المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
مراودة أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة، فأبى، فراودوه على
الإمرة عليهم عَلَى أن يدعو للمأمون بالخلافة. وقالوا: لا نرضى/
بالمجوسي [1] ابن المجوسي يعنون الحسن بن سهل- فأجابهم المنصور لذلك
[2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: أخبرنا عبد الله
بن إسحاق بن إبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد قَالَ:
حدثنا محمد بن سعد قَالَ: عسكر منصور بن المهدي في سنة إحدى ومائتين
بكلواذي وسمي المرتضى، ودعي له على المنابر، وسلم عليه بالخلافة فأبى
ذلك وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم أو يولي من يحب.
وعزل سعد بْن إبراهيم عن الجانب الشرقي، وولاه قتيبة بن زياد، وأقر
محمد بن سماعة على قضاء الجانب الغربي.
وفي هذه السنة: تجردت المطوعة للإنكار على الفساق ببغداد، وكان رئيسهم
خالد الدريوش، وسهل بن سلامة.
وكان السبب في ذلك: أن فساق الجند والشطار أذوا الناس أذى شديدا،
وأظهروا الفسق وقطع الطريق، وأخذوا النساء والغلمان علانية من الطرق،
وكانوا يجتمعون
__________
[1] في الأصل: «لا نرضى المجوسي» .
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 546.
(10/92)
فيأتون الرجل، فيأخذون ابنه، فيذهبون به،
فلا يقدر على المنع منهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى، فيأخذون ما
قدروا عليه، ولا سلطان يمنعهم ولا سلطان يعثر بهم، وخرجوا في آخر أمرهم
إلى قطربُّل فانتهبوها علانية، وجاءوا بما أخذوه يبيعونه علانية، وجاء
أهلها فاستعدوا السلطان فلم يعدهم، وكان ذلك في آخر شعبان، فلما رأى
الناس ذلك، قام صلحاء كل ربض ودرب/ ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما
يكون في الدرب الواحد الفاسق والفاسقان إلى العشرة، فأنتم أكثر منهم
وقد غلبوكم، فلو اجتمعتم لمنعتم هؤلاء الفساق. فقام رجل من ناحية طريق
الأنبار يقال لَهُ: خالد الدريوش، فدعا جيرانه، وأهل محلته إلى معاونته
على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه، فشد على من يليه من
الفساق والشطار فمنعهم وحبسهم ورفعهم إلى السلطان لأنه كان لا يرى أن
يغير على السلطان شيئا، ثم قام من بعده بيومين أو ثلاثة رجل يقال لَهُ:
سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، ويكنى: أبا حاتم، فدعا الناس إلى
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلَّى
اللَّه عليه وسلم، وعلق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بأهل محلته وجيرانه،
فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذَلِكَ وجعل لنفسه
ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه يبايعه على ذلك، لقتال من خالفه، فأتاه
خلق كثير فبايعوه، إلا أن خالد الدريوش خالفه فَقَالَ: أنا لا أغير على
السلطان شيئا ولا أقاتله. قال سهل: أنا أقاتل كل من خالف الكتاب
والسنة، كائنا من كان، سلطانا أو غير سلطان، فمن بايعني على ذلك قبلته،
ومن خالفني قاتلته.
وقام سهل بذلك يوم الخميس لأربع خلون من رمضان، وقوتل من قبل السلطان،
قاتله عيسى بن محمد بن أبي خالد، فقاتل/ فضرب ضربة بالسيف، فرجع إلى
منزله، ثم اعتذر إليه عيسى أن يعود إلى الأمر بالمعروف، فعاد [1] .
وفي هذه السنة: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضي من آل مُحَمَّد
صلَّى اللَّه عليه وسلم وأمر [2] جنده أن يطرح السواد ولبس ثياب
الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق، وذلك يوم
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 551- 554.
[2] في الأصل: «وأمره جنده» .
(10/93)
الأثنين لليلتين خلتا من رمضان هذه السنة.
فكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد يخبره أن أمير المؤمنين قد جعل علي
بن موسى الرضا ولي عهده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد
أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل مُحَمَّد
صلَّى اللَّه عليه وسلّم، وأمر أن يطرح السواد ولبس الخضرة، وأن يأمر
من قبله من الجند والقواد وبني هاشم بالبيعة لَهُ، ويأخذهم بلبس الخضرة
في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فوصل
الكتاب إلى عيسى يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة، فدعا أهل بغداد
إلى ذلك، فاختلفوا، فقال قوم: نبايع، وقَالَ قوم: لا نخرج الأمر من ولد
العباس، وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل، وغضب ولد العباس من ذلك،
واجتمع بعض إلى بعض، وتكلموا فيه وقالوا: نولي بعضنا ونخلع المأمون.
وكان المتكلم في هذا والمختلف فيه والمتقلد له: إبراهيم ومنصور بن
المهدي [1] .
ذكر العهد الّذي كتبه المأمون بخطّه لعلي ابن موسى الرّضا [عليهما
السلام]
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير
المؤمنين بيده لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده.
أما بعد: فإن الله اصطفى الإسلام دينا، واصطفى له عباده رسلا دالين
عَلَيْهِ، وهادين إِلَيْهِ، يبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم،
حتى انتهت نبوة اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي،
واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين، وجعله شاهدا لهم، ومهيمنا
عليهم، وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ 41:
42 [2] بما أحل وحرم، ووعد وأوعد، وحذر وأنذر، ليكون له الحجة البالغة
على خلقه، لِيَهْلِكَ من 8: 42
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 554- 555.
[2] سورة: فصلت، الآية: 42.
(10/94)
هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ
حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ 8: 42. [1] فبلغ
عن الله رسالته، ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة
الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثم الجهاد والغلظة حتى قبضه الله
إليه، واختار له ما عنده صلَّى اللَّه عليّه وسلم، فلما انقضت النبوة،
وختم الله بمحمد الوحي والرسالة، جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين
بالخلافة، وإتمامها وعزها، والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها [2]
تقام فرائض الله وحدوده/ وشرائع الإسلام وسننه، ويجاهد بها عدوه، فعلى
خلفاء الله طاعته فيما استخلفهم، واسترعاهم من أمر دينه وعباده، وعلى
المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله، وأمن السبل،
وحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، وجمع الألفة، وفي خلاف ذلك اضطراب أمر
المسلمين، واختلاف ملتهم، وقهر دينهم، واستعلاء عدوهم، وتفرق الكلمة،
وخسران الدنيا والآخرة، فحق على من استخلفه في أرضه، وائتمنه على خلقه
أن يجهد للَّه نفسه، ويؤثر على ما فيه رضى الله وطاعته، ويعمل لما الله
واقفه عَلَيْهِ [3] ، وسائله عنه، ويحكم بالحق، ويعمل بالعدل فيما حمله
الله وقلده، فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود عليه السلام: يَا داوُدُ
إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ
بِالْحَقِّ 38: 26 [4] وقال تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ 15: 92- 93 [5] .
وبلغنا أن عمر بن الخطاب قَالَ: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن
يسألني اللَّه عنها، وأيم الله إن المسئول عن خاصة نفسه على عمله فيما
بين الله وبينه ليعرض أمر كبير على خطر عظيم، فكيف بالمسئول عن رعاية
الأمة، وباللَّه الثقة، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة
والتسديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة، والفوز من الله، والرضوان
والرحمة، وأنظر الأئمة لنفسه وأنصحهم للَّه في دينه وعباده، وخلافته في
أرضه من عمل بطاعته ودينه وسنة نبيه عليه السلام في/ [مدة] [6] أيامه
وبعدها،
__________
[1] سورة الأنفال، الآية: 42.
[2] في الأصل: «التي تقام بها» .
[3] في الأصل: «لما عليه وافقه عليه» .
[4] سورة: ص، الآية 26.
[5] سورة: الحجر. الآية: 92.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(10/95)
فأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده، ويختاره
لإمارة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علما لهم [1] ، ومفزعا في جمع
ألفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم، والأمن بإذن الله من فرقتهم، وفساد
ذات بينهم، واختلافهم، ورفع نزغ الشيطان وكيده عَنْهُمْ، وإن الله عز
وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح
أهله، وأنهم خلفاؤه من توكيده لمن يختارونه لهم من بعدهم ما عظمت به
النعمة، وسلمت فيه العاقبة، وينقض [2] الله بذلك الشقاق [3] والعداوة،
والسعي في الفرقة، والتربص للفتنة، ولم يزل أمير المؤمنين مذ أفضت إليه
الخلافة، فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مئونتها، وما يجب على
من تقلدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله فيها وأنصب بدنه،
وأسهر عينه، وأطال فكره فيما فيه عز الدين، وقمع المشركين، وصلاح
الأمة، ونشر العدل، وإقامة الكتاب والسنة، ومنع ذلك من الخفض، والدعة،
ومهنأ العيش، علما بما الله سائله عنه، ومحبته أن يلقى الله مناصحا في
دينه وعباده، ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل ما يقدر
عليه في دينه وورعه، وأرجاهم للقيام بأمر الله وحقه، مناجيا للَّه [4]
بالاستخارة في ذَلِكَ، ومسألته [5] إلهامه ما فيه رضاه/ وطاعته في آناء
ليله ونهاره، معملا في طلبه، والتماسه [6] في أهل بيته من ولد عبد الله
بن العباس وعلي بن أبي طالب، فكره ونظره، مقتصرا فيمن علم حاله، ومذهبه
منهم على الحق علما بالغا في المسألة فيمن خفي عليه أمره، وجهده
وطاقته، حتى استقضى أمورهم معرفة، وابتلى أخبارهم مشاهدة، وكشف ما
عندهم مساءلة، فكانت خيرته بعد استخارته للَّه، وإجهاد نفسه في قضاء
حقه في عباده من البيتين جميعا:
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما
رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخلية
من الدنيا،
__________
[1] هكذا بالأصل، وفي ت: «ومضيه ومفزعا» .
[2] في ت: «ويمض الله بذلك» .
[3] في الأصل: «الفراق» .
[4] في الأصل: «مناجيا فيه» .
[5] في ت: «ويسأله إلهامه» .
[6] في الأصل: «والبأساء في أهل بيته» .
(10/96)
ومسلمته من الناس، فقد استبان له ما لم تزل
الأخبار عليه متواطئة، والألسن متفقة، والكلمة فيه جامعة، وما لم يزل
يعرفه [به] [1] من الفضل، يافعا وناشئا، وحدثا ومكتهلا، فعقد له العهد
والولاية من بعده، واثقا بخيرة الله في ذلك، إذ علم الله من فعله
إيثارا لَهُ وللدين، ونظرا للمسلمين، وطلبا للسلامة، وثبات الحجة،
والنجاة في اليوم الّذي يقوم الناس فيه لرب العالمين، ودعا أمير
المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وجنده، فبايعوه مسارعين مسرورين
عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم/ ممن
هو أشبك رحما، وأقرب قرابة، وسماه الرضي، إذ كان رضا عند أمير
المؤمنين، فبايعوه معشر بيت أمير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة من
قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين والرضي من بعده على اسم
الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة إليها أيديكم،
منشرحة لها صدروكم، عالمين ما أراد أمير المؤمنين بها، وأثر طاعة الله،
والنظر لنفسه ولكم فيها، شاكرين للَّه على ما ألهم أمير المؤمنين من
قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم وصلاحكم، راجين عائدة الله في
[2] جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم، وقوة دينكم، وقمع
عدوكم، واستقامة أموركم، فسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين،
فإنه الأمر إن سارعتم إليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظ فيه إن شاء
الله، وكتب بيده لسبع خلون من شهر رمضان المعظم قدره سنة إحدى ومائتين.
وكتب الرضي [عليه السلام] [3] كلمات منها أنه كتب عند قوله: اختار من
البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر، كتب تحته: وصلتك رحم وجزيت خيرا.
وكتب تحت مدحه إياه بقوله: وورعه وزهده: أثنى الله عليك فأجمل، / وأجزل
لك الثواب فأكمل.
وكتب تحت قوله: فعقد له العهد بعده: بل جعلت فداك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «راحين عائدة ذلك» )
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/97)
وكتب تحت قوله: وسماه الرضي: رضي الله عنك
وأرضاك وأحسن في الدارين جزاك.
ثم كتب الرضي على ظهر العهد ما نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد للَّه رب العالمين، الفعال لما يريد، لا
معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور،
وصلواته على نبيه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد،
ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاما قطعت، وأمن أنفسا
فزعت، بل أحياها وقد تلفت، وأغناها وقد افتقرت، مبتغيا رضا رب
العالمين، لا يرضى جزاء [1] من غيره، وسيجزي الله الشاكرين، ولا يضيع
أجر المحسنين، وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى إن بقيت من بعده، فمن
حل عقدة أمرها، وفصم عروة [أحب] [2] إيثاقها، فقد أباح حريمه وأحل
محرمه، إذ كان بذلك زاريا على الإمام، منتهكا حرمة الإسلام/ وقد جعلت
للَّه على نفسي إن استرعاني أمير المؤمنين وقلدني خلافته العمل فيهم
عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة، بطاعته وسنة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن لا أسفك دما حراما، ولا أبيح
فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدوده، وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاة
جهدي وطاقتي، وقد جعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا، يسألني الله عنه،
فإنه عز وجل يَقُولُ: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ
مَسْؤُلًا 17: 34 [3] فإن حدت أو غيرت أو بدلت كنت للتغيير مستحقا،
وللنكال متعرضا، فأعوذ باللَّه من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته
والحول بيني وبين معصيته في عافيته لي وللمسلمين. وقد امتثلت أمر أمير
المؤمنين، وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت الله على نفسي، وكفى
باللَّه شهيدا.
وكتبت خطي بحضرة أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، والفضل بن سهل،
__________
[1] في الأصل: «لا يرضى جراه» .
وفي ت: «لا يريد جزاء» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: الإسراء، الآية: 34.
(10/98)
ويحيى بن أكثم، وعبد الله بن طاهر، وثمامة
بن أشرس، وبشر بن المعتمر، وحماد بن النُّعْمان. في شهر رمضان سنة إحدى
ومائتين.
نسخة الشهادات
رسم أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه وكبت أعداءه- قراءة مضمون هذه
الصحيفة، ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
الروضة والمنبر، على رءوس الأشهاد، وبمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم
وسائر الأولياء والأجناد، بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به عَلَى سائر
المسلمين، وأبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين، وما كانَ
اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ 3: 179
[1] . وكتب الفضل بن سهل بحضرة أمير المؤمنين في التاريخ المذكور:
عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته في تاريخه.
شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب، ظهره وبطنه [2] ، وهو يسأل
الله عز وجل أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركات هذا العهد،
والميثاق، وكتب بخطه في التاريخ المبيّن.
شهد حماد بن النعمان على مضمون ظهره وبطنه [2] ، وكتب بيده في تاريخه.
بشر بن المعتمر يشهد بذلك، وكتب بيده في التاريخ.
ثمامة بن أشرس حضر وكتب خطه.
قال هبة الله بن الفضل بن صاعد الكاتب: هذا العهد، رأيته بخط المأمون،
ابتاعه خالي يحيى بن صاعد بمائتي دينار، وحمله إلى سيف الدولة صدقة بن
منصور، وكان فيه خطوط جماعة من الكتاب، مثل: الصولي/ عبد الله بن
العباس، والوزير المغربي.
__________
[1] سورة آل عمران، الآية: 179.
[2] في ت: «ظهره وباطنه» .
(10/99)
وفي هذه السنة: بويع لإبراهيم بن المهدي.
وكان السبب ما ذكرناه، وهو أن المأمون لما بايع لعلي بن موسى الرضي [1]
نفر العباسيون وأظهروا أنهم خلعوا المأمون، وبايعوا لإبراهيم [2] بن
المهدي، ومن بعده إسحاق بن موسى بن المهدي، وضمنوا للجند أشياء
يعطونهم، وأمروا رجلا يقول يوم الجمعة حين يؤقت [3] المؤذن:
إنا نريد أن ندعو للمأمون، ومن بعده لإبراهيم يكون خليفة، ودسوا قوما
فقالوا: إذا قام من يتكلم بهذا فقوموا وقولوا: لا نرضى إلا أن تبايعوا
لإبراهيم، ومن بعده لإسحاق وتخلعوا [4] المأمون، فلمّا قام من تكلم
بهذا وأجيب بهذا، لم يصلوا في ذلك اليوم الجمعة، ولا خطب أحد، وصلى
الناس أربع ركعات، وذلك في يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة [5] .
وفي هذه السنة: افتتح عبد الله بن خرداذبه والي طبرستان بلادا من بلاد
الديلم، وزادها في بلاد الإسلام، وافتتح جبال طبرستان [6] .
وفيها: تحرك بابك الخرمي في الجاويذانية أصحاب جاويذان بن سهل، وادعى
أن رَوْح جاويذان صاحب البذ دخلت فيه [7] ، وأخذ في العيث والفساد [8]
.
وفيها: أصاب أهل خراسان والري وأصبهان مجاعة، وعز الطعام، ووقع الموت
[9] /.
وحج بالناس في هذه السنة إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن
علي.
__________
[1] «الرضي» ساقطة من ت.
[2] «لإبراهيم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «يؤذن»
[4] ف ت: «وخلفوا» .
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 555.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 556
[7] في ت: «صاحب البذر ادعى أن روح جاويذان دخلت فيه» .
[8] انظر: «تاريخ الطبري 8/ 556.
[9] انظر: تاريخ الطبري 8/ 556.
(10/100)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر.
1101- الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة أبو عبد الله [1]
العوفي
[2] .
من أهل الكوفة، ولي ببغداد قضاء الشرقية بعد حفص بن غياث، ثم نقل إلى
قضاء عسكر المهدي في خلافة الرشيد أياما، ثم عزله. وحدث عن أبيه، وعن
الأعمش، ومِسْعَر [3] .
روى عَنْه: عمر بن شبة وغيره، وكان ضعيفا في الحديث، ويصحف إذا رَوى،
وكانت لحيته تبلغ إلى ركبته.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بن الحسن الشَّاهِدُ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَادَرَائِيُّ [4] قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: وحدثني بعض أصحابنا
قال: جاءت امرأة إلى العوفي قاضي هارون، ومعها صبي ورجل فقالت: هذا
زوجي، وهذا ابني منه، فقال لَهُ: هذه امرأتك؟ قال: نعم، قَالَ: وهذا
الولد منك؟ قَالَ: أصلح اللَّه القاضي، أنا خصي، قَالَ:
فألزمه الولد فأخذ الصبي فوضعه على رقبته وانصرف، فاستقبله صديق له خصي
والصبي/ على عنقه، فَقَالَ: من هذا الصبي؟ فَقَالَ: القاضي [5] ، يفرق
أولاد الزنا عَلَى النَّاسَ [6] .
توفي العوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «بن عبد الله»
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 29- 32.
[3] في ت: «ومسعود»
[4] في ت: «البارداي»
[5] القاضي ساقطة من ت.
[6] «على الناس» ساقطة من ت.
انظر أخبر في: تاريخ بغداد 8/ 30
(10/101)
1102- سعد بن إبراهيم بن سعد بْنِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو إسحاق
الزُّهْرِيّ
[1] .
سمع أباه وغيره، روى عَنْه: أحمد بن حنبل، وخلف بن سالم، وكان صدوقا
ثقة، ولي القضاء بواسط في خلافة هارون، ثم ولي قضاء العسكر للمهدي
ببغداد، ثم عزل فلحق بالحسن بن سهل، وهو بفم الصلح فولاه قضاء عسكره.
وتوفي بالمبارك في هذه السنة [2] وهو ابن ثلاث وستين سنة.
1103- عبد الله بن الفرج، أبو محمد القنطري
[3] .
كان أحد العباد [4] ، وكان بشر الحافي يوده [5] ويزوره.
روى عَنْه: البرجلاني، وعلي بن الموفق.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي [6] قال: أخبرنا العتيقي [7]
قال: حدثنا محمد بن الْعَبَّاس قَالَ: حدثنا العباس بن العباس الجوهري
قَالَ: حدثنا عبد الله بن عمرو قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن بيان [8]
المكي قَالَ: حدثني صاعد قَالَ: لما مات عبد الله بن الفرج حضرت
جنازته، فلمّا واريته رأيته في الليل في النوم جالسا على شفير قبره،
ومعه صحيفة ينظر فيها [9] فقلت [له] [10] : ما فعل الله بك قال: غفر لي
ولكل من شيع جنازتي [قَالَ] : [11] قلت لَهُ: أنا كنت معهم قَالَ: هُوَ
ذا اسمك في الصحيفة [12] /.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 123- 124.
[2] «في هذه السنة» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 41- 42.
[4] في ت: «الزهاد» وما أثبتناه من الأصل.
[5] في ت: «يرده» .
[6] في ت: «محمد بن علي» .
[7] في ت: «العتيبي» .
[8] في ت: «محمد بن البيان» .
[9] «جالسا على شفير قبره، ومعه صحيفة ينظر فيها» . ساقطة من ت.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[11] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[12] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 42.
(10/102)
1104- علي بن عاصم بن صهيب، أبو الحسن،
مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق
[1] .
من أهل واسط، ولد سنة ثمان ومائة، وقيل: سنة خمس ومائة، وسكن بغداد
وحدث بها عن حصين بن عبد الرحمن ومحمد بن سوقة، وداود بن أبي هند
وإسماعيل بن أبي خالد وابن جريج وحميد الطويل، روى عَنْه: أحمد بن
حنبل، وغيره، إلا أنهم قالوا: كان يخطئ فضعفوه بذلك.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ] [2]
قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أَخْبَرَنَا مسعود بن ناصر بن أبي زيد السُّكري قَالَ: حدثنا أبو الفضل
محمد بن الفضيل المزكي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني
قَالَ: سمعت زنجويه بن محمد اللباد يَقُولُ: سمعت عبد الله بن كثير
البكري يَقُولُ: سمعت أحمد بن أعين يَقُولُ: سمعت علي بن عاصم يَقُولُ:
دفع إليّ أبي مائة ألف درهم وقَالَ: اذهب فلا أرى وجهك إلا بمائة ألف
حديث [3] .
أخبرنا عبد الرحمن (القزاز قَالَ] [4] : أخبرنا الخطيب قَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الوليد الحسن بْن مُحَمَّد الدربندي قَالَ: حدثنا
مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سليمان الحافظ قَالَ: حدثنا
أحمد بن سهل [5] بن حمدويه قَالَ: سمعت أبا نصر بن الليث بن حبرويه [6]
يَقُولُ: سمعت يحيى بن جعفر يَقُولُ: كان يجتمع عند علي بن عاصم أكثر
من ثلاثين ألفا/، وكان يجلس على سطح، وكان له ثلاثة مستملين [7] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن مُحَمَّد] [8] قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن
ثابت] [9] قال
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 446- 458.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 447.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «محمد بن سهل» .
[6] في ت: «حرويه» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 454.
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(10/103)
حَدَّثَني الحسن بن علي المقرئ قَالَ:
حدثني أبو عمر [1] بن مهدي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ يَعْقُوبَ [قال: حدثني جدي قَالَ: حدثني يوسف بن يعقوب] [2]
الصَّفَّار [3] قَالَ: سمعت عاصم بن علي [بن عاصم] [4] يقول: قَالَ:
أخبرنا أَبِي أنه صام ثمانين شهر رمضان ومات وهو ابن أربع وتسعين سنة
[5] .
__________
[1] في الأصل: «أبو عمرو» وما أثبتناه من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[3] «الصفار» ساقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 457.
(10/104)
ثم دخلت سنة اثنتين
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن أهل بغداد خلعوا المأمون، وبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة،
وسمّوه المبارك [وفي وقت فعلهم هذا قولان: أحدهما أنه أول يوم من
المحرم والثاني لخمس خلون منه. وصعد إبْرَاهِيم المنبر] [1] فكان أول
من بايعه عبيد الله بن محمد الهاشمي، ثم منصور بن المهدي، ثم سائر
الناس، ثم [2] بنو هاشم ثم القواد، وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن
عبد الله بْن مالك، وكان الذي سعى في ذلك وقام به: السندي، وصالح صاحب
المصلى، ومنجاب [3] ، ونصير الوصيف وسائر الموالي [إلا أن] [4] الذين
سميناهم كانوا الرؤساء والقادة، وإنما فعلوا ذلك غضبا على المأمون حين
أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد علي، ولترك لباس آبائه من
السواد ولبس الخضرة [5] .
ولما فرغ من البيعة وعد الجند أن يعطيهم أرزاقا لستة أشهر، فدافعهم
بها، فلمّا رأوا ذلك شنعوا عَلَيْهِ، فأعطى كل رجل منهم مائتي درهم،
وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة مالهم من الحنطة [6] ، فخرجوا في قبضها،
فلم يمروا بشيء إلا نهبوه وأخذوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] «الناس، ثم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وسحاب» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 557.
[6] في ت: «من حنطة وشعيرا» .
(10/105)
النصيبين جميعا: / نصيب أهل البلاد ونصيب
السلطان، وغلب إبراهيم مع [أهل] [1] بغداد على [أهل] [2] الكوفة
والسواد كله، وعسكر بالمدائن، وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس،
والجانب الغربي إسحاق بن موسى الهادي [3] .
وأمر أن يستتاب المريسي.
أخبرنا أبو منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ:
أخبرنا علي بن أبي علي قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قَالَ: هاجت
العامة على بشر المريسي فسألوا إبراهيم بن المهدي أن يستتيبه [4] ،
وأمر إبراهيم قتيبة بن زياد القاضي أن يحضره مسجد الرصافة.
فحدثني محمد بن أحمد بن إسحاق، عَن محمد بن خلف قَالَ: سمعت محمد بن
عبد الرحمن الصيرفي يَقُولُ: شهدت المسجد الجامع بالرصافة وقد اجتمع
الناس، وجلس [5] قتيبة بن زياد، وأقيم بشر المريسي [6] على صندوق من
صناديق [7] المصاحف عند باب الخدم [8] ، وقام المستمليان أبو مسلم عبد
الرحمن بن يونس مستملي ابن عُيَيْنَة، وهارون بن موسى مستملي يزيد بن
هارون يذكران: أن أمير المؤمنين إبراهيم بن المهدي أمر قاضيه قتيبة بن
زياد أن يستتيب [9] بشر بن غياث المريسي عن أشياء عددها منها: ذكر
القرآن وغيره، وأنه تائب، فرفع بشر صوته يَقُولُ:
معاذ الله، إني لست بتائب، فكثر الناس عليه حتى كادوا يقتلونه وأدخل
إلى باب الخدم، وتفرّق الناس.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت وأثبتناه من تاريخ الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 557.
[4] في ت: «تستبه» .
[5] في ت: «وحبس» .
[6] «المريسي» ساقطة من ت.
[7] في ت: «الصناديق» .
[8] في ت: «الخرم» .
[9] في ت: «تستيت» .
(10/106)
وفي هذه السنة: خرج مهدي بن علوان الحروري
فوجه/ إليه إبراهيم بن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد [1] في جماعة من
القواد فهزم مهديا [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [3] قَالَ:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عمر
بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: أخبرنا أَبِي قَالَ: قال إسماعيل بن عليّ:
وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق [4] إبراهيم بن المهدي ببغداد [5] في داره
المنسوبة إليه في ناحية سوق العطش وسموه المبارك، ويقال: سمي المرضي
[6] ، وذلك يوم الجمعة [7] لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين
وأمه أم ولد يقال لها: شكلة وبها يعرف، فغلب على الكوفة والسواد، وخطب
له على المنابر وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن
بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم
يزل إبراهيم مقيما ببغداد عَلَى أمره يدعى بأمير المؤمنين، ويخطب له
على منبري بغداد، وما غلب عليه من السواد والكوفة، ثم رحل المأمون
متوجها إلى العراق، وقد توفي [8] علي بن موسى الرضي، فلما أشرف المأمون
على العراق، وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهدي، وقصرت يده،
وتفرق الناس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث
ومائتين.
وفي هذه السنة [9] : وثب أخو أبي السرايا بالكوفة فبيض، واجتمعت إليه
جماعة، فلقيه غسّان بن الفرج في رجب، فقتله وبعث برأسه إلى إبراهيم بن
المهدي.
وفيها: ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل/ بن سلامة المطوعي، فحبسه وعاقبه،
__________
[1] «أبا إسحاق بن الرشيد» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 558.
[3] «القزاز» ساقطة من ت.
[4] «إسحاق» ساقطة من ت.
[5] «ببغداد» ساقطة من ت.
[6] في ت: «الرضا» .
[7] «يوم الجمعة» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وقد فرما» .
[9] في ت: «وفيها» .
(10/107)
وقد ذكر عن سهل أنه كان يأمر بالمعروف،
واجتمع إليه عامة أهل بغداد، وكان كل من أجابه يثني على بابه برجا بجص
وآجر، وينصب عليه السلاح والمصحف، حتى بلغوا قرب باب الشّام، وكان سهل
يذكر الولاة بأقبح أعمالهم ويقول: الفساق. فقاتله أصحاب إبراهيم بْن
المهدي، وخذله العوام حتى أخذ، فأتى به إسحاق بن الهادي فقال لَهُ:
حرضت علينا الناس وعبت أمرنا. فَقَالَ: إنما كنت أدعو إلى العمل
بالكتاب والسنة.
فقالوا [1] له: اخرج فقل إنما الّذي كنت أدعو إليه باطل: فخرج فَقَالَ:
إن الذي كنت أدعو إليه من الكتاب والسنة أنا أدعو إليه اليوم. فوجئ
عنقه وضربوه وقيد وحبس وخفي أمره [2] .
وفي هذه السنة [3] : شخص المأمون من مرو يريد العراق.
وكان سبب ذلك: أنه أخبر بالقتال والفتن منذ قتل الأمين، وأن أهل بيته
قد غضبوا لمبايعة علي بن موسى وأنهم قد بايعوا لإبراهيم بن المهدي،
وكان الفضل بن سهل يكتمه هذه الأحوال، فلما أخبر بها وبان [4] أن هرثمة
إنما جاء لنصحه، وأنه إن لم يتدارك الأمر خرجت الخلافة من يده، وأن
طاهر بن الحسين لما وطأ له الخلافة أخرج من الأمر وصير في زاوية في
الرقة، وأنه لو كان ببغداد لم يجترئ أحد على ما اجترأ عليه، وإنك لو
خرجت عاد إليك بنو هاشم كلهم وأطاعوا، ولم يخبروا بهذا حتى [5] أخذوا
خطة بالأمان من الفضل بن سهل، لأنه كان لا يظهره على شيء من هذا/ فلما
تحقق الأمر عنده، وأمر بالرحيل إلى بغداد، علم الفضل بن سهل ببعض
أمورهم، فتعنتهم [6] فضرب بعضهم بالسياط، وحبس بعضهم، ثم ارتحل من مرو،
فلما دخل سرخس دخل أربعة نفر على الفضل بن سهل [7] وهو في الحمام،
فقتلوه وهربوا، فطلبهم المأمون
__________
[1] في ت: «إنما كنت أدعو إليه باطل، أخرج ... » .
[2] انظر: تاريخ الطبري. / 562- 563.
[3] في ت: «وفيها» .
[4] في ت: «ربان» .
[5] «ولم يخبروا حين أخذوا» .
[6] في ت: «فبتعهم» .
[7] «بن سهل» ساقطة من ت.
(10/108)
فقتلهم، وبعث برءوسهم إلى الحسن بن سهل،
وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل بْن سهل [1] ، وأنه صيره
مكانه، ووصل الخبر بذلك إلى الحسن في رمضان، وجعل المطلب يدعو في السر
للمأمون، وخلع إبراهيم، فأجابه منصور، وخزيمة، وقواد كثير، وعلم
إبراهيم فبعث إلى المطلب، ومنصور، وخزيمة فاعتلوا عليه، ونهب ألفا من
[2] دار المطَّلِب [3] .
وفي هذه السنة: تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، إلا أنه دخل بها
في سنة عشر، وسنذكر هناك خبرها [4] .
وفي هذه السنة [5] : زوج المأمون علي بن موسى الرضي ابنته أم حبيب،
وزوج محمد بن علي بْن موسى ابنته أم الفضل [6] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [7] أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أجاز لي أبو نصر أحمد بن محمد بن حسنون
النرسي وحدثنيه ثقة من أصحابنا عَنْه قَالَ:
أخبرنا إبْرَاهِيم بن حامد بن شباب الأصبهاني قَالَ: أخبرنا أحمد بن
يحيى [8] قَالَ:
سمعت يحيى بن أكثم يَقُولُ: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته من الرضي،
قال لي يا يحيى تكلم. قَالَ: فأجللته أن أقول له: أنكحت؟ فقلت: يا أمير
المؤمنين، أنت الحاكم الأكبر وأنت أولى بالكلام، فقال: الحمد للَّه
الذي تصاغرت الأمور بمشيئته، ولا إله إلا الله/ إقرارا بربوبيته وصلى
الله على سيدنا محمد عند ذكره، أما بعد:
فإن الله جعل النكاح الذي رضيه سببا للمناسبة ألا وإني قد زوّجت ابنتي
من
__________
[1] «بن سهل» ساقطة من ت.
