المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن ابن طاهر سعي به إلى المأمون وقال رجل من إخوة المأمون للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب، وكذا كان أبوه، فأنكر ذَلِكَ المأمون، ثم عاد لمثل هذا [1] / القول، فدس إليه رجلا وقال لَهُ: امض في هيئة القرّاء والنساك إلى مصر فادع جماعة من كبرائها إلى القاسم بن إبراهيم بن طباطبا، واذكر مناقبه وفضله، ثم صر من بعد ذلك إلى بطانة عبد الله بن طاهر، فادعه ورغبه في استجابته له، وابحث عن دفين نيته بحثا شافيا. ففعل الرجل، حتى إذا دعا جماعة من الرؤساء، قعد يوما ما بباب عبد الله بن طاهر، وقد ركب إلى عبيد الله بن السري بعد صلحه وأمانه، فلما انصرف قام إليه الرجل، فأخرج من كمه رقعة، فدفعها إليه، فأخذها بيده، فما هو إلا أن دخل خرج الحاجب إليه فأدخله، فقال لَهُ: قد فهمت ما في رقعتك، فهات ما عندك فقال: ولي أمانك وذمة الله؟ قال: لك ذلك، فأظهر ما أراد، ودعاه إلى القاسم، وأخبره بفضائله، فقال لَهُ عبد الله أتنصف؟ قال: نعم قَالَ: هل يجب شكر الله على العباد [2] ؟ قال: نعم، قَالَ: فهل يجب شكر بعضهم لبعض عند الإحسان؟ قَالَ:
نعم، قال: فتجيء إلي وأنا على هذه الحال التي ترى لي خاتم في المشرق جائز وفي المغرب كذلك، وفيما [3] بينهما أمري مطاع، ثم ما التفت يمينا ولا شمالا إلا رأيت نعمة
__________
[1] في ت: «لمثل ذلك» .
[2] في ت: «على عباده» .
[3] في ت: «وما في بينهما» .

(10/234)


لرجل أنعمها علي، فتدعوني إلى الكفر بهذه النعم [1] ، وهذا الإحسان، وتقول: اغدر بمن كان أولا لهذا وآخرا واسع في دمه، فسكت الرجل، فقال لَهُ: ارحل عن هذا البلد، فإني أخاف عليك، فلما آيس الرجل مما عنده، جاء إلى المأمون، فأخبره، فاستبشر، وقال: ذاك غرس يدي وإلف أدبي/ وترب تلقيحي [2] ولم يظهر لأحد من ذلك شيئا [3] .
وفي هذه السنة: قدم عبد الله بن طاهر مدينة السلام من المغرب، فتلقاه العباس ابن المأمون وأبو إسحاق المعتصم وسائر الناس، وقدم معه بالمتغلبين على الشام كابن [السرج، وابن] أبي الجمل، [وابن] [4] أبي الصقر [5] .
وفيها [6] : أمر المأمون مناديا، فنادى: برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أو فضّله على أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [7] .
وحج بالناس في هذه السنة: صالح بن العباس وهو والي مكة [8]
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
[9]
1186- إبراهيم بن رستم، أبو بكر الفقيه المروزي
[10] سمع من مالك، وسفيان، وشعبة، وغيرهم. وروى عنه: أحمد بن حنبل، وقال يحيى: هو ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا
__________
[1] في ت: «النعمة» .
[2] في ت: «تلفعي» .
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 615- 616.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 618.
[6] في ت: «وفي هذه السنة» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 618.
[8] انظر: تاريخ الطبري 8/ 618.
[9] في الأصل: «الأغياث» .
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 72.

(10/235)


أحمد بن علي بن يعقوب [1] قَالَ: حدثنا محمد بن نعيم الضبي قَالَ: حدثنا أبو العباس السياري [2] قَالَ: حدثنا عيسى بن محمد بن عيسى قَالَ: حدثنا العباس بن مصعب قَالَ: كان إبراهيم بن رستم من أهل كرمان، ثم نزل مرو، ثم سكة [3] الدباغين، فاختلف إليه الناس، وعرض عليه القضاء فلم يقبل [4] ، وأتاه ذو الرئاستين فلم يتحرك له، فقال لَهُ [أشكاب] [5]- وكان رجلا متكلما: عجبا لك، يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له، وتقوم من أجل هؤلاء الدباغين [عندك] [6] فقال رجل من أولئك المتفقهة: نحن من دباغي الدين الذي رفع إبراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة، فسكت أشكاب [7] .
توفي إبراهيم بنيسابور في هذه السنة وقيل: في/ سنة عشرة.
1187- إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، أبو إسحاق العنزي المعروف بأبي العتاهية الشاعر
[8] .
ولد سنة ثلاثين ومائة، أصله من عين التمر، ومنشؤه الكوفة، ثم سكن بغداد، وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء، ثم تنسك وصار قوله في الوعظ والزهد. وأبو العتاهية لقب.
قال أبو زكريا يحيى بن علي الزبيري: العتاهية من التعته وهو التحسن والتزين، قال: وقد كان يتحسن في زمن شبابه، ومن أسباب ذَلِكَ:
ما أخبرنا به [أَبُو] منصور القزاز [9] قَالَ أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ: أخبرني علي بن أيوب القمي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أخبرنا محمد بن يحيى
__________
[1] في ت: «أحمد بن علي قال أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب» .
[2] في الأصل: «الزيادي» .
[3] في تاريخ بغداد «ثم نزل بمرو في سكة الدباغين» .
[4] في الأصل: «فلم يفعل» .
[5] في الأصل: «إسكاف» والتصحيح من تاريخ بغداد.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 73.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 250- 260.
[9] في ت: «أبو منصور القزاز» . وفي الأصل: «البزاز» .

(10/236)


قَالَ: حدثني محمد بن موسى البربري قَالَ: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الهاشمي، عَن أبي شعيب أحمد بن يزيد قَالَ: قلت لأبي العتاهية، حدثني بقصتك مع عتبة، فقال [لي] [1] : أحدثك إنا قدمنا من الكوفة ثلاثة فتيان شبابا أدباء، ليس لنا ببغداد من نقصده، فنزلنا غرفة بالقرب من الجسر، وكنا نبكر فنجلس في المسجد الذي بباب الجسر في كل غداة، فمرت بنا يوما امرأة راكبة معها خدم سود، فقلنا: من هذه؟ قالوا:
خالصة، فقال أحدنا: قد عشقت [خالصة] [2] وعمل فيها شعرا. فأعناه عليه، ثم لم نلبث أن مرت أخرى راكبة معها خدم بيض، فقلنا: من هذه؟ قالوا: عتبة، فقلت: قد عشقت عتبة [3] فلم نزل كذلك في كل يوم إلى أن التأمت لنا أشعار كثيرة فدفع صاحبي بشعره إلى خالصة، ودفعت أنا شعري إلى عتبة، وألححنا إلحاحا شديدا/ فمرة تقبل أشعارنا، ومرة نطرد، إلى أن جدوا في طردنا فجلست عتبة يوما في أصحاب الجوهر، ومضيت فلبست ثياب راهب، ودفعت ثيابي إلى إنسان كان معي، وسألت عن رجل كبير من أهل السوق، فدللت على شيخ صائغ، فجئت إليه فقلت: إني رغبت في الإسلام على يد هذه [4] المرأة، فقام معي وجمع جماعة من أهل السوق وجاءها، فَقَالَ: إن الله ساق لك أجرا، هذا راهب قد رغب في الإسلام على يديك، قالت: هاتوه، فدنوت منها، فَقُلْتُ، أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأن محمدا عبده ورسوله وقطعت الزنار، ودنوت فقبلت يدها، فلما فعلت ذلك رفعت البرنس فعرفتني، فقالت: نحوه لعنه الله، فقالوا:
لا تلعنيه فقد أسلم، فقالت: إنما فعلت لقذره، فعرضوا علي كسوة، فقلت: ليس بي [5] حاجة [هذه] [6] وإنما أردت أن أتشرف بولائها والحمد للَّه الذي منّ علي بحضوركم.
وجلست فجعلوا يعلمونني [7] الحمد، وصليت معهم العصر، وأنا في ذَلِكَ بين يديها أنظر إليها لا تقدر لي على حيلة، فلما انصرفت لقيت خالصة فشكت إليها فقالت: ليس
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «فقلت قد عشقت عتبة» ساقطة من ت.
[4] في تاريخ بغداد: «على يدي» .
[5] في ت: «لست» .
[6] ما بين المعقوفتين من تاريخ بغداد.
[7] في ت: «فجدلوا يعلمونني» .

(10/237)


يخلو هذان من أن يكونا عاشقين أو مستأكلين، فصح عزمهما على امتحاننا بمال على أن ندع التعرض [1] لهما، فإن قبلنا المال فنحن مستأكلان، وإن لم نقبله فنحن عاشقان، فلما كَانَ الغد مرت خالصة، فعرض لها [2] صاحبها، فقال له الخدم: اتبعنا فتبعهم، ثم مرت عتبة فقال لي الخدم: اتبعنا فتبعتهم، فمضت بي إلى منزل خليط بزاز، فلما جلست، دعت بي، فقالت [لي] [3] : يا هذا، إنك شاب وأرى لك [4] أدبا/ وأنا حرمة خليفة [وقد تأنيتك] [5] فإن أنت كففت وإلا أنهيت أمرك [6] إلى أمير المؤمنين، ثم لم آمن عليك، قُلْتُ: فافعلي بأبي أنت وأمي [فإنك] [7] إن سفكت دمي أرحتني، فأسألك باللَّه إلا فعلت [8] ذلك، إذ لم يكن لي فيك نصيب، فأما الحبس والحياة ولا أراك، فأنت في حرج من ذلك، فقالت: لا تفعل يا هذا وابق على نفسك، وخذ هذه الخمس مائة دينار واخرج من هذا البلد. فلما سمعت ذكر المال وليت هاربا، فقالت: ردوه، فلم تزل تزدني فقلت: جعلت فداك، ما أصنع بعرض [من] الدنيا و [أنا] [9] لا أراك، وإنك لتبطئين يوما واحدا عن الركوب فتضيق بي الأرض بما رحبت. وهي تأبى إلا ذكر المال، حتى جعلت [لي] [10] ألف دينار، فأبيت وجاذبتها مجاذبة شديدة، وقلت: لو أعطيتيني جميع ما يحويه الخليفة ما كانت لي فيه حاجة، وأنا لا أراك [وأقنع بالفقد] [11] بعد أن أجد السبيل إلى رؤيتك. وخرجت فجئت الغرفة التي كنا ننزلها، فإذا صاحبي مورم الأذنين، وقد امتحن بمثل ما امتحنت، فلما مد يده إلى المال صفعوه، وحلفت خالصة لئن رأته
__________
[1] في ت: «على أن تدفع إلينا وقت التعرض» .
[2] في الأصل: «فتعرض صاحب لها» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وأرى بك» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «وإلّا أنهيت ذلك» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «إلا أن فعلت» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/238)


بعد ذلك اليوم لتودعنه الحبس، فاستشارني في المقام، فقلت: اخرج وإياك أن تقدر عليك [1] ، ثم التقتا فأخبرت كل واحدة صاحبتها الخبر، وأحمدتني عتبة [2] ، وصح عندها أني محب محق [3] ، فلما كان بعد أيام دعتني عتبة وقالت: بحياتي عليك إن كنت تعزها إلا أخذت [4] ما يعطيك الخادم، فأصلح به شأنك فقد غمني سوء حالك، فامتنعت، فقالت: ليس هذا مما تظن، ولكني [5] لا أحب أن أراك في هذا الزي، فقلت: / لو أمكنني أن تريني في زي المهدي لفعلت ذاك، فأقسمت عليّ، فأخذت الصرّة، فإذا فيها ثلاثمائة دينار فاكتسيت كسوة حسنة [6] ، واشتريت حمارا [7] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو الطيب طاهر بن عبد الله قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن إبراهيم قال: حدثني علي بن محمد بن أبي عمرو البكري قال: حدثني علي بن عثمان قال: حدثني أشجع [8] السلمي قال: أذن لنا المهدي وللشعراء في الدخول عليه، فدخلنا، فأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس إلى جنبي بشار، فسمع حسًا، فقال: يا أشجع، من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية، فقال لي: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسبه سيفعل، فأمره المهدي أن ينشد، فأنشده:
ألا ما لسيدتي ما لها
قال: فنخسني بمرفقه، ثم قال لي [9] : ويحك، رأيت أجسر [10] من هذا ينشد مثل هذا الشعر في مثل هذا الموضع حتى بلغ إلى قوله:
أتته [11] الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها
__________
[1] في الأصل: «وإياك أن تراك عليك» .
[2] «عتبة» ساقطة من ت.
[3] في ت: «إن محق» .
[4] في ت: «إن كنت تعزني خذ»
[5] في الأصل: «ولكن» .
[6] «حسنة» ساقطة من ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 254- 256.
[8] في ت: «إسحاق السلمي» .
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] في ت: «أرأيت أجن» .
[11] في ت: «أتتك» .

(10/239)


فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات النفوس ... [1] لما قبل الله أعمالها
فقال بشار: [انظر] [2] ويحك يا أشجع، انظر هل طار الخليفة عن فراشه [3] ، قال: لا والله [4] ما انصرف أحد من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية [5] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [6] قال أخبرنا أحمد بن علي/ قال: أنبأنا أبو يعلى أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل قال: أنبأنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال: أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: قال لي أبو عبد الله محمد بن القاسم الكوكبي [7] قال: أخبرني العتبي قال: رأيت مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر، كئيبا حزينا آسفا ينكت بسوطه [8] في معرفة دابته، فقيل له: يا أبا السمط، ما الذي نراه بك؟ قال: أخبركم بالعجب، مدحت أمير المؤمنين فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها و [وصفت] [9] الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا، ورملة رملة، حتى [إذا] [10] أشفيت منه على غنى النفس والدهر جاء ابن بياعة العجاجير [11]- يعني أبا العتاهية- فأنشده بيتين فضعضع بهما شعري، وسواه بي في الجائزة، فقيل له: وما البيتان؟ فأنشد:
إن المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك سباسبا ورمالا
__________
[1] في ت: «القلوب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فرشة» .
[4] في ت: «لا فلا والله»
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 257.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «الكوكبي» ساقط من ت.
[8] في ت: «بصوته» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في تاريخ بغداد. النخاخير» .

(10/240)


فإذا رحلن بنا رحلن بخفة ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا [1]
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو محمد أحمد بن علي بن أبي عثمان قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو الحسن بن المنادي قال: أنشدني أبو بكر يوسف بن يعقوب لأبي العتاهية:
كم يكون الشتاء ثم المصيف ... وربيع يمضي ويأتي خريف
وانتقال من الحرور إلى الظل ... وسيف الردى عليك منيف
يا قليل البقاء في هذه الدار ... إلى كم يغرك التسويف/
عجبا لامرئ يذل لذي دنيا ... [2] ويكفيه كل يوم رغيف
أخبرنا عبد الوهاب [3] وأخبرنا ابن ناصر قالا: أنبأنا ابن عبد الجبار قال: أخبرنا الحسين بن النصيبي قال: حدثنا إسماعيل بن سويد قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال:
حدثنا أَبُو بكر بْن خلف [4] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر الأموي قال: قال الرشيد لأبي العتاهية:
الناس يزعمون أنك زنديق، قال: يا سيدي، كيف أكون زنديقا، وأنا الذي أقول:
أيا عجبا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
وللَّه في كل تحريكة ... وفي كل تسكينة شاهد
وَفِي كُل شَيْء لَهُ آية ... تَدُل عَلَى أنه واحد
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] [5] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حنيفة المؤدب قال: حدثنا المعافى بْن زكريا قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قال: حدثنا عسل بن ذكوان قال: أخبرنا دماذ، بن [ذكوان عن] [6] حماد بن شقيق قال:
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد.
[2] في ت: «لدى المال» .
[3] في الأصل: «قال وأخبرنا» .
[4] في ت: «حدثنا عبد الله بن خالد» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وأثبتناه من ت.

(10/241)


قال أبو سلمة الغنوي [1] : قلت لأبي العتاهية: ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد؟ قال: إذا والله أخبرك، إني لما قلت:
الله بيني وبين مولاتي ... أهدت لي الصد والملامات [2]
منحتها مهجتي وخالصتي ... فكان هجرانها مكافاتي
هيمني حبها وصيرني ... أحدوثة في جميع جاراتي
رأيت في المنام في تلك الليلة كأن آتيا أتاني فقال: ما أصبت [3] أحدا تدخله بينك وبين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى. فانتبهت مذعورا وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل [4] /.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان [بْن أحمد] [5] قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد [6] بن البراء قال:
أنشدني أحمد بن علي بن مرزوق لأبي العتاهية وهو يكيد بنفسه:
يا نفس قد مثلت حالي ... هذه لك منذ حين
وشككت أني ناصح ... لك فاستملت على الظنون
فتأملي ضعف الحراك ... وكله بعد السكون
وتيقني أن الذي ... بك من علامات المنون [7]
توفي أبو العتاهية في جمادى الآخرة من هذه السنة ببغداد. وقيل: في سنة ثلاث عشرة، وقبره على نهر عيسى قبالة قنطرة [8] الزياتين.
__________
[1] «الغنوي» ساقط من ت.
[2] في ت: «الملالات» .
[3] في الأصل: «ما وجدت» .
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 258.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «أحمد بن» ساقطة من ت.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 260.
[8] في ت: «عند قنطرة» .

(10/242)


أخبرنا أبو منصور [1] القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [2] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حدثني عبد العزيز بْن علي الوراق قال: سمعت عبد الله بن أحمد [بن علي] المقرئ [3] يقول:
سمعت [محمد بن] مخلد العطار يقول: سمعنا [إسحاق بن] [4] إبراهيم البغوي يقول:
قرأت على قبر أبي العتاهية:
أدن حتى تسمعي ... اسمعي ثم عي وعي
أنا رهن بمضجعي ... فاحذري مثل مصرعي
عشت تسعين [5] حجة ... ثم فارقت مجمعي
ليس زاد سوى التقى ... فخذي منه أو دعي.
1188- أحمد بن أبي خالد، أبو العباس.
[وزير المأمون] [6] وكان ذا رأي وفطنة، إلا أنه كانت له أخلاق وفظاظة، فقال له رجل: والله لقد أعطيت ما لم يعطه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: والله لئن لم تخرج مما قلت لأعاقبنك، فقال/ قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ 3: 159 [7] وأنت فظ غليظ القلب، ولا ينفضون من حولك.
وروى إبراهيم بن العباس قال: كنت أكتب لأحمد بن أبي خالد، فدخلت عليه يوما فرأيته مطرقًا مفكرا مغموما، فسألته عن خبره، فأخرج إلي رقعة، فإذا فيها أن حظية من أعز جواريه عليه، [كان] [8] يختلف [9] عليها غيره، ويستشهد على ذلك خادمين كانا ثقتين عنده [10] ، قال لي: فدعوت الخادمين وسألتهما عن ذلك، فأنكراه، فتهددتهما
__________
[1] أبو منصور» ساقطة من ت.
[2] في ت: «أخبرنا احمد بن ثابت» .
[3] في الأصل: «المنوي) .
[4] في ت: «سبعين» .
[5] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 6/ 260.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] سورة: آل عمران، الآية: 159.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] وفي الأصل: «يخالف» .
[10] في ت: «كانا ثفين عندك» .

(10/243)


فأقاما على الإنكار فضربتهما، فاعترفا على الجارية بكل ما كان في الرقعة وإني لم أذق أمس ولا اليوم شيئا، وقد هممت بقتل الجارية. قال: فوجدت مصحفا بين يديه ففتحته، وكان أول ما وقعت عيني عليه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ] 49: 6 [1] الآية.
قال: فشككت أنا في صحة الحديث، وأريته ما خرج به الفأل، وقلت له: دعني أتلطف في كشف هذا. فقال: افعل، فخلوت بأحد الخادمين ورفقت به وباحثته عن الأمر، فقال: النار ولا العار، وذكر أن امرأة أحمد بن أبي خالد وجهت إليه بكيس فيه ألف دينار وسألته الشهادة على الجارية وأمرته أن لا يذكر شيئا إلا بعد أن يوقع به المكروه لئلا يرتاب به [2] ، ويكون أثبت للخبر، وأحضر الكيس مختوما بخاتم المرأة، ودعوت الآخر فاعترف بمثل ذلك، وأمرته أن لا/ يذكر شيئا، فأكتب إلى أحمد بالبيان، فما وصل إليه [3] حتى وردت عليه رقعة الحرة [4] تعلمه أن الرقعة الأولى من فعلها كانت غيرة عليه من الجارية، وأن جميع ما فيها باطل، وأنها حملت الخادمين على ذلك، وأنها تائبة إلى الله من هذا الفعل، فجاءته براءة الجارية من كل جهة، فسر بذلك وزال ما كان به، وأحسن إلى الجارية.
قال أبو بكر الصولي: مات أحمد بن أبي خالد وزير المأمون يوم الاثنين لعشر خلون من ذي الحجة [5] سنة إحدى عشرة ومائتين، فصلى عليه المأمون، فلما دلي في قبره ترحم عليه وقال: كنت والله كما قال الشاعر:
أخو الجد إن جد الرجال وشمروا ... وذو باطل إن كان في القوم باطل
__________
[1] سورة: الحجرات، الآية: 6.
[2] في ت: «مكروها ينهمه» .
[3] في ت: «فبادرت إلى أحمد بالبشارة فما وصلت إليه» .
[4] في الأصل: «رقعة أخرى» .
[5] في ت: «ذي القعدة» .

(10/244)


1189- رويم بن يزيد [1] ، أبو الحسن المقرئ، مولى العوام بن حوشب الشيباني
[2] .
[كان يسكن نهر القلايين، وله هناك مسجد معروف به] [3] كان يقرئ فيه، حدث عن الليث بن سعد، روى عن محمد بن سعد كاتب الواقدي، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة.
1190- زياد بن يونس [بن سعيد] [4] بن سلامة بن الحضرمي الإسكندراني، يكنى أبا سلامة.
روى عن مالك، والليث، وابن لهيعة، وقرأ على نافع، وكان طالبا للعلم، وكان يسمى سوسة العلم، وهو أحد الأثبات الثقات.
توفي بمصر في هذه/ السنة.
1191- عبد الله [5] بن صالح [بن مسلم] [6] العجلي الكوفي المقرئ
[7] .
ولد سنة إحدى وأربعين ومائة وقرأ على حمزة الزيات، وسمع فضيل بن مرزوق، ونصر بن معاوية. وثقه يحيى، وأخرج عنه البخاري، وكان قاضيا بناحية شيراز.
توفي في هذه السنة وله ست وسبعون سنة.
1192- علي بن الحسين بن واقد المروزي
[8] .
كان واقد مولى عبد الله بن عامر بن كريز، سمع علي أباه وأبا حمزة السكري.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في ت: «بن محمد» بدلا من «يزيد» .
[2] «الشيبانيّ» ساقط من ت. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 429- 430.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «عبيد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 477.
[8] انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/ 308. والتقريب 2/ 35. والتاريخ الكبير 6/ 267.

(10/245)


1193- موسى بن سليمان [أبو سليمان] [1] الجوزجاني
[2] .
سمع ابن المبارك، وأبا يوسف، ومحمد. وكان فقيها بصيرا بالرأي، يذهب مذهب أهل السنة [في القرآن] [3] ، وكان نعم الرجل، قال أبو حاتم الرازي: كان صدوقا.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا بكر بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن عطية قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: أحضر المأمون موسى بن سليمان ومعلى الرازي، فبدأ بأبي سليمان لسنه وشهرته بالورع، فعرض عليه القضاء، فقال: يا أمير المؤمنين، احفظ حقوق الله في القضاء ولا تول على أمانتك مثلي، فإني والله غير مأمون الغضب، ولا أرضى نفسي للَّه أن أحكم في عباده. قال:
صدقت وقد أعفيناك [4] .
1194- معلى بن منصور، أبو يعلى الرازي
[5] .
حدث عن مالك، والليث بن سعد، وشريك، وغيرهم، روى عنه ابن المديني/ وأبو بكر بن أبي شَيْبة، وأبو خيثمة. وكان ثقة فقيها، أخذ عن أبي يوسف القاضي، طلبوه للقضاء مرارا فأبى.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ [بْنُ عَلِيِّ] [6] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرنا الصيمري قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا بكر بن أحمد قال:
حدثنا أحمد بن عطية قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: أحضر المأمون موسى بن سليمان ومعلى الرازي فعرض على موسى القضاء فامتنع، فأقبل على معلى فقال له مثل ذلك، قال: لا أصلح، قال: ولم؟ قال: إني رجل أداين، فأبيت مطلوبا وطالبا. قال:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 36- 37.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 37.
[5] انظر ترجمته في: 13/ 188.
[6] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .

(10/246)


نأمر بقضاء دينك وتتقاضى ديونك، فمن أعطاك قبلنا منه ومن لم يعطك عوضناك [ما لك عليه] قال: ففي شكوك [في] [1] الحكم، وفي ذلك تلف أموال الناس، قال: يحضر مجلسك أهل الدين إخوانك، فما شككت فيه سألتهم عنه، وما صح عندك أمضيته.
قال: يا سبحان [2] الله، أنا أرتاد رجلا أوصي إليه من أربعين سنة ما أجد [من أوصي إليه] [3] فمن أين أجد من يعينني على حقوق الله الواجبة حتى آتمنه على ذلك فأعفاه [4] .
أخبرنا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حدثنا عمار بن بكار القافلاني قال: حدثنا محمد بن إسحاق والعباس بن محمد قالا: سمعنا يحيى بن معين يقول: كان المعلى بن منصور الرازي يوما يصلي فوقع على رأسه كور الزنابير، فما التفت ولا أنفتل [5] / حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من شدة الانتفاخ [6] .
توفي معلى في هذه السنة وكان ينزل الكرخ في قطيعة الربيع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «يا سبحان» ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] لم أجد الخبر في ترجمته في تاريخ بغداد.
[5] «ولا انفتل» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 189.

(10/247)


ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
توجيه المأمون محمد بن حميد [الطوسي] [1] لمحاربة بابك، فمضى على طريق الموصل، وأخذ جماعة من المتغلبة بأذربيجان فبعث بهم إلى المأمون [2] .
وفيها: خلع أحمد بن محمد العمريّ المعروف بالأحمر العين باليمن [3] .
وفيها: ولّى المأمون محمد بن عبد الحميد اليمن [4] .
وفيها: أظهر المأمون القول بخلق القرآن، وأن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك في شهر ربيع الأول [5] .
وحج بالناس في هذه السنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن محمد [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1195- إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، يكنى أبا حيان، وقيل: أبا عبد الله
[7] .
حدث عن أبيه، وعن مالك بن مغول وعنهما، وكان فقيها على مذهب جده،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[5] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[6] انظر: تاريخ الطبري 8/ 619.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 243.

(10/248)


وتولى/ قضاء الرصافة سنة أربع وتسعين بعد محمد بن عبد الله الأنصاري، فأقام مدة ثم انصرف، وولي قضاء البصرة سنة عشر ومائتين لما عزل عنه يحيى بن أكثم، وأقام به سنة، ثم عزل بعيسى بن أبان.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب [قال:
أخبرنا] أبو الطيب الطبري قال: حدثنا المعافى بن زكريا [قال: حدثنا] [1] محمد بن [2] أحمد بن إبراهيم الحكمي قال: قال أبو عبد الله محمد بن القاسم: لما عزل إسماعيل بن حماد عن البصرة شيعوه فقالوا: عففت عن أموالنا وعن دمائنا. فقال: وعن أبنائكم! يعرض بيحيى بن أكثم [في اللواط] [3] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [4] الخطيب قال: حدثنا الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد الكاتب قال: حدثنا أبو العيناء قال: قال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: ما ورد علي مثل امرأة تقدمت إلي فقالت: أيها القاضي، ابن عمي زوجني من هذا ولم أعلم، فلما أعلمت رددت، فقلت لها: ومتى رددت؟ قالت: وقت علمت، قلت: ومتى علمت؟ قالت: وقت رددت [5] . فما رأيت مثلها [6] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلي قَالَ: أَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ: حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأدمي قال: حدثنا محمد بن علي الأيادي قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: حدثني أبو حاتم الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سمعت سعيد بن موسى [7] الباهلي يقول: سمعت
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «حدثنا محمد بن قاسم قال: لما عزل إسماعيل ... » .
[3] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 244.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «قلت: ومتى ... » «.... رددت» ساقطة من ت.
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 244.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 244.

