المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى [وعشرين] [1] ومائتين
[الوقعة بين بابك وبغا الكبير]
فمن الحوادث فيها:
الوقعة بين بابك وبغا الكبير، فهزم بغا [2] واستبيح عسكره، ثم واقع الأفشين بابك فهزمه الأفشين [3] .
وشرح الحال: أن بغا لمَا تقدم [4] بالمَال الذي تقدم ذكره من عند المعتصم تجهز [5] بغا وحمل معه الزاد [6] من غير أن يكون الأفشين أمره بذلك، فدخل قرية بابك، فخرج عسكر بابك فقتل من عسكره وأسر، واستباح، وجاء الخبر إِلَى الأفشين، فكتب إِلَى بغا [7] إني فِي اليوم الفلاني أغزو بابك فاغزه [8] أنت يومئذ لنجتمع عَلَيْهِ، فهاجت ريح، فرجع بغا إِلَى عسكره ولقيه الأفشين فهزمه، وأخذ عسكره وخيمه، ونزل في 30/ أمعسكره/ ثم بيت بابك الأفشين ونقص عسكره، ثم عاد إلى بغا [فبيته] [9] ، فخرج بغا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «الكبير، فهزم بغا» ساقطة من ت.
[3] في ت: «فهزم أفشين» .
[4] في ت: «قدم» .
[5] في ت: «جهر» .
[6] في ت: «القواد» .
[7] في ت: «البغا» .
[8] في ت: «فأعد» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/64)


راجلا حَتَّى نجا، وفرق الأفشين الناس فِي مشاتيهم تلك السنة، حَتَّى جاء الربيع من السنة المقبلة [1] .
[قتل قائد لبابك]
وفي هذه السنة: قتل قائد لبابك يقال لَهُ طرخان استأذنه أن يشتو فِي [2] قرية لَهُ، فبعث إِلَيْهِ الأفشين من قتله وجاء برأسه [3] .
[أتى أهل البصرة سيل من قبل البر]
وفيها [4] : أتى أهل البصرة سيل من قبل البر، فغرق دورا كثيرة، وزاد المَاء حَتَّى خيف الغرق.
[انتقال المعتصم إلى سامراء]
وفيها: انتقل المعتصم إِلَى سامراء بعسكره لأن بغداد ضاقت بهم [5] ، ونادى الناس بالعسكر فسميت سامراء العسكر.
فمن نسب [6] من المحدثين فقيل العسكري فإنهم يختلفون، فمنهم من ينسب إِلَى [عسكر] [7] سامراء، [وفيهم كثرة] [8] .
ومنهم من ينسب إِلَى عسكر المهدي، منهم: محمد بْن عبد الله أبو بكر أحد فقهاء أصحاب الرأي كَانَ يتولى القضاء بعسكر المهدي، وَكَانَ عاقلا، إلا أنه اشتهر بالاعتزال.
ومنهم من ينسب إِلَى عسكر مصر، منهم: محمد بْن علي العسكري، مفتي مصر [9] ، كَانَ ثقة عَلَى مذهب الشّافعيّ، وحدث بكتبه عن الربيع بْن سليمَان. وكذلك سليمَان بْن داود بْن سليمَان [10] أبو القاسم البزاز، حدث عن الربيع أيضا. وقيل لَهُ:
العسكري.
ومنهم من ينسب إِلَى عسكر مكرم من بلاد خوزستان، وفيهم كثرة، ومكرم باهلي، وَهُوَ أول من اختطها من العرب فتنسب البلدة إليه.
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 23- 27.
[2] في ت: «يشتوا في» .
[3] تاريخ الطبري 9/ 28.
[4] في ت: «وفي هذه السنة» .
[5] في ت: «ضاقت عليه» .
[6] في ت: «نسبت من» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «مضى إلى مصر» .
[10] «بن سليمان» ساقطة من ت.

(11/65)


[وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن داود بْن عيسى، وَهُوَ والي مكة] [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1258- إبراهيم بن شماس، أبو إسحاق السمرقندي [2] .
30/ ب حدث عن إسمَاعيل بْن عياش، ومسلم بْن خالد الزنجي [3] ، وفضيل/ بْن عياض، وابن المبارك، وغيرهم، روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وعباس الدوري.
وَكَانَ ثقة ثبتا صاحب سنة، وَكَانَ ضخمَا عظيم الهامة، فارسا شجاعا بطلا مبارزا، عالمَا فاضلا، قتلته الترك وَهُوَ جاء من ضيعته لم يشعر بهم، ولم يعرفوه، وذلك خارج سمرقند، فِي محرم هَذِهِ السنة، وقيل: سنة عشرين [4] .
1259- إبراهيم بْن سيار، أبو إسحاق البصري النظام [5] .
كَانَ من كبار المتكلمين عَلَى مذهب المعتزلة، وله فِي ذلك تصانيف، والجاحظ يحكي عنه كثيرا [6] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] [7] القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال: أخبرني الحسن بْن علي الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ:
أخبرني محمد بْن يحيى قَالَ: حَدَّثَنَا [محمد بْن يزيد] [8] المبرد قَالَ: حدثني الجاحظ قَالَ: سمعت النظام يقول: العلم شيء [9] لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه لك البعض عَلَى خطر.
قَالَ المرزباني: وَكَانَ لإبراهيم مذهب فِي ترقيق الشعر وتدقيق المعاني لم يسبق إليه، ذهب فِيهِ مذهب أهل الكلام المدققين [10] ، ومنه مَا أنشدنيه عبد الله بْن يحيى العسكري:
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 99- 102.
[3] في الأصل: «الزنجري» .
[4] تاريخ بغداد 6/ 102.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 97- 98.
[6] في ت: «وروى الجاحظ عنه كثيرا» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «شيء» ساقط من ت.
[10] في ت: «المتفقهين» .

(11/66)


وشادن ينطق بالطرف ... يقصر عنه منتهى الوصف
رق فلو بزت سرابيله [1] ... علقه الجو من اللطف
يجرحه اللحظ بتكراره ... ويشتكي الإيمَاء بالطرف
أفديه من مغرى بمَا ساءني ... كأنه يعلم مَا أخفي [2]
1260- عبد العزيز بْن يحيى بْن عبد العزيز بْن مسلم بْن ميمون [3] الكناني/ المكي [4] .
سمع سفيان بْن عيينة والشافعي، وصحبه طويلا وتفقه له، وخرج معه إلى 31/ أاليمن، وقدم بغداد في أيام المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرات [5] فِي القرآن، وَهُوَ صاحب كتاب «الحيدة» وَكَانَ من أهل الفضل والعلم، وله مصنفات عدة [6] .
1261- عيسى بْن أبان بْن صدقة بْن موسى [7] .
سمع إبراهيم من هشيم وغيره، وصحب محمد بْن الحسن، وتفقه لَهُ، واستخلفه يحيى بْن أكثم عَلَى القضاء بعسكر المهدي حين خرج يحيى مَعَ المأمون إِلَى فم الصلح، ثم تولى عيسى القضاء بالبصرة، فلم يزل عَلَيْهِ حَتَّى مَات وَكَانَ سخيا جدا، وَكَانَ يقول: والله لو أتيت برجل يفعل فِي مَاله كفعلي، لحجرت عَلَيْهِ، ويذكر عنه أنه كَانَ يذهب إِلَى القول بخلق القرآن.
أَخْبَرَنَا [أبو] [8] منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أبو محمد الْحَسَن بْن الحسين بْن رامين، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد بْن جعفر حَدَّثَنَا محمد بْن يحيى بْن جَعْفَر البزاز، حَدَّثَنَا محمد بْن الرومي، حَدَّثَنَا محمد بْن داود بْن دينار الفارسي، حَدَّثَنَا محمد بْن الخليل، حَدَّثَنَا أبي- وكان صاحب سفيان الثوري-
__________
[1] في ت: «سراويله» .
[2] تاريخ بغداد 6/ 97، 98 وفي الأصل: «أفديه من مشعري» .
[3] «بن مسلم بن ميمون» ساقط من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 449- 450.
[5] في ت: «مناظرة» .
[6] «عدة» ساقطة من ت.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 159.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/67)


قَالَ: كنت بالبصرة فاختصم رجل مسلم ورجل يهودي عند القاضي، وَكَانَ قاضيهم [يومئذ] [1] عيسى بْن أبان، وَكَانَ يرى رأي القوم، فوقعت اليمين عَلَى المسلم، فَقَالَ لَهُ القاضي: قل والذي لا إله إِلَّا هُوَ، فَقَالَ لَهُ اليهودي: حلفه بالخالق لا بالمخلوق [2] ، لأن لا إله إلا هُوَ فِي القرآن، وأنتم تزعمون أنه مخلوق، قَالَ: فتحير عيسى عند ذلك.
وقال: قوما حتى انظر في أمركما [3] .
31/ ب توفي عيسى فِي محرم/ هَذِهِ السنة بالبصرة.
1262- عاصم بْن علي بْن عاصم بْن صهيب، مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق، يكنى أبا الحسين، الواسطي [4] .
حدث عن ابْن أبي ذئب [5] ، وشعبة، والمسعودي، روى عنه: أحمد بْن حنبل، والبخاري فِي صحيحه، والحسن بْن محمد الزعفراني، وقال يحيى بْن معين: هُوَ سيد المسلمين، وعنه تضعيفه.
أَخْبَرَنَا [عَبْد الرَّحْمَنِ] الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا [أَحْمَد بْن عَلي] [6] الخطيب، أَخْبَرَنَا أبو محمد الخلال قَالَ: ذكر أبو القاسم منصور بْن جعفر بْن ملاعب: أن إسمَاعيل بْن علي العاصمي حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن حفص قَالَ: وجه المعتصم بمن يحرز [7] مجلس عاصم بْن علي فِي رحبة النخل التي فِي جامع الرصافة، وَكَانَ عاصم يجلس عَلَى سطح المسقطات، وينتشر الناس فِي الرحبة ومَا يليها فيعظم الجمع جدا حَتَّى سمعته يومَا يقول: حَدَّثَنَا الليث بْن سعد، ويستعاد، فأعاد أربع عشرة مرة، والناس لا يسمعون، قَالَ: وَكَانَ هارون المستملي يركب نخلة معوجة ويستملي عَلَيْهَا، فبلغ المعتصم كثرة
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «لا بالمخلوق» ساقطة من ت.
[3] تاريخ بغداد 11/ 159.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 247- 250.
[5] في الأصل: «حدث عن أبي ذئب» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «يحذر» .

(11/68)


الجمع، فأمره بحرزهم [فوجه بقطاعي الغنم، فحرزوا] [1] المجلس مَائة ألف وعشرون ألفا [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا علي بْن محمد بْن لؤلؤ، أَخْبَرَنَا الهيثم [3] الدوري، حَدَّثَنَا محمد بْن سويد الطحان قَالَ:
كنا عند عاصم بْن علي ومعنا أبو عبيد القاسم بْن سلام، وإبراهيم بْن أبي الليث، وذكر جمَاعة، وأحمد بْن حنبل يضرب ذلك اليوم، فجعل عاصم يقول: ألا رجل يقوم معي، فنأتي هَذَا الرجل فنكلمه؟ فمَا يجيبه أحد، قَالَ: فَقَالَ إبراهيم بْن أبي الليث: يَا أبا الحسين، أنا أقوم معك. فصاح: يَا غلام، خفي. فقال له إبراهيم: / يا أبا 32/ أالحسين، أبلغ بناتي فأوصيهن وأجدد بهن عهدا. قَالَ: فظننا أنه ذهب يتكفن ويتحنط، ثم جاء فَقَالَ عاصم: يَا غلام، خفي فَقَالَ: يَا أبا الحسين، إني ذهبت إِلَى بناتي فبكين، قَالَ: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط، يَا أبانا، إنه بلغنا أن هَذَا الرجل أَخَذَ أحمد بْن حنبل وضربه بالسوط عَلَى أن يقول القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه إن سألك، فو الله لئن يأتينا [4] نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك قلت [القرآن مخلوق] [5] .
توفي عاصم فِي رجب هَذِهِ السنة.
1263- محمود الوراق الشاعر، ابْن الحسن الوراق [6] .
أكثر القول فِي الزهد والأدب، روى عنه ابْن أبي الدنيا، وابن مسروق، وكان نخاسا يبيع الرقيق.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وفيه: «فحزر المجلس» .
[2] «عشرون ألفا» ساقطة من ت.
وانظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 247- 248.
[3] في ت: «هيثم» .
[4] في الأصل: «ليأتينا» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 248، 249.
[6] في ت: «محمود بن الحسين الوراق الشاعر» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 87، 89.

(11/69)


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن جعفر الجوزي [1] قَالَ:
قَالَ أبو بكر بْن أَبِي الدنيا: أنشدني محمود الوراق قوله:
رجعت إِلَى السفيه بفضل حلمي ... فكان الحلم عنه لي [2] لجامَا
وظن بي السفاه فلم يجدني ... أسافهه وقلت لَهُ سلامَا
فقام يجر رجليه ذليلا ... وقد كسب المذلة والملامَا
وفضل الحلم أبلغ فِي سفيه ... وأحرى أن تنال به انتقامَا [3]
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن [بن محمد] [4] قال: أخبرنا أحمد بْن علي، أَخْبَرَنَا الجوهري، أَخْبَرَنَا محمد بْن الْعَبَّاس حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بْن موسى الرزاز [5] ، حَدَّثَنَا قاسم الأنباري قَالَ: حدثني أبو بكر الطالقاني، عن أبيه. قَالَ: كنت جالسا عند محمود الوراق والناس يعزونه عن جاريته نشو، وقد كَانَ أعطى، [بِهَا ألفا من الدنانير] [6] وإذا 32/ ب بعض/ المعزين يكرر ذكر [7] فضلها عنده ليحزنه، ففطن لَهُ، فأنشأ يقول:
ومنتصح يكرر ذكر نشو ... ليحدث لي بذكراها اكتئابا
أقول وعد مَا كانت تساوي ... سيخلفها الذي خلق الحسابا
عطيته إذا أعطى سرورا ... وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعم فضلا ... وأكرم فِي عواقبها إيابا
أنعمته التي أهدت سرورا ... أم الأخرى التي أهدت ثوابا
بل الأخرى التي نزلت بكره ... أحق بصبر من صبر احتسابا [8]
__________
[1] في الأصل: «الجعفري» .
[2] في ت: «الحلم لي عنه» وفي تاريخ بغداد: «الحلم عنه له» .
[3] تاريخ بغداد 13/ 87، 88.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] «الرزاز» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
[7] في ت: «يذكر فضلها» .
[8] تاريخ بغداد 13/ 88.

(11/70)


أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن علي بْن ميمون، أَخْبَرَنَا محمد بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا جعفر بْن محمد بْن حاجب، حَدَّثَنَا الحسين بْن محمد الفزاري قَالَ: أنشدني الحسن بْن علي بْن بزيع قَالَ: أنشدني محمود الوراق [قَالَ:] [1] .
العمر ينقص والذنوب تزيد ... ويقال عثرته الفتى ويعود
أنى يطيق جحود ذنب موبق ... رجل جوارحه عَلَيْهِ شهود
/ والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي ... تقليلها وعن الممات يحيد [2] 33/ أ
هيهات لا غلط وليس بدافع ... للموت تقريب ولا تبعيد
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا طراد بْن محمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسين بْن بشوان [قَالَ] [3] : حَدَّثَنَا أبو علي الْبَرْذَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحَمَّدِ القرشي قَالَ [4] : سمعت محمود الوراق ينشد:
يمثل [5] ذو اللب فِي نفسه ... مصيبته قبل أن تنزلا
فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لمَا كَانَ فِي نفسه مثلا
رأى الأمر يفضي [6] إِلَى آخر ... فصير آخره أولا
وذو الجهل يأمن أيامه ... وينسى مصارع من قد خلا
فإن بدهته [7] صروف الزمَان ... ببعض مصائبه أعولا
ولو قدم الجرم فِي نفسه [8] ... لعلمه الصبر حسن البلا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «من الممات يحيد» .
هذا وقد جاء هذا البيت في آخر الأبيات في النسخة ت.
[3] في ت: «ألهاك» .
ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل ت: «قال: قال» .
[5] في ت: «ينشد» .
[6] في ت: «رأى الهم يفضي» .
[7] في ت: «بدهية» .
[8] في ت: «الجرم في أمره» .

(11/71)


أَخْبَرَنَا ابْن ناصر، عن أبي القاسم بْن البسري [1] ، عن أبي عبد الله بن بَطَّةَ [2] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ قال: حَدَّثَني أبي. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن الأعرابي عن محمود الوراق:
بقيت مَالك ميراثا لوارثه ... فليت شعري مَا بقى لك المَال
القوم بعدك فِي حال تسرهم ... فكيف بعدهم دارت بك الحال
مَالت بهم عنك [3] دنيا أقبلت بهم ... وأدبرت عنك والأيام أحوال
33/ ب/ ملّوا البكاء فمَا يبكيك من أحد ... واستحكم القيل فِي الميراث والقال
1264- أبو جعفر المخولي [4] .
سكن باب مخول [5] من بغداد فنسب إليه [6] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] [7] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْن عَلِيِّ بْن ثَابِتٍ] [7] الْخَطِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن محمد بْن محمد بْن مخلد قَالَ الخلدي:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُوقٍ قَالَ: حدثنا محمد بن الحسين، وحدثني إسمَاعيل بْن إبراهيم الترجمَاني قَالَ: سمعت أبا جعفر المخولي وَكَانَ عابدا عالمَا [8] يقول: حرام عَلَى قلب صحب الدنيا أن يسكنه [9] الورع الخفي، وحرام عَلَى نفس عَلَيْهَا زبانية الناس أن تذوق حلاوة الآخرة، وحرام عَلَى كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتقون إماما [10] .
__________
[1] «البسري» ساقطة من ت.
[2] «بن بطة» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «مالت بعلم عنك» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 410- 411.
[5] في ت: «المحول» .
[6] في ت: «فنسبت بغداد إليه» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «عالما» ساقطة من ت.
[9] في ت: «صحب الدنيا ان كان يسكنه» .
[10] تاريخ بغداد 14/ 410، 411.

(11/72)


ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين
[توجيه المعتصم إِلَى الأفشين جعفر بْن دينار مددا لَهُ]
فمن الحوادث فيها:
أن المعتصم وجه إِلَى الأفشين جعفر بْن دينار مددا لَهُ، ثم أتبعه بإيتاخ، ووجه معه ثلاثين ألف ألف درهم عطاء للجند والنفقات، وذلك بعد انقضاء الشتاء، فوقعت وقعة بين أصحاب الأفشين، وقائد بابك [1] يقال لَهُ: آذين [2] .
وانقض [3] ليلة السبت لست خلون من ربيع الآخر نجم لم ير أعظم منه حَتَّى نودي بالنفير فِي الرقة وكور الجزيرة والسابات.
وظهر في هذه السنة من الفأر مَا لم يحط/ به الإحصاء، وأتى عَلَى غلات الناس، 34/ أثم تفانى بوقوع الموت فيه.
فتح البذ وهي مدينة بابك
وفي هذه السنة: فتحت البذ وهي مدينة بابك، ودخلها المسلمون، فاستباحوها، وذلك فِي يوم الجمعة لعشر مضين من رمضان.
وشرح الحال: أن الأفشين لمَا عزم عَلَى الدنو من البذ جعل يزحف قليلا حَتَّى ضج الناس فقالوا: كم نقعد ها هنا [4] فِي المضيق، أقدم بنا، فإمَا لنا وإمَا علينا، وَهُوَ مصابر، فأتاه رسول بابك ومعه قثاء وبطيخ وخيار، اعلم [5] أنني قد علمت انك في جفاء
__________
[1] في ت: «وقائد لبابك» .
[2] تاريخ الطبري 9/ 29- 30.
[3] في ت: «فانقض» .
[4] في ت: «تقعد بنا هنا» .
[5] في الأصل: «يعلم» .

(11/73)


بأكلك [1] الكعك والسويق ثم جاءت الخرمية فِي ثلاثة كراديس، وقد كمن لهم الأفشين فِي الأودية، فشد عليهم الخيل والرجالة، فتسلقوا فِي الجبال، وبقي الأفشين [2] مدة يتقدم كل يوم [3] ، فيقف بإزاء بابك، ثم يرجع من غير قتال إِلَى أن عبأ لهم كمينا فجاءهم من فوقهم، وجاء بمن معه فأخذ قوتهم، فأقبل بابك فَقَالَ: أريد الأمَان من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أن أحمل عيالي وأذهب [4] فاشتغل عنه بالحرب.
ودخل المسلمون البلدة وأحرقوا وقتلوا وهزموا، فأفلت بابك فِي جمَاعة، فاستتر فِي غيضة، وجاء كتاب المعتصم بالأمَان لبابك، فَقَالَ الأفشين لولد بابك وأصحابه:
هَذَا مَا لم أكن أرجوه من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لبابك، فمن يذهب به إليه؟ فأخذه رجلان، وكتب معهمَا ولد بابك يَقُولُ لَهُ: صر إِلَى الأمَان فهو خير لك، فلمَا حملاه إليه قتل أحدهمَا 34/ ب وقال للآخر: اذهب إِلَى/ ابْن الفاعلة يعني ابنه، وقل لَهُ لو كنت ابني لكنت [5] قد لحقت بي، ثم خرج من ذلك المكان، وقد كمن لَهُ العسكر، فطلبوه فأفلت إِلَى جبال أرمينية، فلقيه رجل نصراني يقال لَهُ سهل الأرمني أحد بطارقة أرمينية، فَقَالَ لَهُ [6] : انزل عندي. فنزل وكتب ذلك الرجل إِلَى الأفشين، ثم قَالَ الرجل لبابك: أنت ها هنا مكانك [7] مغموم فِي جوف حصن، وها هنا واد طيب، فلو أخذنا [8] معنا بازيا، وخرجنا [9] نتفرج عَلَى الصيد [10] . فَقَالَ لَهُ بابك: إذا شئت فانفذ الغداة، وكتب الرجل يعلم أصحاب الأفشين بذلك ويأمرهم بالبكور، فبكروا فوجدوه فأخذوه فحملوه [إِلَى الأفشين] [11] لعشر خلون من شوال.
وَكَانَ المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف ولمن جاء برأسه ألف ألف، فكتب الأفشين إِلَى المعتصم يخبره أنه قد أسر بابك وأخاه، فكتب المعتصم يأمره بالقدوم بهمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ الأفشين لبابك [12] : إني أريد أن أسافر بك، فمَا الذي تشتهي
__________
[1] في ت: «في جفاء إنما ما كل الكعك» .
[2] في الأصل وت: «أفشين» .
[3] «يوم» ساقطة من ت.
[4] في ت: «واتجهر» .
[5] في ت: «ابني كنت» .
[6] «له» ساقطة من ت.
[7] «مكانك» ساقطة من ت.
[8] في ت: «فلو خرجت» .
[9] «وخرجنا» ساقطة من ت.
[10] في ت: «بالصيد» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] «لبابك» ساقطة من ت.

(11/74)


من بلاد أذربيجان؟ فَقَالَ: أشتهي أن أنظر إِلَى مدينتي [البذ] [1] فوجه معه قومَا إِلَى البذ، فدار فيه ونظر إِلَى القتلى والبيوت، ثم رد.
قَالَ الصولي: ووصل المعتصم سهلا النصراني بألفي ألف درهم، ووهب لَهُ جوهرا كثيرا، وترك لَهُ خراج عشرين سنة [2] .
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1265- حسان بْن عبد الله بْن سهل، أبو علي الكندي [4] .
يروي عن الليث بْن سعد وغيره، وَكَانَ صدوقا، حسن الحديث.
توفي بمصر في هذه السنة.
1266- عبد الله بن صالح بْن محمد بْن مسلم، أبو صالح [5] / مولى جهينة [6] . 35/ أ [من أهل مصر] [7] .
وَهُوَ كاتب الليث بْن سعد، ولد سنة تسع وثلاثين ومَائة، وسمع من جمَاعة، وروى عنه أئمة مثل أبي عبيدة، والبخاري، ومحمد بْن يحيى الذهلي، وغيرهم، وقد حدث عنه الليث بْن سعد.
قَالَ أحمد بْن حنبل: كَانَ عبد الله بْن صالح متمَاسكا فِي أول أمره، ثم فسد بآخره، وليس هو بشيء، وروي عن يحيى أنه كَانَ يوثقه.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 9/ 31- 55.
[3] تاريخ الطبري 9/ 51.
[4] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 162.
[5] «بن محمد بن مسلم أبو صالح» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 478- 481.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/75)


ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين
[قدوم الأفشين على المعتصم ببابك وأخيه]
فمن الحوادث فيها:
قدوم الأفشين عَلَى المعتصم ببابك وأخيه، وذلك فِي ليلة الخميس لثلاث خلون من صفر في سامراء [1] .
وَكَانَ المعتصم يوجه كل يوم إِلَى الأفشين من حين فصل من برزند إِلَى أن وافى سامراء فرسا وخلعة، وأن المعتصم لعنايته بأمر بابك وأخباره، ولفساد [2] الطريق بالثلج وغيره، جعل من سامراء إِلَى عقبة حلوان [خيلا] [3] مضمرة عَلَى رأس كل فرسخ فرسا معه مجر مرتّب، فكان يركض بالخبر [ركضا] [4] حَتَّى يؤديه واحد إِلَى واحد، وكانت خريطة الكتب تصل من عسكر الأفشين إِلَى سامراء فِي أربعة أيام وأقل، فلمَا صار الأفشين بقناطر حذيفة تلقاه هارون بْن المعتصم وأهل بيته، فلمَا دخل أنزل بابك فِي قصر، فجاء أحمد بْن أبي دواد متنكرا فِي الليل فأبصره وكلمه ورجع إِلَى المعتصم فوصفه لَهُ، فركب ودخل إليه متنكرا، فتأمله وبابك لا يعرفه، فلمَا كَانَ من الغد قعد لَهُ واصطف الناس، وأراد المعتصم أن يشهره ويريه الناس، فقال: على أيّ شيء يحمل 35/ ب هَذَا وكيف يشهر؟ فَقَالَ حزام: / يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لا شيء أشهر من الفيل. فَقَالَ:
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 52- 55.
[2] في ت: «وإفساد الطريق» .
[3] ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/76)


