المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن المعتمد جلس في دار العامة لاثنتي عشرة ليلة [1] مضت من شوال فولى جعفر ابنه العهد وسماه المفوض إلى الله [تعالى] وولاه المغرب وضم إليه موسى بن بغا وولاه إفريقية، ومصر، والشام، والجزائر، والموصل، وأرمينية، وطريق خراسان، ومهرجان قذق، وحلوان. وولى أبا أَحْمَد أخاه العهد بعد جعفر، وولاه المشرق. وضم إليه مسرور البلخي، وولاه بغداد، والسواد، والكوفة، وطريق مكة والمدينة، واليمن، وكسكر، وكور دجلة، والأهواز، وفارس، [2] وأصبهان، وقم، والكرخ، والدينور، والري، وزنجان، وقزوين، وخراسان، وجُرْجَان، [3] وطبرستان، وكرمان، وسجستان، والسند. وعقد لكل واحد منهما لوائين أسود وأبيض، وشرط أن حدث به حدث [4] الموت وجعفر لم يكمل للأمر أن يكون الأمر لأبي [5] أَحْمَد، ثم لجعفر، وأخذت البيعة على الناس بذلك، وفرقت نسخ الكتاب بذلك وبعثت [6] نسخة مع الحسن بن مُحَمَّد بن أبي الشوارب ليعلقها في الكعبة فعقد جعفر المفوض [7] لموسى بن بغا على
__________
[1] «ليلة» ساقطة من ك.
[2] «وفارس» ساقطة من ك.
[3] «وجرجان» ساقطة من ك.
[4] في الأصل: «حادث» .
[5] في الأصل: «إلى أحمد» .
[6] في ك: «وبعث» .
[7] في الأصل: «المفوض إليه» .

(12/163)


المغرب في شوال، وسار مسرور البلخي مقدمه لأبي أحمد من سامرا لسبع بقين [1] من ذي الحجة.
وحج بالناس في هذه السنة الذي حج بهم في التي قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1650- الحسن بن مُحَمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي [2] .
ولي القضاء بسر من رأى، وولاه قاضي القضاة جعفر بن عبد الواحد بن سليمان بن علي فولى في أيام المتوكل وبعده، وكان فقيها سخيا ذا مروءة وكرم عظيم، ولم تزل في بيته إمارة ورياسة، منهم: عتاب بن أسيد ولاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وخالد بن أسيد وهو جد [آل ابن] [3] أبي الشوارب.
أخبرنا القزاز، أخبرنا [أحمد بن علي] [4] الخطيب قال: أخبرني الأزهري، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن إبراهيم، حَدَّثَنَا ابن عرفة قَالَ: أخبرني من حضر مُحَمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وقد ورد عليه كتاب ابنه الحسن بولاية القضاء، فكتب إليه:
وصل إلى كتابك بتوليتك القضاء وحاشى لوجهك الحسن يا حسن من النار [5] .
[أَخْبَرَنَا القزاز، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد، حدثنا] [6] محمد بن العباس قال: قرئ على ابن المنادى وأنا أسمع، قال: دخل إلى مدينة السلام
__________
[1] في ك: «لسبع خلون» .
[2] تاريخ بغداد 7/ 410.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
و «الخطيب» ساقطة من ك.
[5] تاريخ بغداد 7/ 410.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، ت.
وسقط من ك: «أخبرنا القزاز» .
وكتب في الأصل، ت: «قال محمد بن العباس» .

(12/164)


الحسن بن مُحَمَّد بن أبي الشوارب قاضي القضاة للمعتمد، فتوفي بمدينة السلام لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة إحدى وستين، وصلى عليه يوسف بن يعقوب [1] .
وذكر ابن جرير الطبري أنه توفي بمكة.
1651- الحسين بن بحر بن يزيد أَبُو عَبْد اللَّه [2] البيروذي [3] .
من نواحي الأهواز، قدم بغداد، وحدث عن حجاج بن نصير، وجبارة بن مغلس، وغيرهما. روى عنه: ابن صاعد، وابن أبي داود، وابن مخلد، وكان ثقة، وخرج إلى الغزو فأدركه أجله بملطية، وتوفي في رمضان هذه السنة.
1652- الحسين بن نصر بن المعارك، أبو علي [4] .
سكن مصر، وحدث بها عن أبي نعيم الفضل بن دكين، ونعيم بن حماد، وكان ثقة ثبتا. وتوفي بمصر في شعبان هذه السنة.
1653- سليمان بن توبة بن زياد، أبو داود النهرواني [5] .
سمع يزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وشبابة [6] روى عنه: ابن مخلد. وَقَالَ عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتبت عنه وكان صدوقا. وَقَالَ الدارقطني: ثقة.
توفي بمصر [7] في صفر هذه السنة.
1654- سليمان بن خلاد، [أبو خلّاد] [8] المؤدب [9] .
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 410، 411.
[2] «أبو عبد الله» ساقطة من ك.
[3] تاريخ بغداد 8/ 23.
[4] انظر الجرح والتعديل 3/ 66.
[5] في جميع الأصول: «سليمان» . وفي تاريخ بغداد «سلمان» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 207، 208.
[6] في ك والمطبوعة: «وأسامة» .
[7] «بمصر» ساقطة من ك، ت.
[8] «أبو خلاد» ساقطة من الأصل.
[9] تاريخ بغداد 9/ 53، 54.

(12/165)


سكن سرمن رأى، وحدث بها عن يزيد بن هارون، وشبابه. روى عنه: ابن أبي داود، وابن مخلد. وَقَالَ ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق.
وتوفى بسر من رأى في هذه السنة.
1655- شعيب بن أيوب بن زريق بن معبد بن شيطا، أبو بكر الصريفيني [1] .
من أهل واسط. سمع يحيى بن آدم، وأبا داود الجفري. روى عنه: ابن صاعد، وابن مخلد، والمحاملي، ولي قضاء جنديسابور. قَالَ الدارقطني: هو ثقة.
توفي في هذه السنة.
1656- طيفور بن عيسى بن سروشان، أبو يزيد البسطامي [2] .
وكان سروشان مجوسيا فأسلم، وكان لعيسى ثلاثة أولاد: آدم وهو أكبرهم، وأبو يزيد أوسطهم، وعلى أصغرهم، وكانوا كلهم عبادا زهادا.
أخبرنا أبو بكر العامري، أَخْبَرَنَا على بن أبي صادق، أَخْبَرَنَا ابن باكويه قَالَ:
سمعت أَحْمَد بن الحسن القومسي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ قَالَ: سمعت العباس بن حمزة يقول: صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالا لاسم الله [تعالى] وارتعدت فرائصه، حتى كنت أسمع تقعقع عظامه، فهالني ذلك.
أَخْبَرَنَا ابن ناصر، أَخْبَرَنَا أبو الفضل مُحَمَّد بن علي السهلكي قَالَ: حدثني أبو الحسن علي بن مُحَمَّد القوهي، حَدَّثَنَا عيسى بن مُحَمَّد، عن أبيه مُحَمَّد بن عيسى، حَدَّثَنَا موسى بن عيسى قَالَ: حدثني أبو عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد قَالَ: كان أبو يزيد يزجر [3] نفسه فيصيح عليها ويقول: يا مأوى كل سوء، المرأة إذا حاضت طهرت في ثلاثة أيام وأكثره لعشرة، وأنت يا نفس قاعدة منذ عشرين وثلاثين سنة بعد ما طهرت،
__________
[1] في ك والمطبوعة: «الصيرفي» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 244، 245.
[2] طبقات الصوفية 67- 74. ووفيات الأعيان 1/ 240. وميزان الاعتدال 1/ 481. وحلية الأولياء 10/ 33. والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 65.
[3] في الأصل: «يعظ» .

(12/166)


فمتى تطهرين؟ إن وقوفك بين يدي الله [عز وجل] طاهر فينبغي أن تكوني طاهرة.
توفي أبو يزيد في هذه السنة، وله ثلاث وسبعون سنة.
1657- عَبْد اللَّهِ بن الهيثم بن عثمان، أبو مُحَمَّد العبدي [1] .
من أهل البصرة، قدم بغداد، وحدث بها عن أبي عامر العقدي، وأبي داود الطيالسي- روى عنه: البغوي، والمحاملي. وكان ثقة. توفي بالشام في هذه السنة.
1658- عَبْد الرَّحْمَنِ المتطبب [2] .
كان أَحْمَد بن حنبل يثني عليه، وكان يدخل عليه وعلى بشر.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ أحمد بْن علي بْن ثابت] الخطيب [3] قَالَ: اخبرني أَبُو الفضل عبد الصمد بْن مُحَمَّد الخطيب، حَدَّثَنَا الحسن بن الحسين الفقيه [الهمذاني] قَالَ: حدثني أبو مُحَمَّد الحسن بن عثمان بن عبدويه، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ الطبيب [4]- هو طبيب أَحْمَد بن حنبل وبشر الحافي- قَالَ:
اعتلا جميعا في مكان واحد. فكنت أدخل إلى بشر فأقول لَهُ: كيف تجدك يا أبا نصر؟ قَالَ:
فيحمد الله تعالى، ثم خبرني فيقول: أَحْمَد الله إليك، أجد كذا وكذا. وأدخل على أبي عَبْد اللَّهِ فأقول: كيف تجدك يا أبا عَبْد اللَّهِ؟ فيقول: بخير. فقلت له يوما: إن أخاك بشرا عليل وأسأله [بحاله] فيخبرني [5] ، فيبدأ بحمد الله تعالى ثم يخبرني. فقال لِي [6] : سله عمن أخذ هذا؟ فقلت لَهُ [7] : إني أهابه أن [8] أسأله فقال: قل له [9] : قال لك أخوك أبو
__________
[1] تاريخ بغداد 10/ 195.
[2] في تاريخ بغداد: «عبد الرحمن الطبيب» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 10/ 276- 278.
[3] «والخطيب» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «المتطبب» .
[5] «فيخبرني» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] «لي» ساقطة من ك.
[7] «له» ساقطة من ك.
[8] في ك: «أني» .
[9] «له» ساقطة من ك.