(10/249)


إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون يقول: القرآن مخلوق وهو ديني/ ودين أبي وجدي [1] .
توفي [إسماعيل] [2] في هذه السنة [3] .
1196- خلف بن الوليد، أبو جعفر الجوهري
[4] .
سمع ابن أبي ذئب، وشعبة، وهشيما. وروى عنه: أحمد بن حنبل [5] ، وانتقل إلى مكة فنزلها.
قال يحيى بن معين: هو ثقة.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 245.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] وفي هامش الأصل: «إن صحت هذه الرواية فقد كذب على أبيه وجده» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 320.
[5] «بن حنبل» ساقطة من ت.

(10/250)


ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
موت [طلحة بن] طاهر بخراسان [1] ، فولى المأمون أخاه [أبا إسحاق] [2] الشام ومصر، وولى ابنه العباس بن المأمون الجزيرة والثغور والعواصم، وأمر لهما ولعبد الله بن طاهر، لكل منهم بخمسمائة ألف دينار، وولى غسان بن عباد السنة [3] .
وحج بالناس في هذه السنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن محمد [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1197- أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، أبو جعفر الكاتب مولى بني عجل
[5] .
كان من أفاضل كتاب المأمون وأذكاهم، وأفطنهم وأجمعهم للمحاسن، وكان فصيحا مليح الخط يقول الشعر، وزر للمأمون بعد أحمد بن [أبي] [6] خالد.
أخبرنا [أبو] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
__________
[1] في الأصل: «موت طاهر الخراساني» . وما بين المعقوفتين ذكر في الهامش.
[2] في الأصل: «أخاه المأمون» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 620.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 620.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 216.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/251)


أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال: [أخبرنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا قال] [1] : أخبرنا الحسين بن عبد الرحمن قال: أشرف أحمد بن يوسف وهو يموت على بستان له [على] [2] شاطئ دجلة، فجعل يتأمله/ ويتأمل دجلة، ثم تنفس وقال متمثلا:
ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئت من عيب لعائبه
قال: فما أنزلناه حتى مات [3] .
وكانت وفاته في هذه السنة.
1198- أسد بن الفرات بن سنان، أبو عبد الله الفقيه.
قاضي إفريقية مغربي صاحب الكتب على مذهب مالك المعروفة بالأسدية. ولد سنة أربعين ومائة، وكان عنده الموطأ عن مالك، وأقام بالكوفة، فكتب عن أهلها وكتب بالري عن جرير بن عبد الله بن عبد الحميد.
وتوفي بصقلية في ربيع الآخر [4] من هذه السنة. وهو محاصر بسرقوسة، وهو أمير تلك السرية.
1199- أسود بن سالم، أبو محمد العابد
[5] .
سمع حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، وغيرهم، وكان ثقة ورعا فاضلا. وكان بينه وبين معروف الكرخي مؤاخاة ومودة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ على [بْن ثابت] [6] قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي الحسن بن محمد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر تاريخ بغداد 5/ 218.
[4] في ت: «ربيع الأول» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 35.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/252)


قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مجاهد قال: حدثنا أبو عيسى الختلي قال: حدثنا أبو يوسف القاضي قال: كنا عند أسود بن سالم وقد كان يستعمل من الماء شيئا كثيرا [ثم ترك ذاك] [1] فجاء رجل فسأله عن ذلك فقال: هيهات ذهب [2] ذاك، كنت ليلة باردة قد قمت في السحر فأنا أستعمل ما كنت أستعمله، فإذا هاتف هتف بي فقال: يا أسود ما/ هذا يحيى بن سعيد الأنصاري حدثنا عن سعيد بن المسيب «إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم ترتفع إلى السماء» . قال: قلت: أجني؟ ويحك من تكون؟ قال: ما هو إلا ما تسمع.
فقلت: من أنت عافاك الله؟ قال: يحيى بن سعيد الأنصاري قال: حدثنا عن سعيد بن المسيب إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم ترتفع إلى السماء. قال: قلت [3] : لا أعود [لا أعود] فأنا اليوم يكفيني كف من ماء [4] .
أخبرنا منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن على قال: أخبرنا أبو القاسم بن عبد المنذر القاضي قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الطوسي قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن زياد قال: حدثني أحمد بن الحاكم الصاغاني قال: جاء رجل إلى ابن حميد فقال: إني اغتبت أسود بن سالم، فأتيت في منامي فقيل لي: تغتاب وليا من أولياء الله لو ركب حائطا ثم قال له سر لسار [5] .
1200- بشر بن أبي الأزهر القاضي [النيسابوري] [6] . واسم أبي الأزهر: يزيد، وكنية بشر: أبو سهل.
كان من أعيان فقهاء الكوفيين وزهادهم. سمع ابن المبارك، وابن عيينة، وأبا معاوية، وغيرهم. وتفقه على أبي يوسف.
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن الحسين البيهقي قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، أخبرني محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور قال: حدثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «ذهب» ساقطة من ت.
[3] من أول: «أجنى، ويحك ... » حتى «إلى السماء قال: قلت» ساقطة من ت.
[4] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 36.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 37.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/253)


أبي قال: حدثنا [1] محمد بن عبد الوهاب قال: سمعت بشر بن أبي الأزهر وسأله رجل عن مسألة فأخطأ فيها/ فقال: كنت هممت أن آتي الطاهري- يعني عبد الله بن طاهر- فأسأله أن يأمر الحراس فينادوا في البلد في الناس: من سأل بشر بن أبي الأزهر عن مسألة في النكاح فأنه قد أخطأ فيها، فقال له رجل: أنا أعرف الرجل الذي سألك عن المسألة [2] هو في مكان كذا وكذا. فأتى به فرجع عن قوله ذلك وبصره بالصواب.
توفي في رمضان في هذه السنة.
1201- ثمامة بن أشرس أبو معين النميري
[3] .
أحد المعتزلة البصريين، ورد بغداد، واتصل بالرشيد وغيره من الخلفاء، وحكى عنه الجاحظ وغيره.
وروى أبو بكر الصولي قال: حدثني المقدمي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حدثني الوليد بن عباس قال: خرج ثمامة بن أشرس من منزله بعد المغرب وهو سكران، فإذا هو بالمأمون [4] قد ركب في نفر، فلما رأى ثمامة عدل عن طريقه وبصر به المأمون فضرب كفل دابته وحاذاه، فوقف ثمامة، فقال له المأمون: ثمامة، قال: إي والله، قال: سكران أنت؟ قال: لا. قال: أفتعرفني؟ قال: إي والله،. قال: من أنا؟
قال: لا أدري، فضحك المأمون حتى انثنى عن دابته، قال: عليك لعائن الله، قال:
تترى يا أمير المؤمنين، فعاد في الضحك.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] [5] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرنا الصميري قال: حدثنا/ أبو عبيد الله المرزباني قال: أخبرني الصولي قال: قال الجاحظ قال ثمامة: دخلت إلى صديق لي أعوده وتركت حماري على الباب فخرجت،
__________
[1] «حدثنا أبي قال» : ساقطة من ت.
[2] «عن المسألة» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 145.
[4] في الأصل: «بالمغرب» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/254)


وإذا فوقه صبي [1] ، فقال: حفظته لك، قلت: لو ذهب كان أعجب إلي قال: فاحسبه قد ذهب وهبه لي واربح شكري، فلم أدر ما أقول [له] [2] .
قال المرزباني وأخبرني أبو بكر الجرجاني قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد، عن الحسن بن رجاء: أن الرشيد لما غضب على ثمامة دفعه إلى سلام [3] الأبرش، وأمره أن يضيق عليه، ويدخله بيتا ويطبق عليه [4] ويترك فيه ثقبا، ففعل دون ذلك، وكان يدس إليه [5] الطعام، فجلس سلام عشية يقرأ في المصحف فقرأ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 77: 15 [6] .
فقال له ثمامة: إنما هو للمكذّبين، وجعل يشرحه ويقول: المكذَّبون هم الرسل، والمكذِّبون هم الكفار، فقال: قد قيل لي إنك زنديق ولم أقبل، ثم ضيق عليه أشد الضيق! ثم رضي الرشيد عن ثمامة [7] وجالسه. فقال: أخبروني من أسوأ الناس حالا؟
فقال كل واحد شيئا. قال ثمامة: فبلغ القول إلي، فقلت: عاقل [8] يجري عليه حكم جاهل فتبينت الغضب في وجهه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أحسبني وقعت بحيث أردت؟ قال: لا والله فاشرح لي، فحدثته بحديث سلام، فجعل يضحك حتى استلقى، وقال: صدقت والله، لقد كنت أسوأ الناس حالا/ [9] .
قال أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي [10] : قتل ثمامة بن أشرس النميري
__________
[1] «صبي» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل انظر الخبر في تاريخ بغداد 7/ 146.
[3] في الأصل: «سلامة» .
[4] في ت: «ويضيق» .
[5] في ت: «يدس عليه» .
[6] سورة: المرسلات، الآية: 15.
[7] في الأصل: «على ثمامة» .
[8] في ت: «عالم» .
[9] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 148.
[10] «التميمي» ساقطة من ت.

(10/255)


وهو زعيم المعتزلة [1] بين الصفا والمروة من أجل [بدعة ومن أجل] [2] سعيه في دم أبي أحمد الخزاعي، قتله بنو خزاعة.
1202- عبد الله بن داود الهمذاني
[3] .
تحول من الكوفة فنزل الخربية بناحية البصرة، وكان ثقة ناسكا، سمع الأعمش وغيره.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال: حدثنا إسماعيل الحطبي قال: سمعت أبا مسلم إبراهيم بن عبد الله يقول: كتبت الحديث وعبد الله بن داود حي، ولم أقصده لأني كنت في بيت عمتي ولها بنون أكبر مني، فلم أرهم، فسألت عنهم، فقالوا: قد مضوا إلى عبد الله بن داود، فأبطئوا ثم جاءوا يذمونه [4] ، وقالوا:
طلبناه في منزله فلم نجده، وقالوا: هو في بسيتينة له بالقرب فقصدناه، فإذا هو فيها فسلمنا عليه وسألناه أن يحدثنا، فقال: متعت بكم أنا في شغل عن هذا هذه البسيتينة لي فيها معاش وتحتاج أن تسقى، وليس لي من يسقيها. فقلنا نحن ندير الدولاب ونسقيها قال: فافعلوا [5] ، قال: فتسلحنا وأدرنا الدولاب حتى سقينا البستان، ثم قلنا له: حدثنا الآن، قال: متعت بكم، ليس لي نية في أن أحدثكم، وأنتم كان لكم نية تؤجرون عليها.
توفي الجرمي في شوال هذه السنة.
1203- عبد الله بن سنان الهروي
[6] .
نزيل البصرة، حدث عن ابن المبارك/ والفضيل، وسفيان بن عيينة.
__________
[1] «وهو زعيم المعتزلة» ساقطة من ت.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 413.
[4] «ثم جاءوا يذمونه» ساقطة من ت.
[5] في ت: «قال: إن حضرتكم منه» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 469.

(10/256)


روى عنه: ابن المديني، وابن خيثمة، وأبو زرعة. وقال أبو داود: هو ثقة.
توفي في هذه السنة.
1204- علي بن جبلة بن مسلم، أبو الحسن الشاعر، المعروف بالعكوك الضرير
[1] .
ولد سنة ستين ومائة، وذهب بصره في الجدري، وهو ابن سبع سنين، مدح المأمون وأبا دلف وندرت من شعره نوادر، وسارت عنه أمثال. روى عنه: الجاحظ.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي علي بن أيوب الكاتب قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثني علي بن هارون قال: أخبرني أبي قال: من مختار شعر علي بن جبلة:
لو أن لي صبرها أو عندها جزعي ... لكنت أعلم ما آتي وما أدع
لا أحمل اللوم فيها والغرام بها ... ما حمل الله نفسا فوق ما تسع
إذا دعى باسمها داع فأسمعني ... كادت له شعبة من مهجتي تقع [2]
ولما مدح [3] أبا دلف بقصيدته التي أولها:
زاد زور الغي عن صدره [4] ... وارعوى واللهو من وطره
[وأبت إلا البكاء له ... ضاحكات الشيب في شعره
جبل عزت مناكبه ... آمنت عدنان في ثغره
إنما الدنيا أبو دلف ... بين ناديه ومحتضره
فإذا ولي أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
يا دواء الأرض إن فسدت ... وبديل اليسر من عسره
كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره
مستعين منه مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره [5]]
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 359.
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 359.
[3] في ت: «ومن شعره» .
[4] في ت: «من صدره» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/257)


ولما أنشد هذه القصيدة أمر له [1] بمائة ألف درهم وبكى وقال: لم أقض حقه والله لو أعطيته مائة ألف دينار ما كنت قاضيه حقه.
قال علي بن جبلة: وكنت لا أدخل على أبي دلف إلا يلقاني ببر/ فلما أفرط انقطعت عنه حياء منه، فبعث إلي أخاه يقول: لم هجرتنا؟ فكتبت إليه:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكنني لما أتيتك زائرا ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
من الآن لا آتيك إلا مسلما ... أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر
فإن زدتني برا تزايدت [2] جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر
فلما وصلت إليه كتب إلي:
ألا رب ضيف طارق قد بسطته ... وآنسته قبل الضيافة بالبشر
أتاني يرجيني فما حال دونه ... ودون القرى من نائلي عنده ستري
وجدت [3] له فضلا علي بقصده ... إلي [4] وبرا يستحق به شكري
فلم يعد أن أدنيته وابتدأته ... ببشر وإكرام وبر على بر [5]
وزودته مالا قليلا بقاؤه ... وزودني مدحا يدوم على الدهر
ثم وجه الأبيات مع وصيف يحمل كيسا فيه ألف دينار.
ومدح حميد الطوسي فبالغ في مدحه [6] ، فقيل له: ما بلغت في مدح أحد، ما بلغت في مدح حميد فقال: وكيف لا أفعل؟ وأدنى ما وصل إلي منه أني أهديت إليه قصيدة في يوم نيروز فسر بها وأمر أن يحمل إلي كلما أهدي له، فحمل إلي ما قيمته مائة ألف درهم.
__________
[1] في الأصل: «فلما أنشدها له أمر له» .
[2] في ت: «فإنه زدتي برايدت» .
[3] في ت: «وجدي» .
[4] في ت: «إلا» .
[5] هذا البيت ساقط من ت.
[6] «في مدحه» ساقطة من ت.

(10/258)


وقد روينا أن المأمون لما بلغه ما بلغ فيه [علي] [1] بن جبلة من مدح أبي دلف طلبه فجيء به، فقال له: فضلت أبا دلف/ على العرب كلها، وأدخلت في ذلك قريشا وآل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعترته، وأنا لا [2] أستحل دمك بهذا بل بكفرك في شعرك حيث تقول:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
ما يقدر على ذلك إلا الله عز وجل سلوا لسانه من قفاه ففعل به ذلك.
والصحيح أنه هرب من المأمون فمات في تواريه بغداد في هذه السنة، ولم يقدر عليه.
1205- علي بن إسحاق، أبو الحسن [3] السلمي ثم الداركاني
[4] :
وهي قرية بمرو ينزلها [5] الحاج إذا خرجوا من مرو.
وكان من أصحاب ابن المبارك. وروى عنه أحمد بن حنبل. [وكان ثقة صدوقا.
توفي في هذه السنة.
1206- محمد بن سابق، أبو جعفر. وقيل: أبو سعيد البزاز، مولى بني تميم
[6] .
حدث عن مالك بن مغول وغيره. روى عنه: أحمد بن حنبل] [7] وأبو خيثمة، وعباس الدوري في آخرين، وقد اختلفوا فيه.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [8] الخطيب قال: أخبرني الصيمري قال: حدثنا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «وأفالا» .
[3] في ت: «أبو إسحاق» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 348.
[5] في ت: «ينزله» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 338.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أبو بكر» ساقطة من ت.

(10/259)


علي بن الحسن الداري قال: حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: سئل يحيى بن معين، عن محمد بن سابق فقال: ضعيف [1] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: حدثنا هبة الله [2] بن الحسن بن منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ القاسم قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ قال:
أخبرنا جدي قال: محمد بن سابق كان ثقة صدوقا [3] .
قال المصنف: وعلى هذا الأكثرون في توثيقه.
توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة أربع عشرة.
1207- محمد بن يوسف، أبو عبد الله الفريابي.
روى عن سفيان، والأوزاعي، وزائدة. وسكن قيسارية.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
روى السري بن معاذ أمير الري قال: كنت مع أبي وكان قائدا من قواد عبد الله بن طاهر وأنا غلام فوجه/ عبد الله بن طاهر إلى ناحية الشام فخرج أبي فكنت معه، وكان قريبا من شهر رمضان، فقال عبد الله بن طاهر: هاهنا أحد من العلماء نسأله عن الصيام والإفطار؟ فأنا على ظهر سفر، فقيل له: ها هنا بالقرب منك محمد بن يوسف الفريابي، صاحب سفيان الثوري، قال: فضرب بعسكره إلى باب داره. قال: وكان له حاجبان أحدهما عزير، والآخر ميكال، وكانا على مقدمته، فتقدما إلى الباب، فأومأ إليهما عبد الله بن طاهر أن يرفقا [4] في قرع الباب، فقرعا ثم وقفا مليا، فخرجت جارية. تخدم الفريابي، فقالا لها: قولي للشيخ الأمير عبد الله بن طاهر بالباب، قال: فمضت، ثم أطالت، ثم جاءت [5] فقالت: يقول لكم الشيخ ما حاجته؟ قال: فتذمرا فأومأ إليهما
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 340.
[2] في الأصل: «عبد الله» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 340.
[4] في ت: «أن توفقا» .
[5] في ت: «ثم جارت» .

(10/260)


عبد الله بن طاهر أن اسكتا، فقال عبد الله بن طاهر: قولي للشيخ: إنا على [ظهر] [1] سفر، وقد أظلنا شهر رمضان، فما ترى في الصيام أو الإفطار؟ قال: فمضت، ثم رجعت بعد هوي فقالت: يقول لكم الشيخ إن كنتم على سفر في طاعة الله فأنتم مخيرون بين الصيام [2] والإفطار، وإن كنتم على سفر في معصية الله فلا تجمعوا بين العصيان والإفطار، فلما انصرفا نظر عبد الله بن طاهر [3] إلى عزير وميكال، فقال: هذا العز لا الذي نحن فيه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «في الصيام» .
[3] «بن طاهر» ساقطة من ت.

(10/261)


ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها: / خروج بلال الضبابي شاريا، فشخص المأمون إلى العلث، ثم رجع إلى بغداد، ووجه ابنه عباسا في جماعة من القواد، فيهم [1] هارون بن أبي خالد، فقتله هارون [2] .
وفيها: خرج عبد الله بن طاهر [إلى] الدينور [3] ، فبعث المأمون إليه إسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن أكثم يخيرانه بين خراسان والجبال وأرمينية والجبال وأذربيجان [4] ، ومحاربة بابك، فاختار خراسان، فشخص إليها [5] .
وفيها: ولي علي بن هشام الجبل، وقم، وأصبهان، وأذربيجان، وعزل عكرمة بن طارق عن قضاء الشرقية [6] .
وحج بالناس في هذه السنة إسحاق بن العباس بن محمد [7] .
__________
[1] في ت: «إليه» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.
[3] في الأصل: «بن طاهر الدينَوَريّ» .
[4] «وأذربيجان» ساقطة من ت.
[5] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.
[6] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.
[7] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 622.

(10/262)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1208- إسحاق بن حسان أبو يعقوب [1] الشاعر المعروف بالخريمي
[2] .
أصله من خراسان من أبناء السغد [3] ، واتصل بخريم بن عامر المري فنسب إليه، وقيل: بل كان اتصاله بعثمان بن خريم وكان عثمان قائدا جليلا وسيدا شريفا فنسب [4] إليه.
وأبو خريم الموصوف بالناعم، وأما يعقوب فشاعر محسن وكان يتدين.
قال أبو حاتم السجستاني: هو أشعر المولدين. روى عنه الحافظ.
حدثنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [5] بن علي قال أخبرني علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران الكاتب/ قال: أخبرنا الصولي قال:
أنشدني عون بن محمد لأبي يعقوب الخريمي:
باحت ببلواه جفونه ... وجرت بأدمعه عيونه [6]
لما رأى شيئا علاه ... ولم يحن في الغد حينه
فعلا على فقد الشباب ... وفقد من يهوى أنينه
ما كان أنجح سعيه ... وشبابه فيه معينه
واللهو يحسن بالفتى ... ما لم يكن شيب يشيننه [7]
1209- الحسين بن محمد بن بهرام، أبو محمد التميمي، المؤدب، مروروذي؟ الأصل
[8] .
كان ببغداد، وحدث عن جماعة، وروى عنه: أحمد بن حنبل، وعباس الدوري، والحربي وكان ثقة.
__________
[1] في ت: «بن حيان بن يعقوب» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 326.
[3] في ت: «الشعراء» .
[4] «فنسب» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في تاريخ بغداد: «شئونه» .
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 6/ 326.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 88.

(10/263)


توفي في هذه السنة. وقيل: في سنة ثلاث عشرة.
1210- محمد بن عبد الله بن قيس، أبو محرز الكناني.
[كان] [1] فاضلا، ولي قضاء إفريقية فامتنع، فأمر الأمير أن يحمل بضيعته حتى يقعد في الجامع لينظر بين الناس، فلما قعد، نظر بين الخصوم.
سمع مالك [بن أنس] [2] .
وتوفي في هذه السنة.
1211- محمد بن حميد الطوسي.
قتله بابك يوم السبت لخمس بقين من ربيع الأول، وقتل جماعة كانوا معه في عسكره.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/264)


ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائتين
فمن الحوادث:
أن المأمون شخص من بغداد لغزو الروم في يوم السبت لثلاث بقين من المحرم، وكان ارتحاله من الشماسية إلى البردان يوم الخميس [بعد] [1] صلاة الظهر لست بقين/ من المحرم، واستخلف حين رحل عن بغداد عليها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، وولاه مع ذلك السواد وحلوان وكور دجلة، فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب [كرم الله وجهه] [2] من المدينة في صفر، فأجازه، وأمره [3] أن يدخل بابنته أم الفضل، وكان زوجها منه، فأدخلت [4] عليه في دار أحمد بن يوسف التي على شاطئ دجلة، فأقام بها، فلما جاءت أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة، ثم أتى منزله بالمدينة، فأقام بها [5] ثم سلك المأمون طريق الموصل، حتى صار إلى منبج، ثم إلى دابق [6] ، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى المصيصة، ثم خرج منها إلى طرسوس، ثم دخل إلى
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «واستأذنه» .
[4] في ت: «فما دخلت» .
[5] «فأقام بها» ساقط من ت.
[6] «وثم إلى دابق» ساقط من ت.

(10/265)


بلاد الروم، للنصف من جمادى الأولى، فافتتح حصنا فمن على أهله [1] ، ثم أقام على حصن فتحه عنوة، وأمر بهدمه، وذلك يوم الأحد لأربع بقين من جمادى الأولى ووجه أشناس إلى حصن، فأتاه برئيسه، ووجه عجيفا إلى صاحب حصن سنان، فسمع وأطاع [2] .
وشخص المأمون إلى دمشق [3] .
وولى علي بن هشام محاربة الخرمية، وندب عيسى بن يزيد الجلوذي في هذه السنة إلى محاربة الزط، وهم أول من سكن البطائح، والبطائح [4] هي مغيص دجلة والفرات، وهما نهرا العراق، وكان الزط [5] سبعة وعشرين ألفا ومائتين، منهم المقاتلة اثنا عشر ألفا/ فلما استوطنوا البطائح قطعوا الطريق ومنعوا المجتازين ما بين البصرة وواسط، فاستغاث الناس إلى المأمون، فندب إليهم عيسى بن يزيد، فجرت بينهم وبينه [6] وقائع، ولم يظفر منهم بطائل، فاستظهروا عليه، وعادوا إلى ما كانوا عليه من الفساد، وقطع الطريق، فندب المأمون غيره، فلم يظفر منهم بشيء.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد [7] قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: حدثنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال: حدثنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا الحسين ابن القاسم الكوكبي [8] قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن مالك النحوي قال: حدثنا يحيى بن أبي حماد، عن أبيه قال: وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها، فأتي بها، فلما [9] همّ ليلبس درعه [ذكرها و] [10]
__________
[1] في الطبري: أهلها» .
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 623- 624.
[3] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 624.
[4] «وهم أول من سكن البطائح، والبطائح» ساقطة من ت.
[5] في ت: «وكانوا» .
[6] في ت: «بينه وبينهم» .
[7] في الأصل: «أخبرنا بهذه الكاتبة قال» .
[8] «الكوكبي» ساقطة من ت.
[9] في ت: «فأتى خروجه إلى بلاد الروم فلما» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/266)


خطرت بباله، فأمر فأخرجت إليه، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني والله يا سيدي، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ، وأنشدت [1] تقول:
سأدعو دعوة المضطر ربا ... يثيب على الدعاء ويستجيب
لعل الله أن يكفيك حربا ... ويجمعنا كما تهوى القلوب
فضمها المأمون إلى صدره، وأنشأ متمثلا يقول:
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تدري الدمع منها الأنامل/
صبيحة قالت في العتاب قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول
ثم قال لخادمه: يا مسرور، احتفظ بها، وأكرم محلها، وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا قول الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
وخرج فلم يزل يتعاهدها، ويصلح لها ما أمر به، فاعتلت الجارية علة شديدة أشفق عليها منها، وورد نعي المأمون، فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وماتت [2] .
وحج بالناس في هذه السنة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن محمد [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1212-[إسحاق بن عيسى بن نجيح، أبو يعقوب المعروف بابن الطباع
[4] .
سمع مالك بن أنس، وشريك بن عبد الله وغيرهما. روى عنه: أحمد بن حنبل
__________
[1] في ت: «وأنشأت» .
[2] في ت: «وتوفيت» .
[3] في ت: «بن محمد بن علي» . انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 624.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 60 والترجمة ساقطة من الأصل.

(10/267)


وكان صدوقا. وانتقل في آخر عمره إلى أدنه، فأقام بها حتى توفي في ربيع الأول من هذه السنة] [1] .
1213- سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري
[2] .
كان عالما بالنحو واللغة، وحدث عن شعبة، وأبي عمرو بن العلاء، روى عنه:
أبو عبيدة وغيره، وكان ثقة ثبتا من أهل البصرة، وقدم بغداد.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز [3] قال: أخبرنا محمد [بن عمران بن موسى الكاتب قال: حدثني علي بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عباس قال: حدثنا عمي الفضل بن محمد قال: حدثني أبو عثمان] [4] المازني قال: كنا عند أبي زيد، فجاء الأصمعي فأكب على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ ثلاثين [5] سنة [فبينا] [6] نحن على ذلك [7] إذ دخل خلف الأحمر، فأكب على رأسه وجلس وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ/ عشر سنين [8] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد [9] بن يعقوب قال: حدثني محمد بن عبيد الله بن الفضل بن قفرجل [10] قال: حدثنا محمد بن يحيى النديم قال: حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا روح بن عبادة قال: كنا عند شعبة فضجر من الحديث، فرمى بطرفه، فرأى أبا زيد في أخريات الناس، فقال: يا أبا زيد:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 77.
[3] في الأصل: «المزاز»
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «عشرين» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فنحن كذلك» .
[8] في ت: «ثلاثين سنة» انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 77- 78.
[9] في تاريخ بغداد: «أحمد بن محمد بن أحمد» .
[10] «قفرجل» ساقط من ت.

