجزء. وقد
راجعنا نسخة الأصل على الكتب التي نقل عنها المؤلف نصوصه، وقمنا
بالمقارنة بينهما كلما أمكن هذا.
[7] في الأصل: «أبو غزية» .
(9/164)
كان إسحاق بن غرير معجبا بعبادة جارية
المهلبية، وكانت الجارية منقطعة إلى الخيزران أم المؤمنين، وهي ذات
منزلة عندها/ قَالَ: فركب يوما عبد الله بن مصعب بن الزبير وإسحاق بن
غرير إلى المهدي، وكانا يأتيانه في كل عشية إذا صلى الناس العصر،
فيقيمان معه إلى أن ينقضي سمره، فلقيا يوما عبادة في طريقهما، فقال
إسحاق بن غرير لعبد الله بن مصعب: يا أبا بَكْر، هذه عبادة التي كنت
تسمعني أذكرها. وركض دابته حتى استقبلها، فنظر إليها، ثم رجع. فضحك عبد
الله بن مصعب مما صنع. ثم مضيا فدخلا على أمير المؤمنين المهدي، فحدثه
عبد الله بن مصعب حديث إسحاق بن غرير وعبادة، وما كان منه في أمرها تلك
العشية، فقال لإسحاق: أنا أشتريها لك. وقام فدخل على الخيزران،
فَقَالَ: أين المهلبية؟ فأمرت بها فدعيت لَهُ، فَقَالَ [لها] [1] :
أتبيعيني عبادة بخمسين ألف درهم؟ فقالت: يا سيدي، إن كنت تريدها لنفسك
فبها- فداك اللَّه- فَقَالَ: إنما أريدها لإسحاق بن غرير. فبكت وقالت:
يدي ورجلي ولساني في حوائجي تنزعها مني لإسحاق بن غرير. فقالت الخيزران
[2] : ما يبكيك؟ لا يقدر والله إسحاق عليها. وقالت للمهدي: صار ابن
غرير يتعشق جواري الناس. فخرج المهدي فأخبر عليها. وقالت للمهدي: صار
ابن غرير يتعشق جواري الناس. فخرج المهدي فأخبر إسحاق الخبر، وأمر له
بخمسين ألف درهم، فأخذها، فقال في ذلك أبو العتاهية/:
من صدق الحب لأحبابه ... فإن حب ابن غرير غرور
أنساه عباده ذات الهوى ... وأذهل الحب لديه الضمير
خمسون ألفا كلها وازن ... [خشن] [3] لها في كل كيس صرير
وقال أبو العتاهية في ذلك أيضا:
حبك المال [4] لا كحبك [5] عبادة ... يا فاضح المحبّينا [6]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «الخيزران» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وأضفناه من تاريخ بغداد.
[4] في الأصل: «للمال» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «كحب» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[6] تاريخ بغداد 6/ 317، 318 وبعده:
لو كنت أخلصتها الوفاء كما ... قلت لما بعتها بخمسينا
(9/165)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد الكاتب قَالَ: حدثني جدي محمد بن عبيد
الله بن قفرجل، حدثنا محمد بن يحيى النديم قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى
قَالَ: أنشدني الزبير لمنكف- وهو من ولد زهير بن أَبِي سلمى- يرثي
إسحاق بن غرير:
[بكت العيون فأقرحت أجفانها ... عبراتها جزعا على إسحاق] [1]
فلئن بكت جزعا عليه فقد بكت ... حزنا [2] عليه مكارم الأخلاق
يا خير من بكت المكارم فقده ... لم يبق بعدك للمكارم باق
لو طاف في شرق البلاد وغربها ... لم يلق إلا حامدا للاقي
ما بث من كرم الطبائع ليلة ... إلا لعرضك من نوالك واق
بخلت بما حوت الأكف وإنما ... خلق الإله يديك للإنفاق
[3]
1028- الزبير بن خبيب [4] بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام
الأسدي
[5] .
سمع محمد بن عبَّاد. وروى عنه معن بن عيسى، وكان من الفضلاء العباد.
قدم بغداد مرتين، إحداهما في زمن المهدي، والأخرى في زمن الرشيد.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن الحسن، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ:
حَدَّثَنِي مصعب بن عبد اللَّه قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قال لي
أمير المؤمنين هارون الرشيد: دلني على رجل من أهل المدينة من قريش، له
فضل منقطع. قَالَ: قلت:
عمارة بن حمزة بن عبد الله. قال: فأين أنت عن ابن عمك الزبير بن خبيب؟
قال: قلت
__________
[1] هذا البيت ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «جزعا» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ بغداد 6/ 318.
[4] في الأصل: «بن حبيب» .
[5] تاريخ بغداد 8/ 466.
(9/166)
/ له: إنما سألتني عن الناس، ولو سألتني عن
أسطوان [1] من أساطين [2] المسجد قلت لك الزبير بْن خبيب [3] .
توفي الزبير بوادي القرى في ضيعة لَهُ، وهو ابن أربع وسبعين سنة.
1029- سعيد بن سليمان بن نوفل بن إسحاق المديني
[4] .
ولي قضاء المدينة في خلافة المهدي، ووفد على الرشيد، وكان شديد [5] .
المذهب، حسن الطريقة.
أَخْبَرَنَا القزاز، [أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا الأزهري،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الطوسي، حَدَّثَنَا] [6] الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ:
حَدَّثَنِي نوفل بن ميمون قَالَ: جاء سعيد بْن سُلَيْمَان إلى محمد بن
[7] عبد الله بن محمد بن عمران شاهدا فرد شهادته، فلما ولي القضاء جاءه
عبد الله بن محمد بن عمران شاهدا فأخذ شهادته، فنظر فيها ساعة، ثم رفع
رأسه وقَالَ: المؤمن لا يشفي غيظه، أوقع شهادته [8] يا ابن دينار،
فأوقعها [9] .
1030- سليمان بن حيان، أبو خالد الأحمر الأزدي الكوفي
[10] .
ولد سنة أربع عشرة ومائة. سَمِعَ يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان
التيمي،
__________
[1] في الأصل: «عن أسطوانة» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «من أسطوانة» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ بغداد 8/ 466.
[4] تاريخ بغداد 9/ 66.
[5] في الأصل: «سديد» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[7] «محمد بن» ساقطة من تاريخ بغداد.
[8] في الأصل: «بشهادتك» . والتصحيح من تاريخ بغداد.
[9] تاريخ بغداد 9/ 66.
[10] تاريخ بغداد 9/ 21- 24.
(9/167)
والأعمش، روى عنه: أحمد بن حنبل، وكان
سُفْيان يَقُولُ: هو رجل صالح، وكان ينقم عليه خروجه مع [إبراهيم بن]
[1] عبد الله بن حسن [2] ، فهجره لذلك. وقَالَ يحيى: / هو ثقة.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن
رزق اللَّه، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، أخبرنا محمد بن أحمد بن
البَرَاء، حدثنا عثمان بن أبي شَيْبة قَالَ: دخلت على أَبِي خالد
الأحمر عند موته وهو يَقُولُ: يا نفس اخرجي، والله لخروجك أحب إلي من
بقائك في بدني [3] .
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة تسعين.
1031- عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد
الله، أبو محمد التيمي
[4] .
من أَهْل مدينة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولاه
هارون الرشيد قضاء المدينة، ثم صرفه وولّاه مكة، ثم صرفه ورده إلى قضاء
المدينة، ثم عزله فقدم بغداد وأقام في ناحية الرشيد، ثم سافر معه إلى
الري، فمات بها في هذه السنة.
1032- علي بن حمزة بن عبد الله، أبو الحسن الأسدي، المعروف بالكسائي
النحوي
[5] .