[2] «ألفا من» ساقطة من ت.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 564- 566.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 566.
[5] في ت: «وفيها» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 566.
[7] «أبو بكر» ساقطة من ت.
[8] في ت: «بن مهدي» .
(10/109)
علي بن موسى الرضي، وأمهرتها عنه أربعمائة
درهم.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ودعا لأخيه
بعد المأمون بولاية العهد، ومضى إبراهيم بن موسى إلى اليمن، وكان قد
غلب عليها حمدويه بن علي بن موسى بن ماهان [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1105- الفضل بن سهل بن عبد الله، أبو العباس الملقب ذا الرئاستين
[2] .
كان من أولاد ملوك المجوس، وأسلم أبوه سهل في أيام الرشيد، واتصل بيحيى
بن خالد البرمكي، واتصل الفضل والحسن ابنا سهل بالفضل وجعفر ابنا يحيى
بن خالد، فضم جعفر بْن يحيى الفضل بن سهل إلى المأمون وهو ولي عهد،
وقيل: إن الفضل لما أراد أن يسلم كره أن يسلم على يد الرشيد والمأمون،
فصار وحده إلى الجامع يوم الجمعة، فاغتسل ولبس ثيابه، ورجع مسلما، وغلب
على المأمون لخلاله الجميلة من الكرم والوفاء والبلاغة والكتابة، فلما
استخلف المأمون فوض إليه أموره كلها، وسماه ذا الرئاستين لتدبيره أمر
السيف والقلم.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عمر النرسي [3] قَالَ: أخبرنا أحمد بن
محمد بن المكتفي باللَّه قال: حَدَّثَنَا/ ابن الأنباري قَالَ: قال رجل
للفضل بن سهل اسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة
عددها، فليس [لي] [4] إلى ذكرها جميعها [5] سبيل، وإذا أردت وصف واحدة
اعترضت أختها إذ كانت الأولى ليست بأحق
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 567.
[2] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 12/ 339- 343.
[3] في ت: «النوسي» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] «جميعها» ساقطة من ت.
(10/110)
في الذكر، فلست أصفها إلا بإظهار العجز عن
وصفها [1] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [2] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
أبو بشر محمد بن أبي السري الوكيل قَالَ: حدثنا أبو عبيد الله محمد [3]
بن عمران المرزباني قال: أخبرني الصولي قال: [أنشدنا ثعلب قال:] [4]
أنشدنا إبراهيم بن العباس الصولي لنفسه في الفضل بن سهل:
لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل
فبسطتها للغنى ... وسطوتها للأجل
وباطنها للندى ... وظاهرها للقبل
فأخذه ابن الرومي فقال للقاسم بن عبيد الله:
أصبحت بين خصاصة وتجمل ... والمرء بينهما يموت هزيلا
فامدد إلي يدا تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا [5]
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ] [6]
قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بن علي [ابن ثابت] [7] قَالَ: أخبرني أَبُو
بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الواحد المنكدري قَالَ:
حدثني [أبو] [8] أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد المنقري قَالَ:
أخبرنا الصولي قَالَ: أخبرنا القاسم بن إِسْمَاعِيل قَالَ [9] : حدثني
إبراهيم بن العباس الصولي قَالَ: اعتل
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 343.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أبو عبد الله محمد» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 342.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «حدثني أحمد بن عبيد الله» .
[9] في ت: «القاسم بن إسماعيل قال: حدثني إسماعيل قال: ... » .
(10/111)
الفضل بن سهل ذو الرئاستين علة بخراسان ثم
برأ، فجلس [1] للناس فهنأوه [2] بالعافية وتصرفوا في الكلام [3] ، فلما
فرغوا/ أقبل على الناس فَقَالَ: إن في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن
يعرفوها بمحيص الذنوب، وتعرض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وإذكار
بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة وحض على الصدقة، فنسي الناس ما
تكلموا به وانصرفوا بكلام الفضل [4] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: أخبرني
الحسن بن أبي بَكْر قَالَ: كتب إلي محمد بن إبراهيم أن أحمد بن حمدان
أخبرهم قَالَ: حدثنا أحمد بن [5] يونس الضَّبُّي قَالَ: حدثنا أبو حسان
الزيادي قَالَ: سنة اثنتين ومائتين فيها قتل ذو الرئاستين الفضل بْن
سهل [6] يوم الخميس لليلتين خلتا من شعبان بسرخس في الحمام، اغتاله
نفر، فدخلوا عليه فقتلوه، فقتل به المأمون عبد العزيز بن عمران الطائي،
ومؤنس بن عمران البصري، وخلف بن عمرو البصري، وعلي بن أبي سعيد، وسراجا
الخادم [7] .
قال المصنف رحمه الله [8] : وفي رواية أخرى: أنه لما رحل المأمون من
مرو ووصل [9] إلى سرخس، شد أربع نفر من خواص المأمون وهم غالب
المسعودي، وقسطنطين الرومي، وفرج الديلميّ، وموفق الصقلي على الفضل بن
سهل وهو في الحمام فقتلوه وهربوا، وذلك في يوم الجمعة لليلتين [10]
خلتا من شعبان هذه السنة، فجعل المأمون لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار،
فجاء بهم العباس بن القاسم، فقالوا للمأمون: أنت أمرتنا بقتله فأمر بهم
فضربت أعناقهم.
وذكر الجاحظ أن عمر الفضل كان إحدى وأربعين سنة وخمسة أشهر.
1106- يحيى بن المبارك/ بن المغيرة، أبو محمد العدوي، المعروف باليزيدي
صاحب أبي عمرو بن العلاء
[11] .
__________
[1] «ثم برأ، فجلس» ساقطة من ت.
[2] في ت: «ننراوه» .
[3] في ت: «بالكلام» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 342.
[5] «أحمد بن» ساقطة من ت.
[6] في ت: «فيها قتل الفضل بن سهل ذو الرئاستين» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 343.
[8] «قال المصنف رحمه الله» ساقطة من ت.
[9] «وصل» ساقطة من ت.
[10] في ت: «لست ليال»
[11] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 14/ 146.
(10/112)
حدث عن أبي عمرو وابن جُرَيْج، وأخذ عَن
الخليل من اللغة أمرا عظيما، وجلس يوما إلى جانبه، فقال له: احسبني
ضيقت عليك؟ فقال الخليل: ما ضاق شيء عن صاحبين، والدنيا ما تسع
متباغضين.
وإنما قيل له: اليزيدي، لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور الحميري
يؤدب ولده، فنسب إِلَيْهِ.
ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون في حجره، وكان يكلم الأمين والمأمون وهما
صبيان بكلام بقصيدته تعلم الفصاحة: فأكلا يوما كمأة فتحمرا، فقال لهما
اليزيدي:
«فلأكلأكما كمأكما لا سوا أن سوالا سلا» [؟] . [1] .
وكان الرشيد قد وكل بهما خادما يؤدي إليه ما يجري منهما، فمضى إلى
الرشيد وقال له: إنه اليوم علمهما كلام الزنجية، فدعاه فَقَالَ: أحسنت
الزنجية قط، قَالَ: كذا عرفني الخادم. فقال الخادم: بلى، قد كان ذلك
وقت أكل الكمأة، فقال اليزيدي: إنما قلت كذا ليتفصحا، وأنا أفعل مثل
هذا كثيرا. فقال الرشيد: لا تلم الخادم، فلولا التقدمة لظننته أنَا
بالزنجية.
وكان اليزيدي أحد القراء الفصحاء الشعراء، عالما بلغات العرب، ثقة،
وكان يجلس في أيام الرشيد مع الكسائي ببغداد في مسجد واحد يقرئان
الناس، وكان الكسائي يؤدب الأمين، واليزيدي يؤدب المأمون/ فأقر الرشيد
الكسائي أن يأخذ على الأمين بحرف حمزة، وأمر اليزيدي أن يعلم المأمون
حرف أبي عَمْرو.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا محمد بن
عبد الواحد البزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد السيرافي، قَالَ:
أخبرنا محمد بن أبي الأزهر، قَالَ: أخبرنا الزُّبَيْر بن بكار قَالَ:
أنشدني: إسحاق بن أبي إبْرَاهِيم، قَالَ: أنشدني أبو محمد اليزيدي:
إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى ... وتفرغ منه، لم تعظه عواذله
ومن لم يؤدبه أبوه وأمه ... تؤدبه روع [2] الردى وزلازله
فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع ... هواك ولا يغلب بحقك باطله
__________
[1] هكذا في الأصل بدون نقط ولم أعثر في كتب اللغة على معنى لها أو
شبيه.
[2] في الأصل: وتاريخ بغداد 14/ 148: «روعات» وبها يكسر الوزن.
(10/113)
توفي اليزيدي في هذه السنة.
1107- أبو إسحاق الدولابي
[1] .
من أهل الري، كان يقال إنه من الأبدال، وله كرامات.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن رزق، إجازة، حدثنا جعفر الجلدي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن
منصور قَالَ: سمعت محمد بن منصور يَقُولُ:
جئت مرة إلى معروف الكرخي، فغض أنامله وقَالَ: هاه، لو لحقت أبا إسحاق
الدولابي كان ها هنا الساعة يسلم علي، فذهبت أقوم، فقال لي: اجلس، لعله
قد بلغ منزله بالري.
توفي أبو إسحاق الدولابي في هذه السنة، رحمة الله عليه.
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 419.
(10/114)
ثم دخلت سنة ثلاث
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن المأمون شخص من سرخس حتى صار إلى طوس، فأقام عند قبر أبيه أياما، ثم
إن علي بْن موسى بن جعفر أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة، وذلك في آخر
صفر فصلى عليه المأمون وأمر بدفنه عند قبر أبيه الرشيد، وكتب في شهر
ربيع الأول إلى الحسن بن سهل يعلمه بوفاته، ويعلمه ما دخل عليه من الغم
به، وكتب إلى بني العباس والموالي وأهل بغداد يعلمهم موت علي، وإنهم
إنما نقموا بيعته من بعده، ويسألهم الدخول في طاعته فكتبوا إِلَيْهِ
بأغلظ كتاب [1] .
ورحل المأمون من طوس يريد بغداد، فلما صار إلى الري أسقط من وظيفتها
ألف ألف درهم [2] .
وفي هذه السنة: غلبت السوداء على الحسن بن سهل فتغير بذلك المرض عقله
حتى قيد، وكتب بذلك قواد الحسن [3] إلى المأمون، فكتب أن يكون على
عسكره دينار بن عبد الله [4] .
وفيها: ضرب إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد، وحبسه.
وسبب ذلك: أنه كان يكاتب حميدا والحسن، ويظهر لإبراهيم الطاعة، فإذا
قال
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 568.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 568 وفي الأصل: «وضيفتها» .
[3] في الأصل: «القواد» .
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 568- 569.
(10/115)
له إبْرَاهِيم: تهيأ للخروج لقتال حميد،
اعتل بأن الجند يريدون أرزاقهم، وتارة يَقُولُ/: حتى تدرك الغلة، فلما
توثق فيما بينه وبين الحسن وحميد فارقهم على أن يدفع إليهم إبراهيم يوم
الجمعة لانسلاخ شوال، فبلغ ذلك إبراهيم، فأخذ الحذر، وبعث إليه ليأتي،
فاعتل، فأعاد الرَّسُول فأمر به، فضرب وحبس، وأخذ جماعة من قواده
فحبسهم وحبس أم ولده وصبيانه، فنهض أهل بيت عيسى وأصحابه فحرضوا الناس
على إبراهيم، فشدوا على عامل إبراهيم فطردوه، وطردوا جميع عماله، فلما
كان يوم الجمعة صلوا أربع ركعات بغير خطبة، فأخرج إبراهيم عيسى من
الحبس، وسأله المدافعة عنه فأبى، وأخرج إبراهيم أصحابه ليقاتلوا،
فهزمهم حميد، فلما رأى إبراهيم هذه الحال اختفى في ليلة الأربعاء لثلاث
عشرة بقيت من ذي الحجة، وبعث المطلب إلى حميد يعلمه أنه قد أحاط بدار
إبْرَاهِيم، فإن كان يريده فليأته، فأتوا فلم يجدوه في الدار [1] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا عبيد
الله بن عمر الواعظ قال: حدثنا أبي قال: إسماعيل بن عليّ لما حضر
الأضحى من سنة ثلاث ومائتين: ركب إبراهيم في زي الخلافة، فصلى بالناس
صلاة الأضحى، ومضى من يومه إلى داره المعروفة، فلم يزل فيها إلى آخر
النهار، ثم خرج منها بالليل، فاستتر وانقضى أمره، وكانت مدته منذ بويع/
له بمدينة السلام إلى أن استتر سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام، ثم ظفر
به المأمون، فعفا عنه، فلم يزل ظاهرا مكرما إلى أن تُوُفِّي.
وفي هذه السنة: انكسفت الشمس لليلة بقيت من ذي الحجة حتى ذهب ضوؤها،
وغاب أكثر من ثلثيها، فلم تزل كذلك حتى قرب الظهر ثم انجلت [2] .
وصار المأمون إلى همذان في ذي الحجة في آخرها [3] .
وحج بالناس في هذه السنة: سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي [4] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 569- 570.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 573.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 573.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 573.
(10/116)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
1108- أحمد بن أبي طيبة بن عيسى بن سليمان بن دينار الدارمي
[1] .
حدث عن مالك بن أنس، وولاه المأمون قضاء جرجان، ثم ولاه قضاء قومس،
فأقام بها يقضي حتى توفي في هذه السنة.
1109- حسين بن عليّ [أبو عبد الله] [2] الجعفي:
كان عالما عابدا، قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بالكوفة أفضل من حسين
الجعفي كان يشبه بالرهبان.
أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا عبد القادر بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر البرمكي قَالَ: أنبأنا عبد
العزيز بن جعفر قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخلال قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن
عبيد الرَّحبي قَالَ: سمعت أبا بكر بن سماعة يَقُولُ: كنا عند ابن أبي
عمر العدني [3] بمكة، فسمعناه يَقُولُ/: قدم علينا هارون قدمة إلى هذا
المسجد، فأخبرني الخادم الذي كان معه قَالَ: كنت معه ومعه جعفر بن
يحيى، فخرجنا جميعا حتى صرنا إلى الثنية فقال لي: سل عَن حسين بن علي
[4] الجعفي فلقيت رجلا، فقلت لَهُ [5] : حسين بن علي الجعفي؟ فَقَالَ:
هو ذا يطلع عليك راكبا حمارا وخلفه أسود يقود أحمالا له، فإذا هو قد
طلع، فقلت: هو ذا يا أمير المؤمنين، فلما حاذاه قام إليه، فقبل يده أو
قال رجله- فقال له جعفر: أتدري من المسلم عليك يا شَيْخ؟ [6] هو أمير
المؤمنين [هارون] [7] فالتفت إليه حسين فقال له: أنت يا حسن الوجه
مسئول عن هذا الخلق كلهم.
فقعد يبكي وأتانا آت ونحن عند ابن عيينة، فقال لسفيان [8] قدم [حسين بن
علي]
__________
[1] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 17.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «العبديّ» .
[4] «بن علي» ساقطة من ت.
[5] «له» ساقطة من ت.
[6] من أول «راكبا حمارا» ... » حتى « ... عليك يا شيخ» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «السفير» .
(10/117)
الجعفي، فقام إليه يتلقاه وخرجنا معه، فلما
صار في الطريق إلى باب بني شيبة لقيه فضيل بن عياض فقال له: أين تريد
يا أبا مُحَمَّد؟ فَقَالَ: قدم حسين الجعفي فأردت لقاءه، فقال: أنا
معك، فخرجا يمشيان جميعا ونحن خلفهما، فلما صرنا في أصحاب اللؤلؤ إذا
حسين راكب حمارا [1] ، فتقدم إليه فضيل فقبل رجله، وتقدم سفيان فقبل
يده أو قبل سفيان رجله وفُضَيْل يده، فقال له فضيل: بأي رجل تعلمت
القرآن على يديه أو علمني الله القرآن على يديه. ثم دخل المسجد فطاف
بالكعبة، وجاء إلى الأسطوانة الحمراء فقعد عندها، فأكب الناس عَلَيْهِ.
توفي الجعفي في هذه السنة.
1110- الحسين بن الوليد، أبو عبد الله القرشي/ النيسابوري
[2] .
سَمِعَ ابن جريج، وابن أبي ذئب [3] ، ومالك بن أنس [4] وابن لهيعة،
والثوري، والحمادين.
روى عَنْه: أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى بن يحيى، وكان ثقة فقيها
قارئا للقرآن، قرأ عَلَى الكسائي، وكان يغزو الترك في كل ثلاث سنين
ويحج في كل خمس وكان له مال، وكان سخيا، وكان يَقُولُ: من تعشى عندي
فقد أكرمني.
توفي في هذه السنة، وقيل في التي قبلها.
1111- خزيمة بن خازم النهشلي القائد
[5] .
كان له تقدم ومنزلة عند الخلفاء، ودرب خزيمة ببغداد ينسب إليه، وقد
أسند الحديث عن ابن أبي ذئب.
توفي في شعبان هذه السنة بعد أن عمي.
__________
[1] «حمار» ساقطة من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 143.
[3] في ت: «ابن أبي حبيب» .
[4] «بن أنس» ساقطة من ت.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 341.
(10/118)
1112- زيد بن الحباب بن الريان، أبو الحسن
التيمي العكلي [الكوفي]
[1] .
سمع [2] مالك بن مغول، وسفيان الثوري، وشعبة، ومالك بن أنس، وابن أبي
ذئب. روى عنه: يزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وقال فيه: كان صاحب حديث
كيسا صدوقا، وقد رحل إلى مصر وخراسان في الحديث [3] ، وما كان أصبره
على الفقر.
توفي في هذه السنة.
1113- عمرو بن شعيب [4] أبو داود الجعفري، وجفر موضع.
أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأنا الحسن بن أحمد قَالَ: أخبرنا أبو محمد
الخلال قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو بكر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن غالب قَالَ: قرأت على أبي
بكر محمد بن أحمد بن جعفر القاضي، حدثكم محمد بن العباس المستملي
قَالَ: حدثنا أبو بكر/ المروزي قَالَ: سمعت أحمد بن حنبل يَقُولُ: رأيت
أبا داود الجفري وعليه جبة مخرقة قد خرج القطن منها يصلي بين المغرب
والعشاء وهو يترجج من الجوع، وبلغني عن عباس الدُّوري [5] قَالَ: لو
رأيت أبا داود لرأيت رجلا كأنه أطلع على النار فرأى ما فيها.
أسند أبو داود عن الثوري وغيره.
وتوفي في هذه السنة.
1114- علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب- عليهم السلام- أبو الحسن الرضي
[6] .
سَمِعَ أَبَاهُ، وعمومته، وغيرهم، وكان يفتي في مسجد رسول الله صلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم وهو ابن نيف
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 442- 444.
[2] في ت: «مع مالك» .
[3] من أول: «كان صاحب ... » حتى «..... في الحديث» ساقط من ت.
[4] في ت: «بن سعد» .
[5] في الأصل: «المروزي» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ الطبري 10/ 251. واليعقوبي 3/ 180. ووفيات
الأعيان 1/ 321.
(10/119)
وعشرين سنة، وكان المأمون قد أمر بإشخاصه
من المدينة، فلما قدم نيسابور [خرج] [1] وهو في عماريه على بغلة شهباء
فخرج علماء البلد في طلبه [مثل] [2] يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه،
ومحمد بن رافع [3] ، وأحمد بن حرب، وغيرهم. فأقام بها مدة، والمأمون
بمرو إلى أن أمر [4] بأخراجه إليه، وجعله ولي عهده على ما سبق ذكره،
فلما رأوا أن الخلافة قد خرجت إلى أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه
سقوا علي بن موسى.
فتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباذ في رمضان هذه السنة.
فقال الصولي: ومدحه أبو نواس فَقَالَ [5] :
قيل لي أنت واحد الناس في كل ... ل كلام من المقال بديه
لك في جوهر الكلام بديع ... يثمر الدر في يدي مجتنيه/
فعلى من تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أهتدي لمدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه
1115- محمد بن بكر، أبو عثمان [6] ، وقيل: أبو عبد الله البصري
البرساني، وبرسان من الأزد
[7] .
سمع ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وشُعْبة. وقدم بغداد وحدث بها فروى
عنه أَحْمَد بْن حنبل، ويحيى بْن معين، وغيرهما. وقال يحيى: كان ثقة
ظريفا.
وتوفي بالبصرة في ذي الحجة من هذه السنة وقيل: في سنة أربع.
1116- محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،
أَبُو جعفر [1] ، ويعرف: بالديباج لقب به لحسن وجهه، وهو أخو إسحاق
وموسى وعلي بن جعفر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «محمد بن نافع» .
[4] في ت: «إلى وتأمر بإخراجه» .
[5] أبيات أبي نواس في منهاج السنة 2/ 125. مع بعض التغيير، وهي ليست
موجودة في الديوان.
[6] في الأصل: «بن «عمم» من دون نقط.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 91.
(10/120)
[2] .
حدث عن أبيه، روى عنه جماعة وكان محمد قد خرج بمكة في أيام المأمون،
ودعا إلى نفسه فبايعه أهل الحجاز وتهامة بالخلافة يوم الجمعة لثلاث
خلون من ربيع الآخر سنة مائتين، فلم يزل يسلم [3] عليه بالخلافة منذ
بويع [4] إلى يوم الثلاثاء خامس جمادى الأول [5] .
فحج بالناس المعتصم، وبعث إليه من حاربه وقبض عليه، وأورده بغداد في
صحبته، والمأمون إذ ذاك بخراسان، فوجه به إليه، فعفا عنه، ولم يمكث إلا
يسيرا حتى توفي عنده، فقيل إنّه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم واحد،
فكان سبب موته.
أخبرنا [عبد الرحمن] القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن على بن] [6] ثابت
قال:
أخبرنا الحسن بن أَبِي بَكْر قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بْن يحيى/
بْن الْحَسَن العلوي قَالَ: حدثنا جدي قَالَ: كَانَ محمد بن جعفر شجاعا
عاقلا فاضلا، وكان يصوم يوما. ويفطر يوما، وكانت زوجته خديجة ابنة عبد
اللَّه بن الحسين تَقُولُ: ما خرج من عندنا في ثوب قط فرجع حتى يكسوه
[7] .
قَالَ أبو مُحَمَّد: وحدثنا جدي قَالَ: حدثنا داود بن المبارك قَالَ:
توفي محمد بن جعفر بخراسان مع المأمون، فركب المأمون لشهوده حتى دخل به
القبر فلم يزل فيه حتى بنى عليه، ثم خرج فقام على القبر فدعا له [8]
عبد الله وقَالَ [9] : يا أمير المؤمنين، إنك قد تعبت فلو ركبت فقال له
المأمون: هذه رحم قطعت من مائتي سنة.
__________
[1] «أبو جعفر» ساقطة من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 135.
[3] «يسلم» ساقطة من ت.
[4] «منذ بويع» ساقطة من ت.
[5] «خامس جمادى الأول» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] لم أجده في تاريخ بغداد المطبوع.
[8] في ت: «فقام على القبر فقال عبد الله» .
[9] «وقال» ساقطة من ت.
(10/121)
1117- مصعب بن المقدام، أبو عبد الله
الخثعمي الكوفي
[1] .
سمع مسعرا، وسفيان الثَّورِي، روى عنه: أبو كريب، وابن راهويه، وكان
ثقة [صدوقا] [2] .
توفي في هذه السنة.
1118- النضر بن شميل، أبو الحسن المازني المروزي
[3] .
سكن مرو، وسمع من ابن عون، وعوف، وشعبة، وغيرهم. وكان راوية للشعر، وله
المعرفة بالنحو واللغة وأيام النَّاسَ.
توفي بخراسان [في هذه السنة] [4] .
أخبرنا ابن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ
بْنُ علي بن ميمون قال: أخبرنا عبد الله بن محمد العلوي وأبو الفرج
محمد بن أحمد بن علان الشاهد قالا: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد
اللَّهِ مُحَمَّد بْن عبد الله الهرواني قَالَ: وحدثني أبو القاسم
الحسن بن محمد السكوني قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي
قَالَ: وحدثني الزبير بن بكار قَالَ: حَدَّثَني النضر بن شميل قَالَ:
دخلت على المأمون بمرو وعلي أطمار مرعبله؟ [5] فقال لي: يا نضر/ تدخل
عَلَى أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب، فقلت: يا أمير المؤمنين إن حر
مرو لا يدفع إلّا بمثل هذه الأخلاق فقال: لا ولكنك متقشف، فتجارينا
الحديث، فقال المأمون: حَدَّثَنِي هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ
مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابن عباس قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا تَزَوَّجَ
الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادٌ
مِنْ عِوَزٍ» [قُلْتُ: صَدَقَ فُوكَ عَنْ هُشَيْمٍ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، حَدَّثَنِي عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ عَنِ الْحَسَنِ
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا
تَزَوَّجَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا كَانَ
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 110.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/ 437- 438.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] هكذا بالأصل.
(10/122)
فِي ذَلِكَ سَدَادٌ مِنْ عِوَزٍ» . وكان
المأمون متكئا] [1] فاستوى المأمون [2] جالسا وقَالَ:
السداد لحن يا نضر، قُلْتُ: نعم ها هنا، وإنما لحن هشيم وكان لحانة،
فَقَالَ: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد [3] في الدين والسبيل.
والسداد: البلغة، وكلما سددت به شيئا فهو سداد قَالَ: فتعرف العرب
ذَلِكَ، قُلْتُ: نعم، هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان يَقُولُ:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... اليوم كريهه وسداد ثغر
قَالَ: فأطرق المأمون مليا ثم قَالَ: قبح الله من لا أدب له، ثم قَالَ:
أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب، قُلْتُ: قول ابن بيض يا أمير المؤمنين
[4] في الحكم بن مروان:
تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوما فلم أقم
أي الوجوه انتجعت قلت لها ... وأي وجه إلا إلى الحكم
متى يقل حاجبا سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... فهات ادخل أعطى سلمي
قال المأمون للَّه درك لكأنما شق لك عن قلبي أنشدني/ أنصف بيت قالته
العرب، قلت قول ابن أبي عروبة [المديني] [5] :
إني وإن كان ابن عمي غائبا ... لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان أمرأ ... متزحزحا في أرضه وسمائه
وأكون واري سره فأصونه ... حتى يحن علي وقت أدائه [6]
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قربت صحيحهما إلى جريان [7]
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأضفناه من ت.
[2] «المأمون» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الفقه» .
[4] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ت: «أدانه» .
[7] في ت: «حريانه» .
(10/123)
وإذا دعى باسمي لأركب مركبا ... صعبا قعدت
[1] له على سيسائه
وإذا أتى من وجهه بطريقه ... لم أطلع مما وراء خبائه
وإذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل ... يا ليت أن علي فضل ردائه
قَالَ: أحسنت يا نضر، أنشدني الآن أقنع بيت للعرب، فأنشدته قول ابن
عبدل [2] :
إني امرؤ لم أزل وذاك من ... الله أديب أعلم الأدبا
أقيم بالدار ما أطمأنت بي الدار ... وإن كنت نازحا طربا
لا أجتري خلة الصديق ولا ... أنفع نفسي شيئا إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكرام من الر ... زق بنفسي وأجمل الطلبا
وأحلب الترة الصفي ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا
/ إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبته في صنيعه رغبا
والعبد لا يطلب الفلاة ولا ... يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن مشيا إلا إذا ضربا
ولم أجد عروة الخلائق إلا ... الدين إذ اخترت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد [3] لعيس رجلا ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية و ... الرحل ومن لا يزال مغتربا
قَالَ: أحسنت ما شئت يا نضر فعندك ضد هذا، قلت: نعم أحسن منه قَالَ:
هات، فأنشدته:
يد المعروف غيم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور
قَالَ: أحسنت يا نضر، فكتب شيئا لا أدري ما هُوَ [4] ، ثم قَالَ: كيف
تقول [5] :
__________
[1] في ت: «بلغت» .
[2] «قول ابن عبدك» ساقطة من ت.
[3] في ت: «ولا شد» .
[4] في ت: «ما كتب» .
[5] في ت: «كيف تأمر» .
(10/124)
أفعل من [1] التراب [2] ؟ قلت: أترب قَالَ:
والطين [3] ، قلت: أطين [4] ، قَالَ: والكتاب ماذا؟ قُلْتُ: مترب
ومطين. قال هذه أحسن من الأولى، وكتب لي بخمسين ألف درهم، ثم أمر
الخادم أن يأتي به الفضل بن سهل ومضيت معه [فلما قرأ الكتاب] [5]
قَالَ: لحنت أمير المؤمنين [يا نضر] [6] قُلْتُ: كلا ولكن هشيما لحانه.
فأمر لي بثلاثين ألف درهم [7] ، فخرجت إلى منزلي بثمانين ألف درهم.
__________
[1] «افعل من» ساقطة من ت.
[2] في ت: «من بأتراب» .
[3] في ت: «أترب الكتاب قال ممن الطين» .
[4] في ت: «واطن» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] «درهم» ساقط من ت.
(10/125)
ثم دخلت سنة أربع
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
قدوم المأمون العراق وانقطاع مواد الفتن/ من بغداد. وكان المأمون لما
توجه إلى العراق خلف غسان [1] بن عباد، فولى أحمد بن أسد الساماني [2]
فرغانة وأخاه نوح بن أسد سمرقند، وأخاه يحيى بن أسد: الشاس [3]
وأشروسنة، وأخاهم [4] إلياس بن أسد هراة، وهؤلاء أولاد أسد بن سامان،
وكان سامان من أصحاب أبي مسلم لما ظهر بخراسان، ثم توفي وخلف ابنه
أسدا، ثم توفي فخلف هؤلاء وكان [5] أحمد أحسنهم سيرة، وكان المأمون [6]
في سفره قد أقام بجرجان شهرا، ثم قدم الري، فأقام أياما، ثم جعل يسير
فيقيم اليوم واليومين، فقال لَهُ أَحْمَد بن أبي خالد: يا أمير
المؤمنين، نقدم بغداد وليس معنا سوى خمسين ألف درهم [7] : فكيف حالنا
[8] إن هاج أمر!؟ فقال
__________
[1] في ت: «حساد» .
[2] «الساماني» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الساماني» .
[4] في ت: «وأخاه» .
[5] «توفي فخلف هؤلاء وكان» ساقطة من ت.
[6] «المأمون» ساقطة من ت.
[7] في ت: «ألفاهم» .
[8] في ت: «فكيف أمرنا» .
(10/126)
المأمون [1] : إنما نقدم على ظالم فلا
يتوقع [إلا عفونا، ومظلوم فيتوقع] [2] إنصافنا فمن كان لا ظالما ولا
مظلوما فبيته يسعه.
فلما وصل إلى النهروان وذلك يوم السبت أقام ثمانية أيام فخرج إليه أهل
بيته والقواد ووجوه الناس، وكان قد كتب إلى طاهر بن الحسين أن يوافيه
[3] ، بالنهروان، فلقيه بها ثم دخل بغداد يوم السبت لأربع عشرة [ليلة]
[4] خلت [5] من صفر سنة أربع ومائتين بعد ارتفاع النهار، ولباسه ولباس
أصحابه قلانسهم وأعلامهم كلها الخضرة، ولبس أهل بغداد/ وبنو هاشم كلهم
الخضرة وكانوا يخرقون كل شيء يرونه من السواد، فلما قدم نزل [6]
الرصافة، وأمر طاهرا بنزول الخيزرانية مع أصحابه، ثم تحول ونزل قصره
على شاطئ دجلة، وقيل: بل أقام بالرصافة حتى بنى منازل على شاطئ دجلة
عند قصره الأول في بستان مُوسَى، وأمر القواد بالإقامة في العسكر
فكانوا يختلفون إلى دار المأمون كل يوم، فلما مضت ثمانية أيام تكلم بنو
هاشم وولد العباس خاصة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، تركت لباس أهل بيتك.
وكان المأمون قد أمر طاهر بن الحسين أن يسأله حوائجه، فكان أول ما سأله
أن يطرح لباس الخضرة ويرجع إلى لباس السواد وزي دولة الآباء، فلما رأى
كراهية الناس للخضرة، دعا بسواد [7] فلبسه، ودعى بخلعة سواد فألبسها
طاهرا، ثم دعا قواده فألبسهم أقبية وقلانس سودا وطرح لباس الخضرة، وذلك
يوم السبت لسبع بقين من صفر، فلم يلبس الخضرة ببغداد إلا ثمانية أيام
[8] .