(10/268)


أستعجمت دار مي ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار
إلي يا أبا زيد، فجعلا يتناشدان الأشعار. فقال بعض أصحاب الحديث لشعبة: يا أبا بسطام، نقطع إليك ظهور الإبل لنسمع منك حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتدعنا وتقبل على الأشعار؟ قال: فرأيت شعبة قد غضب غضبا شديدا، ثم قال: يا هؤلاء أنا أعلم بالأصلح لي أنا والله الّذي لا إله إلا هو أسلم مني في ذلك [1] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الواحد قال: أخبرنا محمد بن عمران الكاتب قال: حدثني محمد بن أحمد الجوهري قال: حَدَّثَنَا] [2] العنزي قال: سمعت المازني يقول: سمعت أبا زيد النحوي يقول:
وقفت على قصاب وقد أخرج بطنين سمينين موفورين فعلقهما، فقلت: بكم البطنان؟
فقال: بمصفعان يا مضرطان فغطيت رأسي وفررت لئلا يسمع الناس فيضحكوا [3] .
توفي أبو زيد في هذه السنة بالبصرة وله ثلاث وتسعون سنة، وقيل: سنة أربع عشرة.
1214- سهل بن محمود بن حليمة، أبو السري
[4] .
حدث عن سفيان بن عيينة، روى عن عباس الدوري، وكان محدثا ثقة ناسكا.
وتوفي في هذه السنة.
1215- علي بن الحسن [5] بن شقيق بن محمد بن دينار، أبو عبد الرحمن العبدي [المروزي]
[6] .
قدم بغداد، وحدث بها عن إبراهيم بن طهمان/ وإبراهيم بن سعد، وحماد بن
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 78- 79.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وفيه: «عن العتري» .
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 9/ 78.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 115.
[5] «بن الحسن» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 370.

(10/269)


زيد، وشريك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وكان يحفظ كتب ابن المبارك وشاركه في كثير من رجاله.
روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى، وأبو خيثمة وكان جامعا.
وتوفي بمرو في هذه السنة.
1216- قبيصة بن عقبة، أبو عامر السوائي
[1] .
من بني عامر بن صعصعة، سمع الثوري، وحماد بن سلمة، روى عنه: أحمد [ابن حنبل] [2] وغيره وكان رجلا صالحا ثقة كثير الحديث [حافظا] [3] .
تكلموا في سماعه عن سفيان [الثوري] [4] فقالوا: كان حينئذ صغيرا.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا [أبو] منصور محمد بن [5] عيسى البزاز قال: أخبرنا صالح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ قَالَ:
سمعت القاسم بن أبي صالح يقول سمعت جعفر بن حمرويه [6] يقول: كنا على باب قبيصة ومعنا دلف أبو عبد العزيز ومعه الخدم، فصار إلى قبيصة، فدق عليه الباب، فأبطأ قبيصة بالخروج فعاوده الخدم، وقيل: ابن ملك [الجبل] [7] على الباب وأنت لا تخرج إليه؟ قال: فخرج وفي طرف إزاره كسر من الخبز وقال: رجل قد رضي من الدنيا بهذا، فما يصنع بابن ملك الجبل، والله لا حدثته. فلم يحدثه [8] .
توفي قبيصة في هذه السنة. وقيل: في سنة عشرين والأول أصح.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 473.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أخبرنا منصور بن محمد» .
[6] في الأصل: «بن حمويه» .
[7] ما بين المعقوفتين زيادة من الهامش ومن تاريخ بغداد.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 476.

(10/270)


1217- محمد بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك، أبو عبد الله الأنصاري
[1] .
ولد سنة ثماني عشرة ومائة. سمع أباه [2] ، وسليمان التيمي، وحميدا الطويل، ومالك بن دينار، وغيرهم.
روى عنه: أبو الوليد الطيالسي، وقتيبة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم [3] /، وكان ثقة، وقد جالس في الفقه سوار بن عبد الله، وعبد الله بن حسن العنبري، وعثمان البتي، وأبا يوسف، وزفر.
وولي قضاء البصرة [4] أيام الرشيد، وقدم بغداد فولي بها القضاء والمظالم، وحدث بها [5] ، ثم رجع إلى البصرة فمات بها في رجب هذه السنة وهو ابن سبع وتسعين سنة، وقيل [توفي] [6] سنة أربع عشرة.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا محمد بن العباس قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الكندي قال: أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: سمعت] [7] محمد بن عبد الله الأنصاري يقول: كان يأتي علي قبل اليوم عشرة أيام لا أشرب فيها الماء واليوم أشرب كل يومين، فقيل له:
كنت تشرب اللبن؟ قال: اللبن مثل الماء، قيل له: فعسل؟ قال: لا [8] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي الدقاق وأبو الحسن علي بن أحمد بن المؤدب قالا: حدثنا أحمد بْن إسحاق النهاوندي، حَدَّثَنَا الحسن بْن عبد الرحمن بن خلاد قال:
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 408.
[2] «أباه» ساقطة من ت.
[3] «روى عنه أبو الوليد الطيالسي وقتيبة وأحمد بن حنبل وغيرهم» ساقط من ت.
[4] في ت: «وولي القضاء بالبصرة» .
[5] «بها» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «عن محمد بن عبد الله الأنصاري» وحذف باقي السند.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 411.

(10/271)


حدثني عبد الله بن محمد بن أبان حدثنا القاسم بن نصر المخرمي] [1] . حدثنا سليمان بن داود] [1] قال: وجه المأمون إلى محمد بن عبد الله الأنصاري خمسين ألف درهم وأمره أن يقسمها بين الفقراء بالبصرة، وكان هلال بن مسلم يتكلم على أصحابه، قال الأنصاري: وكنت أنا أتكلم على أصحابي، فقال هلال: هي لي ولأصحابي، وقلت أنا: هي لي ولأصحابي. فاختلفنا. فقلت لهلال: كيف تتشهد؟ فقال هلال: أو مثلي يسال عن التشهد؟ فتشهد على حديث ابن مسعود، فقال الأنصاري من حدثك [بهذا] [2] ومن أين ثبت عندك؟ فبقي هلال لم يجبه، فقال الأنصاري: تصلي كل يوم وليلة خمس صلوات وتردد فيها هذا الكلام وأنت لا تدري من رواه عن نبيك صلى الله عليه وسلم؟ قد باعد الله بينك وبين الفقه، فقسمها الأنصاري في أصحابه [3] .
1218- مكي بن إبراهيم بن بشر بن فرقد، أبو السكن البرجمي الحنظلي التميمي
[4] .
من أهل بلخ، سمع بهز بن حكيم، وابن جريج، ومالك بن أنس، روى عنه:
أحمد/ بن حنبل، والقواريري، [والبخاري] [5] والحسن بن عرفة، وغيرهم. وكان ثقة ثبتا.
[أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال] : أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [6] قال:
أخبرنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن عمرو العرمكي قال: سمعت عبد الصمد بن الفضل يقول: سمعت مكي يقول حججت ستين حجة، وتزوجت ستين امرأة، وجاورت بالبيت عشر سنين، وكتبت عن سبعة عشر نفسا من التابعين، ولو علمت أن الناس يحتاجون إلى ما كتبت ما كتبت دون التابعين عن أحد [7] .
__________
[1] في الأصل: «حدثنا البزاز بإسناد له عن سليمان بن داود» وحذف باقي السند.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 5/ 409.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 115.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 116.

(10/272)


[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بن محمد بن علي أبو الوليد، حدثنا محمد بن أحمد بن سليمان الحافظ، حدثنا أبو نصر أحمد بن نصر بن أشكاب قال: سمعت الحسن بن أحمد بن مالك الزعفراني يقول: سمعت عمر بن مدرك يقول] [1] : سمعت مكي بن إبراهيم يقول: قطعت البادية من بلخ إلى مكة حاجا خمسين مرة، ودفعت في كراء بيوت مكة ألف دينار ومائتي دينار ونيفا [2] .
توفي مكي ببلخ في نصف شعبان من هذه السنة، وقد قارب المائة سنة.
1219- الوليد بن أبان الكرابيسي
[3] .
أحد المتكلمين، وهو أستاذ حسين الكرابيسي.
أخبرنا عبد الرحمن [مُحَمَّد] الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت] [4] الخطيب قال: أخبرنا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز البزاز قَالَ:
حَدَّثَنَا صالح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن عبيد بن إبراهيم قال:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ قال: سمعت أحمد بن سنان يقول: كان الوليد الكرابيسي خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أن أحدا أعلم [5] بالكلام مني؟
قالوا: لا، قال: فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: أني أوصيكم، تقبلون؟ قالوا: نعم. قال:
عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم، لست أعني الرؤساء ولكن هؤلاء الممزقين/ ألم تر أحدهم يأتي إلى الرئيس منهم فيخطئه ويهجيه [6] .
قال أبو بكر بن الأشعث: كان أعرف الناس بالكلام بعد حفص القرد الكرابيسي وكان حسين الكرابيسي [قد] [7] تعلم منه الكلام [8] .
__________
[1] في الأصل ت: «عن مدرك قال.....» وحذف باقي السند»
[2] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 117.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 441.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «أن أحدا أعرف بالعلم» .
[6] في ت: «يسمع متكلما فيحطه» .
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 441.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 13/ 441.

(10/273)


ثم دخلت سنة ست عشرة ومائتين
فمن الحوادث فيها:
رجوع المأمون إلى أرض الروم، وفي سبب ذلك قولان:
أحدهما: أنه ورد عليه الخبر بقتل ملك الروم قوما من أهل طرسوس، والمصيصة زهاء ألف وستمائة، فرجع فدخل أرض الروم يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة [1] بقيت من جمادى الأولى، فأقام بها إلى نصف شعبان.
والثاني: أن توفيل بن ميخائيل كتب إليه، فبدأ بنفسه، فلم يقرأ الكتاب وخرج، فوافته رسل توفيل بأدنة، ووجّه خمسمائة رجل من أسرى المسلمين، فنزل المأمون في أرض الروم على حصن، فخرج على صلح، وصار إلى هرقلة، فخرج على صلح [2] ، ووجه أخاه أبا إسحاق، ففتح ثلاثين حصنا ومطمورة، ووجه يحيى بن أكثم، فأغار وقتل وحرق، وأصاب سبيا، ثم ارتحل المأمون [إلى دمشق] [3] .
وفي هذه السنة: خرج عبدوس الفهري/ فوثب بمن تبعه على عمال أبي إسحاق بن الرشيد، فقتل بعضهم، وذلك في شعبان، فشخص المأمون من دمشق يوم الأربعاء لأربع عشرة بقيت من ذي الحجة إلى مصر [4] .
وفيها: كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلّوا،
__________
[1] «ليلة» ساقطة من ت.
[2] «وصار إلى هرقلة فخرج على صلح» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 625.
[4] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 625.

(10/274)


فكانوا إذا صلوا وكانوا إذا قضوا [1] المكتوبة قاموا قياما، فكبروا ثلاث تكبيرات، وبدءوا بذلك في مسجد [رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم] بالمدينة، والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من رمضان [2] .
وفيها: غضب المأمون على علي بن هشام، فوجه إليه عنبسة بن عجيف، وأحمد بن هشام وأمر بقبض أمواله، وسلاحه [3] .
وفيها: هرب جعفر بن داود القمي إلى قم وخلع بها [4] .
واختلفوا بمن حج بالناس في هذه السنة، فقيل سليمان بن عبد الله بن سليمان [ابن علي] [5] بن عَبْد اللَّهِ بن عباس. وقيل: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وكان المأمون ولاه اليمن، وجعل إليه ولاية كل بلدة دخلها حتى يصل إلى اليمن [6] ، فخرج من دمشق حتى قدم بغداد، فصلى بالناس ببغداد يوم الفطر وشخص منها يوم الاثنين لليلة خلت من ذي القعدة، فأقام الحج للناس [7] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1220-/ إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو الحسن
[8] .
كان من وجوه بني هاشم وأفاضلهم، وكان طوالا من الرجال يخضب بالحناء.
وتوفي ببغداد في هذه السنة.
__________
[1] «فكانوا إذا صلوا وكانوا إذا قضوا» ساقطة من ت.
[2] انظر الخبر في: تاريخ الطبري 8/ 626.
[3] انظر: تاريخ الطبري 8/ 626.
[4] انظر: تاريخ الطبري 8/ 626.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «إلى المأمون» .
[7] انظر: تاريخ الطبري 8/ 626.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 260.

(10/275)


1221- الحسن بن سوار، أبو العلاء البغوي
[1] .
حدث عن الليث والمبارك بن فضالة، روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وكان ثقة. توفي بخراسان.
1222- الحسين بن إبراهيم بن الحر، أبو علي، يلقب: أشكاب
[2] .
سمع حماد بن زيد وشريك بن عبد الله، روى عنه: عباس الدوري، وكان ثقة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ [بْنِ ثَابِتٍ] [3] قَالَ:
أَخْبَرَنِي الأزهري قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ معروف قال:
أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: الحسين بن إبراهيم بن الحر من أبناء أهل خراسان من أهل نسا، وكان أبوه فيمن خرج في دعوة آل العباس مع أسد [4] بن عبد الرحمن الذي ظهر بنسا، وسود، وولي أسد أصبهان سنة خمس وأربعين ومائة، ونشأ الحسين ببغداد، وطلب الحديث، ولزم أبا يوسف القاضي، فاتصل بالوالي [5] ، ثم قعد عنهم، فلم يدخل في شيء من القضاء ولا غيره، فلم يزل ببغداد، يؤتى في الحديث والفقه، إلى أن مات سنة ست عشرة ومائتين في خلافة المأمون، وهو ابن إحدى/ وسبعين سنة [6] .
1223- زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور وتكنى أم جعفر وأمة العزيز
[7] .
ولدت في زمان المنصور، وكان يرقصها ويقول: أنت زبدة وأنت زبيدة، فغلب ذلك الاسم عليها، وهي زوجة هارون الرشيد، وأم الأمين وليس في بنات هاشم عباسية ولدت خليفة إلا هي، وكان الرشيد [قد] [8] شكى إلى عبد الله بن مصعب الزبيري أن زبيدة لا تحمل منه، فقال: أغرها فإن إبراهيم الخليل [عليه السلام] كانت عنده سارة
__________
[1] في ت: «الحسن بن حسن بن جعفر بن سوات» . انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 318- 319.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 17 واللقب في الأصل «إسكاف» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أسيد» .
[5] في الأصل: «فأبصر الرأي» .
[6] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 8/ 18.
[7] في هامش الأصل «الست زبيدة» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/276)


فلم تحمل منه، فحملت هاجر، فغارت فحملت بإسحاق [عليه السلام] فغارت زبيدة من مراجل، فحملت بالأمين [1] ، وكانت معروفة بالخير والأنفال على العلماء والفقراء، ولها آثار كثيرة في طريق مكة، والمدينة، والحرمين، وساقت الماء من أميال حتى غلغلته بين الحل والحرم، ووقفت أموالها على عمارة الحرمين.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن سليمان قال: حدثنا هارون بن سليمان قال: أخبرنا رجل من ثقيف يقال له:
محمد بن عبد الله قال: سمعت إسماعيل بن جعفر بن سليمان يقول: حجت أم جعفر فبلغ إنفاقها [2] في ستين يوما: أربعة وخمسين ألف ألف [دينار] [3] ورفع إليها وكيلها حساب النفقة/ فنهته [عن ذلك] [4] ، وقالت له [5] : ثواب الله بغير حساب.
وبلغنا أن وكيل أم جعفر حبس رجلا كان ينظر في ضياعها، فأخذ من ارتفاعها مالا يبلغ مائتي ألف درهم، فبعث المحبوس إلى صديقين له يسألهما سؤال الوكيل في أمره، فلقيهما الفيض بن أبي صالح، فقال: إلى أين؟ قالا: نمضي [6] إلى كذا وكذا، فقال:
أتحتاجان أن أساعدكما، قالا: نعم، فمضى معهما وكتب الوكيل إلى أم جعفر يخبرها بالحال، فقالت [7] : لا سبيل إلى إطلاقه حتى يؤدي ما عليه، فعزما على النهوض، فقال الفيض: كأننا إنما جئنا لنؤكد حبس [8] الرجل [وأخذ الدواة] [9] وكتب إلى وكيله بأداء المال، فكتب وكيل أم جعفر إليها بالحال، فوقعت على ظهر رقعته: نحن أولى بهذه المكرمة من الفيض، فاردد إليه حظه وسلم إليه الرجل.
__________
[1] في ت: «من مراجل فولدت» .
[2] في ت: «نفعتها» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «له» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «غضيا» .
[7] في ت: «فأجابت» .
[8] في الأصل: «لنؤكد في حبس» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/277)


أخبرنا عبد الوهاب [1] بن المبارك قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال:
أخبرنا أبو الطيب الطبري قال: حدثنا المعافى بن زكريا قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جعفر بْن موسى البرمكي وحدثني ميمون بن هارون قال: حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع، عن جده الفضل بن الربيع [2] قال: خرج أمير المؤمنين الرشيد [3] من عند زبيدة وقد تغدى عندها ونام وهو يضحك، فقلت: قد سرني سرور أمير المؤمنين، فقال: ما أضحك، إلا تعجبا من هذه المرأة، أكلت/ عندها ونمت، فسمعت رنة، فقلت: ما هذه، قالوا: ثلاثمائة ألف دينار وردت من مصر، فقالت: هبها لي يا ابن عم، فرفعتها إليها، فما برحت حتى عربدت، وقالت: أي خير رأيت منك.
توفيت أم جعفر ببغداد في جمادى الأولى من هذه السنة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [4] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الحسين بن محمد الخلال قال: وجدت بخط أبي الفتح القواس حدثنا صدقة [5] ابن هبيرة الموصلي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي قال: قال عبد الله بن المبارك الزمن:
رأيت زبيدة في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقالت: غفر لي بأول معول ضرب في طريق مكة، قلت: فما هذه الصفرة في وجهك؟ قالت: دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي زفرت جهنم [6] عليه زفرة اقشعر لها جسدي فهذه الصفرة من تلك الزفرة.
1224- عبد الصمد بن النعمان، أبو محمد البزاز النسائي
[7] سكن بغداد، وحدث بها عن ابن أبي ذئب، وشعبة، وحمزة الزيات [8] ، وروى عنه: عباس الدوري، وكان ثقة.
__________
[1] في الأصل: «عبد الرحمن» .
[2] في ت: «قال: أخبرنا الربيع ... » .
[3] «الرشيد» ساقطة من ت.
[4] «أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «في صدقة» .
[6] في ت: «فربرت عليه» .
[7] انظر ترجمته في تاريخ بغداد 11/ 39- 40.
[8] في ت: «حمزة بن محمد الهاشمي» .

(10/278)


توفي في هذه السنة.
1225- محمد بن الحجاج، مولى العباس بن محمد الهاشمي، يكنى أبا عبد الله. وقيل: أبا جعفر، ويعرف بالمصفر
[1] .
روى عن شعبة/ والدراوَرْديّ، ترك أحمد حديثه، وقال يحيى: وقال يحيى: ليس بثقة، وقال أبو زرعة: يروي أباطيل عن شعبة والدراوَرْديّ.
قال المصنف: كان يتشيع.
ومات في هذه السنة.
1226- مُحَمَّد بن عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ [2] بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْن أبي صفرة الأزدي الْبَصْرِيّ، واسم أبي صفرة: ظالم بن سراق
[3] .
كان محمد يتولى الصلاة والإمارة بالبصرة، وقدم بغداد، فحدث عن أبيه، عن صالح المري، وهشيم.
روى عنه: إبراهيم الحربي، والكديمي وأبو العيناء، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ] قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت [الخطيب] [4] قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أبي جعفر القطيعي قَالَ: حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال:
حدثنا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ فَذَهَبْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْنَا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ بَصِيرًا بِالْحَدِيثِ، حَدَّثَنَا بِحَدِيثٍ. فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِهِرَّةٍ. وَغَلِطَ. إِنَّمَا الْتَزَقَتِ الْبَاءُ بِالْقَافِ [5] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [6]
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 282.
[2] «بن عباد» ساقطة من ت.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 371- 373.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 371.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(10/279)


الخطيب قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قال: قال المأمون لمحمد بن عباد أردت أن/ أوليك فمنعني إسرافك في المال. فقال محمد: منع الموجود سوء ظن بالمعبود، فقال له المأمون: لو شئت أبقيت على نفسك فإن الذي تنفقه بعيد الرجوع، فقال له: يا أمير المؤمنين، من له مولى غني لا يفتقر، فاستحسن المأمون ذلك منه، وقال للناس: من أراد أن يكرمني فليكرم ضيفي محمد بن عباد. فجاءت الأموال إليه من كل ناحية، فما برح وعنده منها درهم، وقال: إن الكريم لا تحنكه التجارب [1] .
أخبرنا عَبْد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا أَحْمَد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي المحتسب قال: حدثنا إسماعيل بن سعيد قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: حَدَّثَني أبي عن المغيرة بن محمد وغيره قال: قال المأمون لمحمد بن عباد: يا محمد بلغني أنه لا يقدم أحد البصرة إلا دخل دار ضيافتك قبل أن ينصرف من حاجاته، فكيف تسع هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظن بالمعبود [فاستحسنه منه] [2] وأوصل إليه المأمون ما مبلغه ستة آلاف ألف درهم [3] .
ومات وعليه خمسون ألف دينار، وقال المأمون: يا محمد ما أكثر الطاعنين على آل المهلب، فقال: يا أمير المؤمنين، هم كما [4] قال الشاعر:
إن الغرانيق تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا/
قال المغيرة: هذا الشعر من قصيدة مدح بها عمر بن لجأ يزيد بن المهلب، وأول القصيدة:
آل المهلب قوم إن نسبتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
كم حاسد لهم بغيا لفضلهم ... وما دنا من مساعيهم ولا كادا [5]
__________
[1] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 372.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 372.
[4] في الأصل: «هو كما قال ... » .
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 372.

(10/280)


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال:
أخبرنا علي بن محمد المعدل قَالَ: [1] أَخْبَرَنَا ابْن صفوان قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن قال: لما احتضر محمد بن عباد [بن المهلب] [2] دخل عليه نفر من قومه كانوا يحسدونه، فلما خرجوا قال متمثلا:
تمنى رجال أن أموت فإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فما عيش من يبغي خلافي بضائري ... وما موت من يمضي أمامي بمخلدي
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد [3]
[أخبرنا القزاز [3] ، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرني أحمد بن علي بن عبد الله الطبري قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البزاز، حدثنا محمد بن يحيى النديم، حدثنا الغلابي قال] : [4] قيل للعتبي: مات محمد بن عباد فقال:
نحن متنا بفقده/ وهو حي بمجده [5] .
1227- موسى بن داود، أبو عبد الله الضبي الحلفاني
[6] .
كوفي الأصل، سكن بغداد، وحدث بها عن مالك، وشعبة، والثوري، والليث، روى عنه: أحمد بن حنبل وكان ثقة مأمونًا مصنفًا، وولي قضاء الثغور، فحُمد فيها.
وتوفي في هذه السنة بالمصيصة.
__________
[1] في ت: «أخبرنا علي بن محمد المعدل قال: لما احتضر.....» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 373.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر الخبر في: تاريخ بغداد 2/ 373.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 33.

(10/281)


خاتمة الناسخ آخر الجزء العاشر يتلوه في الجزء الّذي بعده:
ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين.
والحمد للَّه رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.
وذلك في العشر الأخير من شهر رمضان المعظم قدره، سنة أربع وثمانمائة، أحسن الله تقضيتها بخير في عافية بمنه وكرمه، وغفر لمن استكتبه وكتبه ونظر فيه ودعا لهما وللمسلمين بالمغفرة والرحمة، وللمسلمين أجمعين آمين آمين آمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(10/282)


[المجلد الحادي عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله
ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين
[قتل المأمون علي بن هشام]
فمن الحوادث فيها:
ورود المَأمون إِلَى مصر [فِي المحرم] [1] ، فأتي بعبدوس الفهري فضرب عنقه وانصرف إِلَى الشام [2] .
وفيها: قتل المَأمون علي بْن هشام، وأخاه حسينا بأدنة فِي جمَادى الأولى [3] .
وَكَانَ السبب: أن المَأمون ولى علي بْن هشام كور الجبال، فرفع إليه قتله الرجال [4] ، وأخذه الأموال، فوجه إليه عجيفا، فأراد أن يقتل عجيفا، ويلحق ببايك، فظفر به عجيف، فقدم به على المَأمون فقتله وأخاه، وبعث برأس علي بْن هشام إِلَى بغداد وخراسان، فطيف به، ثم ردّ إلى الشام والجزيرة فطيف به كورة كورة [5] ، وقدم به دمشق فِي ذي الحجة، ثم ذهب به إِلَى مصر، ثم ألقي فِي البحر [6] .
[دخول المأمون أرض الرّوم]
وفي هذه السنة: دخل المَأمون أرض [7] الروم، فأناخ [8] على لؤلؤة مائة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 8/ 627. والكامل 5/ 498. والبداية والنهاية 10/ 271.
[3] تاريخ الطبري 8/ 627. والكامل 5/ 498. وتاريخ الموصل ص 408. وتاريخ بغداد لابن أبي طاهر 6/ 267.
[4] في ت: «للرجال» .
[5] «كورة كورة» ساقطة من ت.
[6] تاريخ الطبري 8/ 627.
[7] في الأصل: «بلاد الروم» .
[8] في ت: «فأقام» .

(11/3)


يوم [1] ، ثم رحل عنها وخلف عَلَيْهَا عجيفا، فاختدعه أهلها، فأسروه، فمكث [2] أسيرا فِي أيديهم ثمَانية أيام، ثم أخرجوه، وصار توفيل إِلَى لؤلؤة فأحاط بعجيف، فصرف المأمون الجنود إليه، فارتحل توفيل قبل موافاتهم [3] ، وخرج أهل لؤلؤة إِلَى عجيف بأمَان [4] .
وفيها: كتب توفيل إِلَى المأمون يسأله الصّلح [5] .
2/ ب
[حريق عظيم بالبصرة]
وفيها: وقع حريق عظيم/ بالبصرة.
فروى محمد بْن عمَار قَالَ: كنت فِي هَذَا الحريق، فإذا رجل قد جاء [6] فَقَالَ:
أنا فلان بْن فلان تعرفوني، ولي فِي نهر كذا وكذا كذا وكذا [7] جريبا وفي نهر كذا وكذا كذا وكذا جريبا [8] ، وقد جعلت لمن يجيئني بابنتي عشرة أجربة من أي نهر شاء.
قال: فإذا رجل قد وثب فبل كساء، ثم ألقاه عَلَيْهِ، وغدا فِي النار، فَقَالَ الرجل: إنا للَّه، أمَا ابنتي [فقد] [9] ذهبت وأحرقت هَذَا الرجل، إذ قيل: هُوَ ذاك، هُوَ ذاك، [وَهُوَ] [10] عَلَى الدرجة. فإذا [هُوَ] [11] قد بل كساء فِي البيت، وأدخل بنت الرجل جوفه، ثم احتملها حَتَّى دخل النار، فقطعها وألقاها [12] ، فعمد الرجل فألقى عَلَيْهَا ثوبه وأحتملها، وغشي عَلَى [الرجل] الذي [كَانَ] [13] قد جاء بها. قال [14] : فجاء الأب وقد
__________
[1] في ت: «يوما» .
[2] في الأصل: «فأقام» وفي ت والطبري كما أوردناه.
[3] في ت: «موافاته» .
[4] تاريخ الطبري 8/ 628. وتاريخ ابن الأثير (الكامل) 5/ 498.
[5] تاريخ الطبري 8/ 629. والكامل 5/ 498. وتاريخ الموصل ص 408.
[6] في الأصل: «فجاء رجل» .
[7] في ت: «في نهر كذا وكذا وكذا» .
[8] «وفي نهر كذا وكذا كذا وكذا جريبا» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «حتى دخل وخرج بها فألقاها» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «فقال» .