أحد أئمة القراء، من أهل الكوفة، استوطن بغداد، وعلم الرشيد، ثم الأمين
بعده، وكان قد قرأ على حمزة الزيات، فأقرأ ببغداد زمانا بقراءة حمزة،
ثم اختار لنفسه/ قراءة، فأقرأ بها النَّاسَ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وأضفناه من تاريخ بغداد.
[2] في الأصل: «عبد الله بن حسر بن حسن» .
والتصحيح من تاريخ بغداد.
[3] تاريخ بغداد 9/ 23.
[4] تاريخ بغداد 1/ 61.
[5] تاريخ بغداد 11/ 403- 415. غاية النهاية 11/ 535. ووفيات الأعيان
1/ 330. ونزهة الألباء 81- 94. وطبقات النحويين 138. وإنباه الرواة 2/
256. والأعلام 4/ 283. والبداية والنهاية 10/ 201، 202.
(9/168)
وقد سمع الحديث من أبي بكر بن عياش، وسفيان
بن عيينة، وآخرين.
وروى عَنْه: الفراء، وأبو عُبَيْد.
وقال الشافعي [1] : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
أخبرنا عبد الرَّحْمَن، أخبرنا أحمد بْن ثَابِت، أَخْبَرَنَا القاضي
أَبُو العلاء مُحَمَّد بن علي، أَخْبَرَنَا محمد بْن جعفر بْن هارون
التميمي، حدثنا أبو علي الحسن بن دَاوُد، حدثنا أبو جعفر عقدة، حدثنا
أبو يزيد الوضاحي قَالَ: قال لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على
الكبر، وكان سبب تعلمه: أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعي، فجلس إلى
الهبارين [2] فَقَالَ: قد عييت. فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟!
فَقَالَ: كيف لحنت؟
فقالوا لَهُ: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت، وإن كنت أردت من انقطاع
الحيلة والتدبير والتحير [3] في الأمر فقل: عييت- مخففة فأنف من هذه
الكلمة وقام من فوره، فسأل عمن يعلم النحو. فأرشدوه إلى معاذ الهرا،
فلزمه حتى أنفذ ما عنده، ثم خرج إلى البصرة [فلقي الخليل وجلس في
حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها
الفصاحة، وجئت إلى البصرة؟] [4] فقال للخليل [5] : من أين أخذت علمك
[هذا] [6] ؟ فَقَالَ: من بوادي [7] الحجاز، ونجد، وتهامة. فخرج ورجع
وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى/ ما حفظه [8] ،
ولم يكن له همة [9] غير [البصرة و] [10] الخليل، فوجد الخليل قد مات
وقد جلس موضعه يونس النحويّ،
__________
[1] في الأصل: «قال الكسائي» .
انظر القول في تاريخ بغداد 11/ 407.
[2] في تاريخ بغداد: «الهباريين» .
[3] في الأصل: «التمييز» وما أوردناه من تاريخ بغداد.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأكملناه من تاريخ بغداد.
[5] في الأصل: «إلى الخليل وقال له:» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأكملناه من تاريخ بغداد.
[7] في الأصل: «وادي» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[8] في تاريخ بغداد: «ما حفظ» .
[9] في تاريخ بغداد: «له هم» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أضفناه من تاريخ بغداد.
(9/169)
فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره
موضعه [1] .
قال مؤلف الكتاب رحمه الله: وفي تسميته بالكسائي قولان:
أحدهما: أنه أحرم في كساء.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أنبأنا علي بن أحمد بن عمر
المقرئ، أخبرنا عبد الواحد عمر بن محمد بن أبي هاشم، حدثني محمد بن
سليمان بن محبوب، حدثنا أبو عبد الرحمن البصري مردويه، حدثنا علي بن
عبد الله الْمَدَنِيّ [2] ، حدثنا عبد الرحيم بن مُوسَى قال: قلت
للكسائي: لم سميت الكسائي؟
قَالَ: لأني أحرمت في كساء [3] .
القول الثاني: أَخْبَرَنَا به أبو منصور القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر
بن ثابت، أخبرنا محمد بن علي الصوري، أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن
القاسم القاضي، حدثنا علي بن محمد الحرَّاني، حدثنا أبو بكر محمد بن
يحيى بن سليمان المروزي قال:
سألت خلف بن هشام: لم سمي الكسائي كسائيا؟ قَالَ: دخل الكسائي الكوفة
فجاء إلى مسجد السبيع [4] ، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه، فتقدم
الكسائي مع أذان الفجر وهو ملتف بكساء، فرمقه القوم بأبصارهم، فقالوا:
إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف/، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه،
فسمعهم، فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ قصة الذئب قرأ: فَأَكَلَهُ
الذِّئْبُ 12: 17 [5] بغير همز، فقال لَهُ حمزة: الذئب بالهمز. فقال له
الكسائي: وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحؤت. قَالَ: لا. قَالَ: فلم همزت
الذئب ولم نهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب، وهذا فالتقمه الحوت؟ فرفع
حمزة بصره إلى خلاد الأحول، وكان أجمل غلمانه، فتقدم إليه في جماعة
[من] [6] أهل المجلس فناظروه فلم
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 404.
[2] في الأصل: «المولى» .
[3] تاريخ بغداد 11/ 404.
[4] في الأصل: «السبع» .
[5] سورة: يوسف، الآية: 17.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(9/170)
يصنعوا شيئا. فقالوا: أفدنا يرحمك اللَّه.
فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك؟ تقول إذا نسبت [الرجل] [1] إلى
الذئب: قد استذأب الرجل، فلو قلت: استذاب- بغير همز- لكنت إنما نسبته
إلى الهزال، تقول: قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه- بغير همز- وإذا
نسبته إلى الحوت تَقُولُ: قد استحات الرجل، أي كثر أكله، لأن الحوت
يأكل كثيرا، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت،
وفيه معنى آخر: لا تسقط الهمزة [2] من مفرده ولا من جمعه [3] ،
وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذأب الضاريات
قَالَ: فسمي الكسائي من ذلك اليوم [4] .
أخبرنا/ أبو منصور، أخبرنا أحمد الخطيب، حدثنا الحسين بن محمد أخو
الخلال، حدّثنا الصاحب إسماعيل بن عبَّاد، أخبرنا عبد الله بن محمد
الإيجي، أخبرنا محمد بن الحسن الأزدي، حدثنا أبو حاتم السجستاني قَالَ:
وفد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه،
فدخلت مسلما عليه، فقال لي: يا سجستاني، من علماؤكم بالبصرة؟ قلت:
الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال الرأي [5]
أفقهنا، والشاذكوني أعلمنا بالحديث، وأنا رحمك الله أنسب إلى علم
القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط. قَالَ: فقال لكاتبه: إذا كان غد
فاجمعهم. قَالَ: فجمعنا فَقَالَ: أيكم أبو عثمان المازني؟ قال أبو
عثمان: ها أنا ذا يرحمك الله. قَالَ: هل يجزي في كفارة الظهار عتق
عَبْد أعور؟ قال المازني: لست صاحب فقه، أنا صاحب عربية. فقال: يا
زيادي، كيف يكتب بين رَجُل وامرأة خالعها زوجها على الثلث من صداقها؟
قَالَ: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي.
قَالَ: يا هلال، كم أسند ابن عون عن الحسن؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا
من علم
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في تاريخ بغداد: «لا يسقط الهمز» .
[3] في تاريخ بغداد: «جميعه» .
[4] تاريخ بغداد 11/ 404، 405.
[5] في الأصل: «الرازيّ» .
(9/171)
الشاذكوني. قال: يا شاذكوني يَثْنُونَ
صُدُورَهُمْ 11: 5 [1] قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم أَبِي حاتم.