وروى الصولي: أن زينب بنت سليمان بن علي كلمت المأمون في ترك لباس
الخضرة، والإضراب عما فعل من تولية أولاد علي عليه السلام فقال [لها]
[9] : إن أبا
__________
[1] في الأصل: «فقال الناس» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «يرافيه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «بقيت» .
[6] في ت: «قدم» .
[7] من أول: «وزي الدولة ... » حتى « ... دعا بسواد» ساقط من ت.
[8] انظر: تاريخ الطبري 8/ 574- 575.
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(10/127)
بكر تولى فما ولى أحدا من بني هاشم، ثم عمر
كذلك، ثم عثمان، فأقبل على بني عبد شمس وترك غيرهم، ثم ولي علي بن أبي
طالب، فولى عبد الله بن العباس البصرة، وعبيد الله اليمن ومعبدا مكة،
وقثما البحرين ما ترك منا أحدا إلا ولاه، وكانت هذه/ في أعناقنا
فكافئيه بما فعل قَالَ: وقال المأمون:
ألام على شكر الوصي أبي الحسن ... وذلك عندي من عجائب ذا الزمن
خليفة خير الناس والأول الذي ... أعان رسول الله في السر والعلن
ولولاه ما عدت لهاشم إمرة ... وكانت على الأيام تعصى وتمتهن
فولى بني العباس ما اختص غيرهم ... ومن منه أولى بالتكرم والمنن
فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى ... وفاض عبيد الله جودا على اليمن
وقسم عمال الخلافة بينهم ... فلا زلت مربوطا [1] بذا الشكر مرتهن
أخبرنا [أبو] [2] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بْن علي بْن
ثابت الخطيب [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن [4] الجازري قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بن زكريا قال:
أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: أخبرنا محمد بن زكريا الغلابي [5]
قَالَ: أخبرنا أبو [6] سهل الرازي، قَالَ: لما دخل المأمون بغداد تلقاه
أهلها فقال له رجل/ من الموالي: يا أمير المؤمنين، بارك الله لك في
مقدمك [7] ، وزاد في نعمك وشكرك عن رعيتك فقد فقت من قبلك، وأتعبت من
بعدك، وآيست أن يعتاض عنك، لأنه لم يكن مثلك، ولا علم شبهك أما فيمن
مضى فلا يعرفونه، وأما فيمن بقي فلا يرتجونه فهم بين دعاء لك، وثناء
عليك، وتمسك بك، أخصب لهم جنابك،
__________
[1] في ت: «مضبوطا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «الخطيب» ساقطة من ت.
[4] في الأصل: «الحصين» .
[5] في ت: «العلامي» .
[6] في الأصل: «ابن سهل» .
[7] في ت: «بارك مقدمك وزاد ... » .
(10/128)
واحلولي [1] لهم ثوابك، وكرمت مقدرتك،
وحسنت أثرتك، فجبرت الفقير وفككت الأسير، فأنت كما قال الشاعر:
ما زلت في البذل للنوال ... وإطلاق لعان بحرمه علق
حتى تمنى البراء أنهم ... عندك أمسوا في القيد والحلق
فقال [له] [2] المأمون: مثلك يعيب من لا يصطنعه، ويعز من يجهل قدره،
فاعذرني في سالفك، فإنك ستجدنا في مستأنفك [3] .
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أخبرنا ثابت بن بندار قَالَ: أخبرنا عبد الوهاب
بن علي الملحمي قَالَ: حدثنا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا
الحسين بْن القاسم الكركي قَالَ:
حدثني أبو جعفر محمد بن القاسم بن مهرويه قَالَ: حدثني حسن بن الربيع،
عن أبيه، ربيع بن حباب مولى الرشيد قَالَ: لما دخل المأمون بغداد دخلت
عليه زبيدة أم جعفر فقالت: الحمد للَّه الّذي لقبك بخلافة قد هنئت بها
عنك قبل أن أراك [4] ولئن كنت فقدت ابنا خليفة لقد اعتضت ابنا خليفة
[5] وما خسر من/ اعتاض مثلك، وما ثكلت [6] أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل
الله أجرا على ما أخذ وإمتاعا بما وهب. فقال المأمون:
ما تلد النساء مثل هذه، ماذا أبقت في هذا الكلام لبلغاء الرجال.
وروى الصولي: أنه لما قدم المأمون بغداد من خراسان كتبت إليه أم جعفر
بشعر عمله بعض [7] شعرائها وهو:
لخير إمام قام من خير عنصر ... وأفضل راق كان أعواد منبر
ووارث علم الأولين وملكهم ... وللملك المأمون من أم جعفر
__________
[1] هكذا بالأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 186- 187.
[4] من أول: «الّذي لقيك ... » حتى « ... أن أراك» ساقط من ت.
[5] «لقد اعتضت ابنا خليفة» ساقطة من ت.
[6] في ت: «وما ملكت» .
[7] «بشعر عمله بعض» ساقطة من ت.
(10/129)
كتبت وعيني تستهل دموعها ... إليك ابن عمي
من جفوني ومحجري
أصبت بأدنى الناس منك قرابة ... ومن هو لي زوج فعيل تصبري
أبى طاهر لا طهر الله طاهرا ... فما طاهر في فعله بمطهر
فأبرزني مكشوفة الوجه حاسرا ... وأنهب أموالي وأحرق آدري
وعز على هارون ما قد لقيته ... وما مر بي من ناقص الخلق أعور
تذكر أمير المؤمنين قرابتي ... فديتك من ذي قربة متذكر
فإن يك ما أسدي لأمر أمرته ... صبرت لأمر من قدير مقدر
وإن تكن الأخرى فغير مدافع ... إليك أمير المؤمنين فغبر
فلما قرأ الأبيات بكى وقَالَ: أنا والله طالب بثأر [1] أخي، قتل الله
قتلته [2] وكتب إليها في ظهر رقعتها:
يعز علي ما لاقيت فيه ... وأنت الأم خير الأمهات
ولم أرض الذي فعلوا إليه ... من القتل المخالف والشتات
أمرت بأخذ هذا الأمر منه ... وقبض يديه عن تلك الهنات [3] /
وإني مثله لك فاعلميه ... على ما كان ما بقيت حياتي
وثأري بعد ثأر الله فيه ... سيذهب بالجبابرة العتاة
بنى لك جعفر بيتا منيعا ... وشيده بأعلى المكرمات
أمير المؤمنين ورثت حقا ... وأنت أميرة للمؤمنات
ثم عبر [4] إليها فعزاها، وأكثر البكاء معها، فقالت: يا أمير المؤمنين:
إن دواء دائي وباب مسألتي في غدائك اليوم [5] عندي، فأقام وقعد، فأخرجت
إليه من جواري محمد من تغنيه وسألته [6] أن يأخذ منهن من يرتضيه، فغنت
واحدة:
__________
[1] في ت: «المطالب بثأر» .
[2] في ت: «قاتله» .
[3] هذا البيت ساقط من ت.
[4] في الأصل: «ثم دخل» .
[5] «اليوم» ساقطة من ت.
[6] في ت: «وسألتهن» .
(10/130)
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت
يوما بكسرى مرازبه
فوثب مغضبا، فقالت زبيدة: يا أمير المؤمنين [1] ، حرمني الله أجره إن
كنت علمتها أو دسست إليها فصدقها وعجب من ذَلِكَ.
وفي هذه السنة: أمر المأمون بمقاسمة أهل السواد على الخمس، وكانوا
يقاسمون عَلَى النصف [2] .
وفيها: ولى المأمون أبا عيسى بن الرشيد البصرة، وولى عبيد الله بن
الحسن بن عبيد الله بْن العباس بن علي بن أبي طالب الحرمين، وهو الذي
حج بالناس في هذه السنة [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1119- أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم، أبو عمر العامري
[4] .
ولد سنة أربعين ومائة، وكان أحد فقهاء مصر، وذوي رأيها.
توفي في شعبان هذه السنة.
قال محمد بن عاصم المغافري/: رأيت في المنام قائلا يَقُولُ: يا
مُحَمَّد، فأجبته، فَقَالَ:
ذهب الذين يقال عند فراقهم ... ليت البلاد بأهلها تتصدع
وكان أشهب مريضا، فقلت: ما أخوفني أن يموت أشهب. فمات من مرضه ذَلِكَ.
__________
[1] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 576.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 576.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 80.
(10/131)
1120- بهلول بن حسان بن سنان، أبو الهيثم
التنوخي
[1] .
من أهل الأنبار، سمع ببغداد، والبصرة، والكوفة، ومكة، والمدينة، وحدث
عَن شيبان بن عَبْد الرَّحْمَن، وورقاء بن عمر، والفرج بن فضالة
وإسماعيل بن عياش، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وحماد بن سَلَمَة،
وهشيم، وغيرهم وكذا حدث [2] عَن مالك، وابن عُيَيْنَة.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ] [3]
الخطيب قَالَ:
حدثني عَلي بْن أَبِي عليّ، عن أحمد بن يوسف الأزرق قَالَ: أخبرني عمي
البهلول بن إسحاق بن البهلول قَالَ: كَانَ جدي البهلول بن حسان قد طلب
الأخبار، واللغة، والشعر، وأيام الناس، والتفسير، والسير، فأكثر من
ذَلِكَ.
ثم تزهد إلى أن مات بالأنبار سنة أربع ومائتين [4] .
1121- الحسن بن زياد، أبو علي اللؤلؤي
[5] .
أحد أصحاب أبي حنيفة، حدث عنه فروى عَنْه ابن سماعة، ومحمد بن شجاع
البلخي، وولي القضاء بعد حفص بن غياث، وكان إذا جاءه خصمان لم يدر كيف
يحكم، فإذا ذهبا عرف الحكم [6] ولم يوفق في القضاء، وكان يحكى عنه قلة
دين.
قال يحيى بن مَعِين: هو كذاب خبيث، وقال أبو ثور: ما رأيت أكذب منه،
قال الدارقطنيّ: متروك توفي في هذه السنة/.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 108، 109.
[2] «وغيرهم وكذا حدث» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 109.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 341.
[6] «إذا جاءه خصمان لم يدر كيف يحكم فإذا ذهبا عرف الحكم» هذه العبارة
جاءت في النسخة ت في آخر الفقرة.
(10/132)
1122- سليمان بن داود بن الجارود [أبو
الوليد [1] الطيالسي مولى قريش [2] .
وأصله فارسي، سكن البصرة، وحدث عَن شعبة والثوري، وخلق كثير، وروى عنه:
أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وجماعة.
وكان حافظا مكثرا ثبتا، كتبوا عنه أربعين ألف حديث، وليس معه كتاب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا حمزة
بن محمد بن طاهر [3] قال: أخبرنا الوليد بن بكر قَالَ: أخبرنا علي بن
أحمد [4] بن زكريّا قَالَ: أخبرنا أَبُو مسلم [5] صالح بن أحمد العجْلي
قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: أبو داود الطيالسي بصري ثقة، وكان كثير
الحفظ، وكان قد شرب البلاذر هو وعبد الرحمن بن مهدي، فجذم أبو داود،
وبرص عبد الرَّحْمَن فحفظ أبو داود أربعين ألف حديث، وحفظ عبد الرحمن
عشرة آلاف حديث [6] .
توفي أبو داود في صفر هذه السنة، وقيل في ربيع الأول وهو ابن اثنتين
وسبعين سنة. وقيل: في سنة ثلاث.
1123- لهيعة بن عيسى بن لهيعة، أبو عقبة [7] الحضرمي.
يروي عن عمه عبد الله بن لهيعة، وكان قاضي مصر.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة.
1124- محمد بن عبيد بن أبي أمية- واسمه عبد الرحمن- ويكنى محمد أبا عبد
الله الإيادي الطنافسي الكوفي [8] .
ولد سنة سبع وعشرين ومائة، وسمع هشام بن عروة، ومحمد بن إسحاق،
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 24- 29.
[3] «بن طاهر» ساقطة من ت.
[4] «بن أحمد» ساقطة من ت.
[5] «أبو» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 26.
[7] في ت: «أبو عكرمة» .
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 365.
(10/133)
والأعمش، وغيرهم. نزل بغداد دهرا، ثم رجع
إلى الكوفة، فمات/ بها في هذه السنة وقيل: في سنة خمس. وقيل: في سنة
ثلاث.
[حدث عَنْه أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن راهويه، وخلق كثير] [1] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قَالَ: سمعت أبا الحسن
الدارَقُطْنيُّ يَقُولُ: يعلى، ومحمد، وعمر، وإدريس، وإبْرَاهِيم بنو
عبيد كلهم ثقات، وإبراهيم ثقة [وأبوهم ثقة] [2] .
1125- الإمام أبو عبد الله [3] محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن
شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بْن عَبْد مناف
بْن قصي بْن كلاب بْن مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، أبو عبد الله
[4] .
أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا [أحمد بْنُ عَلِيٍّ] [5]
الْخَطِيبُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيَّ
يَقُولُ: شَافِعُ بْنُ السَّائِبِ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ [6] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقِيَ النبي صلّى الله عليه
وسلّم وهو مرتوع، وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَإِنَّهُ كَانَ صاحب راية بني هاشم، فأسر وفدى نفسه، ثُمَّ أَسْلَمَ
فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لَمْ تُسْلِمْ قَبْلَ أَنْ تُفْتَدَى؟ فَقَالَ: مَا
كُنْتُ لأَحْرِمَ المؤمنين طعما لهم فِيَّ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ أْهَلِ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ
الشَّافِعِيَّ فَقَالَ: شَقِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في
نسبه، وشريكه في حسبه، لم ينل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
طَهَارَةً فِي مَوْلِدِهِ، وَفَضِيلَةً فِي آبَائِهِ إِلا وَهُوَ
قَسِيمَةُ فِيهَا إِلَى أَنِ افْتَرَقَا مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ،
فَزَوَّجَ الْمُطَّلِبُ ابْنَهُ هَاشِمًا الشَّفَا بِنْتَ/ هَاشِمِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ يَزِيدَ جَدَّ
الشَّافِعِيِّ، وَكَانَ يُقَالُ لِعَبْدِ يَزِيدَ الْمَحْضُ لا قَذًى
فِيهِ، فَقَدْ وَلَدَ الشافعيّ الهاشمان: هاشم بن المطلب،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «أبو عبد الله» ساقطة من ت.
[4] كتب في هامش الأصل: الإمام الشافعيّ رضي الله عنه. وانظر ترجمته
في: تاريخ بغداد 2/ 56- 73.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ت: «الشافعيّ إليه» .
(10/134)
وَهَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ.
وَالشَّافِعِيُّ ابْنُ عَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن
عَمَّتِهِ، لأَنَّ الْمُطَّلِبَ عَمُّ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالشَّفَا بِنْتَ هَاشِمٍ أُخْتُ عبد المطلب عمة
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، وَأَمَّا أُمُّ الشَّافِعِيِّ
فَهِيَ أَزْدِيَّةٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَزْدُ جُرْثُومَةُ الْعَرَبِ» [1] . ولد بغزة
من بلاد الشام، وقيل: باليمن، ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبمدينة
الرَّسُول صلَّى اللَّه عليه وسلم، وكان خفيف العارضين يخضب بالحناء،
وقدم بغداد مرتين وحدث بها، وسمي فيها ناصر الحديث، وخرج إلى مصر
فنزلها إلى حين وفاته.
وسمع من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز
الدراوَرْديّ، ومسلم بن خالد الزنجي، وخلق كثير.
وروى عنه أحمد بن حنبل وغيره من الأكابر [2] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو علي الحسن بن محمد بن شيظم قال: أخبرنا نصر بن مكيّ
قَالَ: حدثنا محمد بْن عبد الله بن عبد الحكم قال: قال لي محمد بن
إدريس الشافعي: ولدت بغزة سنة خمس، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين.
قَالَ: وأخبرني غيره، عن الشافعي قَالَ: لم يكن لي مال وكنت أطلب العلم
في الحداثة، أذهب/ إلى الدواوين أستوهب الظهور، أكتب فيها [3] .
وفي رواية عن الشافعي أنه قَالَ: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت
الموطأ، وأنا ابن عشر سنين [4] ، وما أفتيت حتى حفظت عشرة آلاف حديث،
وكان الشافعي في أول أمره قليل التلاوة للقرآن لاشتغاله بالعلم ثم أكثر
آخر عمره من القراءة.
فروى عنه الربيع أنه كان يختم في كل ليلة ختمة، وإذا كان رمضان ختم
ستين ختمة، وكان حسن الصوت، إذا سمعه الناس يتلو اشتد بكاؤهم، كان أول
أمره ينام ثلث الليل،
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 58.
[2] انظر تاريخ بغداد 2/ 56.
[3] انظر: تاريخ بغداد 2/ 59.
[4] انظر: تاريخ بغداد 2/ 63.
(10/135)
ويصلي ثلث الليل، ويطلب العلم ثلث الليل،
ثم صار يحيي الليل، وأفتى وله خمس عشرة سنة [1] .
كذلك أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا [أحمد بن على بن ثابت] [2]
الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا علي بن إبراهيم البيضاوي قَالَ:
حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود قَالَ: سمعت الربيع بن
سُلَيْمَان يَقُولُ:
كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.
وَذكر أَبُو بَكْرِ بْنُ بَدْرَانَ الْمَعْرُوفُ بِخَالوَيْهِ فِي
كِتَابِ «فْضَائِلِ الشَّافِعِيِّ» : عَنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ
الشَّافِعِيَّ كَانَ عِنْدَ مَالِكٍ وَعِنْدَهُ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ وَالزِّنْجِيُّ فَأَقْبَلَ رَجُلانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
أَنَا الرَّبِيع [3] الْقَمَارِيّ وَقَدْ بِعْتَ هَذَا قُمْرِيًّا،
وَحَلَفْتَ لَهُ بِالطَّلاقِ أَنَّهُ لا يَهْدَأُ مِنَ الصِّيَاحِ،
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ أَتَانِي فَقَالَ: قَدْ سَكَتَ فَرُدَّ
عَلَيَّ دَرَاهِمِي، وَقَدْ حَنِثْتَ، فَقَالَ مَالِكٌ: بَانَتْ مِنْكَ
امْرَأَتُكَ. فَمَرَّ [4] الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أردت
أنه لا يهدأ أبدا وأن كلامه أكثر من سكوته؟ فقال: قَدْ عَلِمْتُ
أَنَّهُ يَنَامُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ كَلامُهُ
أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِهِ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيْكَ امْرَأَتَكَ/
فَأَخْبَرَ مَالِكًا، فَقَالَ للشَّافِعِيِّ: مِنْ أَيْنَ؟
قُلْتَ؟ فَقَالَ: حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن مُعَاوِيَةَ وَأَبَا
جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ صُعْلُوكٌ، وَإِنَّ
أَبَا جَهْمٍ لا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَقَدْ كَانَ يَنَامُ
وَيَسْتَرِيحُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ كَلامُهُ عَلَى الأَغْلَبِ، فَعَجِبَ
مَالِكٌ فَقَالَ الزِّنْجِيُّ: أَفْتِ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَفْتِيَ.
وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [5] .
أخبرنا علي بن عبيد الله قَالَ: أنبأنا أبو محمد التميمي، عن عبد
الرحمن السَّلَميّ قَالَ: سمعت أحمد بن الحسين الأصفهاني يَقُولُ: سمعت
عبد الله بن محمد بن بشر [6] .
يَقُولُ: سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يَقُولُ: قال محمد بن إدريس
الشافعيّ
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 2/ 63.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أنا رجل الربيع» .
[4] في ت: «فتبعه» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 64.
[6] «يقول» : سمعت عبد الله بن محمد بن بشر» ساقطة من ت.
(10/136)
بمكة سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: ما تقول في المحرم قتل
زنبورا، فَقَالَ: قال الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 59: 7 [1] .
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ، عَنْ رَبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. «اقْتَدُوا
بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» . وَحَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مسلم، عن روق بْنِ شِهَابٍ،
عَنْ عُمَرَ:
أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الزُّنْبُورِ.
أخبرنا يحيى بن علي قَالَ: أخبرنا أبو بكر الخياط، قَالَ: أخبرنا الحسن
بن الحسين بن حمكان قَالَ: أخبرنا أبو بكر النقاش قَالَ: حدثنا أبو
نعيم الأستراباذي قَالَ:
حدثنا الربيع بْن سُلَيْمَان قَالَ: سمعت الشافعي يَقُولُ: أشد الأعمال
ثلاثة: الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا أبو محمد بن حيان/ قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا الربيع قَالَ: سمعت الشافعي
يَقُولُ: لوددت أن الخلق يتعلمون مني ولا ينسب إلي منه شيء. وسمعته
يَقُولُ: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
وفي رواية أخرى عنه: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ بل أحب أن يوفق
ويسدد، وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه.
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قَالَ:
أخبرنا ابن بُكَيْر قَالَ: حدثنا الحسين بن أحمد الصوفي قال: حدثنا أبو
بكر عبد الله بن محمد ابن زياد قَالَ: سمعت المُزَني يَقُولُ: سمعت
الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل
مقداره، ومن تعلم اللغة رق طبعه، ومن تعلّم الحساب
__________
[1] سورة: الحشر، الآية: 7.
(10/137)
جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن
لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ [الأَصْبَهَانِيُّ] [1] قَالَ: حَدَّثَنَا
محمد بن إبْرَاهِيم قَالَ: سمعت محمد بن عبد الرحيم بن عبد اللَّه يحكى
عن المُزَني قَالَ: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت كيف
أصبحت قَالَ: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، وكأس المنية
شاربا، ولسوء أعمالي ملاقيا، وعلى الله تعالى واردا، فلا أدري أروحي
تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم نزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
أخبرنا ابن ناصر قال: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن
قَالَ: حدثنا ابن أبي حاتم قَالَ: حدثنا الربيع قال:
توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الأخرة آخر يوم من رجب، ودفناه
يوم الجمعة، فانصرفنا فرأينا هلال شعبان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
إسماعيل بن علي الأستراباذي قَالَ: سمعت طاهر بن محمد البكري يَقُولُ:
حدثنا الحسن بن حبيب الدمشقي قَالَ: سَمِعْتُ الربيع بن سليمان
يَقُولُ: رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام فقلت: يا أبا عبد الله، ما
صنع الله بك؟ قَالَ: اجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب
[2] .
أخبرنا أبو ظفر بإسناد له، عن أبي بيان الأصفهاني يَقُولُ: رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، محمد بن إدريس
الشافعي ابن عمك، هل نفعته بشيء؟ أو خصصته بشيء؟ قَالَ: نعم، سألت الله
تعالى أن لا يحاسبه، فقلت: بماذا يا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 70.
(10/138)
رسول الله؟ قَالَ: إنه كان يصلي علي صلاة
لم يصل بمثل تلك الصلاة أحد، فقلت: وما تلك الصَّلاة؟ قَالَ: كان يصلي
علي اللَّهمّ صل على محمد كلما ذكره الذاكرون، وصل على محمد كلما غفل
عنه الغافلون.
كان أحمد بن حنبل كثير الثناء على الشافعي، قَالَ أبو سعيد القرماني:
قَالَ أحمد بْن حنبل: إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة سنة ما يعلمهم
السنن، وينفي عن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم الكذب. فنظرنا فإذا في
المائة عمر بن عبد العزيز في رأس المائتين/ الشافعي [1] .
وفي رواية: عن أحمد قَالَ: ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو إلى
الشافعي وأستغفر لَهُ، وقال له ابنه عبد اللَّه: يا أبه، أي رجل كان
الشافعي؟ فإني أسمعك تكثر من الدعاء لَهُ، قَالَ: يا بني، كان كالشمس
للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو منهما من عوض [2] .
وقال أحمد لإسحاق بن راهويه: تعالى حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك
مثله، فذهب بِهِ إلى الشافعي.
وقال صالح بن أَحْمَد: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن
معين ما رضيت إلّا أن تمشي مع بغلته، فَقَالَ: يا أبا زكريا، لو مشيت
من الجانب الآخر كان أنفع لك.
وقال أبو دَاوُد: ما رأيت أحمد يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي [3] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بإسناد لَهُ، عن نهشل بن كثير، عن أَبِيهِ
قَالَ: دخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد استأذن له عَلَيْهِ
فأقعده الخادم عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد، قال لَهُ: يا أبا
عبد الله، هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم، فلو أوصيته، فأقبل
على أبي عبد الصمد، فقال لَهُ: ليكن أول ما نبدأ به من
__________
[1] هذا الخبر غير موجود في النسخة ت وكذلك الأخبار التالية حتى آخر
الترجمة. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 62.
[2] هذا الخبر ساقط من ت. وكذلك كافة الأخبار التي تليه ساقطة من ت.
[3] هذا الخبر ساقط من ت.
(10/139)
إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك،
فإن أعينهم مغفورة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما
تستقبحه، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم
فيهجروه، ثم زدهم من الشعر أعفه/ ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجنهم من علم
إلى غيره حتى يتقنوه، فإن ازدحام الكلام في المسمع مصد للفهم [1] .
1126- هشام بن محمد بن السائب بن بشر، أبو المنذر الكلبي
[2] .
صاحب سمر ونسب [3] ، حدث عن أَبِيهِ، روى عَنْه ابنه، وخليفة بن خياط،
ومحمد بن سعد، وهو من أهل الكوفة، قدم بغداد، وحدث بها.
وكان أحمد يقول: ومن يحدث عنه إنما هو صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدا
حدثني [4] عَنْه.
أخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال:
أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال: أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ
قَالَ: حدثنا علي بن محمد بن الْجَهْمُ الكاتب قَالَ: أخبرنا أبو
العباس بن الفضل قَالَ: وحدثني محمد بن أبي السرى قَالَ: قال لي هشام
الكلبي: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسبت ما لم ينسبه أحد، كان لي عم
يعاتبني عَلَى حفظ القرآن، فدخلت بيتا وحلفت أن لا أخرج منه حتى أحفظ
القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام، ونظرت يوما في المرآة فقبضت على لحيتي
لآخذ ما زاد على القبضة، فأخذت ما فوق القبضة [5] .
توفي هشام في هذه السنة. وقيل: سنة ست.
__________
[1] هذا الخبر ساقط من ت.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 45- 46.
[3] في ت: «صاحب النسب» .
[4] في ت: «يحدث» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 45- 46.
(10/140)
ثم دخلت سنة خمس
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
تولية المأمون طاهر بن الحسين من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق.
ودخل طاهر عليه/ يوما فبكى المأمون فقال له طاهر: لم تبكي؟ لا أبكى
الله عينك، والله لقد دانت لك البلاد وأذعن لك العباد، فصرت إلى المحبة
في كل أمرك. فقال:
أبكي لأمر ذكره ذل، وستره حزن، ولن يخلو أحد من شجو، فلما خرج طاهر
أنفذ إلى حسين الخادم مائتي ألف درهم، وإلى كاتبه محمد بن هارون مائة
ألف درهم [1] ، وسأله أن يسأل المأمون لم بكى. فلما تغدى المأمون
قَالَ: يا حُسَين، اسقني [ماء] [2] .
قَالَ: لا والله لا أسقيك حتى تقول لي لم بكيت حين دخل عليك طاهر. قال:
يا حسين، وكيف عنيت بهذا حتى سألت عَنْه!؟ قال لغمي بذلك [3] قَالَ: يا
حسين، أمر إن خرج [من رأسك] [4] قتلتك قَالَ: يا سيدي، ومتى أخرجت لك
سرا؟ قَالَ: إني ذكرت محمدا أخي وما ناله من الذل، فخنقتني العبرة
فاستحرت إلى الإفاضة، ولن يفوت طاهر مني ما بكرة. قَالَ: فأخبر حسين
طاهرا بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد فقال
__________
[1] «درهم» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «بذلك» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/141)
لَهُ [1] : إن الثناء مني ليس برخيص، وإن
المعروف عندي ليس بضائع فغيبني عن عينه، فقال لَهُ: سأفعل وبكر علي غدا
[2] . وركب ابن أبي خالد إلى المأمون، فلما دخل قال ما نمت البارحة.
قال: ولم يحك؟ قَالَ: لأنك وليت غسان بن عباد خراسان، وهو ومن معه أكلة
رأس فأخاف أن يخرج عليه خارج من الترك فتصطلحه.
قال: فمن ترى؟ قال: طاهر بن الحسين فعقد له فشخص/ يوم الجمعة لليلة
بقيت من ذي القعدة من سنة خمس [3] .
وفي هذه السنة: ولى المأمون يحيى بن معاذ الجزيرة لما قدم عليه.
وولى عيسى بن محمد بن أبي خالد بلاد [4] أرمينية، وأذربيجان، ومحاربة
بابك.
وولى بشر بن داود مصر على أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم [5] .
وولى عيسى بن يزيد الجلوذي [6] محاربة الزط [7] .
وحج بالناس فِي هذه السنة عبيد الله بن الحسن والي الحرمين وقد تقدم
ذكره [8] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1127- إبراهيم بن عبد الله، أبو إسحاق الخفاف [9] مولى بخيت.
حدث عن عمران بن عبد الله بن بكير. توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] «له» ساقطة من ت.
[2] «وبكر على غدا» ساقطة من ت.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 577- 579.
[4] «بلاد» ساقطة من ت.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 580.
[6] في الأصل: «اليزيدي» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 580.
[8] انظر: تاريخ الطبري 8/ 580.
[9] من هنا حتى: « ... بن عبد الرحمن أبو إسحاق» ساقط من ت.
(10/142)
1128- إبراهيم بن إِسْحَاق بن إبراهيم بن
إِسْحَاق بن عبد الرحمن، أبو إسحاق [1] القارئ.
جمع له بمصر القضاء والقصص، وكان رجلا صالحا، حدث عن سعيد [2] بن
عُفَيْر.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
1129- داود بن يزيد عامل السند.
توفي في هذه السنة.
1130- روح بن عبادة بن العلاء بن حسان، أبو محمد القيسي
[3] .
سَمِعَ عبد الله بن عوف، وسعيد بن أبي عروبة، وابن جريج، والأوزاعي،
ومالك بن أنس، والثوري، وشعبة، والحمادين.
كان من أهل البصرة، ثم قدم بغداد فحدث بها، فروى عَنْه أحمد، وعلي،
وابن راهويه، والحسن بْن عرفة، وغيرهم، ثم انصرف إلى البصرة فمات بها/
في هذه السنة.
وكان كثير الحديث، وصنف الكتب في الأحكام والسنن، وجمع التفسير، وكان
ثقة.
1131- السري بن الحكم، عامل مصر:
توفي [4] بها في هذه السنة.
1132- شجاع بن مخلد [5] أبو الفضل البغوي
[6] .
ولد سنة خمس ومائة سكن بغداد وحدث بها عَن هشيم، وابن علية، وابن
عيينة، ووكيع، وأبي عاصم الفضل.
روى عنه: إبراهيم الحربي، والبغوي، وقال يحيى: هو ثقة.
[توفي في هذه السنة، ودفن في مقبرة باب التين] [7] .
__________
[1] انظر ترجمته في.
[2] في الأصل: «شعبة» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 401.
[4] في ت: «ومات» .
[5] في ت: «شجاع بن محمد» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 251.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(10/143)
1133- شجاع بْن الوليد بْن قيس، أبو بدر
السكوني الكوفي.
سكن بغداد، وحدث عن عطاء بن السائب، والأعمش، وغيرهم.
روى عَنْه: يحيى بن مَعِين [1] ، وأحمد بن حنبل، وابن المَدِيني،
وغيرهم، وكان ثقة.
وقال سفيان الثَّورِي: ليس بالكوفة أعبد من شجاع بن الوليد.
توفي في هذه السنة. وقيل: سنة أربع. وقيل: [سنة] [2] ثلاث.
1134- عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام، أبو محمد الدارمي،
السمرقندي
[3] ولد سنة إحدى وثمانين ومائة.
وسمع بخراسان من عثمان بن جبلة، ومحمد بن سلام، وطبقتهما.
وبالعراق من عبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، وروح [وعبدان وطبقتهم] [4]
.
وبمصر من سعيد بن أبي مريم، وأبي صالح، وطبقتهما.
وبالحجاز من الحميدي، وابن أبي أويس، وطبقتهما.
وبالشام من محمد بن يوسف الفريابي، وأبي اليمان، وأبي مسهر، وطبقتهم.
روى عنه: محمد بن يحيى الذهلي [5] ، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم،
ومسلم بن حَجَّاج في الصحيح، وكان أحمد بن حنبل يثني عليه ويقول: ذلك
السيد عرض علي الكفر فلم يقبل [6] ، وعرضت عَلَيْهِ الدنيا- يعني
القضاء فلم يقبل، فألح عليه السلطان في القضاء. فجلس فقضى قضية واحدة
ثم استعفى، وكان رحمه الله
__________
[1] في ت: «أحمد بن حنبل ويحيى بن معين» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 29- 32.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ت: «الديمي» .
[6] في تاريخ بغداد: «ذاك السيد عرض عليّ الكفر فلم أقبل» .