صدقت، فأمر بتهيئة [1] الفيل فأدخل عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأحضر جزار ليقطع يديه ورجليه، ثم أمر أن يحضر سياف بابك، فأمره أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يقطع يديه ورجليه فقطعهمَا فسقط، فأمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بذبحه، ووجه برأسه إِلَى خراسان، وصلب بدنه بسامراء عند العقبة، فموضع خشبته مشهور، وأمر بحمل أخيه عبد الله إِلَى إسحاق بْن إبراهيم خليفته بمدينة السلام [2] ، وأمره بضرب عنقه، وأن يفعل به [3] مثل مَا فعل بأخيه، وصلبه، فَقَالَ للذي معه: اضرب لي فالوذجة فعملت لَهُ، فأكل وامتلأ [4] ثم قَالَ: اسقيني نبيذا، فأعطاه فشرب أربعة أرطال، ثم قدم به عَلَى إسحاق فأمر بقطع [5] يديه ورجليه، فلم ينطق ولم [6] يتكلم، وصلب فِي الجانب الشرقي بين الجسرين بمدينة السلام، وتوج المعتصم الأفشين بتاج من الذهب، وألبسه وشاحين من الجوهر، ووصله بعشرين ألف ألف درهم منها عشرة آلاف [ألف] صلة [7] . وعشرة آلاف [ألف] [8] يفرقها في عسكره، وعقد لَهُ عَلَى السند، وأدخل [9] عَلَيْهِ الشعراء يمدحونه، فأمر لهم بصلات، وذلك فِي يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر.
أَخْبَرَنَا [محمد] [10] بْن طاهر قَالَ: أنبأنا علي بْن المحسن، عن أبيه: أن أخا بابك الخرمي قال له لما أدخلا عَلَى المعتصم: يَا بابك، إنك قد عملت عملا لم [11] يعمله أحد، فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد، فَقَالَ لَهُ: سترى صبري. فلمَا صار بحضرة المعتصم أمر بقطع [12] أيديهمَا بحضرته، فبدئ ببابك فقطعت يمناه، فلمَا جرى دمها مسح به وجهه كله، فَقَالَ المعتصم: سلوه لم فعل هَذَا؟ فسئل، فَقَالَ: قولوا للخليفة: إنك أمرت بقطع أربعتي وفي نفسك- ولا شك- إنك [13] لا تكويها وتمنع [14] دمي [حَتَّى] [15] ينزف إِلَى أن تضرب رقبتي، فخفت أن يخرج الدم مني فيبقى فِي/ 36/ أوجهي صفرة يقدر لأجلها من حضر، أني قد فزعت من الموت، وأنها لذلك لا من
__________
[1] في الأصل: «أن يتهيأ» .
[2] في الأصل: «بدار السلام» .
[3] في الأصل: «يفعل فيه» .
[4] في ت: «امتلاء» .
[5] في ت: «على إسحاق فقطع يديه» .
[6] في ت: «فلم ينطق بكلمة ولم يتكلم» .
[7] في ت: «عشرة آلاف مسلمة» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «ودخل» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «عملت ما لم» .
[12] في ت: «أمر أن يقطع» .
[13] في ت: «في إنك» .
[14] في ت: «وتدع» .
[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/77)


خروج الدم، فغطيت وجهي لذلك [1] حَتَّى لا تبين الصفرة، فَقَالَ المعتصم: لولا أن فعاله لا توجب العفو عنه [2] لكان حقيقا بالاستبقاء لهذا الفضل، وأمر بإمضاء أمره فيه [3] ، فقطعت أربعته، ثم ضربت عنقه، وجعل عَلَى [4] بطنه [حطب] [5] ، وصب عَلَيْهِ النفط، وضرب بالنار، وفعل [مثل] [6] ذلك بأخيه، فمَا فيهمَا من صاح ولا تكلم [7] .
[إيقاع توفيل بْن ميخائيل صاحب الروم بأهل زبطرة]
وفي هذه السنة: أوقع توفيل بْن ميخائيل صاحب الروم بأهل زبطرة، فأسرهم وخرب بلدهم، ومضى من فوره إِلَى ملطية، فأغار عَلَى أهلها وعلى حصون من حصون المسلمين، وسبي من المسلمَات أكثر من ألف امرأة ومثل بمن صار فِي يده من المسلمين، وسمل أعينهم، وقطع آذانهم وآنافهم.
وَكَانَ السبب فِي ذلك تضييق الأفشين عَلَى بابك، فلمَا أشرف عَلَى الهلاك، وأيقن بالعجز عن الحرب، كتب إِلَى توفيل ملك الروم يعلمه أن ملك العرب قد وجه عساكره إليه حَتَّى وجه خياطه- يعني جعفر بْن دينار- وطباخه- يعني إيتاخ- ولم يبق عَلَى بابه أحد، فإن أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس فِي وجهك أحد يمنعك، وإنمَا كتب هَذَا ليتجرد ملك الروم لذلك فينكشف عَنْهُ بعض مَا هُوَ فيه برجوع العسكر أو بعضهم، فخرج توفيل فِي مَائة ألف، ومعه من المحمرة الَّذِين كانوا بالجبال، فلحقوا بالروم، ففرض لهم ملك الروم وزوّدهم [8] وصيرهم مقاتلة يستعين بهم، فدخل ملك الروم زبطرة وقتل الرجال وسبي الذراري والنساء، فبلغ النفير إِلَى سامراء، وخرج أهل ثغور الشام والجزيرة واستعظم المعتصم ذلك، فصاح فِي قصره النفير، ثُمّ ركب دابته/ 36/ ب وعسكر بغربي دجلة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمَادى الأولى، ووجه عُجَيْف بْن عنبسة فِي جمَاعة من القواد إِلَى زبطرة، إعانة لأهلها، فوجدوا ملك الروم قد انصرف إِلَى بلاده بعد ما فعل مَا فعل، فوقفوا قليلا، حَتَّى تراجع الناس إِلَى قراهم، واطمَأنوا [9] .
وقال المعتصم:
شفيت ببابك غل النفوس ... وأثلجت بالزط حر الصدور
__________
[1] في ت: «فخشيت» .
«فغطيت وجهي لذلك» ساقطة من ت.
[2] «عنه» ساقطة من ت.
[3] «فيه» ساقطة من ت.
[4] في ت: «وجعل الجميع على» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «ولا تكلم» ساقطة من ت.
[8] في الطبري: «وزوجهم» .
[9] «حتى تراجع الناس إلى قراهم، واطمأنوا» ساقط من ت.

(11/78)


وأحضر القضاة والشهود، وأشهدهم عَلَى نفسه أنه [قد] [1] وقف جميع أمواله فجعل ثلثها لمواليه [2] وثلثها لولده [3] ، وثلثها للمساكين، ثم قَالَ: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كَانَ الإسلام، وهي عين [4] النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.
فخرج إِلَى بلاد الروم، وقيل: كَانَ ذلك فِي سنة اثنتين وعشرين. وقيل: سنة أربع وعشرين، وتجهز جهازا لم يتجهز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد والآلة وحياض الأدم [والحمير] [5] والبغال والروايا والقرب وآلة الحديد والنفط، وجعل عَلَى مقدمته أشناس، ويتلوه مُحَمَّد بْن إبراهيم، وعلى ميمنته إيتاخ، وعلى ميسرته جعفر بْن دينار، وعلى القلب عجيف، فدخل بلاد الروم، فأقام على سلوقية قريبا من البحر، وبعث الأفشين إِلَى سروج، فأمره بالدخول من درب الحدث [6] ، سمى لَهُ يومَا [أمره أن] [7] يكون دخوله فيه، وقدر [8] لعسكره وعسكر أشناس اليوم الذي يدخل فيه الأفشين، ودبر النزول عَلَى أنقرة، فإذا فتحها الله تعالى صار إِلَى عمورية إذ لم يكن شيء ممَا يقصد له من بلاد/ الروم 37/ أأعظم من هاتين [المدينتين] [9] ولا أحرى أن تجعل غايته التي يؤمها [10] .
وأمر المعتصم أشناس أن يدخل من درب طرسوس، وأمره بانتظاره بالصفصاف، فكان شخوص أشناس يوم الأربعاء لثمَان بقيت من رجب، وقدم المعتصم وصيفا في أثر
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «لولده» .
[3] في ت: «لوليه» .
[4] في الأصل: «وهي تحت» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «درب الحديث» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «وقرر» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في الأصل: «تجعل غايته التي يأتها» . وفي ت: «يجعلها رايته التي يؤمها» وما أثبتناه من تاريخ الطبري 9/ 58.

(11/79)


أشناس عَلَى مقدمَات [المعتصم] [1] ورحل المعتصم يوم الجمعة لست بقين من [2] رجب.
فتقدم أشناس والمعتصم من ورائه، بينهم [3] مرحلة، ينزل هَذَا ويرحل هَذَا، ولم يرد عليهم من الأفشين خبر، حَتَّى صاروا من أنقره عَلَى مسيرة ثلاث مراحل، وضاق عسكر المعتصم ضيقا شديدا من المَاء والعلف، وَكَانَ أشناس قد أسر عدة أسرى فِي طريقه، فأمر بهم، فضربت أعناقهم، وهرب أهل أنقرة [4] وعظمَاؤها [5] ، ونزل بِهَا المعتصم وأشناس والأفشين، فأقاموا بِهَا أيامَا [6] .
ثم صير العسكر ثلاثة عساكر: عسكر فيه أشناس فِي الميسرة، والأفشين فِي الميمنة، والمعتصم فِي القلب، وبين كل عسكر وعسكر فرسخان، وأمر كل عسكر منهم أن يكون لَهُ ميمنة وميسرة، وأن يحرقوا القرى ويخربوها، ويأخذوا من لحقوا فيها من السبي، وإذا كَانَ وقت النزول توافى [كل] [7] أهل [8] عسكر إِلَى صاحبهم [9] ورئيسهم، يفعلون ذلك فيمَا بين أنقرة إِلَى عمورية، وبينهم سبع مراحل، حَتَّى توافت العساكر بعمورية.
وَكَانَ أول من وردها أشناس، وردها يوم الخميس ضحوة، فدار حولها دورة، ثم 37/ ب نزل بموضع فيه ماء وحشيش، فلمَا طلعت الشمس ركب المعتصم/ فدار حولها دورة، ثم جاء الأفشين فِي اليوم الثالث، فقسمها أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بين القواد، فصير لكل واحد منهم أبراجا منها عَلَى قدر كثرة أصحابه وقلتهم، فصار لكل قائد مَا بين البرجين إِلَى عشرين برجا وتحصن أهل عمورية، وَكَانَ أهل عمورية [10] قد أسروا رجلا فتنصر [11] وتزوج فيهم، وحبس نفسه، فلمَا رأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ظهر، وجاء إِلَى المعتصم وأعلمه أن موضعا من المدينة حمل الوادي عَلَيْهِ من مطر شديد جاءهم، فوقع السور من ذلك
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ الطبري 9/ 55- 77.
[3] في ت: «بينه وبينه» .
[4] في ت: «النقرة» .
[5] في ت: «وعطلوها» .
[6] تاريخ الطبري 9/ 63- 64.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «أهل» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «مضاجعهم» .
[10] «وكان أهل عمّورية» ساقطة من ت.
[11] في ت: «فنصر» .

(11/80)


الموضع، وكتب ملك الروم إِلَى [عامل] [1] عمورية أن يبني ذلك الموضع، فوقع التواني حَتَّى خرج الملك من القسطنطينية إِلَى بعض المواضع، فتخوف الوالي أن يمر الملك على تلك الناحية فلا يراها بنيت، فبنى وجه السور بالحجارة حجرا حجرا، وصيروا لَهُ [2] من جانب المدينة حشوا، ثم عقد فوقه [3] الشرف كمَا كَانَ، فوقف ذلك الرجل المعتصم عَلَى هَذِهِ الناحية التي وصف، فأمر المعتصم فضرب [4] مضربه فِي ذلك الموضع، ونصب المجانيق عَلَى ذلك البناء، فانفرج السور من ذلك الموضع وسقط [5] .
وَكَانَ المعتصم قد ساق غنمَا كثيرة، فدبر أن يدفع إِلَى كل رجل من العسكر شاة، فإذا أكلها حشى جلدها ترابا، ثم جاء به فطرحه فِي الخندق، وعمل دبابات تسع كل واحدة عشرة من الرجال، فطرحت الجلود وطرح فوقها التراب، وَكَانَ أول من بدأ بالحرب أشناس، وكانت [6] الحرب فِي اليوم الثاني عَلَى الأفشين وأصحابه، فأجادوا الحرب، وَكَانَ المعتصم واقفا عَلَى دابته بإزاء الثلمة [7] ، وأشناس وأفشين وخواص القواد معه، وَكَانَ باقي القواد الذين دون [8] الخاصة/ وقوفا رجالة، فلما انتصف النهار 38/ أانصرف المعتصم إِلَى مضربه فتغدى، وانصرف القواد إِلَى مضاربهم يتغدون [9] ، فلمَا كَانَ فِي اليوم الثالث كانت الحرب عَلَى أصحاب أمير الْمُؤْمِنِين خاصة، والقيم بذلك إيتاخ، فقاتلوا فأحسنوا، وكثرت [10] فِي الروم الجراحات، فلما كان الليل مشى القائد الموكل بالثلمة إِلَى الروم [11] ، فَقَالَ لهم: إن الحرب علي وعلى أصحابي، ولم يبق معي
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وفي ت: «ملك عمّورية» وما أثبتناه من الطبري.
[2] «له» ساقطة من ت.
[3] في الأصل: «عقدوا الشرف» .
[4] في ت: «أن يضرب» .
[5] تاريخ الطبري 9/ 63، 64.
[6] في ت: «وكان» .
[7] «بإزاء الثلمة» ساقطة من ت.
[8] في ت: «وكان من دون الخاصة» .
[9] في ت: «فتغدوا» .
[10] في الأصل: «كثر» .
[11] في ت: «القوم» .

(11/81)


أحد إلا قد خرج، فصيروا أصحابكم عَلَى الثلمة يرمون قليلا، وإلا افتضحتم وذهبت المدينة. فأبوا أن يمدوه بأحد، فقالوا: سلم السور من ناحيتنا [1] ، ونحن مَا نسألك أن تمدنا فشأنك بناحيتك. فعزم هُوَ وأصحابه أن يخرجوا إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فيسألونه الأمَان، ويسلموا إِلَيْهِ الحصن [2] .
فلمَا أصبح وكل أصحابه بجنبي الثلمة، وخرج فَقَالَ: [إني] [3] أريد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأمر أصحابه أن لا يحاربوا حَتَّى يعود إليهم، فخرج حَتَّى وقف بين يدي المعتصم، والناس يتقدّمون إلى الثلمة، وقد أمسك الروم عن الحرب حَتَّى وصلوا إِلَى السور، والروم يقولون بأيديهم: لا تحيوا وهم يتقدمون، فدخل الناس المدينة، وأخذت الروم السيوف، وأقبل الناس بالأسرى والسبي من كل وجه حَتَّى امتلأ العسكر، فقتل ثلاثين ألفا وسبى مثلهم، وَكَانَ فِي سبيه ستون بطريقا، وطرح النار فِي عمورية من جميع نواحيها [4] فأحرقها [5] ، وجاء ببابها إلى العراق، وهو الباب المنصوب اليوم عَلَى دار الخليفة المجاور لباب الجامع، ويسمى «باب العامة» .
وروى أبو بكر الصولي قَالَ: حَدَّثَنَا الغلابي قَالَ: حدثني يعقوب بن 38/ ب جعفر بْن سليمَان قَالَ: / غزوت مَعَ المعتصم عموريه فاحتاج الناس إِلَى مَاء، فمد لهم المعتصم حياضا من أدم عشرة أميال، وساق المَاء فيها إِلَى سور عمورية، فقام يومَا عَلَى السور رجل منهم فصيح بالعربية، فشتم النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ باسمه ونسبه، فاشتد ذلك عَلَى المسلمين، ولم تبلغه النشابة، قَالَ يعقوب: وكنت أرمي، فاعتمدته فأصبت [6] نحره فهوى وكبر المسلمون، وسر المعتصم، وقال: جيئوني بمن رمى هَذَا العلج. فأدخلوني عَلَيْهِ، فَقَالَ: من أنت؟ فانتسبت لَهُ، فقال: الحمد للَّه الذي جعل ثواب [7] هَذَا السهم لرجل من أهل بيتي [8] ، ثم قَالَ: بعني [9] هَذَا الثواب، فقلت: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ الثواب ممَا يباع، فَقَالَ: إني أرغبك، فأعطاني مَائة ألف درهم [10] إلى أن بلغ خمسمائة
__________
[1] في الأصل: «السيوف ناحيتنا» .
[2] تاريخ الطبري 9/ 65.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «جوانبها» .
[5] «فأحرقها» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «فأصيب» والتصحيح من: ت.
[7] «ثواب» ساقطة من ت.
[8] «بيتي» ساقطة من ت.
[9] في ت: «يعني» .
[10] «درهم» ساقطة من ت.

(11/82)


ألف درهم، قلت: مَا أبيعه بالدينار، لكن أشهد الله أني [قد] [1] جعلت نصف ثوابه لك، فَقَالَ: قد رضيت بهذا، أحسن الله جزاك، فِي أي موضع تعلمت الرمي؟ فقلت:
[بالبصرة] [2] فِي دار لي، فَقَالَ: بعنيها، فقلت: هي وقف عَلَى من يتعلم الرمي، وإن أحب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فهي لَهُ وكل مَا أملك. فجزاني خيرا ووصلني بمَائة ألف درهم، وارتحل المعتصم [منصرفا] [3] إِلَى [أرض] [4] طرسوس، وكانت إناخة المعتصم عَلَى عمورية لست خلون من رمضان وقيل [5] : بعد خمسة وخمسين يوما.
[حبس المعتصم العباس بن المأمون]
وفي هذه السنة: حبس المعتصم العباس بْن المأمون، وأمر بلعنه [6] .
وَكَانَ السبب فِي ذلك: أن العباس دس رجلا يقال لَهُ: الحارث السمرقندي، وَكَانَ يأنس إِلَى القواد، فدار فِي العسكر حَتَّى تألف لَهُ جمَاعة منهم، وبايعه [7] منهم خواصّ العسكر [8] ، وسمّى لكل رجل من القواد رجلا من أصحابه ووكله به، وقال: إذا/ أمرنا فليثب كل رجل منكم عَلَى من ضمناه أن يقتله، فضمنوا لَهُ ذلك [9] ، فوكل رجلا 39/ أممن بايعه من خاصة الأفشين بالأفشين [10] ، ومن خاصة أشناس بأشناس [11] ، ومن خاصة المعتصم بالمعتصم، فضمنوا ذلك جميعا، فلمَا أرادوا أن يدخلوا الدرب وهم يريدون أنقرة وعمورية، أشار عجيف عَلَى العباس أن يثب عَلَى المعتصم فِي الدرب وَهُوَ فِي قلة من الناس، فيقتله ويرجع إِلَى بغداد، فيفرح الناس بانصرافهم من الغزو [12] ، فأبى العباس وقال: لا أفسد هَذِهِ الغزاة. حَتَّى دخلوا بلاد الروم وافتتحوا عمورية، فَقَالَ عجيف للعباس: يَا نائم، كم تنام والرجل ممكن، دس قومَا ينتهبون هَذَا الحرثي، فإنه إذا بلغه ذلك ركب فِي سرعة، فتأمر بقتله هناك، فأبى العباس، وقال: انتظر حَتَّى نصير فِي الدرب. ونمى [13] حديث الحارث السمرقندي، فحمل إِلَى المعتصم، فأقر وأخبر بخبر العباس ومن بايعه، فأطلقه المعتصم وخلع عَلَيْهِ، ودعا بالعباس فأطلقه
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «وقفل» .
[6] تاريخ الطبري 9/ 71- 79.
[7] في ت: «وتابعه» .
[8] «العسكر» ساقطة من ت.
[9] «فضمنوا له ذلك» ساقطة من ت.
[10] «بالأفشين» ساقطة من ت.
[11] «بأشناس» ساقطة من ت.
[12] في ت: «من العباد» .
[13] في ت: «وثم» .

(11/83)


ومناه، وأوهمه أنه قد صفح عنه، فتغدى معه، ثم دعاه بالليل فاستحلفه أن لا يكتمه شيئا من أمره [1] [فشرح لَهُ قصته، وسمى لَهُ جميع من دب فِي أمره، ثم دعا الحارث] [2] ، فقص عَلَيْهِ مثل مَا قص العباس فصفح عن الحارث، ودفع العباس إِلَى الأفشين، وتتبع المعتصم أولئك القواد، فأخذوا جميعا، وَكَانَ منهم أحمد بْن الخليل، فأمر به أن يحمل عَلَى بغل بإكاف بلا وطاء [3] ، ويطرح فِي الشمس إذا نزل [4] ، ويطعم كل يوم رغيفا واحدا، وَكَانَ منهم عجيف، فدفع إِلَى إيتاخ، فعلق عَلَيْهِ حديدا كثيرا، فلمَا نزل العباس 39/ ب منبج- وَكَانَ العباس [5] جائعا-/ سأل الطعام فقدم إِلَيْهِ، فأكل فلمَا طلب المَاء منع وأدرج فِي مسح، فمَات فيه بمنبج، وكذلك عجيف قدم إليه الطعام ومنع المَاء فمَات، وأهلك كل واحد من القوم بسبب ورود المعتصم سامراء [سالمَا] [6] ، فسمى العباس يومئذ اللعين [7] .
ولمَا فتح المعتصم عمورية، قَالَ محمد بْن عبد الملك الزيات:
أقام الإمَام منار الهدى ... وأخرس [8] ناقوس عموريه
فقد أصبح الدين مستوسقا ... وأضحت زياد الهدى واريه [9]
[حصول جارية محمود الوراق فِي يد المعتصم بعد موت سيدها]
ومن الحوادث: حصول جارية محمود الوراق فِي يد المعتصم [10] بعد موت سيدها محمود الوراق [11] .
أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد [بن عَلِيِّ] [12] بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر النجار، أَخْبَرَنَا أبو محمد العتكي، حَدَّثَنَا يموت بْن المزرع، عن الجاحظ قَالَ: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود الوراق، وَكَانَ نخاسا، بسبعة آلاف دينار [فامتنع محمود من بيعها، فلمَا مَات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبعمَائة دينار] [13] ، فلمَا دخلت عَلَيْهِ، قَالَ [لها] [14] : كيف رأيت تركتك [حتى
__________
[1] في ت: «لا يكتمه من أمره شيئا» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «على مركوب بلا وطاء» .
[4] «إذا نزل» ساقطة من ت.
[5] في ت: «وكان جائعا فسأل الطعام» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تاريخ الطبري 9/ 71- 79.
[8] في ت: «وأخرق» .
[9] في ت: «مورية» .
[10] «في يد المعتصم» ساقطة من ت.
[11] في ت: «بعد موته للمعتصم» .
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/84)


اشتريتك] [1] من سبعة آلاف دينار بسبعمَائة؟ قالت: أجل، إذا كَانَ الخليفة ينتظر بشهواته المواريث، فإن سبعين دينارا كثيرة فِي ثمني فضلا عن سبعمَائة. فأخجلته.
[وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود] [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1267- عجيف بْن عنبسة [3] .
قائد كبير من القواد، قد ذكرنا في الحوادث [4] أنه خامر عَلَى الخليفة، فأخذ ومنع المَاء حَتَّى مَات. وروي أنه قتل وطرح [5] تحت حائط.
[أنبأنا محمد بْن عبد الباقي، أنبأنا التنوخي، عن أبيه روى عن محمد بْن الفضل الجرجاني أَنَّهُ تحدث فِي وزارته للمعتصم قَالَ: كنت أتولى ضياع عجيف- وَهُوَ أحد القواد- فرفع عليّ أنني جئت وأخرجت الضياع، فأنفذ إلي، فأدخلت عَلَيْهِ وَهُوَ يطوف فِي داره عَلَى ضياع فيها، فلمَا رآني شتمني وقال: أخربت الضياع، ونهبت الارتفاع والله لأقتلنك، هاتوا السياف [6] . فأحضرت ونحيت للضرب، فلمَا رأيت ذلك ذهب عقلي وبلت عَلَى ساقي، فنظر كاتبه إلي فَقَالَ: أعز الله الأمير، أنت مشتغل القلب بهذا البناء وضرب هَذَا أو قتله فِي أيدينا ليس يفوت فتأمر بحبسه، وانظر فِي أمره، فإن كانت الرقعة صحيحة فليس يفوتك عقابه، وإن كانت باطلة لم تستعجل الإثم وتنقطع عمَا أنت بسبيله من المهم. فأمر بي إِلَى الحبس فمكثت أياما، وقتل المعتصم عجيفا، فاتصل الخبر بكاتبه فأطلقني، فخرجت ومَا أهتدي إِلَى حبة فضة فمَا فوقها، فقصدت صاحب الديوان بسر من رأى فسر بإطلاقي، وقلدني عملا فنزلت دارا، فرأيت مستحمها غَيْر نظيف، فإذا تل فجلست أبول عَلَيْهِ، وخرج صاحب الدار فَقَالَ لي: أتدري عَلَى أي شيء بلت؟
قُلْتُ: عَلَى تل تراب. فضحك وقال: هَذَا رجل من قواد السلطان يعرف بعجيف سخط عَلَيْهِ، وحمله مقيدا، فلمَا صار ها هنا قتل، وطرح فِي هَذَا المكان تحت حائط، فلما
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] هذه الترجمة جاءت في النسخة ت في نهاية تراجم السنة.
[4] «في الحوادث» ساقطة من ت.
[5] في ت: «ورمي» .
[6] في ت: «السيات» .

(11/85)


انصرف العسكر طرحنا الحائط ليواريه من الكلاب، فهو والله تحت هَذَا التل التراب.
قَالَ: فعجبت من بولي خوفا منه ومن بولي عَلَى قبره] [1] .
1268- أحمد بْن الحكم أبو علي العبدي [البغدادي] [2] .
روى عن مَالك بْن أنس، وإبراهيم بْن سعد، وشريك بْن عبد الله. قال 40/ أالدار الدارقطني: هُوَ متروك الْحَدِيث. قَالَ أبو سعيد بْن يونس/: قدم مصر وتوفي بِهَا فِي ذي القعدة من هَذِهِ السنة.
1269- حسان بْن غالب بْن نجيح، أبو القاسم الرعيني [3] .
يروي عن مالك، والليث، وابن لهيعة، وكان ثقة. توفي في رجب هذه السنة.
1270- خالد بن خداش بن عجلان، أبو الهيثم المهلبي، مولى آل المهلب بن أبي صفرة [4] .
حدث عن مَالك، وحمَاد بْن زيد، وخلق كثير. روى عن أحمد بْن حنبل، وغيره. وَكَانَ ثقة صدوقا.
توفي فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة، وَكَانَ يخضب بالحناء.
1271- عبد الله بْن محمد [5] بْن حميد بْن الأسود، أبو بكر البصري، ابْن أخت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مهدي [6] .
كَانَ ضامن همذان، ويعرف بابن أبي الأسود، وأبو الأسود هو حميد جده. سمع
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 4/ 122.
[3] الرعينيّ: هذه النسبة إلى ذي رعين من اليمن، وكان من الأقيال وهو من قبيل اليمن نزلت جماعة منهم مصر.
(الأنساب 6/ 139) .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 304.
[5] في ت: «عبد الله بن أحمد» .
[6] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 446.

(11/86)


مالك بن أنس، وحماد بن زيد وأبا عوانة. روى عنه: إبراهيم الحربي، وابن أبي الدنيا- وكان حافظا متقنا.
توفي فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة.
1272- العباس بْن المأمون.
قد ذكرنا [فِي الحوادث] [1] أنه بويع فِي السر، وأراد قتل المعتصم، وذكرنا كيفية هلاكه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/87)


ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين
[دفع المعتصم خاتم الخلافة إلى ابنه هارون]
فمن الحوادث فيها:
أن [1] المعتصم دفع [2] خاتم الخلافة إِلَى ابنه هارون، وأقام مقام الخلافة [3] عنه واستكتب لَهُ سُلَيْمَان [بْن محمد] [4] بْن عبد الملك، [وفيها أجرى المعتصم الخيل، وَكَانَ يومَا مشهودا] [5] .
وفيها تزوج الحسن بْن أفشين أترجة بنت أشناس، ودخل بِهَا فِي [6] قصر المعتصم فِي جمَادى الآخرة ودخل قصرها [7] وحضر عرسها المعتصم وعامة أهل سامراء، وكانوا يغلفون العامة بالغالية [من تغار] [8] .
__________
[1] «ان» ساقطة من ت.
[2] في ت: «دفع المعتصم» .
[3] في ت: «الخليفة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «ودخل فيها» .
[7] «في جمادى الآخرة ودخل قصرها» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
يغلفون: يطيبون.
الغالية: نوع من الطيب.
وفي القاموس: «التيغار: الإجانة» ، ولعل التغار لغة فيه.
انظر: تاريخ الطبري 9/ 101.