قَالَ: يا أبا حاتم، / كيف تكتب إلى أمير المؤمنين كتابا تصف فيه خصاصة
أهل البصرة وما أصابهم في الثرمة، وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قَالَ:
لست- رحمك الله- صاحب بلاغة وكتابه، أنا صاحب قرآن. فَقَالَ: ما أقبح
الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحدا، حتى إذا سئل عن
غيره لم يجل فيه ولم يمر، ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عَنْ هذا
كله أجاب [2] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد
الأصفهاني، حدّثنا جعفر الخالدي، حدثنا ابن مسروق، حدثنا سلمة بن عاصم
قَالَ:
قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما غلط
فيها صبي قط، أردت أن أقول: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 3: 72 [3] فقلت:
لعلهم يرجعين، فو الله ما اجترأ هارون [أن] [4] يقول لي أخطأت، ولكنه
لما سلمت قَالَ لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قُلْتُ: يا أمير المؤمنين،
قد يعثر الجواد. فَقَالَ: أما هذا فنعم [5] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن، أخبرنا أبو بكر بن عليّ، أخبرنا هلال بن
الحَسَن، أخبرنا ابن الْجَرَّاح، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قَالَ:
قال لي الفراء: لقيت الكسائي يوما فرأيته كالباكي، فقلت: ما يبكيك؟
فَقَالَ: هذا الملك يحيى بن خالد يوجه إلي فيحضرني فيسألني عن الشيء،
فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عيب [6] ، وإن بادرت لم آمن الزلل.
قَالَ: فقلت- ممتحنا لَهُ-: يا أَبَا الحَسَن، من يعترض [7] عليك قل ما
شئت، فأنت الكسائي. فأخذ لسانه بيده/ فقال: قطعه الله إن قلت ما لا
أعلم [8] .
__________
[1] سورة: هود، الآية: 5.
[2] تاريخ بغداد 11/ 407.
[3] سورة: الأعراف، الآية: 178 وغيرها.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 11/ 407، 408.
[6] في الأصل: «عتب» .
[7] في الأصل: «يعرض» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[8] تاريخ بغداد 11/ 411.
(9/172)
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ [أَخْبَرَنَا
الخطيب، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عبد الله الثابتي، أخبرنا أحمد بن
موسى القرشي، أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن محمد الكندي،
حدثنا] [1] سلمة بن عاصم قال: حلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يوافقه
ويشبه كلامه، فوقفت على نجار فقلت: بكم هذان البابان؟ فَقَالَ: بسلحتان
يا مصفعان [2] .
توفي الكسائي في هذه السنة. هكذا ذكر ابن عرفة، وابن كامل القاضي. وذكر
ابن الأنباري أنه مات في سنة اثنتين وثمانين هو ومحمد بن الحَسَن،
فدفنهما الرشيد، قَالَ: وبلغ الكسائي سبعين سنة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ،
أخبرنا أبو بَكْر بن مقسم، حدثنا ابن فضلان، حدثنا الكسائي الصغير،
حدثنا أبو مسحل قَالَ:
رأيت الكسائي في النوم كأن وجهه البدر فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال:
غفر لي بالقرآن، فقلت: ما فعل حمزة الزيات؟ قَالَ: ذاك في عليين ما
نراه إلا كما نرى الكوكب الدري [3] .
1033- محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد الله الشيباني مولاهم، صاحب أبي
حنيفة
[4] .
أصله دمشقي من قرية هناك، قدم أبوه العراق فولد محمد بواسط في سنة
اثنتين وثلاثين، ونشأ بالكوفة وسمع العلم بها من أبي حنيفة، ومسعر،
والثَّورِي، وعمر بن ذر، ومالك بن مِغْوَل، وكتب عن مالك بن أنس رضي
الله عَنْهُمَا، والأوزاعي، وأبي يوسف القاضي.
سكن بغداد وحدث بها، وغلب عليه الرأي، وبلغ فيه الغاية. وروى عنه:
الشافعي، وأبو عُبَيْد/ وجماعة.
وخرج إلى الرقة، والرشيد بها، فولاه قضاء الرقة، ثم عزله [5] فقدم
بغداد، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
وفي الأصل: «أخبرنا القزاز بإسناده عن سلمة بن عاصم» .
[2] تاريخ بغداد 11/ 412، 3413. والبداية والنهاية 10/ 210 ط. دار
الكتب العلمية.
[3] تاريخ بغداد 11/ 414، 415.
[4] تاريخ بغداد 2/ 272- 182.
[5] في الأصل: «غزاة» والتصحيح من تاريخ بغداد.
(9/173)
خرج الرشيد إلى الري خرج معه، فمات بالري.
وكان يَقُولُ: ترك أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشر ألفا على
النحو والشعر، وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه.
وكان يقول لأهله: لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا تشغلوا قلبي، وخذوا
ما تحتاجون إليه من وكيلي، فإنه أقل لهمي، وأفرغ لقلبي [1] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْحَافِظُ، أخبرنا رضوان بن محمد الدينَوَريّ قال: سمعت الحسين [2] بن
جعفر العنزي [3] يَقُولُ: سمعت أبا بكر بن المنذر يَقُولُ:
سمعت المُزَني يَقُولُ [4] : سَمِعْتُ الشافعي يَقُولُ: ما رأيت سمينا
أخف روحا من محمد بن الحَسَن، وما رأيت أفصح منه، كنت إذا رأيته يقرأ
كأن القرآن أنزل بلغته [5] .
وفي رواية عن الشافعي: أنه قَالَ: ما رأيت أعقل من محمد بن الحسن،
وحملت عنه وقر بختي كتبا [6] .
وقال رجل للشافعي: في أي مسألة خالفك الفقهاء؟ فقال الشافعي: وهل رأيت
فقيها قط، اللَّهمّ إلا أن يكون محمد بن الحسن، فإنه كان يملأ العين
والقلب [7] .
قال الطحاوي: وكان الشافعي قد طلب من محمد بن الحسن كتاب [السير] [8]
فلم يجبه إلى الإعارة، فكتب إِلَيْهِ:
قل للذي لم تر ... عين من رآه مثله
حتى كأن من رآه ... قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله ... ان يمنعوه أهله
__________
[1] تاريخ بغداد 2/ 176، 177.
[2] في الأصل: «لما سمعت الحسن» .
[3] في الأصل: «العزى» .
[4] «سمعت المزني يقول» مكرر في الأصل.
[5] تاريخ بغداد 2/ 175.
[6] تاريخ بغداد 2/ 176.
[7] تاريخ بغداد 2/ 176.
[8] في الأصل: السر، والتصحيح في البداية والنهاية 10/ 210 ط. دار
الكتب العلمية.
(9/174)
لعله يبذله ... لأهله لعله
/ فوجه به إليه في الحال هدية لا عارية.
وقال إبراهيم الحربي: قلت لأحمد بن حنبل: هذه المسائل الدقاق من أين
لك؟
قَالَ: من كتب محمد بن الحَسَن [1] .
قال أحمد: وكان يذهب مذهب جَهْمُ [2] .
وكذلك قال أبو زُرْعة: كان محمد بن الحسن جهميا [3] .
قال نوح بن ميمون: دعاني محمد بن الحسن إلى القول بخلق القرآن، فأبيت
عَلَيْهِ [4] .
أخبرنا أبو منصور، أخبرنا أبو بكر الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب
قال:
سألت الدارقطنيّ عن محمد بن الحَسَن فَقَالَ: قال يحيى بن معين: كذاب.
وقال فيه أَحْمَد نحو هذا. وعندي لا يستحق التُّرْكُ [5] .
وقال علي بن المديني: محمد بن الحسن صَدُوق [6] .
توفي محمد بن الحسن بالري في صحبة الرشيد سنة تسع وثمانين ومائة، وهو
ابن ثمان وخمسين سنة.
قال أبو عمر الزاهد: سمعت أحمد بن يحيى يَقُولُ: توفي الكسائي ومحمد بن
الحسن في يوم واحد، فقال الرشيد: دفنت اليوم اللغة والفقه [7] .
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف بن درست: مات محمد بن الحسن والكسائي
__________
[1] تاريخ بغداد 2/ 177.