(10/144)
على غاية من الفضل والديانة، والرواية [1]
، والزهد، والعفاف. وله مصنفات كثيرة من التفسير وغيره، وله المسند
حدثنا به أبو الوقت [2] .
وتوفي في يوم التروية أو يوم عرفة من هذه السنة.
1135- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عطية، أبو سليمان الداراني [3]
من أهل داريا.
وهي ضيعة إلى جانب [4] دمشق [5] .
جالس سفيان الثَّورِي، وغيره، وكان من كبار الصالحين.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [قال: أخبرنا أحمد بن علي] [6] بن ثابت قال
أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ قَالَ
أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا إِسْحَاق بن إبراهيم بْن أبي
حسان [7] الأنماطي قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال:
سمعت أبا سليمان [الداراني] [8] يَقُولُ سمعت أبا جعفر يبكي في خطبته
يوم الجمعة فاستقلني [9] الغضب وحضرتني نيّة أن أقوم فأعظه بما أعرف من
فعله إذا نزل. قَالَ:
فتفكرت أن أقوم إلى خلفه فأعظه والناس جلوس يرمقوني بأبصارهم فيعرض لي
فيأمر بي فأقتل على غير تصحيح، فجلست وسكت [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا
القاسم/ [11]
__________
[1] في ت: «والرزانة» .
[2] «حدثنا به أبو الوقت» ساقطة من ت.
[3] في ت: «الداراي» .
[4] في ت: «إلى جنب» .
[5] انظر: تاريخ بغداد 10/ 248- 250.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] في ت: «بن أبي حيان» .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[9] في ت: «فاستعفى» .
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 249.
[11] في ت: «أبو القاسم» .
(10/145)
عبد الرحمن بن عبد الله [1] بن محمد الحربي
[2] قَالَ أخبرنا أحمد بن سليمان [3] النجاد قَالَ حَدَّثَنَا أبو
إسحاق إبراهيم الأنماطي قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال:
سمعت أبا سليمان يَقُولُ: لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا [ولا
أحب البقاء في الدنيا] لتشقيق الأنهار ولا لغرس الأشجار [4] .
مات أبو سليمان [5] في هذه السنة [6] وقيل: في سنة خمس عشرة، ولا يصح.
1136- نمير الكوفي المجنون.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال
أخبرنا أبو محمد الجوهري قَالَ حدثنا أبو عبد الله المرزباني قَالَ
أخبرنا محمد بن مخلد العطار قال: حدثنا العباس بن محمد بن عبد الرحمن
الأشهلي قَالَ: حدثني أبي، عن ابن نمير قَالَ:
كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير، وكان من فتاك أهل الكوفة،
وكان [7] قد سمع سماعا حسنا، وكان حسن الطهور، حسن الصلاة، يراعي الشمس
للزوال، فعرض له فذهب عقله، وكان لا يأويه سقف بيت، إذا كان النهار فهو
في الجبانة، وإذا كان الليل ففي السطح قائما على رجليه [8] في البرد
والمطر والريح، فنزل يوما يريد المقابر، فقلت: يا نمير، تنام؟ قَالَ:
لا. قلت: أي [شيء] [9] العلة التي تمنعك [من] [10] النوم؟ قَالَ: هذا
البلاء الّذي تراه قلت: يا نمير، أما تخاف الله عز
__________
[1] «بن عبد الله» ساقطة من ت.
[2] «الحربي» ساقطة من ت.
[3] في ت: «إسحاق بن سليمان» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 249- 250.
[5] في ت: «مات سليمان» .
[6] في ت: «وقد قيل» .
[7] «وكان» ساقطة من ت.
[8] في ت: «على رهينة» .
[9] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(10/146)
وجلَّ؟ قَالَ: بلى. وقال: أليس أشد الناس
بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل!؟ قَالَ: قلت [لَهُ] [1] : أنت أعلم
مني، قَالَ: كلام مضى. قَالَ: وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم على
السطح/ [2] ، وأمه قائمة تبكي. فقلت يا نمير بقي منك شيء لم ننكره؟
قَالَ: نعم. قلت:
ما هُوَ؟ قَالَ: حب الله عز وجل، وحب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَليْه
وَسَلَّمَ. قال: وصعدت [إليه] [3] ليلة في رمضان فقلت لَهُ: يا نمير،
لم أفطر [4] . قَالَ: ولم؟. قلت: أحب أن تراك أختي تأكل معي قَالَ:
أفعل. قَالَ: فأصعد إلينا السطح طعام. فجعل يأكل معي حتى فرغت وفرغ،
فلما أردت أن أقوم [5] رحمته من أن يراني موليا وهو في الظلمة [والريح.
فبكيت فَقَالَ:
ويحك رحمك الله. قلت لَهُ: كيف أنزل إلى الكن والضوء وأدعك في الظلمة/
[6] والبرد فغضب وقال: إن لي ربا هو أرحم بي منك وأعلم بما يصلحني،
فدعه يصرفني كيف شاء فإني لا أتهمه في قضائه. فقلت لَهُ: لئن كنت في
ظلمة الليل فإن جدك في ظلمة اللحد أريد أن أعزيه وأطيب نفسه. فقال لي:
أجعل روح رجل صالح مثل روح رجل متلون. ثم قال لي: أتاني البارحة أبي
وأبوك عبد الله بن نمير، فوقف، ثم أشار إلى موضع كان أبي يصلي فيه فقال
لي: يا نمير أما أنك ستأتينا يوم الجمعة شهيدا.
قَالَ: فدعوت أمه فصعدت إلي فأخبرتها، بما قَالَ: فقالت: والله ما جربت
[7] عليه كذبا ولا هذا مما يتحدث [8] بِهِ، ولا قال إلا حقا، وقال هذه
المقالة عشية الأربعاء فجعلنا نتعجب ونقول غدا الخميس وبعد غد الجمعة
فهبه مرض غدا ومات [9] بعد غد، فأين الشهادة؟ فلما كان ليلة الجمعة في
وسط الليل سمعنا هذه، فإذا هو قد هاج به ما كان يهيج فبادر الدرجة فزلت
قدمه، فسقط منها، فاندقت عنقه فحفرت له إلى/ جنب أبي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «في السطح» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ت: «لم أحضر» .
[5] في ت: «فلما أردت النزول» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «فقالت: ما جربت» .
[8] في ت: «مما يتكلم» .
[9] في ت: «غدا نموت» .
(10/147)
ودفنته وانكببت على قبر أَبِي فقلت: يا أبي
قد أتاك نمير وجاورك، فو الله ما قلت هذه المقالة إلا لما كان في قلبي
من الغم، ثم انصرفت، فلما كان الليل رأيت أبي في النوم كأنه قد دخل علي
من باب البيت فقال لي: يا بني، جزاك الله خيرا الذي جاورتني [1] بنمير،
اعلم أنه منذ أتيتنا [2] به إلى أن جئتك تزوج بالحور [3] .
__________
[1] في ت: «جزاك الله خيرا آنستني» .
[2] في ت: «أتيتمونا» .
[3] في ت: «بالجوون» .
(10/148)
ثم دخلت سنة ست
ومائتين
فمن الحوادث فيها المد الذي غرق منه السواد وكسكر [1] وقطيعة أم جعفر،
وقطيعة العباس فذهبت غلات كثيرة، وامتلأت الآبار، وفسد الزرع [2] ،
ووقع الجراد واليرقان [3] .
وفيها: ولى المأمون عبد الله بن طاهر الرقة لحرب نصر بن شبث، ومضر،
وذلك أن المأمون دعا عبد الله بن طاهر في رمضان سنة ست- وقيل: سنة خمس،
وقيل: سنة سبع- فقال: يا عبد الله، إني أستخير الله عز وجل منذ شهر،
وأرجو [4] أن يخير الله لي، وقد رأيت الرجل يصف ابنه ليطريه لرأيه فيه،
وليرفعه، ورأيتك فوق ما قال أبوك فيك، وقد مات يحيى بن معاذ، واستخلف
الله [أحمد بن] يحيى [5] ، وليس بشيء، وقد رأيت توليتك مضر ومحاربة [6]
نصر بن شبث، فَقَالَ: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، وأرجو أن يجعل
الله عز وجل لأمير المؤمنين الخيرة وللمسلمين/ [7] .
فعقد له وخرج إلى مصر بعد خروج أبيه إلى خراسان.
__________
[1] «وكسكر» ساقطة من ت.
[2] في ت: «وفسدت الزروع» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 581.
[4] في ت: «وإني أرجو» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ومحاربته» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 581.
(10/149)
أخبرنا محمد بن ناصر، قال أخبرنا المبارك
بن عبد الجبار، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد قال:
أخبرنا أبو عمرو [بن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله
بْن الرحمن السُّكري قَالَ: حدثنا أبو عَبْد اللَّهِ] [1] بْن عَمْرو
بْن عَبْد الرَّحْمَنِ البلخي قال: حَدَّثَني عبد الله بن يحيى بن فرقد
قَالَ: حدثني محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قَالَ: لما افتتح عَبْد
اللَّه بن طاهر مضر ونحن معه سوغه المأمون خراجها سنة، فصعد المنبر،
فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل
أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه بما صنع عبد الله بن طاهر [بالناس] [2]
في الجوائز، فوقف بين يديه تحت المنبر فَقَالَ: أصلح الله الأمير- وكان
واجدا عليه-: أنا معلى الطائي، ما كان من جفاء وغلظة، فلا يغلظ عَلَى
قلبك، أصلح الله الأمير، وأنا الذي أقول:
يا أعظم الناس عفوا عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود بالمال
لو أصبح النيل يجري ماؤه ذهبا ... لما أشرت إلى خزن بمثقال
يغني بما فيه رق الحمد تملكه ... وليس شيء أعاض الحمد بالغالي
تفك باليسر كف العسر من زمن ... إذا استطال على قوم بإقلال
لم يخل كفك من جود لمحتبط ... أو مرهف قاتل من رأس قتال
وما تبث رحيل الخيل في بلد ... إلا عصفن بأرزاق وآجال
هل من سبيل إلى إذن فقد ظمئت ... نفسي إليك فما تروى على حال
إن كنت منك على بال منيت به ... فإن شكرك من حمدي على بال/
ما زلت مقتضبا لولا مجاهرة ... من ألسن خضن في صبري بأقوال
قال: فضحك عبد الله، وسر بما كان منه، فَقَالَ: يا أبا الشمر باللَّه
أقرضني عشرة آلاف دينار، فو الله ما أصبحت أملكها، فأقرضه إياها،
فدفعها إِلَيْهِ.
وحج بالناس فِي هذه السنة عبيد الله بن الحسن، وهو والي الحرمين [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 592.
(10/150)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
1137- إسحاق بن بشر [بن محمد] [1] بن عبد الله بن سالم، أبو حذيفة
البخاري. مولى بني هاشم
[2] .
ولد ببلخ، واستوطن بخارى فنسب إليها، وهو صاحب كتاب «المبتدأ» ، وكتاب
«الفتوح» .
حدث عن ابن إسحاق، وابن جريج، وابن أبي عروبة، وجويبر، ومقاتل بن
سليمان، [ومالك] [3] ، والثَّورِي، وجماعة من العلماء بأحاديث باطلة.
وكان يروي عن أقوام قد ماتوا قبل أن يولد، فلم يلتفت المحدثون إلى
روايته.
وتوفي في رجب هذه السنة ببخارى.
1138- بهيم العجلي، يكنى أبا بكر.
يروي عن أبي إسحاق الفزاري. كان زاهدا في الدنيا كثير التعبد، غزير
البكاء، عليه أثر الحزن والكآبة.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار
قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف [4] قال:
أخبرنا الحسين بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن
مُحَمَّد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن قال: حدثني
عبيد الله/ بن محمد بن حفص قَالَ: حدثنا معاذ بن زياد قَالَ: لما اتخذت
عبادان سكنها قوم نساك فيهم، رَجُل يقال له: بهيم، وكان رجلا حزينا،
يزفر الزفرة فيسمع زفيره.
قال مُحَمَّد: وحدثني مخول قَالَ: جاءني بهيم يوما فقال لي: تعلم [5]
رجلا من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 326.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف» . ساقط من ت.
[5] في ت: «فقال: تعلم لي» .
(10/151)
إخوانك وجيرانك [1] يريد الحج، ترضاه
يرافقني؟ قُلْتُ: نعم، فذهبت به إلى رجل من الحي، له صلاح ودين، فجمعت
بينهما وتواطئا على المرافقة [2] . ثم انطلق بهيم إلى أهله، فلما كان
بعد، أتاني الرجل فَقَالَ: يا هذا، أحب أن تزوي عني صاحبك ويطلب رفيقا
غيري. فقلت: ويحك، ولم؟ [3] فو الله ما أعلم بالكوفة [4] له نظير في
حسن الخلق والاحتمال. ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا. فَقَالَ:
ويحك، حدثت أنه طويل البكاء، ولا يكاد يفتر، فهذا ينغص علينا العيش
[في] [5] سفرنا كله. قَالَ: قلت:
ويحك، إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكرة، يرق القلب فيبكي الرجل، أو
ما تبكي أنت أحيانا؟ قَالَ: بلى، ولكن [قد] [6] بلغني عنه أمر عظيم جدا
من كثرة بكائه. قَالَ:
قُلْتُ: اصحبه فلعلك أن تنتفع بِهِ. قَالَ: أستخير الله فلما كان اليوم
الذي أرادا أن يخرجا فيه جيء بالإبل، ووطئ لهما، فجلس بهيم في ظل حائط،
فوضع يده تحت لحيته، وجعلت دموعه تسيل على خديه، ثم على لحيته، ثم على
صدره، حتى والله رأيت دموعه [عَلَى] [7] الأرض. قَالَ: يقول لي صاحبي:
يا مخول، قد ابتدأ صاحبك، ليس هذا لي برفيق. قال: قلت: أرفق، فلعله ذكر
عياله ومفارقته إياهم فرق. فسمعنا بهيم فَقَالَ: والله يا أخي [8] ما
هو ذاك، ولكني ذكرت [9] بها الرحلة/ إلى الآخرة. قَالَ: وعلا صوته
بالنحيب. قَالَ: يقول لي صاحبي، والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك
إياي، أنا ما لي ولبهيم، وإنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داود
الطائي وسلام أبي الأحوص، حتى يبكي بعضهم إلى بعض، يشفون أو يموتون
جميعا قَالَ: فلم أزل أرفق به. قلت: ويحك، لعلها خير سفرة سافرتها.
__________
[1] في ت: «من جيرانك وإخوانك» .
[2] في الأصل: «الموافقة» .
[3] في الأصل: «ولم ويحك» .
[4] «بالكوفة له» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل ومكانها: «ولكني بلغني» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «يا أخي والله» .
[9] في ت: «وما هو إلا أني» .
(10/152)
قَالَ: وكان كثير الحج، رجلا صالحا، إلا
أنه كان تاجرا موسرا مقبلا على شأنه، ولم يكن صاحب حزن ولا بكاء.
قَالَ: فقال لي: قد وقعت مرتي هذه، ولعلها أن تكون خيرة. قَالَ: وكل
هذا الكلام لا يعلم به بهيم، ولو علم بشيء منه ما صحبه. قَالَ: فخرجا
جميعا حتى حجا ورجعا، ما يدري كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه، فلما
جئت أسلم على جاري قال لي: جزاك الله يا أخي عني خيرا ما ظننت أن في
هذا الخلق مثل أبي بَكْر، كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا
موسر، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف، ويطبخ لي وأنا
مفطر وهو صائم.
قَالَ: فقلت [لَهُ] : كيف كان أمرك معه في الذي تكرهه من طول بكائه
قَالَ: ألفت والله ذَلِكَ البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى
يتأذى بنا أهل الرفقة. قَالَ: ثم والله ألفوا ذلك، فجعلوا إذا سمعونا
[1] نبكي وبكوا، وجعل بعضهم يقول لبعض: ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا
والمصير واحد.
قَالَ: فجعلوا والله يبكون ونبكي قَالَ: ثم خرجت من عنده فأتيت بهيما،
فسلّمت عليه وقلت: كيف رأيت صاحبك؟ قال: خير صاحب [2] ، / كثير الذكر
للَّه عز وجل، طويل التلاوة للقرآن، سريع الدمعة، محتمل لهفوات الرفيق،
جزاك الله عني خيرا.
1139- جارود بن يزيد أخو الضحاك النيسابوري
[3] .
حدث عن بهز بن حكيم، وعمر بن ذر.
روى عنه الحسن بن عرفة، وقد ضعفوه.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] في ت: «إذا رأونا» .
[2] في ت: «كخير صاحب» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 261.
(10/153)
1140- حجاج بن محمد أبو محمد الأعور، مولى
سليمان بن مجالد، مولى أبي جعفر المنصور. ترمذي الأصل.
سَمِعَ ابن جريج، وابن أبي ذئب، وشعبة، وحمزة الزيات، والليث بن سعد
[1] .
روى عنه أحمد بن حنبل، ويحيى، وابن أبي خيثمة، وكان ضابطا ثقة، إلا أنه
تغير في آخر عمره، وكان قد تحول إلى المصيصة بولده وعياله، فأقام بها
سنين، ثم قدم بغداد فتوفي بها.
1141- داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان [2] بن ذكوان، أبو سليمان
الطائي البصري
[3] .
نزل بغداد، وحدث بها عن شعبة، وحماد بن سلمة، وصالح المري، ومقاتل بن
سليمان، وإسماعيل بن عياش، وغيرهم.
روي عنه: البرجلاني وغيره.
كان يحيى بن معين يثني عليه ويقول: هو ثقة، وإنما صحب قوما من المعتزلة
فأفسدوه.
وقال أحمد بن حنبل: هو شبه لا شيء وكذلك قال البخاري: هو شبه [4] لا
شيء، لا يدري ما الحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني محمد
بن عليّ الصوري قَالَ: سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ يَقُولُ: قال لنا
أبو الحسن/ علي بن عمر: كتاب [5] «العقل» وضعه أربعة، أولهم ميسرة بن
عبد ربه، ثم سرقه منه [داود بن المحبر، وركّبه بأسانيد غير أسانيد
ميسرة، وسرقه] [6] عبد العزيز بن أبي رجاء وركّبه
__________
[1] في ت: «الليث بن سعيد» .
[2] في ت: «أبو سليمان» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 359- 362.
[4] «هو شبه لا شيء وكذلك قال البخاري: هو شبه» ساقط من ت.
[5] في الأصل: «كان العقل» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/154)
بأسانيد أخرى، ثم سرقه سليمان بن عيسى
السجزي فركبه [1] بأسانيد أخرى. أو كما قَالَ الدارقطني.
توفي داود [2] ببغداد في جمادى الأولى من هذه السنة.
1142- شبابة بن سوار، أبو عمرو الفزاري، مولاهم
[3] .
أصله من خراسان، نزل المدائن، وحدث بها وببغداد عن شعبة، وجرير بن
عثمان، وابن أبي ذئب، والليث.
وروى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة.
واسم أبيه مروان، وإنما غلب عليه سوار، وكان شبابة كثير الحديث. وكان
أحمد بن حنبل يحمل عليه. وكان مرجئا، لكنه رجع عن ذَلِكَ.
وتوفي بمكة في هذه السنة.
1143 [- أبو جعفر، محمد بن جعفر المدائني
[4] .
سَمِعَ ورقاء بن عُمَر، وشعبة، وغيرهما.
وروى عنه أحمد بن حنبل، وعباس الدوري في آخرين.
وقال أحمد وأبو داود: وليس به بأس.
وتوفي في هذه السنة] .
1144- يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت، أبو خالد السّلَميّ
[5] .
من أهل واسط، ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وسمع يحيى بن سعيد الأنصاري،
وسُلَيْمَان التميمي، وعاصما الأحوال، وحميدا الطويل، وخلقا كثيرا.
__________
[1] في ت: «فأتى» .
[2] في الأصل: «توفي في هذه السنة داود....» .
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 345.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 116 وهذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 337.
(10/155)
وكان ثقة [ثبتا] [1] حافظا، حدث ببغداد
فحرر مجلسه تسعين ألفا.
قال علي بن المديني: [2] لم أر أحفظ من يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي
قال:
أخبرنا الأزهري قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بْن عمر الخلال قَالَ:
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا جدي
قَالَ: سمعت أحمد/ بن أبي الطيب يَقُولُ سمعت يزيد بن هارون، وقيل له
إن هارون المستملي يريد أن يدخل عليك- يعني في حديثك- فتحفظ منه،
فبينما [3] هو كذلك إذ دخل هارون فسمع يزيد نغمته، فَقَالَ: يا هارون،
بلغني أنك تريد أن تدخل علي في حديثي، فأجهد جهدك لا أرعى الله عليك إن
أرعيت، أحفظ ثلاثة وعشرين ألف حديث ولا بغي، لا أقامني الله إن كنت لا
أقوم بحديثي [4] أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قال: أخبرنا أحمد بن
علي قال: أخبرني الخلال قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قَالَ:
أخبرنا الحسين بن محمد بن عفير قال:
قال أبو جعفر أحمد [5] بن سنان: ما رأيت عالما قط [6] أحسن صلاة من
يزيد بن هارون، يقوم كأنه أسطوانة، كَانَ يصلي بين المغرب والعشاء،
وبين [7] الظهر والعصر، ولم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار هُوَ وهشيم
جميعا معروفين بطول الصلاة بالليل والنهار [8] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي [قال: أخبرنا] [9]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «قال ابن المديني» .
[3] في ت: «فحفظ منه فيضا هو كذلك» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 340.
[5] «أحمد» ساقطة من ت.
[6] في ت: «حافظا» .
[7] «وبين» ساقطة من ت.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 340.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/156)
العتيقي قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد
بن علي الكاتب قال: أخبرنا الحسن بن حبيب بْن عبد الملك قَالَ: سمعت
أبا جعفر محمد بن إسماعيل الصائغ يَقُولُ: قَالَ رجل ليزيد بن هارون:
كم حزبك [من الليل] [1] ؟ قَالَ: وأنام من الليل شيئا؟ إذا لا أنام
الله عيني [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا علي بن أحمد الرزاز قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى
النيسابوري قَالَ: أخبرنا أحمد بن محمد بْن الأزهر قَالَ: سمعت الحسن
[3] بن عرفة يَقُولُ: / رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو من أحسن الناس
عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه، فقلت: يا أبا
خَالِد، ما فعلت العينان الجميلتان؟ فَقَالَ: ذهب بهما بكاء الأسحار
[4] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد [بْن علي بْن ثابت] [5]
الخطيب قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن [6] الحيزي
وأبو سعيد الصيرفي قالا: حَدَّثَنَا أبو الْعَبَّاس محمد بن يعقوب
الأصم قَالَ: حدثنا يحيى بن أبي طالب قَالَ: أخبرني الحسن بن شاذان
الواسطي [7] قَالَ: حدثني ابن عرعرة قَالَ: حدثني ابن أكثم قَالَ: قال
لنا المأمون:
لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق فقال بعض جلسائه: يا
أمير المؤمنين [8] ، ومن يزيد حتى يتقى [9] ؟ قَالَ: ويحك، إني أخاف أن
يرد علي، فيختلف الناس وتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة. فقال له الرجل
[10] : فأنا أخبر لك [11] ذلك منه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[2] في ت: «لا أقام الله لي عيني» انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 341.
[3] في الأصل: «سمعت أحمد» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 341- 342.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «أحمد بن الحسين» .
[7] «الواسطي» ساقطة من ت.
[8] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[9] في ت: «حتى نخافه» .
[10] في الأصل: «فقال له رجل» .
[11] في ت: «اختبرتك» .
(10/157)
فَقَالَ له: نعم قال: فخرج إلى واسط، فجاء
إلى يزيد بن هارون، فدخل عليه المسجد، وجلس إليه فَقَالَ لَهُ: يا أبا
خَالِد، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك إني أريد أن أظهر أن
القرآن مخلوق. فَقَالَ: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل
الناس على ما لا يعرفونه، فإن كنت صادقا فعد غدا إلى المجلس [1] ، فإذا
اجتمع الناس فقل، قَالَ: فلما كان الغد اجتمع الناس فقام، فَقَالَ: يا
أبا خَالِد، رضي الله عنك، [2] إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول
لك: إني أريد [3] أن أظهر أن القرآن مخلوق، فما عندك في ذلك؟ قَالَ:
كذبت في ذلك على [4] أمير/ المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على
ما لا يعرفونه وما لم يقل له أحد قَالَ: فقدم فَقَالَ: يا أمير
المؤمنين، كنت أنت أعلم.
[قَالَ:] [5] وكان من القصة كيت وكيت. فقال له: ويحك، تلعب بك. [6]
توفي يزيد بواسط غرة ربيع الآخر من هذه السنة.
أخبرنا عبد الرحمن [من محمد] [7] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
الحسين بْن عَبْد الله بن أحمد بن أبي علاثة حدثنا أحمد بن إبراهيم بن
شاذان قَالَ: حدثنا أبو محمد السُّكري قَالَ: حدثنا يحيى بن إسحاق بن
إبراهيم بن سافري قَالَ: حدثني أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال:
كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان، فَقَالَ أحدهما: [8] يا أبا عبد
الله، رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت لَهُ: يا أبا خالد، ما فعل
الله بك؟ قَالَ: غفر لي وشفعني وعاتبني. فقلت لَهُ [9] : غفر لك
__________
[1] «إلى» ساقطة من ت.
[2] «رضي الله عنه» ساقطة من ت.
[3] في ت: «إني أردت» .
[4] «في ذلك على» ساقطة من ت.
[5] «قال» ساقطة من الأصل، ت، وأضفناها من تاريخ بغداد.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 342.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أحدهما» ساقطة من ت.
[9] «له» ساقطة من ت.
(10/158)
وشفعك، قد عرفت، ففيم عاتبك؟ قَالَ: قال
لي: [يا يزيد] [1] ، أتحدث عن جرير بن عثمان. قَالَ: قلت: يا رب [2] ،
ما علمت إلا خيرا. قَالَ: يا يزيد، إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي
طالب. قَالَ: وقَالَ الأخر: وأنا والله [3] رأيت يزيد بن هارون في
المنام. فقلت [لَهُ] [4] : هل أتاك منكر ونكير. قَالَ: إي والله،
وسألاني من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فقلت: ألمثلي يقال هذا؟ وأنا كنت
أعلم الناس بهذا في الدنيا فقالا لي: صدقت، فنم نومة العروس [لا بأس
عليك] [5] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «يا رب» ساقطة من ت.
[3] «وأنا والله» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/
347.
(10/159)
ثم دخلت سنة سبع
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
خروج عبد الرحمن بن أحمد بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ علي بن أبي طالب ببلاد عك من اليمن يدعو إلى الرضى من آل
مُحَمَّد، / وكان سبب خروجه أن العمال باليمن أساءوا السيرة، فبويع عبد
الرحمن، فلما بلغ ذلك المأمون وجه إليه دينار بن عبد الله في عسكر كثيف
[1] ، وكتب معه بأمانه، فحضر دينار الموسم، فلما فرغ من الحج سار إلى
اليمن، فأتى عَبْد الرحمن فبعث إليه أمانه من المأمون، فقبل ودخل في
الأمان، ووضع يده في يد دينار، فخرج به إلى المأمون، فمنع عند ذلك
الطالبيين من الدخول عَلَيْهِ، [2] ، وأمر [3] بأخذهم بلبس السواد.
وذلك في يوم الخميس لليلة بقيت من ذي القعدة.
وفيها: توفي طاهر بن الحسين، فولي ولده طلحة بن طاهر، فأقام واليا على
خراسان سبع [4] سنين بعد موت أَبِيهِ، ثم توفي فولي عبد الله بن طاهر
خراسان مع الشام، وكان يتولى حرب بابك، فأقام بالدينور، وبعث بالجيوش،
فوجه المأمون إلى عبد الله بيحيى بن أكثم يعزيه عَن أخيه ويهنئه بولاية
خراسان، وولى علي بن هشام حرب بابك.
__________
[1] في ت: «كثير» .
[2] في ت: «إليه» .
[3] في الأصل: «وأمرهم» .
[4] في ت: «بسبع» .
(10/160)
وقد قيل إنه [1] إنما ولى عبد الله بعد موت
أبيه دون طلحة، وأن عبد الله وجّه أخاه طلحة إلى خراسان.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن
الحسين البيهقي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله محمد بن عبد الله
الحاكم قَالَ: سمعت علي [بن أحمد] [2] بن أسد الأديب [3] يَقُولُ:
حدثني غير واحد من مشايخنا بالعراق يسندونه إلى عبد الله بن طاهر: أنه
كتب من خراسان إلى أمير المؤمنين المأمون: بسم الله الرحمن الرحيم.
بعدت داري عن ظل أمير المؤمنين وإن كنت كيف تصرفت في الأمور لا أتفيأ
إلا به، وقد اشتد إلى حضرة أمير المؤمنين شوقي لأتشرف بخدمته، وأتجمل
بمجلسه، وأتزين بخطابه، وأنقح عقلي بحسن آدابه، فلا شيء آثر عندي من
قربه، وإن كنت في سعة من عيش وهبه الله لي به، فإن رأى أمير المؤمنين
أن يأذن [لي] [4] في ورود حضرته لأجدد/ عهدا بالمنعم علي،، وأتهنأ
بنعمة أسداها إلي فعل محسنا إن شاء الله.
فلما قرأ المأمون كتابه، وقع فيه: قربك يا أبا العباس إلي حبيب، وأنت
مني حيث كنت قريب وإنما بعدت دارك نظرا لك، وسموا بك، ورغبة فيك، فاتبع
قول الشاعر:
رأيت دنو الدار ليس بنافع ... إذا كان ما بين القلوب بعيدا
وفي هذه السنة: ولي موسى بن جعفر [5] طبرستان، والرومان، ودوباوند.
وغلا السعر ببغداد حتى بلغ القفيز من الحنطة أربعين درهما.
وحج بالناس في هذه السنة أبو عيسى بن الرشيد.
__________
[1] في ت: «إنما قيل ولى»
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بن أسد الأسود» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «موسى بن حفص» .
(10/161)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
1145- حذيفة بن قتادة المرعشي
[1] .
صحب الثَّورِي، وتوفي في هذه السنة.
أخبرنا عمر بن ظفر، أخبرنا جعفر [2] بن أحمد، أخبرنا عبد العزيز بْن
عَلي أَخْبَرَنَا ابن جهضم، حدثنا الحسن بن إسحاق، حدثنا محمد بن
المسيّب، حدّثنا عبد الله بن حنبق قَالَ: قال حُذيْفة المرعشي: إياكم
وهدايا الفجار والسفهاء، فإنكم إن قبلتموها ظنوا بكم أنكم [3] [قد] [4]
رضيتم فعلهم.
1146- زيد بن محمد بن عُبَيْد، أبو عبد الله الخزاعي الدمشقي.
سمع مالك بن أنس، روى عنه: ابن عوف وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وكان
ثقة مأمونا.
وتوفى في هذه السنة بدمشق.
1147- عبد الرحمن بن غزوان، أبو نوح عبد الله بن مالك الخزاعي، ويعرف
بقراد
[5] .
سَمِعَ شعبة، وعكرمة بن عمار، والليث بن سعد روى عنه أحمد بن حنبل.
وكان ثقة. توفي في هذه السنة.
1148- عمر بن حبيب العدوي
[6] من بني عدي بن مناة. من أهل البصرة.
حدث عن داود بن أبي هند، وخالد الحذاء، وسليمان التيمي، وهشام بن عروة.
__________
[1] في ت: «المرعسي» .
[2] في الأصل: «حفص» .
[3] «أنكم» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 494.
[6] انظر ترجمته في: تقريبه التهذيب 2/ 52 وتاريخ بغداد 11/ 196.
(10/162)
روى عنه/ محمد بن عبيد الله المنادي. وكان
قد قدم بغداد، وولي بها قضاء الشرقية، وولي قضاء البصرة [أيضا] [1] .
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد [القزاز] [2] قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ: أخبرني الأزهري قال: حدثنا عبد الله بن
محمد بن حمدان العكبري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنُ القاسم النَّحْوِي، حدثنا أبو العباس محمد بن يونس الكديمي، حدثنا
يزيد بن مرة الدارع، حدثنا عمر بن حبيب قَالَ: حضرت مجلس هارون
[الرشيد] [3] فجرت مسألة فتنازعها الخصوم وعلت أصواتهم، واحتج بعضهم
بحديث يرويه أبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَليْه
وَسَلَّمَ، فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائلون
منهم: لا يحمل هذا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم، فإن أبا هريرة متهم فيما يرويه، وصرحوا بتكذيبه، ورأيت
الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت: إن الحديث [4] صحيح النقل [5]
وأبو هريرة صحيح النقل عن رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [6] ،
صدوق فيما يرويه عن نبي الله وغيره. فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من
المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل: صاحب البريد بالباب فدخل
إلي، فَقَالَ:
أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن فقلت: اللَّهمّ إنك [7]
تعلم أني دافعت [8] عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صلَّى اللَّه عليه وسلم،
أن يطعن في أصحابه [9] ، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على
كرسي، حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع، فلما بصرني قال
[لي] [10] : يا عمر بن حبيب، ما تلقاني أحد من الرد
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «أما الحديث» .