(12/167)


عَبْد اللَّهِ: عمن أخذت هذا؟ قَالَ: فدخلت عليه فعرفته ما قَالَ. فقال لي: أبو عَبْد اللَّهِ لا يريد الشيء إلا بالإسناد: أزهر [1] عن ابن عون، عن ابن سيرين: إذا حمد الله [تعالى] العبد قبل الشكوى لم تكن شكوى، إنما أقول لك أجد [2] كذا أعرف قدرة الله تعالى في.
قَالَ: فخرجت من عنده [فمضيت إلى أبي عَبْد اللَّهِ] [3] فعرفته. ما قَالَ [4] .
فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليه يقول: أَحْمَد الله إليك، ثم يذكر ما يجد [5] .
1659- عثمان بن معبد بن نوح المقري [6] .
سمع أبا نعيم الفضل بن دكين. روى عنه: ابن أبي الدنيا، وابن صاعد، وكان ثقة.
وتوفي بالجانب الغربي من بغداد في صفر هذه السنة.
1660-[علي بن] [7] الحسين بن إبراهيم بن الحر، ويعرف: بابن إشكاب [8] .
سمع إسماعيل بن علية، وأبا معاوية. روى عنه: أبو داود، وابن صاعد، وكان ثقة صدوقا. توفي في شوال [9] هذه السنة.
1661- قطن بن إبراهيم، أبو سعيد القشيري النيسابورىّ [10] .
__________
[1] في الأصل: «إلا بإسناد» .
و «أزهر» ساقطة من ك.
[2] «أجد» ساقطة من ك.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «ما قال» ساقطة من ك.
[5] تاريخ بغداد 10/ 277.
[6] تاريخ بغداد 11/ 290.
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تهذيب الكمال 961. وتهذيب التهذيب 7/ 302. وتقريب التهذيب 2/ 34.
[9] في ك: «شعبان» .
[10] تاريخ بغداد 12/ 476- 478.

(12/168)


وَلِدُ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْ عَبْدَانَ [1] ، وَقِبيصَةَ، وَغَيْرِهِمَا. رَوَى عَنْهُ: أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيَّانِ، وَغَيْرُهُمَا. وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَدْ كَتَبَ عَنْهُ فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى حَدَّثَ بِحَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ: عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» [2] . فَطَالَبُوهُ بِالأَصْلِ فَأَخْرَجَهُ، وقد كتبه على الحاشية فتركه مسلم.
وكان قد سأل مُحَمَّد بن عقيل عن هذا الحديث فقال ابن عقيل: حَدَّثَنَا حفص، عن ابن طهمان، فخرج هو [3] إلى الناس فقال: حَدَّثَنَا حفص فاتضع لهذا.
وتوفي قطن في هذه السنة.
1662- مُحَمَّد بن الحسين بن إبراهيم بن الحر، أبو جعفر العامري، ويعرف بابن إشكاب [4] .
ولد في سنة إحدى وثمانين ومائة، وسمع أبا النضر وغيره، وأخرج عنه البخاري في صحيحه، وكان حافظا صدوقا ثقة من أهل العلم والأمانة.
وتوفي في محرم هذه السنة وله ثمانون سنة.
1663- مُحَمَّد بن خلف، أبو بكر المقري، ويعرف بالحدادي [5] .
سمع حسينا الجعفي وغيره- روى عنه: البخاري في صحيحه. قَالَ الدارقطني:
كان فاضلا ثقة. توفي في ربيع الأول هذه السنة.
1664- مُحَمَّد بن علي بن محرز، أبو عَبْد اللَّهِ البغدادي [6] .
كان محدثا ثقة فهما وفي أخلاقه زعارة، حدّث بالكثير [7] .
وتوفي بمصر فِي ربيع الآخر [من هَذِهِ السنة] [8] .
__________
[1] في الأصل: «ابن عبدان» .
[2] تاريخ بغداد 12/ 477.
[3] في ك: «فخرج هذا» .
[4] تقريب التهذيب 2/ 155.
[5] تاريخ بغداد 5/ 234، 235.
[6] تاريخ بغداد 3/ 57، 58.
[7] في الأصل: «بالكبيرة» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/169)


1665- مُحَمَّد السمين [1] .
كان أستاذ الجنيد وله منازلات [2] في التوكل والشوق.
أَخْبَرَنَا عمر بن ظفر، أخبرنا جعفر بن أحمد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الأَزَجِيُّ، أَخْبَرَنَا علي بن عبد الله بن جهضم، حَدَّثَنَا الخلدي قَالَ: قَالَ الجنيد: قَالَ لي مُحَمَّد بْن [3] السمين: كنت في وقت من الأوقات أعمل على الشوق، وكنت أجد من ذلك شيئا أنا به مستقبل، فخرجت إلى الغزو وهذه الحالة حالتي [4] ، وغزا الناس وغزوت معهم، وكثر العدو على المسلمين، وتقاربوا والتقوا، ولزم المسلمين من ذلك خوف لكثرة الروم.
قَالَ مُحَمَّد: فرأيت نفسي في ذلك الموطن وقد لحقها روع فاشتد ذلك علي، فجعلت أوبخ نفسي وألومها وأؤنبها وأقول لها: يا كذابة، قد عين الشوق فلما جاء الموطن الذي يؤمل في مثله [5] الخروج اضطربت وتغيرت. فأنا أوبخها إذ وقع علي أن أنزل إلى النهر فأغتسل، فخلعت ثيابي واتزرت، ودخلت [6] النهر واغتسلت، وخرجت وقد اشتدت لي عزيمة لا أدري ما هي، فخرجت بقوة تلك العزيمة، ولبست ثيابي، وأخذت سلاحي، ودنوت من الصفوف، وحملت بقوة تلك العزيمة حملة، وأنا لا أدري كيف أنا، فمزقت صفوف المسلمين، وصفوف الروم حتى صرت من ورائهم، ثم كبرت تكبيرة، فسمع الروم تكبيرا وظنوا أن كمينا قد خرج عليهم من ورائهم، فولوا، وحمل عليهم المسلمون فقتل من الروم بسبب تكبيرتي تلك نحو أربعة آلاف، وجعل الله عز وجل ذلك سبب النصر والفتح.
1666- مُحَمَّد بن حماد، أبو عبد الله الطهراني [7] .
__________
[1] تاريخ بغداد 5/ 348.
[2] في الأصل: «مناولات» .
[3] «محمد بن» ساقطة من ك.
[4] في ك: «بهذه الحال» .
[5] في ك: «يؤمل فيه» .
[6] في الأصل: «ونزلت» .
[7] تاريخ بغداد 2/ 271، 272.

(12/170)


رحل في طلب الحديث، فسمع من عبد الرزاق، وغيره. وكان له فهم [وهو] [1] منسوب إلى طهران قرية أخرى [2] من قرى [الري، وثم من ينسب إلى طهران، وهي قرية أخرى من قرى خراسان إلا أن] [3] طهران الري أشهر من تلك.
توفي ابن حماد بعسقلان في ربيع الأول [4] من هذه السنة.
1667- مسلم بن الحجاج بن مسلم، أبو الحسين [5] القشيري النيسابوري [6] .
سمع بنَيْسابور: يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، وبالري: مُحَمَّد بن مهران، وغيره، وببغداد: أَحْمَد بن حنبل، وغيره.
وبالبصرة: القعنبي، وغيره. وبالكوفة عمر بن [7] حفص بن غياث، وغيره.
وبالمدينة: إسماعيل بن أبي أويس، وغيره، وبمكة: سعيد بن منصور، وغيره.
وبمصر: حرملة بن يحيى، وغيره.
وكان تام القامة، أبيض الرأس واللحية، وكان من كبار العلماء وأوعية العلم، وله مصنفات كثيرة منها: «المسند الكبير على الرجال» وما نظن أنه سمعه منه أحد، و «كتاب الجامع الكبير على الأبواب» ، و «كتاب الأسامي والكنى» ، و «كتاب المسند الصحيح» ، وقال: صنفته من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، و «كتاب التمييز» ، و «كتاب العلل» ، و «كتاب الوحدان» ، و «كتاب الأفراد» ، و «كتاب الأقران» ، و «كتاب سؤالات أحمد بن حنبل» ، و «كتاب الانتفاع بأهب السباع» ، و «كتاب عمرو بن شعيب بذكر من لم يحتج بحديثه وما أخطأ فيه» . و «كتاب مشايخ مالك بن أنس» ، و «كتاب مشايخ
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «أخرى» ساقطة من ك.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وفي الأصل كتب النص هكذا: «قرية أخرى من قرى أحبها وقد سبق أن ظهران الري أشهر ... » .
[4] في ك: «ربيع الآخر» .
[5] في الأصل: «أبو الخير» .
[6] تاريخ بغداد 13/ 100- 104. وتذكرة الحفاظ 2/ 150. وتهذيب التهذيب 10/ 126. ووفيات الأعيان 2/ 91. وطبقات الحنابلة 1/ 337. والبداية والنهاية 11/ 33.
[7] «عمر بن» ساقطة من ك.

(12/171)


الثوري» ، و «كتاب مشايخ شعبة» ، و «كتاب ذكر من ليس له إِلَّا راو واحد من رواة الحديث» ، و «كتاب المخضرمين» و «كتاب أولاد الصحابة فمن بعدهم من المحدثين» ، و «كتاب ذكر أوهام المحدثين» ، و «كتاب تفضيل السنن» [1] و «كتاب طبقات التابعين» ، و «كتاب أفراد الشاميين من الحديث» و «كتاب المعرفة» [2] .
قدم بغداد مرارا فآخر قدومه كان في سنة تسع وخمسين ومائتين سمع منه:
يحيى بن صاعد، ومحمد بن مخلد.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن عليّ [3] المقرئ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ النيسابوري قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن أَبِي [4] يعقوب يقول: سمعت أَحْمَد بن سلمة يقول: عقد لمسلم مجلس للمذاكرة، فذكر له حديث لم يعرفه فانصرف إلى منزله، وأوقد السراج، وَقَالَ لمن في الدار: لا يدخلن أحد منكم إلى [5] هذا البيت! فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر فقال: قدموها إلى فقدموها إليه فكان يطلب الحديث ويأكل تمرة تمرة، فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث.
قَالَ مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ: أخبرني الثقة من أصحابنا أنه [مات منها] [6] . توفي مسلم في رجب هذه السنة.
__________
[1] في ك: «تفضيل سنن» .
[2] في ك: «معرفة» .
[3] «علي» ساقطة من ك.
[4] «أبي» ساقطة من ك.
[5] «إلى» ساقطة من ك.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وفي ت: «أنه منها مات» .
انظر تاريخ بغداد 13/ 103.