[2] تاريخ بغداد 2/ 179.
[3] تاريخ بغداد 2/ 179.
[4] تاريخ بغداد 2/ 179.
[5] تاريخ بغداد 2/ 181.
[6] تاريخ بغداد 2/ 181.
[7] تاريخ بغداد 2/ 181.
(9/175)
في يوم واحد، ومات معروف الكرخي في يوم
واحد وأبو نواس، ومات ابن دريد وأبو هاشم بن علي الجبائي في يوم واحد،
ومات الشبلي، وعلي بن عيسى الوزير في يوم واحد، ودفنا جميعا
بالخيزرانية [1] ومات محمد بن داود الأصفهاني ويوسف بن يعقوب القاضي في
يوم واحد، ومات القاضيان أبو حسان الزيادي- وكان على قضاء الشرقية-
والحسن بن الجعد-/ وكان على مدينة المنصور- في يوم واحد، ومات أبو
العتاهية والعباس بن الأحنف وإبراهيم الموصلي في يوم واحد.
1034- يحيى بن يمان، أبو زكريا العجلي
[2] .
كوفي، سَمِعَ الثَّورِي، وروى عَنْه: يحيى بن مَعِين، والحسن بن عرفة،
وكان صالحا صدوقا، كثير الحفظ، لكنه نسي فصار يغلط.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن محمد بن
محمد الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ،
حَدَّثَنَا الحسن بن عُمَر قَالَ: سمعت بشرا يَقُولُ: كنت جالسا بين
يدي يحيى بن يمان. قَالَ: فكنت أعجب من ثيابه، وكان يعجب من ثيابي،
وذكر كثرة رقاع في جبة يحيى بن يمان. قال بِشْرِ: فمر إنسان عليه بزة
فَقَالَ:
ثيابك أحسن من ثيابي. قال بشر: أراد أن يقويني [3] .
توفي يحيى بن يمان في هذه السنة. وقيل: في سنة ثمان، وكان قد فلج.
__________
[1] في الأصل: «الخيزرلية» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 120.
[3] تاريخ بغداد 14/ 121.
(9/176)
ثم دخلت سنة تسعين
ومائة
فمن الحوادث فيها:
خروج رافع بن الليث بن نصر بن سيار بسمرقند مخالفا لهارون، وخلعه إياه،
ونزعه يده من طاعته [1] .
وكان سبب ذَلِكَ: أن يحيى بن الأشعث بن يحيى الطائي تزوّج بنتا لعمّه
أبي النعمان، وكانت ذات يسار، فأقام بمدينة السلام وتركها بسمرقند،
فلما طال مقامه بها، وبلغها أنه قد اتخذ أمهات أولاد، التمست سببا
للتخلص منه، وبلغ رافعا خبرها، فطمع فيها وفي مالها، فدس إليها من قال
لها: إنه لا سبيل [لها] [2] إلى التخلص من صاحبها إلا أن/ تشرك
باللَّه، وتحضر لذلك قوما عدولا، وتكشف شعرها بين أيديهم ثم تتوب، فتحل
للأزواج، ففعلت ذَلِكَ وتزوجها رافع. وبلغ ذلك يحيى بن الأشعث، فرفع
ذلك إلى الرشيد، فكتب إلى علي بن عيسى يأمره أن يفرق بينهما، وأن يجلد
رافعا الحد، ويقيده ويطيف به في مدينة سمرقند مقيدا على حمار، حتى يكون
عظة لمن يراه، فدرأ عنه سليمان بن حميد الحد، وحمله على حمار مقيّدا
حتى طلقها، ثم حبسه، فهرب من الحبس ليلا، فلحق بعلي بن عيسى ببلخ، فطلب
الأمان فلم يجبه [علي إليه] [3] ، وهم بضرب عنقه، فكلمه فيه ابنه عيسى
بن علي، فأذن له في الانصراف إلى سمرقند، فوثب بسليمان بن حميد عامل
علي بن عيسى فقتله، فوجه علي بن عيسى ابنه، فمال
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 319. والكامل 5/ 341. والبداية والنهاية 10/ 203.
وتاريخ الموصل ص 308.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أضفناه من الطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
(9/177)
الناس إلى سباع بن مسعدة، فرأسوه عليهم،
فوثب على رافع فقيده، فوثب بسباع، فقيدوه ورأسوا رافعا وبايعوه [1] ،
وطابقه [2] من وراء النهر، ووافاه عيسى بن علي، [فلقيه رافع فهزمه،
فأخذ علي بن] [3] عيسى في فرض الرجال، والتأهب للحرب [4] .
وفي هذه السنة: قدم الرشيد من الري، فأتى الرقة، فبدأ بأم جعفر فظل
عندها، وأمر لها من الغد بستة آلاف ألف درهم [5] ، وتخوت من الوشي،
وسلال من الزعفران، وطرائف مما أهداه إِلَيْهِ علي بن عيسى بن ماهان.
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا أبو الغنائم بن الرسي، أخبرنا/ الشريف
أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّدً بْن علي العلوي وأبو الفرج محمد بن أحمد
بن علان الشاهد قالا:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عبد الله
النهرواني قال: حدثني محمد بن الحسن السكونيّ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن
سعيد الدمشقي قَالَ: حدثني الزبير بْن بكار قَالَ:
حدثني عمي مصعب بْن عَبْد الله قَالَ: كان عبيد الله بن ظبيان قاضي
الرقة، وكان الرشيد إذ ذاك بها، فجاء إِلَيْهِ رجل، فاستعدى إليه من
عيسى بن جعفر، فكتب إليه ابن ظبيان [6] :
أما بعد، أبقى الله الأمير وحفظه وأتم نعمه عَلَيْهِ، أتاني رجل فذكر
أنه فلان بن فلان، وأن له على الأمير أبقاه الله خمسمائة ألف درهم، فإن
رأى الأمير أبقاه الله أن يحضر هو مجلس الحَكَم، أو يوكل وكيلا يناظر
خصمه فعل.
ودفع الكتاب إلى الرجل، فأتى باب عيسى فدفع الكتاب إلى حاجبه، فأوصله
إليه، فقال له: قل له: كل هذا الكتاب. فرجع إلى القاضي فأخبره، فكتب
إليه: أبقاك الله وحفظك، وأمتع بك، حضر رجل يقال له فلان بن فلان، ذكر
أن له عليك خمسمائة
__________
[1] في الأصل: «فقيدوه وبايعوه» .
[2] في الأصل: «وطائفة» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري.
[4] تاريخ الطبري 8/ 320.
[5] في الأصل: «ألف هم» .
[6] في الأصل: «طبيان» .
(9/178)
ألف درهم، فصر معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك
إن شاء الله.
ووجه الكتاب مع عونين من أعوانه، فحضرا باب عيسى، ودفعا الكتاب إليه،
فغضب ورمى بِهِ، فانطلقا فأخبراه، فكتب إليه: حفظك الله وأبقاك، وأمتع
بك، لا بد أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحَكَم، فإن أبيت أنهيت أمرك
إلى أمير المؤمنين.
ثم وجه الكتاب/ مع رجلين من أصحابه، فقعدا على باب عيسى حتى خرج، فقاما
إليه ودفعا إليه كتاب القاضي، فلم يقرأه، ورمى بِهِ، فأبلغاه فختم
قمطره وانصرف، وقعد في بيته، وبلغ الخبر إلى الرشيد، فدعاه فسأله عن
أمره، فأخبره بالقصة حرفا حرفا، فقال لإبراهيم بْن عثمان: صر إلى باب
عيسى بن جعفر واختم أبوابه كلها، ولا يخرجن أحد منها، ولا يدخل إليه
أحد، حتى يخرج إلى الرجل حقه، أو يصير معه إلى مجلس الحَكَم.