(11/4)


أفاق الرجل، فَقَالَ: اختر من أي نهر شئت. فقال: لا حاجة لي فيها، قَالَ: فلم يزل به وَهُوَ يأبى، إِلَى أن قَالَ: لو ذهبت للطمع [1] لاحترقت واحترقت ابنتك. ولم يقبل ذلك منه.
وحج بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1228- إبراهيم بْن تيم، أبو إسحاق مولى شرحبيل بْن حسنة.
كَانَ كاتبا فِي ديوان الخراج، ثم ولي خراج مصر، توفي في هذه السنة.
1229- إبراهيم بْن الجراح بْن صبيح، مولى بني تميم.
وَهُوَ [3] من أهل مروروذ، سكن الكوفة، وولي قضاء مصر، وعزل سنة [إحدى] [4] عشرة ومَائتين. وروي عن يَحْيَى بن عقبة بْن العيزار أنه كَانَ يقول [5] بخلق القرآن. / وتوفي بمصر في هذه السنة.
1230- الخليل بْن أبي نافع المزني الموصلي
[6] . نزل بغداد.
[أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن إدريس الموصلي- فِي كتابه إلي- قَالَ: حَدَّثَنَا أبو منصور المظفر بْن محمد الطوسي حَدَّثَنَا] أَبُو زكريا بْن يزيد بْن محمد [7] بْن إياس الأزدي [8] في الطبقة
__________
[1] في ت: «إلى الطمع» .
[2] تاريخ الطبري 8/ 630. وتاريخ الموصل ص 411. وتاريخ ابن كثير 10/ 272. والكامل 5/ 498.
[3] «وهو» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «وكان يقول» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 335. وتاريخ الموصل ص 411، 412.
[7] في الأصل: «قال أَبُو زكريا بْن يزيد بْن محمد بْن إياس ... » وباقي السند سقط من الأصل وأكملناه من ت، وتاريخ بغداد.
[8] في ت: «بن أبان الأوردي» .

(11/5)


[الرابعة] [1] من علمَاء أهل الموصل، قَالَ: ومنهم الخليل بْن [أبي] نافع المزني [2] ، كَانَ من العباد، وكتب الحديث، واختار الصمت والعزلة، وَكَانَ قد اتخذ لوحا يكتب فيه كل مَا يتكلم به، ويحصيه فِي [3] آخر النهار فيجده بضع عشرة كلمة [4] .
وتوفي ببغداد في هذه السنة.
1231- داود بْن مهران، أبو سليمَان الدباغ [5] .
سمع عبد العزيز بْن أبي رواد، وسفيان بن عبد الله. روى عنه عباس الدوري.
وقال يعقوب بْن شيبة: كَانَ شيخا صدوقا ثقة. توفي فِي شوال هَذِهِ السنة.
1232- سريج [6] بْن النعمَان بْن مروان، أبو الحسن اللؤلؤي [7] .
خراساني الأصل، بغدادي الدار. سمع حمَاد بْن سلمة [8] ، وفليح [9] بْن سليمَان. وصالحا المري، وسفيان بْن عيينة. وروى عنه أحمد بْن حنبل، وأبو خيثمة، والدوري، وأبو زرعة، وأبو حاتم. وَكَانَ ثقة، وَكَانَ منزله بعسكر المهدي.
وتوفي فِي يوم الأضحى من هَذِهِ السنة.
1233- عمرو بْن مسعدة بْن سعيد بْن صول، أبو الفضل [10] .
كَانَ أحد كتاب المأمون، وَكَانَ لَهُ منزلان ببغداد، أحدهما بحضرة طاق
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «الخليل بن نافع المري» .
[3] «في» ساقطة من ت.
[4] تاريخ بغداد 8/ 325.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 362. والجرح والتعديل 3/ 426. وتعجيل المنفعة 119.
[6] في الأصل: «شريح» . وفي ت: «سريح» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 217. والكامل 5/ 498. والبداية والنهاية 10/ 272 وفيه: «شريح» .
والتاريخ الكبير 4/ 405. والجرح والتعديل 4/ 304. وطبقات ابن سعد 7/ 341. وتهذيب التهذيب 3/ 457. والتقريب 1/ 285.
[8] في ت: «حماد بن سليمان» .
[9] في الأصل: «قليج» .
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 203، 204. ووفيات الأعيان 1/ 390. وإرشاد الأريب 6/ 88- 91. وأمراء البيان 191. والأعلام 5/ 86.

(11/6)


الحراني- والحراني [1] هُوَ: إبراهيم بْن ذكوان- ومنزل آخر [2] فوق الجسر، وَهُوَ المعروف بساباط/ عمرو بن مسعدة [3] . 3/ ب توفي بأذنة في هذه السنة، ورفع إِلَى المأمون أنه خلف ثمَانين ألف ألف درهم، فوقع: «هَذَا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا [4] ، فبارك الله لولده فيه» .
ولعمرو بْن مسعدة حكايات ظريفة:
أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد الباقي البزاز [5] قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ: أن عَمْرو بْن مسعدة قَالَ: كنت مَعَ المأمون عند قدومه من بلاد الروم، حَتَّى إذا نزل الرقة قال: يا عمرو، أوما ترى الرخجي قد احتوى عَلَى الأهوار، وجمع الأموال وطمع فيها، وكتبي تصل [6] إِلَيْهِ فِي حملها، وَهُوَ يتعلل ويتربص بي الدوائر؟! فقلت: أنا أكفي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ هَذَا، وأنقذ من يضطره إِلَى حمل مَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ: مَا يقنعني هَذَا. قلت: فيأمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بأمره. قَالَ: تخرج إليه بنفسك حَتَّى تصفده بالحديد وتحمله إِلَى بغداد، وتقبض عَلَى جميع مَا فِي يديه من أموالنا، وتنظر فِي العمل، وترتب فيه عمَالا.
فقلت: السمع والطاعة. فلمَا كَانَ من الغد، دخلت إليه فاستعجلني، فانحدرت فِي زلال أريد البصرة، واستكثرت من الثلج لشدة الحر، فلمَا صرت بين جرجرايا وجيل سمعت صائحا من الشاطئ يصيح: يَا ملاح، فرفعت سجف الزلال، فإذا شيخ كبير السن، حاسر، حافي القدمين، خلق القميص.
فقلت للغلام: / أجبه فأجابه، فَقَالَ: يَا غلام، أنا شيخ كبير السن، على هذه 4/ أالصورة التي ترى، وقد أحرقتني الشمس وكادت تتلفني، وأريد جيل، فاحملوني معكم، فإن الله يأجركم. فشتمه الملاح وانتهره، فأدركتني عَلَيْهِ رقة [7] ، فقلت للغلام: خذوه معنا. فحملناه، فتقدمت بدفع قميص ومنديل إليه [فغسل وجهه
__________
[1] «والحراني» ساقطة من ت.
[2] في ت: «والمنزل الآخر» .
[3] تاريخ بغداد 12/ 203، 204.
[4] «لنا» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «الرزاز» . وفي ت: «البراز» .
[6] في ت: «متصلة» .
[7] في ت: «فأدركتني رقة عليه» .

(11/7)


واستراح] [1] ، وحضر وقت الغداء. فقلت للغلام: هاته يأكل معنا. فجاء فأكل معنا أكل أديب، إلا أن [2] الجوع قد بين عَلَيْهِ، فلمَا أكل قلت: يَا شيخ، أي شيء صناعتك؟ قَالَ: حائك، فتناومت عَلَيْهِ، ومددت رجلي. فَقَالَ: وأنت أعزك الله، أي شيء صناعتك؟ فأكبرت ذلك وقلت: أنا جنيت عَلَى نفسي، أتراه لا يرى زلالي وغلمَاني ونعمتي، وأن مثلي لا يقال لَهُ هَذَا، ثم قلت: ليس إلا الزهد بِهَذَا، فقلت:
كاتب. فَقَالَ [لي] [3] أصلحك الله، إن الكتاب خمسة، فأيهم أنت؟ فسمعت كلمة أكبرتها، وكنت متكئا فجلست، ثم قلت: فصل [4] الخمسة.
قَالَ [5] : نعم، كاتب خراج: يحتاج أن يكون عالمَا بالشروط، والطسوق، والحساب، والمساحة [6] ، [والبثوق] [7] ، والفتوق، والرتوق.
وكاتب أحكام: يحتاج أن يكون عالمَا بالحلال والحرام، والاختلاف، والأصول، والفروع.
وكاتب معونة: يحتاج أن يكون عالمَا بالقصاص، والحدود، والجراحات.
4/ ب وكاتب/ جيش: يحتاج أن يكون عالمَا بحلي الرجال، وسمات الدواب [8] ، ومداراة [9] الأولياء، وشيء من العلم بالنسب، والحساب.
وكاتب رسائل: يحتاج أن يكون عالمَا بالصدور والفصول، والإطالة، والإيجاز، وحسن الخط، والبلاغة.
قلت لَهُ: فإني كاتب رسائل. فَقَالَ: أصلحك الله، لو أن رجلا من إخوانك تزوجت أمه، وأردت [أن] [10] تكاتبه مهنئا لَهُ، كيف تكاتبه؟ ففكرت فِي الحال فلم يخطر ببالي شيء، فقلت: اعفني. فَقَالَ: قد فعلت [11] . فقلت: ما أرى للتهنئة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «غير أن» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «نصل» .
[5] في ت: «فقال» .
[6] في ت: «والمسوحة» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «شيات الدواب» .
[9] في ت: «مدارات» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] «شيء فقلت: اعفني. فقال قد فعلت» ساقط من ت.

(11/8)


وجها، قَالَ: فتكتب [1] إليه تعزية. ففكرت، فلم يخطر ببالي [أيضا] [2] شيء، فقلت: اعفني [3] . قَالَ: قد فعلت، ولكن [لست] [4] بكاتب رسائل. قلت: فأنا كاتب خراج. قَالَ: لو أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ولاك ناحية، وأمرك فيها [5] بالعدل واستيفاء حق السلطان، فتظلم بعضهم من مساحتك، وأحضرتهم للنظر بينهم وبين رعيتك، فحلف المساح باللَّه لقد أنصفوا، وحلفت الرعية باللَّه لقد ظلموا، فقالت الرعية: قف معنا عَلَى مسحه، فخرجت لتقف، فوقفوك عَلَى قراح [كذا وكذا- لشيء وصفه- كيف تكتب؟ قلت: لا أدري، قَالَ: فلست بكاتب خراج] [6] فمَا زال يذكر فِي حق كل كاتب حاله، فلا أعلمها [7] إِلَى أن قلت: فاشرح أنت [8] . فشرح الكل، فقلت: يَا شيخ، أليس زعمت أنك حائك. فَقَالَ: أنا حائك كلام ولست بحائك [9] نساجة، ثم أنشأ يقول: / 5/ أ
مَا مر بي شر [10] ولا نعيم ... إلا ولي فيهمَا نصيب
قد ذقت حلوا وذقت مرا ... كذاك عيسى الفتى ضروب
نوائب الدهر أدبتني ... وإنمَا يوعظ الأديب
فقلت: فمَا الذي أرى بك [11] من سوء الحال؟ فَقَالَ: أنا رجل دامت عطلتي، فخرجت أطلب البصرة [12] فقطع علي الطريق، فتركت كمَا ترى، [فمشيت عَلَى وجهي] [13] فلمَا رأيت الزلال [14] ، استغثت بك. قلت: فَإِنِّي قد خرجت إِلَى تصرف جليل أحتاج فيه إِلَى جمَاعة مثلك، وقد أمرت لك عاجلا بخلعة حسنة وخمسة آلاف درهم تصلح بِهَا من أمرك، وتنفذ منها إِلَى عيالك، وتصير معي إِلَى عملي فأوليك أجله. قَالَ: أحسن الله جزاك، إذا تجدني بحيث مَا يسرّك [15] ، فانحدر معي فجعلته
__________
[1] في ت: «فكتب» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «فاعفني» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «فيها» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فلا أعملها» .
[8] في ت: «فاشرح لي» .
[9] في ت: «ولست حائك» .
[10] في ت: «ما مر بؤس» .
[11] في الأصل: «ما أرى بك» .
[12] في ت: «أطلب التصرف» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «فلما لاح لي الزلال» .
[15] في ت: «بحيث يسرك» .

(11/9)


المناظر للرخجي والمحاسب لَهُ، فقام بذلك أحسن قيام، فحسنت حاله معي، وعادت نعمته.
أنبأنا أبو بكر بْن عبد الباقي، عن أبي القاسم التنوخي، عن أبيه، عن أشياخ لَهُ: أن عمرو بن مسعدة كَانَ مصعدا من واسط إِلَى بغداد فِي حر شديد، وَهُوَ [1] فِي زلال، فناداه رجل: يَا صاحب الزلال بنعمة الله عليك ألا نظرت إلي فكشفت [2] سجف الزلال فإذا شيخ ضعيف حاسر، فَقَالَ [3] : قد ترى مَا أنا فيه، ولست أجد من 5/ ب يحملني، / فابتغ [4] الأجر فِي، وتقدم إِلَى ملاحيك يطرحوني بين مجاذيفهم إِلَى أن أبلغ بلدا يطرحوني فيه.
فَقَالَ عمرو بْن مسعدة: خذوه، فأخذوه، وقد كاد يموت من الشمس والمشي [5] ، فَقَالَ لَهُ: يَا شيخ، مَا قضيتك، [6] ومَا قصتك؟
قَالَ: قصة [7] طويلة. وبكى، قَالَ: فسكنته ثم قلت: حدثني.
فَقَالَ [8] : أنا رجل كانت للَّه [عز وجل] [9] علي نعمة، وكنت صيرفيا، فابتعت جارية بخمسمَائة دينار، فشغفت بِهَا، وكنت [10] لا أقدر أفارقها ساعة [11] ، فإذا خرجت إِلَى الدكان أخذني الهيمَان حَتَّى أعود إليها [12] ، فدام ذلك علي حَتَّى تعطل كسبي، وأنفقت من رأس المَال، حَتَّى لم يبق منه قليل ولا كثير، وحملت الجارية، فأقبلت أنقض داري وأبيع [13] الأنقاض، حَتَّى فرغت من ذلك، ولم يبق لي حيلة، فأخذها الطلق، فقالت: يَا هَذَا، أموت فاحتل لي [14] بمَا تبتاع به عسلا ودقيقا وسرجا [15] وإلا مت. فبكيت وجزعت [16] ، وخرجت عَلَى وجهي، وجئت لأغرق نفسي فِي دجله، فخفت العقاب، فخرجت عَلَى وجهي إِلَى النهروان، ومَا زلت أمشي من قرية إِلَى
__________
[1] «وهو» ساقطة من ت.
[2] في ت: «فكشف» .
[3] في ت: «قال» .
[4] في ت: «فابتغي» .
[5] في ت: «من المشي والشمس» .
[6] «ما قضيتك و» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «قضية» .
[8] في الأصل: «قال» .
[9] «عز وجل» ساقطة من الأصل.
[10] في ت: «فكنت» .
[11] «ساعة» ساقطة من ت.
[12] في ت: «حتى أعود فأجلس معها» .
[13] في ت: «وأنقض وأبيع الأنقاض» .
[14] في الأصل: «فاحتل بما تبتاع لي» .
[15] في ت: «شيرجا» .
[16] «وجزعت» ساقطة من ت.

(11/10)


قرية، حَتَّى بلغت خراسان، فصادفت من عرفني وتصرفت [1] فِي صناعتي، ورزقني الله مَالا عظيمَا، وكتبت [2] ستة وستين كتابا [3] لأعرف خبر منزلي فلم يعد لي [4] جواب، فلم أشك أن/ الجارية مَاتت، وتراخت السنون، حَتَّى حصل معي ما قيمته 6/ أعشرون ألف دينار، فقلت: قد صارت لي نعمة، فلو رجعت إِلَى وطني، فابتعت بالمَال كله متاعا من خراسان، وأقبلت أريد العراق، فخرج عَلَى القافلة اللصوص فأخذوا [5] مَا فيها ونجوت [6] بثيابي، وعدت فقيرا كمَا خرجت من بغداد، فدخلت الأهواز متحيرا، فكشفت خبري لبعض أهلها، فأعطاني مَا كملت [7] به إِلَى واسط، وفقدت نفقتي، فمشيت إِلَى هَذَا الموضع، وقد كدت أتلف، فاستغثت بك، ولي مذ فارقت بغداد ثمَان وعشرون سنة.
قَالَ: فعجبت من محبته، ورققت لَهُ، وقلت: إذا صرنا إِلَى بغداد فصر إلي، فإني [8] أتقدم بتصريفك فيمَا يصلح لمثلك، فدعى لي ودخلنا [إِلَى] [9] بغداد، ومضت مدة فنسيته فيها، فبينا أنا يومَا قد ركبت أريد دار المأمون، إذا أنا بالشيخ عَلَى بابي [10] راكبا بغلا فارها بمركب ثقيل، وغلام أسود بين يديه، وثياب رفيعة فرحبت به [11] ، فقلت: مَا الخبر؟ قَالَ: طويل. قلت: عد إلي. فلمَا كَانَ من الغد جاءني.
فقلت: عرفني خبرك، فقد سررت بحسن حالك.
فَقَالَ: إني لمَا صعدت [12] من زلالك قصدت داري، فوجدت/ حائطها الّذي 6/ ب عَلَى الطريق كمَا خلفته، غَيْر أن باب الدار مجلو نظيف، وعليه بواب وبغال مَعَ شاكرية، فقلت: إنا للَّه مَاتت جاريتي، وتملك الدار بعض الجيران، فباعها عَلَى رجل من أصحاب السلطان، ثم تقدمت إِلَى بقال كنت أعرفه فِي المحلة [13] ، فإذا فِي دكانه غلام حدث، فقلت: من تكون من فلان البقال؟ قَالَ: ابنه. قلت: ومتى مَات أبوك؟ قَالَ: مذ
__________
[1] في ت: «وصرفي» .
[2] في ت: «وكبت» .
[3] في ت: «كتبا» .
[4] في ت: «فلم يصلني» .
[5] في ت: «فأخذت» .
[6] في ت: «فنجوت» .
[7] في ت: «ما تحملت» .
[8] في ت: «بأني» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] «على بابي» ساقطة من ت.
[11] في ت: «فرفعت به» .
[12] في ت: «إني اصعدت» .
[13] «في المحلة» ساقطة من ت.

(11/11)


عشرين سنة. قلت: لمن هَذِهِ الدار؟ قَالَ: لابن داية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الآن جهبذه وصاحب بيت مَاله. قلت: بمن يعرف؟ قَالَ: بابن فلان الصيرفي. فأسمَاني قلت: هَذِهِ الدار من باعها عَلَيْهِ؟ قَالَ: هَذِهِ دار أبيه. قلت: فهل يعيش أبوه؟ قَالَ: لا. قلت:
أفتعرف من حديثهم شيئا؟ قَالَ: نعم، حَدَّثَنِي أبي أن هَذَا الرجل كَانَ صيرفيا جليلا فافتقر، وأن أم هَذَا الصبي ضربها الطلق [1] ، فخرج أبوه يطلب لها شيئا، ففقد وهلك قَالَ لي أبي: فجاءني رسول أم هَذَا تستغيث بي، فقمت لها [2] بحوائج الولادة، ودفعت إليها عشرة دراهم فأنفقتها، حَتَّى قيل: [قد] [3] ولد لأمير الْمُؤْمِنِين [الرشيد] [4] مولود ذكر، وقد عرض عَلَيْهِ [جميع] [5] الدايات فلم يقبل لثدي أحد منهن [6] ، وقد طلب له 7/ أالحرائر فجاءوا بغير واحدة، فمَا أخذ ثدي واحدة [7] منهن/، وهم فِي طلب مرضع، فأرشدت الَّذِي طلب الداية إِلَى أم هَذَا، فحملت إِلَى دار أم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [8] الرشيد، فحين وضع فم الصبي عَلَى ثديها قبله فأرضعته، وَكَانَ الصبي المأمون، وصارت عندهم فِي حالة جليلة، ووصل إليها منهم خير عظيم، ثم خرج المأمون إِلَى خراسان، فخرجت هَذِهِ المرأة وابنها هَذَا معه، ولم نعرف من أخبارهم شيئا إلا من قريب، لمَا عاد المأمون وعادت حاشيته، رأينا هَذَا قد جاء رجلا وأنا لم أكن رأيت هَذَا قط قبل هَذَا، فقيل [9] : هَذَا ابْن فلان الصيرفي وابن داية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فبنى هَذِهِ الدار وسواها، قلت: أفعندك علم من أمه؟ أحية هي أم ميتة؟ قَالَ: حية تمضي إِلَى دار الخليفة أيامَا وتكون عند ابنها أيامَا [وهي الآن ها هنا] [10] . فحمدت الله عز وجل عَلَى هَذِهِ الحالة، وجئت فدخلت الدار مَعَ الناس، فرأيت الصحن فِي نهاية العمَارة والحسن، وفيه مجلس كبير مفروش [بفرش فاخر] [11] ، وفي صدره شاب وبين يديه كتاب وجهابذة وحساب، وَفِي صفاف الدار جهابذة بين أيديهم الأموال والتخوت والشواهين يقضون ويقبضون وبصرت بالفتى فرأيت شبهي فيه، فعلمت أنه ابني، فجلست في غمار الناس إلى أن لم
__________
[1] في ت: «الطلق به» .
[2] «فقمت لها» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «فلم يقبل أثداهن» .
[7] في ت: «أحدا» .
[8] في ت: «دار أمير المؤمنين» .
[9] في ت: «هذا قط فقالوا» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/12)


يبق فِي المجلس غيري، فأقبل علي فَقَالَ: يَا شيخ، هل من حاجة تقولها؟ قلت: نعم ولكنها [1] أمر لا يجوز [أن] [2] يسمعه غيرك. فأومَا إِلَى غلمَان كانوا قيامَا حوله فانصرفوا، / وقال: قل قلت: أنا أبوك. فلمَا سمع ذلك تغير وجهه ولم يكلمني بحرف، 7/ ب ووثب مسرعا وتركني فِي مكاني، فلم أشعر إِلَّا بخادم قد جاءني فَقَالَ لي: قم يَا سيدي، فقمت أمشي معه إِلَى أن [3] بلغنا إِلَى ستارة منصوبة فِي دار لطيفة وكرسي بين يديها والفتى جالس خلف [4] الستارة عَلَى كرسي آخر، فَقَالَ: أجلس [5] أيها الشيخ.
فجلست [6] عَلَى الكرسي، ودخل الخادم، فإذا بحركة خلف الستارة، فقلت: أظنك تريد تختبر [7] صدق قولي من جهة فلانة. وذكرت اسم جاريتي أمه، فإذا بالستارة قد هتكت والجارية قد خرجت إلي فجعلت تقبلني وتبكي وتقول: مولاي والله. قَالَ:
فرأيت الصبي قد تسور وبهت وتحير، فقلت للجارية: ويحك مَا خبرك؟ قالت: دع خبري، ففي مشاهدتك [8] لمَا تفضل الله به كفاية إِلَى أن أخبرك، وقل لي [9] مَا كَانَ من خبرك أنت؟ قَالَ: فقصصت عليها خبري من يوم خروجي إِلَى يوم [10] ذلك، وقصة مَا كَانَ قصه علي ابْن البقال وأشرح [كل] [11] ذلك بحضرة من الفتى ومسمع [12] منه، فلمَا استوفى الكلام [13] خرج وتركني فِي مكاني، فإذا بالخادم، فَقَالَ: تعال يَا مولاي [14] يسألك ولدك أن تخرج إليه. قَالَ: فخرجت، فلمَا رآني من بعد [15] قام قائمَا عَلَى رجليه [16] ، وقَالَ: المعذرة إِلَى الله وإليك يَا أبت من تقصيري فِي حقك، فإنه فاجأني [17] مَا لم أكن [18] أظن مثله يكون، والآن [19] فهذه النعمة لك، وأنا [ولدك] [20] / وأَمِير الْمُؤْمِنِينَ يجهد بي [21] منذ دهر طويل أن أدع الجهبذة، وأتوفر عَلَى 8/ أ
__________
[1] في ت: «ولكنه» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أمشي معه حتى» .
[4] في ت: «جالس خارج الستارة» .
[5] «اجلس» ساقطة من ت.
[6] «فجلست» ساقطة من ت.
[7] في ت: «تعتبر» .
[8] في ت: «مع مشاهدتك» .
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] في ت: «من يوم خرجت من عندها إلى يوم» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «وسمع» .
[13] في ت: «فلما استوفى الحديث» .
[14] في ت: «قال: يا مولاي» .
[15] في ت: «من بعيد» .
[16] في ت: «من رجله» .
[17] في ت: «فحبسني» .
[18] «أكن» ساقطة من ت.
[19] في ت: «فالآن» .
[20] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[21] في ت: «يجهدني» .

(11/13)


خدمته، فلم [1] أفعل طلبا للتمسك بصناعتي، والآن فأنا أسأله أن يرد إليك [2] عملي وأخدمه أنا فِي غيره [3] ، قم عاجلا فأصلح أمرك فأدخلت [إِلَى] [4] الحمَام وتنظفت وجاءني بخلعة فلبستها، وخرجت إِلَى حجرة والديه فجلست فيها، ثم أنه أدخلني عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وحدثه حديثي، فأمر لَهُ بخلعة [5] فهي هَذِهِ، ورد إلي العمل الذي كَانَ إِلَى ابني، وأجرى لي من الرزق [6] كذا وكذا، وقلدني أعمَالا هي أجل من عمله، فجئتك [7] أشكرك عَلَى مَا عاملتني به من الجميل، وأعرفك تجدد النعمة.
قَالَ عمرو: فلمَا أسمي لي الفتى عرفته، وعلمت أنه ابن داية أمير المؤمنين.
__________
[1] في ت: «فلا» .
[2] في ت: «يرد إليه» .
[3] في ت: «في غيرها» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «فأمر له بخلع» .
[6] في الأصل: «وأمر لي من الورق» .
[7] في الأصل: «فجئت» .

(11/14)


ثُمّ دخلت سنة ثمَان عشرة ومَائتين
فمن الحوادث فيها:
[أمر المأمون بتفريغ الرّافقة]
أن المأمون أمر بتفريغ الرافقة لينزلها حشمه، فضج من ذلك أهلها، فأعفاهم.
والرافقة: رقة الشام [1] .
وفيها:
[توجيه المأمون ابنه العباس إلى أرض الرّوم]
وجه المأمون ابنه العباس إِلَى أرض الروم فِي أول يوم من جمَادى، وأمره بنزول الطوانة [2] ، وبنائها، وَكَانَ قد وجه الفعلة فابتدأ فِي بنائها [3] وفرضها [4] ميلا فِي ميل، وجعل لها أربعة أبواب، وبنى عَلَى كل/ باب حصنا [5] . 8/ ب
وفي هذه السنة:
[كتابة إلى إسحاق بن إبراهيم بامتحان القضاة]
كتب المأمون إِلَى إِسْحَاق بْن إبراهيم فِي امتحان القضاة، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه بالرقة، وَكَانَ هَذَا أول كتاب كتب فِي ذلك، ونسخة كتابه إليه [6] :
أمَا بعد فإن حق الله عَلَى أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد فِي إقامة دين الله الذي استحفظهم عَلَيْهِ [7] ، ومواريث النبوة التي ورثهم [8] ، وأثر العلم الّذي استودعهم،
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 631.
[2] في ت: «ظن أنه» .
[3] في ت، والطبري «في البناء» .
[4] في الطبري: «وبناها» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 631. والكامل 6/ 14. والبداية والنهاية 10/ 272.
[6] تاريخ الطبري 8/ 631- 645. والبداية والنهاية 10/ 272- 274. والكامل 6/ 3- 6.
[7] «عليه» ساقطة من ت، والطبري.
[8] في الطبري: «التي أورثهم» .