(11/88)


وفي شوال: زلزلت مدينة فرغانة، فمَات منها أكثر من خمسة عشر ألفا/.
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن داود [1] . 40/ ب
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1273- إبراهيم بْن المهدي:
ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد يقال لها: شكلة. ولد سنة ست وستين ومَائة، وَكَانَ أسود اللون، شديد السواد [2] ، عظيم الجثة، ولم ير فِي أولاد الخلفاء أفصح منه، ولا أجود شعرا، وَكَانَ كريمَا، بويع لَهُ بالخلافة من أيام المأمون فِي سنة اثنتين ومَائتين، وَهُوَ يومئذ ابْن تسع وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، وقد ذكرنا السبب، وأن المأمون بايع لعلي بن موسى الرضى بولاية العهد، فغضب بنو العباس، وقالوا: لا نخرج الأمر من أيدينا، فبايعوا إِبْرَاهِيم، فلمَا قدم المأمون من خراسان استتر إبراهيم، فأقام فِي استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام، وَكَانَ ينتقل فِي المواضع، حَتَّى نزل بقرب جبلة [3] ، ثم ظفر به المأمون لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومَائتين.
وقد ذكرنا قصته معه، وعفوه عنه فِي حوادث تلك السنة، ولم يزل بعد أن عفا عنه إِلَى أن توفي.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن السراج، أَخْبَرَنَا أبو القاسم عَبْد العزيز بْن بندار الشيرازي، أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي بْن لال قَالَ: أخبرني أحمد بْن عَلِيّ بْن حرب، عن بعض مشايخه قَالَ اختفى إبراهيم بْن المهدي زمن المأمون عند أخته علية [4] ، وكانت تكرمه غاية [5] الكرامة، وقد [6] وكّلت به جارية قد
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 102.
[2] «شديد السواد» ساقطة من ت.
[3] في ت: «حتى نزل جبانة» .
[4] في ت: «عند عمته» ، و «علية» سقطت من ت.
[5] «غاية» سقطت من ت.
[6] «وقد» سقطت من ت.

(11/89)


41/ أأدبتها وأنفقت/ عَلَيْهَا الأموال، وكانت حاذقة راوية للشعر، وكانت قد طلبت منها مَائة وخمسين ألف [درهم] [1] ، وكانت تتولى خدمة [2] إبراهيم، وتقوم عَلَى رأسه، فهويها، وكره طلبها من عمته، فلمَا اشتد وجده بِهَا، أخذ عودا، وغنى بشعر لَهُ فيها، وهي واقفة عَلَى رأسه:
يَا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خديه ... فقبلت يديه
بأبي وجهك مَا أكثر ... حسادي عَلَيْهِ
أنا ضيف وجزاء الضيف ... إحسان إليه
فسمعت الجارية الشعر، وفطنت لمعناه لرقتها وظرفها [3] ، وكانت مولاتها تسألها [4] عن حالها معه [5] وحاله كل يوم، فأخبرتها فِي ذلك اليوم بمَا فِي قلبه منها وبمَا سمعت منه من الشعر والغناء، فقالت [لها] [6] مولاتها: اذهبي فقد وهبتك لَهُ. فعادت إليه فلمَا رآها أعاد الصوت فأكبت [7] عَلَيْهِ الجارية فقبلت رأسه، فَقَالَ لها: كفي.
فقالت: قد وهبتني مولاتي لك، وأنا الرَّسُول، فَقَالَ: [أمَا] [8] الآن فنعم.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس قَالَ: أنشدني عبيد الله بْن أحمد المروروذي قَالَ:
أنشدني إبراهيم بْن المهدي:
قد شاب رأسي وراس الحرص لم يشب ... إن الحريص عَلَى الدنيا لفي تعب
قد ينبغي لي مَعَ مَا حزت من أدب ... أن لا أخوض فِي أمر ينقص بي/
__________
[1] في ت: «خمسين ألف» وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «تلي خدمته» .
[3] في الأصل: «لوقتها لظرفها» .
[4] في ت: «نسائلها» .
[5] «معه» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «فمالت» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/90)


لو كَانَ يصدقني دهري [1] بفكرته ... مَا اشتد غمي على الدنيا ولا نصبي 41/ ب
أسعى وأجهد فيمَا لست أدركه ... والموت يكدح فِي زندي وفي عصبي [2]
باللَّه ربك كم بيت مررت به ... قد كَانَ يغمر باللذات والطرب
طارت عباب [3] المنايا فِي جوانبه ... فصارت بعدها [4] للويل والحرب
فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعينك مَا الأرزاق بالطلب
قد يرزق العبد لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يوف من طلب
مَعَ أنني واجد فِي الناس واحدة ... الرزق والنول مقرونان فِي سبب
وخطة ليس فيها من بيان غنى ... الرزق أروع شيء عن ذوي الأدب
يَا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرزق أعرى به من لازم الجرب [5]
/ توفي إبراهيم بْن المهدي فِي رمضان هَذِهِ السنة [وصلى عَلَيْهِ المعتصم] [6] .
1274- سليمَان [7] بْن حرب، أبو أيوب الأسدي [8] الواشجي البصري [9] .
ولد سنة أربعين ومَائة، سمع شعبة وجرير بْن حازم، والحمَادين، وغيرهم. 42/ أروى عنه يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بْن حنبل، وابن راهويه، والبخاري، وغيرهم، وقرأ الفقه، وكان لا يدلس.
قَالَ أبو حاتم الرازي: حضرت مجلسه ببغداد عند قصر المأمون، فبني لَهُ شبه [10] منبر، فصعد، وحضر حوله جمَاعة من القواد عليهم السواد، والمأمون فوق قصره قد فتح
__________
[1] في ت: «ذهني» .
[2] هذا البيت جاء في النسخة ت متقدما عما هنا ببيتين.
[3] في ت: «عقاب» .
[4] في ت: «بعده» .
[5] لم أجد هذا النص في تاريخ بغداد المطبوع.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل «سلمان» .
[8] في ت: «الأزدي» .
[9] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 322.
[10] في ت: «له شبيه» .

(11/91)


باب القصر، وقد أرسل ستر يشف [1] وَهُوَ خلفه، يكتب مَا يملي، وحرز من حضر أربعين ألف رجل [2] ، وكان لا يسأل عن حديث إلا حدث من حفظه، ولي قضاء مكة [فِي] [3] سنة أربع عشرة ومَائتين، ثم عزل [عنها] [4] فِي سنة تسع عشرة، فرجع إِلَى البصرة، فلم يزل بِهَا حَتَّى توفي فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة.
1275- شيبان المصاب
[5] .
أَخْبَرَنَا عمر بْن ظفر، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج، أخبرنا عبد العزيز بْن علي الأرخي، أَخْبَرَنَا علي بْن عبد الله بْن جهضم، حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن عيسى [الرازي] [6] حَدَّثَنَا أحمد بْن سَلَمَة قَالَ: حَدَّثَنَا سالم قَالَ: بينمَا أنا سائر مَعَ ذي النون فِي جبل لبنان، إذ قَالَ: مكانك يَا سالم حَتَّى أعود إليك، فغاب فِي الجبل ثلاثة أيام، وأنا أنتظره، فإذا هاجت علي النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من مَاء الغدران، فلمَا كَانَ بعد الثالث رجع إلي متغير اللون، ذاهب العقل، فقلت له [بعد ما رجعت إليه نفسه] [7] : يَا أبا الفيض، أسبع [8] عارضك؟ قَالَ: لا، دعني من تخويف البشرية، إني 42/ ب دخلت كهفا من كهوف هَذَا الجبل، فرأيت رجلا أبيض الرأس واللحية شعثا/ أغبر، نحيفا نحيلا، كأنمَا أخرج من قبره، ذا منظر مهول وهو يصلي، فسلّمت عليه [9] بعد ما سلم، فرد علي السلام وقال: الصلاة، فمَا زال راكعا وساجدا حَتَّى صلى العصر واستند إِلَى حجر بحذاء المحراب يسبح ولا يكلمني، فبدأته بالكلام وقلت لَهُ: رحمك الله توصني [10] بشيء ادع الله عز وجل لي بدعوة. فَقَالَ: يَا بني، انسك الله بقربة، ثم سكت، فقلت: زدني. قَالَ: يَا بني من آنسه بقربه أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلمَا من غير طلب، وغنى من غير مَال وأنسا من غير جمَاعة. ثم شهق شهقة فلم يفق إلا بعد ثلاثة أيام حَتَّى توهمت أنه ميت، فلمَا كَانَ بعد ثلاثة أيام قام وتوضأ من عين مَاء إِلَى جنب الكهف، وقال لي: يَا بني [، كم فاتني] [11] من الفرائض؟ صلاة أو
__________
[1] «يشف» ساقطة من ت.
[2] في ت: «إنسان» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «المضار» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «لسبع عارضك» .
[9] «عليه» ساقط من ت.
[10] في ت: «أوصيني» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/92)


صلاتان أو ثلاث [1] ؟ قلت: قد فاتتك صلاة [2] ثلاثة أيام بلياليهن [3] ، فَقَالَ:
إن حب [4] الحبيب هيج شوقي ... ثم حب الحبيب أذهل عقلي [5]
وقد استوحشت من ملامة [6] المخلوقين، وقد أنست بذكر رب العالمين، انصرف عني بسلام، فقلت لَهُ: يرحمك الله وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيادة [وبكيت] [7] .
فَقَالَ: أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلا، فالمحبون للَّه تعالى هم تيجان العباد، وعلم الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه. ثم صرخ صرخة عظيمة فحركته، فإذا هُوَ قد فارق الدنيا، فمَا كَانَ إلا هنيئة، وإذا بجمَاعة من العباد ينحدرون من الجبال [8] حَتَّى واروه تحت التراب، فسألت: مَا اسم هَذَا الشيخ؟ قَالُوا: شيبان المصاب. قَالَ سالم: سألت أهل الشام عنه قالوا: كَانَ مجنونا. / قلت: تعرفون من كلامه شيئا؟ قالوا: نعم كلمة 43/ أوجيزة [9] كَانَ يغني بِهَا إذا ضجر [10] :
إذا بك يَا حبيبي ... لم أجن فبمن؟ [11]
قَالَ سالم: فقلت: عمي والله عليكم.
1276- عبد الله بْن عمرو بْن أبي الحجاج، أبو معمر المقري المقعد البصري [12] .
سَمِعَ عَبْدَ الْوَارِثِ [13] بْنَ سَعِيدٍ، والدراوَرْديّ. رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَالدُّورِيُّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بْن ثابت] [14] الخطيب [15] قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَليّ بْن أَبِي عَلِيٍّ [16] الْبَصْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخَزَّازُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُعَدَّلُ قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ الأَنْبَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ
__________
[1] «أو ثلاث» ساقطة من ت.
[2] «صلاة» ساقطة من ت.
[3] في ت: «ولياليهن» .
[4] في ت: «إن ذكر» .
[5] في ت: «ثم حب الحبيب أذهب عقلي» .
[6] في ت: «من ملاقاة المخلوقين» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «منحدرين من الجبل» .
[9] في ت: «واجيزة» .
[10] في الأصل: «إذا ضحى» .
[11] في ت: «إذا لم أجر ويا حبيبي فبمن؟» .
[12] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 24، 25.
[13] في الأصل: «عبد الرزاق بن سعيد» .
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[15] في الأصل: «أخبرنا الخطيب القزاز» .
[16] في الأصل: «أبو علي بن أبي علي» .

(11/93)


عَبْد الرَّحْمَنِ الرَّبَعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التُّوزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ صَاحِبُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يُحَقِّرُنِي [1] إِذَا ذَكَرْتُ شَيْئًا، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ كعب بن مالك بن قَالَ:
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... بِخَيْبَرَ ثم أحمينا السيوفا
فسائلها وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفًا
فَلَسْتُ لِمَالِكٍ إِنْ لَمْ يَزَرْكُمْ ... بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنَّا أُلُوفًا
وَتُنْتَزَعُ الْعُرُوشُ عُرُوشُ وَجٍّ ... وَتُصْبِحُ دَارُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفًا
فَقُلْتُ لَهُ: وَأَيُّ عُرُوشٍ كَانَتْ؟ ثُمَّ قَالَ: مِمَّا هِيَ، قُلْتُ: وَيُنْتَزَعُ الْعُرُوشُ عُرُوشُ وَجٍّ، وَذَلِكَ [2] مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها 2: 259 [3] قَالَ: وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُنِي وَيَرْفَعُ مَجْلِسِي.
كَانَ أَبُو مَعْمَرٍ ثِقَةً ثَبْتًا، لَكِنَّهُ كَانَ يقول بالقدر. توفي في هذه السنة.
43/ ب
1277- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يونس بْن هاشم، / أبو مسلم الرومي، مولى أبي جعفر المنصور [4] .
ولد سنة أربع وستين [5] ومَائة، وَكَانَ يستملي عَلَى سفيان بْن عيينة، ويزيد بْن هارون، روى عنه: الْبُخَارِيّ فِي صحيحه، والحربي [6] ، وابن أبي الدنيا، وقال: أبو حاتم الرازي: صدوق [7] .
وتوفي ببغداد فِي رجب هَذِهِ السنة.
1278- علي بْن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ، أبو الحسن المدائني، مولى عبد الرحمن بن سمرة [8] القرشي [9] .
__________
[1] في الأصل: «يحدثني» .
[2] «وذلك» ساقطة من ت.
[3] سورة: الحج، الآية: 45.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 258، 259.
[5] «وستين» ساقطة من ت.
[6] في الأصل: «البحري» .
[7] في ت: «هو ثقة صدوق» . وما أثبتناه من الأصل، وتاريخ بغداد.
[8] في الأصل: «عبد الله بن ثمرة» .
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 54- 55.

(11/94)


وَهُوَ بصري هي مولده ونشأ بِهَا [1] ، وسكن المدائن، ثم انتقل عنها إِلَى بغداد، فسكن بها إلى أن توفي في هذه السنة، وقيل فِي سنة خمس وعشرين [2] وله ثلاث وتسعون سنة، وَكَانَ عالمَا بأيام الناس وأخبار العرب والفتوح والمغازي، وله مصنفات [3] .
[وقد] [4] روى عنه الزبير بْن بكار وغيره، وَكَانَ من الثقات، أهل الخير، يسرد الصوم قبل موته ثلاثين سنة.
قَالَ أبو قلابة: حدثت أبا عاصم النبيل بحديث فَقَالَ: عمن هَذَا؟ فقلت ليس [لَهُ] [5] إسناد ولكن حدثنيه أبو الحسن المدائني، فَقَالَ: سبحان الله، أبو الحسن إسناد [6] .
أخبرنا [أبو منصور] [7] القزاز، قال: أخبرنا أحمد بْن علي [8] ، أَخْبَرَنَا الصيمري، حَدَّثَنَا علي بْن أَيُّوب، أَخْبَرَنَا محمد بْن عمران المرزباني قَالَ: قَالَ أبو عمر المطرز:
سمعت أحمد بْن يحيى النَّحْويّ يقول: من أراد أخبار الجاهلية فعليه بكتب أبي عبيدة، ومن أراد أخبار الإسلام فعليه بكتب المدائني [9] .
1279/- القاسم بْن سلام، أبو عبيد [10] .
44/ أكان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة، وبها ولد أبو عبيد، ويحكي أن سلامَا خرج يوما وأبو عبيد مَعَ ابْن مولاه فِي الكتاب، فَقَالَ للمعلم: علمني القاسم فإنّها كسبه [11] .
__________
[1] في ت: «ومنشأه» .
[2] في ت: «ثلاث وتسعون» .
[3] في ت: «وهو صاحب الكتب المصنفة» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل، ت «إسناده» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «أبو بكر بن ثابت» .
[9] تاريخ بغداد 12/ 55.
[10] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 403- 416.
[11] في ت: «فقال للمعلم: علم القاسم فإنه كيس» انظر الخبر في تاريخ بغداد 12/ 403.

(11/95)


طلب أبو عبيد [1] العلم، وسمع الحديث من إسمَاعيل بْن جعفر، وشريك، وهشيم، وابن عيينة، ويزيد بْن هارون، وخلق كثير، وروى اللغة عن البصريين والكوفيين، عن أبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعي، واليزيدي، وعن أبي عثمَان [2] ، وأبي عمرو الشيباني، والكسائي، [والأحوص] [3] ، والأحمر، والفراء. وصنف الكتب فِي فنون الفقه والقراءات، والغريب، [4] وغير ذلك. وَكَانَ مؤدبا [5] لآل هرثمة، وصار فِي ناحية عبد الله بْن طاهر وَكَانَ [6] ذا فضل ودين وجود، ومذهب حسن [7] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور عبد الرحمن [8] بن محمد، أخبرنا أبو بكر بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ [9] ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء قَالَ: قَالَ أبو الحسن محمد بْن جعفر التَّمِيمِيّ: كَانَ طاهر بْن الحسين حين مضى إِلَى خراسان نزل بمرو، فطلب رجلا يحدثه ليله، فقيل:
ما هاهنا إلا رجل مؤدب، فأدخل عَلَيْهِ أبو عبيد، فوجده أعلم الناس بأيام الناس، والنحو، واللغة، والفقه، فَقَالَ لَهُ: من المظالم تركك أنت [10] بهذا البلد، فدفع إليه ألف دينار، وقال له: أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب [11] ، وليس أحب استصحابك شفقة عليك، 44/ ب فأنفق هَذِهِ إِلَى أن أعود إليك قَالَ [12] أبو عبيد: [صنفت] [13] / «غريب المصنف» إِلَى أن عاد طاهر بْن الحسين من خراسان فحمله معه إلى سامراء [14] .
__________
[1] في الأصل: «أبو عبيدة» .
[2] في ت: «وعن الأعرابي» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] من أول: «الشيبانيّ والكسائي ... » حتى: « ... والغريب» جاء في الأصل قبل عبارة: «وكان ذا فضل ودين» .
[5] في ت: «مؤذنا» .
[6] في الأصل: «وكان» .
[7] تاريخ بغداد 12/ 404.
[8] «وعبد الرحمن بن محمد» ساقطة من ت.
[9] «علي بن ثابت» ساقطة من ت.
[10] «أنت» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «لحرب» .
[12] في الأصل: «فألف» .
[13] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[14] تاريخ بغداد 12/ 405، 406.

(11/96)


قَالَ التميمي: وحَدَّثَنَا أبو علي النحوي، حَدَّثَنَا الفسطاطي قَالَ: كَانَ أبو عبيد مَعَ ابْن طاهر، فوجه إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة [1] شهرين، فأنفذ أبا عبيد إليه فأقام شهرين، فَلَمَّا أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها وقال:
أنا فِي جنبة [2] رَجُل مَا يحوجني إِلَى صلة أحد ولا آخذ مَا فيه علي نقص، فلمَا عاد إِلَى طاهر وصله بثلاثين [3] ألف دينار بدل مَا وصله أبو دلف، فَقَالَ لَهُ: أيها الأمير [قد قبلتها، ولكن] أنت [قد] [4] أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها، وقد رأيت أن أشتري بِهَا سلاحا وخيلا، وأوجّه بها إلى الثغور ليكون الثواب متوفرا عَلَى الأمير ففعل [5] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا [أبو بكر] [6] أحمد بن علي بن ثابت [7] ، حدثنا [8] أبو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا أحمد بْن إبراهيم، حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَنِ السكري قَالَ: قَالَ أحمد بْن يوسف- إمَا سمعته منه أو [9] حدثت به عنه- قَالَ: لمَا عمل أبو عبيد كتاب «غريب الحديث» عرضه عَلَى عبد الله بْن طاهر فاستحسنه وقال: إن عقلا بعث [10] صاحبه عَلَى عمل مثل هَذَا الكتاب لحقيق أن لا يحوج [11] إِلَى طلب المعاش، فأجرى لَهُ عشرة آلاف درهم فِي كل شهر [12] .
وأول من سمع هَذَا الكتاب من أبي عبيد: يحيى بْن معين، وابن المديني [13] .
وَكَانَ الأصمعي يقول: لن يضيع الناس ما حيي أبو عبيد/. 45/ أوقال إبراهيم [الحربي] [14] : مَا شبهت أبا عبيد إلا بجبل نفخ فيه روح.
وَكَانَ أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فينام ثلثه، ويصلي ثلثه، ويضع الكتب ثلثه [15] .
وتولي قضاء طرسوس، ثم حج سنة تسع عشر، ومَات بمكة سنة أربع وعشرين، وقيل فِي التي قبلها [16] ، وقد بلغ سبعا وستين سنة.
__________
[1] في الأصل: «مند» .
[2] في ت: «ناحية» .
[3] في الأصل: «باثنتين» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 12/ 406.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «أخبرنا أبو بكر» .
[8] في ت: «أخبرنا» .
[9] في ت: «وأما» .
[10] في ت: «يمين» .
[11] في الأصل: «يخرج» .
[12] تاريخ بغداد 12/ 406.
[13] تاريخ بغداد 12/ 407.
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[15] تاريخ بغداد 12/ 408.
[16] في ت: «وقيل سنة ثلاث وعشرين ومائتين» .

(11/97)


ثُمّ دخلت سنة خمس وعشرين ومَائتين
فمن الحوادث فيها:
أن المعتصم أجلس [1] أشناس عَلَى كرسي وخلع عَلَيْهِ وتوجه ووشحه فِي شهر ربيع الأول [2] .
[خلع المعتصم عَلَى محمد بْن عبد الملك الزيات واستوزره]
وفيها: خلع المعتصم عَلَى محمد بْن عبد الملك الزيات ووسمه [3] بالوزارة، ورفع من قدره.
[غضب المعتصم على جعفر بن دينار]
وفيها: غضب المعتصم عَلَى جعفر بْن دينار من أجل وثوبه عَلَى من كَانَ معه من الشاكرية، وحبسه عند أشناس خمسين يومَا، وعزله عن اليمن وولاها إيتاخ، ثم رضي عن جعفر [ثم عزل الأفشين عن الحرس، ووليه إسحاق بن يحيى] [4] .
[غضب المعتصم على الأفشين]
وفيها: غضب المعتصم عَلَى الأفشين، فحبسه لأنه رفع عنه أنه يريد قتل المعتصم.
وذكر الصولي أن أحمد بْن أبي دؤاد قَالَ للمعتصم: إن الأفشين قد كاتب المَازيار، وَكَانَ خارجيا، فَقَالَ المعتصم: فكيف [5] أعلم حقيقة ذلك؟ قال: تبعث إلى
__________
[1] في ت: «أدخل» .
[2] «وخلع عَلَيْهِ وتوجه ووشحه فِي شهر ربيع الأول» هذه العبارة تكررت في النسخة ت. انظر: تاريخ الطبري 9/ 103.
[3] في ت: «ورسمه» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «قال: كيف أعلم..» .

(11/98)


كاتبه فِي الليل فتهدده [1] ، فإنه ضعيف القلب، وسيقر لك، ففعل وأعطاه أمَانا، فأقر لَهُ.
قَالَ لَهُ: فَمنْ كتب الكتاب؟ قَالَ: أنا. قَالَ: فمَا فيه؟ قَالَ: كتب إليه: لم يكن في العصر غير بابك وغيرك وغيري، فمشى [2] بابك وقد جاءك جيش [3] ، فإن هزمته كفيتك أنا الحضرة، وخلص لنا الدين الأبيض، قَالَ: فانصرف ولا تعلم [4] أحدا بمَا جرى/، فإن 45/ ب علم الأفشين بمجيئك إلي فقل: سألني عن خدمك [5] ومئونتك وعيالك.
قَالَ أحمد بْن أبي دؤاد: فدخلت عَلَى المعتصم وَهُوَ يبكي، فأنكرت ذلك، فَقَالَ: يَا أبا عبد اللَّه، رجل أنفقت عليه ألف دينار، ووهبت لَهُ مثلها، يريد قتلي، وقد تصدقت بعشرة آلاف ألف درهم، فخذها فأنفدها، وَكَانَ الكرخ قد احترقت، حَتَّى كَانَ الرجل إذا قام من ضيعة الكرخ رَأَى أرقال السفن.
فَقَالَ أحمد بْن أبي دؤاد: إن رأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يجعل النصف من هَذَا المَال لأهل الحرمين والنصف [الآخر] [6] لأهل الكرخ. قَالَ: أفعل. وكتب المعتصم إِلَى عبد الله بن طاهر أن يقبض عَلَى الحسن بْن الأفشين وامرأته أترجة بنت أشناس فِي يوم حده لَهُ، وقبض هُوَ عَلَى الأفشين فيه [7] وحبسه.
وفي مستهل [8] جمَادى الأولى: كانت رجفة بالأهواز عظيمة، تصدعت منها الجبال وخصوصا الجبل المطل عَلَى الأهواز، ودامت أربعة أيام بلياليها، وهرب أهل البلدة إِلَى البر وإلى السفن، وسقطت فيها دور كثيرة، وسقط نصف الجامع، ومكثت ستة عشر يومَا.
[إحراق الكرخ]
وفيها: أحرقت الكرخ فأسرعت [9] النار فِي الأسواق، فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف ألف درهم جرت عَلَى يد ابْن أبي دؤاد، وقدم بها إلى بغداد، ففرقها.
[إحراق المعتصم غناما المرتد]
وفيها [10] : أحرق المعتصم غناما المرتد.
__________
[1] في ت: «فتتهدده» .
[2] في ت: «غير بابك وغيري وغيرك، فمضى» .
[3] في ت: «بجيش» .
[4] في الأصل: «لا تعلم» .
[5] في الأصل: «عن حرمك» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «فيه» ساقطة من ت.
[8] «مستهل» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «فأسرع» .
[10] في ت: «وفي هذه السنة» .