فأحاط إبراهيم بداره خمسين فارسا، وغلقت أبوابه، فظن ابن عيسى أنه قد
حدث بالرشيد أمر في قتله، ولم يعلم ما سبب ذلك، وجعل يكلم الأعوان من
خلف الباب، وارتفع الصياح من منزله بصراخ النساء، فأمرهن أن يسكتن،
وقال لبعض غلمان إبراهيم: ادع لي أبا إسحاق لأكلمه، فأعلموه ما قَالَ،
فجاء حتى صار إلى الباب فقال له عيسى: ما حالنا؟ فأخبره بخبر ابن
ظبيان، فأمر أن يحضر خمسمائة ألف درهم من ساعته [1] ، وتدفع إلى الرجل،
فجاء إبراهيم إلى الرشيد فأخبره، فَقَالَ: إذا قبض الرجل ماله أفتح
عليه أبوابه.
وفي هذه السنة: غزا الرشيد الصائفة- وهي بلاد الروم- في رجب، واستخلف
المأمون بالرقة، وفوض إليه الأمور، وكتب إلى الآفاق بالسمع والطاعة،
ودفع إليه خاتم المنصور يتيمّن به، وهو خاتم الخاصة، / ونقشه: «الله
ثقتي آمنت بِهِ» [2] .
وفيها: أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون [3] .
__________
[1] في الأصل: «من ساعة» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 320. والكامل 5/ 343. وتاريخ الموصل ص 308.
[3] تاريخ الطبري 8/ 320. وتاريخ الموصل ص 308.
(9/179)
وفيها: خرجت الروم إلى عين [1] زربة،
وكنيسة السوداء، فأغارت وأسرت، فاستنقذ أهل المصيصة ما أخذوا [2] .
وفيها: فتح الرشيد هرقلة [3] .
وكان من خبر غزاة الرشيد أن الروم كانوا ملكوا امرأة لم يكن بقي في
زمانها من أهل المملكة غيرها، فكانت تكتب إلى المهدي والهادي والرشيد
بالتبجيل والتعظيم، وتهدي لهم، حتى بلغ ابنها، فجاءه الملك دونها، وعاث
وأفسد، وتغير على الرشيد، فخافت على ملك الروم أن يذهب، لعلمها بسطوة
الرشيد، فسملت عيني ابنها، فبطل ملكه، وعاد إليها، فعظم ذلك عند أهل
مملكتها وأبغضوها، فخرج عليها نقفور- وكان كاتبها- فأعانوه وعضدوه،
وقام بأمر الملك، وكتب إلى الرشيد:
من نقفور ملك الروم إلى الرشيد ملك العرب، أما بعد: فإن هذه المرأة
كانت وضعتك وأباك وأخاك موضع الملوك، وإني واضعك بغير ذلك الموضع،
وعامل على تطرق بلادك، والهجوم/ على أمصارك، أو تؤدي إلي ما كانت
المرأة تؤدي إليك، والسلام.
فلما ورد الكتاب على الرشيد كتب جواب كتابه يَقُولُ:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى نقفور
[4] كلب الروم، جوابك عندي ما تراه عيانا، لا ما تسمعه.
وقد ذكرنا أنهم تكاتبوا نحو هذا في سنة سبع وثمانين، فشخص الرشيد إلى
بلاد الروم في مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفا من المرتزقة سوى الأتباع،
فدخل بلاد الروم، فجعل يقتل ويسبي ويغنم ويعفي الآثار ويخرب الحصون،
حتى نزل على هرقلة، وهي أوثق حصن وأمنعه، فتحصن أهلها، وكان لها خندق
يطيف [5] بها، فلما ألح عليهم
__________
[1] في الأصل: «عير» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 320. والكامل 5/ 343. وتاريخ الموصل ص 308.
[3] تاريخ الطبري 8/ 320- 322. والكامل 5/ 341، 342. والبداية والنهاية
10/ 203.
[4] في الأصل: «تقفور» وهي كذلك في بعض المراجع.
[5] في الأصل: «يطف» .
(9/180)
الرشيد بالسهام والمجانيق والعرادات، ففتح
الباب يوما رجل منهم وخرج في أكمل زي وسلاح، فنادى: هل من مبارز؟ قد
طالت مرافقتكم إيانا، فليبرز [1] إلي منكم رجلان، ثم لم يزل يزيد حتى
بلغ عشرين، فلم يجبه أحد، فدخل وأغلق الباب، وكان الرشيد نائما، فلم
يعلم بخبره إلا بعد انتباهه، فغضب ولام خدمه إذ لم يعلموه/ فقيل لَهُ:
إن الامتناع عَنْه سيغريه [2] ويطغيه، وهو يخرج في غد فيطلب مثل ما
طلب، فطالت على الرشيد ليلته انتظارا لَهُ، فإذا هو بالباب قد فتح،
وخرج طالبا للبراز، فجعل يدعي أنه يثبت لعشرين، فقال الرشيد: من له؟
فابتدر جماعة من القواد كهزيمة وخزيمة، فعزم على إخراج المطوعة بعضهم،
فضج المطوعة، فإذا بعشرين منهم، فقال قائلهم: يا أمير المؤمنين، قوادك
مشهورون بالبأس، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج لم يكبر ذَلِكَ،
وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر قبيحة، ونحن عامة لا يرتفع لأحد
منا صوت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يخلينا نختار رجلا من العامة فنخرجه
إِلَيْهِ، فإن ظفر علم أهل الحصن أن أمير المؤمنين ظفر بأعرفهم على يد
رجل من العامة، ليس ممن يؤمن قتله، ولا يؤثر، وإن قتل الرجل كان شهيدا
ولم يؤثر دما. فقال الرشيد: قد استصوبت رأيكم، فاختاروا رجلا منكم،
فاختاروا [3] رجلا يقال له: ابن الجزري، وكان معروفا بالبأس والنجدة،
فقال له الرشيد: أتخرج؟ قَالَ: نعم، واستعين باللَّه.
فَقَالَ: اعطوه فرسا ورمحا وسيفا وترسا. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين،
أنا بفرسي أوثق، ورمحي بيدي أشد، ولكن قد قبلت السيف والترس فلبس سلاحه
واستدناه الرشيد وودعه وأتبعه الدعاء، وخرج معه عشرون من المطوعة، فلما
انقض [4] في الوادي قال لهم العلج وهو يعدهم واحدا واحدا، / إنما الشرط
عشرون وقد زدتم رجلا، ولكن لا بأس. فنادوه: ليس يخرج إليك إلا رجل
واحد. فلما فصل منهم ابن الجزري تلقاه الرجل الرومي وقد أشرف أكثر [5]
الناس من الحصن يتأملون صاحبهم والقرن، حتى
__________
[1] في الأصل: «فليبزز» .
[2] في الأصل: «سيغربه» .
[3] في الأصل: «فاحتاروا» .
[4] في الأصل: «انقص» .
[5] في الأصل: «أكنر» .
(9/181)
ظن أنه لم يبق أحد في الحصن إلا أشرف، فقال
الرومي: أتصدقني عما استخبرك؟
قَالَ: نعم، قَالَ: أنت باللَّه ابن الجزري، قَالَ: اللَّهمّ نعم. فكفر
لَهُ، ثم أخذا في شأنهما فاطعنا حتى طال الأمر بينهما، وكان الفرسان
يقومان ولم نجد من واحد منهما صاحبه، ثم تجالدا بالسيوف، وجعل ابن
الجزري يضرب الضربة التي يرى أنه قد بلغ فيها، فيتقيها الرومي، وكان
ترسه حديدا، فيسمع لذلك صوت منكر، ويضربه الرومي ضرب مغدر، لأن ترس ابن
الجزري كان درقة، فلما يئس كل واحد منهما من صاحبه انهزم ابن الجزري،
فدخلت المسلمين كآبة لم يكتئبوا مثلها قط، وعطعط المشركون، ثم اتبعه
العلج، فالتفت [1] ابن الجزري، فرمى العلج بوهق فوقع في عنقه، وركض
إليه فاستلبه عن فرسه، ثم عطف عَلَيْهِ، فما وصل إلى الأرض حتى فارقه
رأسه، فكبر المسلمون وانخذل المشركون، وبادروا الباب يغلقونه. وإنما
كانت هزيمة ابن الجزري حيلة منه.