(12/172)


ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
خروج المعتمد إلى حرب يعقوب بن الليث الصفار، وكان يعقوب قد عصى وتجبر، فعسكر المعتمد يوم السبت لثلاث خلون من جمادي الآخرة، واستخلف على سامراء ابنه جعفرا، ثم سار وقدم أخاه أبا أَحْمَد لحربه فجعل أبو أَحْمَد على ميمنته موسى بن بغا، وعلى ميسرته مسرورا، والتقى العسكران يوم الأحد العاشر من [رجب مع] [1] الظهر، فشدت ميسرة يعقوب على ميمنة أبي أَحْمَد فهزمتها وقتلت منها جماعة [2] وقتل من أصحاب يعقوب جماعة وكره أصحابه القتال إذ رأوا [3] السلطان قد حضر لقتاله [4] فحملوا على يعقوب، فانهزم أصحابه [أقبح هزيمة. وقرئ على الناس كتاب فِيهِ] [5] «ولم يزل المارق المسمى يعقوب [بن الليث الصفار] [6] ينتحل الطاعة حتى أحدث الأحداث المنكرة من مصيره إلى فارس مرة بعد مرة واستيلائه على أموالها وإقباله إلى باب أمير المؤمنين مظهر المسألة أمور أجابه أمير المؤمنين فيها إلى ما لم يكن ليستحقه استصلاحا له فولاه خراسان، والري، وفارس، وقزوين، وزنجان، والشرطة ببغداد، وأمر أن يكنى في كتابه، وأقطعه الضياع النفيسة، فما زاده ذلك إلا طغيانا
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «وقتل من أصحاب يعقوب جماعة» ساقطة من ك.
[3] في ك: «لما علموا أن السلطان» .
[4] في ك: «القتال» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/173)


وبغيا، وأمره بالرجوع فأبى، فنهض أمير المؤمنين لدفع الصفار، ثم غلب يعقوب بن الليث على فارس ثم رجع المعتمد إلى معسكره وعاد إلى المدائن.
وفي هذه السنة: ولى القضاء على بن مُحَمَّد بن أبي الشوارب، وولى إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد، وجمع له الجانبان.
ومن الحوادث في هذه السنة: ما أَنْبَأَنَا به أبو بكر بن مُحَمَّد بن أبي طاهر البزار، عن أبي الحسين بن المهتدي قَالَ: رأيت بخط ابن الفرات: حَدَّثَنَا القاضي أبو الحسن الجراحي قال: [1] حدثني عبد الخالق بن الحسن قَالَ: سمعت أبا عون الفرائضي يقول: خرجت إلى مجلس أَحْمَد بن منصور الزيادي سنة اثنتين وستين ومائتين، فلما صرت بطاق الحراني رأيت رجلا قد أمر بالقبض على امرأة وأمر بجرها، فقالت له: اتق الله. فأمر أن تجر، فلم تزل تناشده الله وهو يأمر بجرها إلى أن بلغت [2] باب القنطرة، فلما يئست من نفسها رفعت رأسها إلى السماء ثم قالت: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ في ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 39: 46 [3] إن كان هذا الرجل يظلمني فخذه. قَالَ أبو عون: فوقع الرجل على ظهره ميتا وأنا أراه، فحمل على جنازة، وانصرفت المرأة.
وحج بالناس في هذه السنة الذي حج بهم قبلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1668- أَحْمَد بن الحسن بن القاسم، أبو الحسن الكوفي، يعرف برسول نفسه [4] .
حدث عن ابن عيينة، وغيره. قَالَ الدارقطني: هو متروك الحديث. قَالَ ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. توفي بمصر في هذه السنة.
__________
[1] «قال» ساقطة من ك.
[2] «أن بلغت» ساقطة من ك.
[3] سورة: الزمر، الآية: 46.
[4] ميزان الاعتدال 1/ 90.

(12/174)


1669- إسحاق بن إبراهيم بن مُحَمَّد، أبو يعقوب الصفار [1] .
روى عن عبد الوهاب بْن عَطَاء [2] والواقدي. روى عنه: ابن صاعد، والمحاملي [3] ، و [الباغندي، وغيرهما. وآخر من روى عنه] [4] ابن مخلد، وكان [ثبتا] [5] ثقة [متقنا حافظا] [6] . توفي في هذه السنة.
1670- حاتم [7] بن الليث، وبعض الرواة يقول: ابن أبي الليث بن الحارث بن عَبْد الرَّحْمَنِ، أبو الفضل الجوهري [8] .
روى عن إسماعيل بن أبي أويس، وغيره، روى عنه: الباغندي، وغيره، وأخر من روى عنه: ابن مخلد، وكان ثقة ثبتا متقنا [9] حافظا. توفي في هذه السنة.
1671-[حمدون بن عمارة، أبو جعفر البزار [10] .
سمع من جماعة، وروى عنه: ابن صاعد، وابن مخلد، وكان ثقة، واسمه:
مُحَمَّد، ولقبه: حمدون، وهو الغالب عليه، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة] .
1672- خلف بن ربيعة بن الوليد، أبو سليمان [11] الحضرمي [12] .
روى عن أبيه، وابن وهب، وكان عالما بأخبار مصر. توفي في هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 374، 375.
[2] «بن عطاء» ساقطة من ك.
[3] «والمحاملي» ساقطة من ك.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «سالم» .
[8] تاريخ بغداد 8/ 245، 246.
[9] «متقنا» ساقطة من ك.
[10] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 177.
[11] «بن الوليد أبو سليمان» ساقطة من ت. وفي الأصل: «أبو الوليد أبو سليمان» .
[12] الحضرميّ: هذه النسبة إلى حضرموت، وهي من بلاد اليمن من أقصاها (الأنساب 4/ 159) .

(12/175)


1673- خالد بن يزيد، أبو الهيثم التميمي [1] .
خراساني الأصل، كان أحد كتاب الجيش ببغداد، وله شعر مدون [2] ، وعاش دهرا طويلا واختلط في آخر عمره، فقيل: إن السوداء غلبت عليه، وقيل: بل كان يهوى جارية لبعض الملوك، ولم يقدر عليها، فسمع يوما منشدا ينشد:
من كان ذا شجن بالشام يطلبه ... ففي سوى الشام أمسى الأهل والشجن
فبكى حتى سقط على وجهه، ثم أفاق مختلطا، واتصل ذلك بِهِ [3] حتى وسوس، وكان قبل ذلك ينادم على بن هشام [4] ، وسبب ذلك أنه أنشده يوما:
يا تارك الجسم بلا قلب ... إن كنت أهواك فما ذنبي
يا مفردا بالحسن أفردتني ... منك بطول الهجر والعتب
إن تك عيني أبصرت فتنة ... فهل عَلَى قلبي من ذنب [5]
حسيبك الله لما بي كما ... ألقى [6] في فعلك بي حسبي
فجعله في ندمائه إلى أن قتل. ثم صحب الفضل بن مروان، فذكره للمعتصم وهو بالماحوزة [7] قبل أن تبنى سرمن رأى، فأمر بإحضاره واستنشده فأعجب به. ولما بنيت سامرا قَالَ خالد:
عزم السرور على المقام ... بسر من رأى للإمام
[بلد المسرة والفتوح ... المستنيرات العظام] [8]
وتراه أشبه منزل ... في الأرض بالبلد الحرام
__________
[1] تاريخ بغداد 8/ 316، 317.
[2] في ت، ك: «مروي» .
[3] في ك: «ذلك به» .
[4] في الأصل: «هاشم» .
[5] هذا البيت ساقط من ك.
[6] في ك: «كما أنك» .
[7] في ك: «ماحورة» .
[8] هذا البيت ساقط من الأصل.

(12/176)


فاللَّه يعمره بمن [1] ... أضحى به عز الأنام
فاستحسنها الفضل، وأوصلها إلى المعتصم قبل أن يقال في سرمن رأى شيء [2] فأمر لخالد بخمسة آلاف درهم. ودخل على إبراهيم بن المهدي فأنشده:
عاتبت قلبي في هواك ... فلم أجده يقبل
فأطعت داعية إليك ... ولم أطع من يعذل [3]
لا والذي جعل الوجوه ... لحسن وجهك تمثل
لا قلت إن الصبر عنك ... من التصابي أجمل
فأعطاه ثلاثمائة وخمسين دينارا.
قَالَ خالد: وَقَالَ لي علي بن الجهم هب لي بيتك:
ليت ما اصبح من رقة ... خديك بقلبك
فقلت: يا جاهل، هل رأيت أحدا يهب ولده.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي أَنْبَأَنَا علي [4] بن طلحة المقرئ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عمران، حَدَّثَنَا صالح بن مُحَمَّد، حَدَّثَنَا القعنبي قَالَ: مر خالد الكاتب يوما بصبيان فجعلوا يرجمونه ويقولون: يا خالد، يا بارد. فقال لهم:
ويلكم أنا بارد وأنا الذي أقول:
سيدي أنت لم أقل سيدي أنت ... لخلق سواك والصب عبد
خذ فؤادي فقد أتاك بود ... وهو بكر ما افتضه قط وجد
كبد رطبة يفتتها الوجد ... وخد فيه من الدمع خد
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي، أَخْبَرَنَا القاضي أبو حامد الكلواذاني فيما
__________
[1] في ك: «فقد أضحى» .
[2] «شيء» ساقطة من ك.
[3] في ك: «يعذل» .
[4] «أنبا علي» ساقطة من ك. والأصل.