(11/99)


وفيها: أسر مَازيار فضرب خمسمَائة سوط، فمَات من يومه، وَكَانَ خلع بطبرستان [1]- وصلب إِلَى جانب بابك بسامراء.
وحج بالناس/ في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1280- إبراهيم بْن مهدي [2] .
بغدادي نزل المصيصه، فقيل لَهُ: المصيصي، حدث عن إبراهيم بْن سعد، وحمَاد بْن زيد، وغيرهمَا. رَوَى عنه: أحمد بْن حنبل، وأبو داود، وعباس الدوري.
وَكَانَ ثقة.
وتوفي في هذه السنة.
1281- إبراهيم بْن أبي محمد يحيى بْن المبارك بْن المغيرة، أبو إسحاق العدوي، المعروف بابن اليزيدي البصري [3] .
سكن بغداد، وله فضل وافر، وحظ من الأدب زائد [4] ، سمع من أبي زيد والأصمعي، وجالس المأمون، وَكَانَ شاعرا مجيدا، وله كتاب مصنّف يفتخر به اليزيدون، وَهُوَ مَا اتفق لفظه واختلف معناه نحو من سبعمَائة ورقة، وذكر أنه بدأ بتصنيفه وَهُوَ ابْن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إِلَى أن أتت [5] عَلَيْهِ ستون سنة، وله كتاب «معادن القرآن» [6] وكتاب « [فِي] [7] بناء الكعبة وأخبارها» .
__________
[1] في ت: «أسر مازيار وكان خلع بطبرستان فضرب خمسمائة ... » .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 178.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 209.
[4] «زائد» ساقطة من ت.
[5] «أتت» ساقطة من ت.
[6] في ت: «مصادر القرآن» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/100)


1282- سعيد بْن سليمَان، أبو عثمَان الواسطي، المعروف بسعدويه البزار [1] .
سكن بغداد، وحدث بِهَا عن الليث بْن سعد، وزهير بْن معاوية، وحمَاد بْن سلمة وغيرهم. روى عَنْهُ: يحيى بْن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم، وَكَانَ ثقة مأمونا، حج ستين حجه، إلا أنه كَانَ يصحف، وامتحن فأجاب.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا محمد بْن عبد الواحد/، أَخْبَرَنَا الْوَلِيد بْن بكر، حَدَّثَنَا علي بْن أحمد بْن زكريا [2] الهاشمي، 46/ ب حَدَّثَنَا أبو مسلم صالح بْن أحمد العِجْليّ قَالَ: حدثني أبي قَالَ: سعيد بْن سليمَان ويعرف بسعدويه ثقة، قيل له بعد ما انصرف من المحنة مَا فعلتم؟ قَالَ: كفرنا ورجعنا [3] .
توفي سعدويه [4] ببغداد في هذه السنة فِي ذي الحجة [5] ، وله مَائة سنة.
1283- صالح بْن إسحاق بْن عمرو الجرمي النحوي [6] .
صاحب الكتاب «المختصر فِي النحو» وإنمَا قيل لَهُ الجرمي لأنه كَانَ ينزل فِي جرم [وقيل: بل كَانَ مولى لجرم] [7] ، وجرم من قبائل اليمن، وأخذ النحو عن الأخفش وغيره، ولقي يونس بْن حبيب وَلَم يلق سيبويه، وأخذ اللغة عن أبي عبيدة، وأبي زيد، والأصمعي، وطبقتهم، وأسند الحديث عَنْ يزيد بْن زريع وغيره، وَكَانَ حسن الاعتقاد، غزير العلم، وناظر الفراء فأفحم الفراء.
توفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 84.
[2] في ت: «بن بكر» .
[3] تاريخ بغداد 9/ 86.
[4] في ت: «سعيد» .
[5] في ت: «في ذي الحجة من هذه السنة» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 313- 315.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/101)


1284- عبيد بْن غاضرة بْن فرقد، أبو عثمَان العبدي [1] .
قدم مصر وحدث بِهَا، وتوفي فِي شوال هَذِهِ السنة.
1285- عَلي بْن رزين [2] ، أبو الحسن الخراساني.
كَانَ أستاذ أبي عبد الله المغربي.
أَخْبَرَنَا عمر بْن ظفر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو جعفر بْن أحمد بْن عبد الواحد [3] ، أخبرنا عبد العزيز بْن عَلي، أَخْبَرَنَا ابن جهضم، حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن علي بْن هارون قَالَ: سمعت إبراهيم بْن شَيْبَان قَالَ: كَانَ علي بْن رزين قد شاع عنه [4] فِي الناس أنه يشرب فِي كل أربعة أشهر شربة مَاء، فسأله رجل من أهل قرميسين [5] عن هَذَا، فَقَالَ:
نعم، وأي شيء فِي هَذَا؟! سألت الله عز وجل أن يكفيني مئونة بطني فكفاني.
عاش علي بْن رزين مَائة وعشرين سنة. وتوفي في هذه السنة، ودفن على جبل الطور.
47/ أ
1286- القاسم بْن عيسى بْن إدريس بْن معقل، أبو دلف/ العجلي أمير الكرج [6] .
كَانَ سمحا جوادا، وبطلا شجاعا، وأديبا شاعرا.
أَخْبَرَنَا [أبو منصور بْن عَبْد الرَّحْمَنِ] القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] [7] الخطيب، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا أحمد بْن إبراهيم بْن الحسن، حَدَّثَنَا أحمد بْن مروان المكي، حَدَّثَنَا المبرد، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ الثوري قَالَ: استهدى المعتصم من أبي دلف كلبا أبيض [كان عنده] [8] فجعل في عنقه قلادة كيمخت أقصر [9] ، وكتب عليها:
__________
[1] العبديّ: هذه النسبة إلى عبد قيس في ربيعة بن نزار، وهو عبد القيس بن أفص بن دعمس بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، (الأنساب 8/ 355) .
[2] في ت: «زرين» .
[3] «بن عبد الواحد» ساقطة من ت.
[4] «عنه» ساقطة من ت.
[5] في ت: «قنسرين» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 416- 423 وفي الهامش عنوان: «الأمير أبو دلف» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «أخضر» .

(11/102)


أوصيك خيرا به فإن لَهُ ... خلائقا لا أزال أحمدها [1]
يدل ضيفي علي فِي ظلم الليل ... إذا النار نام موقدها
قَالَ الأزهري: وفي كتابي عن سهل الديباجي، حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن الفضل الأهوازي قَالَ: أنشد بكر بْن النطاح أبا دلف:
مثال أبي دلف أمة ... وخلق أبي دلف عسكر
وإن المنايا إلى الدار عين ... بعيني أبي دلف تنظر
[قَالَ] [2] : فأمر لَهُ بعشرة آلاف درهم، فمضى فاشترى بِهَا بستانا بنهر الأبلة، ثم عاد من قابل فأنشده:
[بك] [3] ابتعت فِي نهر الأبلة جنة ... عَلَيْهَا قصير بالرخام مشيد
إِلَى لزقها [4] أخت لها يعرضونها ... وعندك مَال للهبات [5] عتيد
فَقَالَ أبو دلف: بكم الأخرى؟ قَالَ: بعشرة آلاف فَقَالَ: ادفعوها إليه، ثم قال له:
لا تجيني قابل، فتقول بلزقها [6] أخرى، فإنك تعلم أن [7] لزق أخرى إِلَى أخرى اتصل [8] إِلَى مَا لا نهاية لَهُ [9] .
/ أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عَبْد الرحمن بن محمد قال: [أخبرنا أبو بكر] [10] بن ثابت، 47/ ب أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، حَدَّثَنَا أحمد بْن إبراهيم البزار، أَخْبَرَنَا أحمد بْن مروان المَالكي، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن علي الربعي، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت العتابي [11] يقول: اجتمعنا عَلَى باب أبي دلف جمَاعة، فكان يعدنا بأمواله من الكرج وغيرها، فأتته الأموال، فبسطها على الأنطاع، وجلسنا حوله، ثم اتكأ عَلَى قائم سيفه وأنشأ يقول:
ألا أيها الزوار لا يد عندكم ... أياديكم عندي أجل وأكبر
فإن كنتم أفردتموني بالرجاء [12] ... فشكري لكم من شكركم لي أكثر
__________
[1] في ت: «خصايلا» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «إلى جنبها» .
[5] في ت: «للزمان» .
[6] في الأصل: «بجنبها» .
[7] في الأصل: «تعلم لو» .
[8] في ت: «كل إلى أخرى تصل إلى..» .
[9] تاريخ بغداد 12/ 417، 418.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في الأصل: «العتاني» .
[12] في ت: «فإنكم أفردتموني بلدها للرخاء» .

(11/103)


كفاني من مَالي دلاص وسابح ... وأبيض من صافي الحديد مغفر
ثم أمر بنهب تلك الأموال، فأخذ كل واحد منا [1] عَلَى قدر قوته [2] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بَكْر [أَحْمَد بْن عَلِي] [3] بْن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أحمد بن عمر بن روح، أخبرنا المعافى بْن زكريا، حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي، حَدَّثَنَا أبو الْفَضْل الربعي، عن أبيه قَالَ: قَالَ المأمون يومَا- وَهُوَ مقطب- لأبي دلف:
أنت الذي يقول فيك الشاعر:
إنمَا الدنيا أبو دلف ... بين باديه [4] ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، شهادة زور، وقول غرور، وملق معتف [5] ، وطالب عرف، وأصدق منه قول [6] ابْن أخت لي حيث يقول:
دعيني أجوب الأرض ألتمس الغنى ... فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم
إذا كانت الأرزاق فِي كف قاسم ... فلا كانت الدنيا ولا كَانَ قاسم
48/ أ/ فضحك المأمون وسكن غضبه [7] .
توفي أبو دلف ببغداد في هذه السنة [8] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر] [9] أحمد بن علي، أَخْبَرَنَا الحسن بْن أبي طَالِب، حَدَّثَنَا يوسف بْن عمر القواس، حَدَّثَنَا الحسين بْن إسمَاعيل، حَدَّثَنَا عبد الله بْن أبي سعد، حَدَّثَنَا محمد بْن سلمة البلخي، حَدَّثَنَا محمد بن علي
__________
[1] «منا» ساقطة من ت.
[2] تاريخ بغداد 12/ 418، 419.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «عند مفراه» .
[5] «وملق معتف» ساقطة من ت.
[6] «قوله» ساقطة من ت.
[7] تاريخ بغداد 12/ 421، 422.
[8] «فضحك المأمون وسكن غضبه. توفي أبو دلف بغداد في هذه السنة» ساقطة من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/104)


القوهستاني حَدَّثَنَا دلف بْن أبي دلف قَالَ: رأيت كأن آتيا أتاني بعد موت أبي دلف فَقَالَ:
أجب الأمير، فقمت معه، فأدخلني دارا وحشة، وعرة سود الحيطان مقلعة السقوف والأبواب، ثم أصعدني درجا فيها، ثم أدخلني غرفة فإذا فِي حيطانها أثر النيران، وإذا فِي أرضها أثر الرمَاد، وإذا أبي عريان واضع رأسه بين ركبتيه، فَقَالَ لي كالمستفهم:
دلف؟ قلت: نعم، أصلح اللَّه الأمير. فأنشأ يقول:
أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم ... مَا لقينا فِي البرزخ الخناق
قد سئلنا عن كل مَا قد فعلنا ... فارحموا وحشتي ومَا قد ألاقي
أفهمت؟ قلت: نعم، فأنشأ يقول:
فلو كنا [1] إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعد ذا عن كل شيء
انصرف، قَالَ: فانتبهت [2] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] القزاز قَالَ أَخْبَرَنَا [أبو بكر] الخطيب أَخْبَرَنَا [أبو يعلي أَحْمَد بْن] [3] عبد الواحد الوكيل، أَخْبَرَنَا محمد بْن جعفر التميمي، أَخْبَرَنَا الصولي قَالَ: تذاكرنا يومَا عند المبرد الحظوظ وأرزاق الناس من حيث [4] لا يحتسبون، فَقَالَ:
هَذَا يقع كثيرا فمنه قول ابْن أَبِي فنن فِي أبيات عملها المعنى أراده: / 48/ ب
مَا لي ومَا لك قد كلفتني شططا ... حمل السلاح وقول الدارعين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلا ... أمسى وأصبح مشتاقا إِلَى التلف
تمشي المنون إِلَى غيري فأكرهها ... فكيف أمشي [5] إليها بارز الكتف
أم هل حسبت سواد الليل شجعني ... أو أن قلبي فِي جنبي أبي دلف
فبلغ هَذَا الشعر أبا دلف فوجه إليه أربعة آلاف درهم جاءته على غفلة [6] .
__________
[1] في ت: «فلو أنا» .
[2] هذا الخبر مذكور في ت في نهاية الترجمة. انظر الخبر في: تاريخ بغداد 12/ 423.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «الحظوط والأرزاق من حيث» .
[5] في ت: «فكيف أسعى» .
[6] تاريخ بغداد 12/ 419.

(11/105)


بلغني عن الفضل بْن محمد بْن أبي محمد اليزيدي وَكَانَ من العلمَاء الأدباء الفضلاء [1] ، قَالَ: كَانَ لرجل حجازي جارية مغنية شاعرة، وَكَانَ مشغوفا بِهَا، فأملق فِي بلده، فسافر بِهَا طلبا للرزق، فقصد [2] بغداد فسمع به جمَاعة من أهلها فقصدوه للمعاشرة، فلم يحظ منهم بطائل، ورآهم يلاحظون الجارية ويولعون بِهَا، فقطعهم عنه [3] ، فاشتدت فاقته [4] ، فقصد أبا دلف العجلي بالكرج، فمدحه ولم يك شعره بالطائل [5] بحيث يقتضي كثرة الجائزة، فاضطر إِلَى بيع الجارية، فابتاعها منه أبو دلف بثلاثة آلاف دينار، وكساه ووصله وحمله، فانصرف وَهُوَ باك حزين، فوصل إِلَى بغداد، وَكَانَ يحضر عندي دائمَا ويشكو شوقه إِلَى الجارية شكوى تؤلمني [6] ، فانصرف من عندي يومَا، ثم بعث إلي برقعة يقول فيها: إنه وصل إِلَى منزله فوجد الجارية وقد أهداها لَهُ أبو دلف، فتطلعت نفسي إِلَى معرفة الحال، فمضيت إليه فوجدت الجارية 49/ أجالسة، وامرأة كهلة وخادمَا، فسألتها عن أمرها [7] ، فقالت: إني لمَا فارقت/ مولاي عظم استيحاشي وحزني، حَتَّى امتنعت من الطعام والنوم، فاستدعاني أبو دلف، وطيّب نفسي بكل وعد جميل، وسامني الغنى، فكنت إذا هممت بإجابته خنقتني العبرة، فلم أستطع الكلام، وفعل ذلك دفعات، وأنا عَلَى حالي، فجفاني وبقيت [8] فِي حجرة أفردت لي، لا أرى [9] إلا خادمَا [ربمَا] [10] كَانَ برسم حفظي، وجارية وكلت بخدمتي، وكنت قلت أبياتا وعلقتها فِي رقعة، أنظر فيها وقت خلوتي، [وهي:] [11]
لو يعلم القاسم العجلي مَا فعلا ... لعاد معتذرا أو مطرقا خجلا
مَاذا دعاه إِلَى هجر المروة فِي ... تفريق إلفين كانا فِي الهوى مثلا
فإن مولاي أصمته الخطوب بمَا ... لو مر بالطفل عاد الطفل مكتهلا
فباعني بيع مضطر وصيره ... فرط الندامة بعد البين مختبلا
وبت [12] عادمة للصبر باكية ... كأنني مدنف قد شارف الأجلا
__________
[1] في ت: «الفصحاء» .
[2] في ت: «فدخل» .
[3] في ت: «فانقطع عنهم» .
[4] في ت: «فاشتدت ناقته» .
[5] «بالطائل» ساقطة من ت.
[6] في ت: «تؤملني» .
[7] في ت: «عن حالها» .
[8] في ت: «وجعلني» .
[9] في ت: «ثم لا أرى» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «وتب» .

(11/106)


بين الضرائر أدعى بالغريبة إن ... هفوت لم ألق [1] لي فِي الناس محتملا
فمَا تبدلت إلفا بعد فرقته ... ولا تعوض مني غادر بدلا
فاتفق أنه اجتاز بباب الحجرة، فدخل لينظر هل خف مَا أجده، فجلس يعاتبني، ويرفق بي ويومئ فِي كلامه إِلَى تهديدي، فوجدني على حالتي الأولى، ولا حظ الرقعة، فأخذها فتأملها وقَالَ: الآن يئست [2] منك، وإن رددتك عَلَى مولاك [3] فمن يرد المَال علي؟ قلت: قانصه يرده عليك أو مَا [4] بقي منه وَهُوَ الأكثر بلا شك والله [5] عز وجل/ يخلف عليك باقيه. فأطرق ساعة ثم قَالَ: بل اللَّه عز وجل يخلف [6] 49/ ب علي الأصل، وقد رددتك عَلَى مولاك، ووهبت لك مَا بقي عنده من ثمنك لحسن عهدك ورعايتك حق الصحبة، ومَا أفارق موضعي إلا وأنت عَلَى الطريق فاستتري مني [7] ، فلست الآن فِي ملكي. فدخلت بيتا فِي الحجرة، فاستدعى كرسيا فجلس [عَلَيْهِ] [8] ، وأحضر هَذِهِ العجوز وهي قهرمَانة داره، وهذا الخادم، وأوصاهمَا بحفظي حَتَّى يسلمَاني إِلَى صاحبي، وأزاح العلة فِي جميع مَا احتجت إليه من النفقة والكسوة والكراع، وحمل [9] معي جميع مَا كَانَ جعله فِي داره من الأثاث والفرش، ومَا فارق الكرسي إلا وقد [10] خرجنا من بين يديه. فقلت: يَا مولاي، قد حضرني بيتان أسألك أن تأذن لي فِي إنشادهمَا. فأذن لي، فقلت:
لم يخلق الله خلقا صيغ من كرم ... إلا أمير الندى المكنى أبا دلف
رثى لمحزونة بالبين مدنفة ... فردها طالبا أجرا عَلَى دنف
فدمعت عيناه وقال: أحسنت، وأمر لي بخلعة ومَائة [11] دينار، فحمل ذلك إلي وسرت قَالَ اليزيدي: فعجبت من ذلك، وكانت ليلة نوبتي فِي السمر عند المأمون، فقلت لَهُ: يَا أمير الْمُؤْمِنِين، عندي حديث مستطرف نادر [12] ، فقال: هات يا فضل.
__________
[1] في ت: «بالغربية إن هوت لم آلف» .
[2] في ت: «ماست» .
[3] في ت: «إلى مولاك» .
[4] في ت: «عليك ما بقي» .
[5] في ت: «بلا شك الرزاق» .
[6] في ت: «بل يخلف الله عز وجل» .
[7] في ت: «فاشترى مني» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «وجمع معي» .
[10] في ت: «وما فارق الكرسي حتى وقد ... » .
[11] في ت: «وأمر لي بثوب ومائة» .
[12] في ت: «نادر مستطرف» .

(11/107)


فأعدت عَلَيْهِ الحديث [1] عن آخره، فاستحسنه وعجب منه وقال: ما قصرت الجارية في 50/ أحفظ عهد من رباها، ومَا قصر [2] القاسم فِي فعله، ونحتاج أن/ نقوي عزمه فِي مثل هَذَا الفعل الجميل الذي هُوَ معدود فِي مفاخر أيامنا، فإذا أصبحت فاغد إِلَى أحمد بن أبي طاهر، وقل له احتسب للقاسم العجلي بثلاثة آلاف دينار من معاملاته وأنفذ لَهُ درزا يقبض المَال [3] لذلك، واكتب أَنْت إليه وعرفه [4] انتهاء الحال إلينا وإحمَادنا لمَا اعتمد ليزداد حرصا عَلَى انتهاز الفرص فِي مثل هَذِهِ المكرمة، فبادرت لمَا أمر به [5] وتنجزت الدرز بالمَال وجعلته درج كتابي [6] ، وسلمته إِلَى صاحب الحرس لينفده عَلَى البريد، فلم تمض [إلا] [7] أيام حَتَّى عاد جوابه يشكرني، وَيَقُولُ: أمَا ثمن الجارية فوصل، واغتبطت بنعمة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي تعويضي إلا أنه مَال أخرجته من فضل إحسانه، ومَا أحب ارتجاعه، لكني قبلته طاعة وحملت إليك منه ألفا لقضاء حقك [8] ، وتقدمت بتفريق الباقي منه عَلَى من بهذه الديار من بني هاشم، وأعلمتهم أن كتاب [9] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ورد بأنه انتهى إليه اختلال أحوالهم، فأمر بتعهدهم بذلك، فأكثروا الشكر والدعاء.
قَالَ اليزيدي: فأنهيت ذلك إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فتهلل وجهه وقال: إنه ليسرني أن يكون مِمَّنِ [10] اتسع حظه من خير أيامي جمَاعة منهم [11] القاسم بْن عيسى.
1287- منصور بْن عمَار بْن كثير، أبو السري الواعظ [12] .
من أهل خراسان. وقيل: من أهل البصرة، سكن بغداد، وحدث بِهَا عن ليث بْن سعد، وابن لهيعة وغيرهما، روى عنه: أبو بكر بن علي بن حزم [13] .
50/ ب أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [14] ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي [15] ، / أخبرنا محمد بن
__________
[1] في الأصل: «له الحديث» .
[2] في ت: «ولا قصر» .
[3] في ت: «وانفذ له روزرونا» .
[4] «وعرفه» ساقطة من ت.
[5] «به» ساقطة من ت.
[6] في ت: «في كتابه» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «قضا لحقك» .
[9] في ت: «إن كانت» .
[10] في ت: «فيمن» .
[11] في ت: «مثل» .
[12] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 71- 79.
[13] في ت: «روى عنه ابنه حزم» .
[14] «القزاز» ساقطة من ت.
[15] في ت: «أبو بكر محمد بن علي» .

(11/108)


عَلِيّ الصوري، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الأزدي، حَدَّثَنَا عبد الواحد بْن مُحَمَّد بْن مسرور، حَدَّثَنَا أَبُو سعيد [1] بْن يونس قَالَ: منصور بْن عمَار يكنى أبا السري، قدم مصر وجلس يقص عَلَى النّاس، فسمع كلامه الليث بْن سعد، فاستحسن قصصه وفصاحته، فذكر أن الليث قَالَ لَهُ: مَا الذي أقدمك إِلَى بلدنا؟ [2] قَالَ: طلبت أن أكسب بِهَا ألف دينار فَقَالَ [لَهُ] [3] الليث: فهي لك علي وصن كلامك هَذَا الحسن، ولا تتبذل. فأقام بمصر فِي جملة الليث بْن سعد فِي جرايته، إِلَى أن خرج عن مصر فدفع إليه الليث بْن سعد [4] ألف دينار، ودفع إليه بنو الليث [أيضا] [5] ألف دينار، فخرج وسكن بغداد [وتوفي بِهَا. وَكَانَ فِي قصصه وكلامه شيئا عجبا لم يقص عَلَى الناس مثله.
أَخْبَرَنَا أبو منصور، أَخْبَرَنَا أبو بكر] [6] أخبرنا الأزهري، أنبأنا ابن بطة، أَخْبَرَنَا إبراهيم بْن جَعْفَر التستري قَالَ: سمعت أبا الحسن علي بْن الحسن الواعظ يقول:
سمعت أبا بكر الصَّيْدلانيّ يقول: سمعت سليم بْن منصور بْن عمَار يقول: رأيت أبي منصورا فِي المنام فقلت: مَا فعل بك ربك؟ فَقَالَ: إن الرب قربني وأدناني وقال [لي] [7] : يَا شيخ السوء، تدري لم غفرت لك؟ قال: فقلت: لا يَا إلهي، قَالَ: إنك جلست للناس مجلسا فبكيتهم، فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي [8] قط.
فغفرت لَهُ، ووهبت أهل المجلس كلهم لَهُ [9] ، ووهبتك فيمن وهبت لَهُ [10] .
أَخْبَرَنَا محمد بْن [أبي] [11] القاسم، أنبأنا رزق الله بْن عبد الوهاب عن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ قَالَ: سمعت أبا بكر الرازي يقول [سمعت أبا العباس القاضي يقول:] [12] سمعت أبا الحسين [13] يَقُولُ: رأيت منصور بْن عمَار فِي المنام، فقلت لَهُ: مَا فعل الله بك؟ قَالَ: وقفت بين يديه فَقَالَ لي: أنت الذي كنت تزهد الناس فِي الدنيا وترغب عنها [14] ، قلت: قد كَانَ ذلك، ولكن مَا اتخذت مجلسا إلا وبدأت بالثناء عليك
__________
[1] في ت: «أبو سعد» .
[2] في ت: «إلى بلادنا» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «بن سعد» ساقطة من ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «من خير قط» .
[9] في الأصل: «كله له» .
[10] تاريخ بغداد 13/ 79.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.
[13] في ت: «أبا الحسن السعداني» .
[14] في ت: «وترغب فيها» .

(11/109)


51/ أو [ثنيت] [1] بالصلاة عَلَى نبيك وثلثت/ بالنصيحة لعبادك. فَقَالَ: صدق، ضعوا [2] لَهُ كرسيا فِي سمَائي فمجدني فِي سمَائي بين ملائكتي كمَا مجدتني فِي أرضي بين عبادي.
توفي منصور في هذه السنة ببغداد، وقبره ظاهر بمقبرة باب حرب قريبا من بشر الحافي.
1288- مخة أخت بشر الحافي [3] .
وَكَانَ لبشر ثلاث أخوات مخة، ومضغة وزبدة، والمشهور بذكر الورع [4] مخة.
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا [أبو بكر] [5] أحمد بن علي بن ثابت قال: حَدَّثَنِي [6] عبد العزيز بْن أحمد الكتاني، حَدَّثَنَا عبد الوهاب بْن عبد الله المزني قَالَ: سمعت أبا بكر الأحنف يقول: سمعت عبد الله بْن أحمد يقول:
جاءت مخة أخت بشر الحافي إِلَى أبي فقالت لَهُ: إني امرأة رأس مَالي دانقين [7] ، أشتري القطن فأغزله [8] وأبيعه بنصف درهم وأتقوت بدانق من الجمعة إِلَى الجمعة، فمر ابْن طاهر الطائف ومعه مشعل، فوقف يكلم أصحاب المسالح فاستغنمت ضوء المشعل فغزلت طاقات، ثم غاب عني المشعل فعلمت أن للَّه فِي مطالبة [9] ، فخلصني خلصك الله، فَقَالَ لها: تخرجين الدانقين ثم تبقين بلا رأس مَال حَتَّى [10] يعوضك اللَّه خيرا منه. قَالَ عبد الله: فقلت لأبي يَا أبه لو قلت لها: لو أخرجت [11] الغزل [12] الذي فيه الطاقات، فَقَالَ: يَا بني، سؤالها لا يحتمل التأويل. ثم قَالَ: من هَذِهِ؟ قلت: مخة أخت بشر الحافي فقال: من هاهنا أتيت [13] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «دعوا له» .
[3] انظر ترجمتها في: تاريخ بغداد 14/ 436- 438.
[4] في ت: «والمشهور بالورع» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «أحمد بن علي بن ثابت قال» ساقطة من ت.
[7] في ت: «دافقين» .
[8] في ت، وتاريخ بغداد: «فأردنه وأبيعه» .
[9] في ت: «مهل عليّ فيه مطالبة» .
[10] «حتى» ساقطة من ت.
[11] في الأصل: «أحرقت» .
[12] «الغزل» ساقطة من ت.
[13] تاريخ بغداد 14/ 437.

(11/110)


ثُمّ دخلت سنة ست وعشرين ومَائتين
فمن الحوادث فيها:
مَا ذكر ابْن حبيب الهاشمي فِي ليلة الاثنين النصف من جمَادى الآخرة/ مطر [1] 51/ ب أهل تيماء مطرا وبردا كالبيض، فقتل بها [2] ثلاثمائة وسبعين [3] إنسانا، وهدم دورا، وسمع فِي ذلك صوت يقول: ارحم عبادك، اعف عن عبادك، ونظروا إِلَى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع وعرضها شبرين [4] ، من [5] الخطوة إِلَى الخطوة خمسة أذرع أو ست، فاتبعوا الصوت، فجعلوا يسمعون صوتا ولا يرون شخصا.
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود [بْن عيسى] [6] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1289- الأفشين الأمير الكبير، واسمه حيدر بْن ساووس [7] .
وقد سبقت أخباره، وأنه اتهم بدين المجوسية، واتهم بأنه أراد قتل المعتصم،
__________
[1] «مطر» ساقطة من ت.
[2] «بها» ساقطة من ت.
[3] في ت: «وتسعين» .
[4] في الأصل: «وعرضها شبر» .
[5] «من» ساقطة من ت.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «حبله بن كاروس» .