واتصل الخبر بالرشيد فقال للقواد: اجعلوا النار في المجانيق، فتهافت
السور، ففتحوا الباب مستأمنين، وصبت الأموال على ابن الجزري/ وقود، فلم
يقبل النقود، وسأل أن يعفى ويترك بمكانه من الثغر، فلم يزل به طول
عمره.
وكان فتح هرقلة في شوال، وأخربها وسبى من أهلها ستة عشر ألفا، فأقدمهم
الرافقة، فتولى بيعهم أبو البختري القاضي.
ووجه الرشيد داود بن عيسى بن موسى سائحا في أرض الرقة في سبعين ألفا.
وافتتح شراحيل [2] بن معن بن زائدة حصن الصقالبة وديسة [3] .
وافتتح يزيد بن مخلد الصّفصاف، ومقلونية [4] .
وولي حميد بن معيوف ساحل بحر الشام إلى مصر، فبلغ حميد قبرس، فهدم
__________
[1] في الأصل: «فالتف» .
[2] في الأصل: «شراحبل» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 320.
[4] تاريخ الطبري 8/ 320.
(9/182)
وحرق وسبى من أهلها ستة عشر ألفا، وأقدمهم
الرافقة، فتولى بيعهم أبو البختري القاضي [1] .
وبعث نقفور بالخراج والجزية عن رأسه، وولي عهده وبطارقته وسائر أهل
بلده خمسين ألف دينار، منها عن رأسه أربعة دنانير، وعن رأس ولده
دينارين [2] .
وكتب نقفور مع بطريقين من عظماء بطارقته في جارية من سبي هرقلة كتابا
نسخته:
لعبد الله هارون أمير المؤمنين، من نقفور ملك الروم، سلام عليك، أما
بعد: أيها الملك، إنّ لي حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك، هينة [3]
يسيرة، [أن] [4] تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة كنت خطبتها على
ابني، فإن رأيت أن تسعفني في حاجتي [فعلت] [5] . والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته [6] .
واستهداه أيضا طيبا وسرادقا، فأمر الرشيد بطلب الجارية، فأحضرت وزينت
وأجلست عَلَى فراش في مضربه الذي كان نازلا فيه، وسلمت الجارية والمضرب
بما فيه من الآنية والمتاع إلى رسول نقفور، وبعث إليه بما سأل/ من
العطر، وبعث إليه من التمور [7] والزبيب والأخبصة [8] والترياق، فسلم
ذلك إليه رسول الرشيد، فأعطاه نقفور وقر برذون دراهم كَانَ مبلغه خمسين
ألف درهم، ومائة ثوب ديباج، ومائتي ثوب بزيون [9] ، واثني عشر بازيا
[10] ، وأربعة أكلب من كلاب الصّيد [11] ، وثلاث براذين،
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 320.
[2] تاريخ الطبري 8/ 321.
[3] في الأصل: «هنية» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ الطبري.
[6] تاريخ الطبري 8/ 321.
[7] في الأصل: «الثمور» .
[8] في الأصل: «الأخصبة» .
[9] البزيون: ضرب من نسيج البز أو من رقيق الديباج، مركب من: «بز» ومن:
«يون» . أي يشبه البز.
(الألفاظ الفارسية لأدي شير 22) .
[10] في الأصل: «بارا» .
[11] في الأصل: «السند» .
(9/183)
وكان نقفور اشترط ألا يخرب [1] ذا الكلاع،
ولا حمله، ولا حصن سنان، واشترط الرشيد عليه ألا يعمر هرقله، وعلى أن
يحمل نقفور ثلاثمائة ألف دينار، فقال أبو العتاهية في ذلك:
إمام الهدى أصبحت بالدين معنيا ... وأصبحت تسقي كل مستمطر ريا
لك اسمان شقا من رشاد ومن هدى ... فأنت الذي تدعى رشيدا [و] مهديّا
إذا ما سخطت الشيء كان مسخطا ... وإن ترض شيئا [كان] [2] في الناس
مرضيا
بسطت لنا شرقا وغربا يد العلا ... فأوسعت شرقيا وأوسعت غربيا
ووشيت وجه الأرض بالجود والندى ... فأصبح وجه الأرض بالجود بالجود
موشيا
وأنت أمير المؤمنين فتى التقى ... نشرت من الإحسان ما كان مطويا
تحليت للدنيا وللدين بالرضا ... فأصبح نقفور لهارون ذميا
وفيها: خرج خارجي من عبد القيس يقال لَهُ سيف بن بكر، فوجه إليه الرشيد
محمد بن يزيد بن مزيد فقتله بعين النورة [3] .
وفيها: نقض أهل قبرس العهد، فغزاهم معيوف وسبى أهلها [4] .
وفيها: حج بالناس عيسى بن موسى الهادي [5] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1035- أسد بن عمرو بن عامر، أبو المنذر البجلي الكوفي، صاحب أبي حنيفة
[6] .
تفقه وسمع من حجاج بن أرطأة، روى عَنْه: أحمد بن حنبل وغيره. كان قد
ولي
__________
[1] في الأصل: «ألا يجوز» .
[2] ما بين المعقوفين ساقط من الديوان.
[3] في الأصل: «النويرة» .
انظر: تاريخ الطبري 8/ 322. والكامل 5/ 342، والبداية والنهاية 10/ 203
وتاريخ الموصل ص 309، وفيه: «عين البقرة» وهو موضع بالقرب من عكا (معجم
البلدان 6/ 253) .
[4] تاريخ الطبري 8/ 322 وتاريخ الموصل ص 310.
[5] تاريخ الطبري 8/ 322 والكامل 5/ وتاريخ الموصل ص 310 والبداية
والنهاية 10/ 203.
[6] تاريخ بغداد 7/ 16- 19. والبداية والنهاية 10/ 203.
(9/184)
القضاء ببغداد وبواسط، فأنكر من بصره شيئا،
فرد القمطر واعتزل عن القضاء. وثقه يحيى، وقَالَ أحمد: كان صدوقا.
وضعفه علي، والبخاري، وتوفي في هذه السنة.
1036- حكام بن سلم [1] الكناني الرازي، أبو عبد الرَّحْمَن
[2] .
سمع من إسماعيل بن خَالِد، والزبير بن عدي، وحميد الطويل، والثَّورِي.
روى عَنْه: يحيى بْن معين، وأبو معمر الهذلي. وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن
ثابت، أخبرنا الحسن بْن أبي بكر، أَخْبَرَنَا محمد بْن أحمد الصواف، /
حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبو مَعْمَر قَالَ:
حدثنا حكام الرازي، حدثنا جراح الكنْدِي، عن أبي إسحاق، عن البراء قال:
لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر، ما فيهم [3] أحد إلا وهو يحب أن يكفيه
صاحبه الفتوى [4] .
توفي حكام بمكة في هذه السنة قبل أن يحج.
1037- سعدون المجنون
[5] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأصفهاني،
حدثنا عثمان بن محمد العثماني قَالَ: قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمد
بن عيسى وأنا حاضر قال: سمعت يوسف يَقُولُ: قال الفتح بن شخرف: كان
سعدون صاحب محبة للَّه، صام ستين سنة حتى خف دماغه، فسماه الناس مجنونا
لتردد قوله في المحبة، فغاب عنا زمانا، فبينا أنا قائم على حلقة ذي
النون رأيت عليه جبة صوف، وعليها مكتوب: «لا تباع ولا تشترى» فسمع كلام
ذي النون، فصرخ وأنشأ يَقُولُ:
ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى ... ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر
__________
[1] في الأصل: «حكام بن سنان» والتصحيح من تهذيب الكمال، وكتب الرجال.