(11/15)


والعمل بالحق فِي رعيتهم والتشمير لطاعة الله فيهم، والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته، والإقساط فيمَا ولاه الله من رعيته برحمته ومنته، وقد عرف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن السواد [1] الأعظم من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر لَهُ ولا روية ولا استدلال لَهُ بدلالة الله وهدايته ولا استضاء [2] بنور العلم وبرهانه فِي جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة باللَّه، وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمَان بِهِ، ونكوب عن واضحات أعلامه، وواجب سبيله، وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفونه كنه معرفته [3] ، ويفرقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم، ونقص عقولهم 9/ أوجفائهم عن التفكير والتذكير [4] ، وذلك [5] أنهم ساووا [6] بين الله/ عز وجل وبين مَا أنزل من القرآن، فاطبقوا مجتمعين، واتفقوا غير متعاجمين، عَلَى أنه قديم أول لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه، وقد قَالَ تعالى [7] فِي محكم كتابه: الذي جعله لمَا فِي الصدور شفاء، وللمؤمنين رحمة وهدى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [8] فكل مَا [9] جعله الله فقد خلقه.
وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ 6: 1 [10] .
وقال عز وجل: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ 20: 99 [11] فأخبر أنه قصص لأمور تلا به متقدّمها.
وقال: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 11: 1 [12] وكل محكم [13] مفصّل فله محكم ومفصّل [14] ، والله محكم كتابه ومفصّله فهو خالقه ومبتدعه.
__________
[1] في ت: «أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر» .
[2] في ت: «الاستضاء» .
[3] في الطبري: «ويعرفوه كنه معرفته» .
[4] في الطبري: «التفكر والتذكر» .
[5] «وذلك» ساقطة من ت.
[6] في ت: «ساوا» .
[7] في ت: «وقد قال الله عز وجل» .
[8] سورة: الزخرف، الآية: 3.
[9] في الأصل: «فكلما» .
[10] سورة: الأنعام، الآية: 1.
[11] سورة: طه، الآية: 99.
[12] سورة: هود، الآية: 1.
[13] «محكم» ساقطة من ت.
[14] «مفصل» ساقطة من ت.

(11/16)


ثم هم [1] الذين جادلوا بالباطل [ليدحضوا به الحق] [2] فدعوا إِلَى قولهم ونسبوا أنفسهم إِلَى السنة فِي كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته، ومبطل قولهم، ومكذب دعواهم، ثم أظهروا مَعَ ذلك أنهم أهل الحق والدين والجمَاعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة، فاستطالوا بذلك وغروا [3] الجهال حَتَّى مَال [4] قوم من أهل السمت الكاذب [5] ، والتخشع لغير الله، والتعسف [6] لغير الدين إِلَى موافقتهم عَلَيْهِ، ومواطأتهم عَلَى آرائهم تزيّنا بذلك عندهم وتصنعا للرئاسة والعدالة فيهم، فتركوا الحق إِلَى الباطل [7] ، واتخذوا دين الله وليجة [8] إِلَى ضلالتهم. وقد أخذ [الله] [9] عليهم فِي الكتاب [10] ألا يقولوا عَلَى الله إلا الحق أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها 47: 24 [11] . 9/ ب فرأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن أولئك شر الأمة، ورءوس الضلالة، المنقوصون من التوحيد حظا، والمبخوسون [12] من الإيمَان نصيبا، وأوعية الجهالة [13] ، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق فِي أوليائه.
فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليهم كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ هَذَا إليك، وابدأ بامتحانهم فيمَا يقولون، واكشفهم [14] عمَا يعتقدون فِي خلق الله وإحداثه، وأعلمهم أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ غير مستعين فِي عمله، ولا واثق فيمَا قلده الله، واستحفظه من أمور رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده [15] ويقينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [فيه] [16] ، وكانوا عَلَى سبيل الهدى، فمرهم بمساءلة من يحضرهم من الشهود عن علمهم في القرآن، وترك إثبات شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث والامتناع من توقيعها عنده، واكتب لأمير [17] الْمُؤْمِنِين بمَا يأتيك من قضاة عملك فِي مسألتهم، والأمر
__________
[1] في ت: «ثم هاهم» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «وغروبه» .
[4] «مال» ساقطة من ت.
[5] الكاذب» ساقطة من ت.
[6] في ت: «التعشف» .
[7] في الطبري: «إلى باطلهم» .
[8] في ت: «واتخذوا دون الله ولجة» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] «في الكتاب» ساقطة من ت.
[11] سورة: محمد، الآية: 24.
[12] في الطبري: «المخسوسون» .
[13] في ت: «الجهل» .
[14] في ت: «وبكشفهم» .
[15] في الأصل: «وخلو من توحيده» .
[16] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[17] في ت: «وكتب إلى أمير» .

(11/17)


لهم بمثل ذلك، ثم تفقد أحوالهم حَتَّى لا تنفذ أحكام الله إلا بشهادة أهل البصائر فِي الدّين والإخلاص فِي التوحيد [1] ، واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا يكون منك فِي ذلك إن شاء الله.
وكتب فِي شهر [2] ربيع الأول سنة ثمَان عشرة ومَائتين [3] .
وكتب المأمون إِلَى إسحاق بْن إبراهيم فِي إشخاص سبعة نفر، منهم: محمد بْن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم [4] مستملي يزيد بْن هارون، ويحيى بن معين، 1/ أوزهير [5] بْن حرب أبو خيثمة، وإسمَاعيل بْن داود [6] ، وإسمَاعيل/ بْن مسعود [7] ، وأحمد الدورقي، فاشخصوا إليه، فامتحنهم وسألهم [جميعًا] [8] عن خلق القرآن، فأجابوا جميعا أن القرآن مخلوق، فأشخصهم إِلَى مدينة السلام، وأحضرهم إسحاق بْن إبراهيم داره فشهر أمرهم وقولهم [9] بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل [10] الْحَدِيث، وأقروا بمثل مَا أجابوا به المأمون، فخلى سبيلهم، وذلك بأمر المأمون.
ثم كتب المأمون بعد ذلك لإسحاق بْن إبراهيم [11] :
أمَا بعد، فإن حق الله عَلَى خلفائه فِي أرضه، وأمنائه عَلَى عباده، الذين ارتضاهم لإقامة دينه، وحملهم رعاية خلقه وإمضاء حكمه وسننه، الائتمَام بعدله [12] فِي بريته أن يجهدوا للَّه أنفسهم، وينصحوا لَهُ فيمَا استحفظهم وقلدهم، ويدلوا عَلَيْهِ- تبارك وتعالى- بفضل العلم الذي أودعهم، والمعرفة التي جعلها فيهم [13] ، ويهدوا إليه من زاغ عنه، ويردوا من أدبر عن أمره، ومَا توفيق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلا باللَّه وحده وحسبه [14] الله، وكفى، وممَا تبينه [15] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ برويّته، وطالعه بفكره، فتبين عظيم خطره، وجليل مَا
__________
[1] في ت: «للتوحيد» .
[2] «شهر» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 8/ 631- 634.
[4] في الأصل: «أبو سهل» .
[5] في الأصل: «وزهر بن حرب» .
[6] في ت: «وإسماعيل بن داود» .
[7] «وإسماعيل بن مسعود» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «فشهد إبراهيم وقولهم» .
[10] في ت: «أصحاب الحديث» .
[11] تاريخ الطبري 8/ 634- 636.
[12] في الأصل: «الاهتمام بعدالة» .
[13] في ت: «جعلها إليهم» .
[14] في الأصل: «وحسيبه» .
[15] في ت: «وبما تبينه» .

(11/18)


يرجع فِي الدين من ضرره مَا ينال [1] المسلمين من القول فِي القرآن، فقد تزين فِي عقول أقوام أنه ليس بمخلوق، فضاهوا قول النصارى فِي عيسى إنه ليس/ بمخلوق 10/ ب والله تعالى يقول: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [2] وتأويل ذلك: إنا خلقناه، كمَا قَالَ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها 7: 189 [3] .
وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً 78: 10- 11 [4] وَجَعَلْنا من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ 21: 30 [5] .
وقال: في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 85: 22 [6] فدل عَلَى إحاطة اللوح بالقرآن، ولا يحاط إلا بمخلوق.
وقال: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ 21: 2 [7] .
وقال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا من خَلْفِهِ 41: 42 [8] فجعل لَهُ أولا وآخرا، فدل عَلَى أَنَّهُ محدود مخلوق.
وقد عظم هؤلاء الجهلة بقولهم فِي القرآن الثلم فِي دينهم، وسهلوا السبيل لعدو الْإِسْلَام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد عَلَى أنفسهم [9] ، حتى وصفوا خلق الله وأفعاله [10] بالصّفة التي هي للَّه عز وجل وحده، وشبهوه [11] به والاشتباه أولى بخلقه [12] ، وليس يرى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لمن قَالَ بهذه المقالة حظا فِي الدين، ولا نصيبا من الإيمَان [واليقين] [13] ولا يرى أن يحلّ أحدا منهم [14] محل الثقة فِي أمَانة، ولا عدالة ولا شهادة، ولا تولية لشيء من أمر [15] الرعية، وإن ظهر قصد بعضهم، وعرف بالسداد مسدد فيهم، فإن الفروع مردودة إِلَى أصولها، ومحمولة فِي الحمد والذم عَلَيْهَا، ومن كَانَ جاهلا بأمر دينه
__________
[1] في الأصل: «من صدره ما ينال» .
[2] سورة: الزخرف، الآية: 3.
[3] سورة: الأعراف، الآية: 189.
[4] سورة: النبأ، الآية: 11.
[5] سورة: الأنبياء، الآية: 30.
[6] سورة: البروج، الآية: 22.
[7] سورة: الأنبياء، الآية: 2.
[8] سورة: فصلت، الآية: 42.
[9] في الطبري: «على قلوبهم» وفي إحدى نسخه: «أنفسهم» .
[10] في الطبري: «وفعله» .
[11] في الأصل: «وشبهوا» .
[12] في الأصل: «لا تلحقه» . وفي ت: «بلحقه» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في الأصل ت: «كل أحد منهم» .
[15] «أمر» ساقطة من ت.

(11/19)


الَّذِي أمره الله به من وحدانيته فهو بمَا سواه أعظم [1] جهلا، وعن الرشد فِي غيره [2] أعمى وأضل سبيلا [3] .
فاقرأ عَلَى جعفر بْن عيسى وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن إسحاق القاضي كتاب [4] أمير المؤمنين [5] 11/ أإليك، وأنصصهمَا [6] / عن علمهمَا فِي القرآن، وأعلمهمَا أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لا يستعين عَلَى شيء من أمور المسلمين إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد لمن لا يقر بأن القرآن مخلوق فإن قالا بقول أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي ذلك، فتقدم إليهمَا فِي امتحان من يحضر [7] مجالسهما بالشهادات عَلَى الحقوق، ونصهم عن قولهم فِي القرآن فمن لم يقل منهم إنه مخلوق أبطلا [8] شهادته، ولم يقطعا حكمَا بقوله، وإن ثبت عفافه فِي أمره. وافعل [ذلك] [9] بمن فِي سائر عملك من القضاة، وأشرف عليهم إشرافا يمنع المرتاب من إغفال دينه واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا يكون منك فِي ذلك إن شاء الله [10] .
فأحضر إسحاق بْن إبراهيم جمَاعة من الفقهاء والحكمَاء والمحدثين، وأحضر أبا حسان الزيادي وبشر بْن الوليد الكندي، وعلي بْن [أبي] [11] مقاتل، والفضل بْن غانم، والذيال [12] بْن الهيثم، وسجادة، والقواريري، والإمَام [13] أحمد بْن حنبل، وقتيبة، وسعدويه الواسطي، وعلي بْن الجعد، وإسحاق بْن أبي إسرائيل، وابن علية، ويحيى بْن عَبْد الرَّحْمَنِ العمري، وأبا نصر التمار، وأبا معمر القطيعي، ومحمد بن
__________
[1] «أعظم» ساقطة من ت.
[2] في الأصل: «وعن غير الرشد غيرها» .
[3] تاريخ الطبري 8/ 634- 636.
[4] «كتاب» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «إسحاق كتاب القاضي كتاب أمير المؤمنين» .
[6] في الأصل: «وأنضهما» . وفي ت: «وافحصهما» .
[7] في ت: «بحضرة» .
[8] في ت: «بطلا» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] تاريخ الطبري 8/ 636- 637.
[11] ما بين المعقوفتين من تاريخ الطبري.
[12] في ت: «الدنال» .
[13] «الإمام» ساقطة من ت.

(11/20)


حاتم بْن ميمون، ومحمد بْن نوح فِي آخرين، فأدخلوا جميعا عَلَى إسحاق، فقرأ عليهم كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مرتين حَتَّى فهموه، ثم قَالَ لبشر بْن الوليد: مَا تقول فِي القرآن؟ فقال أقول القرآن كلام الله. فَقَالَ: لم أسألك عن هَذَا، أمخلوق هُوَ؟ قَالَ: الله خالق كل شيء. قَالَ: القرآن شيء؟ قَالَ: هُوَ شيء. قَالَ: فمخلوق؟ قَالَ: ليس بخالق [1] . قَالَ: مَا أسألك [2] عن هَذَا، أمخلوق هُوَ؟ قَالَ: مَا أحسن غير مَا قلت لك.
فأخذ إسحاق رقعة كانت بين يديه فقرأها عَلَيْهِ [3] : / أشهد أن لا إله إلا الله، لم يكن قبله 11/ ب شيء ولا بعده [4] شيء، ولا يشبهه [شيء] [5] من خلقه فِي معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه، فَقَالَ: نعم. فَقَالَ للكاتب اكتب مَا قَالَ.
ثم قَالَ لعلي بْن [أبي] [6] مقاتل: مَا تقول يَا علي؟ فَقَالَ: قد أسمعت كلامي لأمير المؤمنين [7] في هذا غير مرة، فامتحنه بالرقعة فأقر بمَا فيها، فَقَالَ لَهُ: القرآن مخلوق؟
فَقَالَ: القرآن كلام الله. قَالَ: لم أسألك عن هَذَا. قَالَ: هُوَ كلام الله [8] وإن أمرنا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بشيء سمعناه وأطعنا. فَقَالَ للكاتب: اكتب مقالته.
ثم قَالَ للذيال نحوا من مقالته لعلي [9] بْن [أبي] مقاتل [10] ، فَقَالَ لَهُ مثل ذلك.
ثم قَالَ لأبي حسان الزيادي: مَا عندك؟ وقرأ عَلَيْهِ الرقعة، فأقر بمَا فيها، فَقَالَ لَهُ:
القرآن مخلوق؟ فَقَالَ لَهُ [11] : القرآن كلام الله، والله خالق كل شيء، ومَا دون [12] الله
__________
[1] في ت: «قال: بعده ولا شيء ليس بخالق» .
[2] في ت: «لم أسألك» .
[3] «فقرأها عليه» ساقطة من ت.
[4] «ولا بعده» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «أمير المؤمنين» .
[8] في ت بعد هذا: «قَالَ: لم أسألك عن هَذَا. قَالَ: هُوَ كلام الله» ، ليس لها داعي، وهي غير موجودة أيضا في الطبري.
[9] في ت: «نحو المقالة لعلي» .
[10] في الأصل: «نحوا من مقالته علي بن مقاتل» . وما بين المعقوفتين زيادة من الطبري.
[11] «له» ساقطة من ت.
[12] في ت: «ودون» .

(11/21)


مخلوق، وإن [1] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إمَامنا، وقد سمع مَا لم نسمع، وإن أمرنا ائتمرنا، وإن دعانا أجبنا. فَقَالَ لَهُ: القرآن مخلوق [هُوَ] [2] ؟ فأعاد أبو حسان [3] مقالته، وقال: مرني آتمر [4] . فَقَالَ: مَا أمرني أن آمركم، وإنمَا أمرني أن أمتحنكم.
ثم دعا أحمد بْن حنبل، فَقَالَ [لَهُ:] [5] مَا تقول [فِي القرآن] [6] ؟ قَالَ: القرآن كلام الله. قَالَ: مخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله [لا أزيد] [7] . فامتحنه بمَا فِي الرقعة، فلمَا أتى عَلَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 قَالَ أحمد [8] : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11 [9] .
ثم امتحن الباقين، وكتب مقالتهم، وبعث [بِهَا] [10] إِلَى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام [11] ، ثم ورد كتاب المأمون فِي جواب الباقين، وكتبت مقالاتهم فِي جواب [12] مَا كتبه إسحاق، وَكَانَ في الكتاب [13] :
12/ أأما بعد، فقد بلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ/ جواب كتابه الذي كَانَ كتب إليك، فيمَا ذهب إليه متصنّعة أهل القبلة، وملتمسو الرئاسة فيمَا ليسوا لَهُ بأهل من القول فِي القرآن، ومسألتك إياهم [14] عن اعتقادهم، وأمرك [15] من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن
__________
[1] «وإن» ساقطة من ت، والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «أبو حينان» .
[4] في ت: «ائتمرنا» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ما تقول في خلق القرآن» . وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «على لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 قال أحمد» ساقط من ت.
[9] سورة: الشورى، الآية: 11. وانظر: تاريخ الطبري 8/ 637- 639.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «سبعة أيام» .
[12] «الباقين وكتبت مقالاتهم في جواب» ساقط من ت.
[13] تاريخ الطبري 8/ 640.
[14] في ت: «وسألتك عن اعتقادهم» .
[15] في ت: «وأمرتك» .

(11/22)


التحديث [1] والفتوى، وبث الكتب إِلَى القضاة فِي نواحي عملك بالقدوم عليك لتمتحنهم:
فأمَا بشر بْن الوليد، فأنصصه عن قوله فِي القرآن، فإن تاب منها فأمسك عنه، وإن دفع عن أن يكون القرآن مخلوقا فاضرب عنقه، وابعث برأسه إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وأمَا علي بْن أبي مقاتل، فقل لَهُ: ألست المكلم لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا كلمته به من قولك له: أنت تحلل وتحرم.
وأما الذيّال، فأعلمه أنه كَانَ فِي الطعام الذي كَانَ يسرقه بالأنبار مَا يشغله عن [2] [غيره] [3] .
وأمَا أحمد بن زيد و [قوله] [4] إنه لا يحسن الجواب فِي القرآن فسيحسنه إذا أخذه التأديب، فَإِن لم يفعل كَانَ السيف من وراء ذلك [5] .
وأمَا أحمد بْن حنبل: فأعلمه أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قد عرف مقالته، واستدل عَلَى آفته.
وأمَا الفضل بْن غانم، فأعلمه أنه لم يخف عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ فيه بمصر، ومَا اكتسب من الأموال.
وأمَا الزيادي، فأعلمه أنه كَانَ منتحلا، ولا أول دعي فِي الإسلام خولف فيه حكم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ جديرا أن يسلك مسلكه.
وأمَا أبو نصر التمَار، فإن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ شبه خساسة [6] عقله بخساسة متجره [7] .
وجعل يذكر لكل واحد منهم عيبا، وقال: من لم يرجع [8] عن شركه ممن سميت لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَلَم يقل القرآن مخلوق/ فاحملهم جميعا موثقين إِلَى عسكر أمير 12/ ب المؤمنين لينصّهم أمير المؤمنين [9] ، فإن لم يرجعوا احملهم على السيف [10] .
__________
[1] في الأصل: «عن التحدث» .
[2] «عن» ساقطة من ت، والطبري.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «من وراء من ذلك» .
[6] في الأصل: «خشاشة» .
[7] تاريخ الطبري 8/ 640- 643.
[8] في الأصل: «يترجع» .
[9] «لينصهم أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[10] تاريخ الطبري 8/ 643- 644.

(11/23)


فأجاب القوم كلهم إلا أربعة: أحمد بْن حنبل، وسجادة، والقواريري، ومحمد بْن نوح، فأمر بهم إسحاق فشدوا فِي الحديد، فلمَا كَانَ من الغد دعاهم، فأعاد عليهم المحنة، فأجابه سجادة، فأمر بإطلاقه، وأصر الآخرون، فلمَا كَانَ بعد غد دعاهم فأجاب القواريري فأطلقه، وأمر أحمد بْن حنبل، ومحمد بْن نوح فشدا جميعا فِي الحديد، ووجها إِلَى طرسوس، وكتب معهمَا كتابا بإشخاصهمَا، فلمَا صارا إِلَى الرقة تلقتهم وفاة المأمون، فردوا إِلَى إسحاق بْن إِبْرَاهِيم بمدينة السلام، فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم، ثم رخص لهم بعد ذلك فِي الخروج [1] .
وَكَانَ المأمون قد أمر ابنه العباس وإسحاق بْن طاهر أنه إن حدث به حدث الموت فِي مرضه فالخليفة من بعده أبو إسحاق بْن الرشيد، فكتب بذلك، فكتب [2] أبو إسحاق فِي عشية إصابة المأمون إِلَى العمَال: من أبي إسحاق أخي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ والخليفة بعد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّد.
وصلى يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب إسحاق بْن يحيى بْن معاذ فِي مسجد دمشق فَقَالَ فِي خطبته بعد دعائه لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ: وأصلح الأمير أخا أمير المؤمنين والخليفة من بعده أبا إسحاق الرشيد.
[وفاة المأمون]
وفي هذه السنة:
توفي المأمون وبويع للمعتصم [3] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 645.
[2] «فكتب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وولي المعتصم» . وهنا في ت: «تم المجلد الرابع عشر، بسم الله الرّحمن الرّحيم باب:
خلافة المعتصم» .

(11/24)


باب خلافة المعتصم [1]
واسمه محمد بْن هارون الرشيد ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد/ من مولدات 13/ أالكوفة، تسمى مَاردة، لم تدرك خلافته، وكانت أحظى النساء عند الرشيد. وَكَانَ أبيض أصهب اللحية طويلها، مربوعا مشرب اللون، حسن العينين، وَهُوَ يسمى الثمَاني [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا ابْن رزق، أَخْبَرَنَا عثمَان بْن أحمد الدقاق، أَخْبَرَنَا أحمد بْن البراء قَالَ:
المعتصم باللَّه، أبو إسحاق محمد بْن الرشيد، ولد بالخلد فِي [4] سنة ثمَانين ومَائة، فِي الشهر الثامن، وَهُوَ ثامن الخلفاء، والثامن من ولد العباس، وفتح ثمَانية فتوح، وولد [لَهُ] [5] ثمَانية بنين، وثمَاني بنات، ومَات بالخاقاني من سر من رأى، وَكَانَ عمره ثمَانيا وأربعين سنة، وخلافته ثمَاني سنين، وثمَانية أشهر [ويومين. وقال أبو بكر الصولي] [6] : وثمانية أيام. وخلف من العين ثمَانية آلاف ألف دينار ومثلها ورقا، وتوفي لثمَان بقين من ربيع الأول [7] ، وفتوحه المشهورة ثمانية [8] .
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 667.
[2] تاريخ بغداد 3/ 342.
[3] «القزاز» ساقطة من ت.
[4] «في» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل ت وزدناها من تاريخ بغداد 3/ 342.
[7] «وتوفي لثمان بقين من ربيع الأول» جاءت في ت في نهاية الخبر.
[8] تاريخ بغداد 3/ 342.

(11/25)


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [الْقَزَّازِ قَالَ:] [1] ، أخبرنا أحمد بن علي قال:
أخبرني عبد الله بن أبي الفتح، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ قَالَ: وَكَانَ المعتصم ثامن الخلفاء من بني العباس، وثامن أمراء المؤمنين من بني عبد المطلب [2] ، وملك ثمَاني سنين وثمَانية أشهر، وفتح ثمَانية فتوح: بلاد بابك عَلَى يد الأفشين [3] ، وفتح عموريه بنفسه، والزط بعجيف، وبحر البصرة، وقلعة الأحراف، وأعراب ديار ربيعة، والشاري، وفتح مصر، وقُتِل ثمَانية أعداء: بابك، ومَازيار، [وباطس، ورئيس الزنادقة، والأفشين، وعجيفا، وقارن وقائد الرافضة.
وينبغي أن يكون ثامن بني عبد المطلب لأنه هُوَ: المعتصم بْن الرشيد بْن المهدي بْن المَنْصُور بْن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن عبد المطلب] . [4] وحكى [أبو بكر] [5] الصولي: أنه لم تجتمع الملوك بباب أحد قط اجتماعها بباب 13/ ب المعتصم، ولا ظفر ملك كظفره، أسر بابك ملك أذربيجان، والمَازيار/ ملك طبرستان، وباطس [6] ملك عمورية والأفشين ملك أشروسنة، وعجيفا- وَهُوَ ملك- وصار إِلَى بابه ملك فرغانة، وملك اسيشاب، وملك طخارستان، وملك أصبهان [7] ، وملك الصغد، وملك كابل وباطيس ورئيس الزنادقة، والأفشين وعجيفا، وقارن، وقائد الرافضة.
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: [أَخْبَرَنَا أبو] [8] منصور بْن باي بْن [9] جعفر الجيلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن محمد بْن عمران، قَالَ: حدثني محمد بْن يحيى، حَدَّثَنَا محمد بْن سَعِيد الأصم، حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «أمراء المؤمنين من بني عبد المطلب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «على يد بابك» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت، وزدناه من تاريخ بغداد.
وانظر الخبر في تاريخ بغداد 3/ 343.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «باطيس» .
[7] في الأصل: «أصبان» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «باقي بن» وسقطت من ت.

(11/26)


إِسْمَاعِيل الهاشمي قَالَ: كَانَ مَعَ المعتصم غلام يتعلم معه فِي الكتاب [1] ، فمَات الغلام، فَقَالَ لَهُ [2] الرشيد: يَا محمد، مَات غلامك. قَالَ: نعم يَا سيدي، واستراح من الكتاب! قَالَ الرشيد: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ دعوه إلى حيث انتهى، لا تعلموه شيئا، وَكَانَ يكتب [كتابا] [3] ضعيفا، ويقرأ [قراءة] ضعيفة [4] .
ذكر بيعته
لمَا احتضر المأمون ببلاد الروم، كَانَ معه ولده العباس وأخوه المعتصم، فأراد الناس أن يبايعوا العباس، فأتى وسلم الأمر إِلَى المعتصم، وَكَانَ الجند قد شنعوا لأجله، وطلبوا الخلافة لَهُ، فبايع المعتصم، وخرج إِلَى الجند، فَقَالَ: مَا هَذَا الحب البارد! قد بايعت لعمي [5] ، وسلمت الخلافة إليه فسكن الجند [وبايع الناس] [6] وقبل إبراهيم بْن المهدي يد المعتصم، وَكَانَ [7] المعتصم قبل يده قبل ذلك، ولا يعلم [8] خليفة قبل يد خليفة ثم قبل الآخر/ يده [9] غيرهمَا، وكانت المبايعة [10] يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة 14/ أبقيت من رجب سنة ثمَان عشرة، ثم خاف المعتصم من اختلاف الجند عَلَيْهِ، فأسرع إِلَى بغداد فدخلها [11] فِي مستهل رمضان.
ذكر طرف من أخباره وسيرته
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
__________
[1] في ت، وتاريخ بغداد: «غلام في الكتاب يتعلم معه» .
[2] «له» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «يكتب ضعيفا ويقرأ ضعيفا» انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 343.
[5] في ت: «بايعت عمي» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «وقد كان» .
[8] في ت: «ولا نعلم» .
[9] في ت: «ثم قبل ذلك الخليفة» .
[10] في الأصل: «البيعة» .
[11] في ت: «فوصلها» .