(11/111)


وأن ينقل الملك إِلَى الأعاجم، وأن المعتصم غضب عَلَيْهِ، وحبسه وقيده، فبقي مدة ثم مات في هذه السنة.
وقيل: بل قتله وصلبه بإزاء بابك، وذلك فِي شوال هَذِهِ السنة.
وقال أبو بكر الصولي: مَات فِي الحبس، وصلب بعد ذلك [1] بباب العامة فِي شعبان [2] ، وأحضرت أصنام كانت حملت إليه من أشروسنة، فضربت بالنار، وطرح الأفشين فيها، فأحرق وذرى [وذلك في [3] شعبان] .
1290- عبد الجبار بْن سعيد بْن سليمَان بْن نوفل [4] بْن مَاحق [5] .
ولي إمرة المدينة مرة بعد مرة، وولي قضاءها للمَامون، وَكَانَ أجمل قرشي وأحسنه وجها، وأجوده لسانا، وتوفي [6] وَهُوَ شيخ قريش في هذه السنة. وَكَانَ [7] قد بلغ ثلاثا وثمَانين سنة، وَكَانَ آخر ولد سعيد لأنهم انقرضوا.
1291- علي بْن الحكم [أبو الحسن] [8] المروزي [9] .
سمع أبا عوانة، وابن المبارك، والمبارك بْن فضالة/، وغيرهم، روى عنه أحمد بْن حنبل، والبخاري فِي الصحيح.
وتوفي في هذه السنة.
1292- عنان.
مولدة من مولدات اليمَامة، وبها نشأت وتأدبت، واشتراها النطاف ورباها، وكانت صفراء جميلة الوجه شكلة، سريعة البديهة فِي الشعر، تجاوب فحول الشعراء، جاءها رجل فَقَالَ أجيزي [10] :
ومَا زال يشكو الحب حَتَّى حسبته ... تنفس من أحشائه أو تكلما
__________
[1] «بعد ذلك» ساقطة من ت.
[2] «في شعبان» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «بن نوفل» ساقطة من ت.
[5] في ت: «مساحق» .
[6] في الأصل: «وقرى» .
[7] «وكان» ساقطة من ت.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 2/ 35.
[10] «أجيزي» ساقطة من ت.

(11/112)


فقالت [1] :
ويبكي فأبكي رحمة لبكائه ... إذا مَا بكى دمعا بكيت لَهُ دمَا
وَكَانَ الرشيد قد طلبها من مولاها، فَقَالَ: لا أبيعها بأقل من مائة ألف، فبعث الرشيد فأحضرها، ثم ردها، فتصدق الناطفي لمَا رجعت [2] بثلاثين ألف درهم، فلما مات مولاها أخرجت إلى السوق، فبلغ بِهَا مسرور مَائتي ألف درهم [3] ، فزاد رجل واشتراها، وأخرجها إِلَى خراسان، فمَاتت هناك.
1293- غسان بْن الربيع بْن منصور، أبو محمد الغساني الأزدي [4] .
من أهل الموصل، سمع حمَاد بْن سلمة، روى عنه أبو يعلى الموصلي [5] .
وأحمد بْن حنبل، ويحيى بْن إِبْرَاهِيم الحربي، وَكَانَ نبيلا فاضلا ورعا.
توفي بالموصل في هذه السنة.
1294- يحيى بْن يحيى بْن بكير بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، أبو زكريا التميمي المنقري [6] .
من ولد قيس بْن عاصم المنقري. وقال البخاري: ويقال: هُوَ مولى بني منقر من بني سعد.
سمع من مَالك، والليث بْن سعد، وابن لهيعة وغيرهم، وَكَانَ عالمَا خيرا ورعا [7] ، وَكَانَ ابْن رَاهَوَيْه يقول: مَا رأيت مثل يحيى بْن يحيى، ومَا رأى مثل نفسه.
/ أنبأنا إسمَاعيل بْن أحمد قَالَ: أنبأنا أبو القاسم يوسف بْن الحسن التفكري 52/ ب قَالَ: سمعت أبا علي الحسن بْن علي بْن بندار الريحاني يقول: كَانَ يحيى بْن يحيى يحضر مجلس مالك، فانكسر قلمه، فناوله المأمون قلمَا من ذهب- أو مقلمة من ذهب-
__________
[1] في ت: «فقال لها أجيزي» .
[2] «لما رجعت» ساقطة من ت.
[3] «درهم» ساقطة من ت.
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 329- 330.
[5] «سمع حمَاد بْن سلمة، روى عنه أبو يعلى الموصلي» ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 2/ 360.
[7] «وكان عالما خيرا ورعا» ساقطة من ت.

(11/113)


فلم يقبل [1] ، فَقَالَ لَهُ المأمون: مَا اسمك؟ قَالَ: يحيى بْن يحيى النيسابوري قَالَ:
تعرفني؟ قَالَ: نعم، أَنْت المأمون ابْن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قال: فكتب المأمون على ظهر جزوة [2] : ناولت يحيى بْن يحيى النَّيْسابوريّ [3] قلمَا فِي مجلس مَالك فلم يقبله، فلمَا أفضت الخلافة إليه بعث [4] إِلَى عامله [5] بنَيْسابور يأمره [6] أن يولي يحيى بْن يحيى القضاء، فبعث إليه يستدعيه، فقال بعض الناس له [7] : تمتنع من الحضور، وليته أذن للرسول، فأنفذ إليه كتاب المأمون، فقرئ عَلَيْهِ، فامتنع من القضاء، فرد إليه ثانيا، وقال: إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يأمرك بشيء وأنت من رعيته، وتأبى عَلَيْهِ، فَقَالَ: قل لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ ناولتني قلمَا وأنا شاب فلم أقبله، أفتجبرني [الآن] [8] عَلَى القضاء وأنا شيخ.
فرفع الخبر إِلَى المأمون، فَقَالَ: قد علمت امتناعه، ولكن ول القضاء رجلا يختاره [9] ، فبعث إليه العامل فِي ذلك [10] ، فاختار رجلا [11] فولي القضاء، ودخل عَلَى يحيى وعليه سواد فضم يَحْيَى فرشا كَانَ جالسا عَلَيْهِ كراهية أن يجمعه وإياه، فقال: أيها الشيخ، ألم تخترني [12] ؟ قال: إنما قلت اختاروه، ومَا قلت لك تقلد القضاء.
أَخْبَرَنَا [13] زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن الحسين البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا سعيد بْن أبي بكر بْن أبي عثمَان يقول:
سمعت فاطمة بِنْت إبراهيم بْن عبد الله السعدية تقول: سمعت فاطمة امرأة يحيى بن 53/ أيحيى تقول: قام يحيى [14] مرة لورده، فلمَا فرغ منه/ قعد يقرأ، إذ سمعت جلبة فَقَالَ لي: تعرفوا مَا هذه الجلبة؟ فنظرنا فإذا العسكر والمشاعل وهم يقولون: الأمير عبد الله بْن طاهر يزور أبا زكريا. فعرفناه الخبر، وَكَانَ ابْن طاهر يشتهي أن يراه، فمَا كَانَ بأسرع من أن استأذنوا عَلَيْهِ [15] ففتحنا [16] ، فدخل الأمير عبد الله بْن طاهر وحده، فلمَا قرب من أبي زكريا وسلم، قام إليه والمصحف فِي يده، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة
__________
[1] في ت: «فامتنع من قبوله» .
[2] في ت: «حزة» .
[3] «النيسابورىّ» ساقطة من ت.
[4] في ت: «فلما أفضت إليه الخلافة كتب» .
[5] في ت: «إلى الوالي» .
[6] في ت: «أمره» .
[7] في ت: «بعض الناس أنه» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «ولكن ول القضاء من يختاره» .
[10] «فبعث إليه العامل في ذلك» ساقطة من ت.
[11] في ت: «فلما اختار شخصا» .
[12] في ت: «ألم تحبرني» .
[13] في ت: «أنبأنا» .
[14] في ت: «قام ليلة» .
[15] «عليه» ساقطة من ت.
[16] في ت: «ففتحا» .

(11/114)


التي كَانَ افتتحها، ثم وضع المصحف، واعتذر إِلَى الأمير وقال: لم أشتغل [عنه] [1] تهاونا بحقه، إِنَّمَا كنت افتتحت سورة فختمتها، فقعد عبد الله ساعة يحدثه، ثم قَالَ لَهُ:
ارفع إلينا حوائجك، فَقَالَ: قد [والله] [2] وقعت لي حاجة فِي الوقت، فَقَالَ: مقضية [3] مَا كانت. فَقَالَ: قد كنت أسمع محاسن [4] وجه الأمير ولا أعاينها [5] إلا ساعتي هَذِهِ، وحاجتي إليك أن لا ترتكب مَا يحرق هَذِهِ المحاسن بالنار. فأخذ الأمير عبد الله بْن طاهر فِي البكاء حَتَّى قام وَهُوَ يبكي.
توفي يحيى بْن يحيى [6] فِي [صفر] [7] هَذِهِ السنة وَهُوَ ابْن أربع وثمَانين سنة.
أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا [8] أَبُو بكر البيهقي، أنبأنا [9] الحاكم أبو عبد الله [النيسابوري] [10] قال: سمعت أبا الحسن محمد بْن الحسن [11] السراج الزاهد- وَكَانَ شديد العبادة- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي المنام كأنه قد أقبل، إِلَى أن وقف عَلَى قبر يحيى بْن يحيى وتقدم، وصف خلفه جمَاعة من أصحابه، فصلى عَلَيْهِ، ثم التفت إِلَى أصحابه فَقَالَ: / هَذَا القبر لأمان [12] لأهل هذه المدينة. 53/ ب وقد روى عن يحيى بْن يحيى خمس طبقات من كبار العلمَاء.
فالطبقة الأولى: إسحاق بْن راهويه، ومحمد بْن رافع، وعلي بْن غنام، ومحمد بن أسلم، ومحمد بن يحيى الذهلي، ونظراؤهم.
والطبقة الثانية: أحمد بْن الأزهر العبدي [13] ، وإبراهيم بْن عبد الله السعدي، ويحيى بن محمد الذهلي ونظراؤهم.
والطبقة الثالثة: مسلم بْن الحجاج، وسليمَان بْن داود، وإسمَاعيل بْن قتيبة السلمي، ونظراؤهم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في ت: «مقصية» .
[4] في ت: «بمحاسن» .
[5] في ت: «ولم أعاينها» .
[6] «يحيى بن يحيى» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «أخبرنا» .
[9] في ت: «أخبرنا» .
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] «الحسن» ساقطة من ت.
[12] في ت: «أمان» .
[13] «العبديّ» ساقطة من ت.

(11/115)


والطبقة الرابعة: زكريا بْن داود الخفاف، وعصمة بن إبراهيم الزاهد، وإبراهيم بن علي الذهلي، ونظراؤهم.
والطبقة الخامسة: إسمَاعيل بْن الحجاج الميداني، ويحيى بْن عبد الله بْن سليمَان، والحسن [1] بْن معاذ، ونظراؤهم.
وقد روى عنه أئمة البلدان، منهم: إبراهيم بْن إسمَاعيل العنبري إمَام عصره بطرسوس [2] ، ومُحَمَّد بْن مشكان إمَام عصره بسرخس، وعبد المجيد بْن إبراهيم القاضي [3] إمَام عصره ببوشنج، وعثمَان بْن سعيد الدارمي إمَام عصره بهراة، ومحمد بْن الفضل البلخي إمَام عصره ببلخ، ومُحَمَّد بْن نصر المروروذي إمَام عصره بسمرقند، ومحمد بْن إسمَاعيل البخاري إمَام عصره ببخارى، ومحمد بْن عبد الله بْن أبي عرابة إمَام عصره بالشاش، ومحمد بْن إسحاق الشافعيّ إمام عصره بأبيورد، وحميد بْن زنجويه [4] إمَام عصره بنسا/.
__________
[1] في ت: «الحسين بن معاذ» .
[2] في ت: «بطوس» .
[3] «القاضي» ساقطة من ت.
[4] في ت: «ومحمد بن ريحونة» .

(11/116)


ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين
[خروج أبي حرب المبرقع اليمانيّ بفلسطين]
فمن الحوادث فيها:
خروج أبي حرب المبرقع اليمَاني بفلسطين وخلافه للسلطان [1] .
وسبب ذلك [2] : أن بعض الجند أراد النزول فِي داره وَهُوَ غائب عنها، وفيها إمَا زوجته وإمَا أخته فمَانعته فضربها، فلمَا رجع أبو حرب بكت وشكت مَا فعل بِهَا، وأرته أثر الضرب، فأخذ سيفه ومشى إِلَى الجندي وَهُوَ غار، فضربه [به حَتَّى] [3] قتله، ثم هرب وألبس وجهه برقعا كي لا يعرف، فصار الرجل [4] إِلَى جبل [من] جبال الأردن [5] ، فطلبه السلطان فلم يعرف لَهُ خبر، وَكَانَ يظهر بالنهار فيقعد عَلَى الجبل الذي أوى إليه متبرقعا، فيراه الرائي فيأتيه، فيذكره ويحرضه عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذكر السلطان ويعيبه، فاستجاب لَهُ خلق [من حراثي تلك الناحية وأهل القرى، وَكَانَ يزعم أنه أموي، فَقَالَ الذين استجابوا لَهُ:] [6] هَذَا هُوَ السفياني، فلمَا كثرت غاشيته وأتباعه دعا أهل البيوتات من أهل تلك الناحية، فاستجاب لَهُ جمَاعة منهم حتى
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 116- 118.
[2] في ت: «وسبب خروجه» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «الرجل» ساقطة من ت.
[5] في الأصل: «إلى خلف جبال الأردن» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وفي الأصل: «فاستجاب إليه خلق كثير وقالوا:....» .

(11/117)


صاروا فِي زهاء مَائة ألف، فوجه إليه المعتصم جندا عليهم رجاء بْن أيوب فطاوله رجاء [1] حَتَّى إذا جاء أوان عمَارة الأرض، انصرف الحراثون، وبقي فِي نحو من ألف أو ألفين فناجزه الحرب، وأسره وجاء به إِلَى المعتصم.
وقيل كَانَ خروج هَذَا فِي سنة ست وعشرين.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور/ القزاز قَالَ أَخْبَرَنَا الخطيب [2] أبو بكر، أَخْبَرَنَا الأزهري، حَدَّثَنَا علي بن عمر الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا الحارث بْن أبي أسامة قال: سنة سبع وعشرين ومَائتين فيها وثب قوم يوم الجمعة لثلاث بقين من جمَادى الآخرة [3] فِي مسجد الرصافة عَلَى رجلين من الجهمية فضربوهمَا وأذلوهمَا، ثم مضوا إِلَى مسجد شعيب بْن سهل القاضي يريدون محو كتاب كَانَ كتبه عَلَى مسجده، يذكر فيه أن القرآن مخلوق، فأشرف عليهم خادم شعيب، فرمَاهم بالنشاب، فوثبوا فأحرقوا باب شعيب، وانتهب ناس منزله، وأرادوا نفسه، فهرب منهم [4] .
وَهُوَ أول قاض حرق بابه ونهب منزله فيمَا بلغنا، وَكَانَ يقول: جهم بْن صفوان مبغضا [5] لأهل السنة، متحاملا عليهم، منتقصا لهم [6] .
[وفاة المعتصم]
وفي هذه السنة: توفي المعتصم، وبويع الواثق.
__________
[1] «رجاء» ساقطة من ت.
[2] «الخطيب» ساقطة من ت.
[3] في ت: «من ربيع الآخر» .
[4] في ت: «فهرب منه» .
[5] في ت: «جهم مبغضنا» .
[6] «عليهم منتقصا لهم» ساقطة من ت.

(11/118)


باب ذكر خلافة الواثق
اسمه هارون بْن المعتصم، ويكنى أبا جعفر، ولد بطريق مكة سنة تسعين ومَائة، وأمه أم ولد [رومية] تسمى [1] قراطيس، وَكَانَ أبيض يعلوه صفرة، وقيل: كَانَ مشربا بحمرة [2] ، جميلا ربعة، حسن الجسم، قاتم العين، فيها نكتة بياض.
بويع الواثق بسامراء يوم توفي المعتصم، وذلك يوم الأربعاء لثمَان ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع وعشرين.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز [3] قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بْن أحمد بْن علي، حَدَّثَنَا [4] أحمد بْن علي المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بْن أبي قيس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي الدنيا قَالَ: بويع هارون بْن محمد فِي اليوم الذي توفي فيه أبوه [5] المعتصم بسامراء، وَهُوَ يومئذ ابْن تسع وعشرين سنة، وورد رسوله بغداد يوم الجمعة [6] / عَلَى إسحاق بن 55/ أإبراهيم، فلم يظهر ذلك، ودعا للمعتصم عَلَى منبري بغداد وَهُوَ ميت، فلمَا كَانَ من الغد يوم السبت، أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشمي والقواد والناس [7] بحضور دار أمير
__________
[1] في ت: «ولد رومية يقال لها» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «مشربا حمرة» .
[3] «القزاز» ساقطة من ت.
[4] في ت: «أخبرنا أبو بكر قال أخبرنا أحمد بن علي ... » .
[5] «أبوه» ساقطة من ت.
[6] «يوم الجمعة» ساقطة من ت.
[7] «والناس» ساقطة من ت.

(11/119)


الْمُؤْمِنِين فحضروا، فقرأ كتابه [1] عَلَى الناس بنعي أبيه، وأخذ البيعة، فبايع الناس [2] .
ذكر طرف من أخباره وسيرته
أنبأنا [أَبُو مَنْصُورٍ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ [3] قَالَ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت [4] قال: حدثني [5] الحسن بْن أبي طالب، حدثني [6] أحمد بْن محمد بْن عروة حَدَّثَنَا محمد بْن يحيى قَالَ: حدثني عَلي بْن مُحَمَّد قَالَ: سمعت خالي أحمد بْن حمدون يقول: دخل هارون بْن زياد- مؤدب الواثق- عَلَى الواثق، فأكرمه وأظهر من بره مَا شهر به، فقيل لَهُ: من هَذَا يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الذي فعلت بِهِ مَا فعلت؟ قَالَ: هَذَا أول من فتق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله عز وجل [7] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد [القزاز] قال أخبرنا أحمد بن على بن ثابت [8] قال أخبرنا أبو منصور بْن أبي جعفر الجيلي أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن يحيى قَالَ: سمعت الحسين بْن فهم يقول: سمعت يحيى بْن أكثم يقول: مَا أحسن أحد إِلَى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس، مَا أحسن إليهم الواثق، مَا مَات وفيهم فقير [9] .
قَالَ محمد بْن يحيى: وحدثني عنه عبد الله [10] بْن المعتز، حَدَّثَنَا عبد الله بْن هارون النحوي، عَنْ محمد بْن عطية قَالَ: قَالَ محمد بن المهتدي: كنت أمشي مع
__________
[1] في ت: «فحضروا الفقراء كتابه» .
[2] تاريخ بغداد 14/ 15، 16.
[3] في ت: «أخبرنا أبو منصور» .
[4] في ت: «أخبرنا أبو بكر» .
[5] في ت: «أخبرنا» .
[6] في ت: «قال أخبرنا» .
[7] تاريخ بغداد 15/ 17.
[8] في ت: «أخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أبو بكر بن ثابت» .
[9] تاريخ بغداد: 15/ 19.
[10] في الأصل: «أبو عبد الله» .

(11/120)


الواثق فِي صحن داره فَقَالَ لي/: يَا محمد، ادع [لي] بدواة [1] وقرطاس، فدعوت له، 55/ ب فقال: اكتب. فكتبت:
تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسنا [2] فزده
ستكفي من عدوك كل كيد ... إذا كاد [3] العدو ولم تكده
ثم قَالَ: اكتب:
هي المقادير تجري فِي أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر عَلَى حال
ثم فكر طويلا، فلم يأته شيء [آخر] [4] فَقَالَ: حسبك [5] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عَبْد الرحمن بن محمد قال: [أخبرنا أبو بكر] أحمد بن علي [6] قال: أخبرني علي بن أيوب القمي [أَخْبَرَنَا أبو عبد الله المرزباني، أخبرني محمد بْن يحيى حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن محمد بْن نصر بْن بسام، حدثني خالي أحمد بْن حمدون قَالَ:] [7] كَانَ بين الواثق وبين بعض جواريه شيء، فخرج كسلان، فلم أزل أنا والفتح [بْن خاقان] نحتال لنشاطه [8] ، فرآني أضاحك [9] الفتح بْن خاقان، فَقَالَ: قاتل الله العباس بْن الأحنف حيث يقول:
عدل من الله أبكاني وأضحككم ... فالحمد للَّه عدل كل مَا صنعا
اليوم أبكي عَلَى قلبي وأندبه ... قلب ألح عليه الحب [10] فانصدعا
__________
[1] في ت: «فقال لي: ادع بدوات» .
وفي الأصل: «فقال لي: يا محمد ادع بدواة» .
[2] في الأصل: «أولينا حسانا» .
[3] في الأصل: «إذا وافى» .
وفي ت: «إذا كان» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 14/ 18.
[6] في ت: «أخبرنا أبو منصور محمد قال أخبرنا أبو بكر قال» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فلم أزل أنا والفتح بن خاقان على إنشاط» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل: «فرآني أقاتل» .
[10] في ت: «الصد» .

(11/121)


للحب فِي كل عضو لي عَلَى حدة ... نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا
فَقَالَ الفتح: أنت والله يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي وضع التمثل موضعه أشعر منه [وأعلم] [1] وأظرف [2] .
قَالَ المصنف: كَانَ الواثق قد أعاد الامتحان فِي القرآن، وحمله ابن أبي دواد عَلَى التشدد فِي ذلك، وقد قيل إن الواثق تاب من القول بخلق القرآن قبل موته، والله أعلم.
[أَخْبَرَنَا أبو منصور، أَخْبَرَنَا أبو بكر، أخبرني عبيد الله بْن أبي الفتح، أَخْبَرَنَا أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن الحسن، حَدَّثَنَا إبراهيم بْن الحسن بْن محمد بْن عرفة، حدثني حامد بْن العباس، عن رَجُل، عن المهتدي، أن الواثق مَات وقد تاب من القول بخلق القرآن] [3] .
وحج بالناس في هذه السنة جعفر بْن المعتصم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1295-/ بشر بْن [الحارث بْن] [4] عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عطاء بن هلال بن ماهان، أبو 56/ أنصر، المعروف بالحافي [5] .
مروزي ولد بمرو، وسكن بغداد، وفاق أهل عصره فِي الورع والزهد وحسن الطريقة، وسمع إِبْرَاهِيم بْن سعد، ومَالك، وحمَاد بْن زيد، وابن المبارك، وخلقا كثيرا، وشغله التعبد عن الرواية، فلم يتنصب لها.
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 14/ 18، 19.
[3] هذا الخبر ساقط بأكمله من الأصل.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 14/ 18.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 67- 80.

(11/122)


أخبرنا [1] عبد العزيز بن علي قال: حدثنا علي بْن عبد الله الهمداني، حَدَّثَنَا القاسم بن الحسن بْن جرير، حَدَّثَنَا محمد بْن أبي عتاب [2] ، عن محمد بْن المثنى قَالَ: قلت لأحمد بْن حنبل مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرجل؟ فَقَالَ: أي الرجال؟ فقلت: بشر، قَالَ: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال، ما مثله عندي إلا مثل رجل ركز [3] رمحا فِي الأرض، ثم قعد منه عَلَى السنان، فهل ترك لأحد موضعا يقعد فيه؟ [4] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، أَخْبَرَنَا [5] الأزهري قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله بْن إبراهيم القزاز قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر الخالدي، حدثني أبو حامد بْن خَالِد الحذاء قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول: مَا أخرجت بغداد أتم عقلا ولا أحفظ للسانه [من بشر بْن الحارث] ، كَانَ فِي كل شعرة منه عقل، وطئ الناس عقبه خمسين سنة، مَا عرف له غيبة لمسلم، لو قسم عقله عَلَى أهل بغداد صاروا عقلاء، ومَا نقص من عقله شيء [6] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] القزاز قَالَ: [أَخْبَرَنَا أبو بكر] الخطيب أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن محمد بْن عبد الله المقرئ، أَخْبَرَنَا أحمد بن جعفر بن محمد بن محمد بن مسلم [7] / 56/ ب الختلي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد الخالق، حَدَّثَنَا أبو بكر المروزي قَالَ: سمعت أبا عمران الوركاني يقول: تخرق إزار بشر، فقالت لَهُ أخته: يَا أخي، قد تخرق إزارك، وهذا البرد، فلو جئت بقطن حَتَّى أغزل لك، قَالَ: فكان يجيء بالأستارين والثلاثة فقالت لَهُ: إن الغزل قد اجتمع، أفلا تسلم إزارك إن أردت السرعة؟ فَقَالَ لها هاتيه، فأخرجته إليه، فوزنه وأخرج ألواحه وجعل يحسب الأساتير، فلمَا رآها قد زادت فيه قَالَ: كمَا أفسدتيه فخذيه.
قَالَ المروزي: وسمعت بعض القطانين يقول: أهدى إلي أستاذ لي رطبا وكان بشر
__________
[1] في ت: «أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال» .
[2] في الأصل: «محمد بن أبي غياث» .
[3] في ت: «غرز» .
[4] تاريخ بغداد 7/ 72، 73.
[5] في ت: «أخبرنا أبو منصور بْن مُحَمَّد قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن علي قال أخبرني» .
[6] تاريخ بغداد 7/ 73.
[7] في ت: «أخبرنا أبو منصور قال أخبرنا أبو بكر قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن سلم» .

(11/123)


يقيل [1] فِي دكاننا فِي الصيف [2] ، فَقَالَ لَهُ أستاذي: يَا أبا نصر، هَذَا من وجه طيب، فإن رأيت أن تأكله، قَالَ: فجعل يمسه بيده، ثم ضرب بيده إِلَى لحيته، وقال: ينبغي أن أستحي من الله، إني [عِنْد الناس] [3] تارك لهذا وآكله فِي السر [4] .
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بن علي [بن ثابت] قال: [5] أخبرني عبد الله بن يحيى السكري، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصواف، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حدثني أبو حفص عمر ابْن أخت بشر الحافي قَالَ:
حدثتني أمي قالت: جاء رجل إلى الباب فدقه فأجابه بشر: من هَذَا؟ قَالَ: أريد بشرا، فخرج إليه فَقَالَ لَهُ: حاجتك. قَالَ: عافاك الله، أنت بشر؟ قَالَ: نعم، حاجتك [6] ، قَالَ: إني رأيت رب العزة [تعالى] فِي المنام وَهُوَ يقول: اذهب إِلَى بشر فقل لَهُ: يَا بشر، لو سجدت عَلَى الجمر مَا أديت [7] شكري فيمَا قد بثثت لك-[أو نشرت لك] [8]- في 57/ أالناس/. فَقَالَ لَهُ: أنت رأيت ذلك [9] ؟ قَالَ: نعم رأيته مرتين [10] ، ليلتين متواليتين [11] فَقَالَ: لا تخبر به أحدا، ثم دخل وولي وجهه إِلَى القبلة، وجعل يبكي ويضطرب، وجعل [12] يقول: اللَّهمّ إن كُنْت شهرتني فِي الدنيا، ونوهت باسمي، ورفعتني فوق قدري عَلَى أن تفضحني [13] فِي القيامة، فعجّل الآن عقوبتي [14] ، خذ مني بمقدار ما يقوى عليه بدني [15] .
__________
[1] «يقيل» ساقطة من ت.
[2] «في الصيف» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 7/ 74.
[5] في ت: «أخبرنا أبو منصور قال أخبرنا يحيى بن علي بن ثابت» .
[6] «عافاك الله أنت بشر؟ قَالَ: نعم، حاجتك» هذه العبارة ساقطة من ت، وتاريخ بغداد.
[7] في ت: «أريت» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في ت: «رأيت هذا» .
[10] «مرتين» ساقطة من ت.
[11] في ت، وتاريخ بغداد: «متوالية» .
[12] «وجعل» ساقطة من ت.
[13] في ت: «فلا تفضحني» .
[14] في ت: «الآن فعجل عقوبتي» .
[15] تاريخ بغداد 7/ 78.