[5] النقل» ساقطة من ت.
[6] «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقطة من ت.
[7] في ت: «إني» .
[8] في الأصل: «دفعت» .
[9] في ت: «على أصحابه» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/163)
والدفع [لقولي] [1] بمثل ما تلقيتني به.
فقلت: [2] يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليّ فيه [3] إزراء
على رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم [على ما جاء به] [4] ، إذا
كان أصحابه كذابين فالشريعة/ باطلة، والفرائض والأحكام في الصيام
والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول. فرجع إلى نفسه،
ثم قَالَ: أحييتني يا عمر بن حبيب [5] .
أحياك الله. وأمر لي بعشرة آلاف درهم. [6] أخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ
[بن مُحَمَّد أَبُو مَنْصور القزاز] [7] قال: أخبرنا [أبو بكر]
أَحْمَدُ [بْنُ عَلِيِّ] [8] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عبد
العزيز بن أبي طاهر الصوفي، أخبرنا تمام بن محمد الرازي قَالَ:
حَدَّثَني أَبِي قَالَ: أخبرني أَبُو الحسين عَلي بْن مُحَمَّد بْن أبي
حسان الزيادي قَالَ: حدثنا أَبُو زيد الحارث بن أحمد العبدي قال: حدثني
الحسين بن شداد قَالَ: كان عمر بن حبيب على قضاء الرصافة لهارون
الرشيد، فاستعدى إليه رجل على عبد الصمد بن علي فأعداه عليه، فأبى
عَبْد الصمد أن يحضر مجلس الحكم، فختم عمر بن حبيب قمطره وقعد في بيته.
فرفع ذلك إلى هارون، فأرسل إليه، فَقَالَ: ما منعك أن تجلس للقضاء؟
فقال: أعدي على رجل فلم يحضر مجلسي. قال: ومن هُوَ؟
قال: عبد الصمد بن عليّ. فَقَالَ هارون: والله لا يأتي [9] مجلسك إلا
حافيا قَالَ: وكان عبد الصمد شيخا كبيرا قَالَ: فبسطت [له] [10] اللبود
من باب قصره إلى مسجد الرصافة، فجعل يمشي ويقول: أتعبني أمير المؤمنين،
أتعبني أمير المؤمنين. فلما صار إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بمثل ما تلقاني به، قلت..» .
[3] في الأصل: «وجادلت عنه إزراء.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «بن حبيب» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 197.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «لا يحضر» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/164)
مجلس عمر [1] بن حبيب أراد أن يساويه في
المجلس، فصاح [به] [2] عمر وقال:
اجلس مع خصمك. قال: فتوجه الحكم على عبد الصمد فحكم عليه، وسجل به.
فقال له [3] عبد الصمد: لقد حكمت علي بحكم لا يجاوز شحمة أذنك فقال له
عُمَر: أما إني قد طوقتك بطوق لا يفكه عنك الحدادون. قم.
قال الخطيب: كذا ذكر في هذا الحديث، أنه كان على [4] الرصافة. والمحفوظ
أنه/ كان عَلَى الشرقية [5] .
توفي عمر في هذه السنة بعد رجوعه إلى البصرة [6] .
1149- طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد بن زادان، أبو طلحة
الخزاعي، والي خراسان
[7] .
بعثه المأمون إلى بغداد لمحاربة الأمين، وظفر به طاهر وقتله، ولقبه
المأمون ذا اليمين.
وحدث عَن ابن المبارك وغيره. وكان جوادا وقع يوما بصلات أحصيت ألف ألف
وسبعمائة ألف.
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، عن أبي محمد السراج قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الواحد، حدثنا المعافى بن زكريّا
حدثنا محمد بن القاسم [8] الأنباري، حدثنا عبد الله بن بيان، حدثنا أبو
جعفر مولى بني هاشم قَالَ: بينا طاهر بن الحسين في حراقته يوما وقد
أدنيت إلى الشط لتخرج، إذ عرض له مقدس الخلوفي الشاعر فقال لَهُ: أيها
الأمير، أريد أن تسمع مني أبياتا. فَقَالَ: قل. فأنشأ يَقُولُ:
__________
[1] «عمر» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «له» ساقطة من الأصل.
[4] «له» ساقطة من الأصل.
[5] في ت: «أنه إذ كان» .
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 197- 198.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 353.
[8] في الأصل: «العتبي» .
(10/165)
عجبت لحراقة ابن الحسين ... كيف تعوم ولا
تغرق
وبحران من تحتها واحد ... وآخر من فوقها مطبق
وأعجب من ذاك عيدانها ... / وقد مسها كيف لا تورق
فَقَالَ: أعطوه ثلاثة آلاف دينار. وقَالَ: زدنا حتى نزيدك. فَقَالَ:
حسبي.
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
الجوهري قال:
أَخْبَرَنَا محمد بن العباس قال: حدثنا أبو القاسم علان الوزان [1]
قَالَ: حدثني أبو الحسن الجاماسي قَالَ: قَالَ رجل بخراسان: قال لي
صديق لي: رأيت رجلا بمرو في يوم جمعة بحال [سيئة] [2] ، ثم رأيته في
الجمعة الأخرى على برذون، فقلت لَهُ: ما الخبر؟
فَقَالَ/: أنا على باب طاهر بن الحسين منذ ثلاث سنين ألتمس الوصول إليه
فيتعذر علي ذلك حتى قال لي بعض أصحابه يومًا: إن الأمير [قد] [3] يركب
اليوم في الميدان يلعب بالصوالجة. فقلت: اليوم أصل إِلَيْهِ. فصرت إلى
الميدان [فرأيت الوصول إليه متعذرا، وإذا فرجة في بستان، فالتمست
الوصول إلى الميدان] [4] فلما سمعت الحركة وصوت الصوالجة ألقيت نفسي من
الثلمة، فنظر إلي فقال: من أنت؟ فقلت: أنا باللَّه وبك أيها الأمير،
إياك قصدت، ومنك أطلب وقد قلت بيتي شعر فَقَالَ: هاتهما.
وأقبل ميكال إلي فزجره عني، فأنشدته:
أصبحت بين خصاصة وتجمل ... والمرء بينهما يموت هزيلا
فامدد إلي يدا تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا
فأمر لي بعشرة آلاف درهم وقَالَ: هذه ديتك ولو كان ميكال أدركك لقتلك،
وهذه عشرة آلاف لعيالك، امض لشأنك، ثم قَالَ: سدوا هذه الثلمة، لا يدخل
إلينا منها أحد.
__________
[1] في الأصل: «علائن الرزاز» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/166)
وقد ذكرنا أن المأمون كان إذا ذكر أخاه
الأمين وما فعل به طاهر جرت دموعه، وإن طاهرا [أعلم بذلك و] [1] طلب
البعد عن الخليفة واحتال لذلك فولاه خراسان، فخرج، فلما كان بعد مدة من
مقدمه خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون
بْن مجاشع صاحب البريد: ما دعوت [2] في هذه الجمعة لأمير المؤمنين فقال
[لَهُ] [3] : سهو وقع، فلا تكتب به [4] ، ثم فعل ذلك في الجمعة الثانية
والثالثة. فَقَالَ له عون: إن كتب التجارة لا تنقطع/ عن بغداد، وإن
اتصل هذا بأمير المؤمنين من غيرنا لم نأمن أن يكون ذلك سبب زوال نعمتي
فَقَالَ: اكتب بما أحببت. فكتب بالخبر إلى المأمون. فلما وصل كتابه دعا
أحمد بن أبي خَالِد وقال له: إنه لم يذهب علي احتيالك في أمر [5] طاهر
وتمويهك له، وأنا أعطي الله عهدا إن لم يشخص حتى توافيني به [6] كما
أخرجته من قبضتي، وتصلح ما أفسدته علي من أمر ملكي ليدمين [7] عقباك،
فشخص أحمد وجعل يتلوم في الطريق ويقول لأصحاب البريد: اكتبوا بأخبار
عله أحدها، فلما وصل إلى الري لقيته الأخبار بوفاة طاهر، ولقيه ولده
طلحة فقال لَهُ: لا تريني وجهك، فإن أباك عرضني للغضب. قَالَ: قد مضى
لسبيله، وأنا أحلف لك على الإخلاص. فكتب أحمد بالخبر، فلما بلغت وفاته
المأمون قَالَ: لليدين وانعم [8] : الحمد للَّه الذي قدمه وأخرنا.
وكان قد أخذته حمى وحرارة، فوجدوه في فراشه ميتا. وتوفي في جمادى
الآخرة من هذه السنة بمرو.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بْنِ عَلِيِّ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ [9] بْنُ
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «ما دعوت» ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «فلا تكتب فيه» .
[5] «أمر» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «حتى تأتيني» .
[7] هكذا في الأصل.
[8] هكذا بالأصلين.
[9] في ت: «عبد الله» .
(10/167)
أَبِي الفتح قَالَ: حدثنا محمد بن جعفر
الأديب، قَالَ أخبرنا أبو القاسم السكوني قَالَ:
أنشدني جعفر بن الحسين لبعض المحدثين يرثي طاهر بن الحُسَين.
فلئن كان للمنية رهنا ... إن أفعاله [1] لرهن الحياة
ولقد أوجب الزكاة على قوم ... وقد كان عيشهم [2] بالزكاة/
1150- محمد بن أبي رجاء الخراساني
[3] .
من أصحاب أبي يوسف القاضي. ولي القضاء ببغداد أيام المأمون وتوفي في
جمادى الآخرة من هذه السنة.
1151- محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى بن عبد الله، أبو يحيى الأسدي.
ويعرف بابن كناسة لقب أبيه عبد الله. ومحمد هو: ابن أخت إبراهيم بن
أدهم [4] .
وكان عالما بالشعر والعربية وأيام الناس، ورد بغداد، وحدث بها عن هشام
بن عروة، والأعمش وغيرهما.
روى عَنْه: أحمد بن حنبل وغيره. وقال يحيى وابن المَدِيني: ابن كناسة
[5] ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرنا أحمد بن روح
الهمداني [6] قَالَ: أخبرنا المعافى زكريّا قَالَ: أخبرنا محمد بن
القاسم الأنباري قال:
حدثنا مُحَمَّد بْن المرزبان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بن محمد
قال: رأى رجل محمد بن كناسة يحمل بيده بطن شاة فقال لَهُ أعطني أحمله
لك [7] فقال:
__________
[1] في الأصل: «إن أصحابه» .
[2] في الأصل: «وقد كان عليهم» .
[3] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 5/ 275.
[4] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 5/ 404.
[5] «ابن كناسة» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «النهرواني» .
[7] في الأصل: «فقال له أنا أحمل لك» .
(10/168)
لا ينقص الكامل من كماله ... ما جر من نفع
إلى عياله.
[1] أخبرنا عبد الرَّحْمَن قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أخبرني
الأزهري قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إبراهيم [بن شاذان قَالَ: حدثنا إبراهيم بن
محمد النَّحْوِي قَالَ: حدثني الفضل الربيعي قَالَ: حَدَّثَنَا حماد بن
إبراهيم] [2] عن أَبِيهِ قال: أتيت محمد بن كناسة لأكتب عنه، فكثر عليه
أصحاب الحديث، فضجر بهم وتجهمهم، فلما انصرفوا عنه دنوت منه، فهش إلي
واستبشر بي، وبسط وجهه، فَقَلَت لَهُ: لقد تعجبت من تفاوت حالتيك!؟
فقال لي: أضجرني هؤلاء بسوء أدبهم، فلما جئتني أنت انبسطت إليك وقد
حضرني في المعنى بيتان وهما:
/ في انقباض وحشمة فإذا ... صادفت أهل الوقار والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها ... وقلت ما قلت غير محتشم
فقلت: لوددت إن هذين البيتين لي بنصف ما أملك فَقَالَ: قد وفر الله
عليك مالك، ما سمعهما أحد ولا قلتهما إلا [3] الساعة. فقلت لَهُ: كيف
لي بعلم نفسي أنهما ليسا لي [4] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن عليّ قال: أخبرنا محمد بن
الحسين القطان، أخبرنا جعفر الخلدي، أخبرنا محمد بن عبد الله
الحضْرَمِيّ قَالَ: توفي محمد بن كناسة سنة سبع ومائتين [5] .
وقال ابن قانع: سنة تسع. والأول أصح.
__________
[1] انظر الخبر في تاريخ بغداد 5/ 406.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أنا الساعة» .
[4] انظر الخبر في تاريخ بغداد 5/ 406 و 407.
[5] في ت: «قَالَ: توفي محمد بن كناسة» .
سنة سبع ومائتين، فيها.
(10/169)
1152- محمد بن عمر بن واقد، أبو عبد الله
الواقدي المَدِيني
[1] .
ولد سنة ثلاثين ومائة. وسمع ابن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، ومالك بن أنس،
وسفيان الثوري، وخلقا كثيرا.
وقدم بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي، وله الكتب المصنفة في المغازي،
والسيرة، والأحداث، والحديث، والفقه. وكان كريما [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا
سلامة بن الحُسَين [3] المقرئ، أخبرنا الدارقطني، أخبرنا محمد بن
القاسم الأنباري قَالَ: حدثني أبي قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عكرمة الضبي،
قَالَ: حدثنا يحيى بن محمد العنبري، قال: قال الواقدي كنت حنّاطا
بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت [الدراهم] [4]
في يدي، فشخصت [5] إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه،
وآنست بالخدم والحجاب، / وسألتهم أن يوصلوني إِلَيْهِ، فقالوا: إذا قدم
الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك عليه ذَلِكَ الوقت. فلما حضر
طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة، فسألني: من أنت، وما قصتك؟
فأخبرته، فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه، فاشمأز
من ذلك، [6] ، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادم معه كيس
فيه ألف دينار فَقَالَ: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول لك: استعن بها
[7] على أمرك، وعد إلينا في غد [8] . فأخذته وعدت في اليوم الثاني،
فجلست معه على المائدة، فأنشأ يسألني كما سألني في اليوم الأول، فلما
رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه، فاشمأز
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 3- 21.
[2] انظر: تاريخ بغداد 3/ 3.
[3] في الأصل: سلامة بن أبي.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فجئت» .
[6] في الأصل: «فاشمأز مني لذلك» .
[7] في الأصل، ت: «استعن بهذا» وما أثبتناه من تاريخ بغداد.
[8] «في غد» ساقطة من ت.
(10/170)
مني، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه
لحقني الخادم [و] [1] معه كيس فيه ألف دينار، فَقَالَ: الوزير يقرأ
عليك السلام ويقول لك: [2] استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غد فأخذته
وانصرفت، وعدت إليه في اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم
الأول والثاني، فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس [كما أعطيت قبل
ذَلِكَ] [3] وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقَالَ: منعتك ذلك لأنه لم يكن
وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا، والآن قد لحقك بعض النفع مني، يا
غلام، أعطه الدار الفلانية، [يا غلام] [4] ، [افرشها] [5] الفرش
الفلاني، يا غلام، أعطه مائتي ألف درهم يقضي دينه بمائة ألف، ويصلح
شأنه بمائة ألف. ثم قال لي: / الزمني وكن في داري. فقلت: أعز الله
الوزير، لو أذنت لي بالشخوص [6] إلى المدينة لأقضي للناس أموالهم ثم
أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي [7] . فَقَالَ: قد فعلت. وأمر بتجهيزي
فشخصت إلى المدينة، فقضيت ديني، ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته [8]
قال أبو عِكْرِمة: وأخبرنا سليمان بن أبي شيخ قَالَ: أخبرنا الواقدي
قَالَ: ضقت مرة وأنا مع يحيى بن خالد، وجاء عيد، وجاءتني الجارية فقالت
لي: قد حضر العيد وليس عندنا من آلته شيء، فمضيت [9] إلى صديق لي من
التجار، فعرفته حاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيسا مختوما فيه ألف ومائتا
درهم، فأخذته وانصرفت إلى منزلي، فلما استقررت فيه جاءني صديق لي
هاشمي، وشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي فأخبرتها
فقالت: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس. قالت: ما صنعت شيئا
أتيت رجلا سوقة فأعطاك ألفا ومائتي درهم، وجاءك
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «لك» ساقط من ت.
[3] في ت: «أعطيت الكيس أيضا» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[6] في ت: «حتى أروح» .
[7] في الأصل: «كان في ذلك رفق بي» .
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 4- 5.
[9] من ت: «فمشيت» .
(10/171)
رجل له من رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وسلم رحم ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة، ما هذا شيئا، أعطه الكيس كله
[فأخرجت الكيس كله] [1] فدفعته إليه ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي
وكان صديقا لَهُ، فسأله القرض، فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى
خاتمه عرفه وانصرف إلي فأخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد فركبت
إليه فأخبرته/ خبر الكيس، فَقَالَ: يا غلام، هات تلك الدنانير، فجاءه
بعشرة آلاف دينار. فَقَالَ: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر
[2] ، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم. [3] وقال
الواقدي: صار إليّ من السلطان ستمائة ألف درهم ما وجبت [علي] [4] فيها
زكاة [5] .
قال عباس الدُّوري: ومات الواقدي وما له كفن، فبعث المأمون بأكفانه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر الرافعي قال: أخبرنا القاضي أبو بكر
بْنُ كامل قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن مُوسَى الترمذي قَالَ: قال
المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس. قَالَ: فامتنع
فَقَالَ: لا بد من ذلك. فَقَالَ: والله يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة
الجمعة. قال: فأنا أحفظك قال: فافعل فأقبل المأمون يلقنه سورة الجمعة
حتى بلغ النصف منها، فإذا حفظ ابتدأ بالنصف الثاني، فإذا حفظ النصف
الثاني [6] نسي الأول، فتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي
حفظه أنت. قال: [7] [عليّ] [8] :
ففعلت، ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول [فيحفظه فإذا حفظته
الثاني نسي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «لصديقك خلع التاجر» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 19- 20.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 20.
[6] «الثاني» ساقطة من ت.
[7] «قال» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/172)
الأول] [1] ، فاستيقظ المأمون، فقال لي: ما
فعلت؟ فأخبرته فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ [2] التنزيل، اذهب
فصل بهم واقرأ أي سورة شئت [3] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَدُ بْن مُحَمَّدِ بن دوست/، حدثنا أبو الحسن
علي بن محمد قال: أخبرنا أبو زيد عبد الرحمن بن حاتم المرادي قَالَ:
حدثنا هارون بن عبد الله الزهري القاضي قَالَ:
كتب الواقدي رقعة إلى المأمون يذكر فيها غلبة الدين وغمه بذلك، فوقع
المأمون على ظهرها: فيك خلتان: السخاء والحياء، فأما السخاء فهو الذي
أطلق ما ملكت، وأما الحياء فهو الذي منعك من إطلاعنا عَلَى ما أنت
عليه، وقد أمرنا لك بكذا وكذا، فإن كنا أصبنا إرادتك في بسط يدك، فإن
خزائن الله مفتوحة، وأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الرشيد عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لِلزُّبَيْرِ: «يَا زُبَيْرُ، إِنَّ بَابَ الرِّزْقِ مَفْتُوحٌ
بِبَابِ [4] الْعَرْشِ، يُنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى
الْعِبَادِ أَرْزَاقَهُمْ عَلَى قَدْرِ نَفَقَاتِهِمْ، فَمَنْ قَلَّلَ
قَلَّلَ لَهُ، وَمَنْ كَثَّرَ كَثَّرَ لَهُ» . قال الواقدي: وكنت قد
أنسيت الحديث، فكان تذكيره إياي أحب إلي من جائزته. [5] قال هارون
القاضي: بلغني أن الجائزة كانت مائة ألف وكان الحديث أحب إليه من
المائة ألف [6] أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [7] قال: أخبرنا أحمد بن
علي قال: أخبرني الحسن بن أبي طَالِب، أخبرنا محمد بن الْعَبَّاس،
حدثنا أبو الحسين بن المغيرة [8] قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «ولم يحفظ» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 7- 8.
[4] في ت: «بإزاء العرش» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 19.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 19.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «حدثنا الحسين بن المغيرة» .
(10/173)
حَدَّثَني أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي
قال: حدثني إسماعيل بن مجمع قَالَ:
سمعت الواقدي يَقُولُ: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء
ولا مولى لهم إلا سألته: هَلْ سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين
قتل، فإذا أعلمني/ مضيت إلى الموضع حتى أعاينه ولقد مضيت إلى المريسيع،
فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع أعاينه [1] .
قال الضبعي: وحدثني محمد بن خلاد قَالَ: سمعت محمد بن سلام الجمحيّ
يقول: محمد بن [2] عُمَر الواقدي عالم دهره [3] .
وقال يعقوب بن شيبة: انتقل [4] الواقدي فحمل [5] كتبه على عشرين ومائة
وقر [6] .
وقال غيره: كان له [7] ستمائة قمطر كتب، [8] وكان الواقدي يَقُولُ:
حفظي [9] أكثر من كتبي.
وقال: الدراوَرْديّ: ذاك أمير المؤمنين [في] [10] الحديث [11] .
وقال مصعب [12] الزبيري: هو ثقة مأمون، والله ما رأينا مثله قط [13] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 6.
[2] في الأصل: «يذكر محمد بن عمر» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 5.
[4] في ت: «فقل» .
[5] «فحمل» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 5- 6.
[7] في ت: «كانت في» .
[8] «كتب» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «حفظت» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد
[11] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 9.
[12] «مصعب» ساقطة من ت.
[13] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 9.
(10/174)
وكذلك قال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة [1]
.
وكذلك قال [أبو] [2] عبيد.
وقال مجاهد بن مُوسَى: ما كتبت عن أحد قط [3] أحفظ منه.
وقال عباس العنبري: الواقدي أحب إلي من عبد الرزاق [4] كان إبراهيم
الحربي معجبا بِهِ، يَقُولُ: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام، وأعلم
الناس بأمر الإسلام [وفقه أبو عُبَيْد من كتب الواقدي] [5] ، ومن قال
إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق.
قال المصنف رحمه الله: وقد قدح فيه جماعة.
كان علي بن المديني يَقُولُ: الواقدي ضعيف، لا يروى عَنْه.
وقال يحيى بن مَعِين: ليس بشيء، ولا نكتب حديثه.
وقال أحمد بن حنبل: هو كذاب، جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين [6] .
وقال الشافعي: كتب الواقدي كذب.
وقال بندار: ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي.
وقال البخاري والنسائي: هو متروك الحديث.
وقال أبو زُرْعة/: ترك الناس حديثه.
وقد ذكر إبراهيم الحربي: سبب طعن أحمد فيه واعتذر عَنْه.
فأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي
[بن ثابت] [7] الحافظ
__________
[1] «الواقدي ثقة» ساقطة من ت. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 11.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «قط» ساقطة من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 11.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 13- 15.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/175)
قال: أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي، حدثنا
عبيد الله بن محمد بن حمدان، حدثنا محمد بْن أيّوب قَالَ: قال إبراهيم
[الحربي] [1] : سمعت أحمد ذكر الواقدي فَقَالَ: ليس أنكر عليه شيئا إلا
جمعه الأسانيد ومجيئه بمتن واحد على سياقة واحدة عن جماعة، وربما
اختلفوا [2] .
قال إبراهيم: [ولم؟] [3] وقد فعل هذا ابن إسحاق، والزهري وحماد بن
سَلَمَة [4] ؟
قال المصنف: لو كانت المحنة جمع الأسانيد لقرب الأمر، فإن الزهري [قد
جمع] [5] رجالا في حديث الإفك محمول على اختلاف اللفظ دون المعنى، وليس
هذا يقع في كل ما يجمع [عَلَيْهِ] [6] ، وإنما نقموا عليه ما هو أشد من
هذا.
فروى إسحاق الكوسج عن أحمد أنه قال: الواقدي يقلب الأحاديث كأنه يجعل
ما لمعمر لابن أخي الزُّهْرِيّ، [وما لأبن أخي الزهري] [7] لمعمر.
وقال إسحاق بن راهويه: كان يفعل هذا، وكان ممن يضع الحديث.
وقال اللاحي: الواقدي متهم.
توفي الواقدي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة [ليلة] [8] خلت من ذي الحجة من
هذه السنة، ودفن في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة.
1153- المظفر بن مدرك، أبو كامل الخراساني الأصل [9] .
سمع حماد بن سَلَمَة. وروى عنه أحمد بن حنبل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 16.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 16.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 10/ 183 وتاريخ بغداد 13/ 125.
(10/176)
وقال يحيى: كنت آخذ منه [1] صنعة الحديث
ومعرفة الرجال، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة/
1154-[الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن الطائي.
حدث عَن هشام بن عروة، وابن إسحاق، وشعبة، وغيرهم. وكان أحسن الناس
وجها، وأنظفهم ثوبا، وأطيبهم ريحا] [2] فوجد له مائتا قميص، ومائتا
طيلسان، ومائة [رداء] [3] ، وخمسين عمامة، ومائة سروال.
[ولم يكن عند المحدثين بثقة، وتوفي في هذه السنة [4]] وقيل: في سنة ست.
1155- هشام بن القاسم [5] ، أبو النصر الكتاني.
خراساني الأصل [6] ، سمع شعبة، وليث بن سعد.
روى عنه: أحمد بن حنبل. وقيل: كان من الآمرين بالمعروف والناهين عن
المنكر.
وقال يحيى: كان ثقة [7] .
توفي في هذه السنة، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك بالجانب الشرقي.
1156- يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، أبو زكريا الفراء، مولى بني
أسد
[8] .
من أهل الكوفة. حدث عَن قيس بن الربيع، ومندل بن علي، والكسائي، وأبي
__________
[1] في ت: «أخذ صنعة الحديث ومعرفة الرجال منه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل والترجمة ساقطة من الأصل وهي من
تاريخ بغداد 14/ 50.
[5] في ت وتاريخ بغداد 14/ 63. «هاشم بن القاسم» .
[6] «الأصل» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «هو ثقة» .
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 149- 150.
(10/177)
بَكْر بن عياش، وسفيان بن عُيَيْنَة وكان
ثقة إماما.
قال ثعلب: لولا الفراء ما كانت عربية، لأنه خلصها وضبطها. [1] أخبرنا
أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن
هارون التميمي، حدثنا الحسن بْن دَاوُد، حدثنا أبو جعفر عقدة، أخبرنا
أبو بديل الوضاحي قَالَ: أمر أمير المؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما
جمع به أصول النحو وما سمع من العرب، وأمر أن يفرد في حجرة من حجر
الدار، ووكل به جواري وخدما يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه،
ولا تتشوق نفسه إلى شيء حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصَّلاة، وصير
له [2] .
الوراقين، وألزمه الأمناء والمنفقين، فكان يملي والوراقون يكتبون، حتى
صنف الحدود في سنين، وأمر المأمون بكتبه في الخزائن، فبعد أن فرغ من
ذلك خرج إلى الناس، وابتدأ يملي كتاب «المعاني» وكان وراقاه: سلمة وأبا
نصر. قال: فأردنا ابن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب «المعاني»
فلم يضبط. قَالَ: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا، فلم يزل يمليه
حتى أتمه، وله كتابان في المشكل، أحدهما أكبر من الآخر، قَالَ: فلما
فرغ من إملاء كتاب «المعاني» خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا بِهِ [3]
، وقالوا: لا نخرجه إلى أحد إلا من أراد أن ننسخه له على خمس أوراق
بدرهم فشكى الناس [ذلك] [4] إلى الفراء، [فدعا الوراقين] [5] فَقَالَ
لهم في ذلك، فقالوا: إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس
إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعيش به. فَقَالَ:
فقاربوهم تنتفعوا وتنتفعوا، فأبوا عليه، فقال: سأريكم. وقال للناس:
إني ممل كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذي أمليت. فجلس يملي،
فأملى الحمد في مائة ورقة، فجاء [6] الوراقون إليه [7] فقالوا: نحن
نبلغ للناس ما يحبون،
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 149.
[2] في ت: «إليه» .
[3] في ت: «ليكتبونه» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل فقط.
[6] في الأصل: «فأتى» .
[7] «إليه» ساقطة من ت.
(10/178)
فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم. قَالَ: وكان
المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد [1]
الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له،
فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا [على] [2] أن يقدم كل واحد منهما فردا،
فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك إليه في
الخبر، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل [3] عليه قال لَهُ: [4] من
أعز النَّاسَ؟ قَالَ: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قَالَ: بلى، من إذا
نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى/ رضي كل واحد منهما
[5] أن يقدم فردا. قَالَ: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك،
ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقًا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة
حرصا عليها. وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين
خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحديثين ركابيهما وأنت
أشرف [6] منهما؟ قال لَهُ: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا
أهل الفضل، [وأنا ذو فضل] [7] فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك
لأوجعتك لوما وعتبا، وألزمتك ذنبًا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل
رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بفعلهما،
فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا [عن ثلاث] : [8] عن تواضعه لسلطانه،
ولوالده، ولمعلمه العلم، ولقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك
عشرة آلاف درهم على حسن [9] أدبك لهما [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قَالَ:
أخبرنا الأزهري قَالَ: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد،
__________
[1] في ت: «كان في بعض الأيام» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فدخل» .
[4] «له» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «منهم» .
[6] في ت، وتاريخ بغداد: «أسن» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «عن حسن» .
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 149- 151.
(10/179)
حَدَّثَنَا بيان بن يعقوب الرقومي قال:
سمعت عبد الله بن الوليد [1] صعودا يَقُولُ: كان محمد بْن الحسن الفقيه
ابن خالة الفراء، وكان الفراء يوما [2] عنده [3] جالسا، فقال الفراء:
قل رجل أمعن [4] النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه، فقال
له مُحَمَّد: يا أبا زكريّا، فأنت الآن قد أمعنت [5] النظر في العربية
فنسألك عن باب من الفقه؟ قال: هات على بركة اللَّه. قال: ما تقول في
رجل صلى/ وسها فسجد سجدتي [6] السهو فسها فيهما؟ ففكر الفراء ساعة، ثم
قَالَ: لا شيء عَلَيْهِ قال له محمد: ولم؟ [قال:] [7] لأن التصغير
عندنا لا تصغير له [8] [وإنما السجدتان إتمام الصلاة فليس للتمام تمام]
[9] . فقال محمد: ما ظننت أن آدميا يلد مثلك [10] .
توفي الفراء ببغداد في هذه السنة. وقد بلغ ثلاثا وستين سنة. وقيل: مات
في طريق مكة.
__________
[1] في ت: «ابن أبي ليلى» .
[2] «يوما» ساقطة من ت.
[3] في ت: «عندنا» .
[4] في ت: «أنعم» .
[5] في تاريخ بغداد، ت: «أنعمت» .
[6] في ت، الأصل: «في رجل صلى فيها وسها عن سجدتي السهو» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «له» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت وأضفناه من تاريخ بغداد.
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 152.
(10/180)
ثم دخلت سنة ثمان
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن الحسن بن الحسين بن مصعب مضى من خراسان إلى كرمان ممتنعا، فمضى إليه
أحمد بْن أبي خالد حتى أخذه، فقدم به على المأمون فعفا عَنْه [1] .
وفيها: ولى المأمون محمد بن عبد الرحمن المخزومي قضاء عسكر المهدي في
المحرم، ثم عزله في ربيع الأول وولى بشر بن الوليد الكندي [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِي بْن
ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الأَزْهَرِيُّ، حدثنا علي بن عمر الحافظ، أخبرنا
عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا الحارث بن مُحَمَّد، حدثنا محمد
[بن سعد] [3] قَالَ: سنة ثمان ومائتين فيها استعفى محمد بن سماعة
القاضي من القضاء، فأعفي وأقره المأمون في صحابته، وولى مكانه القضاء
بمدينة السلام إسماعيل بن حمَّاد بن أبي حنيفة وولى مكان إسماعيل حمادا
[4] على قضاء الشرقية [5] والكرخ: عكرمة بن طارق، ولبس خلعتين.
وحج بالناس في هذه السنة صالح بن الرشيد [6] .
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري: 8/ 597.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 597.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «حماد» ساقطة من ت.
[5] في ت: «على القضاء بالشرقة» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 597.
(10/181)
وجاء سيل إلى مكة حتى نال الماء الحجر [1]
والباب، وهدم أكثر من ألف دار، ومات ألف إنسان/.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1157- أسود بن عامر، أبو عبد الرَّحْمَن المعروف بشاذان
[2] .
أصله من الشام، وسمع سفيان الثوري، وشعبة، والحمادين، وابن المبارك
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ووثقه.
توفي ببغداد هذه السنة.
1158- ثابت بن نصر بن الهيثم، الخزاعي
[3] كان يتولى إمارة الثغور. ويذكر عنه فضل وصلاح [4] وحسن أثر فيما
ولي.