(12/177)


أذن أن نرويه عنه] [1] قَالَ: [أَخْبَرَنَا] أبو عمر الزاهد، أَخْبَرَنَا ثعلب قَالَ: ما أحد من الشعراء تكلم في الليل إلا قارب إلا خالد الكاتب، فإنه أبدع في قوله:
وليل المحب بلا آخر
فإنه لم يجعل لليل [2] آخر.
وأنشدنا:
رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر
ولم تدر بعد ذهاب الرقاد ... ما فعل الدمع بالناظر
أيا من تعبدني طرفه ... أجرني من طرفك الجائر
وخذ للفؤاد فداك الفؤاد ... من طرفك الفاتن الفاتر
[أخبرنا [3] أبو منصور القزاز، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي، أَخْبَرَنَا القاضي أَحْمَد بن مُحَمَّد الدلوي، أَخْبَرَنَا أبو القاسم الحسن بن مُحَمَّد بن حبيب قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بن مظفر الأنباري يقول: سمعت أبا القاسم بن أبي حسنة يقول: سمعت خالد بن يزيد الكاتب يقول: بينا أنا مار بباب الطاق إذا براكب خلفي على بغلة، فلما لحقني نخسني بسوطه وَقَالَ لي: أنت القائل «ليل المحب بلا آخر» قلت: نعم. قَالَ:
للَّه أبوك وصف امرؤ القيس الليل الطويل في ثلاثة أبيات، ووصفه النابغة في ثلاثة أبيات، ووصفه بشار بن برد في ثلاثة أبيات، وبرزت عليهم بشطر كلمة للَّه أبوك. قلت:
بم وصفه امرؤ القيس: فقال: بقوله:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... على بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ك: «فإنه لم يجعل له آخر» .
[3] من هنا حتى نهاية المعقوفة بقوله: «فإن جد الأدب وهزله جد أنشدني. فأنشدته» ساقط من الأصل.
وسنشير إلى ذلك في مكانه.

(12/178)


قلت: وبما وصفه النابغة؟ فقال: بقوله:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تقاعس حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يهدي النجوم بآئب [1]
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الهم من كل جانب
قلت: وبما وصفه بشار؟ فقال: بقوله:
خليلي ما بال الدجى لا تزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح
أظن الدجى طالت وما طالت الدجى ... ولكن أطال الليل سقم مبرح
أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح
قلت له: يا مولاي، هل لك في شعر قلته لم أسبق إليه؟
كلما اشتد خضوعي ... بجوى بين ضلوعي
ركضت في حلبتي خدي ... خيل من دموعي
قال: فثنى رجله عن بغلته وَقَالَ: هاكها فاركبها، فأنت أحق بها مني. فلما مضى سألت عنه فقالوا: هو حبيب بن أوس الطائي.
وفي حديث آخر: أنه قيل له: من أين تأخذ قولك «وليل المحب بلا آخر» فقال:
وقفت على باب وعليه سائل مكفوف يقول: الليل والنهار على سواء. فأخذت هذا منه.
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بن أبي علي، حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن سليمان الكاتب قَالَ: حدثني أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد المعروف بابن السقا قَالَ: حدثني جحظة قَالَ: قَالَ لي خالد الكاتب: أضقت حتى عدمت القوت أياما، فلما كان في بعض الأيام بين المغرب وعشاء الآخرة إذا بابي يدق فقلت: من ذا؟ فقال: من إذا خرجت إليه عرفته. فخرجت فرأيت رجلا راكبا عَلَى حمار، عليه طيلسان أسود، وعلى رأسه قلنسوة طويلة، ومعه خادم، فقال لي: أنت الذي تقول:
أقول للسقم عد إلى بدني ... حبا لشيء يكون من سببك
__________
[1] في ت جاء هذا البيت مكان (الّذي يليه، وبالعكس» .

(12/179)


قال: قلت: نعم. قَالَ: أحب أن تنزل عنه. فقلت: وهل ينزل الرجل عن ولده؟
فتبسم وَقَالَ: يا غلام، أعطه ما معك. فرمى إلى صرة في ديباجة سوداء مختومة، فقلت: إني لا أقبل عطاء من لا أعرفه، فمن أنت؟ قَالَ: أنا إبراهيم بن المهدي.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَيُّوبَ الْقُمِّيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمران المرزباني قَالَ: أخبرني محمد بن يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاتِبُ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ بِالْخِلافَةِ طَلَبَنِي، وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُنِي، وَكُنْتُ مُتَّصِلا بِبَعْضِ أَسْبَابِهِ، فَأُدْخِلْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي:
يَا خَالِدُ، أَنْشِدْنِي مِنْ شِعْرِكَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ شِعْرِي مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ من الشعر حكما» . وإنما أمزح وَأَهْزِلُ، وَلَيْسَ مَا يُنْشَدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: لا أدع هذا يا خالد، فإن جد الأدب وهزله جد، أنشدني.
فأنشدته] [1] .
عش فحبيك سريعا قاتلي ... والضنى إن لم تصلني واصلي
ظفر الشوق بقلب كمد [2] ... فيك والسقم بجسم ناحل
فهما بين اكتئاب وضنى ... تركاني كالقضيب الذابل
وبكى العاذل لِي من رحمة ... وبكائي لبكاء العاذل
1674- سعدان بن يزيد، أبو مُحَمَّد البزاز [3] .
حدث عن إسماعيل ابن علية، ويزيد بن هارون، وغيرهما، وكان صدوقا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بن علي بن ثابت] الخطيب [4] ،
__________
[1] إلى هنا النقص في الأصل.
[2] في ك: «مكمد» .
[3] في الأصل: «البزار» .
وفي ت: «البراز» .
وما أثبتناه من تاريخ بغداد، ك.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 204، 205.
[4] «الخطيب» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/180)


أخبرنا الحسين بن أبي طالب، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الحسن [1] الجراحي قَالَ: حدثني أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ [2] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هارون قَالَ: قَالَ لي مُحَمَّد بن نصر الصائغ: نظر إلى سعدان بن يزيد البزاز فقال لي: يا مُحَمَّد بن نصر، أحدثك بشيء لا تحدث عني به حتى الموت. فقلت: نعم. فقال [لي] : كنت في بعض أسفاري، فنزلت في بعض الخانات، وكانت ليلة مطيرة ورعد وبرق، فنام أهل الخان، وجلست أفكر في عظمة الله تَعَالَى فنمت، فإذا ابن لي قد كنت أقصيته وبعدته، وإذا هو يخضع لِي [3] ويقرب مني، وأنا أقصيه وأبعده، ثم انتبهت، فصاح بي صائح [من جانب الخان] [4] : يا سعدان بن يزيد، قد رأيت عظمته [5] فافهم، هكذا يغضب عليك إذا عصيته، ويتحنن عليك إذا أرضيته [6] .
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أَخْبَرَنَا الحسن بن مُحَمَّد الخلال، حَدَّثَنَا عمر بن أَحْمَد بن عثمان، حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي معمر قَالَ: سمعت سعدان بن يزيد يقول:
ألا في سبيل الله عمر رزئته ... وفقد ليال فات [7] منها نعيمها
أأغبن أيامي ولا أستقيلها ... وتذهب عنى ليلة لا أقومها
وتنقطع الدنيا ويذهب غنمها ... ويغتنم الخيرات منها حكيمها [8]
توفي سعدان في رجب هذه السنة.
1675-[سليمان بن الحسن، أبو أيوب، يعرف بأخي المقتصد [9] .
__________
[1] «الحسن» ساقطة من ك.
[2] في ك: «أبو محمد بن عبد الله» .
[3] «لي» ساقطة من ك.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «عظة» .
[6] تاريخ بغداد 9/ 204.
[7] في ك: «بان» .
[8] تاريخ بغداد 9/ 204، 205.
[9] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ت.
وفي المطبوعة: «يعرف بأخي المعتضد» . انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 54.

(12/181)


حدث عن: عَبْد اللَّهِ بن نمير، ويزيد بن هارون، روى عنه: محمد بن مخلد، وكان ثقة، وتوفي في رمضان هذه السنة] .
1676- عَبْد اللَّهِ بن المنير المروزي [1] .
أَخْبَرَنَا سعد [الله] بن علي البزاز، ومحمد بن عبد الباقي [قالا:] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيثِيُّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ الله بن الحسن الطبري، حدّثنا أحمد بن محمد بن الخليل [2] ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن سلمة، حَدَّثَنَا أبو شجاع الفضل بن العباس التميمي، حَدَّثَنَا يعقوب بن إسحاق بن محمود الهروي قَالَ: سمعت يحيى بن بدر القريشي يقول: كان عَبْد اللَّهِ بن منير يوم الجمعة قبل الصلاة [يكون] [3] بقزوين، فإذا كان في وقت صلاة الجمعة يرونه في مسجد آمد، وكان الناس يقولون: إنه يمشي على الماء، فقيل له: يا أبا محمد، إنك تمشي على الماء. فقال: أما المشي على الماء فلا أدري، ولكن إذا أراد الله عز وجل جمع حافتي النهر حتى يعبر الإنسان.
قَالَ: وكان عَبْد اللَّهِ بن منير إذا قام من المجلس خرج إلى البرية مع قوم من أصحابه يجمع شيئا مثل الأشنان وغيره، فيدخل السوق فيبيع ذلك، فيتعيش به. قَالَ:
فخرج يوما مع أصحابه، فإذا هو بالأسد رابض على الطريق فقيل له: هذا الأسد. فقال لأصحابه؟ قفوا. ثم تقدم [هو وحده] [4] إلى الأسد ولا يدري ما قاله، فمر الأسد. فقال لأصحابه: مروا.
1677- عبيد الله [5] بن جرير بن جبلة بن أبي داود العتكي البصري [6] .
روى عن مسدد، وغيره، روى عنه: ابن أبي الدنيا، وابن صاعد.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أخبرنا البرقاني،
__________
[1] في الأصل: «المروي» .
[2] في ك: «محمد الخليل» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «عبد الله» وتكررت «عبد الله بن جرير» في المطبوعة.
[6] تاريخ بغداد 10/ 325.

(12/182)


أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، أَخْبَرَنَا] [1] مُحَمَّد بن إسحاق السراج.
قَالَ: أنشدني عبيد الله بن جرير:
ما لا يكون فلا يكون بحيلة ... أبدا وما هو كائن سيكون
سيكون [2] ما هو كائن في وقته ... وأخو الجهالة متعب محزون
توفي [العتكي] [3] في رجب هذه السنة بواسط.
1678- عَبْد الرَّحْمَنِ [بن يحيى] [4] بن خاقان، أبو علي، عم أبي مزاحم موسى بن عبيد الله [5] .
روى أبو مزاحم عنه مسائل عن [6] أَحْمَد بن حنبل.
[أَنْبَأَنَا أبو منصور القزاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي علي بن طلحة المقرئ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العباس الخزاز] [7] قَالَ: [سمعت] أبا مزاحم [بن عبيد الله يقول:] كان عمي عَبْد الرَّحْمَنِ بن يحيى كثير الجماع، وكان قد رزق من الولد لصلبه مائة وستة، وكان قد أنحله كثرة الجماع [8] .
1679- عباد بن الوليد بن خالد [9] ، أبو بدر الغبري [10] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وله: سيكون.. 0» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 10/ 278.
[6] في ك: «من أحمد بن حنبل» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] تاريخ بغداد 10/ 278.
[9] في ك: «ابن الوليد بن الوليد» .
[10] في ك: «الغنوي» .
وفي تاريخ بغداد: «الغبّري» .
وفي ت: «العنبري» .
وفي الأصل: «الغزي» .
والصحيح هو ما أثبتناه من «الأنساب للسمعاني» .