(11/124)


قَالَ المصنف: [1] وقد جمعت كتابا فيه فضائل بشر الحافي وأخباره، فلهذا اقتصرت [2] عَلَى مَا ذكرت ها هنا كراهية للإعادة [والتطويل] [3] .
توفي بشر في هذه السنة [4] عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول من سنة سبع وعشرين، قبل موت المعتصم بستة أيام، وقد بلغ من السن خمسا [5] وستين سنة.
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر] أحمد بن علي [6] ، أخبرنا الفاضي أبو الْعَلاء الواسطي، أَخْبَرَنَا محمد بْن يوسف [7] بْن يعقوب، حَدَّثَنَا أبو الفتح محمد بْن أحمد النحوي قَالَ: سمعت الحسين [8] بْن أحمد بْن صدقة يقول: سمعت أحمد بْن زهير يقول: سمعت يحيى بن عبد الحميد الحمَاني [9] يقول: رأيت أبا نصر التمَار، وعلي بْن المديني فِي جنازة بشر بْن الحارث [10] يصيحان فِي الجنازة: هَذَا شرف والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة، وذلك أن بشر بْن الحارث [11] [وَقَدْ] [12] أخرجت جنازته بعد صلاة الصبح، ولم يجعل فِي قبره إلا فِي الليل، وَكَانَ نهارا صائفا، ولم يستقر فِي القبر إِلَى العتمة [13] .
1296- توفيل ملك الروم.
ملك اثنتي عشرة سنة، / وهلك في هذه السنة، وملكت بعده امرأة اسمها [14] 57/ ب
__________
[1] «قال المصنف» ساقطة من الأصل.
[2] في ت: «اختصرت» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «في هذه السنة» ساقطة من ت.
[5] في ت: «من العمر خمس» .
[6] في ت: «أخبرنا أبو منصور قال أخبرنا أبو بكر» .
[7] في الأصل: «أحمد بن يوسف» .
[8] في ت: «الحسن بن أحمد» .
[9] في الأصل: «الحافي» .
[10] في ت: «الحافي» .
[11] «يصيحان في الجنازة هذا والله شرف الدين قبل شرف الآخرة وذلك أن بشر بْن الحارث» ساقط من ت.
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] تاريخ بغداد 7/ 79، 80.
[14] في ت: «واسمها» .

(11/125)


بدور، وابنها ميخائيل بْن توفيل [صبي] [1] .
1297- عريب [2]
ولدت فِي سنة إحدى وثلاثين ومَائة، وكانت أمها تسمى فاطمة، وكانت يتيمة، فتزوجها جعفر بْن يحيى بْن خالد، فأنكر عَلَيْهِ أبوه وقال [لَهُ:] [3] أتتزوج من لا يعرف لَهُ أب ولا أم [4] ، اشتر مكانها ألف جارية، فأخرجها وأسكنها دارا فِي ناحية الأنبار سرا من أبيه، ووكل بِهَا من يحفظها، وَكَانَ يتردد إليها، فولدت عريب، ومَاتت أم عريب فِي حياة جعفر، فدفعها إِلَى امرأة نصرانية وجعلها داية لها، فلمَا [5] حدثت بالبرامكة تلك الحادثة باعتها من سنبس النخاس، فباعها، فاشتراها الأمين وافتضها ولم يوف الثمن، حَتَّى قتل [6] ، فرجعت إِلَى سيدها، ثم اشتراها المأمون، فمَات الذي اشتريت منه عشقا لها، ثم بيعت فِي ميراث المأمون، فاشتراها المعتصم بمَائة ألف وأعتقها فهي مولاته، وكانوا إذا نظروا إِلَى قدمي عريب شبهوها [7] بقدم جعفر بْن يَحْيَى، وكانت عريب شاعرة، ومليحة الخط، وغاية فِي الجمَال والظرف [8] ، ثم كانت [9] مغنية محسنة، صنعت ألف صوت، وكانت شديدة الفطنة والذكاء، كتبت إِلَى بعض الناس: أردت، ولولا، ولعل.
58/ أفكتب تحت أردت: ليت، وتحت لولا: مَاذا، وتحت لعل: أرجو، / فقامت ومضت إليه.
توفيت عريب في هذه السنة.
1298-[قراطيس، أم الواثق.
خرجت إِلَى الحج، فمَاتت بالحيرة، لأربع خلون من ذي القعدة، ودفنت بالكوفة فِي دار داود بن عيسى] [10] .
1299- محمد بْن حيان، أبو الأحوص البغوي [11] .
حدث عن إسمَاعيل بْن علية، وهشيم، وغيرهمَا وروى عنه: أحمد بن حنبل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «غريب» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «أم ولا أب» .
[5] «لها فلما» ساقطة من ت.
[6] «حتى قتل» ساقطة من ت.
[7] في ت: «شهوها» .
[8] في ت: «الطرف» .
[9] في ت: «وكانت» .
[10] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
[11] في ت: «البصري» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 294، 295.

(11/126)


وغيره، وآخر من روى عنه عبد الله بْن محمد البغوي، وَكَانَ ثقة.
توفي في هذه السنة فِي ذي الحجة [1] .
1300- محمد بْن الصباح، أبو جعفر البزاز، ويعرف بالدولابي [2] .
سمع إبراهيم بْن سعد، وهشيم بْن بشير، وغيرهمَا، روى عنه: أحمد بْن حنبل ووثقه، ولم يختلفوا فِي ذلك.
وتوفي يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت [3] من شهر الله [4] المحرم من هذه السنة، وقد جاوز السبعين.
1301- محمد المعتصم بْن الرشيد [5] .
كَانَ بدو مرضه أنه احتجم أول يوم من المحرم [6] من هَذِهِ السنة [7] ، واعتل.
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ] أحمد بن علي [8] ، أَخْبَرَنَا الأزهري، أَخْبَرَنَا [محمد] بْن العباس الخزاز، أَخْبَرَنَا علان بْن أحمد الرزاز، حَدَّثَنَا علي بْن أحمد بْن العباس، حَدَّثَنَا أَبُو الحسن الطويل قَالَ: سمعت عيسى بْن أبان بْن صدقة، عن علي بْن يحيى المنجم قَالَ: لمَا استتم المعتصم عدة غلمَانه الأتراك بضعة عشر [9] ألفا، وعلق لَهُ خمسون ألف مخلاة [10] على فرس، وبرذون، وبغل، وذلل العدو [11] بكل النواحي، أتته المنية، عَلَى غفلة، فقيل لي إنه قَالَ فِي حمّاه التي مات فيها حَتَّى إِذا 6: 44
__________
[1] في ت: «توفي في ذي الحجة من هذه السنة» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 365- 367.
[3] في ت: «مضت» .
[4] «شهر الله» ساقطة من ت.
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 342- 346.
[6] في ت: «من محرم» .
[7] «من هذه السنة» ساقطة من ت.
[8] في ت: «أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ» .
[9] في الأصل: «سبعة عشر» .
[10] في ت: «محلاة» .
[11] في الأصل: «وذلك العدو» .

(11/127)


68/ ب فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً/ فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ 6: 44 [1] .
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا عبد المحسن بْن محمد بْن علي، أَخْبَرَنَا أحمد بْن عمر بْن روح النهرواني، أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا، حَدَّثَنَا الحسين بْن القاسم الكوكبي قَالَ: سمعت القاسم بْن زرزور [2] يقول: حدثني زنام الزامر [3] قَالَ: لمَا اعتل [4] المعتصم علته التي مَات فيها [5] وجد يومَا إفاقة، فَقَالَ هيئوا لي الزلال حَتَّى أركب فهيئ لَهُ، فركب وأنا معه، فمر بدجلة بإزاء منازلة [6] فَقَالَ: [يَا] زنام [7] . قلت:
لبيك يا أمير المؤمنين [8] ، قال: أزمر:
يَا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلى
والعيش أولى مَا بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
قال: فزمرته ومَا زلت أردده وَهُوَ [9] ينتحب ويبكي، إِلَى أن خرج من الزلال [10] ، ثم توفي بعد خمسة أيام.
قَالَ علمَاء السير: لمَا احتضر [11] جعل يقول: ذهبت الحيل ولا حيلة، ولو علمت أن عمري قصير هكذا مَا فعلت.
توفي يوم الخميس لثمَان عشرة ليلة مضت [12] من ربيع الأول، لساعتين مضتا من النهار، وقيل: لأربع، ودفن بسامراء، فكانت خلافته ثمَان سنين وثمَانية أشهر، وقيل:
ويومين، وكان [13] عمره ستا وأربعين سنة وسبعة أشهر وثمَانية عشر يومَا. وقيل: سبعا وأربعين وشهرين [14] وثمَانية عشر يومَا.
__________
[1] سورة: الأنعام، الآية: 44.
انظر الخبر في تاريخ بغداد 3/ 346.
[2] في ت: «رزروز» .
[3] في ت: «الزمار» .
[4] في ت: «لما مرض» .
[5] «فيها» ساقطة من ت.
[6] في ت: «منزله» .
[7] في ت: «يا زمار» .
[8] «يا أمير المؤمنين» ساقطة من ت.
[9] في الأصل: «وهي» .
[10] «من الزلال» ساقطة من ت.
[11] في ت: «لما اختصر» .
[12] في ت: «خلت» .
[13] «وكان» ساقطة من ت.
[14] «وشهرين» ساقطة من ت.

(11/128)


ثُمّ دخلت سنة ثمَان وعشرين ومَائتين
فمن الحوادث فيها:
أن الواثق توج أشناس، وألبسه وشاحين/ بالجواهر وذلك في رمضان [1] . 59/ أوفيها: غلا السعر بطريق مكة، فبلغ رطل [خبز] [2] بدرهم، وراوية [مَاء] [3] بأربعين درهم، وأصاب النّاس بالموقف حر شديد، ثم مطر شديد فيه برد، فأصابهم الحر [4] ، ثم أضر بهم البرد، وذلك كله فِي ساعة، ومطروا بمنى مطرا شديدا لم يروا [5] مثله، وسقطت قطعه من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة من الحاج [6] .
وحج بالناس في هذه السنة: مُحَمَّد بْن داود [7] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1302- إسحاق بن بشر بن مقاتل، أبو يعقوب الكاهلي [8] .
من أهل الكوفة، ويروي عن [9] مَالك، وأبي معشر، وكامل أبي العلاء، وغيرهم أحاديث منكرة.
__________
[1] تاريخ الطبري 9/ 124.
[2] في الأصل: «فبلغ الرطل» .
وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «البرد» .
[4] في ت: «فأحر بالناس الحر» .
[5] في ت: «لم ير» .
[6] تاريخ الطبري 9/ 124.
[7] تاريخ الطبري 9/ 124.
[8] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 328.
[9] «عن» ساقطة من ت.

(11/129)


قَالَ أبو بكر بْن أبي شيبة: هُوَ كذاب. وتوفي في هذه السنة.
1303- بشار بْن موسى، أبو عثمَان العجلي الخفاف [1] .
بصري الأصل، حدث عن: أبي عوانة، وشريك بْن عبد الله، روى عنه:
أحمد بْن حنبل، وقال [2] : كَانَ صاحب سنة.
وقال ابْن المديني: مَا كَانَ ببغداد أصلب منه فِي السنة. وَكَانَ يحسن القول فيه.
فأمَا يحيى بْن معين فإنه لم يوثقه. وقال الفلاس: هُوَ ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الْحَدِيث.
قَالَ ابْن عدي: قول من وثقه أقرب إِلَى الصواب ممن ضعفه، وأرجو أنه لا بأس به.
توفي فِي رمضان هَذِهِ السنة.
1304- حاجب [3] بْن الوليد بن ميمون، أبو أحمد الأعور [4] .
59/ ب سمع جعفر بْن ميسرة [5] /، وبقية، وغيرهمَا، روى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، والبغوي، وَكَانَ ثقة، توفي ببغداد فِي رمضان هَذِهِ السنة [وَكَانَ أعور] [6] .
1305- حبيب بْن أوس بْن الحارث بْن قيس، أبو تمَام الطائي الشاعر [7] .
ولد سنة تسعين ومَائة، شامي الأصل، كَانَ بمصر فِي حداثته يسقي المَاء فِي المسجد [8] الجامع، ثُمّ جالس الأدباء، وأخذ عنهم، وَكَانَ فطنا، وكان يحب الشعر،
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 118- 123.
[2] «وقال» ساقطة من ت.
[3] في ت: «عاجم» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 270.
[5] في ت: «سمع حفص بن ميسرة» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 248- 252 وفي هامش الأصل عنوان: «أبو تمام الطائي» .
[8] في ت: «في مسجد» .

(11/130)


فلم يزل يعانيه حتى قَالَ الشعر فأجاد، وبلغ المعتصم خبره، فحمله إليه وَهُوَ بسامراء، فمدحه فأجازه وقدمه عَلَى الشعراء، وقدم بغداد وجالس بِهَا الأدباء، وَكَانَ ظريفا، حسن الأخلاق، كريم النفس، فأقر لَهُ الشعراء بالتقدم.
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قَالَ: [أَخْبَرَنَا أبو بكر] عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ [1] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عمر بن روح النهرواني قال أخبرنا المعافى بن زكريا، حَدَّثَنَا محمد بْن محمود الخزاعي، حَدَّثَنَا علي بْن الجهم قَالَ: كَانَ الشعراء يجتمعون كل جمعة فِي القبة المعروفة بهم من جامع المدينة، فيتناشدون الشعر، ويعرض كل واحد منهم عَلَى صاحبه [2] مَا أحدث من القول بعد مفارقتهم فِي الجمعة [3] التي قبلها، فبينا [4] أنا فِي جمعة من تلك الجمع، ودعبل، وأبو الشيص. وابن أبي فنن [5] ، والناس يستمعون إنشاد بعضنا بعضا، أبصرت شابا فِي أخريات الناس، جالسا فِي زي [6] الأعراب وهيئتهم، فلمَا قطعنا الإنشاد قَالَ لنا: قد سمعت إنشادكم منذ اليوم/ 60/ أفاسمعوا إنشادي، قلنا: هات، فأنشدنا:
فحواك عين عَلَى نجواك يَا مذل [7] ... حتام لا يتقضى قولك الخطل
وإن أسمع من نشكو إليه جوى [8] ... من كَانَ أحسن شيء عنده العذل
مَا أقبلت أوجه اللذات سافرة ... مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول
إن شئت أن لا ترى صبر اليقين بِهَا [9] ... فانظر عَلَى أي حال أصبح الطلل
كأنمَا جاد مغناه فغيره ... دموعنا يوم بانوا وهي تنهمل
__________
[1] في ت: «أخبرنا أبو منصور بن محمد أخبرنا أبو بكر» .
[2] في ت: «أصحابه» .
[3] في الأصل: «من الجمعة» .
[4] في ت: «قال بينما» .
[5] في ت: «فتن» .
[6] في ت: «في بزي» .
[7] في ت: «نحراك على نحراك يا رجل» .
وفي تاريخ بغداد: «فحواك دل» .
[8] في ت: «وأن أسمع من يشكو إليه هوى» .
[9] في ديوانه: «أن لا ترى صبرا لمصطبر» .

(11/131)


ولو ترانا وإياهم وموقفنا ... فِي موقف اليأس لاستهلالنا زجل
[من حرقة أطلقتها فرقة أسرت ... قلبا ومن غزل فِي نحره عذل]
ثم مر [1] فيها حَتَّى انتهى إِلَى قوله فِي مدح المعتصم:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت لَهُ ... حَتَّى ظننت قوافيه ستقتتل
ثم مر فيها إِلَى آخرها. قلنا لَهُ [2] : زدنا. فأنشدنا:
ومن ألم بِهَا فَقَالَ سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام
60/ ب حَتَّى أتى عَلَى آخرها وَهُوَ يمدح المأمون، فاستزدناه [3] فأنشدنا/ قصيدته التي أولها:
قدك اتئد أربيت [4] فِي الغلواء ... كم تعذلون وأنتم سجرائي [5]
حَتَّى انتهى إِلَى آخرها، فقلنا لَهُ [6] : لمن هَذَا الشعر؟ فَقَالَ: لمن أنشدكموه، قلنا: ومن تكون؟ قال: أنا أبو تمَام حبيب بْن أوس الطائي، فَقَالَ لَهُ أبو الشيص: تزعم أن هَذَا الشعر لك تقول:
تغاير الشعر فيه إذ سهرت لَهُ ... حَتَّى ظننت قوافيه ستقتتل
قَالَ: نعم، لأني سهرت فِي مدح ملك، ولم أسهر فِي مدح سوقة، فقربناه حَتَّى صار معنا [فِي موضعنا] [7] ، ولم نزل نتهاداه بيننا وجعلناه كأحدنا، واشتد إعجابنا به لدمَاثته [8] وظرفه وكرمه، وحسن طبعه، وجودة شعره، وَكَانَ ذلك اليوم أول يوم عرفناه فيه، ثم ترافعت [9] حاله حتى كان من أمره ما كان [10] .
__________
[1] في الأصل: «ومر» والبيت السابق بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «فقلنا» ، و «له» ساقطة من ت.
[3] «حَتَّى أتى عَلَى آخرها وَهُوَ يمدح المأمون فاستزدناه» . ساقطة من ت.
[4] في ت: «ارتبت» .
[5] في ت: «شحراي» .
[6] «له» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «لدمائة» .
[9] في تاريخ بغداد: «ثم ترقت» .
[10] تاريخ بغداد 8/ 249- 250.

(11/132)


أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ] [1] أحمد بن علي بن ثابت، أخبرني علي بن أيوب القمي، أخبرنا محمد بن عمران [2] الكاتب قَالَ: أخبرني الصولي قَالَ:
حدثني الحسين بْن إسحاق قَالَ: قلت للبحتري: الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمَام، فَقَالَ: والله مَا ينفعني هَذَا القول ولا يضير أبا تمَام، والله مَا أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كمَا قالوا، ولكني والله تابع لَهُ، لائذ به، أجد نسيمي يركد [3] عند [هوائه] [4] ، وأرضى تنخفض عن سمَائه [5] .
ومن شعر أبي تمَام المستحسن:
يَا طالبا مسعاتهم لينالها ... هيهات منك غبار ذاك الموكب
يعطي عطاء المحسن الخضل الندى ... عفوا ويعتذر اعتذار المذنب
/ سجر يطم عَلَى العفاة وإن تهج ... ريح السّؤال بمدحه يغلولب 61/ أ
أولى المديح بأن يكون مهذبا ... مَا كَانَ منه فِي أغر مهذب
غربت خلائقه وأغرب شاعر ... فيه وأحسن مغرب فِي مغرب
[لمَا كرمت نطقت فيك بمنطق ... حق فلم أنم ولم الحزب] [6]
وله:
فسواء أجابني غير داع ... ودعائي بالقاع غير مهيب
رب خفض تحت الشرى وعناء ... من عناء ونصرة من شحوب
لست أدلي بحرمة لي مزيدا ... فِي وداد منكم ولا فِي نصيب
غير أن العليل ليس بمذموم ... عَلَى شرح حاله للطبيب
لو رأينا التثويب خطة عجزها ... مَا شفعنا الأذان بالتثويب [7]
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أحمد بن عمران» .
[3] في ت: «كما قالوا والله أن نسيمي يدكر» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 8/ 250.
[6] هذا البيت ساقط من الأصل.
[7] ن أول: «وله: فسواء أجابني غير داع ... » حتى نهاية الأبيات جاء في ت بعد الأبيات التي أولها:
«ستصبح العيس والليل عند ... » .

(11/133)


وله:
ستصبح العيس بي والليل عند فتى ... كثير ذكر الرضا فِي ساعة الغضب
صدفت عنه فلم تصدف مودته ... عني وعاوده ظني فلم يخب
كالغيث إن جئته وافاك ريقه ... وإن تحملت عنه كَانَ فِي الطلب
كأنمَا هُوَ فِي أخلاقه أبدا ... وإن ثوى وحده فِي عسكر لجب
[وله فِي أخرى: [1]
وكأن قسا فِي عكاظ يخطب ... وكأن ليلى الأخيلية تندب
وكثير عزة يوم بين ينسب ... وابن المقفع فِي اليتيمة سهب
وله أيضا:
أأيامنا مَا كنت إلا مواهبا ... وكنت بإسعاف الحبيب حبابئا
سيغرب تجديد لعهدك فِي الهوى ... فمَا كنت فِي الأيام إلا غرائبا
كواعب زادت فِي ليال قصيرة ... تخيلن لي من حسنهن كواعبا
سلبن غطاء الحسن عن حر أوجه ... تظل للب السالبيها سوالبا
وجوه لو أن الأرض فيها كواكب ... توقد للساري لكن كواكبا
سلي هل عمرت النفر وَهُوَ سباسب ... وغادرت ربعي من ركابي سباسبا
وغربت حَتَّى لم أجد ذكر مشرق ... وشرقت حَتَّى قد نسيت المغاربا
خطوب إذا لاقيتهن رددنني ... جريحا كأني قد لقيت الكتائبا
وقد يكهن السيف المسمى منية ... وقد يرجع المرء المظفر خائبا
وآفة ذا أن لا يصادف مضربا ... وآفة ذا أن لا يصادف ضاربا
وملآن من ضغن كواه توقلي ... إِلَى الهمة العليا سنامَا وغاربا
شهدت جسيمَات العلى وَهُوَ غائب ... ولو كَانَ أيضا شاهدا كَانَ غائبا
وكنت آمرا ألقى الزمَان مسالمَا ... تعاليت لا ألقاه إلا محاربا
ثوى مَاله نهب المعالي فأوجبت ... عَلَيْهِ زكاة الجود مَا ليس واجبا
وتحسن فِي عينيه إن جئت زائرا ... ويزداد حسنا كلمَا جئت طالبا
خدين العلى أبقى لَهُ البذل والتقى ... عواقب من عرف كفته العواقبا
__________
[1] من هنا ساقط من الأصل وأثبتناه من النسخة ت. وهو ما بين المعقوفتين.

(11/134)


تطول استشارات التجارب رايه ... إذا مَا ذوو الرأي استشاروا التجاربا
وله أيضا:
إذا أمه العافون ألفوا حياضه ... ملاء وألفوا ربعه غير محدب
أخو عرفات بذله بذل محسن ... إلينا ولكن عذره عذر مذنب
وله أيضا:
بين البين فقدها قل مَا ... تعرف قعدا للشمس حَتَّى تعبا
كل داء يرجى الدواء لَهُ ... إلا القطيعين مسته وشيا
وله:
إذا المرء لم يستخلص الحزم نفسه ... فذروته للحادثات وغاربه
أعاذلتي مَا أخشن الليل مركبا ... وأخشن منه فِي الملمَات راكبه
ذريني وأهوال الزمَان أنالها ... فأهواله العظمى تلتها رغائبه
ألم تعلمي أن الزمَاع عَلَى السرى ... أخو النجح عند النائبات وصاحبه] [1]
/ وله: 61/ ب
وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيمَا جاورت ... مَا كَانَ يعرف طيب عرف العود
وله:
وطول مقام المرء فِي الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إِلَى الناس إذ ليست عليهم بسرمد
[محاسن أصناف المغنين جمة ... ومَا قصبات السبق إلا لمعبد
وله:
وأنجدتم من بعد اتهام داركم ... فيا دمع أنجدني عَلَى ساكني نجد
لعمري قد أخلقتم جدة البكا ... علي وجددتم به خلق الوجد
كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي ومتى مَا لمته لمته وحدي] [2]
__________
[1] إلى هنا الساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/135)


وأيضا لَهُ:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... مَا الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل فِي الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل [1]
وله أيضا:
هُوَ البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله
تعود بسط الكف حَتَّى لو أنه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله
ولو لم يكن فِي كفه غير نفسه ... لجاد بِهَا فليتق الله سائله
[وله:
إذا آمل رجاه قرطس في المنى ... بأسهمه حتى لؤمل آمله
وله:
إذا أحسن الأقوام أن يتطاولوا ... بلا منة أحسنت أن تتطولا
تعظمت عن ذاك التعظم بينهم ... وأوصاك قل القدر أن لا تنبلا] [2]
وله:
أنت فِي حل فزدني سقمَا ... أفن صبري واجعل الدمع دمَا
ليس منا من شكا علته ... من شكى ظلم حبيب ظلمَا
[وله أيضا:
ذاك السؤال شجى فِي الخلق مقبوض ... من دونه شرق من خلفه حوض
مروءة ذهبت أثمَارها شبه ... وهمية جوهر أثمَارها عرض
وله أيضا:
أرى ألفات قد كتبن عَلَى رأسي ... بأقلام شيب فِي مفارق قرطاس
فإن تسأليني من يخط حروفها ... فكف الليالي تستمد بأنفاسي
جرت فِي قلوب الغانيات لهبتني ... قشعريرة من يعدلن دانياس
__________
[1] هذان البيتان في النسخة ت جاءا بعد ثلاث أبيات.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/136)


وقد كنت أجري من حشاهن مرة ... مجاري جاري المَاء فِي غصن الآس
فإن أمس من وصل الكواعب أيسا ... فاخرا مَال العباد إِلَى اليأس] [1]
وله:
ليس الغبي بسيد فِي قومه ... لكن سيد قومه المتغابي
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] قَالَ: [أَخْبَرَنَا أبو بكر] [2] الخطيب قَالَ: أخبرنا الأزهري قال:
أخبرنا أحمد بن إبراهيم، أَخْبَرَنَا إبراهيم بْن عرفة قَالَ: سنة ثمَان وعشرين فيها مات أبو تمام [الطائي] [3] . وقيل: سنة إحدى وثلاثين. وقيل سنة اثنتين [4] وثلاثين [5] .
1306- داود بْن عمرو/ بْن زهير، أبو سليمَان الضبي [6] .
62/ أسمع حمَاد بْن زيد، وابن عيينة، سمع منه: يحيى، وأحمد، وابن أبي الدنيا، والبغوي، وَكَانَ ثقة.
وتوفي فِي صفر هَذِهِ السنة.
1307- سلم بْن قادم، أبو الليث [7] .
سمع سفيان بْن عيينة، وبقية، روى عنه: عباس الدوري، وكان ثقة.
وتوفي في هذه السنة في ذي القعدة [8] .
1308- عبيد الله بْن مُحَمَّد بْن حفص [بْن عمر] [9] بْن موسى بن عبيد الله [10] بن معمر،
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ت: «حدثنا إبراهيم بن عرفة قال: مات أبو تمام الطائي سنة ثمان وعشرين ومائتين» .
[5] تاريخ بغداد 8/ 252.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 363- 365.
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 145.
[8] في ت: «وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في ت: «عبد الله» .