(11/27)


الْحَسَن بْن علي الصيمري، أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران بْن موسى قَالَ: أخبرني علي بْن هارون قَالَ: أَخْبَرَنِي عبيد الله [1] بْن أبي طاهر، عن أبيه [2] قَالَ: ذكر ابْن أبي دؤاد المعتصم يومَا فأسهب فِي ذكره، وأكثر من وصفه، وأطنب فِي فضله، وذكر من سعة أخلاقه وكرم أعراقه، ولين جانبه، وكرم [3] جميل عشرته، قَالَ: وقال [4] لي يومَا وقد كنا [5] بعمورية: مَا تقول يَا أبا عبد الله فِي البسر؟ فقلت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، نحن ببلاد الروم والبسر بالعراق، قال: [وقد] [6] وجّهت إلى مدينة السلام فجاءوني بكباستين، وقد علمت أنك تشتهيه [7] ، ثم قَالَ: يَا إيتاخ، هات إحدى الكباستين. فجاء بكباسة بسر، فمد ذراعه وقبض عَلَيْهَا بيده، وقال: كل بحياتي عليك من يدي. فقلت: جعلني الله فداك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، بل بعضها، فآكل كمَا أريد. قَالَ: لا والله إلا من يدي. فو الله مَا زال حاسرا ذراعه، ومَادا يده وأنا أجتني من العذق حَتَّى رمى به خاليا مَا فيه بسرة. قَالَ:
وكنت كثيرا مَا أزامله فِي سفره ذلك إِلَى أن قلت لَهُ يومَا: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لو زاملك 14/ ب بعض مواليك/ وبطانتك واسترحت مني إليهم مرة، ومنهم إليّ أخرى، فإن ذلك أنشط لقلبك، وأطيب لنفسك وأرشد [8] لراحتك؟ قَالَ: فإن سيمَا [9] الدمشقي يزاملني اليوم، فمن يزاملك أَنْت؟ قلت: الحسن بْن يونس. قَالَ: فأنت وذاك. قَالَ: فدعوت بالحسن فزاملني [10] ، وتهيأ أن ركب [11] بغلا، فاختار أن يكون منفردا، قَالَ: وجعل يسير بسير [12] بعيري، فإذا أراد أن يكلمني رفع رأسه، وَإِذَا أردت أن أكلمه خفضت رأسي، فانتهينا إِلَى واد [لم] [13] نعرف غور مَائه، وقد خلفنا العسكر وراءنا فَقَالَ لرحالي: مكانك [14] حَتَّى [أتقدم] [15] فأعرف غور المَاء، وأطلب قلته، واتبع أنت مسيري. قَالَ: وتقدم رجل فدخل الوادي، وجعل يطلب [قلة] [16] المَاء وتبعه المعتصم، فمرة ينحرف عن يمينه
__________
[1] في الأصل: «عبد الله» .
[2] «عن أبيه» ساقطة من ت.
[3] «وكرم» ساقطة من ت.
[4] في ت: «وقال: قال لي» .
[5] في ت: «ونحن بعمورية» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «تشهتبه» .
[8] في ت: «وأشد» .
[9] في ت: «نسيما» وفي تاريخ بغداد: «سيتما» .
[10] في ت: «تزاملني» .
[11] في ت: «أن يركب» .
[12] «بسير» ساقطة من ت.
[13] في ت: «إلى ماء واد لم» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «فقلت الجمال قف مكانك» .
[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[16] ما بين المعقوفتين ساقط من ت، والأصل وزدناه من تاريخ بغداد.

(11/28)


وأخرى عن شمَاله، وتارة يمضي لسننه ونتبع أثره حَتَّى قطعنا الوادي [1] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز [قال: أخبرنا أبو بكر] [2] الخطيب قال: أخبرني الصيمري قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: أخبرني الحسن بْن علي العباسي، عَنْ علي بْن الحسين الإسكافي قَالَ: قَالَ لنا ابْن أبي دؤاد:
كَانَ المعتصم يخرج ساعده إلي، وَيقول: يَا أبا عبد الله، عض ساعدي بأكثر قوتك. فأقول: [والله] [3] يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا تطيب نفسي بذلك. فيقول افعل فإنه [4] لا يضرني. فأروم ذلك، فإذا هُوَ لا تعمل فيه الأسنة [5] [فضلا عن الأسنان] [6] وانصرف يومَا من دار المأمون إِلَى داره، وَكَانَ شارع الميدان منتظمَا بالخيم فيها الجند، فمر المعتصم بامرأة تبكي وتقول: ابني ابني. وإذا بعض الجند قد أخذ ابنها. فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها، فأبى، فاستدناه فدنا منه، فقبض عَلَيْهِ بيده، فسمع صوت عظامه، ثم أطلقه من يده فسقط وأمر بإخراج الصبي إلى أمه/. [7] . 15/ أوقد [8] بلغنا أن امرأة مسلمة ببلاد الروم أسرت [9] فِي حرب جرت بينهم [وبين المسلمين] [10] ، فجعلت تنادي: وا معتصماه. فلمَا بلغه ذلك قَالَ عَلَى فوره: لبيك لبيك. وتقدم [11] فركب من ساعته وَهُوَ [12] يقول: لبيك لبيك. فلحقه الناس حَتَّى دخل أرض الروم، وأنقذ المرأة ونكأ فِي الروم.
قَالَ الفضل بْن مروان: لم يكن فِي المعتصم أن يلتذ بتزيين البناء وَكَانَ غايته فيه إحكام [13] ، ولم يكن بالنفقة فِي شيء أسمح منه بالنفقة في الحرب.
[أمر المعتصم بهدم مَا كَانَ المأمون بناه بطوانة]
وفي هذه السنة: أمر المعتصم بهدم مَا كَانَ المأمون بناه بطوانة [14] ، وحمل مَا كَانَ بِهَا من السلاح والآلة وغير ذلك ممَا قدر عَلَى حمله [15] ، وإحراق مَا لم يقدر على حمله،
__________
[1] تاريخ بغداد 3/ 345، 346.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] لفظ الجلالة غير موجود في الأصل.
[4] في ت: «فيقول إني لا يضرّني» .
[5] في الأصل: «الأسنان» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 3/ 346.
[8] «وقد» ساقطة من ت.
[9] في ت: «أن امرأة مسلمة أسرت ببلاد الروم» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في الأصل: «وقدم» .
[12] «وهو» ساقطة من ت.
[13] في ت: «عافيه اختلاف» .
[14] في ت: «ما كان المأمون أمر ببنائه بطوايه» .
[15] في الأصل: «مما قدر عليه» .

(11/29)


وأمر بصرف من كَانَ المأمون أسكن ذلك من الناس إِلَى بلادهم [1] .
وفيها: دخل جمَاعة من أهل همذان، وأصبهان، وماسبذان، ومهرجان قذق فِي دين الخرمية، وتجمعوا فعسكروا فِي عمل همذان، فوجه المعتصم إليهم عسكرا، وَكَانَ آخر عسكر وجّهه إليهم مع إسحاق بْن إبراهيم بْن مصعب، وعقد لَهُ عَلَى الجبال [2] فِي شوال فشخص إليهم فِي ذي القعدة، وقرئ [3] كتابه بالفتح يوم التروية، وقتل [4] فِي عمل همذان ستين ألفا وهرب باقيهم إِلَى بلاد الروم [5] .
وحج بالناس في هذه السنة: صالح بن العباس بن محمد، وضحى أهل مكة يوم الجمعة، وأهل بغداد يوم السبت [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1234- إبراهيم بْن إسمَاعيل بْن إبراهيم بْن مقسم، أبو إسحاق المعروف بابن علية [7] .
15/ ب كَانَ أحد المتكلمين القائلين [8] بخلق القرآن.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] بْنِ ثَابِتٍ [قَالَ: أخبرنا عمر بْن إبراهيم، ومحمد بْن عبد الملك قالا: أَخْبَرَنَا عياش بْن الحسن، حَدَّثَنَا الزعفراني قَالَ: أَخْبَرَنِي زكريا بْن يحيى قَالَ: أخبرني شباب بْن درست قَالَ:
سمعت] [9] يعقوب بْن سفيان الفارسي يقول: خرج إبراهيم بْن إسمَاعيل بْن علية ليلة من مسجد مصر وقد صلى العتمة وَهُوَ فِي زقاق القناديل ومعه رجل، فقال له الرجل: إني
__________
[1] تاريخ الطبري 8/ 667.
[2] في ت: «وعقد له لواء في شوال» .
[3] في ت: «وترى» .
[4] في ت: «وقتله» .
[5] تاريخ الطبري 8/ 667، 668.
[6] تاريخ الطبري 8/ 668.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 20- 23.
[8] «القائلين» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل ومكانه: «أخبرنا أبو بكر بن ثابت باسناده عن يعقوب ... » .

(11/30)


قرأت البارحة سورة الأنعام، فرأيت بعضها ينقض بعضا. فَقَالَ لَهُ إبراهيم بْن إسمَاعيل مَا لَمْ تر أكثر [1] .
توفي إبراهيم ببغداد [2] ليلة عرفة من هَذِهِ السنة بمصر، وَهُوَ ابْن سبع وستين سنة [3] .
1235- إبراهيم بْن أبي زرعة [4] وهب الله، ابْن راشد المؤذن، يكنى أبا إسحاق.
كَانَ إمَام مسجد الجامع بالفسطاط، توفي في هذه السنة.
1236- بشر بْن آدم، أبو عبد الله الضرير [5] .
ولد سنة خمسين ومَائة، سمع أبا عبد الله [6] حمَاد بْن سلمة، وغيره روى عنه:
ابْن راهويه، والدوري [7] ، والحربي. وقال أبو حاتم الرازي: هُوَ صدوق.
وتوفي فِي ربيع الأول من هَذِهِ السنة.
1237- بشر بْن غياث بْن أبي كريمة، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ [المعروف] [8] بالمريسي [9] .
[كَانَ شيخا فقيرا فقيها، دميم المنظر، وسخ الثياب، يشبه اليهود] [10] كَانَ يسكن فِي الدرب المعروف به، ويسمى درب المريسي، وَهُوَ بين نهر الدجاج ونهر البزازين، سمع الفقه من أبي يوسف القاضي، إلا أنه اشتغل بالكلام، وجرد [11] القول بخلق القرآن. وقد روى من الحديث شيئا يسيرا عن حمَاد بْن سلمة وسفيان بْن عيينة.
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 22.
[2] «ببغداد» ساقطة من ت.
[3] «سنة» ساقطة من ت.
[4] في ت: «درعه» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 55، 56.
[6] في الأصل: «أبي عبد الله» وهي ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «الدورقي» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 56- 67.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «وجود» وما أثبتناه موافق لما في تاريخ بغداد.

(11/31)


16/ أوكان أبو زرعة [الرازي] [1] يقول: بشر بْن غياث/ زنديق. وقال يزيد بْن هارون: هُوَ كافر حلال الدم يقتل [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ] [3] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا حمد بن أحمد بن أبي طاهر، أَخْبَرَنَا أبو بكر النجاد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي قَالَ [4] : حدثني محمد بْن نوح قَالَ:
سمعت هارون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يقول: بلغني أن بشر المريسي يزعم أن القرآن [5] مخلوق، للَّه علي إن أظفرني به [6] لأقتلنه قتلة مَا قتلها [7] أحد قط [8] .
أَخْبَرَنَا [أبو] [9] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [10] بن علي قَالَ:
أخبرني محمد بْن أحمد بْن يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْن نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سمعت أبا جعفر محمد بْن صالح يقول: سمعت [أبا سُلَيْمَان داود بْن الحسين يقول: سمعت] [11] إسحاق بْن إبراهيم الحنظلي يقول: دخل حميد الطوسي عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وعنده بشر المريسي، فَقَالَ حميد: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا سيد الفقهاء، هَذَا [قد] [12] رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير، والميزان، والصراط، [انظر هل يقدر أن يرفع الموت؟] [13] ثم نظر إِلَى بشر وقال لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقا [14] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «وقال يزيد بن هارون ... » إلى آخر القول ساقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «يقول» .
[5] في ت: «أن بشر المريسي يقول: القرآن ... » .
[6] في الأصل، ت: «القرآن مخلوق، علي لأن أظفرني الله به» .
[7] في ت: «ما قلتها» .
[8] تاريخ بغداد 7/ 64.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وت وزدناه من تاريخ بغداد.
[14] تاريخ بغداد 7/ 60، 61.

(11/32)


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي [بن ثابت [1] قال:] أخبرني الحسن بن محمد الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن العباس الخزاز قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بن علي بن الحسين الأسدي، حَدَّثَنَا الفضل بْن يوسف بْن يعقوب بن القصباني، حدثنا محمد بن يوسف العباسي قال: وحدثني محمد بْن علي بْن ظبيان القاضي قَالَ: قال لي بشر المريسي: القول في القرآن قول من خالفني أنه غير مخلوق.
قلت فارجع عنه، قَالَ: أرجع عنه وقد قلته منذ أربعين سنة، ووضعت فيه الكتب، واحتججت فيه بالحجج [2] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور [عَبْد الرَّحْمَنِ] [3] القزاز/ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن 16/ ب ثابت [4] ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عبد الملك [5] القرشي قَالَ: أَخْبَرَنَا عباس بْن الحسن البندار حَدَّثَنَا محمد بْن الحسين [6] الزَّعْفَرانيّ قَالَ: أخبرني زكريا بْن يحيى، حَدَّثَنَا محمد بْن إسمَاعيل قَالَ: سمعت الحسين بْن علي الكرابيسي قَالَ: جاءت أم بشر المريسي إِلَى الشافعي رضي الله عنه فقالت: يَا أبا عبد اللَّه، أرى ابني يهابك ويحبك، وإذا ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هَذَا الرأي الذي هُوَ فِيهِ فقد عاداه الناس عَلَيْهِ [7] ، ويتكلم فِي شيء يواليه [8] الناس ويحبونه؟ فَقَالَ لها الشافعي: أفعل. فشهدت الشافعي وقد دخل عَلَيْهِ بشر، فَقَالَ لَهُ الشافعي: أخبرني عمَا تدعو إليه أكتاب ناطق أم فرض [9] مفترض، أم سنة قائمة، أم وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه؟ فَقَالَ بشر: لَيْسَ فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجوب عن السلف البحث فيه والسؤال عنه [10] ، إلا أنه لا يسعنا خلافه. فَقَالَ الشافعي: أقررت عَلَى نفسك بالخطأ، فأين أنت عَنِ الكلام فِي الفقه والأخبار، يواليك [11] الناس عَلَيْهِ وتترك هَذَا؟ قَالَ: لنا نهمة فيه فلمَا خرج بشر قَالَ الشافعي: لا يفلح [12] .
[أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ علي قال: أخبرنا الحسن بن محمد
__________
[1] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .
[2] تاريخ بغداد 7/ 65.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «أخبرنا أحمد بن علي» .
[5] في ت: «محمد بن عبد الرحمن» .
[6] في ت: «محمد بن الحسن» .
[7] «عليه» ساقطة من ت.
[8] في الأصل: «يوالوه» .
[9] في الأصل: «أو فرض» .
[10] «والسؤال عنه» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «تواليك» .
[12] تاريخ بغداد 7/ 59.

(11/33)


الخلَّال، حَدَّثَنَا يوسف بْن عمر القواس، حَدَّثَنَا أحمد بْن عيسى بْن السكين قَالَ:
سمعت أبا يعقوب إسحاق بْن إبراهيم يقول: مررت فِي الطريق، فإذا بشر المريسي والناس عَلَيْهِ مجتمعون، فمر يهودي، فأنا سمعته يقول: لا يفسد عليكم كتابكم كمَا أفسد أبوه علينا التوراة. يعني: أن أباه يهوديا] [1] .
توفي بشر فِي ذي الحجة من هَذِهِ السنة. وقيل: فِي سنة تسع عشرة، وَكَانَ الصبيان يتعادون بين يدي الجنازة ويقولون: من يكتب إِلَى مَالك، من يكتب إِلَى مَالك [2] ؟
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي بْن ثابت قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أبو محمد بْن الْحَسَن [3] بْن الحسين بْن رامين، حَدَّثَنَا أبو محمد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد 17/ أالجرجاني/، أَخْبَرَنَا عِمْرَانَ بْن موسى، أَخْبَرَنَا الحسن بْن محمد بْن الأزهر قَالَ:
سمعت عثمَان بْن سعيد الرازي قَالَ: حَدَّثَنَا الثقة من أصحابنا قَالَ: لمَا مَات بشر المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم السنة أحد إلا [4] عبيد الشونيزي، فلمَا رجع من جنازة المريسي لاموه، فَقَالَ: أنظروني حَتَّى أخبركم: مَا شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر مَا رجوت فِي هَذِهِ، قمت فِي الصف، فقلت: اللَّهمّ إن [5] عبدك هَذَا كَانَ لا يؤمن [برؤيتك فِي الآخرة، اللَّهمّ فاحجبه عن النظر إِلَى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون، اللَّهمّ عبدك هَذَا كَانَ لا يؤمن] [6] بعذاب القبر، اللَّهمّ فعذبه اليوم فِي قبره عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين. اللَّهمّ عبدك هَذَا كَانَ ينكر [الميزان، اللَّهمّ فخفف ميزانه يوم القيامة، اللَّهمّ عبدك هَذَا كَانَ ينكر] [7] الشفاعة اللَّهمّ ولا تشفع فيه أحدا من خلقك يوم القيامة، قال: فسكتوا عنه وضحكوا [8] .
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 61. وهذا الخبر ساقط من الأصل، وزدناه من ت.
[2] «من يكتب إلى مالك» ساقطة من ت. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 7/ 64.
[3] في الأصل: «الحسين» .
[4] في الأصل: «لم يشهد جنازته أحد من أهل ... » .
[5] «إن» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ بغداد 7/ 66.

(11/34)


أخبرنا القزاز قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن محمد الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا الحسن بْن عمرو المروزي قَالَ: سمعت بشر بْن الحارث يقول: جاء موت هَذَا الذي يقال لَهُ المريسي وأنا فِي السوق، فلولا أنه كَانَ موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد للَّه الذي أمَاته هكذا [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي [قال: أخبرنا] [2] الحسين بْن علي الطناجيري [3] حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن علي بْن سويد، حَدَّثَنَا عثمَان بْن إسمَاعيل السكري قَالَ: سمعت أبي يقول سمعت أحمد [بْن الدورقي] [4] يقول: مَات رجل من جيراننا شاب فرأيته فِي النوم وقد شاب، فقلت لَهُ: مَا قصتك؟ قَالَ: دفن/ بشر فِي مقبرتنا 17/ ب فزفرت جهنم زفرة شاب منها [5] كل من فِي المقبرة [6] .
وقد ذكرنا فِي أخبار زبيدة مثله.
1238- عبد الله أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المأمون بْن الرشيد [7] .
كَانَ سبب مرضه أنه أكل رطبا فحم، وَكَانَ سبب وفاته [8] ، وصار به مَادة فِي حلقه، وكانت كلمَا بلغت فتحت فبطت قبل أن تبلغ وقت تمَامها فمَات [9] .
كَانَ فِي وصيته: أنه لا إله إلا الله، وإني مقر مذنب، أرجو وأخاف، ثم انظروا مَا كنت فيه من عز الخلافة هل أغنى ذلك شيئا إذ جاء أمر الله [، لا والله، ولكن أضعف علي به الحساب، فيا ليت عبد الله بْن هارون لم يكن بشرا، بل ليته لم يكن خلقا!] [10] يا
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 66، 67.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «الطناجيري» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «منها» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 7/ 67.
[7] انظر ترجمته في تاريخ الطبري 8/ 646- 666. والكامل 6/ 6- 13. والبداية والنهاية 10/ 274- 280. وقد ذكر في هامش الأصل: «المأمون» .
[8] في ت: «سبب موته» .
[9] الكامل 6/ 6.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/35)


أبا إسحاق، أدن مني، واتعظ بمَا ترى، وخذ [1] بسيرة أخيك فِي القرآن، واعمل فِي الخلافة إذا طوقكها [2] الله عمل المريد للَّه الخائف من عقابه ولا تغتر باللَّه وبمهلته فكان قد نزل بك الموت ولا تغفل عن أمر الرعية.
فلمَا اشتد الأمر به دعا أبا إسحاق فَقَالَ: يَا أبا إسحاق، عليك عهد الله وميثاقه، وذمة رسوله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، لتعملن بحق [3] الله فِي عباده، ولتؤثرن طاعة الله عَلَى معصيته. قَالَ:
نعم، قَالَ: فأقر عَبْد الله بْن طاهر عَلَى عمله، وإسحاق بْن إبراهيم، فأشركه فِي ذلك، فإنه أهل [لَهُ] [4] . وأهل بيتك، فالطف بهم، وبنو عمك من ولد علي بْن أبي طالب، فأحسن صحبتهم، ولا تغفل عن صلتهم [5] .
وتوفي فِي يوم الخميس وقت الظهر، عَلَى نهر البدندون لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب [بعد العصر] [6] من هَذِهِ السنة.
فلمَا توفي صلى عَلَيْهِ أبو إسحاق المعتصم، وحمله ابنه العباس وأخوه محمد بن 18/ أالرشيد إِلَى طرسوس، فدفناه/ فِي دار كانت لخاقان خادم الرشيد، وَكَانَ عمره سبعا وأربعين سنة، وقيل: ثمان وأربعين سنة، وكانت خلافته عشرين سنة، وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، وكان له عثمان عشر ذكرا، وتسع بنات [7] .
واستأذنت المعتصم حظية كانت للمَامون اسمها تزيف أن تزور قبره، فأذن لها فضربت فسطاطا وجعلت تبكي وتنوح بشعر لها وَهُوَ:
يَا ملكا لست بناسيه ... نعى إلي العيش ناعيه
والله مَا كنت أرى أنني ... أقوم فِي الباكين أبكيه
والله لو يقبل فيه الفداء ... لكنت بالمهجة أفديه
__________
[1] في ت: «وسر» .
[2] في ت: «إذا طوقها» .
[3] في ت، والطبري: «لتقومن» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت. وزدناه من الطبري.
[5] تاريخ الطبري 8/ 648- 650. والكامل 6/ 6- 8.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 8/ 650.

(11/36)


عاذلتي فِي جزعي أقصري ... قد علق الدهر بمَا فيه
فمَا بقي أحد فِي العسكر إلا بكى [1] .
1239- عبد الملك بْن هشام بْن أيوب، أبو محمد الذهلي البصري النحوي [2] .
يروي مغازي ابْن إسحاق، عن زياد بْن عبد الله البكائي عنه، وَكَانَ ثقة.
توفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة.
1240- عبد الأعلى بْن مسهر، أبو مسهر [3] الدمشقي الغساني [4] .
ولد سنة أربعين ومَائة، وسمع مَالك بْن أنس وغيره، وَكَانَ ثقة، عالمَا بالمغازي وأيام النّاس، حمله المأمون إِلَى بغداد أيام المحنة.
قَالَ أبو داود السجستاني: رحم الله أبا مسهر، لقد كَانَ من الإسلام بمكان [5] ، حمل عَلَى المحنة، وحمل عَلَى السيف، فمد رأسه وجرد السيف، فأبى أن يجيب، فلمَا رأوا ذلك حمله [6] إِلَى السجن، وسمعت أحمد بْن حنبل يقول: رحم الله أبا مسهر لقد كَانَ [7] من الإسلام بمكان، مَا كَانَ [8] أثبته.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن علي قَالَ: حدثني الأزهري، حَدَّثَنَا محمد بن العباس، أَخْبَرَنَا أحمد [9] بْن معروف الخشاب [10] أَخْبَرَنَا الحسين بن 18/ ب الفهم [11] ، حَدَّثَنَا محمد بْن سعد قَالَ: شخص أبو مسهر من دمشق إِلَى عبد الله بن
__________
[1] «فمَا بقي أحد فِي العسكر إلا بكى» ساقطة من ت.
[2] في ت: «البحوي» .
[3] «أبو مسهر» ساقطة من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 72- 75. وتاريخ الموصل صفحة 415، 409.
[5] «قَالَ أبو داود السجستاني: رحم الله أبا مسهر لقد كان من الإسلام بمكان» ساقط من ت.
[6] في ت: «حمل» .
[7] في ت: «ما كان» .
[8] «من الإسلام بمكان، ما كان» ساقط من ت.
[9] «أحمد» ساقطة من ت.
[10] في الأصل: «الحساب» .
[11] في الأصل: «حسين بن فهم» .

(11/37)


هَارُون وَهُوَ بالرقة، فسأله عن القرآن فَقَالَ: كلام الله وأبى أن يقول مخلوق، فدعى لَهُ بالسيف والنطع ليضرب عنقه، فلمَا رأى ذلك قَالَ: مخلوق، فتركه من القتل وقال: أمَا إنك لو قُلْتُ ذلك قبل أن أدعو لك بالسيف لقبلت منك ورددتك [1] إِلَى بلادك وأهلك [2] ، ولكنك تخرج [الآن] [3] فتقول: قلت ذلك فرقا من القتل، أشخصوه إِلَى بغداد، فاحبسوه بِهَا [4] حَتَّى يموت. فأشخص من الرقة إِلَى بغداد فِي شهر ربيع الآخر من سنة ثمَان عشرة ومَائتين [5] ، فحبس فلم يلبث إلا يسيرا حَتَّى مَات فِي غرة رجب سنة ثمَاني عشرة [6] .
قَالَ المصنف: ودفن بباب التين، وَهُوَ ابْن تسع وسبعين سنة.
1241- علي الجرجرائي [7] .
كَانَ ينزل جبل لبنان.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي القاسم قَالَ: أَخْبَرَنَا رزق الله بْن عبد الوهاب، عن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ قَالَ: سمعت عبد الواحد بْن علي يقول سمعت القاسم بْن القاسم يقول: بلغني أن بشرا الحافي يقول: لقيت [عليا] الجرجرائي [8] بجبل لبنان عَلَى عين مَاء، قَالَ فلمَا أبصرني قَالَ: بذنب مني لقيت اليوم إنسيا، فعدوت خلفه، وقلت:
أوصني فالتفت إلي وقال: أمستوص أنت؟ عانق الفقر، وعاشر الصبر، وعاد الهوى، وعاف الشهوات، واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المسير/ 19/ أإلى الله عز وجل.
__________
[1] في الأصل: «زودتك» .
[2] «وأهلك» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «بها» ساقط من ت.
[5] «ومائتين» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 11/ 72، 73.
[7] الجرجرائي: نسبة إلى جرجرايا، وهي بلدة قريبة من الدجلة بين بغداد وواسط (الأنساب 3/ 223) .
[8] في الأصل: «لقي الجرجرائي» .

(11/38)


1242- محمد بْن أبي الخصيب الأنطاكي [1] .
سمع مَالك بْن أنس، وابن لهيعة، وغيرهما. روى عنه: عباس [2] الدوري، وإبراهيم الحربي، وغيرهما. وكان ثقة.
وتوفي في بغداد في هذه السنة.
1243- محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد [العجلي] [3] .
كان أحد المشتهرين بالسنة والدين والثقة. وكان المأمون قد كتب وهو بالرقة إلى إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة [4] أن يحمل [أحمد] [5] بن حنبل و [محمد] [6] بْن نوح إليه بسبب المحنة، فأخرجا من بغداد عَلَى بعير متزاملين، فمرض محمد بْن نوح فِي طريقه، ومَات في هذه السنة [7] .
فأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ رزق أَخْبَرَنَا عثمَان بْن أحمد الدقاق، حَدَّثَنَا حنبل بْن إسحاق قَالَ: سمعت أبا عبد الله- يعني أحمد بْن حنبل- يقول: مَا رأيت أحدا عَلَى حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بْن نوح، وإني لأرجو أن يكون الله قد ختم لَهُ بخير، قَالَ لي ذات يوم وأنا معه جلوس: يَا أبا عبد اللَّه إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هَذَا الخلق أعناقهم إليك لمَا يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله. ونحو هَذَا، فانظر هَذَا [8] الكلام، فعجبت منه من موعظته لي وتقويته [9] إياي، فصار فِي بعض الطريق فمات،
__________
[1] في ت: «الأنطاعي» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 249.
[2] في الأصل: «عياش» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في تاريخ بغداد: 3/ 322- 323.
[4] في ت: «صاحب الشرط» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ بغداد 3/ 323.
[8] «فانظر هذا» ساقطة من ت، وبغداد.
[9] في ت، وبغداد: «فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي» .