(12/183)


سمع من أبي داود الطيالسي، روى عنه: ابن أبي الدنيا، وابن صاعد، وكان صدوقا. وتوفي في هذه السنة، وقيل: في سنة ثمان وخمسين.
1680- عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد [1] ، أبو زيد النميري البَصْريّ [2] .
واسم أَبِيهِ زيد [3] ، وإنما لقب شبة لأن أمه كانت ترقصه وتقول:
يا بأبي وشبا ... وعاش حتى دبا
ولد عمر سنة ثلاث وسبعين [4] ومائة، وحدث عن: غندر، وابن مهدي، ويزيد بن هارون وغيرهم. روى عنه: ابن أبي الدنيا، والبغوي [5] ، وابن صاعد، وكان ثقة عالما بالسير وأيام الناس، وله تصانيف كثيرة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي بن الحسين الثوري [6] ، أَخْبَرَنَا يوسف بن عمر القواس، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سهل الكاتب، حَدَّثَنَا عمر بن شبة قَالَ: قدم وكيع بن الجراح عبادان، فمنعت من الخروج إليه لحداثتي، فرأيته في النوم يتوضأ على شاطئ دجلة من كور، فقلت: يا أبا سفيان، حدثني بحديث. فقال: حَدَّثَنَا إسماعيل، عن قيس [قَالَ:] قَالَ عَبْد اللَّهِ: كان خير المشركين إسلاما للمسلمين عمر، قَالَ: فحفظته في النوم [7] .
توفي عمر بسر من رأى في جمادى الآخرة من هذه السنة، عن تسع وثمانين سنة إلا أربعة أيام.
__________
[ () ] قال السمعاني: الغبري: بضم الغين المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها راء. هذه النسبة إلى بني غبر وهم بطن من يشكر (9/ 122، 123) .
وانظر ترجمة عباد بن الوليد أبو بدر في: تاريخ بغداد 11/ 108، 109. والأنساب للسمعاني 9/ 125.
[1] في الأصل: «بن يزيد» .
[2] «البصري» ساقطة من ك.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 208- 210.
[3] في ك: «واسمه زيد» .
[4] في ك: «وخمسين» وصححت في الهامش إلى «سبعين» .
[5] في الأصل: «البصري» .
[6] في الأصل: «التوذي» .
[7] تاريخ بغداد 11/ 208، 209.

(12/184)


1681- مُحَمَّد بن إبراهيم بن إسحاق، أبو أحْمَد الأستراباذيّ [1] .
كتب عنه [2] جماعة، وكان شيخا فاضلا ثقة كثير الصلاة والتلاوة.
وتوفي فجأة في الكوفة هذه السنة [3] وكان [4] قد نيف على تسعين.
1682- مُحَمَّد بن الحسين، أبو جعفر البندار [5] .
حدث عن أبي الربيع الزهراني. روى عنه: ابن مخلد.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
1683- مُحَمَّد بن الحجاج بن جعفر بن إياس، أبو الفضل الضبي [6] .
حدث عن أبي بكر بن عياش، ومحمد بن فضيل، وسفيان بن عيينة، وغيرهم.
روى عنه: ابن صاعد، وأبو عمر القاضي، وابن مخلد، وغيرهم. وَقَالَ ابْن عقدة: في أمره نظر. توفي في هذه السنة عن سبع وتسعين سنة [7] .
1684- مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن ميمون، أبو بكر البغدادي [8] .
حدث عن الوليد بن مسلم، وغيره، وكان ثقة.
وتوفي بالإسكندرية في ربيع الأول من هذه السنة.
1685- مُحَمَّد بن مُحَمَّد، أبو الحسن المعروف بحبش بن أبي الورد الزاهد [9] .
وهو مُحَمَّد [بن مُحَمَّد] [10] بن عيسى بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عبد الصمد بن أبي
__________
[1] في ك: «أبو زيد الخسراباذي» .
[2] في ك: «كتب عن جماعة» .
[3] في ك: «وتوفي فجأة في الكوفة سنة» .
[4] «وكان» ساقطة من ك.
[5] البندار: هذه النسبة إلى من يكون مكثرا من شيء يشتري منه من هو أسفل أو أخف حالا وأقل مالا منه ثم يبيع ما يشتري منه من غيره. وهي لفظة أعجمية (الأنساب 2/ 311) .
[6] تاريخ بغداد 2/ 284. والأنساب للسمعاني 8/ 145، 146.
[7] «عن سبع وتسعين سنة» ساقطة من ك.
[8] تاريخ بغداد 5/ 426، 427.
[9] حلية الأولياء 10/ 315.
[10] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/185)


الورد مَوْلَى سَعِيد بْن أَبِي العاص [1] عتاقة، وإنما سمي حبشًا لسمرته، وجَدّه عيسى هو المعروف بأبي الورد [2] . وكان من صحابة المنصور، وإليه تنسب سويقة أبي الورد، ولمحمد أخ أصغر مِنْهُ: اسمه أَحْمَد، ويكنى أَبَا الحَسَن أيضا، صحب بشرا وسريا، ولَهُ كلام حسن، وتوفي قبل أخيه.
فأما حبش فإنه صحب بشر بن الحارث، وغيره، وأسند أحاديث عن هاشم بْن القاسم وغيره. حدث عَنْهُ: البَغَويّ، وغيره.
وتوفي في رجب هذه السنة، وقيل: في سنة ثلاث وستين.
أَخْبَرَنَا عمر بن ظفر، أَخْبَرَنَا جعفر بن أحمد السراج، أخبرنا عبد العزيز بن علي، أَخْبَرَنَا أبو الحسن بن جهضم، حَدَّثَنَا [3] أَحْمَد بن علي الحبال، حَدَّثَنَا علي بن عبد الحميد قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن أبي الورد يقول: هلاك [4] الناس في حرفين: من اشتغال بنافلة، وتضييع فريضة، وعمل بالجوارح بلا مواطأة القلب، وإنما منعوا الوصول لتضييع الأصول.
1686- يعقوب بن شيبة، بن الصلت بن عصفور، أبو يوسف السدوسي بصري [5] .
سمع علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، وخلقا كثيرا، وكان ثقة، وصنف مسندا معللا، إلا إنه لم يتمه، وكان فقيها على مذهب مالك، ولا يختلف الناس في ثقته، وإنما وقف في القرآن فلم يقل بمخلوق ولا غير مخلوق، فقال أَحْمَد:
هو مبتدع صاحب هوى. [وتوفي في هذه السنة] [6] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا [أبو بكر] بن ثابت قَالَ: حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: بلغني أن يعقوب كان في منزله أربعون لحافا أعدها لمن كان يبيت [7] عنده من الوراقين لتبييض
__________
[1] في ت: «بن القاضي» وسقطت من ت: «عتاقة» .
[2] «مولى سعيد بن أبي العاص ... بأبي الورد» . ساقط من ك.
[3] في الأصل: «أخبرنا» .
[4] في ك: «إخلال» .
[5] تاريخ بغداد 14/ 281- 283.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «يبيت» ساقطة من ك.

(12/186)


المسند، ونقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار، قال: وقيل لي: إن نسخة مسند أبي هريرة شوهدت بمصر فكانت [1] مائتي جزء [2] .
1687- يحيى بن مسلم بن عبد ربه، أبو زكريا العابد [3] .
سمع وهب بن جرير، روى عنه: ابن مخلد، وكان ثقة زاهدا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت قال: أخبرني الأزهري، حَدَّثَنَا عبيد الله بن عثمان، حَدَّثَنَا ابن مخلد قَالَ: حدثني أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الحميد قَالَ: سمعت يحيى بن مسلم يقول: كان في جيراننا فتى يتنسك، ولزم بشر بن الحارث حتى أنس به. قَالَ: فقال لي الفتى يوما: قَالَ لي بشر بن الحارث: أين تنزل؟ قلت: ذلك الجانب يا أبا نصر! قَالَ: أين من [4] ذلك الجانب؟ قلت: موضعا يُقَالُ له درب البقر. فقال: أين أنت من منزل ذلك العابد يحيى بن مسلم؟ قلت: يا أبا نصر، أنا جاره. قَالَ: فأقرأ عليه السلام إذا رأيته. قَالَ يحيى: وكان يجيئني الفتى من عنده بالسلام وأرد إليه [5] السلام. قَالَ يحيى بن مسلم: فعبرت يوما إلى ذاك [6] الجانب في حاجة، فاستقبلت ابن الحارث كفه لكفه، فما كلمته، فلما جاوزني [7] التفت أنظر [8] إليه، فإذا هو قائم [ملتفت] [9] ينظر إلى [10] .
توفي يحيى في جمادي الأخرة من هذه السنة.
__________
[1] «فكانت» ساقطة من ك.
[2] تاريخ بغداد 14/ 281.
[3] تاريخ بغداد 14/ 214، 215.
[4] «من» ساقطة من ك.
[5] في الأصل: «عليه» .
[6] في ك: «ذلك» .
[7] في ك: «جاوزت» .
[8] «انظر» ساقطة من ك.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] تاريخ بغداد 14/ 215.

(12/187)


1688- يحيى بن محمد بن أعين ابن الوزير، أبو عبد الرحمن المروزي [1] .
سكن بغداد، وحدث بها، عن النضر بن شميل، وأبي عاصم النبيل. روى عنه:
مُحَمَّد بن مخلد، وكان ثقة وجده أعين كان وصى عَبْد اللَّهِ بن المبارك.
وتوفي يحيى في رمضان هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 14/ 215.