توفي في هذه السنة بالمصيصة.
1159- صالح بن عبد الكريم العابد [5]
حدث عَن فضيل بن عياض، وابن عُيَيْنَة. حدث عنه البرجلاني.
أخبرنا أبو منصور [6] القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا
أبو طاهر محمد بْن أحمد بن أبي الصقر [7] ، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان
الدمشقيّ، حدثنا
__________
[1] في ت: «حتى بلغ الماء الحجر» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 34- 35.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 142- 143.
[4] في ت: «ويذكر عنه أحمد بن فضل وصلاح وحسن....» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 312- 313.
[6] «أبو منصور» ساقطة من ت.
[7] في ت: «بن أبي الصفراء» .
(10/182)
خيثمة بن سليمان الأطرابلسي [1] ، حدثنا
أبو العباس النسائي قال: سمعت بعض الأشياخ يقول: قال لي صالح بن عبد
الكريم يوما أيش في كمك يا أبا يوسف؟ قُلْتُ:
حديث قَالَ: يا أصحاب الحديث، ما كان ينبغي أن يكون أحد أزهد منكم،
إنما تقلبون ديوان الموتى، لعل ليس بينك وبين النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ
عَليْه وَسَلَّمَ في كتابك أحد إلا وقد مات.
1160- عبد الله بن بكر بن حبيب، أبو وهب الباهلي الْبَصْرِيّ
[2] .
سكن بغداد، وحدث بها عَن حميد الطويل، وحاتم بن أبي صغيرة، وسعيد بن
أبي عروبة روى عَنْه أحمد بن حنبل وأبو خيثمة، والحسن بن عرفة/ وكان
ثقة صدوقا.
توفي في محرم هذه السنة.
1161- عمر بن عبد العزيز، أبو حفص الشطرنجي.
كان أبوه من موالي المنصور، ونشأ أبو حفص في دار المهدي [3] ومع
أولاده، وتأدب، وكان محبًا للشطرنج فلقب بِهِ، ثم انقطع إلى علية وكان
يقول لها الأشعار فيما تريده وكان نديمًا مستحسنا ومؤنسا لطيفا.
روى محمد بن المرزبان عن أبي العباس الكاتب قَالَ: كان الرشيد يحب
ماردة جاريته، وكان قد خلفها بالرقة، فلما قدم بغداد اشتاقها فكتب
إليها:
سلام على النازح المغترب ... تحية صب به مكتئب
سأستر والستر من شيمتي ... هوى من أحب بمن لا أحب
فلما ورد الكتاب أمرت أبا حفص الشطرنجي بإجابته عنها فأجاب:
أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه العجائب كل العجب
أتزعم أنك لي عاشق ... وأنك بي مستهام وصب
__________
[1] في الأصل: «الطرابلسي» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 421- 423.
[3] في ت: «أبو حفص مع المهدي» .
(10/183)
فلو كان هذا كذا لم تكن ... لتتركني نهزة
للكرب
وأنت ببغداد ترعى بها ... نبات اللذاذة مع من تحب
فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادني صبوة ... وأشعر قلبي بحر اللهب
فهبني نعم قد كتمت الهوى ... فكيف بكتمان دمع سرب
ولولا اتقاؤك يا سيدي ... لوافتك بي الناجيات النحب
فلما قرأ الرشيد كتابها أنفذ من وقته خادما على البريد/ حتى حدروها [1]
إلى بغداد في الفرات.
وروينا أن الرشيد غضب على علية، فأمرت أبا حفص الشطرنجي أن يقول شعرا
يعتذر فيه عنها فَقَالَ:
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه ... من أن يكون له ذنب إلى أحد
كانت علية أيدي الناس كلهم ... من أن تكافى بسوء آخر الأبد
ما لي إذا غبت لم أذكر بواحدة ... وإن سقمت وطال القسم لم أعد
ما أعجب الشيء أرجوه فأكرمه ... قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
فغنى بها الرشيد فأحضرها وقبل رأسها وقَالَ: لا أغضب عليك أبدا.
وقال عبد الله بن الفضل بن الربيع: دخلت على أبي حفص الشطرنجي أعوده في
علته التي مات فيها، فأنشدني لنفسه:
نعى لك ظل الشباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدا لداعي الفنا ... فإن الذي هو آت قريب
ألسنا نرى شهوات النفوس ... تفنى وتبقى علينا الذنوب
وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب
__________
[1] في ت: «حتى حدوها» .
(10/184)
1162- الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن
أبي فروة، واسم أبي فروة: كيسان، وكنية الفضل: أبو الْعَبَّاس
[1] .
وكان حاجب [2] الرشيد والأمين. وكان أبو العباس أبوه حاجب [3] المنصور
والمهدي. وأسند الحديث عَن حميد الطويل، ولما أفضت الخلافة إلى الأمين
قدم الفضل عليه من خراسان بالأموال/ والقضيب والخاتم، وكان في صحبة
الرشيد إلى أن مات الرشيد [4] بطوس، فأكرمه الأمين وقربه وألقى إليه
[5] أن دبر الأمور، وعول عليه في المهمات، وفوض إليه ما وراء بابه،
فكان هو الَّذِي يولي ويعزل وتخلى الأمين مستريحا، واحتجب عن الناس
فقال أبو نواس:
لعمرك ما غاب الأمين محمد ... عن الأمر يعنيه إذا شهد الفضل
ولولا مواريث الخلافة أنها ... له دونه ما كان بينهما فضل [6]
وإن كانت الأخبار فيها تباين ... فقولهما قول وفعلهما فعل
أرى الفضل للدنيا وللدين جامعا ... كما السهم فيه الفوق والريش والنصل
[7]
فلما خلع الأمين، وجاء المأمون إلى بغداد لمحاربته هرب الفضل بن
الربيع، فلما قتل الأمين نفى الفضل وطاهر بن الحسين ببغداد فثنى عنانه
معه وقَالَ: إن هذا العنان ما ثني إلا لخليفة، فقال له طاهر: صدقت، فسل
ما شئت فَقَالَ: تكلم لي أمير المؤمنين فكلمه، فصفح عنه.
وله في هربه قصة طريفة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم
علي بن المحسن التنوخي، عن
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 343.
[2] في ت: «وكان صاحب الرشيد» .
[3] في ت: «أبوه صاحب» .
[4] «الرشيد» ساقطة من ت.
[5] في ت: «وألقى إليه مقاليد» .
[6] هذا البيت ساقط من النسخة ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 344.
(10/185)
أَبِيهِ قَالَ: حدثني علي بن هشام الكاتب
قَالَ: حدثنا علي بن مقلة قَالَ: حدثني أبو عيسى بْن سعيد الديناري، عن
أبي أيوب سليمان بن وهب، عن ابن طالوت كاتب ابن وهب [1] قَالَ:
سَمِعْتُ الفضل بن الربيع يَقُولُ: لما استترت عن المأمون أخفيت نفسي
عن عيالي وولدي، وكنت أستقل وحدي، فلما قرب المأمون من بغداد زاد حذري
وخوفي على نفسي فشددت في الاحتياط والتواري وأفضيت إلى منزل بزاز كنت
أعرفه بباب الطاق، وشدد المأمون في/ طلبي، فلم يعرف لي خبرا، فتذكرني
يوما واغتاظ وجد بإسحاق بن إبراهيم في طلبي وأغلظ له، فخرج إسحاق من
حضرته، فجد بأصحاب الشرط حتى أوقع ببعضهم المكاره، ونادى في الجانبين
بأن من جاء بي فله عشرة آلاف درهم وأقطاع بثلاثة آلاف دينار كل سنة،
وأن من وجدت عنده بعد النداء ضرب خمسمائة سوط، وهدمت داره، وأخذ ماله،
وحبس طول عمره، فما شعرت إلا بصاحب الدار قد دخل علي فأخبرني بخبر
النداء، وقال: والله ما أقدر بعد هذا على سترك ولا آمن زوجتي ولا
جاريتي ولا غلامي، تشره نفوسهم إلى المال فيدلون عليك فأهلك بهلاكك،
فإن صفح الخليفة [عنك] [2] لم آمن أن تتهمني [أنت] [3] أني دللت عليك،
فيكون ذلك أقبح، وليس الرأي لي ولك إلا أن تخرج عني. فورد علي أعظم
مورد وقلت: إذا جاء الليل خرجت عنك فَقَالَ: ومن يطيق الصبر على هذا
إلى الليل، فإن وجدت عندي قبل الليل فكيف يكون حالي؟ وهذا وقت حار، وقد
طال عهد الناس بك، فتنكر واخرج فقلت: وكيف أتنكر؟ قَالَ: تأخذ أكثر
لحيتك، وتغطي رأسك، وتلبس قميصا ضيقا. ففعلت ذلك، وخرجت في أول أوقات
العصر وأنا ميت جزعا، فمشيت في الشارع حتى بلغت الجسر فوجدته خاليا
فتوسطته، فإذا بفارس من الجند الذين كانوا يتناوبون في داري أيام
وزارتي قد قرب مني وعرفني فَقَال: طلبة أمير المؤمنين والله وعدل إلي
ليقبض علي، فمن حلاوة النفس دفعته ودابته، فوقع في بعض سفن البحر،
وأسرع الناس لتخليصه وظنوا أنه/ قد زلق لنفسه فزدت أنا المشي من غير
عدو لئلا ينكر حالي، إلى أن عبرت الجسر، ودخلت درب سليمان، فوجدت امرأة
على باب دار
__________
[1] في ت: «كاتب ابن طاهر» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/186)
مفتوح، فقلت لها: يا امْرَأَة، أنا خائف من
القتل فأجيريني واحفظي دمي. قالت: ادخل فأومأت إلى غرفة فصعدتها. فلما
كان بعد ساعة إذا بالباب قد دق، فدخل زوجها فتأملته، فإذا هو صاحبي على
الجسر، وهو مشدود الرأس يتأوه من شجة لحقته، فسألته المرأة عن خبره،
فأخبرها بالقصة وقال لها: قد زمنت دابتي، وقد نفذت بها تباع للحم، وقد
فاتني الفتى وجعل يشتمني وهو لا يعلم أني في الدار، فأقبلت [1] المرأة
ترقق به حتى [يهدأ] [2] قالت: أَحْمَد الله الذي حفظك ولم تكن سببا [3]
لسفك دمه. فلما اختلط الظلام صعدت المرأة إلي فقالت: أظنك صاحب القصة
مع هذا الرجل فقلت: نعم فقالت: قد سمعت ما عنده فاتق الله عز وجل في
نفسك. واخرج فدعوت لها وخرجت، فوجدت الحراس قد أغلقوا الدروب [4] .
فتحيرت، ثم رأيت رجلا يفتح بابا بمفتاح رومي. فقلت: هذا غريب [ليس عنده
أحد] [5] ، فدنوت منه، فقلت: استرني سترك اللَّه قَالَ: ادخل فأقمت
[عنده] [6] ليلتي، فخرج من الغد وعاد ومعه حمالان: على رأس أحدهما
حصير، ومخدة، وجرار، وكيزان، وغضائر جدد، وقدر جديدة، وعلى الآخر:
خبز، وفاكهة، ولحم، وثلج. فدخل فترك ذاك عندي وأغلق الباب، فنزلت
وعدلته وقلت لَهُ: لم تكلفت هذا؟ فقال: أنا رجل مزين [7] ، وأخاف أن
تستقذرني، وقد أفردت هذا لك، فاطبخ وأطعمني في غضارة أجيء بها من عندي،
فأقمت عنده ثلاث ليال، وقلت له في الرابعة: الضيافة ثلاث، وقد أحسنت،
وأريد الخروج/ فَقَالَ: لا تفعل، فإني وحيد ولست ممن يطرق بيته أحد ولا
تحذر أن يفشو [لك] خبر [8] من عندي أبدًا، فأقم [9] إلى أن يفرج الله
عنك. فأبيت، وخرجت فمشيت حتى بلغت باب التين أريد
__________
[1] في ت: «في الدار فجعلت» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «قالت أحمد الله.....» ساقطة من ت.
[4] «الدروب» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «حجام» .
[8] في الأصل: «أن نفشو خبرك» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «فأتم» .
(10/187)
عجوزا من موالينا، فدققت عليها الباب،
فخرجت فلما رأتني بكت وحمدت الله تعالى على سلامتي، وأدخلتني الدار ثم
بكرت وسعت بي، فما شعرت إلا بإسحاق بخيله ورجله قد أحاط بالدار،
فأخرجني حتى وقفني بين يدي المأمون حافيا حاسرا، فلما بصرني المأمون
سجد طويلا ثم رفع رأسه. فَقَالَ: يا فضل، تدري لم سجدت؟ فقلت:
شكرا للَّه إذ أظفرك الله بعدو [1] دولتك والمغري بينك وبين أخيك.
فَقَالَ: ما أردت هذا، ولكني سجدت شكرا للَّه تعالى على أن أظفرني بك
وألهمني [من] [2] العفو عنك، حدثني بخبرك. فشرحته من أوله إلى آخره
فأمر بإحضار المرأة مولاتنا، وكانت في الدار تنتظر الجائزة فقال لها:
ما حملك على ما فعلت مع إنعامه [3] وإنعام أهله عليك؟ قالت:
رغبت في المال قال: فهل لك من ولد أو زوج أو أخ؟ قالت: لا فأمر بضربها
مائتي سوط، وأن تخلد الحبس، ثم قال لإسحاق: أحضر الساعة الجندي وامرأته
والمزين فأحضروا، فسأل الجندي عن السبب الذي حمله على فعله، فقال:
الرغبة في المال.
فَقَالَ: أنت أولى [4] أن تكون حجاما ليس يحسن أن يكون مثلك [5] من
أوليائنا وأمر بأن يسلموه [6] إلى المربين في الدار [7] ويوكل به من
يسومه تعلم الحجامة، وأمر باستخدام زوجته في قهرمة دور حرمه. وقَالَ:
هذه امرأة عاقلة دينة، وأمر بتسليم دار/ الجندي وقماشه [8] إلى المزين،
وأن يجعل رزقه لَهُ، ويجعل [9] جنديا مكانه. وأطلقني إلى داري فرجعت
آمنا مطمئنا [وفي رواية أخرى: أن المأمون أمر لتلك المرأة التي أمرته
أن يخرج مخافة شر زوجها بثلاثين ألف درهم، فقالت: لست آخذ على فعل
فعلته له جزاء إلا منه. وردت المال. وتوفي الفضل في ذي القعدة من هذه
السنة] [10] .
__________
[1] في ت: «أظفرك بعدو» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: من إنعامه.
[4] «أولى» ساقطة من ت.
[5] في ت: «أن تكون حجاما أولى من أن يكون من ... » .
[6] في ت: «وأمر أن يسلم» .
[7] «في الدار» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وفرسه» .
[9] في ت: «وأن يجعله مثله وجعل» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/188)
1163- كلثوم بن عمرو [بن أيوب] [1] ،
العتابي
[2] .
كان خطيبا شاعرا بليغا، وكان منقطعا إلى البرامكة، فوصفوه للرشيد
ووصلوه به، فبلغ عنده [كل] [3] مبلغ، ومدح الرشيد وغيره من الخلفاء، ثم
كان يتجنب غشيان السلاطين، ويلبس الصوف زهدا. ومن أشعاره في الزهد:
ألا قد نكس [4] الدهر ... فأضحى حلوه مرا
وقد جربت من فيه ... فلم أحمدهم طرا
فألزم نفسك اليأس ... من الناس تعش حرا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [5] بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بن علي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري
[قال:] حَدَّثَنَا المعافى بْن زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ
بن منصور الحارثي، حدثنا أحمد بْن أبي طاهر قَالَ: حدثني أبو دعامة
الشاعر قال: كتب طوق بن مالك إلى العتابي يستزيره ويدعوه إلى أن يصل
القرابة بينه وبينه، فرد عليه: إن قريبك من قرب منك خيره وإن عمك من
عمك نفعه، وإن عشيرتك من أحسن عشرتك، وإن أحب الناس إليك أجداهم
بالمنفعة عليك، ولذلك أقول:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... وخبرت من وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أكبر [6] الأنساب [7]
/ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا العتيقي، أخبرنا محمد بْن الْعَبَّاس، أخبرنا
علان بن أَحْمَد [8] ، حدثنا قاسم الأنباري، قال: قال
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 488.
[2] ومكانه «فبلغ عنده مبلغا» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فتش» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 491.
[6] في ت: «أقرب» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 488- 489.
[8] «بن أحمد» ساقطة من ت.
(10/189)
أَحْمَد بن يحيى: قيل للعتابي: [1] إنك
تلقى العامة ببشر وتقريب، فَقَالَ: رفع ضغينة بأيسر مئونة، واكتساب
إخوان بأهون مبذول [2] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن
الحسين النعالي قال: أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني قَالَ: أخبرني علي بن
سليمان، عن محمد بن يزيد قَالَ: كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو
العتابي فلما دخل عليه قَالَ: يا كلثوم، بلغتني وفاتك فساءتني، ثم
بلغتني وفادتك فسرتني فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، لو قسمت هاتان
الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاهم فضلا وإنعاما، وقد خصصتني منهما بما
لا يتسع له أمنية، ولا ينبسط لسواه [3] أمل، لأنه لا دين إلا بك ولا
دنيا إلا معك.
قَالَ: سلني [ما شئت] [4] ، قَالَ: يدك بالعطاء أطلق [5] من لساني
بالسؤال [6] فوصله صلات [7] سنية، بلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل
[8] .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد
الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم
المازني، أخبرنا أبو بكر الأنباري، حدثنا الحسن بْن علي العنزي، حدثنا
النضر العجلي قَالَ: كتب إلي عبد الجبار بن كثير يَقُولُ: حدثنا حسن
الصوفي قَالَ: قال لي العتابي كلثوم بن عمرو: قدمت مرة [على أبي عمار
بوقر كتبا، فقال: ما عليه؟ قلت: كتب. قَالَ: والله ما ظننته إلا مالا
فعدلت] [9] إلى يعقوب بن صالح، فدخلت عليه فأنشدته: /
حسن ظني إليك أصلحك الله ... دعاني فلا عدمت الصلاحا
ودعاني إليك قول رسول الله ... ان قال مفصحا إفصاحا
__________
[1] في ت: «قيل للعتابي لكلثوم» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 489.
[3] في ت: «ولا ينبسط له» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] من الأصل: «بالمسألة» .
[7] في ت: «بصلاة» .
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 490.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/190)
إن أردتم حوائجا من أناس ... فتنقوا لها
الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجها ... ما به خاب من أراد النجاحا
فَقَالَ: ما حاجتك يا كُلْثُوم؟ قُلْتُ: بدرتان، فَقَالَ: أعطوه
بدرتين، فانصرفت بهما إلى أبي وقلت: هذا بالكتب التي أنكرت.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي [بن حسين]
[1] المحتسب، أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا أبو بكر بن دريد قَالَ:
قال مالك بن طوق للعتابي: رأيتك كلمت فلانا فأقللت كلامك؟ قال: نعم،
كان معي حيرة الداخل، وفكرة صاحب الحاجة، وذل المسألة، وخوف الرد مع
شدة الطمع [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الحُسَين
النعالي، أخبرنا أبو الفرج الأصفهاني قَالَ: ذكر أحمد بن أبي طاهر بن
عبد الله بن أَبِي سَعِيد: أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد
بن إبراهيم السيادي قَالَ: لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون
أذن لَهُ، فدخل عليه وعنده إسحاق الموصلي، وكان العتابي/ شيخا جليلا،
فسلم فرد عليه فأدناه فقبل يده، ثم أمره بالجلوس، فجلس وأقبل عَلَيْهِ
فسأله عن حاله وهو يجاوبه بلسان طلق [3] فاستظرف المأمون ذلك منه،
وأقبل عليه يداعبه ويمزح [4] ، فظن الشيخ أنه استخف به، فقال: يا أمير
المؤمنين، الإيناس قبل الإبشاش فاشتبه على المأمون قوله، فنظر إلى
إسحاق مستفهما، فأومأ إليه بعينه، وغمزه حتى فهم، ثم قال: يا غلام، ألف
دينار. فأتي بذلك فوضعه بين يدي العتابي، وأخذوا في الحديث، ثم غمز
المأمون إسحاق عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق،
فبقي العتابي متعجبا، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، أتأذن في مسألة هذا
الشيخ عن اسمه، قال: نعم سله. فقال [لإسحاق] : [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 491.
[3] في ت: «وهو يجبه بلسان زلق» .
[4] في ت: «بالمداعبة والمزح» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/191)
يا شيخ، من أنت، وما اسمك؟ فَقَالَ: أنا من
الناس، واسمي كل بصل فتبسم العتابي، ثم قال: أما النسب فمعروف، وأما
الاسم فمنكر فقال له إسحاق: إنما قل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل
بصل، واسمك كل ثوم، وما كلثوم في الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثوم؟
فقال لَهُ العتابي: للَّه درك، ما أرجحك أيأذن لي أمير المؤمنين أن
أصله بما وصلني بِهِ. فقال لَهُ المأمون: ذلك موفر عليك، ونأمر له
بمثله، فقال له إسحاق أما إذ أقررت بهذه فتوهمني تجدني. فقال لَهُ: ما
أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى/ إلينا خبره [1] ؟ قَالَ: أنا حيث
ظننت، وأقبل عليه بالتحية [2] والسلام، فقال له المأمون وقد طال الحديث
بينهما- أما [3] إذا اتفقتما على المودة فانصرفا. فانصرف العتابي إلى
منزل إسحاق فأقام عنده [4] .
وقد روينا أن العتابي دخل على عبد الله بن طاهر فأنشده:
حسن ظني وحسن ما عودني الله ... سواء منك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من ... حسن يقين حدا إليك ركابي
فأمر له بصلة، ثم دخل عليه من الغد فأنشده:
ودك يكفيني في حاجتي ... ورويتي كافية عن سؤالي
وكيف أخشى الفقر ما عشت لي ... وإنما كفاك رأس مالي [5]
فأمر له بجائزة، ثم [6] دخل عليه في اليوم الثالث [7] فأنشده:
بهجات الشباب يخلقها الدهر ... وثوب الثناء غض جديد
__________
[1] في الأصل: «الّذي نباهي بك الساخرة» .
[2] في الأصل: «بالصحبة» وما أثبتناه من ت وتاريخ بغداد.
[3] «وأما» ساقطة من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 489- 490.
[5] من أول: «فأمر له بصلة....» حتى «..... كفاك رأس مالي» ساقط من ت.
[6] «ثم» ساقطة من ت.
[7] في ت: «دخل عليه من الغد» .
(10/192)
فاكسني ما يبيد أيدك [1] الله ... فإني
أكسوك ما لا يبيد
فأجازه وخلع عليه، وكان قد سعي بالعتابي إلى الرشيد [وطلبه] [2] فأخفاه
جعفر بن يحيى وجعل يصلح [3] قلب [4] الرشيد عليه [5] حتى آمنه فَقَالَ:
/
ما زلت في غمرات الموت منطرحا ... قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يد الأجل
1164- القاسم بن الرشيد
[6] .
سماه الرشيد [7] المؤتمن، وخطب له بالخلافة بعد الأمين والمأمون، وعقد
فيما [8] عقد له أن الأمر إذا صار إلى المأمون كان أمر [9] المؤمنين
مفوضا إليه، إن شاء أقره وإن شاء [عزله] [10] واستبدل به من أراد [11]
من أخوته وولده، فلما صار الأمر [12] إلى المأمون خلعه المأمون [13] في
سنة ثمان وتسعين، وكتب بخلعه إلى الآفاق وترك الدعاء له على المنابر.
__________
[1] في ت: «أصلحك الله» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وجعل يستصلح» .
[4] «قلب» ساقطة من ت.
[5] «عليه» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 402. والنجوم الزاهرة 2/ 119.
والكامل لابن الأثير 5/ 57، 60، 62، 97، 131.
[7] في ت: «هو المؤتمن» .
[8] «وعقد فيما» ساقطة من ت.
[9] في ت: «أمير المؤمنين» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «رأى من إخوته» .
[12] في ت: «فلما خلص الأمر» .
[13] في ت: «للمأمون خلع المؤتمن» .
(10/193)
وتوفي المؤتمن ببغداد في [صفر] [1] هذه
السنة، وله خمس وثلاثون سنة، وحضره المأمون وصلى عَلَيْهِ.
1165- محمد بن إسماعيل [بن يوسف، أبو إسماعيل السلمي [2]]
التِّرْمِذِيّ
[3] سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا نعيم وقبيصة، وغيرهم، وكان
ثقة فهما متقنا مشهورًا بمذاهب السنة، سكن بغداد وحدث بها، فروى عنه:
أبو بكر بن أبي الدنيا، وابن صاعد، والمحاملي، وروى عنه: أبو عيسى
الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي في كتابيهما. وقال أبو بكر الخلال:
هو رجل [4] ثقة كثير العلم.
قال [ابن] [5] المنادي: توفي بمدينتنا لأيام مضت من رمضان سنة ثمان
ومائتين.
1166- مسلم بن الوليد، أبو الوليد الأنصاري، مولى أسعد بن زرارة
الخزرجي [6] .
[شاعر] [7] قدم على الرشيد/ ومدحه، فسماه صريع الغواني، لقوله:
هل العيش إلا أن تروح مع الصبا ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل [8]
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَدُ] [9]
بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أبو بكر [10] التنوخي، أَخْبَرَنَا محمد بن
عبد الرحيم المازني، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثنا أبو الحَسَن
البراء عن شيخ لَهُ قَالَ: قال مسلم بن الوليد ثلاثة أبيات تناهى فيها
وزاد على كل الشعراء: أمدح بيت، وأرثى بيت، وأهجى بيت. وأما المدح:
فقوله:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 42.
[4] «رجل» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 96- 98.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 97.
[9] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .
[10] «أبو بكر» ساقطة من ت.
(10/194)
تجود بالنفس إذ ضن البخيل بها ... والجود
بالنفس أقصى غاية الجود
وأما الهجاء: فقوله:
قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره بقبح المخبر
وأما الرثاء، فقوله:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
وبلغنا أن أعرابيا دخل على ثعلب فقال لَهُ: أنت الذي يزعم [الناس] [1]
أنك أعلم الناس بالأدب؟ قَالَ: كذا يزعمون قَالَ: أنشدني أرق بيت قالته
العرب وأسلمه. فقال:
قول جرير/
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا
فقال: هذا شعر رث، قد لاكه السفهاء [2] بألسنتها، هات غيره. فقال ثعلب:
أفدنا من عندك قال: قول مسلم بن الوليد صريع الغواني:
نبارز أبطال الوغى فنصدهم [3] ... وتقتلنا في السلم لحظ الكواعب
وليست سهام الحرب تفني نفوسنا ... ولكن سهام فوقت في الحواجب
فقال ثعلب اكتبوها على المحاجر ولو بالخناجر.
1167- معاذ بن المثنى [بن معاذ] ، [4] أبو المثنى العنبري
[5] .
سكن بغداد، وحدث بها عن مسدد، والقعنبي، روى عنه: صاعد بن مخلد، وكان
ثقة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «قد لاكه السفلة» .
[3] في ت: «بيدهم» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13 (36) - 137-.
(10/195)
توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في
مقابر [1] باب الكوفة إلى جنب الكديمي.
1168- أبو معاوية الأسود، واسمه: اليمان [2] .
أخبرنا أبو بكر العامري قال: أخبرنا ابن أبي صادق قال أخبرنا ابن
باكويه قال:
حدثنا عبد العزيز بن الفضل، حدثنا محمد بن أحمد المروروذي، حدثنا عبد
الله بن سليمان/، حدثنا نصير بن الفرج قال: كان معاوية قد ذهب بصره،
وكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف [3] وفتحه فيرد [4] الله عليه بصره،
فإذا أطبق المصحف ذهب بصره [5] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ محمد
العلاف، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا إسماعيل بن علي الخطابي [6]
، حدثنا أبو علي الحسين بن الفهم قال: سمعت يحيى بن معين يقول: رأيت
أبا معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها ويغسلها، فقيل
له: يا أبا معاوية، إنك تكسى. فقال: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر
الله لهم بالجنة كل مصيبة.
1169- يعقوب بن إبراهيم بن سعد بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أبو يوسف الزهري
[7] .
[سكن بغداد، و] [8] حدّث عن أبيه عن شعبة [9] ، روى عنه: أحمد، ويحيى،
وعلي، وأبو خيثمة.
__________
[1] في ت: «في مقبرة» .
[2] في الأصل: «اليماني» .
[3] في ت: «يقرأ في الصحف» .
[4] في ت: «وفتحه رد الله» .
[5] «فإذا أطبق المصحف ذهب بصره» ساقطة من ت.
[6] في ت: «الخطبيّ» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 268- 269.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «سميه» .
(10/196)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: [1] أخبرنا
أحمد بن علي، أخبرنا الأزهري، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا أحمد بن
معروف، حدثنا الحسين بن [2] فهم، حدثنا محمد بن سعد. قال:
يعقوب بن إبراهيم بن سعد كان ثقة مأمونا، تقدم على أخيه في الفضل
والورع والحديث، ثم لم يزل ببغداد ثم خرج إلى الحسن بن سهل- وهو بفم
الصلح- فلم يزل معه حتى توفي هناك في شوال سنة ثمان ومائتين، وكان أصغر
من أخيه سعد بأربع سنين [3] .
1170- يونس بن محمد بن مسلم، أبو مسلم المؤدب
[4] .
سمع الحمادين والليث [5] /. روى عنه: أحمد، وعلي، وأبو خيثمة، وكان ثقة
صدوقا.
توفي في صفر هذه السنة.
__________
[1] «بن محمد قال» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «حدثنا يحيى بن فهم» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 269.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 350.
[5] في الأصل: «والكتب» .
(10/197)
ثم دخلت سنة تسع
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن عبد الله بن طاهر حاصر نصر بن شبث، [1] وضيق عليه حتى طلب الأمان،
فكتب عبد الله بن طاهر [2] إلى المأمون يخبره فكتب له كتاب أمان [3] .
وفيها: ولى المأمون صدقة بن علي المعروف بزريق أرمينية، وأذربيجان،
ومحاربة بابك. [4] وفيها: بويع لإبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن
إبراهيم الإمام بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عباس، وهو يعرف بابن عائشة، وهي عائشة بنت سليمان بن علي جدته أم أبيه،
فولد عبد الوهاب ينتسبون إليها [5] ، وأختها لأبيها وأمها زينب بنت
سليمان بن [6] علي، وكانت تحت محمد بن إبراهيم الإمام، فولده منها
ينتسبون إليها، فبويع لإبراهيم ابن عائشة سرا في هذه السنة، بايع له
جماعة من قواد المأمون منهم:
محمد بن إبراهيم الإفريقي، ومالك بن شاهك، فسعي بهم وبه إلى المأمون.
__________
[1] في ت: «بن شبيث» .
[2] «بن طاهر» ساقطة من ت.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 598- 599.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 601.
[5] «فولد عبد الوهاب ينتسبون إليها» ساقطة من ت.
[6] «سليمان بن» ساقطة من ت.
(10/198)
فحبسهم ثم أخرجهم في السنة التي تليها،
فضرب أعناقهم وأمر بصلبهم، وكان ابن عائشة أول عباسي صلب في الإسلام
[1] ، وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد بن علي، وكان إذ
ذاك واليا على مكة/ [2]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1171- أحمد بن الرشيد، وقيل: اسمه صالح، ويكنى: أبا عيسى
كان من أحسن الناس وجها، وكان إذا عزم على الركوب جلس الناس لرؤيته
أكثر مما يجلسون لرؤية الخلفاء. وقال له الرشيد يوما [وهو صبي: [3]]
ليت حسنك لعبد الله- يعني المأمون- فقال له: على أن حظه منك لي [4] .
فعجب الرشيد من جوابه على صباه. وكان المأمون قد أعده للخلافة بعده،
وكان شديد الحب له، حتى كان يقول: إنه ليسهل [5] علي الموت وفقد الملك
لمحبتي أن يلي أبو عيسى [الأمر بعدي] [6] لشدة محبتي إياه. فمات أبو
عيسى في خلافة المأمون هذه السنة، وصلى عليه المأمون ونزل قبره، وامتنع
من الطعام أياما.
قال أحمد بن أبي داود: دخلت على المأمون وقد توفي أخوه أبو عيسى- وكان
محبا له- وهو يبكي، فقعدت إلى جانب عمر بن مسعدة، وتمثلت قول الشاعر:
نقص من الدنيا ولذاتها ... نقص المنايا من بني هاشم
فلم يزل يبكي ثم مسح عينيه وتمثل:
__________
[1] انظر: تاريخ الطبري 8/ 602- 604.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 601.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «لي» ساقطة من ت.
[5] في ت: «لقد سهل» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/199)
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغص ... فحسبك
مني ما تجن الجوانح [1]
كأن لم يمت حي سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
/ ثم التفت إلي فقال: هيه. قال أحمد: فتمثلت بقول عبدة بن الطيب:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن سخط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
فبكى ساعة ثم التفت إلى عمرو بن مسعدة.