(11/39)


فصليت عَلَيْهِ ودفنته. أظنه قَالَ: بعانة [1] . فانظر بمَاذا ختم لَهُ [2] .
1244- معاوية بْن عبد الله بْن أبي يحيى الأسواني [3] أبو سفيان مولى بني أمية.
روى عن مَالك، والليث، وابن لهيعة، وَكَانَ ثقة، وكانت القضاة تقبله.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] «بعانة» ساقطة من ت ... وهي بلد مشهور بين الرقة وهيت.
[2] تاريخ بغداد 3/ 323.
[3] الأسواني: نسبة إلى أسوان وهي بلدة بصعيد مصر (الأنساب 1/ 260) .

(11/40)


ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائتين
[خروج محمد بْن القاسم بْن علي بْن عمر بْن الحسين بْن علي بْن أبي طالب بالطالقان]
فمن الحوادث فيها: / خروج محمد بْن القاسم بْن علي بْن عمر بْن الحسين بْن علي بْن أبي طالب بالطالقان من خراسان [1] يدعو إِلَى الرضا من آل محمد واجتمع إليه بها [2] ناس كثير 19/ ب وكانت بينه وبين قواد عَبْد الله بْن [3] طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها [4] ، فهزم هُوَ وأصحابه، فخرج هاربا يريد بعض كور خراسان وكانوا قد كاتبوه، فدل العامل عَلَيْهِ، فأخذه واستوثق منه، وبعث به إِلَى عبد الله بن طاهر، فبعث به إلى المعتصم، فقدم به عَلَيْهِ يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة [5] خلت من ربيع الآخر، فحبس عند مسرور الكبير الخادم [6] فِي محبس ضيق يكون طوله [7] ثلاث أذرع فِي ذراعين، فمكث فيه ثلاثة أيام ثم حول [8] إِلَى موضع أوسع من ذلك، وأجري عَلَيْهِ طعام، ووكل به قوم يحفظونه، فلمَا كانت ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد هرب من الحبس، وذلك أنه دلي إليه حبل من أعلى البيت من كوة يدخل منها الضوء، فعلق به، فذهب، فلم يعرف له خبر [9] .
__________
[1] «خراسان» ساقطة من ت.
[2] «بها» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وبين قواد لعبد الله بن طاهر» .
[4] في ت: «حيالها» .
[5] «ليلة» ساقطة من ت.
[6] في ت، والطبري: «مسرور الخادم الكبير» .
[7] «طوله» ساقطة من ت.
[8] في ت: «حوله» .
[9] في ت: «فلم يعرف خبره» . انظر الخبر في: تاريخ الطبري 9/ 7، 8.

(11/41)


[قدوم إسحاق بن إبراهيم من الجبل]
وفي هذه السنة: قدم إسحاق بْن إبراهيم من الجبل، فدخل بغداد [1] يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من جمَادى الأولى، ومعه الأسرى من الخرمية والمستأمنة، وَكَانَ قد قتل منهم في المحاربة مائة ألف [2] .
[توجيه المعتصم عجيف بن عنبسة لحرب الزّطّ]
وفيها: وجه المعتصم عجيف بْن عنبسة [فِي جمَادى الآخرة] [3] لحرب الزط الذين كانوا قد عاثوا فِي طريق البصرة، وقطعوا الطريق، واحتملوا [4] الغلات من البيادر بكسكر ومَا يليها من البصرة، وأخافوا السبيل، فرتب الخيل فِي كل سكة من سكك البرد 20/ أتركض بالأخبار [5] ، فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصير إِلَى المعتصم فِي يومه، وحصرهم عجيف من كل وجه/ وحاربهم وأسر منهم خمسمائة [6] ، وقتل في المعركة ثلاثمائة، وبعث بالرءوس إلى المعتصم، وأقام بإزاء الزّطّ خمسة عشر شهرا [7] يقاتلهم [8] منها تسعة أشهر، وَكَانَ فِي خمسة عشر ألفا، فظفر منهم بخلق كثير، وخرجوا إليه بالأمَان عَلَى دمَائهم وأموالهم فحملهم إلى بغداد [9] .
[كانت ظلمة شديدة بين الظهر والعصر وامتحان المعتصم أحمد بن حنبل]
وفي هذه السنة: كانت ظلمة شديدة [بين الظهر والعصر] [10] . وفي رمضان [من] [11] هَذِهِ السنة امتحن [12] المعتصم أحمد [بْن حنبل] [13] فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة، ووطن أحمد نفسه عَلَى القتل، فَقِيل لَهُ: إن عرضت عَلَى القتل تجيب قَالَ:
لا. ولقيه خالد الحداد فشجعه، وقال لَهُ: [14] إني ضربت فِي غير الله فصبرت [15] ، فاصبر أنت إن ضربت فِي الله عز وجل، وَكَانَ خالد يضرب المثل بصبره، فَقَالَ لَهُ المتوكل: مَا بلغ من جلدك؟ فَقَالَ: أملئ لي جراب [16] عقارب، ثم أدخل [17] يدي فيه، وإنه ليؤلمني [18] مَا يؤلمك، وأجد لآخر سوط من الألم مَا أجد لأول سوط، ولو وضعت في
__________
[1] «فدخل بغداد» ساقطة من ت.
[2] تاريخ الطبري 9/ 8.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «الطريق واحتملوا» ساقط من ت.
[5] في ت: «من سكك البريد بالأخبار» .
[6] في ت: «جماعة» .
[7] في الطبري: «يوما» .
[8] في ت: «فقاتلهم» .
[9] تاريخ الطبري 9/ 8، 9.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «أخذ أبو إسحاق المعتصم» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] في ت: «يقول: إني» .
[15] في ت: «فبصرت» .
[16] في ت: «حراب» .
[17] في ت: «ثم أدخلت» .
[18] في ت: «وإني والله ليؤلمني» .

(11/42)


فمي [1] خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة مَا يخرج من جوفي، ولكني وطنت نفسي عَلَى الصبر، فَقَالَ لَهُ الفتح: ويحك مَعَ هَذَا اللسان والعقل، مَا يدعوك إِلَى مَا أنت فيه من [2] الباطل؟ قَالَ: أحبّ الرئاسة، فَقَالَ المتوكل: ونحن خليفة [3] ، فَقَالَ لَهُ رجل: يَا خالد، مَا أنتم لحوم ودمَاء فيؤلمكم الضرب؟ قَالَ: بلى، يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست معكم. وقال داود بْن علي: لمَا قدِم بخالد اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه فوجدته جالسا غير ممكن لذهاب [لحم] [4] إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان، فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان، فَقَالَ: لم تتحدثون [5] عن غيركم، افعلوا أنتم/ حَتَّى يتحدث 20/ ب عنكم.
قصة ضرب الإمَام أحمد رضي الله عنه
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن بْن أحمد الفقيه، أنبأنا [6] عُبَيْدُ اللَّهِ بْن أحمد، أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد [7] بْن عُبَيْدِ اللَّهِ الكاتب، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَان القسري [8] قَالَ: حدثني داود بْن عرفة قَالَ: حَدَّثَنَا ميمون بْن الأصبع قَالَ: كنت ببغداد فسمعت ضجة، فقلت: مَا هَذَا؟ قالوا: أحمد بْن حنبل يمتحن، فدخلت [9] فلمَا ضرب سوطا، قَالَ: بسم الله، فَلَمَّا ضرب الثاني قَالَ:
لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فلمَا ضرب الثالث قَالَ: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، فلمَا ضرب الرابع قَالَ: لن يصيبنا إلا مَا كتب الله لنا، فضرب تسعا وعشرين سوطا [وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إِلَى عانته] [10] فرمى أحمد بطرفه إِلَى السمَاء، وحرك شفتيه، فمَا كَانَ بأسرع من أن بقي السراويل [كأن] [11] لم ينزل، فدخلت إِلَيْهِ بعد سبعة أيام، فقلت: يَا أبا عبد الله، رأيتك تحرك شفتيك، فأي شيء قلت؟ قال:
__________
[1] في ت: «في يدي» .
[2] «من» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «فقال المتوكل بحرحا بيده» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «فقال: لم أنتم تتحدثون» .
[6] في ت: «أخبرنا» .
[7] في ت: «محمد بن عبيد الله» .
[8] في ت: «الغسوي» .
[9] «فدخلت» ساقطة من ت.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/43)


قُلْتُ: اللَّهمّ إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش، إن كنت تعلم أني عَلَى الصواب فلا تهتك لي سترا.
وفي رواية أخرى: أنه ضرب ثمَانية عشر سوطا. وفي رواية: ثمَانين سوطا. ولمَا بالغوا فِي ضربه ولم يجب أظهروا أنه قد عفي عنه وترك.
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ [1] قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عبد الجبار قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ [2] اللَّه بْن عُمَر بْن شَاهِينَ قَالَ: حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت عثمَان [3] بْن عبد ربه يقول:
سمعت إبراهيم الحربي يقول: أحل [4] أَحْمَد بْن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم، وقال: لولا أن ابْن أبي دواد داعية لأحللته.
21/ أوحج بالناس في هذه السنة: صالح بْن العباس بْن مُحَمَّد/ [5] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1245- جعفر بْن [عيسى] [6] بْن عبد الله بْن الحسن بْن أبي الحسن البصري، ويعرف بالحسنى [7] .
ولي القضاء بالجانب الشرقي من بغداد فِي أيام المأمون والمعتصم، وحدث عن حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وغيرهمَا [8] ، وقال أبو زرعة الرازي: ولي قضاء الري، وَهُوَ صدوق. وقال أَبُو حاتم الرازي: جهمي ضعيف.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بَكْر [أَحْمَد] [9] بْن عَلِي بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عَلي بْن الْحَسَن أَخْبَرَنَا طلحة بْن مُحَمَّد بْن جعفر [10] قَالَ: شخص المأمون عن مدينة السلام [11] فيمَا أخبرني بِهِ [12] محمد بْن جرير إجازة يعني إِلَى بلد الروم ومعه يحيى بن
__________
[1] في الأصل: «ابن باسم» .
[2] في ت: «عبد الله» .
[3] في ت: «عمر» .
[4] في ت: «حلل» .
[5] تاريخ الطبري 6/ 9.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 160- 162.
[8] في الأصل: «وغيرهم» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «حنيف» .
[11] «عن مدينة السلام» ساقطة من ت.
[12] «به» ساقط من ت.

(11/44)


أكثم يوم السبت لثلاث بقين من المحرم سنة خمس عشرة ومَائتين، فاستخلف يحيى بْن أكثم عَلَى الجانب الشرقي [1] جعفر بْن عيسى [2] البصري الحسني [3] ، ثم أشخص المأمون الحسني إليه، فاستخلف مكانه هارون بْن عبد الله الزهري، ثم عزل الزهري وأعاد الحسني [4] .
توفي الحسني وَهُوَ قاضي المعتصم [5] فِي رمضان هَذِهِ السنة، وأوصى أن يدفن فِي مقابر الأنصار، فدفن هنالك، وصلى عَلَيْهِ أبو علي ابْن هارون الرشيد.
1246- صالح بْن نصر بْن مَالك بْن الهيثم، أبو الفضل الخزاعي [6] .
وَهُوَ أخو أحمد بْن نصر الشهيد. سمع ابْن أبي ذئب، وشعبة، وشريك بْن عبد الله، وإسمَاعيل بْن عَيَّاش [7] ، روى عنه: خالد بْن خداش، والدوري، وأحمد بْن أبي خيثمة، وَكَانَ ثقة.
توفي ببغداد في هذه السنة.
1247- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد بن المغيرة/ أبو محمد [8] .
21/ ب كَانَ ثقة فاضلا خيرا كثير [9] المَال، حدث بمصر. وتوفي بِهَا فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة.
1248- علي بْن عبيدة، أبو الحسن الكاتب، المعروف بالريحاني [10] .
لَهُ أدب وفصاحة وبلاغة، وحسن عبارة [11] ، وله كتب فِي الحكم والأمثال، رأيت منها جملة، وكان له اختصاص بالمَأمون. وحكى أبو بكر الخطيب أنه كَانَ يرمى بالزندقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا
__________
[1] في ت: «وجعل على الجانب الشرقي» .
[2] في ت: «جعفر بن يحيى» .
[3] في الأصل: «الحسين» .
[4] تاريخ بغداد 7/ 161.
[5] في ت: «قاضي للمعتصم» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 313.
[7] في الأصل: «بن عباس» .
[8] في ت: «أبو حمد» .
[9] في ت: «فاضلا كثير خير المال» .
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 18.
[11] في ت وأديب فيه فصاحة وبلاغة وله حسن عبارة.

(11/45)


الجوهري، أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران بْن موسى [1] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن محمد بْن أبي سعيد، حدثنا أحمد بْن أبي طاهر، حَدَّثَنَا علي بْن عبيدة الريحاني قَالَ: التقى أخوان متوادان، فَقَالَ أَحَدهمَا لصاحبه: كيف ودك لي؟ قَالَ: حبك متوشح بفؤادي، وذكرك سمير سهادي، فَقَالَ الآخر: أمَا أنا فأحب أن [2] أوجز فِي وصفي، ما أحب أن يقع عَلَى سواك طرفي [3] .
1249- غسان بْن المفضل، أبو معاوية الغلابي البصري [4] .
سكن بغداد، وحدث بِهَا عن: سفيان بْن عيينة، روى عنه: ابنه المفضل، وَكَانَ ثقة من عقلاء النّاس، دخل عَلَى المأمون فاستعقله.
وتوفي في هذه السنة.
1250- الفضل بْن دكين، أبو نعيم. ودكين: لقب، واسمه عمرو بْن حمَاد بْن زهير [5] بْن درهم، مَوْلَى طلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ التيمي [6] .
ولد سنة ثلاثين ومَائة، وأبو نعيم كوفي، كَانَ شريكا لعبد السلام [بْن حرب في دكان واحد يبيعان الملاء. وسمع أبو نعيم من الأعمش، ومسعر، وزكريا] [7] بْن أبي زائدة، وابن أبي ليلى، والثوري، ومَالك، وشعبة فِي آخرين.
وقال: كتبت عن نيف ومَائة شيخ ممن [8] كتب عنه سفيان، وسمع منه ابْن المبارك، وروى عنه أَحْمَد بْن حنبل [9] ، والبخاري، وأبو زرعة، وغيرهم، وكان ثقة.
22/ أوامتحن بالكوفة أيام/ المحنة، فأحضره واليها وسأله عن القرآن، فقال: أدركت الكوفة
__________
[1] «بن موسى» ساقط من ت.
[2] «فأحب أن» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 12/ 18.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 328، 329.
[5] في الأصل: «بن نصير» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 346- 357.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فمن» .
[9] «بن حنبل» ساقط من الأصل.

(11/46)


وبها أكثر من سبعمَائة شيخ [الأعمش] [1] فمن دونه يقولون القرآن كلام الله، وعنقي أهون عندي من زري هَذَا [2] .
وقال أبو بكر بْن أبي شيبة: لقيت أبا نعيم أيام المحنة بالكوفة فَقَالَ: لقيت ثلاثمَائة شيخ كلهم يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق [3] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن علي أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ قَالَ: سمعت أحمد بْن يعقوب يقول: سمعت عبد الله بْن الصلت يقول: كنت عند أبي نُعَيم، فجاءه ابنه يبكي [4] ، فَقَالَ لَهُ: مَالك، فَقَالَ: الناس يقولون إنك [5] متشيع، فأنشأ يقول:
ومَا زال كتمَانيك حَتَّى كأنني ... يرجع [جواب] السائلي عنك أعجم
لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي عَلَى الناس يسلم [6]
قَالَ المصنف: وفي رواية أخرى أنه سئل: أتتشيع؟ فَقَالَ: سمعت الحسن بْن صالح يقول: سمعت جَعْفَر بْن محمد يقول: حب علي عبادة، وأفضل العبادة مَا كتم.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثابت قَالَ: قرأت عَلَى علي بْن أبي علي الْبَصْرِيّ، عن علي بْن الحسن الجراحي قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن الجراح قَالَ: سمعت أحمد بْن منصور يقول: خرجت مَعَ أحمد بْن حنبل ويحيى بْن معين إِلَى عبد الرزاق خادمَا لهمَا، فلمَا عدنا إِلَى الكوفة قَالَ يحيى بْن معين لأحمد بْن حنبل: أريد أختبر أبا نعيم، فَقَالَ لَهُ أحمد [7] : لا تزد، الرجل ثقة. فَقَالَ يحيى بْن معين:
لا بد لي. فأخذ ورقة وكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم وجعل على رأس كل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] يقارن هذا بما في تاريخ بغداد 12/ 349.
[3] تاريخ بغداد 12/ 349.
[4] «يبكي» ساقطة من ت.
[5] «إنك» ساقطة من ت.
[6] تاريخ بغداد 12/ 351.
[7] «أريد أختبر أبا نعيم، فَقَالَ لَهُ أحمد» ساقط من ت.

(11/47)


22/ ب عشرة منها [1] حديثا ليس من حديثه، ثم جاءا إِلَى/ أبي نعيم فدقا [2] عَلَيْهِ الباب، فخرج فجلس على دكان طين حذاء بابه، فأخذ أحمد بْن حنبل فأجلسه عن يمينه، وأخذ يحيى بْن معين فأجلسه عن يساره، ثم جلست أسفل الدكان، فأخرج يحيى بْن معين الطبق، فقرأ عَلَيْهِ عشرة أحاديث، وأَبُو نعيم ساكت، ثم قرأ الحديث [3] الحادي عشر، فَقَالَ لَهُ [4] أبو نعيم: ليس من حديثي فاضرب عَلَيْهِ، ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت فقرأ الحديث الثاني، فَقَالَ أبو نعيم: ليس من حديثي فاضرب عَلَيْهِ ثم قرأ العشر الثالث، وقرأ الحديث الثالث [5] فتغير أبو نعيم وانقلبت عيناه وأقبل عَلَى يحيى بْن معين فَقَالَ لَهُ [6] : أمَا هَذَا- وذراع أحمد فِي يده- فأورع من أن يعمل هَذَا، وأمَا هَذَا- يريدني- فأقل من أن يفعل مثل [7] هَذَا، ولكن هَذَا من فعلك يَا فاعل، ثم أخرج رجله فرفس يحيى بْن معين، فرمى به من الدكان وقام فدخل داره، فَقَالَ أحمد ليحيى: ألم أمنعك من الرجل وأقل [8] لك إنه ثبت؟! فَقَالَ: والله لرفسته لي [9] أحب إلي من سفري [10] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد] [11] بْن ثابت، أَخْبَرَنَا عبد الباقي بن عبد الكريم المؤدب، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمر الخلال، حَدَّثَنَا محمد بْن أحمد بْن يعقوب [12] ، حَدَّثَنَا جدي، قَالَ: حَدَّثَنَا بعض أصحابنا: أن أبا نعيم
__________
[1] في ت: «عنها» .
[2] في ت: «فدقوا» وفي الأصل: «فطرقوا» .
[3] «الحديث» ساقط من ت.
[4] «له» ساقط من ت.
[5] «وقرأ الحديث الثالث» ساقط من ت.
[6] «له» ساقط من ت.
[7] «مثل» ساقط من ت.
[8] في الأصل: «أقول» .
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] تاريخ بغداد 12/ 353، 354.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «أحمد بن محمد بن يعقوب» .

(11/48)


خرج عليهم فِي شهر [1] ربيع الأول من سنة سبع عشرة ومَائتين، يومَا بالكوفة، فجاء ابن لمحاضر بْن المورع [2] ، فَقَالَ لَهُ أبو نعيم [3] : إني رأيت أباك البارحة [فِي النوم] [4] فكأنه أعطاني درهمين ونصفا، فما تؤولون هَذَا؟ فقلنا: خيرا [رأيت] [5] فَقَالَ: أمَا أنا فقد أولتهمَا أني أعيش يومين [6] ونصفا، أو شهرين ونصفا، أو سنتين ونصفا، ثم ألحق [بأبيك] [7] .
فتوفي بالكوفة ليلة الثلاثاء لانسلاخ [8] شعبان سنة تسع عشرة/ ومائتين [9] . 23/ أقالوا [10] : وذلك بعد هَذِهِ الرؤيا بثلاثين شهرا تامة، وقيل: توفي سنة ثمَان عشرة.
1251- محمد بْن عبد الله بْن محمد بْن عبد الملك، أبو عبد الله الرقاشي [11] .
سمع مَالك بْن أنس، وحمَاد بْن زيد في آخرين، وروى عنه: البرجلاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبو حاتم الرازي، وكان متقنا ثقة، وكان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة.
__________
[1] «شهر» ساقطة من ت.
[2] في ت: «المحاضر بن الموزع» . وفي الأصل: «محاضر بن المورع» .
[3] «أبو نعيم» ساقطة من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «يوما» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وتاريخ بغداد انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 356.
[8] في الأصل: «لافتتاح» .
[9] تاريخ بغداد 12/ 356.
[10] في الأصل: «قال» .
[11] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 413- 414.

(11/49)


ثم دخلت سنة عشرين ومائتين
[مضى المعتصم إلى سرمن رأى فابتنى بها]
فمن الحوادث فيها:
أن المعتصم مضى إِلَى سرمن رأى، فابتنى بِهَا، وَكَانَ سبب ذلك كثرة عسكره، وضيق بغداد عنه، وتأذي الناس به.
[دخول عجيف بالزّط بغداد]
ومن الحوادث: دخول عجيف بالزط بغداد، وقهره إياهم، حَتَّى طلبوا منه الأمَان، فآمنهم، فخرجوا إليه [1] فِي ذي الحجة سنة تسع عشرة عَلَى أنهم آمنون عَلَى دمَائهم وأموالهم، وكانت [2] عدّتهم سبعة وعشرين ألفا، المقاتلة منهم اثنا عشر ألف رجل، فجعلهم عجيف في السفن، وأقبل بهم حَتَّى نزل الزعفرانية [3] ، فأعطى أصحابه دينارين دينارين، وأقام بها يوما، ثم عبّأهم فِي زواريقهم عَلَى هيئتهم فِي الحرب، معهم البوقات، حَتَّى دخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة عشرين، والمعتصم بالشمَاسية فِي سفينة، فمر به الزط عَلَى تعبئتهم ينفخون بالبوقات، فكان أولهم بالقفص [4] ، وآخرهم بحذاء [5] الشمَاسية، فأقاموا فِي سفنهم [6] ثلاثة أيام، ثم عبر بهم إِلَى الجانب الشرقي، فدفعوا إِلَى بشر بْن السميدع، فذهب بهم إِلَى [7] خانقين، ثم نقلوا من [8] الثغر إلى
__________
[1] في ت: «فخرجوا عليه» .
[2] في الأصل: «وكان» .
[3] في الأصل: «الزغوانية» .
[4] في ت: «بالقصر» .
[5] «بحذاء» ساقطة من ت.
[6] في ت: «في موضعهم» .
[7] في ت: «فحملهم إلى» .
[8] في ت: «ثم إلى الثغر» .

(11/50)


عين زربة، فأغارت عليهم الروم بعد مدة/ فاجتاحوهم [1] ، فلم يفلت منهم أحد [2] . 23/ ب
[عقد المعتصم للأفشين على الجبال]
وفي هذه السنة: عقد المعتصم للأفشين عَلَى الجبال، وحرب بابك، وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمَادى الآخرة، فعسكر ببغداد، ثم صار إِلَى برزند.
ذكر خبر بابك
روى عن رجل من الصعاليك يقال لَهُ مطران [3] ، قَالَ: بابك ابني فقيل لَهُ: كيف؟ قَالَ: كانت أمه تخدمني وتغسل ثيابي، فوقعت يومَا عَلَيْهَا، ثم غبنا عنها [4] ، ثم قدمنا، فإذا هي تطلبني، فقالت: حين ملأت بطني تركتني فقلت لها: والله لئن ذكرتيني [5] لأقتلنك. فسكتت، فهو والله ابني [6] .
وذكر بعض المؤرخين أن أم بابك كانت عجوزا [7] فقيرة [فِي قرية] [8] من قرى الأدعان [9] فشغف بها رجل من النبط [10] فِي السواد [11] يقال لَهُ عبد الله [بْن محمد بْن منبه] [12] فحملت منه، وقتل الرجل، وبابك [13] حمل، فوضعته وجعلت تكتسب له، إلى
__________
[1] في ت: «فاحتاجهم» .
[2] في ت: «أحد منهم» . انظر الخبر في تاريخ الطبري 9/ 10.
[3] في ت: «مطرانة» .
[4] في ت: «غبنا غيبة» .
[5] «لها: والله لئن ذكرتيني» ساقطة من ت.
[6] جاء هنا في الأصل فقرة ليس هذا مكانها، وقد ذكرناها في مكانها الصحيح وكما وردت في النسخة ت.
وسنشير إليها في موضعها.
[7] في الأصل: «عوزا» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «أذربيجان» .
[10] في ت: «نبط» .
[11] في ت: «في سود» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] في ت: «وأمه حمل» .

(11/51)


أن بلغ، وصار أجيرا لأهل قريته [1] عَلَى سرحهم بطعامه وكسوته، وَكَانَ فِي تلك الجبال من الخرّمية قوم [2] وعليهم رئيسان يتكافحان، يقال لأحدهمَا جاوندان والآخر عمران، فمر جاوندان بقرية بابك، فتفرس فيه الجلادة، فاستأجره من أمه، وحمله إلى ناحيته 24/ أفمالت إليه امرأته وعشقته، فأفشت إليه أسرار زوجها/، وأطلعته على دفائنه، فلم يلبث إلا قليلا حتى وقعت بين جاوندان وعمران حرب [3] ، فأصابت جاوندان جراحة فمَات منها [4] ، فزعمت امرأة جاوندان أنه قد استخلف بابك عَلَى أمره، فصدقوها، فجمع بابك أصحابه وأمرهم أن يقوموا بالليل، وأن يقتلوا من لقوا من [5] رجل أو صبي، فأصبح الناس قتلى، لا يدرون من قتلهم [6] ، ثم انضوى إليه الذّعار وقطاع الطريق وأرباب الزيغ، حَتَّى اجتمع إليه جمع كثير [7] ، واحتوى على مدن وقرى، وقتل، ومثل، وحرق، وانهمك فِي الفساد، وَكَانَ يستبيح المحظورات، وَكَانَ من رؤساء الباطنية.
(وَكَانَ ظهور بابك فِي سنة إحدى ومَائتين، بناحية أذربيجان [8] ، وهزم من جيوش السلطان وقواده خلقا كثيرا، وبقي عشرين سنة عَلَى ذلك [9] ، فقتل مَائتي ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمَائة إنسان. وَكَانَ إذا علم عند أحد بنتا جميلة، أو أختا طلبها منه، فإن بعثها إليه وإلا بيته وأخذها، فاستنقذ من يده لمَا أخذه [10] المسلمون سبعة آلاف وستمائة إنسان) [11] .
__________
[1] في ت: «لأهل قرية» .
[2] «قوم» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وقعة» .
[4] «فمات منها» ساقطة من ت.
[5] «من» ساقطة من ت.
[6] «لا يدرون من قتلهم» ساقطة من ت.
[7] في ت: «حتى جمع عشرين ألف فارس» .
[8] «أذربيجان» ساقطة من ت.
[9] «على ذلك» ساقطة من ت.
[10] في ت: «وكان جملة ما أخذه لما أخذه ... » .
[11] هذه الفقرة جاءت في الأصل متقدمة عن هذا المكان، وقد ذكرنا هذا في موضعه.
انظر الخبر في تاريخ الطبري 9/ 11، 12.