(12/188)


ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان هلك، فاستوزر من الغد الحسين بن مخلد، فقدم موسى بن بغا، فهرب الحسين بن مخلد إلى بغداد، واستوزر مكانه سليمان بن وهب لست خلون من ذي الحجة.
وحج بالناس في هذه السنة: الفضل الذي حج بهم في التي قبلها [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1689- أَحْمَد بن عَبْد اللَّهِ بن سالم، أبو طاهر الحيرى [2] .
كان مقبولا عند القضاة، وتوفي بالحيرة [3] في صفر هذه السنة.
1690- الحسن بن سعيد بن عَبْد اللَّهِ، أبو مُحَمَّد الفارسي البزار، ويعرف بابن البستنبان [4] .
__________
[1] في الأصل: «الّذي فيما قبلها» .
[2] في الأصل، ت: «بن طاهر الحيريّ» .
والحيريّ: هذه النسبة إلى الحيرة وهي بالعراق عند الكوفة، وبخراسان بنيسابور.
[3] في الأصل: «بالجيزة» .
[4] في ك: «البستبان» .
وفي الأصل: «المستنبان» . وفي ت: «النسبتان» .
والبستنبان: بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة، وفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وسكون النون وفتح الباء الموحدة، وفي آخرها النون بعد الألف. هذه الكلمة إنما يقال بوستان بان، يغنى:
الّذي يحفظ البستان والكرم (الأنساب 2/ 206) .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 324.

(12/189)


سمع سفيان بن عيينة، وابن علية، وداود بن المحبر. روى عنه: المحاملي، وابن مخلد. قَالَ ابن أبي حاتم: هو صدوق. وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
1691- الحسن بن أبي الربيع، واسم أبي الربيع، يحيى بن الجعد بن نشيط [1] .
حدث عن عبد الرزاق ويزيد، وشبابة، والعقدي، وغيرهم. روى عنه: البغوي، وابن صاعد، والمحاملي. وَقَالَ ابن أبي حاتم: هو صدوق، وتوفي بالكرخ من مدينة السلام في جمادى الأولى من هذه السنة، وله خمس وثمانون سنة.
1692- طلحة بن خالد بن نزار بن المغيرة، أبو الطيب الغساني الأبلي [2] .
نزل سرمن رأى، وحدث بها عن أبيه، وآدم بن [أبي] [3] إياس. روى عنه: ابن صاعد، والكوكبي، وهو ثقة صدوق. وتوفي في شعبان هذه السنة.
1693- عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير المعتمد [4] .
صدمه في الميدان خادم له يُقَالُ له: رشيق، يوم الجمعة لعشر خلون من ذي القعدة من هذه السنة، فسقط عن دابته، فسال من [5] منخره وأذنه دم، فمات بعد ثلاث ساعات، فصلى عليه [أبو] [6] أَحْمَد بن المتوكل، ومشى في جنازته.
1694- وليد بن مُحَمَّد النحوي، ويعرف: بولاد [7] .
روى عن القعنبي، وغيره. وكان نحويا مجودا. وروى كتب النحو واللغة، [وكان ثقة] [8] . توفي في رجب هذه السنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 7/ 453، 454.
[2] الابليّ: هذه النسبة إلى الأبلّة، بلدة قديمة على أربعة فراسخ من البصرة وهي أقدم من البصرة.
(الأنساب 1/ 120) .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] دول الإسلام للذهبي 1/ 125. وتاريخ الطبري 11/ 246. ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 146.
[5] في ك: «عن منخره» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فولاذ» .
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/190)


ثم دخلت سنة أربع وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن سليمان بن وهب خرج من بغداد إلى سامراء ومعه الحسن بن وهب، فشيعه عامة [1] القواد، فلما صار بسامراء غضب عليه المعتمد، وحبسه وقيده، وانتهب [2] داره ودار ابنيه: وهب، وإبراهيم، واستوزر الحسن بن مخلد.
وفيها: ولى أبو عمر القاضي قضاء مدينة المنصور، والأعمال المتصلة بها، وجلس في الجامع.
وفيها: دخل الزنج واسطا، فخلى الناس البلد، وخرجوا عنه حفاة على وجوههم، وكانوا يدخلون المنازل فيجدونها مفروشة، ومضى الناس [وكان] [3] يأخذ أحدهم عمامته أو رداءه فيشد بها رجليه ويمشي، وضربت واسط بالنار.
وحج بالناس في هذه السنة: هارون بن مُحَمَّد بن إسحاق الكوفي الهاشمي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1695- إبراهيم بن راشد بن سليمان، أبو إسحاق [الآدمي] [4] .
__________
[1] «عامة» ساقطة من ك.
[2] في ك: «وأنهب» .
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 74، 75.

(12/191)


سمع خلقا كثيرا، وروى [عنه] [1] : ابن أبي الدنيا، وغيره. وَكَانَ ثقة.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وكان قد بلغ الثمانين.
1696- إبراهيم بن مالك بن بهبوذ أبو إسحاق البزاز [2] .
سمع حماد بن أسامة، وزيد بن الحباب، ويزيد بن هارون في، آخرين [3] .
روى عنه: ابن أبي الدنيا، وابن صاعد، وكان ثقة من خيار المسلمين.
وتوفي في رجب هذه السنة وقد بلغ الثمانين.
1697- إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمر بن مسلم وهو إبراهيم المزني [4] .
صاحب الشافعي [رحمه الله] وكان فقيها حاذقا، ثقة في الحديث، وله عبادة وفضل، وكان من خيار خلق الله عز وجل ملازما للرباط. توفي يوم الأربعاء لأربع وعشرين ليلة خلت من ربيع الأول هذه السنة، وصلى عليه الربيع بن سليمان.
1698- بنان بن يحيى بن زياد، أبو الحسن المغازلي [5] .
حدث عن عاصم بن علي، ويحيى بْن معين، وغيرهما. روى عنه: ابن مسروق [6] ، وابن مخلد، وَكَانَ ثقة، وتوفي في رجب هذه السنة.
1699- جعفر بن مكرم بن يعقوب بن إبراهيم، أبو الفضل الدوري التاجر [7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في المطبوعة: «إبراهيم بن مالك بن يهوذا بن إسحاق البزار» .
وفي ت: «بن يهوذا» والباقي مثل الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 186.
[3] في ك والمطبوعة: «وآخرين» .
[4] في المطبوعة: «بن إبراهيم المرني» .
وفي الأصل: «بن عمرو بن مسلم» .
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ صفحة 558.
[5] في ك، والمطبوعة: «بناف بن يحيى بن زياد ... » .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 99، 100.
[6] في الأصل: «ابن مرزوق وابن مخلد» .
[7] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 7/ 178، 179.

(12/192)


سمع أبا عامر العقدي، وروح بن عبادة، وأبا داود الطيالسي في خلق كثير. روى عنه: ابن صاعد، وغيره، وهو ثقة صدوق. وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
1700- حماد بن المؤمل بن مطر، أبو جعفر الكلبي [1] .
حدث عن كامل بن طلحة، روى عنه: ابن مخلد، وكان ثقة.
توفي في هذه السنة.
1701- عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ [2] ، أبو زرعة الرازي، مولى عياش [3] بن مطرف القرشي [4] .
ولد سنة مائتين [5] ، وسمع أبا نعيم، وقبيصة، والقعنبي، وخلقا كثيرا. وكان إماما حافظا متقنا مكثرا صدوقا. وجالس أَحْمَد بن حنبل وذاكره، وكان أَحْمَد يقول: اعتضت بمذاكرته عن نوافلي، وما جاوز الجسر أحفظ من أبي زرعة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن يوسف القطان، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد حمدويه قَالَ: سمعت أبا جعفر مُحَمَّد بن أَحْمَد الرازي يقول: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن [6] وارة يقول:
كنت عند إسحاق بن إبراهيم [7] بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أَحْمَد بن حنبل يقول: صح من [8] الحديث سبع مائة ألف حديث وكسر، و [9] هذا الفتى- يعني أبا زرعة- قد حفظ ستمائة ألف [10] .
__________
[1] تاريخ بغداد 8/ 158.
[2] في الأصل: «بن مزوّخ» .
[3] في ك: «العباس» .
[4] تاريخ بغداد 10/ 326- 337.
[5] في الأصل، ت: «ولد سنة ثمانين» . وفي ك، وتاريخ بغداد كما أثبتناه.
[6] في ك: «بن سليمان وارة» .
[7] في ك: «إبراهيم بن إسحاق» .
[8] في ك: «في الحديث» .
[9] «وكسر، و» ساقطة من ك.
[10] تاريخ بغداد 10/ 332.

(12/193)


قال المصنف: وَقَالَ أبو بكر بن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.
وَقَالَ ابن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل.
وَقَالَ أبو يعلى الموصلي: ما سمعنا يذكر أحمد في الحفظ إلا كان اسمه أكثر من رؤيته إلا أبا زرعة، فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَد بن علي السوذرجاني قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن إسحاق بن منده [1] يقول: سمعت أبا العباس مُحَمَّد بن جعفر بن حمكويه الرازي يقول: سئل أبو زرعة [الرازي] [2] عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟
قَالَ: لا. ثم قَالَ أبو زرعة: احفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الانسان قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث [3] .
أخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي قَالَ: كتب إلى أبو حاتم أَحْمَد بن الحسن بن مُحَمَّد بن خاموش الواعظ بخطه [4] قَالَ: سمعت أحمد بن الحسن بن مُحَمَّد العطار [5] يذكر عن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن جعفر الصيرفي قَالَ: حَدَّثَنَا أبو جعفر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن سليمان التستري قَالَ: سمعت أبا زرعة يقول: إن في بيتي ما كتبته منذ [6] خمسين سنة، ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، وفي أي ورقة هو، في أي صفحة [7] هو، في أي سطر هو، وما سمعت أذني شيئا من العلم إلا وعاه قلبي، وإني أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنيات فأضع أصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي [8] .
__________
[1] في ك والمطبوعة: «بن مندوية» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 10/ 335.
[4] في ك: «بحفظه» .
[5] في الأصل: «القطان» .
وفي المطبوعة: «الحسن بن محمد العطار» .
[6] في ك: «في خمسين» .
[7] في ك: «في أي صفح» .
[8] تاريخ بغداد 10/ 331، 332.