(11/137)


أبو عبد الرحمن التيمي، ويعرف بابن عائشة، لأنه من ولد عائشة بنت طلحة ابن عبيد الله التيمي [1] .
سمع حمَاد بْن سلمة، وسفيان بْن عيينة، وخلقا كثيرا، روى عنه: أحمد بْن حنبل، والبرجلاني، وإبراهيم الحربي، والبغوي، وَكَانَ من أهل البصرة فقدم بغداد، وحدث بِهَا، ثم عاد إِلَى البصرة، وَكَانَ فصيحا أديبا سخيا، حسن الخلق، عارفا بأيام الناس، صدوقا. وقال إبراهيم الحربي: مَا رأت عيني مثل ابْن عائشة.
[أَخْبَرَنَا أبو منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر قَالَ:] [2] أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد [3] أخو الخلال، أَخْبَرَنَا إبراهيم بْن عبد الله الشطي، حَدَّثَنَا أبو القاسم الكريزي، حَدَّثَنَا محمد بْن زكريا الغَلَّابِي [4] قَالَ: كنت عند ابْن عائشة فسأله رجل أن [5] يهب لَهُ شيئا، فنزع جبة [سعيدية] [6] كانت عليه تساوي ستة دنانير أو سبعة، فدفعها إليه، فَقَالَ لَهُ وكيله مَا أخوفني عليك أن تموت فقيرا، فَقَالَ: كيف؟ قَالَ: كانت لك ست جباب فوهبتها، وبقيت لك هَذِهِ الجبة، فوهبتها [7] وهذا الشِّتَاء مقبل. فَقَالَ: إليك عني، فإني أريد أن أكون كمَا قَالَ الأول:
62/ ب
/ وفتى خلا من مَاله ... ومن المروة غير خالي
أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال
وإذا رأى لك موعدا ... كَانَ الفعال مَعَ المقال
للَّه درك من فتى ... مَا فيك من كرم الخصال [8]
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: [أَخْبَرَنَا أبو بكر] أحمد بْن علي [9] قال:
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 314.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «عبد الرحمن بن محمد» .
[4] «الغلابي» ساقطة من ت.
[5] في ت: «فجاءه رجل فسأله» .
[6] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[7] «وبقيت لك هذه الجبة فوهبتها» ساقطة من ت.
[8] تاريخ بغداد 10/ 315- 316.
[9] في ت: «أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر بن علي» .

(11/138)


أَخْبَرَنَا الأزهري، حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمر الخلال، أَخْبَرَنَا أبو بكر بْن أبي شيبة، قَالَ: قَالَ جدي: أنفق ابْن عائشة عَلَى إخوانه أربعمَائة ألف دينار [فِي الله] [1] حَتَّى التجأ إِلَى أن باع سقف بيته.
قَالَ المصنف: كَانَ ابْن عائشة مَعَ معانيه الكاملة شديد القوة فِي اليدين [2] ، فكان يمسك بيمينه ويساره شاتين إِلَى أن يسلخا.
ولمَا حدث بواسط وشخص إِلَى البصرة فات بعض من سمع منه الحديث بعض مَا سمع [3] ، فأخذ جرة جديدة، فملأها مَاء وغطاها، ومضى يتبعه، فلمَا صار إِلَى البطائح وعدم المَاء العذب أتاه بِهَا، فسر بذلك وفرقها [4] بين أصحابه، ثم قَالَ لَهُ: مَا حاجتك [5] ؟ فَقَالَ: فاتني شيء من حديثك، فقرأه عَلَيْهِ، وأعطاه خمسين دينارا، ثم أعطاه دراهم وقال: أنفق هَذِهِ فِي طريقك حَتَّى تخلص لك الخمسون.
توفي في رمضان هذه السنة.
1309- عبد الملك بن عبد العزيز، أبو نصر التمَار [6] .
سمع مَالك بْن أنس، والحمَادين، وغيرهم، روى عنه: مسلم بْن الحجاج فِي صحيحه، وَكَانَ عالمَا ثقة زاهدا، يعد فِي الأبدال، وَكَانَ ممن أجاب في المحنة [7] ، وكان أحمد ينهى عن الكتابة عنه وَلَم/ يخرج للصلاة عَلَيْهِ، كل ذلك ليعظم أمر 63/ أالقرآن [8] عند الناس.
توفي أبو نصر فِي أول يوم من محرم هَذِهِ السنة، وقد جاوز [9] التسعين سنة، وكان بصره قد ذهب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد 10/ 316.
[2] في ت: «في البدن» .
[3] في ت: «من سمع الحديث بعض الحديث» .
[4] في ت: «ووزعها» .
[5] في ت: «ما جاء بك» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 420- 423.
[7] في ت: «في المحنة بقية» .
[8] في الأصل: «أمر القولين» .
[9] في الأصل: «وقد حاصر» .

(11/139)


1310- علي بْن غنام [1] بْن علي، أبو الحسن العامري [2] الكوفي.
كَانَ أديبا فقيها حافظا زاهدا، سمع من مَالك بْن أنس، وحمَاد بْن زيد [3] ، وابن عيينة، وغيرهم، سكن نيسابور، فورد عبد الله بْن طاهر، فبعث إليه يسأله حضور [4] مجالسه، فأبى عَلَيْهِ، وتشفع بإسحاق بْن راهويه حَتَّى أعفاه، ثم خرج من نيسابور فحج، ثم سكن السوس [5] إِلَى أن توفي بها في هَذِهِ السنة.
وَكَانَ لا يحدث إلا بعد الجهد، ويقول: ليس علي إلا أن أعلم رجلا يهتم بأمر دينه، فحينئذ لا يسعني أن أمنعه، وَكَانَ يقول: يفرح الرجل لدرهم يستفيده ولا يعلم أنه يحاسب عَلَيْهِ، وَكَانَ يقول العلم [6] الخشية، فأمَا معرفة الحديث، فإنمَا هي معرفة، وقال: اتقوا سؤال الليل. يعني أصحاب التعفف والتستر.
1311- محمد بْن أبي بلال [7] .
حدث عن مَالك بْن أنس. قَالَ يحيى بْن معين: ليس به بأس [8] .
وتوفي ببغداد هَذِهِ السنة.
1312- محمد بْن جعفر بْن زياد بْن أبي هاشم، أبو عمران الوركاني [9] .
من أهل خراسان، سكن بغداد، وحدث بِهَا عن إبراهيم بْن سعد الزهري، وأيوب بْن جابر الحنفي، ومَالك بْن أنس، وفضيل بْن عياض، وغيرهم روى عنه:
يحيى بْن معين ووثقه، وعباس الدوري، والبغوي، وَكَانَ أحمد بْن حنبل يكتب عنه ويوثقه.
__________
[1] في ت: «عتام» .
[2] في ت: «المعافري» .
[3] في ت: «بن مريد» .
[4] في الأصل: «يسأله الحضور» والتصحيح من: ت.
[5] في ت: «سكن طرسوس» .
[6] في ت: «يقول: إنما العمل» .
[7] لم أقف على ترجمته.
[8] في ت: «ليس به شيء» .
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 116- 118.

(11/140)


وتوفي لسبع بقين من رمضان/ هَذِهِ السنة. 63/ ب
1313- محمد بْن جعفر بْن أبي مؤاتية [1] الكلبي [2] .
بغدادي سكن فيد، وتوفي بِهَا [3] ، وحدث عن محمد بْن فضيل، ووكيع، وغيرهمَا، أخرج عنه البخاري فِي صحيحه.
1314- محمد بْن حسان بْن خالد، أبو جعفر السمتي [4] .
سمع أبا يوسف بْن يعقوب المَاجشون، وهشيم بْن بشير، وغيرهمَا. قَالَ يحيى بْن معين: ليس به بأس. وقال الدار الدارقطني: ثقة يحدث عن الضعفي [5] .
وتوفي فِي ذي الحجة من هذه السنة.
1315- محمد بن عبيد الله بْن عمرو بْن معاوية بْن عمرو بْن عتبة بْن أبي سفيان بْن حرب، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ العتبي [6] .
بصري صاحب أخبار وروايات للأدب، حدث عن سفيان بْن عيينة وغيره، وَكَانَ فصيحا، وروى عنه أَبُو حاتم، والرياشي، والكديمي، وغيرهم.
وتوفي في هذه السنة.
1316- محمد بْن مصعب، أبو جعفر [الدعاء] [7] .
كَانَ أحد العباد المذكورين، والقراء المعروفين [8] أثنى عَلَيْهِ أحمد بْن حنبل، ووصفه بالسنة، وَقَدْ حدث عن ابْن المبارك وغيره، وَكَانَ يقص ويدعو قائمَا، وكان مجاب الدعوة، وأمر به المأمون إِلَى الحبس، فلمَا دخله رفع رأسه إِلَى السمَاء، وقال:
أقسمت عليك أن حبستني عندهم الليلة، فأخرج فِي جوف الليل [9] ، فصلى الغداة في منزله.
__________
[1] في ت: «أبي مرابية» .
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 118.
[3] في ت: «ومات بها» .
[4] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 274.
[5] في ت: «عن الضعفاء» .
[6] انظر ترجمته في: الأنساب 8/ 380.
[7] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 279- 281.
[8] في الأصل: «والقراء الكوفيين» .
[9] «فأخرج في جوف الليل» ساقطة من ت.

(11/141)


أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا محمد بن 64/ أأحمد بْن زُرَيْق، أَخْبَرَنَا إسمَاعيل بْن علي الخطبي قَالَ: سمعت حسين بْن الفهم/ يقول- وذكر محمد بْن مصعب- فَقَالَ: استسقى مَاء فحطت برادة، فسمع صوتها فشهق وصاح [1] : يَا محمد بْن مصعب [2] ، من أين لك فِي النار برادة؟ ثم رفع [3] صوته، فقرأ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ 18: 29 [4] .
توفي ابْن مصعب فِي ذي الحجة [5] من هَذِهِ السنة.
1317- مسدد بْن مسرهد [6] بْن مسربل بْن مغربل بْن مطربل، أبو الحسن البصري.
روى ابْن مَاكولا، عن أبي علي الخالدي: أنه مسدد بْن مسرهد بْن مسربل بْن مغربل بْن [مرعبل] [7] بْن أرندل بْن سرندل بْن عرندل بْن مَاشك بْن المستورد الأسدي.
قَالَ أحمد بْن يونس الرقي [8] : جئت إِلَى أبي نعيم بالكوفة فَقَالَ لي: [9] من محدث البصرة؟ قلت: مسدد بْن مسرهد بْن مسربل الأسدي، فَقَالَ: لو كانت [فِي] [10] هَذِهِ التسمية بسم الله الرحمن الرحيم لكانت رقية العقرب [11] .
سمع مسدد من أبي عوانة، وحمَاد بْن زيد. ومَات فِي سنة ثمان وعشرين ومائتين وكان مرضيا.
__________
[1] في الأصل: «وقال» .
[2] في الأصل: «يا محمد بن منصور» .
[3] «رفع» ساقطة من ت.
[4] سورة: الكهف، الآية: 29.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 3/ 280.
[5] في ت: «ذي القعدة» .
[6] في الأصل: «مسهر» .
انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 2/ 242.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] «الرقي» ساقطة من ت.
[9] «لي» ساقطة من ت.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في الأصل: «رقية عقرب» .

(11/142)


1318- نعيم بْن الهيصم، أبو محمد الهروي [1] .
سكن بغداد، وحدث بِهَا عن فرج [2] بْن فضالة، وأبي عوانة، روى عنه:
البغوي، وكان ثقة.
توفي في شوال هذه السنة.
1319- يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن ميمون بن عبد الرحمن- وميمون يلقب بسمين- ويكنى يحيى: أبا زكريا، الحماني الكوفي [3] .
قدم بغداد وحدث بِهَا عن إبراهيم بْن سعد، وشريك، وحمَاد بْن زيد، وسفيان بْن عيينة، وأبي بَكْر بْن عياش، روى عنه: ابن أبي الدنيا، والبغوي. وَكَانَ ثقة/ توفي في رمضان هذه السنة [4] . 64/ ب قَالَ يحيى: هُوَ صدوق مشهور بالكوفة مثله لا يقال فيه إلا من حسد [5] . وفي رواية عنه قَالَ: هُوَ ثقة وأبوه ثقة.
وقال أحمد بْن حنبل: كَانَ يكذب جهارا.
[توفي بسر من رأى فِي رمضان هَذِهِ السنة] [6] .
__________
[1] في الأصل: «نعيم أبو الهيثم أبو محمد الهيثم» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 305- 306.
[2] في ت: «عن خرج بن فضالة» .
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 167.
[4] «وَكَانَ ثقة. توفي في رمضان هذه السنة» ساقطة من ت.
[5] في ت: «مثله ما يقال فيه إلا من حسد» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/143)


ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين
[حبس الواثق الكتّاب، وإلزامهم أموالا]
فمن الحوادث فيها:
حبس الواثق الكتاب، وإلزامهم أموالا، فدفع أحمد بْن أبي إسرائيل إِلَى إسحاق بْن يحيى بْن معاذ صاحب الحرس، فضربه، فأدى ثمَانين ألف دينار، وأخذ من سليمَان بْن وهب كاتب إيتاخ أربعمَائة ألف دينار، ومن أحمد بْن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار، وأخذ من نجاح ستين ألف دينار [1] ، ومن الحسن بْن وهب أربعة عشر ألف دينار، ومن أبي الوزير صالح [2] مَائة ألف [دينار] [3] وأربعين ألف دينار، سوى مَا أخذ من العمَال بسبب عمَالاتهم، ونصب محمد بْن عبد الملك لابن أبي دواد وسائر أصحاب المظالم العداوة، فكشفوا وحبسوا، وأجلس إسحاق بْن إِبْرَاهِيم، فنظر فِي أمورهم وأقيموا للناس، ولقوا كل جهد [4] .
وفيها: ولي محمد بْن صالح بْن العباس المدينة.
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن داود [5] .
__________
[1] «أحمد بْن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار وأخذ من نجاح ستين ألف دينار» ساقط من ت.
[2] تاريخ الطبري: «أبي الوزير صلحا» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ الطبري 9/ 125.
[5] تاريخ الطبري 9/ 128.

(11/144)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1320- إسمَاعيل بْن عبد الله بْن زرارة، أبو الحسن السكري الرقي [1] .
حدث عن حمَاد بْن زيد وغيره، روى عنه: ابْن أبي الدنيا، وعبد الله بْن أحمد، وَكَانَ ثقة.
وتوفي بالبصرة في هذه السنة.
1321- خلف بْن هشام بْن ثعلب- ويقال: خلف بْن هشام بن طالب-/ بن غراب، 65/ أأبو محمد البزار المقرئ [2] .
سمع مَالك بْن أنس، وحمَاد بْن زيد، وأبا عوانة، وخلقا كثيرا، روى عنه: عباس الدوري، وإبراهيم الحربي، وأبو بكر بْن أبي الدنيا، والبغوي، وَكَانَ آخر [3] من حدث عنه.
وَكَانَ ثقة فاضلا عابدا، وَكَانَ يشرب النبيذ عَلَى رأي الكوفيين [4] ، ثم تركه وصام الدهر، وأعاد صلاة أربعين سنة كَانَ يشرب فيها.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ [الْقَزَّازُ] ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي [بن ثابت] [5] ، أَخْبَرَنَا محمد بْن أحمد بْن رزق، حَدَّثَنَا محمد بْن الحسن [بْن زياد] [6] النقاش قَالَ: سمعت إدريس بْن عبد الكريم [7] يقول: كَانَ خلف بْن هشام يشرب [من الشراب] [8] عَلَى التأويل، وَكَانَ ابْن أخته [9] يومَا يقرأ عَلَيْهِ سورة الأنفال حَتَّى بلغ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ 8: 37
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 261- 262.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 322- 328.
[3] في ت: «وهو آخر» .
[4] في ت: «على مذهب الكوفيين» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «إدريس بن عبد السلام» .
[8] ما بين المعقوفتين زيادة من تاريخ بغداد.
[9] في ت: «وكان ابن أخيه» .

(11/145)


الطَّيِّبِ 8: 37 [1] فَقَالَ: يَا خال، إذا ميز الله الخبيث من الطيب، أين يكون الشراب؟ قَالَ:
فنكس رأسه طويلا، ثم قَالَ: مَعَ الخبيث، قَالَ: أفترضى أن تكون مَعَ أصحاب الخبيث؟ قَالَ: يَا بني امض إِلَى المنزل فاصبب كل شيء فيه، وتركه فأعقبه الله الصوم، فكان يصوم الدهر إِلَى أن مَات [2] .
توفي خلف فِي جمَادى الآخرة من هَذِهِ السنة.
1322- رابعة بنت إسمَاعيل [3] .
زوج [4] أحمد بْن أبي الحواري.
أَخْبَرَنَا أبو بكر بْن حبيب، أَخْبَرَنَا أبو بكر [5] بْن أبي صادق، أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله بْن باكويه، حَدَّثَنَا عبد الواحد بْن بكر، حَدَّثَنَا إسحاق بْن أحمد بْن علي [حَدَّثَنَا] إبراهيم بْن يوسف [6] ، حَدَّثَنَا أحمد بْن أبي الحواري قَالَ: قلت لرابعة- وهي امرأتي وقامت بليل- قد رأينا أبا سُلَيْمَان وتعبدنا معه مَا رأينا من يقوم من أول الليل، فقالت: سبحان الله، مثلك لا يتكلم، إِنَّمَا أقوم [7] إذا نوديت.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا رزق الله بْن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو 65/ ب عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، حَدَّثَنَا محمد بْن أحمد [8] /، حَدَّثَنَا العباس بْن حمزة، حَدَّثَنَا أحمد بْن أبي الحواري قَالَ: سمعت رابعة تقول: ربمَا رأيت الحور [9] يذهبون ويجيئون، وربمَا رأيت الحور العين يستترون [10] مني بأكمَامهن، وقالت بيدها عَلَى رأسها.
__________
[1] سورة: الأنفال، الآية: 37.
[2] تاريخ بغداد 8/ 325، 326.
[3] انظر ترجمتها في طبقات الصوفية للسلمي.
[4] «زوج» ساقطة من ت.
[5] في ت: «أبو سعد» .
[6] في الأصل: «أحمد بن علي بن إبراهيم بن يوسف» .
[7] في ت: «مثلك يتكلم بهذا، أنا أقوم» .
[8] في ت: «محمد بن سعيد» .
[9] في ت: «الحر» .
[10] في ت: «يستبرق» .

(11/146)


1323- عبد الله [1] بن محمد بن عبد الله بْن جعفر بْن اليمَان، أبو جعفر البخاري المسندي [2] .
وَهُوَ مولى محمد بْن إسمَاعيل البخاري من فوق.
سمع سفيان بْن عيينة، وفضيل بن [عياض، و] [3] عبد الرزاق، وخلقا كثيرا، وإنمَا قيل لَهُ: المسندي لأنه كان يطلب الأحاديث المسندة [4] ، ويرغب عن المقاطيع والمراسيل، وروى عنه: البخاري فِي صحيحه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة، وقيل: فِي ذي الحجة.
1324- عباد بْن موسى، أبو محمد الختّليّ [5] .
سكن بغداد، وحدث بِهَا عن إبراهيم بْن سعد، وإسمَاعيل بْن عياش [6] ، روى عنه: البخاري والدوري، وكان ثقة.
وتوفي بالثغر في هذه السنة، خرج إلى طرسوس فمات [بها] [7] .
وقال هبة الله الطبري: روى عباد هَذَا عن سفيان الثوري، وإسرائيل، وهذا غلط منه، إنمَا الراوي عنهمَا عباد بْن [8] موسى أبو عقبة [9] الأزرق، فإنه يروي عنهمَا، وعن إبراهيم بْن طهمَان، وحمَاد بْن سلمة، وعبد العزيز بْن أبي دواد، وهو أقدم من الختّليّ.
__________
[1] في الأصل: «عبيد الله» .
[2] في الأصل: «المسند» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 64، 65.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وكتب على الهامش: «فضيل بن عباس» خطأ.
[4] في الأصل: «المرسلة» .
[5] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 107.
[6] في الأصل: «إسماعيل بن عباس» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «عباس بن موسى» .
[9] في الأصل: «بن عشبة» .

(11/147)


1325- علي بْن صالح، صاحب المصلى [1] .
حدث عن القاسم بْن معين [2] المسعودي.
أَخْبَرَنَا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا التنوخي قَالَ: سمعت أبا الفرج [3] محمد بْن جعفر بْن الحسن [4] بْن سليمَان بْن علي بْن صالح صاحب المصلى وسأله [5] أبي عن سبب تسمية جده بصاحب المصلى، فَقَالَ: إن صالحا [6] [جدنا كَانَ ممن جاء مَعَ أبي مُسْلِم إِلَى السفاح، وَكَانَ من أولاد ملوك خراسان من أهل بلخ، فلمَا أراد المنصور إنفاذ أَبِي مسلم لحرب عبد الله بْن علي سأله أن يخلفه وجمَاعة من أولاد ملوك خراسان بحضرته، منهم الخرسي وغيره، فخلفهم، واستخدمهم المنصور، فلمَا أنفذ أبو مسلم خزائن عبيد الله بْن علي عَلَى يد يقطين بْن موسى، عرضها المنصور عَلَى صالح والخرسي وشبيب وغيرهم ممن كان اتخذهم [7] من جنبة أبي مسلم واستخلصهم لنفسه وقال: من أراد من هَذِهِ الخزائن شيئا فليأخذه [8] ، فقد وهبته لَهُ. فاختار كل واحد منهم شيئا جليلا، فاختار صالح حصيرا للصلاة من عمل مصر، ذكر أنه كَانَ فِي خزائن بني أمية، وأنهم ذكروا أنه كَانَ للنّبيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ المَنْصُور: إن هَذَا لا يصلح أن يكون إلا فِي خزائن الخلفاء، فقال: قلت إنك قد وهبت لكل إنسان مَا اختاره، ولست أختار إلا هَذَا. فَقَالَ: خذه عَلَى شرط أن تحمله فِي الأعياد والجمع فتفرشه حَتَّى أصلي عَلَيْهِ. فَقَالَ: نعم، وَكَانَ المنصور إذا أراد الركوب إِلَى المصلى أو الجمعة أعلم صالحا، فأنفذ صالح الحصير ففرشه لَهُ [9] ، فإذا صلى عَلَيْهِ أمر به فحمل إِلَى داره، فسمّي لهذا صاحب المصلى، فلم تزل الحصير
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 437.
[2] في ت: «بن معن» .
[3] في الأصل: «أبا السرح» .
[4] في الأصل: «بن أبي الحسن» .
[5] في الأصل: «برسالة» .
[6] الورقة رقم 66 من مخطوطة أحمد الثالث مفقودة وأكملنا النقص من ت.
[7] في تاريخ بغداد: «اجتذبهم» .
[8] في ت: «فيأخذ» .
[9] في ت: «ففرش له» .

(11/148)


عندنا إِلَى أن انتهى إِلَى سليمَان جدي، وكان يخرجه كمَا كَانَ أبوه وجده يخرجانه للخلفاء، فَلَمَّا مَات سليمَان فِي أيام المعتصم ارتجع المعتصم الحصير إِلَى خزائنه [1] .
1326- نعيم بْن حمَاد بْن معاويه بْن الحارث بْن همَام، أبو عبد الله الخزاعي المروزي [2] .
سمع من إبراهيم بْن طهمَان حديثا واحدا، وسمع الكثير من إبراهيم بْن سعد، وسفيان بْن عُيَيْنة، وابن المبارك، روى عنه: يحيى بْن معين، ووثقه البخاري وجمَاعة أحدهم حمزة بْن محمد بْن عيسى الكاتب وهذا أول من جمع المسند.
قال الدار الدارقطني: هُوَ كثير الوهم. وَكَانَ قد سكن مصر، فلم يزل مقيمَا بِهَا حَتَّى أشخص للمحنة فِي القرآن إِلَى سامراء فِي أيام المعتصم، فسئل عن القرآن فأبى أن يجيبهم، فسجن فمَات فِي السجن في هذه السنة، وأوصى أن يدفن فِي قيوده وقال: إني مخاصم.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرني الأزهري، أخبرنا أَحْمَد بْن إبراهيم، حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة [3] قَالَ: سنة تسع وعشرين، فيها مات نعيم بن حماد وكان مقيدا محبوسا لامتناعه من القول بخلق القرآن، فجر بأقياده فألقي في حفرة ولم يكفن، ولم يصل عليه، فعل ذلك به صاحب ابْن أبي دؤاد [4] .
1327- يحيى بْن يوسف بْن أبي كريمة، أبو يوسف الزمي من قرية بخراسان [5] يقال لها: زم [6] .
سكن بغداد وحدث بِهَا عن شريك بْن عبد الله، وابن عيينة. روى الحاوي، وكان ثقة صدوقا. توفي في رجب هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 11/ 438، 439.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 306- 313.
[3] في ت: «بن عنقة» .
[4] تاريخ بغداد 13/ 313.
[5] في الأصل: «خراسان» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 167.

(11/149)


ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين
[توجيه الواثق بغا الكبير التركي- إلى الأعراب]
فمن الحوادث فيها:
توجيه الواثق بغا الكبير التركي- ويكنى أبا موسى- إلى الأعراب وكانوا قد عاثوا بالمدينة وما حولها، وكان بدو [1] ذلك أن بني سليم كانت تتطول عَلَى الناس حول المدينة بالشر، وأوقعوا بالقوم وقتلوا، فوجه إليهم محمد بْن صالح بن العباس 67/ أالهاشمي، وَهُوَ يومئذ] [2] / عامل المدينة حمَاد بْن جرير الطبري، وَكَانَ الواثق، قد وجه حمَادا مسلحة للمدينة لئلا يتطرّقها الأعراب فِي مَائتي فارس، فتوجه إليهم [3] حمَاد فِي جمَاعة فقاتلهم فغلبوه، وقوي أمر بني [4] سليم، فاستباحت القرى [5] والمناهل، فيمَا بينها [6] وبين مكة والمدينة، فوجه إليهم الواثق بغا، فشخص إِلَى حرة بني [7] سليم فِي شعبان، فواقعهم وراء السوارقية [8] ، وهي قريتهم التي كانوا يأوون إليها، وبالسوارقية حصون- فقتل منهم نحو خمسين [وانهزم الباقون] [9] ودعاهم إِلَى الأمَان عَلَى حكم
__________
[1] في ت: «بدوا» .
[2] من الأصل المشار إليه سابقا.
[3] «إليهم» سقط من ت.
[4] «بني» ساقطة من ت.
[5] في ت: «القوى» .
[6] في الأصل: «فما بيننا» .
[7] «بني» ساقطة من ت.
[8] في ت: «السوء لوقته» .
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(11/150)


الواثق، وهربت خفاف بني سليم، وحبس [1] عنده من أهل الشر منهم جمَاعة نحو ألف [2] رجل، وقدم بأساراهم، ثم شخص إِلَى مكة حاجا، ثم انصرف إِلَى بني هلال، فعرض عليهم مثل الذي عرض عَلَى بني سليم، وأخذ من مردتهم [3] نحوا من ثلاثمائة رجل [4] .
وفي هذه السنة: مَات عبد الله بْن طاهر، فولي الواثق مكانه ابنه طاهرا، وَكَانَ الواثق قد فكر فيمن يولي، فَقَالَ لَهُ ابْن أبي دؤاد: ول طاهرا، واربح إنفاق المَال، وإنفار الجيوش يتحدث الناس بوفائك [فعقد] [5] .
وظهر في هذه السنة فِي بعض قرى خوارزم عجب من امرأة رأت منامَا، فكانت لا تأكل ولا تشرب، وقد ذكر قصتها أبو عبد الله الحاكم فِي «تاريخ نيسابور» .
أَخْبَرَنَا زاهر بْن طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر البَيْهَقيّ، أَخْبَرَنَا الحاكم أبو عَبْد الله محمد بن عبد الله النيسابوري قال: سمعت أبا زكريا يحيى بْن محمد العنبري يقول:
سمعت أبا الْعَبَّاس [6] عيسى بْن محمد المروزي يقول: وردت فِي سنة ثمَان وثلاثين مدينة من مدائن/ خوارزم تدعى هزارسف، فأخبرت أن بِهَا امرأة من نساء الشهداء رأت 67/ ب رؤيا: كأنها أطعمت فِي منامها شيئًا، فهي لا تأكل ولا تشرب منذ عهد عبد الله بْن طاهر والي خراسان، وَكَانَ [قد] [7] توفي قبل ذلك بثمَاني سنين، فمررت [8] بِهَا وحدثتني حديثها، فلم أستعص عَلَيْهَا لحداثة سني، ثم إني عدت إِلَى خوارزم فِي آخر سنة اثنين وخمسين ومَائتين، فرأيتها باقية، ووجدت حديثها شائعا مستفيضا، فطلبتها [9] فوجدتها
__________
[1] في ت: «وجيش» .
[2] في ت: «أهل الشر منهما نحو ألف» .
[3] في ت: «وأخذ منهم» .
[4] تاريخ الطبري 9/ 129- 131.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. وفي الهامش عنوان «حكاية غريبة» .
وفي ت بعد ذلك: «وحج بالناس هذه السنة محمد بن داود» وقد ذكر ذلك في الأصل بعد الخبر التالي.
[6] «أبا العباس» ساقطة من ت.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في ت: «فروت» .
[9] «فطلبتها» ساقطة من ت.