(11/52)


ولمَا ولي المعتصم، بعث إليه أبا سعيد محمد بْن يوسف إِلَى أردبيل، وأمره أن يبني الحصون التي خرّبها بابك فيها بين زنجان وأردبيل، ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إِلَى أردبيل، فتوجه [1] أبو سعيد لذلك، وبنى الحصون، فوجه بابك سريّة [2] لَهُ فِي بعض غاراته، وجعل أميرهم رجلا يقال لَهُ:
معاوية، فخرج فأغار عَلَى بعض النواحي ورجع منصرفا، فبلغ ذلك أبا سعيد محمد بْن يوسف، فجمع الناس، وخرج إليه، فعرض له في بعض الطريق، فواقعه [3] ، فقتل من أصحابه جمَاعة، وأسر منهم جمَاعة، واستنقذ مَا كَانَ حواه، فهذه أول هزيمة كانت عَلَى أصحاب بابك، وبعث أبو سعيد الأسرى والرءوس [4] إِلَى المعتصم [5] .
ثم كانت أخرى لمحمد بْن البعيث، وَكَانَ فِي قلعة حصينة، وَكَانَ مصالحا لبابك إذا توجهت سراياه نزلت به، فأضافهم، فوجه بابك رجلا يقال لَهُ: عصمة فِي سرية، فنزل بابن البعيث، فأقام لَهُ الضيافة عَلَى العادة، وبعث إلى عصمة/ أن يصعد إليه في 24/ ب خاصته ووجوه أصحابه، فصعد فغداهم وسقاهم حَتَّى أسكرهم، ثم وثب عَلَى عصمة فاستوثق منه، وقتل من كَانَ معه من أصحابه، وأمره أن يسمي رجلا رجلا [6] من أصحابه باسمه، فكان يدعى [7] الرجل باسمه [8] فيصعد، فيضرب عنقه، حَتَّى علم الباقون فهربوا، ووجه بعصمة إِلَى المعتصم، فلم يزل محبوسا إلى أيام الواثق [9] .
فندب المعتصم الأفشين للقاء بابك، وعقد لَهُ عَلَى الجبال كلها، ووصف [10] لَهُ كل يوم يركب فيه عشرة آلاف درهم صلة [11] ، ويومَا لا يركب خمسة آلاف درهم، سوى الأرزاق والأنزال والمعاون ومَا يتصل إليه من أعمَال الجبال، وأجازه عند خروجه بألف ألف درهم فقاومه الأفشين سنة، وانهزم من بين يديه غير مرة، ولمَا وصل [12] الأفشين إِلَى برزند عسكر بِهَا، ورمّ الحصون مَا بين برزند، وأردبيل، وأنزل محمد بْن يوسف بموضع
__________
[1] في ت: «فوجه» .
[2] في ت: «وبعث سرية له» .
[3] في ت: «فعامله» .
[4] «الرءوس» ساقطة من ت.
[5] تاريخ الطبري 9/ 11، 12.
[6] «رجلا» ساقطة من ت.
[7] في ت: «يدعو» .
[8] «باسمه» ساقطة من ت.
[9] تاريخ الطبري 9/ 12.
[10] في ت: «وأطلق» .
[11] «صلة» ساقطة من ت.
[12] في ت: «ولما صار» .

(11/53)


يُقَالُ لَهُ خش، واحتفر حوله خندقا، وَكَانَ إذا وقع بجاسوس لبابك [1] أضعف لَهُ مَا يعطيه بابك، وَيَقُولُ لَهُ: كن جاسوسا لنا [2] .
فوجه المعتصم مَعَ بغا الكبير بمَال إِلَى الأفشين لجنده وللنفقات، فبلغ الخبر إِلَى بابك، فتهيأ ليقطع الطريق عَلَيْهِ ويأخذ المَال، فعرف الأفشين، فكتب إِلَى بغا [3] بأن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه، وركب الأفشين فِي سر، فجاء وبابك قاعد عَلَى غفلة، وأصحابه قد تفرقوا، فاشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجال بابك أحد، وأفلت هُوَ فِي نفر يسير إِلَى موقان، ورجع الأفشين إِلَى معسكره ببرزند، ثم بعث إِلَى البذ فجاءه في 25/ أالليل عسكر فيه/ رجّالة، فرحل بهم من موقان حَتَّى دخل البذ، وهي مدينة بابك [4] .
[خروج المعتصم إلى القاطول]
وفي هذه السنة: خرج المعتصم إِلَى القاطول، وذلك فِي ذي القعدة، واستخلف الواثق [ابنه ببغداد] [5] وَكَانَ السبب فِي ذلك [6] : خوفه من جنوده [7] ، وَكَانَ قد قَالَ لأحمد بْن أبي خالد: يا أحمد [8] ، اشتر لي بناحية سامراء موضعا أبني فيه مدينة، فإني أتخوف أن يصيح هؤلاء الحربية صيحة فيقتلوا غلمَاني، حَتَّى أكون فوقهم، فإن رابني منهم ريب أتيتهم فِي البر والبحر، حَتَّى آتي عليهم، وقال لي: خذ مَائة ألف دينار. فَقَالَ آخذ خمسة آلاف دينار، فكلمَا احتجت إِلَى زيادة بعثت فاستزدت. قَالَ: نعم. قَالَ:
[فأتيت الموضع] [9] فاشتريت سامراء بخمسمَائة درهم من النصارى أصحاب الدير، واشتريت موضع البستان الخاقاني بخمسة آلاف درهم، واشتريت عدة مواضع، حَتَّى أحكمت مَا أردت، ثم انحدرت فأتيته بالصكاك، فعزم عَلَى الخروج إليها فِي سنة عشرين، فخرج حَتَّى إذا قاربها وقارب القاطول، ضربت [لَهُ] [10] فيه القباب والمضارب، وضرب الناس الأخبية، ثم لم يزل يتقدم [وتضرب] لَهُ القباب حَتَّى [11] وضع البناء بسامراء فِي سنة إحدى وعشرين.
__________
[1] في الأصل: «بجاسوس بابك» .
[2] تاريخ الطبري 9/ 12، 13.
[3] في الأصل: «إلى بابك» .
[4] تاريخ الطبري 9/ 14- 17.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «في ذلك» ساقطة من ت.
[7] في ت: «من جنده» .
[8] «أحمد» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «ولم يزل كذلك حتى وضع ... » وما بين المعقوفتين زيادة من الطبري.

(11/54)


وسأل المعتصم مسرورا الخادم: أين كَانَ الرشيد يتنزه إذا ضجر [1] من المقام؟
فَقَالَ: بالقاطول، قَدْ كَانَ بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم، وقد كَانَ خاف من الجند أيضا، فلمَا وثب أهل الشام بالشام [2] وعصوا خرج الرشيد إِلَى الرقة، فأقام بِهَا، وبقيت مدينة القاطول لم تستتم [3] .
وَكَانَ بالبصرة في هذه السنة طاعون، مَات فيه خلق كثير، وَكَانَ لرجل سبع بنين فمَاتوا فِي يَوْمٍ واحد فعزي، فقال: سلم سلم/. 25/ ب
[غضب المعتصم عَلَى وزيره الفضل بْن مروان]
وفي هذه السنة: غضب المعتصم عَلَى وزيره الفضل بْن مروان، وأخذ منه مَا قيمته عشرة آلاف ألف دينار، وَكَانَ الفضل فِي أول أمره متصلا برجل من العمَال يكتب لَهُ، وَكَانَ حسن الخط، ثم صار مَعَ كاتب للمعتصم يقال لَهُ يحيى الجرمقاني [4] ، فلمَا مَات الجرمقاني صار الفضل فِي موضعه، ثم ترقى إِلَى الوزارة، وصارت الدواوين كلها تحت يده، وحل من المعتصم محلا زائدا في الحد، فحملته الدالة عَلَى أن كَانَ المعتصم يأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك، فثقل [5] عَلَى المعتصم، إِلَى أن أمر لرجل بشيء فلم يعطه الفضل، فلمَا كَانَ بعد مدة قال الرجل بالمداعبة للمعتصم:
ما لك من الخلافة إلا الاسم، وإنمَا الخليفة الفضل. قال: ولم [6] ؟ قال: لأن أمرك لا ينفذ [تأمره بإعطاء المغني والملهي فلا ينفذ ذلك، و] [7] أمرت لي بكذا منذ مدة فمَا أعطيت. فتغير المعتصم للفضل، فصير أحمد بْن عمَار الخراساني زمَامَا عَلَيْهِ فِي نفقات الخاصة، ونصر بْن منصور بْن بسام زمَامَا عَلَيْهِ فِي الخراج وجميع الأعمال، وكان محمد بن عبد الملك الزيات يتولى عمل الفساطيط وآلة الجمَازات وَكَانَ يلبس الدراعة السوداء، فَقَالَ لَهُ الفضل: إنما أنت تاجر فما لك والسواد [8] .
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن المحسن، عن أبيه قَالَ: حدثني أبو الحسن أحمد [9] بْن يوسف، عن [10] الأزرق قَالَ: حدثني غير واحد من مشايخ الكتّاب:
__________
[1] في الأصل: «إذا أضحى» .
[2] «بالشام» ساقطة من ت.
[3] تاريخ الطبري 9/ 17.
[4] في الأصل: «الجرمغاني» .
[5] «فثقل» ساقطة من ت.
[6] «ولم» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ الطبري 9/ 19، 20.
[9] في ت: «أبو الحسن علي» .
[10] «عن» ساقطة من ت.

(11/55)


أن المعتصم قَالَ: أريد صرف عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمَان عن الوزارة منذ دهر، فإذا فكرت فِي أني أصرفه ضاع من ارتفاعي فيمَا بين صرفه وولاية وزير آخر خمسمَائة ألف دينار/ 26/ أفلم [1] أصرفه، قَالَ المحسن: هَذَا وإنمَا كَانَ فِي يد المعتصم قطعة من الدنيا بل قطعة يسيرة، عمَا كَانَ فِي يد [2] غيره من الخلفاء.
ويحقق هَذَا الرأي مَا بلغنا فِي أيام المعتصم أنه أنكر عَلَى الفضل بْن مروان شيئا وهو يتقلد ديوان الخراج، فأنفذ إليه محمد بْن عبد الملك الزيات برسالة قبيحة، وكانت بَيْنَهُمَا عداوة، فجاء محمد حَتَّى وقف عَلَى باب الديوان [راكبا لم ينزل] [3] وقال: قولوا لَهُ معي رسالة من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فليخرج [إلي] [4] حَتَّى أؤديها إليه فجاء الغلمَان فعرفوه وَهُوَ جالس يعمل، وفي حجره منديل ودواته مفتوحة، والعمَال بين يديه والكتاب، فترك ذلك وخرج وقال لمحمد: قل. قَالَ: وتبعه [5] الناس [فِي خروجه] [6] ، فَقَالَ لَهُ محمد بين أيديهم وَهُوَ راكب ولم ينزل: إن [7] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يقول لك كيت وكيت، وانصرف ودخل الفضل ولم يبن [8] عَلَيْهِ تغير ولا اضطراب، وعاد فعمل، وركب فِي الليل إِلَى الخليفة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ديوان الخراج سلة خبزك، ومعاملي فيه مَعَ من يطمع فيك، وفي مَالك، وباليسير تنخرق الهيبة، وقد جرى اليوم مَا أذهب منك [فيه] [9] خمس مَائة ألف دينار، قَالَ: ومَا هُوَ؟ قَالَ: جاء محمد بْن عبد الملك إِلَى باب الديوان وبحضرتي العمَال الذين عليهم الأموال، وخلفاء العمَال الذين فِي النواحي، وأنا أطالبهم، فلم ينزل إلي، وأخرجني إليه، وأدى إليّ الرسالة ظاهرا وهم يسمعون/ 26/ ب فعدت وقد تقاعدني من كَانَ يريد الأداء، وكتب إِلَى العمَال بذلك، فتوقفوا [10] عن حمل مَا يريدون حمله، ووقع الإرجاف بصرفي، فوقف علي [11] من الارتفاع خمس مَائة ألف دينار، وهي الآن كالتالف. فقال: ولم أدّى الرسالة ظاهرا [12] وما أمرته بذلك؟
__________
[1] في ت: «فما أصرفه» .
[2] في ت: «في أيدي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ومعه» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «وهو راكب ولم ينزل ان» ساقط من ت.
[8] في ت: «فلم يبق» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في ت: «فوقفوا» .
[11] «علي» ساقطة من ت.
[12] في ت: «طاهرا» .

(11/56)


فَقَالَ: لمَا بيننا من العداوة. فَقَالَ لَهُ المعتصم: امض لشأنك، فقد زال مَا [كَانَ] [1] في نفسي عليك وسأبلغك فيه مَا تحب.
قَالَ المصنف: ثم إن المعتصم خرج إِلَى القاطول، فغضب عَلَى الفضل وأهل بيته وأمرهم برفع ما جرى عَلَى أيديهم، وأخذ الفضل يعمل حسابه ثم حبسه وحبس أصحابه، ثم نفاه إِلَى قرية في طريق الموصل يقال لها السن، وصير مكانه محمد بْن عبد الملك الزيات، فصار محمد وزيرا [2] ، وجرى عَلَى يديه عامة مَا بنى المعتصم بسامراء، ولم يزل فِي مرتبته، إِلَى أن استخلف المتوكل [3] .
وحج بالناس في هذه السنة: صالح بْن العباس بْن مُحَمَّد [4] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1252- آدم بْن أبي إياس، [واسم] [5] أبي إياس: ناهية [6] .
وقال البخاري: هُوَ: آدم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد يكنى أبا الحسن.
مولى، أصله من خراسان، ونشأ ببغداد، ودخل إِلَى البلاد، وسمع من شعبة والليث، وخلق كثير، وكان من العلمَاء الثقات الصالحين، واستوطن عسقلان.
وتوفي بِهَا في هذه السنة.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي/ بن ثابت، أخبرنا 27/ أأحمد بْن عبد الواحد [7] حَدَّثَنَا إسمَاعيل بْن سعيد بْن المعدل، حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ [8] : حدثني أَبُو علي المقدمي قَالَ: لمَا حضرت آدم بْن [أبي] [9] إياس الوفاة ختم القرآن وَهُوَ مسجى، ثم قَالَ: بحبي لك إلا رفقت بي في هذا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «وزيره» .
[3] تاريخ الطبري 9/ 20.
[4] تاريخ الطبري 9/ 22.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 27.
[7] في الأصل: «أحمد بن عبد الوهاب» .
[8] «قال» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/57)


المصرع، كنت أؤملك لهذا اليوم، كنت أرجوك لهذا، ثم قَالَ [1] : لا إله إلا الله، ثم قضى [2] .
1253- خلف بْن أيوب، أبو سعيد العامري البلخي [3] .
فقيه أهل بلخ وزاهدهم، أخذ الفقه عن أبي يوسف، وابن أبي ليلى. والزهد عن إبراهيم بْن أدهم [4] .
وسمع الحديث من عوف بْن أبي جميلة، وإسرائيل، ومعمر، وغيرهم، روى عنه: أحمد، ويحيى، وأبو كُرَيْب.
أنبأنا زاهر بْن طاهر، أنبأنا أحمد بْن الحسين البيهقي، أنبأنا [5] أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قَالَ: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن عبد العزيز المذكر يقول:
سمعت أبا عمرو محمد بْن علي الكندي [6] يقول: سمعت مشايخنا يذكرون أن السبب [فِي] [7] إثبات ملك آل ساسان أن أسد بْن نوح خرج إِلَى المعتصم، وَكَانَ أسد حسن المنظر شجاعا عالمَا فصيحا عاقلا فتعجبوا من حسنه وجمَاله وفصاحته [8] . فَقَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ: هل فِي بيتك أشجع منك؟ قَالَ: لا. قَالَ: فهل فِي بيتك أعقل منك؟ قال:
27/ ب لا. فلم يعجب الخليفة ذلك منه، فدخل عَلَيْهِ بعد ذلك فسأله مثل تِلْكَ المسألة، فأجابه/ بمثل ذلك الجواب، فلم يعجبه، ثم إنه كرر عليه السؤال فأجابه بمثله، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، هلا قلت ولم ذاك؟ قَالَ: ويحك، ولم ذلك [9] ؟ قَالَ: لأنه ليس فِي أَهْل بيتي أحد وطئ بساط الخليفة وشاهد طلعته، وقابله بالمسألة التي قابلني بِهَا ورضي خلقه وخلقه غيري، فأنا أفضلهم إذا [10] فاستحسن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ذلك منه فتمكن موقعه لديه، ثُمّ إنه خيره بين أعمَال كور خراسان فاختار منها ولاية بلخ ونواحيها، فلمَا ورد بلخ بعهد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يتولى الخطبة بنفسه، ثم إنه سأل عن علمَاء بلخ هل فيهم من لم يقصده. قالوا: نعم، خلف بْن أيوب أعلم أهل الناحية وأزهدهم وأورعهم وهو يتجنب
__________
[1] «لهذا ثم قال» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 7/ 29.
[3] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 225.
[4] في الأصل: «والزهري إبراهيم بن الغنم» .
[5] في ت: «أخبرنا» .
[6] في ت: «السكندي» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «وشجاعته» .
[9] في ت: «ذاك» .
[10] في ت: «إذن» .

(11/58)


السّلطان، ولا سبيل إليه فِي اختلافه إِلَى السلاطين [1] ، فاشتهى أسد بْن نوح لقاءه، فوكل بعض أصحاب الأخبار بخلف بْن أيوب وقال: إذا كَانَ يوم الجمعة فراقب [2] خلفا، فإذا [3] خرج من بيته، فبادر إلي وعرفني، فذهب صاحب الخبر فراقب خلف بْن أيوب حَتَّى خرج من بيته يقصد الجمعة، فبادر وأخبره، [فركب] [4] فلمَا استقبله نزل عن دابته وقصد خلفا فلمَا رآه خلف قد قصده قعد مكانه، وغطى وجهه بردائه، فَقَالَ:
السلام عليكم. فأجابه جوابا مشفيا، فسلم المرة الثانية، فأجاب ولم يرفع رأسه، فرفع أسد بْن نوح رأسه إِلَى السمَاء، ثم قَالَ: اللَّهمّ إن هذا العبد الصالح يبغضنا/ فيك، 28/ أونحن نحبه فيك، ثم ركب ومر، فأخبر بعد ذلك أن خلف بْن أيوب مرض فذهب إليه يعوده، فَقَالَ [لَهُ:] [5] هل لك من حاجة؟ قال: نعم. قال: وما هي؟ قال [6] : حاجتي أن لا تعود إليّ وإذا مرضت. قَالَ [7] : وهل غير ذلك؟ قَالَ: إن مت فلا تصلي علي وعليك السواد، قَالَ: فلمَا توفي خلف شهد [أسد] [8] بْن نوح جنازته راجلا، فلمَا بلغ المصلى نزع السواد وتقدم فصلى عَلَيْهِ، فسمع صوتا بالليل: بتواضعك وإجلالك لخلف بْن أيوب ثبتت الدولة فِي عقبك، ولا تنقطع أبدا.
وفي رواية أخرى: أن أسدا رأى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي المنام كأنه يقول لَهُ: يَا أسد بْن نوح، ثبت ملكك وملك بيتك بإجلالك لخلف بْن أيوب.
1254- سليمَان بْن داود بْن داود بْن علي بْن عبد الله بْن العباس، أبو [9] أيوب الهاشمي [10] .
كَانَ داود بْن علي قد مَات وابنه حمل، فلمَا ولد سمّوه باسمه داود، وسمع سليمان
__________
[1] في ت بعد هذا: «بردائه فَقَالَ السلام عليكم فأجابه جوابا مشفيا فسلم المرة الثانية فأجاب ولم يرفع رأسه فرفع..» وهذه العبارة مقدمة في نسخة الأصل كما سيأتي.
[2] في ت: «فرأيت» .
[3] «فإذا» ساقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «قال: وما هي؟ قال:» ساقطة من ت.
[7] «وإذا مرضت. قال» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «أبو» ساقطة من ت.
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 31، 32.

(11/59)


عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي الزياد، وإبراهيم بْن سعد، وسفيان بْن عيينة، وغيرهم. وروى عنه: أحمد بْن حنبل، وإبراهيم الحربي، وَكَانَ ثقة.
قَالَ الشافعي: مَا رأيت [1] أعقل من رجلين: أحمد بْن حنبل، وسليمَان بْن داود الهاشمي.
وقال أحمد بْن حنبل: لو قيل لي اختر للأمة رجلا استخلفه عليهم استخلفت سليمَان بْن دَاوُد الهاشمي [2] .
توفي سليمَان في هذه السنة. وقيل: فِي سنة تسع عشرة.
1255- عفان بْن مسلم أبو عثمَان الصفار، [البصري] [3] ، مولى عزرة [4] بْن ثابت الأنصاري [5] .
ولد سنة أربع وثلاثين ومَائة، وحدث عن شعبة، والحمَادين، وخلق كثير. روى 28/ ب عنه: أحمد، ويحيى، / وابن المديني، وغيرهم، وَكَانَ إمَامَا ثقة، صاحب سنة وورع، ضمن له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل [6] ، ولا يقول عدل ولا غير عدل، فأبى وقال: لا أبطل حقا من الحقوق. وابتلي فِي المحنة فلم يجب.
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] [7] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [8] الْخَطِيبُ قَالَ: أخبرنا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز، حَدَّثَنَا أبو الفضل صالح بْن أحمد التَّمِيمِيّ قال: سمعت القاسم بن أبي صالح يقول سمعت إبراهيم بْن الحسين ديزيل [9] يقول: لمَا دعي عفان للمحنة كنت آخذا بلجام حمَاره فلما
__________
[1] في ت: «ما رأينا» .
[2] «وقال أحمد بن حنبل ... » حتى نهاية الفقرة، ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «عرزة» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 269- 277.
[6] «رجل» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «ديزيل» ساقطة من ت.

(11/60)


حضر عرض عَلَيْهِ القول فامتنع أن يجيب، فقيل لَهُ: يحبس عطاؤك قَالَ: وَكَانَ يعطى فِي كل شهر ألف دِرْهَم فَقَالَ: وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ 51: 22 [1] قَالَ: فلمَا رجع [إِلَى داره] [2] عذله نساؤه ومن فِي داره، وَكَانَ فِي داره نحو أربعين إنسانا، قَالَ: فدق عَلَيْهِ داق الباب، فدخل رجل شبهته بسمَان أو زيات، ومعه كيس فيه ألف درهم، فَقَالَ: يَا أبا عثمَان ثبتك الله كمَا ثبت هَذَا الدّين وهذا [لك] [3] فِي كل شهر [4] .
توفي أبو عثمَان في هذه السنة. وقيل: فِي سنة تسع عشرة، ولا يصح.
1256- فتح الموصلي، أبو نصر [5] .
ورد بغداد زائرا لبشر الحافي.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلي بن ثابت قال: أخبرنا أبو عمر الْحَسَن بْن عثمَان بْن أحمد، أَخْبَرَنَا أحمد بْن جعفر بْن حمدان، حَدَّثَنَا العباس بْن يوسف، حَدَّثَنَا أَبُو جعفر البزار، حَدَّثَنَا أبو نصر ابْن أخت بشر الحافي [6] قَالَ: كنت يومَا واقفا ببابنا، إذ أقبل رجل [7] ثائر الرأس [8] ، ملتف بالعباء، فَقَالَ لي: بشر فِي البيت؟ قلت: نعم، قَالَ: ادخل فقل لَهُ فتح بالباب. فدخلت فقلت: يَا خال، شيخ فِي عباء قَالَ لي: قل لبشر فتح بالباب، فخرج مسرعا فصافحه واعتنقه، فَقَالَ لَهُ الشيخ: يَا أبا نصر، ذكرتك البارحة/ واشتقت [9] [إِلَى لقائك] [10] قَالَ: فدفع إليّ درهمَا، فقال: 29/ أخذ بأربعة دوانيق خبزا ويكون جيدا وبدانقين تمرا، فقال الشيخ [11] : قل له: يكون
__________
[1] سورة: الذاريات، الآية: 22.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 12/ 271- 272.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 381- 283.
[6] في ت: «أخت بشر بن الحارث» .
[7] في ت: «شيخ» .
[8] في ت: «ثائر الشعر» .
[9] في الأصل: «فاشتقتك» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «فقال له الشيخ» .

(11/61)


سهريزا [1] فجئته به. فَقَالَ الشيخ: قل لَهُ يأكل معنا [فَقَالَ: كل معنا] [2] فأكلت معهم، فلما أكلت أخذ مَا فضل فِي طرف العباء ومضى، فخرج خالي معه فشيعه إِلَى باب حرب، فلمَا رجع قَالَ لي: [يَا بني] [3] ، تدري من هَذَا؟ قلت: لا. قَالَ: هَذَا فتح الموصلي [4] .
وفي رواية أخرى [5] : أن بشرا قَالَ: تدرون لم حمل باقي الطعام؟ قالوا: لا. قَالَ:
إذا صح التوكل لم يضر الحمل.
[وقد ذكرنا فتحا الموصلي فِي سنة سبعين ومَائة، وذاك آخر] [6] .
1257- محمد بْن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أَبُو جعفر [7] [رضوان الله عليهم] [8] .
ولد سنة مَائة وخمس وتسعين، وقدم من المدينة إِلَى بغداد وافدا عَلَى المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون، وَكَانَ المأمون قد زوجه إياها وأعطاه مالا عظيما، وذلك أن الرشيد كَانَ يجري عَلَى علي بْن موسى بن جعفر في كل سنة ثلاثمائة ألف درهم ولنزله عشرين ألف درهم فِي كل شهر، فَقَالَ المأمون لمحمد بْن علي بْن موسى لأزيدك عَلَى مرتبة أبيك وجدك. فأجرى لَهُ ذلك، ووصله بألف ألف درهم. وقدم بغداد فتوفي بِهَا يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة في هذه السنة، وركب هارون بْن المعتصم وصلى عَلَيْهِ، ثم حمل ودُفِن فِي مقابر قريش عند جده موسى بْن جعفر [9] ، وَهُوَ ابْن خمس وعشرين سنة، وثلاثة [10] أشهر، واثنى عشر [11] يومَا، وحملت امرأته إِلَى قصر المعتصم فجعلت فِي جملة [12] الحرم.
وبلغنا عن بعض العلويين أنه قَالَ: كنت أهوى جارية بالمدينة، وتقصر يدي عن ثمنها، فشكوت ذلك إِلَى محمد بْن علي بْن موسى الرضا، فبعث فاشتراها سرا فلما
__________
[1] تمر سهريز: نوع معروف
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 12/ 382.
[5] «أخرى» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «أبو جعفر» ساقطة من ت.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 54- 55.
[9] «بن جعفر» ساقطة من ت.
[10] في ت: «وثمانية أشهر» .
[11] في الأصل: «اثنين وعشرين» .
[12] في ت: «فجعلت مع الحرم» .

(11/62)


بلغني أنها بيعت/ ولم أعلم أنه اشتراها زاد قلقي فأتيته فأخبرته ببيعها فَقَالَ: من 29/ ب اشتراها؟ قلت: لا أعلم، قَالَ: فهل لك فِي الفرجة؟ قلت: نعم. فخرجنا إِلَى قصر لَهُ عنده ضيعه فيها نخل وشجر، وقد قدم إليه فرشا وطعامَا، فلمَا صرنا إِلَى الضيعة أخذ بيدي ودخلنا، ومنع أصحابه من الدخول، وأقبل يقول لي [1] : بيعت فلانة ولا تدري من اشتراها؟ فأقول: نعم وأبكي، حَتَّى انتهى إِلَى بيت عَلَى بابه ستر، وفيه جارية [2] جالسة عَلَى فرض لَهُ قيمة، فتراجعت، فَقَالَ: والله لتدخلن، فدخلت، فإذا الجارية التي كنت أحبها بعينها، فبهت وتحيرت، فَقَالَ: أفتعرفها [3] ؟ قلت: نعم، قَالَ: هي لك مَعَ الفرش والقصر والضيعة [والغلة] [4] والطعام، وأقم بحياتي معها [5] ، وابلغ وطرك [6] فِي التمتع بِهَا، وخرج إِلَى أصحابه فَقَالَ: أمَا طعامنا فقد صار لغيرنا فجددوا لنا طعامَا، ثم دعا الأكار فعوضه [7] عن حقه من الغلة حَتَّى صارت لي تامة ثم مضى.
__________
[1] «لي» ساقطة من ت.
[2] في ت: «وعلى باب جارية» .
[3] في ت: «أتعرفها» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «وأقم بحياتي معها» ساقطة من ت.
[6] «وطرك» ساقطة من ت.
[7] في ت: «فعرضه» .

(11/63)