(12/194)


أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ بْنُ ثَابِتٍ] الْخَطِيبُ [1] أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [2] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فضالة النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَاذَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ التُّسْتَرِيَّ يَقُولُ: حَضَرْنَا أَبَا زُرْعَةَ وَكَانَ فِي السُّوقِ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَذَكَرُوا حَدِيثَ التَّلْقِينِ، وَقَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَقِنُّوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» . قَالَ: فَاسْتَحْيَوْا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَهَابُوا أَنْ يُلَقِّنُوهُ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَذكر الْحَدِيثَ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحٍ. وَلَمْ يُجَاوِزْ، وَالْبَاقُونَ سَكَتُوا.
فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السُّوقِ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي غَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ [3] اللَّهُ.
[تُوُفِّيَ أَبُو زُرْعَةَ بِالريِّ فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السنة] [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الفتح عبد الواحد بن أبي أَحْمَد الإستراباذي، أَخْبَرَنَا [أَحْمَد بن] [5] إبراهيم الهمداني، أَخْبَرَنَا أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي، حَدَّثَنَا الحسن بن عثمان، حَدَّثَنَا أبو العباس أَحْمَد بن مُحَمَّد المرادي قَالَ: رأيت أبا زرعة في المنام فقلت: يا أبا زرعة، ما فعل الله بك؟ قَالَ: لقيت ربي تعالى فقال لي: يا أبا زرعة، إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة، فكيف من حفظ السنن على عبادي، تبوأ من الجنة حيث شئت [6] .
__________
[1] «الخطيب» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في المطبوعة: «أبو علي بن عبد الرحمن» .
[3] تاريخ بغداد 10/ 335.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 10/ 336، 337.

(12/195)


1702- قبيحة أم المعتز [1] .
توفيت في هذه السنة.
1703- موسى بن بغا [2] .
توفي في محرم هذه السنة ودفن بسامراء.
1704- مُحَمَّد بن علي بن داود، أبو بكر البغدادي، ويعرف: بابن أخت غزال [3] .
كان يحفظ ويفهم، وحدث/ كثيرا وكان ثقة.
وتوفي بقرية من قرى مصر في ربيع الأول من هذه السنة.
1705- مُحَمَّد بن هلال بن جعفر بن عَبْد الرَّحْمَنِ، أبو الفضل [4] .
عامل خراج مصر، كان صدوقا في الحديث، كريما، وله آثار في الخير.
توفي في هذه السنة.
1706- يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة، أبو موسى الصدفي [5] .
ولد سنة إحدى وسبعين ومائة، وكان له علم وافر، وعقل رزين، حتى قَالَ الشافعي [رحمه الله] : ما دخل من هذا الباب- يعني باب الجامع- أحد أعقل من يونس بن عبد الأعلى، وتوفي بمصر في هذه السنة وَهُوَ ابن ثلاث وتسعين سنة [6] .
1707- يزيد بن سنان بن يزيد بن الذيال، أبو خالد، مولى عثمان بن عفان [7] .
مصري قدم مصر تاجرا، فوطنها وكتب بها الحديث، وحدث، وكان ثقة نبيلا.
وخرج مسند حديثه، وكان كثير الفائدة.
وتوفي بمصر في [أول يوم من] [8] جمادي الأولى من هذه السنة [9] .
__________
[1] البداية والنهاية 11/ 37.
[2] البداية والنهاية 11/ 36.
[3] تاريخ بغداد 3/ 59، 60.
[4] في ت: «أبو الفضيل» .
[5] تذكرة الحفاظ صفحة 527.
[6] «وهو ابن ثلاث وتسعين سنة» ساقطة من ك.
[7] تقريب التهذيب 2/ 365.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] «أول يوم من جمادي الأولى من هذه السنة» ساقطة من ك.

(12/196)


ثم دخلت سنة خمس وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن الزنج جاءوا في ثلاثين سميرية إلى جبل، فأخذوا منها أربع سفن فيها طعام، ثم انصرفوا، ثم دخلوا النعمانية فأحرقوا سوقها، وأكثر منازل أهلها، وسبوا، وصاروا إلى جرجرايا، فدخل أهل السواد بغداد.
وفيها: ولي أبو أَحْمَد عمرو بن الليث خراسان، وفارس، وأصبهان، وسجستان، وكرمان، والسند، وأشهد له بذلك، ووجه كتابه إليه بتوليته مع الخلع [1] .
وحج بالناس في هذه السنة: هارون بن مُحَمَّد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1708- إبراهيم بن هانئ، أبو إسحاق النيسابوري [2]
رحل في طلب العلم إلى الشام و [3] [بغداد] ، ومصر، ومكة، واستوطن بغداد، وحدث عن قبيصة وخلق كثير. وروى عنه: عَبْد اللَّهِ بن أحمد، والبغوي، وابن صاعد،
__________
[1] في ك: «مع الحلف» . في الأصل: «والخلع» .
[2] تاريخ بغداد 6/ 204- 206.
[3] «الشام» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/197)


وغيرهم. وكان ثقة صالحا، واختفى أَحْمَد بن حنبل في بيتهم في زمن المحنة، فقال لابنه إسحاق: أنا لا أطيق ما يطيق أبوك من العبادة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن على بن ثابت قَالَ: أخبرني مُحَمَّد بن عبد الواحد، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العباس الخزاز، حَدَّثَنَا أبو بكر عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد النيسابوري قَالَ: حدثني أبو موسى الطوسي قَالَ: سمعت ابن زنجويه يقول: قَالَ أَحْمَد بن حنبل: إن كان ببغداد رجل من الأبدال فأبو إسحاق النيسابوري [1] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنِ عَلِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ [أبي] الفتح [2] ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العباس الخزاز، حَدَّثَنَا أبو بكر النيسابوري قَالَ:
حضرت إبراهيم بن هانئ عند وفاته، فقال لابنه إسحاق: أنا عطشان، فجاءه بماء، فقال: غابت الشمس؟ قَالَ: لا. قَالَ: فرده. ثم قَالَ: لمثل هذا فليعمل العاملون، ثم خرجت روحه [3] . توفي إبراهيم [4] في ربيع الآخر من هذه السنة.
1709- إبراهيم بن القعقاع، أبو إسحاق [5] .
بغوي الأصل، حدث عن عبيد بن إسحاق العطار، وغيره، روى عنه: قاسم المطرز، والقاضي المحاملي، وكان ثقة [6] . توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
1710- إبراهيم بن مُحَمَّد بن يونس بن مروان بن عبد الملك، مولى عثمان بن عفان، أبو إسحاق [7] .
بصرى قدم بغداد، فتوفي بها في رمضان هذه السنة [8] .
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 205.
[2] في الأصل: «عبيد الله بن الفتح» وكذا في ت.
وفي ك: «عبد الله بن أبي الفتح» .
[3] تاريخ بغداد 6/ 205، 206.
[4] في المطبوعة، ك: «أبو زهير» .
[5] تاريخ بغداد 6/ 140، 141.
[6] في الأصل: «وهو ثقة» .
[7] لم أقف عليه في تاريخ بغداد المطبوع.
[8] في الأصل: «وتوفي بها في هذه السنة في رمضان» .

(12/198)


1711-[جعفر بن الوراق، الواسطي المفلوج] [1] .
سكن بغداد، وحدث بها عن: يعلي بن عبيد الطنافسي وغيره. روى عنه: ابن أبي داود، والمحاملي، ونفطويه، وغيرهم. وكان ثقة.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
1712- سعدان بن نصر بن منصور، أبو عثمان الثقفي البزاز، اسمه: سعيد، وغلب عليه سعدان [2] .
سمع سفيان بن عيينة، ووكيعا، وأبا معاوية. روى عنه: ابن أبي الدنيا، وأبن صاعد، والمحاملي، وابن مخلد قال أبو حاتم الرازي: هو صدوق.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة، وقد جاز التسعين] .
1713- صالح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حنبل، [أَبُو الفضل] الشيباني [3] .
ولد في سنة ثلاث ومائتين، وسمع أباه، وأبا الوليد الطيالسي، وعلى بن المديني. روى عنه: ابنه زهير، والبغوي، وكان صدوقا ثقة كريما. ولى قضاء أصبهان، فخرج إليها، فلما دخلها بدأ بالجامع، فصلى فيه ركعتين، واجتمع الناس والشيوخ، وقرئ عليهم عهده، فجعل يبكي بكاء شديدا، ويقول: ذكرت أبي أن يراني في مثل هذه الحالة. وكان عليه الثياب السود، وَقَالَ: كان أبي إذا جاءه رجل زاهد متقشف يبعث خلفي لانظر إليه يحب أن أكون مثله. وكان إذا انصرف من مجلس الحكم يخلع سواده، ويقول: ترى أموت وأنا علي هذا.
فتوفي بأصبهان في رمضان هذه السنة، وقيل: في سنة ست وستين، وله حينئذ ثلاث وستون [4] سنة.
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، وكذلك التي بعدها.
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ صفحة 565.
[2] تاريخ بغداد 9/ 205، 206.
[3] في الأصل: «صالح بن أحمد بن محمد جد الشيبانيّ» .
وفي ت: «صالح بن أحمد بن محمد بن حسن حنبل الشيبانيّ» .
وفي ك: «صالح بن أحمد بن حنبل، أبو الفضل الشيبانيّ» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 317- 319.
[4] في الأصل: «ثلاث وسبعون» .

(12/199)


1714- عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن أيوب بن صبيح [1] أبو مُحَمَّد المخرمي [2] .
سمع سفيان بن عيينة، وغيره. روى عنه: عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي حاتم، وَقَالَ: هو صدوق.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي] بن ثابت، حدثنا علي بن أبي علي، حَدَّثَنَا القاضي أَبُو القاسم [3] عمر بن مُحَمَّد بن إبراهيم البجلي قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سليمان الباغندي قَالَ: كنت بسر من رأى، وكان عبد الله بن أيوب [4] المخرمي يقرب إلي، فخرج توقيع الخليفة [5] بتقليده القضاء، فانحدرت في الحال من سرمن رأى إلى بغداد حتى دققت على عَبْد اللَّهِ بن أيوب بابه، فخرج إلى، فقلت: البشرى. فقال: بشرك الله بخير، ما هي؟ فقلت: خرج توقيع الخليفة بتقليدك القضاء [6] لأحد البلدين: إما/ بغداد، أو سرمن رأى- البجلي [7] يشك- قَالَ: فأطبق الباب، وَقَالَ: بشرك الله بالنار. وجاء أصحاب السلطان إليه فلم يظهرهم، فانصرفوا.
فتوفي المخرمي في [جمادي الأولى من] [8] هذه السنة، وقد جاز السبعين.
1715- علي بن حرب بن مُحَمَّد بن علي، أبو الحسن الطائي الموصلي [9] .
ولد في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، ورحل في طلب الحديث [10] إلى
__________
[1] في المطبوعة: «بن صبح» .
[2] تاريخ بغداد 10/ 81، 82.
[3] في ك: «ابن أبي القاسم» .
[4] في المطبوعة «عبد الله بن محمد» .
[5] في الأصل: «فخرج تقليد الخليفة بتوقيعه بتقليده القضاء» .
وفي ك: «يتقلد القضاء فخرج توقيع الخليفة ... » . وما أثبتناه من ت.
[6] في الأصل: «خرج السلطان بتوليتك القضاء» .
[7] في الأصل: «إما سامراء أو بغداد» .
و «البجلي» ساقطة من ك.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] تاريخ بغداد 11/ 418- 420.
[10] في الأصل: «في طلبه العلم» .