[2] تهذيب الكمال للمزي 7/ 83. وتاريخ بغداد 8/ 281، 282.
[3] في تاريخ بغداد: «ما منهم» .
[4] تاريخ بغداد 8/ 281.
[5] البداية والنهاية 10/ 203، 204.
(9/185)
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن
خيرون، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا
رضوان بْن محمد بن الدينَوَريّ، حدثنا أحمد بن علي بن لال، حدثنا مكي
بن بندار الزنجاني [1] ، حدّثنا أبو علي الحسين بن عبد الله البلاذري،
حدثنا عبد العزيز بن قُرَّةَ قال: قال الأصمعي: مررت بسعدون فإذا هو
جالس/ عند رأس شيخ سكران يذب عنه. فقلت: سعدون، ما لي أراك جالسا عند
رأس هذا الشَّيْخ. فَقَالَ: إنه مجنون، فقلت لَهُ: أنت المجنون أو
هُوَ؟ قال: لا بل هو. قلت: من أين قلت ذَلِكَ؟ قَالَ: لأني صليت الظهر
والعصر جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى. قُلْتُ: فهل قلت في ذلك
شيئا؟ فَقَالَ:
تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب ماء قراحا
لأن النبيذ يذل العزيز ... ويكسو [سواد] [2] الوجوه الصباحا
فإن كان ذا جائزا للشباب ... فما العذر فيه إذا الشيب لاحا
فقلت لَهُ: صدقت. وانصرفت [3] .
1038- عبد الله بن عمر بن غانم، أبو عبد الرحمن الرعيني
[4] .
ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، ورحل في طلب العلم. وروى عَن مالك وغيره.
وهو أحد الثقات الأثبات. ولي القضاء بإفريقية، وتوفي في ربيع الآخر من
هذه السنة.
1039- عبد الواحد بن واصل، أبو عبيدة الحداد، مولى سدوس
[5] .
سَمِعَ سعيد بن أبي عروبة، وشُعْبة، وهو بَصْرِيّ سكن بغداد وحدث بها،
فروى عَنْه أَحْمَد وغيره، ويحيى، وأبو خيثمة، وكان ثقة/ من المثبتين.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «الريحاني» .
[2] في الأصل: [بذاك] والتصحيح من البداية والنهاية وبه يستقيم المعنى.
[3] البداية والنهاية 10/ 204.
[4] الجرح والتعديل 5/ ترجمة 503. والمجروحين لابن حبان 2/ 39.
والأنساب للسمعاني 1/ 327.
والكاشف 2903. والمعنى 3278. وتهذيب التهذيب 5/ 331، 332. وتهذيب
الكمال ترجمة 3443.
[5] تاريخ بغداد 11/ 3. وتهذيب التهذيب 6/ 440. والتاريخ الكبير 6/ 61.
والجرح والتعديل 6/ 24.
والتقريب 1/ 526.
(9/186)
1040- عبيدة بن حميد بن صُهَيْبَ، أبو عبد
الرحمن التيمي
[1] .
ولد سنة سبع ومائة، وسمع منصور بن المعتمر، والأعمش. وروى عنه:
أحمد بن حنبل، وكان كوفيا، فسكن بغداد إلى أن توفي بها في هذه السنة.
وكان مؤدبا للأمين، وكان أحمد يثني عَلَيْهِ.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري،
حدثنا محمد بن العباس، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، أخبرنا محمد بن سعد قَالَ: عُبَيْدة بن
حُمَيْد كان ثقة صالحا، صالح الحديث، صاحب نحو وعربية، وقراءة للقرآن،
وكان من أهل الكوفة، فقدم بغداد أيام هارون الرشيد، فصيره مع ابنه
محمد، فلم يزل معه حتى مات [2] .
1041- عطاء بن مسلم، أبو مخلد الخفاف الحلبي
قدم بغداد وحدث عن الأعمش. [3] قال يحيى [4] ، وأبو دَاوُد: كان ثقة.
حدثنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم
العبدوي [5] ، أخبرنا محمد بن أحمد الغطريف العبدي، حدثنا محمد بن
مَخْلَد، حدثنا محمد بن الحسن بن نافع، حدّثنا محمد بن أبي سكينة
قَالَ: دخلت على عطاء بن مسلم أعوده، فما لبثت أن قمت، فَقَالَ: جزاك
الله خيرا من عائد، لكن عيسى بن صالح لا جزاه الله خيرا، عادني فما برح
حتى بلت في ثيابي [6] .
توفي عطاء في رمضان/ هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 120.
[2] تاريخ بغداد 11/ 122، 123.
[3] تاريخ بغداد 12/ 294، 295.
[4] «قال يحيى» تكررت في الأصل.
[5] في الأصل: «العبديّ» .
[6] تاريخ بغداد 12/ 295.
(9/187)
1042- يحيى بْن خالد بْن برمك، أَبُو عليّ
[1] .
كان المهدي قد ضم إليه هارون الرشيد وجعله في حجره، فلما استخلف هارون
عرف ليحيى حقه، وكان يعظمه، وإذا ذكره يَقُولُ: قال أَبِي. وجعل إصدار
الأمور وإيرادها إليه، إلى أن نكب البرامكة، فغضب عليه، وخلده في الحبس
إلى أن مات فيه.
وكان له الكلام الحسن، والكرم الواسع، فمن كلامه: حاجب الرجل عامله على
عرضه.
وقَالَ: من بلغ رتبة تاه بها أخبر أن محله دونها.
وقَالَ: يدل على كرم الرجل سودان غلمانه.
وقَالَ لابنه: خذ من كل طرفا، فإن من جهل شيئا عاداه.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي، أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد بن يحيى النديم
قال:
قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهدية، والكتاب،
والرسول.
وكان يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون،
وتحدثوا بأحسن ما تحفظون [2] .
قال ابن عمران: وحدثنا أبو عبد الله الحكيم قَالَ: حدثني ميمون بن
هارون قال:
حدّثني علي بن عيسى قَالَ: كان يحيى بن خَالِد يَقُولُ: إذا أقبلت
الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت فأنفق فإنها لا تبقى [3] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد
القزاز، أخبرنا أبو سعيد السيرافي، حدثنا محمد بن أبي الأزهر، حدثنا
الزبير بن بكار/ قال:
سمعت إسحاق بن إبْرَاهِيم يَقُولُ: كانت صلات يحيى بن خالد إذا ركب لمن
تعرض له
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 128- 132. والبداية والنهاية 10/ 204- 206. ووفيات
الأعيان 2/ 243. ومروج الذهب 2/ 228. وإرشاد الأريب 7/ 272.
[2] تاريخ بغداد 14/ 131.
[3] تاريخ بغداد 14/ 131.