(11/151)


غائبة عَلَى عدة فراسخ، فمضيت فِي أثرها، فأدركتها بين قريتين تمشي مشية [قوية] [1] وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة، حسنة البنية، ظاهرة [2] الدم، متوردة الخدين، فسايرتني وأنا راكب، وعرضت عَلَيْهَا الركوب فلم تركب، وحضر مجلسي أقوام، فسألتهم عنها، فأحسنوا [3] القول فيها وقالوا: أمرها عندنا ظاهر [4] ، فليس فينا من يختلف فيها، وذكر لي بعضهم أنهم لم يعثروا [5] منها [6] عَلَى كذب ولا حيلة فِي التلبيس، وأنه قد كَانَ من يلي خوارزم من العمَال [7] يحضرونها ويوكلون بِهَا من يراعيها، فلا يرونها تأكل شيئا ولا [8] تشرب، ولا يجدون لها أثر غائط ولا بول، فيبرونها ويكسونها، فلمَا تواطأ أهل الناحية عَلَى تصديقها، سألتها عن اسمها، فقالت: رحمة بنت إبراهيم، وذكرت أنه كَانَ لها زوج نجار فقير يأتيه رزقه يومَا بيوم، وأنها ولدت منه عدة أولاد، وأن ملك الترك عبر عَلَى النهر [إليهم] [9] وقتل من المسلمين خلقا كثيرا، 68/ أقالت: ووضع زوجي بين يدي قتيلا، فأدركني الجزع، وجاء/ الجيران يسعدونني [10] عَلَى البكاء، وجاء الأطفال يطلبون الخبز وليس عندي شيء [11] ، فصليت وتضرعت إِلَى الله تعالى [أسأله الصبر، و] [12] أن يجبر بهم، فذهب بي النوم فِي سجودي، فرأيت فِي منامي كأني فِي أرض خشناء ذات حجارة وشوك، وأنا أهيم فيها وألزم خبري أطلب [13] زوجي، فناداني رجل [14] : إِلَى أين أيتها الحرة؟ قلت: أطلب زوجي، قَالَ: خذي [15] ذات اليمين، فأخذت ذات اليمين، فوقفت عَلَى أرض [16] سهلة طيبة الثرى، ظاهرة العشب، فإذا قصور وأبنية لا أحسن أصفها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض من غير أخاديد، وانتهيت إِلَى قوم جلوس حلقا حلقا، عليهم ثياب خضر، قد علاهم النور، فإذا هم القوم الذين قتلوا فِي المعركة يأكلون عَلَى موائد بين أيديهم، فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي، لكنه بصرني فناداني: يَا رحمة يَا رحمة، فتحققت
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «ظاهر» .
[3] «فأحسنوا» ساقطة من ت.
[4] في الأصل: «أمرها عبد الله بن طاهر» .
[5] في ت: «إنه لم يعبر» .
[6] «منها» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «من يلي من العمال خوارزم» .
[8] «شيئا ولا» ساقط من ت.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] في ت: «يسعدنني» .
[11] «شيء» ساقطة من ت.
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] في ت: «والهة حيرى لطلب» .
[14] في الأصل: «فناداني زوجي» .
[15] في ت: «فخذي» .
[16] في ت: «إلى أرض» .

(11/152)


الصوت، فإذا أنا به فِي مثل حالة من رأيت من الشهداء، وجهه مثل القمر ليلة البدر، وَهُوَ يأكل مَعَ رفقة لَهُ قتلوا يومئذ معه، فَقَالَ لأصحابه: إن هَذِهِ البائسة جائعة منذ اليوم، أفتأذنون [لي] [1] أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا لَهُ، فناولني كسرة خبز، وأنا أعلم حينئذ أَنَّهُ خبز، ولكن لا أدري كأي [2] خبز هُوَ؟! أشد بياضا من الثلج واللبن [3] ، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزبد والسمن، فأكلته فلمَا استقر فِي معدتي قَالَ: اذهبي، فقد كفاك الله مئونة الطعام والشراب مَا بقيت فِي الدنيا، فانتبهت من نومي وأنا شبعى ريا [4] ، لا أحتاج إِلَى طعام وشراب ومَا ذقته منذ ذلك اليوم [5] إلى يومي/ هذا [ولا شيئا 68/ ب ممَا [6] يأكله الناس. قَالَ أبو الْعَبَّاس: وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ عَلَى أنفها، تزعم أنها تتأذى برائحة الطعام] [7] ، فسألتها: هَلْ تتغذى بشيء غير الخبز أو تشرب شيئا غير المَاء؟ فقالت: لا، فسألتها هل يخرج منها ريح؟ قالت: لا [8] ، أو أذى؟ قالت: لا، قلت: فالحيض؟ أظنها قالت: انقطع بانقطاع الطعم، قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إِلَى الرجال؟ قالت: لا، قلت: فتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم، قلت: فمَا ترين فِي منامك؟ قالت: مَا ترون [9] ، قلت: فهل يدركك اللغوب [10] والإعياء إذا مشيت؟
قالت: نعم [11] . وذكرت لي أن بطنها لاصقة بظهرها، فأمرت امرأة [12] من نسائنا فنظرت، فإذا بطنها لاصقة بظهرها، وَإِذَا هي قد اتخذت كيسا فضمنته قطنا وشدته على بطنها [13] ليستقيم ظهرها إذا مشيت، فأجرينا ذكرها لأبي العباس أحمد بْن محمد بْن
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أي» .
[3] في ت: «وألين» .
[4] في ت: «ربّى» .
[5] في ت: «الوقت» .
[6] «مما» زيادة ليستقيم المعنى.
[7] ما بين المعقوفتين جاء في نسخة الأصل في نهاية الخبر مع اختلاف بسيط في اللفظ.
[8] «قالت: لا» ساقطة من ت.
[9] في ت: «مثل ترون» .
[10] «اللغوب» ساقطة من ت.
[11] في ت: «قالت: لا نعم» .
[12] «امرأة» ساقطة من ت.
[13] «لاصقة بظهرها ... » حتى « ... وشدته على بطنها» ساقط من ت.

(11/153)


طَلْحَة بْن طاهر والي خوارزم، فأنكر، وأشخصها [إليه] [1] ، ووكل أمه بِهَا، فبقيت عنده [2] نحوا من شهرين فِي بيت، فلم يروها تأكل ولا تشرب، ولا رأوا لها [3] أثر من يأكل ويشرب، فكثر تعجبه وقَالَ: لا تنكر [4] للَّه قدرة، وبرها وصرفها، فلم يأت عَلَيْهَا إلا القليل حَتَّى مَاتت رحمها الله.
وكانت لا تأكل شيئا ممَا يأكله الناس البتة، وإذا قرب الطعام تنحت ووضعت يدها عَلَى أنفها تزعم أنها تتأذى برائحته.
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
69/ أ 1328/- أحمد بْن أبي الحواري، يكنى أبا الحسن واسم أبي الحواري [5] ميمون [6] .
كَانَ الجنيد يقول: هُوَ [7] ريحانة الشام، وقال يحيى بْن معين: أظن أهل الشام يسقيهم الله به الغيث [8] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلي بْن خلف، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أَخْبَرَنَا محمد بْن أحمد بْن سعيد الرازي، حَدَّثَنَا العباس بْن حمزة قَالَ: قَالَ أحمد بْن أبي الحواري [9] : كلمَا ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع.
أسند أحمد عن حفص [10] بْن غياث، وأبي معاوية، ووكيع.
وتوفي في هذه السنة.
1329- أحمد بن محمد بن شبويه مولى بديل بن ورقاء الخزاعي، يكنى أبا الحسن [11] .
قدم مصر، وكتب عنه، وتوفي بطرسوس في هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ت: «عندها» .
[3] في ت: «راوها» .
[4] في ت: «لا ينكر» .
[5] في الأصل: «أبي الحسن» .
[6] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 18.
[7] «هو» ساقطة من ت.
[8] في ت: «الغيث به» .
[9] في ت: «الجواري» .
[10] في الأصل: «أحمد بن حفص» .
[11] انظر ترجمته في: تقريب التهذيب 1/ 24.

(11/154)


1330- إسماعيل بن سعيد، أبو إسحاق الكسائي الطبري، يعرف بالشالنجي [1] .
يروي [2] عن سفيان بْن عيينة، ويحيى بْن سعيد القطان، وعيسى بن يونس وغيرهم، وكان [فقيها] [3] فاضلا ثقة.
توفي في هذه السنة، وقيل: السنة ست وأربعين، [والله أعلم] [4] .
1331- أشناس التركي، أبو جعفر [5] .
كان من كبار الأمراء، وقد ذكرنا له أفعالا كثيرة.
1332- إسحاق بن إسماعيل، أبو يعقوب الطالقاني [6] .
سمع جرير بْن عبد الحميد، ومحمد بْن فضيل، ووكيعا، وسفيان بْن عيينة، وغيرهم، روى عنه: الحربي، والبغوي.
قَالَ يحيى: هُوَ صدوق، وقال أبو داود والدار الدّارقطنيّ: هو ثقة. قَالَ البغوي: قطع الحديث قبل أن يموت بخمس سنين.
وتوفي في هذه السنة، وَهُوَ [7] أول شيخ كتب عنه البغوي.
1333-/ الحسن بْن عمر بْن شقيق بْن أسمَاء [8] الجرمي البصري [9] .
69/ ب كَانَ يتجر إِلَى بلخ فعرف بالبلخي [10] ، وقدم بغداد فحدث عن جعفر بْن سليمَان وغيره، روى عنه: أَبُو حاتم الرازي، وقال: صدوق، توفي هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: الأنساب 7/ 259.
[2] في ت: «روى» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «أشناس أبو جعفر التركي» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 334- 337.
[7] في ت: «وقيل» .
[8] في الأصل: «الحسن بن عمر بن سفيان بن إسماعيل» .
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 355.
[10] في الأصل: «ببلخ» .

(11/155)


1334- سعيد بْن يحيى بْن مهدي، أبو سفيان الحميري [1] .
من أهل واسط، سمع حصين بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، ومعمر بْن راشد، روى عنه ابن راهويه. توفي فِي هذه السنة.
1335- عَبْد اللَّهِ بن طاهر بن الحسين بن مصعب، أبو العباس الخزاعي [2] .
كان المأمون قد ولاه الشام حربا وخراجا، وكان أحد الأجواد، فخرج من بغداد إليها، وكان قد سوغه خراج مصر سنة [3] ، فافتتحها وصعد المنبر، فلم ينزل حتى أجاز بذلك كله وهو ثلاثة آلاف [4] ألف دينار أو نحوها، وأقام بالشام حتى مات.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر الخطيب] [5] أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمر الغَفَّاري [6] ، أَخْبَرَنَا جعفر بْن محمد الخلدي [7] ، أَخْبَرَنَا أحمد بْن محمد بْن مسروق قال: حدثني عبد الله بْن الربيع قَالَ: وحدثني محلم بْن أبي محلم الشاعر، عن أبيه قَالَ: شخصت مَعَ عبد الله بن طاهر إِلَى خراسان فِي الوقت الذي شخص فيه، وكنت أعادله وأسامره، فلمَا صرنا إِلَى الري مررنا بِهَا سحرا، فسمعت أصوات [8] الأطيار من القمَاري وغيرها، فَقَالَ لي عبد الله: للَّه در أبى كثير الهذلي حيث يقول:
ألا يَا حمَام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح
70/ أثم قَالَ: يَا أبا محلم، هل يحضرك فِي هَذَا شيء؟ فقلت: أصلح الله الأمير/ كبرت سني، وفسد ذهني، ولعل شيئا أن يحضرني، ثم حضر شيء فقلت: أصلح الله الأمير، قد حضر شيء، هل تسمعه؟ قَالَ: هات. فقلت:
أفي كل عام غربة وتروح [9] ... أمَا للنوى من ونية [10] فنريح
لقد طلح البين المشت [11] ركائبي ... فهل يبلغني البين [12] وَهُوَ طليح
__________
[1] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 75- 76.
[2] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 483- 489.
[3] «سنة» ساقطة من ت.
[4] في ت: «ثلاثة ألف» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ت: «القصاري» .
[7] في الأصل: «الحلواني» .
[8] في الأصل: «صوت» .
[9] في ت: «وتزوج» .
[10] في ت: «من فتر» .
[11] في الأصل: «المشتت» .
[12] في الأصل: «اللبن» .

(11/156)


وذكرني بالري نوح حمَامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح [1]
عَلَى أنها ناحت [2] ولم تذر دمعة [3] ... ونحت وأسراب [4] الدموع سفوح [5]
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فنلقي عصى التطواف وهي طريح
[قَالَ] : فَقَالَ: يَا غلام أنخ، لا والله لا أجزت معي [6] حافرا ولا خفا [7] حَتَّى ترجع إِلَى أفراخك، كم الأبيات؟ فقلت: ستة، فَقَالَ: يَا غلام أعطه ستين ألفا، ومركبا وكسوة. وودعته وانصرفت [8] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي قَالَ: حدثني الجوهري، حَدَّثَنَا محمد بْن العباس الخزاز، أَخْبَرَنَا أبو الحسين [9] عبيد الله [10] بْن أحمد بْن [أبي] [11] طاهر قَالَ: حدثني أبي: أن عبد اللَّه [12] بْن طاهر لمَا [13] خرج إِلَى المغرب كَانَ معه كاتبه أحمد بْن نهيك، فلمَا نزل دمشق أهديت إِلَى أحمد بْن نهيك [14] هدايا كثيرة فِي طريقه وبدمشق، فكان يثبت كل مَا [15] يهدي إليه في قرطاس، ويدفعه [16] إِلَى خازن لَهُ، فلمَا نزل عبد الله بْن طاهر/ دمشق أمر أحمد بْن نهيك أن يغدو عليه [17] بعمل كان يعمله، 70/ ب فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاسا فيه العمل الّذي أمر بإخراجه ويضعه في المحراب بين يديه لئلا ينساه وقت ركوبه فِي السحر، فغلط الخازن، فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت مَا أهدي إليه، فوضعه فِي المحراب، فلمَا صلى أحمد بْن نهيك الفجر، أَخَذَ القرطاس من المحراب، ووضعه فِي خفه، فلمَا دخل عَلَى عبد الله بْن طاهر وسأله عمَا تقدم إليه من إخراجه العمل الذي أمره به، فأخرج الدرج من خفه، فدفعه إليه فقرأه
__________
[1] في ت: «سنوح الشجوي» .
[2] في ت: «إنها ناحيت» .
[3] في ت: «دمعها» .
[4] في الأصل: «أسرار» .
[5] في ت: «تفوح» .
[6] في ت: «لا أزور من كان» .
[7] «حافرا ولا خفّا» ساقطة من ت.
[8] تاريخ بغداد 9/ 486، 487.
[9] في الأصل: «أبو الحسن» .
[10] في ت: «عبد الله» .
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في الأصل: «بن عبد الله» .
[13] في الأصل: «قال: لما خرج» .
[14] فلمَا نزل دمشق أهديت إِلَى أحمد بْن نهيك ساقطة من ت.
[15] في ت: «كلما» .
[16] في ت: «يرفعه» .
[17] في تاريخ بغداد: «يعود إليه» .

(11/157)


عَبْد الله [بْن طاهر] [1] من أوله إِلَى آخره، وتأمله، ثم أدرجه ودفعه إِلَى أحمد بْن نهيك وقال: لَيْسَ هَذَا الذي أردت، فلمَا نظر أحمد بْن نهيك [2] فيه أسقط فِي يديه، فلمَا انصرف إِلَى مضربه وجه إليه عبد الله بْن طاهر [يعلمه] [3] : أني قد وقفت عَلَى مَا فِي القرطاس، فوجدته سبعين ألف دينار، واعلم أنه قد لزمتك مئونة عظيمة فِي خروجك، ومعك زوار [وغيرهم] [4] وأنك محتاج إِلَى برهم، وليس مقدار مَا وصل [5] إليك يفي بمئونتك، وقد وجهت إليك بمائة ألف [6] دينار [7] لتصرفها [8] في الوجوه التي ذكرتها [9] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ] [10] أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ [قَالَ:] حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: وجدت فِي كتابي [11] عن أبي نصر محمد بْن أحمد الملاحمي 71/ أقال: / سمعت عمرو بْن إسحاق يقول: سَمِعْتُ سهل بْن مبشر [12] يقول: لمَا رجع عبد الله بْن طاهر من الشام، صعد [13] فوق سطح قصره، فنظر إلى دخان يرتفع فِي جواره [14] ، فَقَالَ: مَا هَذَا [الدخان؟] [15] فقيل: لعل القوم [16] يخبزون، فَقَالَ: ويحتاج
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «وقال: لَيْسَ هَذَا الذي أردت، فلمَا نظر أحمد بن نهيك» ساقطة من ت.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في ت: «ما يصل» .
[6] في الأصل: «إليك مائة ألف» .
[7] «دينار» ساقطة من ت.
[8] في الأصل: «تصرفها» .
[9] تاريخ بغداد 9/ 484- 485.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] في ت: «في كتاب» .
[12] في تاريخ بغداد: «بن مرة» .
[13] في ت: «ارتفع» .
[14] في ت: «جداره» .
[15] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[16] في ت: «نظن قوما» .

(11/158)


جيراننا أن يتكلفوا ذلك؟! ثم دعا حاجبه وقال: امض ومعك كاتب فأحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع. فمضى فأحصاهم، فبلغ عددهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم [كل يوم] [1] بمنوين خبزا ومنا لحم، ومن التوابل فِي كل شهر عشرة دراهم، والكسوة فِي الشتاء مَائة وخمسين [درهمَا] [2] وفي الصيف مَائة درهم، وَكَانَ ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد، فلمَا خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة مَا عاش أبو العباس [3] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أَخْبَرَنَا أبو يعلي أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل، أَخْبَرَنَا إسمَاعيل بْن سعيد [4] المعدل، أَخْبَرَنَا الحسين بْن القاسم [5] الكوكبي قَالَ: حدثني أَبُو الفضل الربعي قَالَ: حدثني أبي قَالَ: قَالَ المأمون لعبد الله بْن طاهر: أيمَا أطيب مجلسي أو منزلك؟ قَالَ: مَا عدلت بك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [شيئا] [6] . فَقَالَ: ليس إِلَى هَذَا ذهبت، إنما ذهبت إِلَى الموافقة فِي العيش واللذة، قَالَ: منزلي يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: ولم ذلك [7] ؟ قَالَ: لأني هنالك [8] مَالك وأنا هنا مملوك [9] .
أَخْبَرَنَا أبو المعمر [المبارك] [10] بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا صاعد بْن سيار الهروي، أَخْبَرَنَا أبو بَكْر بْن أحمد بْن أبي [11] سهل الفورجي، حَدَّثَنَا إسحاق بْن إبراهيم الحافظ إجازة، أَخْبَرَنَا أبو الْعَبَّاس/ بْن محمد القرشي، أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي جعفر المنذري 71/ ب قَالَ: سمعت الحسين بْن فهم يَقُولُ: كَانَ عبد الله بْن طاهر لا يدخل خصيا داره ويقول:
هم مَعَ النساء رجال، ومع الرجال نساء.
توفي عبد الله بْن طاهر بمرو، وقيل: بنيسابور، وقيل: بالشام من مرض أصابه فِي حلقه، فِي ربيع الأول من هَذِهِ السنة، وَهُوَ ابْن ثمَان وأربعين سنة [وأياما] [12] ، وكان قبل موته قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي، وعمر رباطات خراسان [13] ، ووقف بها
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 9/ 485، 486.
[4] في الأصل: «أسد بن سعد» .
[5] في الأصل: «بن العم» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في ت: «ذاك» .
[8] في ت: «لأني فيه» .
[9] تاريخ بغداد 9/ 483.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] «أبي» ساقطة من ت.
[12] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[13] في ت: «رباط بخراسان» .

(11/159)


الوقوف، وأظهر الصدقات، ووجه أموالا عظيمة إِلَى الحرمين، وفك أسرى [1] المسلمين من الترك، وبلغ مَا أنفقه عَلَى الأسرى ألفي ألف درهم، [وخلف أموالا كثيرة] [2] ، وَكَانَ يوصف بالإنصاف.
1336- علي بْن الجعد بْن عبيد، أبو الحسن الجوهري، مولى بني هاشم [3] .
سمع سفيان الثوري، ومَالك بْن أنس، وشعبة، وابن أبي ذئب، وغيرهم، وكتب عنه: أحمد بْن حنبل، ويحيى، والبخاري، وأبو زرعة، وإبراهيم الحربي، وغيرهم [4] ، والبغوي، وَكَانَ ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ [5] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد [6] قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي الْفَتْحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمُقْرِئُ [7] [قَالَ:] حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْجَعْدِ [8] يَقُولُ: لَمَّا أَحَضْرَ الْمَأْمُونُ أَصْحَابَ الْجَوْهَرِ، فَنَاظَرَهُمْ عَلَى مَتَاعٍ كَانَ مَعَهُمْ، ثُمَّ نَهَضَ الْمَأْمُونُ [9] لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَامَ لَهُ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ إِلا ابْنَ الْجَعْدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ كَهَيْئَةِ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ اسْتَخْلاهُ، فَقَالَ [لَهُ:] [10] يَا شَيْخُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُومَ [لِي] [11] كَمَا قَامَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: أَجْلَلْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي نَأْثِرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: ومَا هُوَ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ [12] :
سَمِعْتُ الْمُبَارَكَ بْنَ فَضَالَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ [13] قياما فليتبوَّأ مقعده من النار» . 72/ أقال: فأطرق [المأمون] [14] / مفكرا فِي الحديث، ثم رفع رأسه [15] ، فقال: لا
__________
[1] في ت: «وأفك أسرى» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 360- 366.
[4] «وغيرهم» ساقطة من ت.
[5] في ت: «أبو عبد الرحمن» .
[6] «بن محمد» ساقطة من ت.
[7] في الأصل: «المري» .
[8] «علي بن الجعد» ساقطة من ت.
[9] «المأمون» ساقطة من ت.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[11] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[12] في ت: «بن الجلد» .
[13] في الأصل: «أن يتمثل الرجال له» .
[14] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[15] في ت: «ثم قال لما رفع نفسه» .

(11/160)


يشترى إلا من هَذَا الشيخ. قَالَ: فاشترى منه ذلك اليوم بقيمة [1] ثلاثين ألف دينار [2] .
قَالَ المصنف: وَكَانَ أحمد قد نهى ابنه عبد الله أن يسمع من علي بْن الجعد، وذلك أنه بلغه [عنه] [3] أنه يتناول بعض الصحابة، وأنه قَالَ: من قَالَ إن القرآن مخلوق لم أعنفه.
توفي ابْن الجعد فِي رجب هَذِهِ السنة، وقيل: سنة ثلاث وقيل: سنة أربع، وقد استكمل ستا وتسعين سنة، ودفن بباب حرب [4] .
1337- علي بْن جعفر بْن زياد الأحمر، [أبو الحسن] [5] التميمي الكوفي [6] .
قدم بغداد، وحدث بِهَا عن عبد الله بْن إدريس، وحفص بْن غياث، وأبي بكر بن عياش، و [7] روى عنه: مُحَمَّد بْن عبد الله المنادي، وعبد الله بْن أحمد، وأبو حاتم الرازي، وقال [8] : كَانَ ثقة صدوقا. وتوفي في هذه السنة.
1338- محمد بْن إسمَاعيل بْن أبي سمينة، أبو عبد الله البصري [9] .
سمع إسمَاعيل بْن علية، ومعتمر بْن سليمَان، ويزيد بْن زريع، وغيرهم، وحدث ببغداد فروى عنه: أَبُو بكر بْن أبي الدنيا وغيره [10] ، وَكَانَ ثقة.
توفي فِي ربيع الأول من هَذِهِ السنة، وَهُوَ متوجه إِلَى طرسوس [11] .
1339- محمد بْن سعد بْن منيع، أبو عبد الله مولى بني هاشم، كاتب الواقدي [12] .
__________
[1] في ت: «بعتمة» .
[2] تاريخ بغداد 11/ 360، 361.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 11/ 366.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 366.
[7] «و» ساقطة من ت.
[8] «وقال» ساقطة من ت.
[9] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 3.
[10] «وغيره» ساقطة من ت.
[11] في ت: «توفي وهو متوجه إلى طرسوس في ربيع الأول من هذه السنة» .
[12] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 321- 322.

(11/161)


سمع سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عليه ويزيد بْن هارون، وخلقا كثيرا [1] ، وصنف كتاب «الطبقات» فذكر الصحابة والتابعين ومن بعدهم إِلَى زمَانه، وَكَانَ كثير العلم، كثير الحديث، كثير الرواية، كثير الكتب، من الثقات.
وتوفي في هذه السنة، ودفن فِي مقبرة باب الشام، وَهُوَ ابْن اثنتين وستين سنة.
1340- مرة بْن عبد الواحد الكلاعي [2] ، ويعرف بعبد الأعلى، وله اسمَان، ويكنى أبا يزيد [3] .
يروي عن ضمَام بْن إسمَاعيل [4] ، توفي بالبرلس [5] في هذه السنة/.
__________
[1] في ت: «وخلقا كثيرا ويزيد بن هارون» .
[2] «الكلاعي» ساقطة من ت.
[3] في ت: «أبا زيد» .
[4] في ت: «روى عن ضمام بن الجعيل» .
[5] «بالبرلس ساقطة من ت.

(11/162)