فقال: هيه يا عمر. فقال:
بكوا حذيفة لن تبكوا مثله ... حتى تعود قبائل لم تخلق
قال: فإذا عريب وجوار معها، فسمعن ما يدور بيننا. فقالت: اجعلوا لي
معكم في القول نصيبًا فقال المأمون: قولي: فقالت:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
كأن بني العباس يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر
فبكى المأمون وبكينا، ثم قال المأمون: نوحي به. فناحت، ورد عليها
الجواري، فبكى المأمون حتى كادت [2] نفسه تذهب [3] .
وكان سبب موته: أنه خرج إلى الصيد فوقع عن دابته فلم يسلم دماغه، فكان
يصرع في اليوم مرات، فكان سبب موته.
وفي رواية: أنه رأى هلال رمضان فقال:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الإمام بقدره ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
__________
[1] في ت: «فحسبك ما مكن الجوانح» .
[2] في ت: «حتى قلت: قد حان» .
[3] «تذهب» ساقطة من ت.
(10/200)
فأصابه عقيب هذا القول صرع، فكان يصرع في
اليوم مرات إلى أن مات، ولم يبلغ شهرا مثله.
1172- بشر بن منصور السليمي
[1] .
روى عن الثوري.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم، أَخْبَرَنَا حمد بْن أحمد
الحداد، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أخبرنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن
إبراهيم الدورقي قال: حدثني العباس بن الوليد قال: أتينا بشر بن منصور
بعد العصر فخرج إلينا وكأنه متغير، فقلت له: يا أبا محمد لعلنا شغلناك
عن شيء، فرد ردا ضعيفا، ثم قال: ما أكتمكم- أو كلمة نحوها- كنت أقرأ في
المصحف فشغلتموني. ثم قال: ما أكاد ألقى أحدا فأرتج عليه شيئا.
1173- الحسن بن موسى، أبو علي الأشيب
[2] .
سمع شعبة، وحماد بن سلمة، روى عنه: أحمد، وأبو خيثمة. وكان أصله من
خراسان فأقام ببغداد وحدث بها، وولي القضاء بالموصل وحمص للرشيد، ثم
قدم بغداد في خلافة المأمون فولاه قضاء طبرستان، فتوجه إليها.
فتوفي في الري في هذه السنة.
قال يحيى بن معين: كان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ [3] بن العباس بن أحمد بن الفرات، حدثنا علي بن محمد بن سعيد
الموصلي، حدثنا أبو أيوب [سليمان بن أيوب] [4] الخياط، حدثنا أبو جعفر
محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال: كان بالموصل بيعة للنصارى
__________
[1] انظر ترجمته في: الأنساب 7/ 124.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 426.
[3] في الأصل تكرر: «أخبرنا محمد، أخبرنا أحمد بن علي الخطيب» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/201)
قد خربت، فاجتمع النصارى إلى الحسن بن موسى
الأشيب وجمعوا له مائة ألف درهم على أن يحكم بها/ حتى تبنى، فقال:
ادفعوا المال إلى بعض الشهود. فلما حضروا الجامع قال للشهود: أشهدوا
علي بأني حكمت بأن لا تبنى هذه البيعة. فانصرف النصارى، ورد عليهم
مالهم، ولم يقبل منهم درهما واحدا والبيعة خراب.
قال الخطيب: إنما فعل ذلك لثبوت البينة عنده أن البيعة محدثة بنيت في
الإسلام [1] .
1174- سعيد بن وهب، أبو عثمان [2] مولى بني أسامة بن لؤي
[3] .
كان شاعرا من أهل البصرة، فأكثر القول في الغزل والخمر والمجون، وتصرف
مع البرامكة، وتقدم عندهم، ودخل على الفضل بن يحيى يوما وقد جلس
للشعراء فجعلوا ينشدونه ويأمر لهم بالجوائز حتى لم يبق منهم أحد ثم
التفت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق له. فقال له: أيها الوزير، إني ما كنت
استعددت لهذه الحال، ولكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة فقال:
هاتهما، فرب قليل أبلغ من كثير. فقال:
مدح الفضل نفسه بالفعال ... فعلا عن مديحنا بالمقال [4]
أمروني بمدحه قلت كلا ... كبر الفضل عن مديح الرجال [5]
فطرب الفضل وقال [له] [6] : أحسنت والله وأجدت، ولئن قل القول وندر لقد
اتسع المعنى وكثر، ثم أمر له بمثل ما أعطى كل من أنشده يومئذ، وقال: لا
خير فيما يجيء بعد بيتيك وقام من المجلس، وخرج الناس لا يتناشدون إلا
البيتين [7] ، وكان لسعيد بن وهب عشرة بنين، وعشر بنات.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 427.
[2] في الأصل: «أبو عبد الرحمن» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 73- 74.
[4] في الأصل: «بالمال» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 73.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «لا يتناشدون غيرهما» .
(10/202)
وحكي عنه من التحرم واللعب أشياء، ثم أنه
تاب وتنسك وترك قول الشعر/، وخرق جميع ما عنده منه وأحرقه [1] ، وصار
كثير الصلاة وحج على قدميه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو
سعيد محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار،
حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني الحسين بن عبد الرحمن
قال: حج سعيد بن وهب ماشيا فبلغ منه وجهد، فقال:
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجر من ماء القليب
رب يوم رحتما فيه على ... زهرة الدنيا وفي واد خصيب
وسماع حسن من حسن ... صخب المزهر كالظبي الربيب
فاحسبا ذاك بهذا وأجرا ... وخذا من كل فن بنصيب
إنما أمشي لأني مذنب ... فلعل الله يعفو عن ذنوبي [2]
روينا أن أبا العتاهية كان صديقا لسعيد بن وهب، فلما مات سعيد جاء رجل
فسار أبا العتاهية بشيء. فقال له: ما قال لك؟ قال لي: مات سعيد بن وهب،
رحم الله سعيد بن وهب:
يا أبا عثمان أبكيت عيني ... يا أبا عثمان أوجعت قلبي
قال: فعجب الناس من طبع أبي العتاهية حيث أراد أن يتكلم فجاء بالكلام
شعرا.
1175- سعيد بن مسلم بن قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين، أبو محمد
الباهلي
[3] .
بصري الأصل، سمع عبد الله بن عون وطبقته. وقد كان سكن خراسان، وولاه
السلطان بعض الأعمال بمرو. قدم بغداد وحدث بها [4] ، روى عنه: ابن
الأعرابي، وكان عالما بالحديث والعربية، / إلا أنه كان لا يبذل نفسه
للناس.
__________
[1] «وأحرقه» ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 73- 74.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 74- 75.
[4] في ت: «وحدث عنه» .
(10/203)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا
أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأزهري قال:
أخبرنا علي بن عمر الحربي قال: أخبرنا حاتم بن الحسن الشاشي، حدثنا علي
بن خشرم قال: حدثني سعيد بن مسلم بن قتيبة قال: خرجت حاجا ومعي قباب
وكنائس، فدخلنا البادية فتقدمت القباب والكنائس على حمير لي، فمررت
بأعرابي محتب على باب خيمة له، وإذا هو يرمق القباب والكنائس، فسلمت
عليه فقال: لمن هذه القباب والكنائس؟ قال: قلت: لرجل من باهلة قال:
تاللَّه ما أظن الله يعطي الباهلي كل هذا، قال: فلما رأيت إزراءه
للباهلية دنوت منه فقلت: يا أعرابي، أتحب أن تكون لك هذه القباب
والكنائس وأنت رجل من باهلة؟ فقال: لا ها الله.
فقلت: أتحب أن تكون أمير المؤمنين وأنت رجل من باهلة؟
[قال: لا ها للَّه. قال: قلت: أتحب أن تكون من أهل الجنة وأنت رجل من
باهلة؟ قال: بشرط] [1] قلت: وما ذلك الشرط؟ قال: أن لا يعلم أهل الجنة
أني باهلي.
قال: ومعي صرة دراهم، فرميت بها إليه فأخذها وقال: لقد وافقت مني حاجة
فلما ضمها إليه قلت له: أنا رجل من باهلة، فرمى بها إلي وقال: لا حاجة
لي فيها. فقلت:
خذها إليك يا مسكين فقد ذكرت من نفسك الحاجة. فقال: لا أحب أن ألقى
الله ولباهلي عندي يد. فقدمت فدخلت على المأمون، فحدثته حديث الأعرابي،
فضحك حتى استلقى على قفاه وقال لي: يا أبا محمد، ما أصبرك. وأجازني
بمائة ألف درهم [2] /.
1176- عبد الله بن أيوب، [أبو محمد] التيمي
[3] .
من تيم اللات بن ثعلبة أحد شعراء الدولة العباسية، مدح الأمين، فأمر له
بمائتي ألف درهم، ومدح المأمون.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرني
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 74- 75.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 411- 413. ما بين المعقوفتين ساقط
من الأصل.
(10/204)
عليّ بن أيوب التيمي، أخبرنا محمد بن عمران
الكاتب قال: أخبرني الصولي قال:
حدثني عَبْد الله بن الحُسَين قَالَ: حدثني البختري، عن إبراهيم بن
الحسن بن سهل قَالَ: كان المأمون يتعصب للأوائل من الشعراء ويقول:
انقضى الشعر مع ملك بني أمية، وكان عمي الفضل بن سهل يقول لَهُ:
الأوائل حجة وأصول، وهؤلاء أحسن تفريعا، إلى أن أنشده يوما عبد الله
بْن أيوب التيمي شعرا مدحه فيه فلما بلغ قوله:
ترى ظاهر المأمون أحسن ظاهر ... وأحسن منه ما أجن وأضمرا
يناجي له نفسا تريع بهمة ... إلى كل معروف وقلبا مطهرا
ويخشع إكبارا له كل ناظر ... ويأبى لخوف الله أن يتكبرا
طويل نجاد السيف مضطمر الحشا ... طواه طراد الخيل حتى تحسرا
رفل إذا ما السلم رفل ذيله ... وإن شمرت يوما له الحرب شمرا
/ فقال للفضل: ما بعد هذا مدح [1] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى
بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ منصور الحارثي
قَالَ:
حدثنا أَبُو إسحاق الطلحي قَالَ: حدثني عبد الله بن القاسم قال: عشق
التيمي جارية عند بعض النخاسين فشكا وجده بها إلى أبي عيسى بن الرشيد
فقال أبو عيسى للمأمون:
يا أمير المؤمنين إن التَّيْمي يجد بجارية [2] لبعض النخاسين وقد كتب
إلي بيتين يسألني فيهما، فقال لَهُ: ما كتب إليك [3] فأنشده:
يا أبا عيسى إليك المشتكى ... وأخو الصبر [4] إذا عيل بكى
ليس لي صبر على هجرانها ... وأعاف المشرب المشتركا
فأمر له بثلاثين ألف درهم فاشتراها [5] .
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 411- 412.
[2] في ت: «قد عشق» .
[3] في ت: «إليه» .
[4] في ت: «الضر» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 412.
(10/205)
1177- عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط بن قيس
[1] ، أبو محمد، وقيل: أبو عدي الْبَصْرِيّ.
حدث عَن يونس بن يزيد، ومالك بن أنس، وشعبة. روى عَنْه: أحمد بن حنبل،
وابن راهويه، وعباس الدوري. وكان ثقة صالحا ثبتا.
توفي فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعٍ. وقيل: سنة
ثمان.
1178- معمر بن المثنى، أبو عبيدة، التيمي البصري النحوي العلامة
[2] .
ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي مات فيها الحسن البصري. وأسند الحديث
عَن هشام بْن عُرْوَة وغيره. وروى عَنْه: أبو عبيدة، وأبو عثمان
المازني، وأبو حاتم، وغيرهم. وكان ثقة أثنى عليه ابن المديني وصحح
روايته وقال: ما يحكي عن العرب [إلا الشيء] [3] الصحيح [4] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد/ قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي علي بن أيّوب قَالَ: أخبرنا المرزباني قَالَ: أخبرني
الصولي قَالَ: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، حدّثنا علي بن محمد
النوفلي قَالَ: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يَقُولُ: أرسل إلي الفضل
بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه فقدمت عليه فدخلت وهو في مجلس له
طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية، لا يرتقي إليها
إلا [على] [5] كرسي- وهو جالس عليها- فسلمت بالوزارة [6] ، فرد وضحك
[إلي] [7] واستدناني، حتى جلست وسألني وبسطني وألطفني، وقَالَ:
أنشدني: فأنشدته من عيون أشعار أحفظها جاهلية فَقَالَ: قد عرفت أكثر
هذه، وأريد من صلح الشعر. فأنشدته، فطرب وضحك، وزاد نشاطه، ثم دخل رجل
في زي الكتاب له
__________
[1] «بن قيس» ساقطة من ت. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 282.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 252- 258.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 257 وفي الأصل: «ما يحكيه عن العرب
صحيح» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «فسلمت عليه بالوزارة» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/206)
هيئة فأجلسه إلى جانبي، وقال [له] [1] :
أتعرف هذا؟ قال: لا. قَالَ: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة، أقدمناه
لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا. وقال [لي] [2] : إني
كنت إليك لمشتاق، وقد كنت سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن [3] أعرفك إياها؟
قلت: هات. قال: قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ
37: 65 [4] وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف.
فَقَالَ: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ
القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال/
وهم [5] لم يروا الغول قط، ولكنه لما كَانَ أمر الغول يهولهم أوعدوا
[6] به، فاستحسن الفضل ذَلِكَ. [واستحسنه] [7] السائل أيضا [8] واعتقدت
من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا [وأشباهه] [9] ، فلما
رجعت عملت كتابي الذي سميته «المجاز» [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ [11] قَالَ:
أخبرني علي بن أيّوب قَالَ: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قَالَ:
حدثني عبد الله بن جعفر، أخبرنا المبرد- أحسبه عن الثوري [12]- قَالَ:
بلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أريد أن أعرفك» .
[4] سورة: الصافات: الآية: 65.
[5] في ت: «والعرب»
[6] في ت: «يهولهم لروه به» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أيضا» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[10] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 254.
[11] «الحافظ» ساقطة من ت.
[12] في ت: «التوزي» .
(10/207)
عليه تأليفه كتاب «المجاز» في القرآن وأنه
قَالَ: يفسر كتاب الله [1] برأيه. قال: فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم
هُوَ؟ فركب حماره في ذلك [2] اليوم ومر بحلقة [3] الأصمعي فنزل عَن
حماره، وسلم عليه، وجلس عنده وحادثه، ثم قال لَهُ: يا أبا سعيد، ما
تقول في الخبز، أي شيء هُوَ؟ قال: هو هذا الذي نأكله ونخبزه، فقال له
أبو عبيدة: قد فسرت كتاب الله برأيك، فإن الله تعالى يَقُولُ: أَحْمِلُ
فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً 12: 36 [4] فقال الأصمعي:
هذا شيء بان لي فقلته [5] ، لم أفسره برأيي. فقال أبو عبيدة: والذي
تعيب علينا كله [شيء] [6] بان لنا فقلناه ولم نفسره [7] برأينا. ثم قام
فركب حماره وانصرف [8] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا حمزة بْن
مُحَمَّد [9] بْن طاهر الدقاق قَالَ: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن
بن الفضل [10] بن المأمون، أخبرنا أبو بكر بْن الأنباري قَالَ:
حَدَّثَني أبي، حدثنا الحسن [11] بن عليل العنزي قَالَ: أخبرنا أبو
عثمان المازني قال: سمعت أبا عبيدة يقول: دخلت على الرشيد/ فقال لي: يا
معمر، بلغني أن عندك كتابا حسنًا في صفة «الخيل» [12] أحب أن أسمعه
منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ تحضر فرسا ونضع أيدينا على عضو
عضو منه ونسميه ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام، فرس. فأحضر فرس،
فقام الأصمعي فوضع يده على عضو عضو ويقول: هذا كذا، قال فيه الشاعر
كذا، حتى انقضى قوله.
__________
[1] في ت: «يفسر القرآن» .
[2] «ذلك» ساقطة من ت.
[3] في ت: «ومر بحلفه» .
[4] سورة: يوسف، الآية: 36.
[5] في ت: «فعلته» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «ولم نفسر» .
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 255.
[9] «بن محمد» ساقطة من ت.
[10] «محمد بن طاهر بن الفضل» ساقطة من ت.
[11] في ت: «الحسين»
[12] في ت: «الخليل» .
(10/208)
فَقَالَ لي الرشيد: ما تَقُولُ فيما قَالَ؟
قُلْتُ: قد أصاب في بعض، وأخطأ في بعض، فالذي أصاب فيه مني تعلمه،
والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به [1] .
توفي أبو عبيدة بالبصرة في هذه السنة. وقيل: سنة ثمان. وقيل: سنة إحدى
عشرة. وقيل: سنة ثلاث عشرة. وبلغ ثلاثا وتسعين سنة.
1179- ميخائيل صاحب الروم
مات في هذه السنة، كان ملكه تسع سنين، وملّكت الروم ابنه تيوفيل.
__________
[1] في ت: «لا أدري من أتى» . انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 255-
256.
(10/209)
ثم دخلت سنة عشر
ومائتين
فمن الحوادث فيها:
وصول نصر بن شبث إلى بغداد، وكان [1] المأمون قد أرسله في زمن محاربته
بالطف فأذعن، فاشترط أن لا يطأ بساطه، فقال المأمون: لا والله حتى يطأ
بساطي وما باله ينفر مني؟! فقيل: لأجل جرمه [2] ، فَقَالَ: أتراه أعظم
جرما عندي من الفضل بن الربيع، ومن عيسى بن أَبِي خالد؟! أما الفضل
فأخذ قوادي وأموالي وجنودي وسلاحي وجميع ما أوصى لي أبي به، فذهب بِهِ
إلى محمد وتركني بمرو وحيد فريدا، وأفسد علي أخي حتى كان من أمره ما
كان/، وأما عيسى فطرد خليفتي من مدينتي، وذهب بخراجي، وخرب دياري،
وأقعد إبراهيم خليفة. فقيل لَهُ: أما الفضل فصنيعتكم ومولاكم، وأما
عيسى فمن أهل دولتكم وله ولسلفه [3] سابقة، وأما نصر فلا يد له يحتمل
لأجلها، ولا لسلفه، فَقَالَ: لا أقلع عنه حتى يطأ بساطي، فحضره عبد
الله بْن طاهر حتى طلب الأمان وأقدمه على المأمون في يوم الثلاثاء لسبع
خلون من صفر فأنزله مدينة المنصور ووكل به من يحفظه [4] .
وفيها: ظهر [5] المأمون على جماعة كانوا يسعون في البيعة لإبراهيم بن
المهدي، منهم: إبْرَاهِيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام،
الّذي يقال له:
__________
[1] في ت: «وقد كان» .
[2] في ت: «فأذعن فقيل له في جرمه» .
[3] «لسلفه» ساقطة من ت.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 602- 604.
[5] في ت: «قبض المأمون» .
(10/210)
ابن عائشة. ومحمد بن إبراهيم الإفريقي،
ومالك بن شاهين، وفرج البغراوي، فأمر بإبراهيم بن عائشة، فأقيم في
الحبس [1] ثلاثة أيام [في الشمس] [2] ، ثم ضرب بالسياط وحبس، وضرب مالك
بْن شاهين وأصحابه وحبسهم [3] ، فرفع عليهم أهل السجن أنهم يريدون أن
ينقبوا السجن [4] ، فركب المأمون بنفسه فقتلهم وصلبهم [على الجسر] [5]
.
قال أبو بكر الصولي: ركب المأمون ليلا إلى المطبق فقتل إبراهيم بن محمد
بن عَبْد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة وصلبه، وابن
عائشة هذا أول هاشمي صلب من ولد العباس، وزيد بن علي بن الحسين أول
هاشمي صلب من ولد] علي بن أبي طالب، وقتل مع ابن عائشة: محمد بن
إبراهيم وثلاثة نفر، وكانوا أرادوا الوثوب بالمأمون، ثم أنزل [6] ابن
عائشة فكفن [7] وصلى عليه/، ودفن في مقابر قريش، ودفن الإفريقي في
مقابر الخيزران، ووجد لابن عائشة صناديق فيها كتب القواد وغيرهم إليه
[8] ، فجلس في المسجد وأحضر الصناديق وقال للناس: أنا أعلم أن فيكم
البريء الذي لا اسم له في هذه الصناديق، ومنكم الغائب والمستزيد، وإن
نظرت فيها، لم أصف لكم ولم تصفوا إليّ، فتوبوا إلى الله. ثم أمر بإحراق
الصناديق [9] .
وفي هذه السنة: أخذ إبراهيم بن المهدي ليلة الأحد على الجسر [10] لثلاث
عشرة بقيت من ربيع الآخر، وهو متنقب مع امرأتين في زي امرأة، أخذه حارس
أسود ليلا،
__________
[1] «في الحبس» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وحبسوا»
[4] «السجن» ساقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «وقتل مع ابن عائشة....» إلى «.... ثم أنزل» ساقطة من ت.
[7] «فكفى» ساقطة من ت.
[8] «إليه» ساقطة من ت.
[9] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 602- 604.
[10] «على الجسر» ساقطة من ت.
(10/211)
فَقَالَ: من أنتن؟ وأين تردن في هذا الوقت؟
فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت له قدر عظيم ليخليهن ولا يسألهن [1] فلما
نظر إلى الخاتم استراب بهن وقَالَ: هذا خاتم رجل له [2] شأن، فرفعهن
إلى صاحب المسلحة، فأمر بهن أن يسفرن، فامتنع إبراهيم فجبذه [3] صاحب
المسلحة فبدت لحيته، فرفعه إلى صاحب الجسر فعرفه، فذهب به إلى باب
المأمون، فاحتفظ به في الدار، فلما كانت غداة الأحد أقعد في دار
المأمون لينظر إليه بنو هاشم والقواد والجند، وصيروا المقنعة التي كان
متنقبا [4] بها في عنقه، والملحفة في صدره ليراه الناس، ويعلموا كيف
أخذ.
فلما كان يوم الخميس حوله المأمون إلى منزل أحمد بن أبي خالد، فحبسه
عنده/، ثم أخرجه المأمون حيث خرج إلى الحسن بن سهل بواسط، فذكر أن
الحسن كلمه فيه، فرضي عنه وخلى سبيله، وصيره عند أحمد بن أبي خَالِد،
وصير معه يحيى بن معاذ وخالد [5] بن يزيد بن مرثد، يحفظانه إلا أنه
موسع عليه، عنده أمه وعياله، ويركب إلى دار المأمون، وهؤلاء معه
يحفظونه [6] .
ولما دخل على المأمون قال له: هيه يا إبراهيم. فقال: يا أمير المؤمنين،
ولي الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار
بما مد له من أسباب الشقاء أمكن [7] عادية الدهر من نفسه، وقد جعلك
الله فوق كل ذي ذنب [8] ، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن تعاقب فبحقك،
وإن تعف فبفضلك فقال: بل أعفو.
فكبر ثم خر ساجدا [9] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا
__________
[1] في ت، الأصل: «ليخليهم ولا ليسألهم» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[2] «فلما نظر....» إلى «هذا خاتم رجل له» ساقطة من ت.
[3] في الأصل، ت: «فحدثه» .
[4] في ت: «مقنعا» .
[5] في الأصل: «يحيى بن خالد» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 603.
[7] في ت: «أسباب الرجاء أمن»
[8] في ت: «كل ذي عفو» .
[9] انظر: تاريخ الطبري 8/ 604.
(10/212)
محمد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن العباس
الخزاز، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي، حدثنا محمد بن القاسم بن
خلاد قَالَ: لما طال على إبراهيم الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: ولي
الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مد
له من أسباب الرجاء أمكن عادية الدهر على نفسه، وقد جعل الله أمير
المؤمنين فوق كل ذي عفو، كما جعل كل ذي ذنب دونه، فإن عفى فبفضله، وإن
عاقب فبحقه، فوقع المأمون في قصته أمانه، وقال: القدرة تذهب الحفيظة،
وكفى بالندم/ إنابة [1] ، وعفو الله أوسع من كل شيء. ولما دخل إبراهيم
على المأمون قَالَ:
إن أكن مذنبا فحظي ... أخطأت فدع عنك كثرة التأنيب
قل كما قال يوسف لبني يعقوب ... لما أتوه: لا تثريب
فَقَالَ: لا تثريب [2] .
وفي رواية: دخل عليه فأنشده:
ديني إليك عظيم ... وأنت أعظم منه
فخذ بحقك وإلا ... فاصفح بحلمك عنه
إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فكنه
ثم قَالَ:
أذنبت ذنبا عظيما ... وأنت للعفو أهل
فإن عفوت فمن ... وإن جزيت فعدل
فرق له المأمون، وأقبل على أخيه أبي إسحاق وابنه العباس والقواد، فقال:
ما ترون في أمره؟ فقال بعضهم: نضرب عنقه، وقال بعضهم: نقصص لحمه إلى أن
يتلف، وقال آخر: نقطع أطرافه، فَقَالَ المأمون لأحمد بن أبي خالد: ما
تقول يا أَحْمَد؟
قال: يا أمير المؤمنين إن قتلته وجدت مثلك قد قتل مثله كثيرا [3] ، وإن
عفوت عنه لم
__________
[1] في ت: «فربه» .
[2] «فقال: لا تثريب» ساقطة من ت. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 144-
145.
[3] «كثيرا» ساقطة من ت.
(10/213)
تجد مثلك عفا عن [1] مثله، فأيما أحب إليك
أن تفعل فعلا تجد لك [2] فيه شريكا أو تنفرد فيه بالفضل. فأطرق طويلا
ثم رفع رأسه فَقَالَ: أعد ما قلت يا أحمد [3] . فأعاده فَقَالَ: بل
ننفرد بالفضل ولا رأي لنا في الشركة فكشف إبراهيم القناع عن رأسه وكبر
تكبيرة عالية وقال: عفا والله أمير المؤمنين. فَقَالَ: لا بأس عليك يا
عم، وأمر بحبسه في دار أحمد بن أَبِي خالد، فلما كان/ بعد شهر أحضره
وقال: اعتذر من ذنبك، فَقَالَ:
ذنبي أجل من أن أتفوه [4] فيه بعذر، وعفو أمير المؤمنين أعظم من أن
أنطق معه بشكر ولكن أقول:
يا خير من حملت يمانية به ... بعد الرسول لآيس أو طامع
وأبر [5] من عبد الإله على التقى ... عينا وأقوله [6] بحق صادع
تفديك نفسي أن تضيق بصالح ... والعفو منك بفضل حلم واسع
ملئت قلوب الناس منك مخافة ... وتظل تكلأهم [7] بقلب خاشع
وعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
ورحمت أطفالا كأفراخ القطا ... وحنين والدة بقلب جازع
الله يعلم ما أقول وإنها ... جهد الأمية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تقودني [8] ... أسنانها إلا بنية طائع
لم أدر أن لمثل جرمي غافرا ... فوقفت أنظر أي حتف صارعي
كم من يد لك لم تحدثني بها ... نفسي إذا لاكت [9] إلي مطامعي
__________
[1] في ت: «قد فعل» .
[2] «لك» ساقطة من ت.
[3] «يا أحمد» ساقطة من ت.
[4] في ت: «أن أقوم» والخبر والشعر في تاريخ الطبري أحداث سنة عشر
ومائتين» .
[5] في ت: «وأقر» .
[6] في ت: «عينا وأحكمه» .
[7] في ت: «وتفضل وهم» .
[8] في ت: «تمدني» .
[9] في ت: «آلت» .
(10/214)
إن أنت جدت بها علي تكن لها [1] ... أهلا
وإن تمنع فأعدل مانع
إن الذي قسم المكارم حازها ... في صلب آدم للإمام السابع
فقال المأمون: ما أقول إلا كما [2] قال يوسف لإخوته [3] لا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ 12: 92 [4] وقد عفوت عنك، فاستأنف الطاعة متجردا عن
الظنة يصف عيشك. وأمر بإطلاقه، ورد ضيعته إليه فقال: / يشكره:
رددت مالي ولم تبخل علي به ... وقبل ردك مالي قد حقنت دمي
وأبت عنك وقد خولتني نعما ... هما الحياتان من موت ومن عدم
فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي [5] .
ما كان ذاك سوى عارية رجعت ... إليك لو لم تعرها كنت لم تلم
وقام علمك بي واحتج عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متهم.
فقال المأمون: إن من الكلام كلاما كالدر، وهذا منه، وأمر له بخلعة،
وقال: إن أبا إسحاق وأبا العباس أشارا علي بقتلك. فقال إبْرَاهِيم: ما
قلت لهما يا أمير المؤمنين؟
قَالَ: قُلْتُ إن قرابته قريبة ورحمه ماسة، وقد ابتدأناه بأمر ينبغي أن
نستنه، فإن نكث فاللَّه مغير ما به، فقال إبراهيم: أما أن يكونا نصحاك
فقد لعمر الله فعلا، ولكن أبيت إلا ما أنت أهله، فدفعت ما خفت بما رجوت
فقال المأمون: مات حقدي بحياة عدوك وقد عفوت عنك، وأعظم من عفوي أنني
لم أجرعك مرارة الشافعين.
أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي قَالَ: أنبأنا أبو القاسم [6] على/ بن
المحسن، عن أَبِيهِ قال: أخبرني أبو الفرج الأصفهاني، حدثنا علي بن
سليمان الأخفش حدثني محمد بن يزيد المبرد، حَدَّثَنَا الفضل بن مروان
قَالَ. لما دخل إبراهيم بن المهدي على
__________
[1] في ت: «من لها» .
[2] في ت: «أقول ما قال يوسف» .
[3] «لأخوته» ساقط من ت.
[4] سورة يوسف الآية: 92.
[5] هذا البيت ساقط من ت.
[6] «أبو القاسم» ساقطة من ت.
(10/215)
المأمون كلمه بكلام [1] كان سعيد بن العاص
كلم به معاوية بن أبي سفيان في سخطة سخطها عَلَيْهِ، فاستعطفه به، وكان
المأمون يحفظ الكلام، فقال المأمون [2] هيهات يا إبْرَاهِيم، هذا كلام
سبقك به فحل بني العاص وقارحهم سعيد بن العاص وخاطب به معاوية، فقال
لَهُ إبراهيم: يا أمير المؤمنين، وأنت أيضا إن عفوت فقد سبقك فحل بني
حرب وقارحهم إلى العفو، فلا يكن حالي عندك في ذاك أبعد من حال سعيد من
معاوية، فأنت أشرف منه وأنا أشرف من سعيد، وأقرب إليك من سعيد إلى
معاوية، وإن أعظم الهجنة أن يسبق أمية هاشما إلى مكرمة قال: صدقت يا
عم، قد عفوت عنك.
وفي هذه السنة: بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل في رمضان، وكان
المأمون قد مضى إلى معسكر الحسن بن سهل بفم الصلح للبناء ببوران وكان
العباس بن المأمون قد تقدم أباه، فتلقاه الحسن خارج العسكر فثنى [3]
الحسن رجله لينزل، فقال له الْعَبَّاس: بحق أمير المؤمنين لا تنزل.
فاعتنقه الحسن وهو راكب.
ووافى المأمون وقت العشاء، فلما كان في الليلة الثالثة دخل على بوران
وابتنى بها من ليلته، ونثرت عليه جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب،
وأقام المأمون عند الحسن سبع عشر يوما يعد له كل يوم ولجميع ما معه
جميع ما يحتاج إِلَيْهِ، / وخلع الحسن على القواد عَلَى مراتبهم وحملهم
ووصلهم، وكان يبلغ النفقة خمسين ألف ألف درهم، وأمر المأمون غسان بن
عباد أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف درهم [4] من مال فارس، فحملت
إليه ففرقها في أصحابه وأقطعه فم الصلح، فلما انصرف المأمون شيعه
الحسن، ثم رجع إلى فم الصلح [5] ، وكان ذهاب المأمون ومقامه ورجوعه
أربعين يوما، ودخل إلى بغداد يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال.
وقيل: خرج المأمون إلى الحسن لثمان خلون من رمضان، ورحل من فم الصلح
لثمان بقين من شوال سنة عشر ومائتين.
__________
[1] في ت: «كلمة إبراهيم بكلام» .
[2] «المأمون ساقطة من ت.
[3] في ت: «وثنى» .
[4] «درهم» ساقطة من ت.
[5] «فم الصلح....» حتى «.... رجع إلى فم الصلح» ساقطة من ت.
(10/216)
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو
بكر [أَحْمَد بْن عَلي بْن ثَابِت] [1] الحافظ قَالَ: أخبرني أحمد بْن
محمد بْن يعقوب الوزان قَالَ: حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن الفضل
قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن مُحَمَّد، حدثنا
عبد الله بن أبي سهل قَالَ: لما بنى المأمون ببوران بنت الحسن فرش له
يوم البناء حصير من ذهب مشفوف، ونثر عليه جوهر كثير، فجعل بياض الجوهر
يشرف على صفرة الذهب، وما مسه أحد، فوجه الحسن إلى المأمون هذا النثار
نحب أن نلتقطه، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء: شرفن أبا
مُحَمَّد، فمدت كل [2] واحدة منهن يدها فأخذت درة، وبقي باقي الدر يلوح
على الحصير.
أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا الخطيب قَالَ: وقيل إن الحسن نثر على
المأمون نثر [3] ألف حبة جوهر، وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة
رطل، ونثر على القواد رقاعا فيها أسماء ضياع، فمن/ وقعت بيده رقعة أشهد
له الحسن بالضيعة، وكان يجري مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين
ألف ملاح، فلما أراد المأمون أن يصاعد أمر له بألف ألف دينار، وأقطعه
فم الصلح.
وفِي هذه السنة: خرج [4] عَبْد اللَّهِ بن طاهر من الرقة إلى مصر، وذلك
أنه لما بعث نصر بن شيث العقيلي إلى المأمون كتب المأمون إليه يأمره
بالمسير إلى مصر، فخرج وكان هناك عبيد اللَّه بن السري بن الحكم، فخرج
يقاتل، فحمل [5] أصحاب عبد الله عليه [6] فهزم، فتساقط عامة أصحابه في
النهر [7] ودخل الفسطاط منهزما، فأغلق على نفسه وأصحابه الباب، فحاصره
ابن طاهر، فبعث إليه ليلا ألف وصيف و [ألف] [8]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «كل» ساقطة من ت.
[3] «نثر» ساقطة من ت.
[4] «خرج» ساقطة من ت.
[5] «فحمل» ساقطة من ت.
[6] في ت: «عبد الله فنصر عليه»
[7] في ت: «في الخندق» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(10/217)
وصيفة، مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير
فردها، وكتب إليه: لو قبلت هديتك ليلا لقبلتها نهارا بَلْ أَنْتُمْ
بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ
بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها 27: 36- 37 [1] فحينئذ طلب الأمان،
وخرج إِلَيْهِ.
وكتب إلى المأمون أن ابن طاهر لما فتح مصر في أسفل كتاب له.
أخي أنت ومولاه ... ومن أشكر نعماه
فما أحببت من شيء ... فإني الدهر أهواه
وما تكره من شيء ... فإني لست أرضاه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله
وفي هذه السنة: فتح ابن طاهر الإسكندرية [2] .
وفيها: خلع أهل قم السلطان [3] ، ومنعوا الخراج، فكان خراجهم ألفي ألف
درهم.
وسبب ذلك: أنهم استكثروا ما عليهم من الخراج [4] ، وكان/ المأمون لما
اجتاز بالري حين قصد بغداد حط عن أهل الري جملة من الخراج، فطمع هؤلاء
في مثل ذلك، فسألوه الحط عنهم [5] ، فلم يجب فامتنعوا من الأداء، فوجه
إليهم المأمون علي بن هشام، ثم أمده بعجيف بن عنبسة، فظفر بهم وهدم سور
قم، وجباها أربعة آلاف ألف ضعف ما تظلموا منه [6] .
وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وهو والي مكة [7] .
__________
[1] سورة: النمل، الآية: 36، 37.
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 613.
[3] في الأصل: «أهل قم الصلح» .
[4] «وسبب ذلك ... من الخراج» ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فسألوه الحظ» .
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 614.
[7] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 614.
(10/218)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
1180- إسحاق بن مرار، أبو عمرو الشيباني
[1] .
صاحب العربية [2] ، سمع حديثا كثيرا. كوفي نزل بغداد، وحدث بها، وروى
عنه: أحمد بن حنبل، وكان يلازم مجلسه ويسأله ويكتب أماليه، وروى عنه:
أبو عبيدة وغيره، وكان عالما باللغة، ثقة فيما يحكيه خيرا فاضلا، وجمع
أشعار العرب ودونها.
قال ابنه عَمْرو: لما جمع أبي أشعار العرب كانت نيفا وثمانين قبيلة،
وكان كلما عمل منها قبيلة [وأخرجها إلى الناس] [3] كتب مصحفا وجعله في
مسجد الكوفة، حتى كتب نيفا وثمانين مصحفا [بخطه] [4] .
وقال أبو العباس ثعلب: كان مع أبي عمرو الشيباني من العلم والسماع عشرة
أضعاف ما كَانَ مع أبي عبيدة/، ولم يكن من أهل البصرة مثل أبي عبيدة في
السماع والعلم [5] ، دخل إلى البادية ومعه دستجتان [6] حبرا، فما خرج
حتى أفناهما [7] يكتب عن العرب، وعمر طويلا حتى أناف على التسعين.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قَالَ:
حدثنا علي بْن المحسن التنوخي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد
الرحيم المازني قَالَ: حدثنا أبو علي الكوكبي قَالَ: حدثنا إبراهيم
الحربي قَالَ: حدثنا عمرو [8] بن أبي عمرو الشيبانيّ، عن أبيه: أنه كان
يكثر من إنشاد هذا البيت:
لا تهني بعد إكرامك لي ... فشديد عادة مترعه
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 329.
[2] في ت: «صاحب العربية كوفي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 329- 330.
[5] انظر: تاريخ بغداد 6/ 330.
[6] الدستيج: آنية تحمل باليد معرب دستي.
[7] انظر: تاريخ بغداد 6/ 331.
[8] في الأصل: «عمر بن أبي عمرو» .
(10/219)
فقلت له: يا أبه، إنك تكثر إنشاد هذا
البيت. قَالَ: يا بني، أنا والله أدعو به في صلاتي بالسحر.
قال حنبل بن إسحاق: توفي أبو عمرو الشيباني سنة عشر ومائتين يوم
الشعانين.
1181- حميد بن عبد الحميد الطوسي.
قال أبو بكر الصولي: كان خبازا، قال له رجل مرة: رأيت في منامي قصورا
أو بساتين فقلت: ما هذه؟ قالوا: الجنة، أعدت لحميد الطوسي، فقال حميد:
إن صدقت رؤياك فالحور. ثم أشد من هاهنا يكثر [1] .
أخبرنا [2] ابن ناصر قَالَ: أنبأنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ
الْبُسْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله بن مطر قال: حدثنا أبو بكر بن
الأنباري قال: أخبرنا أبو الحسن بن البراء قَالَ: حدثنا بعض أصحابنا
قَالَ: مات حميد الطوسي سنة عشر ومائتين، فإنا لجلوس ننتظر إخراجه [3]
، إذ أشرفت علينا من القصر جارية، فأنشأت تَقُولُ:
من كان أصبح هذا اليوم مغتبطا ... فما غبطنا به والله محمود
/ أو كان منتظرا للفطر سيده ... فإن سيدنا في اللحد ملحود
قال: فقتلتنا [4] والله وأحزنتنا.
1182- عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز، أبو العباس الزهري.
يروي عن مالك، وابن عيينة. وولي الشرط في فسطاط مصر.
توفي في رمضان هذه السنة.
1183- عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، أبو سعيد
الأصمعي
[5] .
سمع عبد الله بن عون، وشعبة، والحمادين. وروى عنه: عبد الرحمن بن
__________
[1] في ت: «فالحور منه هاهنا» .
[2] «أخبرنا» ساقطة من ت.
[3] «إخراجه» ساقطة من ت.
[4] «فقتلتنا» ساقطة من ت.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 410.
(10/220)
عَبْد الله أخيه، وأبو عبيد، وأبو حاتم،
والرياشي، وخلق كثير.
كان يعرف النحو واللغة، والغريب، والملح [1] .
كان المبرد يَقُولُ: الأصمعي بحر في اللغة لا نعرف مثله فيها، وفي كثرة
الرواية، وكان دون أبي زيد في النَّحْو [2] .
وقيل لأبي يونس: قد أشخص الأصمعي إلى الرشيد فَقَالَ: هو بلبل يطربهم
بنغماته [3] .
وكان أحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعِين يثنيان على الأصمعي في السنة. وقال
يحيى: هو ثقة [4] .
وقال الشافعي: ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة من الأصمعي، [وما غير أحد
بعبارة أحسن منه [5] .
قال نصر بن عليّ: كان الأصمعي [يتقي أن يفسر حَدِيث رَسُول اللَّه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [6] كما يتقي أن يفسر القرآن [7] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أبو العلاء الواسطي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن جعفر
التميمي قَالَ: أخبرنا عبد الرحمن بن حامد البلخي قَالَ: سَمِعْتُ محمد
بن سعد يَقُولُ: سمعت عمر بن شبة يَقُولُ [8] :
سمعت/ الأصمعي يَقُولُ: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة [9] .
__________
[1] انظر: تاريخ بغداد 10/ 410.
[2] انظر: تاريخ بغداد 10/ 414.
[3] انظر: تاريخ بغداد 10/ 414.
[4] انظر: تاريخ بغداد 10/ 419.
[5] انظر: تاريخ بغداد 10/ 419.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر: تاريخ بغداد 10/ 418.
[8] في ت: «سمعت محمد يقول» .
[9] انظر: تاريخ بغداد 10/ 411.
(10/221)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا
أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن المأمون
الهاشمي قال: حدثنا محمد بن الأنباري قَالَ: حدثنا محمد بْن أحمد
المقدمي قال: حدثنا أبو محمد التميمي قَالَ: حدثنا محمد بن عبد الرحمن
مولى الأنصار، قَالَ: حدثنا الأصمعي قَالَ: أمر الرشيد بحملي إليه،
فحملت، فأدخلني عليه الفضل بْن الربيع وهو منفرد، فسلمت، فاستدناني
وأمرني بالجلوس فجلست، فقال لي: يا عبد الملك وجهت إليك بسبب [1]
جاريتين أهديتا إلي، وقد أخذتا طرفا من الأدب، فأحببت أن تبور [2] ما
عندهما، وأن تشير علي فيهما بما هو الصواب عندك، ثم قَالَ: ليمض إلى
عاتكة، فيقال لها: احضري الجاريتين، فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط،
فقلت لإحداهما [3] : ما اسمك؟
قالت: فلانة. قُلْتُ: ما عندك من العلم؟ قالت: ما أمر الله به في
كتابه، ثم ما ينظر الناس فيه من الأشعار والآداب والأخبار، فسألتها عن
حرف من القرآن فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب، وسألتها عن النحو
والعروض [والأخبار] [4] ، فما قصرت، فقلت: بارك الله فيك، فما قصرت في
جوابي في كل فن أخذت فيه [5] ، فإن كنت تقرضين شيئا [6] من الشعر
فأنشدينا شيئا، فاندفعت في هذا الشعر:
يا غياث العباد في كل محل ... ما يريد العباد إلا رضاكا
لا ومن شرف الإمام وأعلى ... ما أطاع الإله عبد عصاكا/
ومرت في الشعر إلى آخره. فقلت: يا أمير المؤمنين ما رأيت امرأة في مسك
رجل مثلها. وسألت الأخرى فوجدتها دونها ما تبلغ منزلتها. إلا أنها إن؟
ووظب عليها [7] .
__________
[1] في ت: «لأجل» .
[2] باره: جرّبه. (القاموس) .
[3] في تاريخ بغداد: «لأجلهما» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «أخذت فيه» ساقطة من ت.
[6] «شيئا من» ساقطة من ت.
[7] في ت: «إن ربغت» و «عليها» سقطت من ت.
(10/222)
لحقت. قَالَ: يا عباسي، فقال الفضل [1] :
لبيك يا أمير المؤمنين، فَقَالَ: ليردا إلى عاتكة، ويقال لها تصنع هذه
التي وصفت بالكمال [2] لتحمل إلي الليلة. ثم قال لي: يا عبد الملك، أنا
ضجر. وقد جلست أحب أن أسمع حديثا أتفرج به، فحدثني بشيء.
فقلت: لأي الحديث يقصد أمير المؤمنين. قَالَ: لما شاهدت وسمعت من
أعاجيب الناس، وطرائف أخبارهم. فقلت: يا أمير المؤمنين صاحب لنا في بدو
بني [3] فلان كنت أغشاه وأتحدث إليه، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة أصح
الناس ذهنا وأجودهم عقلا [4] وأكلا، وأقواهم بدنا فغبرت [5] عنه زمانا،
ثم [6] قصدته فوجدته ناحل البدن، كاسف البال، متغير الحال، فقلت لَهُ
ما شأنك؟ أأصابتك مصيبة؟ قَالَ: لا. قُلْتُ:
أفمرض عراك؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: فما سبب هذا التغيير الذي أراه بك؟
قَالَ: قصدت بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية قد لاثت
رأسها، وطلت بالورس ما بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية
قد لاثت رأسها، وطلت بالورس ما بين قرنها إلى قدمها، عليها قميص وقناع
مصبوغان، وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد:
محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الخطوب
برى ريب الزمان لهن سهما ... تصيب بفضله مهج القلوب
فأجبتها:
ففي شفتي في موضع الطبل ترتقي ... كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن
هبيني عودا أجوفا تحت شنة ... تمتع فيها بين نحرك والذقن/
فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل فرمت به في وجهي، وبادرت إلى الخباء
فدخلت فلم أزل واقفا حتى حميت الشمس على مفرق رأسي لا تخرج إليّ ولا
ترجع
__________
[1] في الأصل: «أبو الفضل» .
[2] في ت: «التي وصفها عبد الملك بالكمال» .
[3] في ت: «صاحب الثافي يدوي» .
[4] «عقلا» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فغبت» .
[6] «ثم» ساقطة من ت.
(10/223)
[إليّ] جوابا. فقلت: أنا [معها] [1] والله
كما قال الشاعر:
فو الله يا سلمى لقد طال موقفي [2] ... على غير شيء يا سليمى أراقبه
فضحك الرشيد حتى استلقى. وقَالَ: ويحك يا عبد الملك، ابن ست وتسعين سنة
يعشق؟ قُلْتُ: قد كان هذا يا أمير المؤمنين، فَقَالَ: يا عباسي، أعط
عبد الملك مائة ألف درهم ورده إلى مدينة السلام، فانصرفت، فإذا خادم
يحمل شيئا ومعه جارية تحمل شيئا [3] فقال: أنا رسول بنتك- يعني الجارية
التي وصفتها- وهذه جاريتها [4] ، وهي تقرأ عليك السلام وتقول لك [5] :
إن أمير المؤمنين أمر لي بمال وثياب [6] وهذا نصيبك منهما. فإذا المال
ألف دينار، وهي تقول: لن نخليك من المواصلة بالبر، فلم تزل تتعهدني
بالبر الواسع حتى كانت فتنة محمد، فانقطعت أخبارها عني. وأمر لي الفضل
ابن الربيع من ماله بعشرة آلاف درهم [7] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين المازني قَالَ: حدثنا المعافى بن زكريا
الجريري، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: حدثنا
محمد بن القاسم بن خلاد قَالَ:
قال الأصمعي: دخلت عَلَى جعفر بن يحيى بن خالد يوما فقال لي: يا أصمعي،
هل لك من زَوْجَة؟ قلت: لا، قَالَ: فجارية؟ قلت: جارية للمهنة. قَالَ:
هل لك أن أهبك جارية نظيفة، قُلْتُ: إني لمحتاج إلى جارية [8] فأمر
بإخراج جارية في غاية الحسن والجمال والظرف، فقال لها: قد وهبتك لهذا،
وقال: يا أصمعي خذها، فشكرته، فبكت الجارية، وقالت: يا سيدي، / تدفعني
إلى هذا الشيخ مع ما أرى من سماجته
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[2] في ت، تاريخ بغداد: «اقامتي» .
[3] «ومعه جارية تحمل شيئا» ساقطة من ت.
[4] في ت: «جائزتها» .
[5] «لك» ساقطة من ت.
[6] «وثياب و» ساقطة من ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 410- 413.
[8] في ت: «إلى ذلك» .
(10/224)
وقبح منظره، وجزعت [1] جزعا شديدا، فقال
لي: يا أصمعي، هل لك أن أعوضك عنها ألف دينار، قُلْتُ ما أكره ذلك فأمر
لي بألف دينار، ودخلت [2] الجارية، فقال لي: يا أصمعي إني أنكرت على
هذه الجارية أمرا، فأردت عقوبتها بك، ثم رحمتها منك [3] ، قلت: أيها
الأمير فهلا [4] أعلمتني قبل ذَلِكَ، فإني لم آتك حتى سرحت لحيتي،
وأصلحت عمتي، ولو عرفت الخبر لصبرت على هيئة خلقتي، فو الله لو رأتني
كذلك ما عاودت شيئا تنكره منها أبدا ما بقيت [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أخبرنا
القاضي أبو العلاء قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القاسم السكونيّ قال: حدثنا أحمد بن
أَبِي مُوسَى قَالَ: حدثنا أبو العيناء قَالَ: قال الأصمعي: دخلت أنا
وأبو عبيدة على الفضل بْن الربيع. فَقَالَ: يا أصمعي كم كتابك في
الخيل؟ قَالَ: قُلْتُ: جلد، قال: فاسأل أبا عبيدة عن ذلك، قَالَ: خمسون
جلدا، فأمر بإحضار الكتابين، ثم أمر بإحضار فرس، فقال لأبي عُبَيْدة:
أقرأ كتابك حرفا حرفا وضع يدك على موضع موضع [6] . فقال أبو عُبَيْدة:
ليس أنا بيطار، إنما ذا شيء [أخذته] [7] وسمعته من العرب وألفته، فقال
لي: يا أصمعي، ثم فضع يدك على موضع موضع من الفرس، فقمت فحسرت عن ذراعي
وساقي، ثم وثبت فأخذت بأذن الفرس، ثم وضعت يدي على ناصيته، فجعلت أقبض
منها بشيء شيء/ وأقول: هذا كذا، وأنشد فيه حتى بلغت حافره [8] ، فأمر
لي بالفرس، فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس وأتيته [9] .
__________
[1] في ت: «وفرغت» .
[2] في ت: «ودخل» .
[3] «ثم رحمتها منك» ساقطة من ت.
[4] في ت: «لو كان» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 413- 414.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 415.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، و «سمعته» ساقطة من ت.
[8] في ت: «حتى أتيت على دينه» وفي الأصل: «حتى بلغ حافره» وما أثبتناه
من تاريخ بغداد.
[9] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 414- 415.
(10/225)
ونقلت من خط أبي عبيد، عبيد الله محمد بن
عمران المرزباني قَالَ: حكى أبو الحسين بْن محمد [1] بن بكير، عن أبيه
قال: كنا يوما عند الحسن بن سهل وبحضرته جماعة من أهل العلم منهم
الأصمعي، وأبو عبيدة، والهيثم بن عدي وخلق كثير من الناس، وحاجب الحسن
يعرض عليه الرقاع إلى أن وقع في خمسين رقعة، فلما فرغ من ذلك أقبل
علينا فقال: قد فعلنا في يومنا خيرا كثيرا، ووقعنا في القصص بما فيه
فرح لأهلها [وصلاح] [2] ، ونحن نرجو أن نكون في ذَلِكَ مثابين فحدثونا
[3] في حق أنفسنا [فجعلنا] نذاكره [4] العلم، فتكلم أبو عبيدة،
والأصمعي وجرير بن حازم، والتج المجلس بالمذاكرة إلى أن بلغوا إلى ذكر
الحفاظ من أصحاب الحديث، فأخذوا في [ذكر] [5] الزهري، والشعبي، وقتادة،
وسفيان. فقال أبو عُبَيْدة: وما حاجتنا إلى ذكر هؤلاء، وما ندري أصدق
الخبر عنهم أم كذب، وبالحضرة رجل يزعم أنه ما أنسي شيئا قط [6] ، وأنه
ما يحتاج أن يعيد نظره في دفتر، إنما هي نظرة، ثم يحفظ ما فيه فعرض
بالأصمعي، فَقَالَ الحسن: نعم والله يا أبا سعيد، إنك لتجيء من هذا بما
ينكر جدا، فقال الأصمعي: نعم، ما أحتاج أن أعيد النظر في دفتر، وما
أنسيت شيئا قط، فقال الحسن: فنحن نجرب هذا القول بواحدة/، يا غلام هات
[7] الدفتر الفلاني، فإنه جامع لكثير مما أنشدتناه وحدّثناه، فمضى
الغلام ليحضر الدفتر، فقال الأصمعي: فأنا أريك ما هو أعجب من هذا، أنا
أعيد القصص التي مرت وأسماء أهلها وتوقيعاتك فيها كلها، وامتحن ذلك
بالنظر إليها. قال: وقد كَانَ الحسن قَالَ: عارضت [8] بتلك التوقيعات
لأنها أثبتت في دفتر الإثبات [9] ، فأكبر ذلك من حضر واستضحكوا،
فاستدعى الحسن
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسين بن عمرو» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «فخذوا بنا» .
[4] ما بين المعقوفتين في الأصل تذاكروا. وفي ت: «فجعلنا يذاكروا» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «قط» ساقطة من ت.
[7] «هات» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وقد كان الحسن عارض» .
[9] في ت: «في هذا الإثبات» .
(10/226)
القصص بأعيانها من الحاجب فردت بأسرها،
فابتدأ الأصمعي [1] فَقَالَ: القصة الأولى لفلان الفلاني قصته كذا وكذا
وقعت أعزك الله بكذا وكذا حتى أتى على هذا السبيل على سبعة وأربعين
قصة. فقال له [2] الحسن: يا هذا، حسبك الساعة، والله تقتلك الجماعة
بأعينها، يا غلام، خمسين ألف درهم فأحضرت خمس بدر، ثم قَالَ: يا غلمان
احملوها معه إلى منزله، فتبادر الغلمان لحملها، فَقَالَ: تنعم بالحامل
كما أنعمت بالمحمول، قال: نعم لك ولست تنتفع بهم وقد اشتريتهم منك
بعشرة آلاف درهم احمل يا غلام مع أبي سعيد ستين ألف درهم، قَالَ: فحملت
والله معه وانصرف الباقون بالخيبة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: [أخبرنا أبو
نصر أحمد بْن عَبْد اللَّه قال:] [3] أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى
القرشي قَالَ: أخبرنا محمد بن يحيى قَالَ: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي،
حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي، عن أبيه قَالَ: سأل الرشيد عن بيت
الراعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
ما معنى محرما؟ قال الكسائي: إحرام بالحج، فقال الأصمعي: والله ما كان
أحرم بالحج، ولا أراد الشاعر أنه أيضا في شهر [4] حرام، يقال: أحرم إذا
دخل فيه، كما يقال أشهر إذا دخل في الشهر، وأعام إذا دخل في العام.
فقال الكسائي: ما هو غير هذا؟ وإلا فما أراد؟ فَقَالَ الأصمعي: ما أراد
عدي بن زيد بقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمتع بكفن
أي إحرام لكسرى؟ فقال الرشيد: ما تطاق [5] فما المعنى؟ قال: كل من لم
يأت شيئا يوجب [عَلَيْهِ] [6] عقوبة فهو محرم لا يحل شيء منه، فقال
الرشيد: ما تطاق في الشعر يا أصمعي [7] .
__________
[1] «فابتدأ» ساقطة من ت.
[2] «له» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ولا أراد الشاعر إلا أنه في شهر» .
[5] «ما تطاق» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 10/ 416- 417.
(10/227)
أخبرنا الحافظان: عبد الوهاب بن المبارك
ومحمد بن ناصر قالا: أنبأنا المبارك بن عَبْد الجبار قال: أخبرنا أبو
محمد الجوهري قال: أنشدنا أبو عمرو بن حيوية قَالَ: أنشدنا [أبو دريد
قَالَ: أنشدنا] [1] أبو حاتم قَالَ: أنشدنا الأصمعي:
إذا جاء يوم صالح فاقبلنه ... فأنت على يوم الشقاء قدير
فَقَالَ: أتدرون من أين أخذت هذا؟ أخذته من قول العيارين أكثر من
الشحم، فإنك على الجوع قادر [2] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ أخبرنا أبو الحسين
محمد بن علي بن صخر قَالَ: حدثنا أبو القاسم عمر بن محمد بن سيف [3] ،
حدثنا مُحَمَّد بن القاسم الأنباري قَالَ: حدثنا عبد الله بن بيان، عن
الأصمعي/ قال: بينا أنا بالجبانة بالبصرة في يوم [صائف] [4] شديد حره،
إذا أنا بجارية واضعة يدها على قبر وهي تقول بصوت حزين من قلب قرح:
هل أخبر القبر سائليه ... أم قر عينا بزائريه
أم هل تراه أحاط علما ... بالجسد المستكن فيه
لو يعلم القبر ما يواري ... تاه على كل من يليه
يا جبلا كان لامتناع ... وركن عز لآمليه
ونخلة طلعها نضيد ... يقرب من كف مجتنيه
ويا مريضا [5] على فراش ... تؤذيه أيدي ممرضيه
ويا صبورا على بلاء ... كان به الله مبتليه
يا موت لو تقبل افتداء ... كنت بنفسي سأفتديه
يا موت ماذا أردت مني ... خفقت ما كنت أتقيه
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] بعد هذا الخبر من ت جاء خبر وفاة الأصمعي الّذي في آخر الترجمة.
[3] في ت: «حدثنا أبو القاسم قال: أخبرنا محمد بن، حدثنا....» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ويا مرابضا» .
(10/228)
موت رماني بفقد ألفي ... أذم دهري وأشتكيه
أمنك الله كل روع ... وكل ما كنت تتقيه
قال الأصمعي: فدنوت منها، فقلت لها: يا جارية أعيدي عليّ لفظك، قالت:
أو سمعت ذلك مني؟ فأنشدتها شعرها عن آخره، فقامت تنفض ثيابها وهي تقول:
إن كان في عبادك [1] أصمعي فهو هذا.
قال المازني: سمعت الأصمعي يَقُولُ: بينا أنا أطوف بالكعبة إذا رجل على
قفاه [2] / كارة وهو يطوف، فقلت لَهُ: أتطوف وعليك كارة، فقال: هذه
والدتي التي حملتني أريد أن أؤدي حقها، فقَلَت له: ألا أدلك على ما
تؤدي به حقها، قَالَ: وما هُوَ؟
قلت: تزوجها، قَالَ: يا عدو الله، تستقبلني في أمي بمثل هذا؟ فرفعت
يدها وصفعت قفا ابنها، وقالت: إذا قيل لك الحق تغضب؟! أخبرنا القزاز
قال أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الأزهري قَالَ: أخبرنا محمد قَالَ:
أَخْبَرَنَا محمد بن العباس قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي قَالَ:
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قَالَ: مات الأصمعي سنة عشر ومائتين،
وقد بلغ ثمانيا وثمانين سنة، وكانت وفاته بالبصرة [3] .
قال محمد بن العباس: وحدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد
بن أبي طاهر قَالَ: حدثني محمد بن أبي العتاهية قَالَ: لما بلغ أبي موت
الأصمعي جزع عليه ورثاه فَقَالَ:
لهفي على فقد الأصمعي لقد مضى ... حميدا له في كل مصلحة سهم
نقصت بشاشات المحاسن بعده ... وودعنا إذ ودع الأنس والعلم
وقد كان نجم العلم فينا حياته ... فلما انقضت أيامه أفل النجم
[قال المصنف: وقد ذكر أبو العتاهية أنه مات سنة خمس عشرة. وقال
الكديمي:
__________
[1] في ت: «في عباد الله» .
[2] في ت: «على كتفيه» .
[3] «وقد بلغ ثمان....» إلى آخر الخبر ساقط من ت.
(10/229)
مات سنة سبع عشرة. والّذي قاله أبو موسى
أصح، ويدل عليه أن أبا العتاهية رثاه، وأَبُو العتاهية مات سنة إحدى
عشرة.
وبلغ الأصمعي ثمانيا وثمانين سنة، وكانت وفاته بالبصرة] [1] .
1184- علية بنت المهدي
[2] أمها أم ولد اسمها مكنونة، / اشتريت للمهدي بمائة ألف درهم، فغلبت
عليه، وكانت الخيزران تَقُولُ: ما ملك أمة أغلظ علي منها فولدت له علية
سنة ستين ومائة [3] .
وكانت علية أجمل النساء وأطرفهن وأكملهن عقلا وأدبا ونزاهة وصيانة
وظرفا، وكان في جبهتها سعة [4] تشين، فاتخذت العصابة المكللة بالجوهر
لتستر به جبهتها، فهي أول من اتخذها [5] .
وكانت كثيرة الصلاة ملازمة للمحراب وقراءة القرآن، وكانت تتدين ولا
تشرب النبيذ، وقالت: ما حرم الله شيئا إلا وقد جعل فيما أحل عوضا منه،
فبماذا يحتج العاصي؟ وكانت تَقُولُ: اللَّهمّ لا تغفر لي حراما أتيته
ولا عزما على حرام عزمته، ولا استفزعني [لهو] [6] إلا ذكرت نسبي من
رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقصرت عنه، ولا أقول ما أقول في شعري
إلا عبثا، وكانت تدخل على الرشيد فيكرمها [7] ويأمرها بالجلوس معه على
سريره فتأبى.
وكانت تحب أن تراسل بالأشعار من تختصه، فاختصت خادما يقال له «طلّ» من
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمتها في: الأغاني 10/ 199- 226.
[3] انظر: الأغاني 10/ 199.
[4] في ت: «سفعة» .
[5] انظر: الأغاني 10/ 200.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «فيكرمها» ساقطة من ت.
(10/230)
خدم الرشيد، فراسلته بالشعر، فلم تره أياما
فمشت على ميزاب [1] حتى رأته وقالت:
قد كان ما كلفته زمنا ... يا طل من وجد بكم يكفي
حتى أتيتك [2] زائرا عجلا ... أمشي على حتف إلى حتفي [3]
فحلف عليها الرشيد أن لا تكلم طلا، ولا تسمي باسمه، فضمنت له ذلك
فاستمع عليها يوما وهي تقرأ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ 2:
265 [4] فقالت: فالذي نهى عنه أمير المؤمنين، فدخل عليها [5] فقبل
رأسها ووهب لها [6] طلا.
وتزوجها موسى بن عيسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ العباس ومن أشعارها الرائقة/:
أوقعت في قلبي الهوى ... ونجوت منه سالمة
وبدأتني بالوصل ثم ... قطعت وصلي ظالمة
ولها:
ليت سلمى تراني ... أو تنبّأ بشاني
كي تفك أسيرا ... متعب [7] القلب عاني
يا ديار الغواني ... الملاح [8] الحسان
جادك الغيث منه ... بالغوادي الرواني [9]
ولها:
اليأس بين جوانحي يتردد ... ودموع عيني تستهل وتفقد
__________
[1] «فمشيت على الميزاب» ساقطة من ت.
[2] في ت: «حتى رأيتك» .
[3] في ت: «من حتف على حتف» .
[4] سورة: البقرة، الآية: 265.
[5] «فدخل عليها» ساقطة من ت.
[6] انظر: الأغاني: 10/ 200- 201.
[7] في ت: «مثبث» .
[8] في ت: «المداج» .
[9] في ت: «الدواني» .
(10/231)
إني لأطمع ثم أنهض بالمنى ... واليأس
يجذبني إليه فأقعد
ولها:
شغف الفؤاد بجارة الجنب ... فظللت في حرب وفي كرب
يا جارتي أمسيت مالكة ... رقي وغالبتي على لبي
ولها:
فرجوا كربي قليلا ... فلقد صرت نحيلا
وافعلوا في أمر مشغوف ... بكم فعلا جميلا
ولها:
صرمت أسماء حبلي فانصرم ... ظلمتنا كل من شاء ظلم
واستحلت قتلنا عامدة ... وتجنت عللا لم تحترم
ولها:
أصابني بعدك ضر الهوى ... واعتادني شوق وإقلاق [1]
قد يعلم الله وحسبي به ... أني إلى وجهك مشتاق
ولها:
كتمت اسم الحبيب من العباد ... ورددت الصبابة في فؤادي
فيا شوقي [2] إلى بلد خلي ... لعلي باسم من أهوى أنادي
ولها:
ليس يستحسن في وصف الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج
بني الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج
لا تعيبا من محب ذلة ... ذلة العاشق مفتاح الفرج
ضم المأمون علية يوما وجعل يقبل رأسها، وكان وجهها مغطى فتأذت بذلك
وشرقت وسعلت، ثم حمّت أياما.
__________
[1] في ت: «اخلاقي» .
[2] في ت: «فوا شوقا» .
(10/232)
وماتت في هذه السنة عن خمسين سنة رحمها
الله [1] .
1185- منصور بن سلمة بن عبد العزيز بن سلمة الخزاعي
[2] .
سمع من مالك، والليث، وروى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى، قال الدارقطنيّ:
هو أحد الثقات الحفاظ الرفعاء الذين كانوا يسألون عن الرجال ويؤخذ
بقوله فيهم. أخذ عنه أحمد، ويحيى، وغيرهما علم ذلك [3] .
توفي في هذه السنة بالمصيصة. وقيل: سنة تسع.
__________
[1] انظر: الأغاني 10/ 225- 226.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 70.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 70- 71.
(10/233)
|