(9/188)
بمائتي درهم، فركب ذات يوم، فعرض له أديب
شاعر فَقَالَ:
يا سمي الحصور يحيى أتيحت ... لك من فضل ربنا جنتان
كل من مر في الطريق عليكم ... فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلي قليل ... هي منكم للقابس [1] العجلان
قال يحيى: صدقت. وأمر بحمله إلى داره، فلما رجع من دار الخليفة سأله عن
حاله، فذكر أنه تزوج، وأخذ بواحدة من ثلاث، إما أن تؤدي المهر وهو
أربعة آلاف درهم، وإما أن يطلق، وإما أن يقيم جاريا [للمرأة] [2] ما
يكفيها إلى أن يتهيأ له نقلها، فأمر له يحيى بأربعة آلاف للمهر، وأربعة
آلاف لثمن منزل، وأربعة آلاف لما يحتاج إليه [المنزل] [3] وأربعة آلاف
للبنية، وأربعة آلاف يستظهر بها، فأخذ عشرين ألف درهم [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي الحافظ، أخبرنا أحمد بن عُمَر النهرواني، أخبرنا المعافى، حدثنا
محمد بن أحمد بن أبي الثلج، حدثنا حسين بن فهم قَالَ: قال ابن الموصلي:
حدثني أَبِي [قال:] أتيت يحيى بن خالد بن برمك، فشكوت إليه ضيقة،
فَقَالَ: ويحك! ما أصنع بك؟ ليس عندنا في هذا الوقت شيء، ولكن ها هنا
أمر أدلك عليه، فكن فيه رجلا، قد جاءني خليفة صاحب مصر يسألني أن
أستهدي صاحبه شيئا، وقد أبيت ذلك، فألح عليّ وقد بلغني/ أنك أعطيت
بجاريتك فلانة آلاف دنانير، فهو ذا أستهديه إياها وأخبره [5] أنها قد
أعجبتني، فإياك أن تنقصها من ثلاثين ألف دينار، وانظر كيف يكون. قَالَ:
فو الله ما شعرت إلا بالرجل قد وافاني فساومني بالجارية. فقلت: لا
أنقصها من ثلاثين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى بذل لي عشرين ألف
دينار، فلما سمعتها ضعف قلبي عن ردها، فبعتها وقبضت
__________
[1] في الأصل: «للعانس» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وأضفناه من تاريخ بغداد.
[4] تاريخ بغداد 14/ 130.
[5] في الأصل: «أجبره» .
(9/189)
العشرين ألفا، وصرت إلى يحيى بن خَالِد،
فقال لي: كيف صنعت في بيع جاريتك؟
فأخبرته وقلت: والله ما ملكت نفسي أن أجبت إلى العشرين ألفا حين
سمعتها. فَقَالَ:
إنك لخسيس، وهذا خليفة فارس قد جاءني في مثل هذا، فخذ جاريتك، فإذا
ساومك بها [1] فلا تنقصها من خمسين ألف دينار، فإنه لا بد أن يشتريها
منك بذلك.
قال: فجاءني الرجل فأسمت عليه خمسين ألف دينار، فلم يزل يساومني حتى
أعطاني ثلاثين ألف دينار، فضعف قلبي عن ردها، ولم أصدق بها، فأوجبتها
له بها، ثم صرت إلى يحيى بْن خَالِد، فقال لي: بكم بعت الجارية؟
فأخبرته، فَقَالَ: ويحك! أما تؤدبك الأولى عن الثانية. قلت: والله ضعف
قلبي عن رد شيء، لم أطمع فيه. فَقَالَ:
هذه جاريتك فخذها إليك. قَالَ: جارية أفدت بها خمسين ألف دينار، ثم
أملكها، أشهدك أنها حرة، وأني قد تزوجتها [2] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو] [3] مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ بن ثابت الخطيب: وبلغنا أن الرشيد بعث صالحا صاحب المصلى إلى
منصور بن زياد يقول لَهُ: قد وجب عليك/ عشرة آلاف درهم، فاحملها إلي
اليوم، فإن فعل إلى ما قبل غروب الشمس، وإلا فخذ رأسه، وائتني به، ولا
تراجعني. قَالَ صالح: فخرجت إلى منصور فعرفته، فقال: ذهبت والله نفسي،
والله ما أتمكن من ثلاثمائة ألف درهم فضلا [عن] عشرة آلاف ألف. قال له
صالح:
خذ فيما هو أعود عليك من هذا القول. فَقَالَ لَهُ: تحملني إلى أهلي حتى
أوصي. فلما دخل إليهم ارتفع صياح الحريم [4] والجواري، فَقَالَ لصالح:
امض بنا إلى يحيى بن خالد، لعل الله أن يأتي بالفرج على يده. فمضى معه،
فدخل على يحيى وهو يبكي فَقَالَ: ما لك؟ فقص عليه القصة، فأطرق متفكرا
ثم دعى جارية فَقَالَ: كم عندك من المال؟
قالت: خمسة آلاف ألف درهم. فقال: أعديها. ثم وجه إلى الفضل فقال لَهُ:
يا بني، كنت عرفتني أنك تريد أن تشتري ضيعة بألفي ألف درهم، وقد وجدت
لك ضيعة تغل
__________
[1] في الأصل: «ساومكها» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 130، 131.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «الحرم» .
(9/190)
السكر، وتبقى الدهر فأنفذها إلي. فأنفذها
وأرسل إلى جعفر، فَقَالَ: يا بني أبعث إلي بألف ألف درهم لحق لزمني.
فبعث إِلَيْهِ، ففكر ساعة ثم قال لخادم على رأسه: ابعث إلى دنانير وقل
لها هات العقد الذي وهبه لك أمير المؤمنين فأهديه. فَقَالَ: هذا عقد
أمير المؤمنين بمائة وعشرين ألف دينار. فوهبه لدنانير، وقد قومناه عليك
بألفي ألف درهم ليتم المال، فخل عن صاحبنا. فأخذت ذلك، ورددت منصورا
معي، فلما صرنا إلى الباب تمثل منصور:
فما بقيا علي تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال
/ قال صالح: فقلت في نفسي ما أحد أكرم من يحيى، ولا أردأ طبعا من هذا
النبطي، إذ لم يشكر من أحيا نفسه. وصرت إلى الرشيد فعرفته ما جرى إلا
إنشاد [1] البيت، خوفا عليه أن يقتله. فقال الرشيد: قد علمت أنه لا
يسلم إلا بأهل هذا البيت، فاقبض المال، واردد العقد، فما كنت لأهب هبة
ثم أرتجعها.
قال صالح: وحملني غيظي من منصور أن عرفت يحيى ما أنشد، فأقبل يحيى
يتحمل له بالغدر ويقول: إن الخائف لا يتقى [2] له لب، وربما نطق بما لا
يعتقد، فقلت: والله لا أدري من أي فعليك أعجب، من فعلك معه، أو من
اعتذارك عنه، لكني أعلم أن الزمان لا يأتي بمثلك أبدا.
وكان يحيى بن خالد يجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألف درهم، فسمع
سفيان يقول في سجوده: اللَّهمّ إن يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه بهم
آخرته. فلما مات يحيى رآه بعض إخوانه في النوم، فقال لَهُ: ما فعل الله
بك. قَالَ: غفر لي بدعوة سُفْيان.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن أبي جعفر الأخرم،
أخبرنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد الطوماري، حدثنا المبرد قال:
حدثني محمد بن جعفر بن يحيى بْن خالد بن برمك قال: قال أبي لأبيه: يحيى
بن خالد بن [3] برمك- وهم في القيود ولبس الصوف والحبس-: يا أبت، بعد
الأمر والنهي والأموال العظيمة
__________
[1] في الأصل: «إنساد» .
[2] في الأصل: «لا يتفى» .
[3] في الأصل: «أظنه محمد بن الفضل بن يحيى»
(9/191)
أصارنا الدهر إلى القيود ولبس الصوف
والحبس؟ فقال له أبوه: يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم
يغفل الله عنها، ثم أنشأ يَقُولُ:
/ رب قوم قد غدوا في نعمة ... زمنا والدهر ريان غدق
سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دما حين نطق
[1] توفي يحيى في حبس الرشيد بالرافقة لثلاث خلون من محرم هذه السنة
وهو ابن سبعين، وصلى عليه ابنه الفضل، ودفن على شاطئ الفرات في ربض
هرثمة، ووجد في جيبه رقعة حين مات، مكتوب فيها بخطه: «قد تقدم الخصم
والمدعى عليه بالأثر، والقاضي هو الحكم العدل الّذي لا يجور ولا يحتاج
إلى بينة» [2] .
فحملت الرقعة إلى الرشيد، فلم يزل يبكي يومه، وبقي أياما يتبين الأسى
في وجهه.
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 131، 132.
[2] في الأصل: «بنيه» .
(9/192)
|