(12/200)


البلاد، وسمع سفيان بن عيينة، ووكيعا، وابن فضيل، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. وروى عنه: البغوي، وابن صاعد، والمحاملي، وكان صدوقا [1] ثقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ [بن علي] بن ثابت قَالَ: كتب إلى مُحَمَّد بن إدريس بن مُحَمَّد الموصلي يذكر أن المظفر بن مُحَمَّد الطوسي حدثهم قَالَ:
حَدَّثَنَا أبو زكريا يزيد بن مُحَمَّد بن إياس الأزدي [2] قَالَ: علي بن حرب، سمع وصنف حديثه، وأخرج المسند، وكان عالما بأخبار العرب وأنسابها، أديبا شاعرا، ووفد على المعتز بسر من رأى في سنة أربع وخمسين ومائتين، فكتب المعتز عنه بخطه، ودقق الكتاب فقال على: أخذت يا أمير المؤمنين في شؤم أصحاب الحديث. فضحك المعتز أو نحوه [3] .
أخبرنا بهذا غير واحد من شيوخنا، وأحضره المعتز للطعام فأكل [4] بحضرته، وأوغر [5] لَهُ بضياع حَرْب [6] كلها فلم يزل ذلك جاريا عليه [7] إلى أيام المعتضد.
وتوفي في شوال سنة خمس وستين ومائتين.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وبسامراء مات، وقد جاوز التسعين. وقيل: مات فِي سنة ست وستين، والأول أصح [8] .
__________
[1] «صدوقا» ساقطة من ك، ت.
[2] «الأزدي» ساقطة من ك.
[3] تاريخ بغداد 11/ 419.
[4] في ك: «وأمر المعتز بالطعام» .
[5] في ك، والأصل: «وأوعز» والصحيح: أوغر «بغين وراء» أي: جعلها له من غير خراج.
[6] في ك والمطبوعة: «جرت» .
وفي الأصل: «جرب» .
[7] «عليه» ساقطة من ك.
انظر الخبر في: تاريخ بغداد 11/ 419.
[8] من أول «قال المصنف ... » إلى هنا ساقطة من ك.

(12/201)


1716- علي بن الموفق العابد [1] .
حدث عن منصور بن عمار، وأحمد بن أبي الحواري، وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، أَخْبَرَنَا مكي بن علي، حَدَّثَنَا أبو إسحاق المزكي/ قَالَ: سمعت أبا الحسن [علي بن الحسن] [2] بن أَحْمَد البلخي يقول: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بن عبد الباقي قَالَ: سمعت بعض مشايخنا يقول: قَالَ علي بن الموفق: لما تم لي ستون حجة خرجت من الطواف، وجلست بحذاء الميزاب، وجعلت أتفكر لا أدري كيف حالي [3] عند الله تعالى وقد كثر ترددي إلى هذا المكان؟ قَالَ: فغلبتني عيني، وكأن قائلا يقول: يا علي، أتدعو إلى بيتك إلا من تحب؟
فانتبهت وقد سرى عني ما كنت فيه [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ [بن علي] أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد الرزاز [5] ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بن المهدي قَالَ:
سمعت علي بن الموفق يقول: خرجت يوما لأؤذن، فأصبت قرطاسا فأخذته، فوضعته في كمي، فأقمت وصليت، فلما صليت قرأته، فإذا فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن الموفق، تخاف الفقر وأنا ربك [6] .
وسمعت على بن الموفق ما لا أحصيه يقول: اللَّهمّ إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني [7] لجنتك وشوقا مني إليها فاحرمنيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لك، وشوقا إلى وجهك الكريم، فأبحنيه واصنع بي ما شئت [8] .
__________
[1] تاريخ بغداد 12/ 110- 112.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أيش حالي» .
[4] تاريخ بغداد 12/ 111.
[5] «أخبرنا علي بن أحمد الرزاز» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 12/ 112.
[7] في ك: «حبا لجنتك» .
[8] تاريخ بغداد 12/ 112.

(12/202)


توفي ابن الموفق في هذه السنة.
1717- عمرو بن مسلم [1] ، أبو حفص الزاهد النيسابوري، ويقال: [عمرو بن سلمة] [2] .
أنبأنا زاهر بن طاهر قَالَ: أَنْبَأَنَا البَيْهَقيّ أَنْبَأَنَا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه [3] قَالَ: سمعت أبا الحسن بن أبي إسحاق المزكي يقول: سمعت جعفر الحِيرِي [4] يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول: قَالَ لي أبو حفص: اذهب فاستقرض من بعض إخواننا ألف درهم إلى شهر، فذهبت واستقرضت، وحملت إلى حضرته، فوضع [5] لعياله قوت سنة، ثم شد الثياب [6] وخرج إلى الحج، فتحيرت في أمري، وجعلت أعد الأيام وأقول: قد قرب الأجل فمن أَيْنَ أؤدي هذه الألف [7] ، فلما كان يوم التاسع والعشرين خرجت لصلاة الصبح، فرأيت السكة من أولها إلى آخرها جوالقات سود مطروحة والحمالون عليها قعود، فقلت: ترى لمن هذا؟ فلما فرغت من صلاة الصبح دخل علي حمال منهم [8] فقال: هذه الحنطة بعث بها فلان وفلان: تستعين بها في بعض حوائجك [9] . فأمر ببيعها، وقضيت الألف درهم [10] عن أبي حفص، وفضل، فلما انصرف أبو حفص من الحج كان أول كلمة كلمني بها أن قَالَ: إيش كان الفكر الذي شغلك شهرا، أما جاز لك أن تثق بربك!؟.
[أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أبو عبيد مُحَمَّد بْن عَلي النيسابوري قَالَ: سمعت أبا عمرو بن حمدون يقول: سمعت] أبا عثمان سعيد بن
__________
[1] في الأصل: «عمر بن مسلم» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 12/ 220- 222.
[3] «أنبأنا الحاكم أبو عبد الله» ساقطة من ك.
[4] في ك: «الخلدي» .
[5] في الأصل: «فرضخ» .
[6] في ك: «ثم سدّ الباب» .
[7] في ك: «فمن يزاودني هذه الألف» .
[8] «منهم» ساقطة من ك.
[9] في الأصل: «بها على حوائجك» .
[10] في ك: «الدرهم» .

(12/203)


إسماعيل [1] يقول: دخلت مع أبي حفص على مريض، فقال المريض: آه [فقال:
ممن؟] [2] فسكت فقال: مع من [3] ؟
توفي أبو حفص يوم الجمعة لاثْنَتَيْ عَشَرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ من هذه السنة، وقيل: بل توفي في سنة سبع وستين، وقيل: سنة أربع وستين، وقيل: سنة سبعين، والأول أصح.
1718- مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ، أبو جعفر الصيرفي [4] .
ولد سنة خمس وسبعين ومائة، وحدث عن سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وشبابه بن سوار [5] ، وغيرهم. روى عنه: مُحَمَّد بن خلف، ووكيع، [و] القاضي [6] المحاملي، وغيرهم، وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي الحافظ، أخبرنا الجوهري، أخبرنا محمد بن العباس، حدثنا أبو الحسن أَحْمَد بن جعفر بن مُحَمَّد قَالَ:
كان أبو جعفر مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ الصيرفي يعد من العقلاء، وكان مذهبه في بذل الحديث: أن كان يسأل من يقصده عن مدينة بعد مدينة هل بقي فيها أحد يحدث، فإذا قيل له: ما بقي بها محدث خرج إليها في سر، ثم حدثهم ورجع، وكان/ من الديانة على نهاية [7] . وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
1719- محمد بن مسلم بن عثمان بن عَبْد اللَّهِ، أبو عَبْد اللَّهِ الرازي، المعروف: بابن واره [8] .
سمع خلقا كثيرا، وحدث عنه: محمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وابن
__________
[1] سقط السند من الأصل، وكتب بدلا منه: «عن عثمان بن سعيد بن إسماعيل» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 12/ 221.
[4] تاريخ بغداد 2/ 312، 313.
[5] في الأصل: «وشبابة وسوار» .
[6] في الأصل: «ووكيع القاضي» .
[7] تاريخ بغداد 2/ 312، 313.
[8] تاريخ بغداد 3/ 256- 260.

(12/204)


صاعد، وكان عالما حافظا [1] متقنا فهما ثقة، بعيد النظر [2] ، غير أنه كان معجبا بنفسه متكبرا على أبناء جنسه.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] الخطيب، أَخْبَرَنَا أبو سعيد المَاليني [قَالَ:] أَخْبَرَنَا عبد اللَّهِ بْن عدي قَالَ: سمعت عبد المؤمن بن أَحْمَد حوثرة [3] يقول: كان أبو زرعة الرازي لا يقوم لأحد ولا يجلس أحد في مكانه [4] إلا ابن واره، فإني رأيته يفعل ذلك [5] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سعد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ خَرزَاذَ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذَكُونُيَّ يَقُولُ: جَاءَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَهٍ فَقَعَدَ يَتَقَعَّرُ فِي كَلامِهِ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيِّ بَلَدٍ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ، [ثم قال] : [6] أو لم يأتك خبري، أو لم تَسْمَعْ [7] بِنَبَئِي؟ أَنَا ذُو الرِّحْلَتَيْنِ، قُلْتُ: مَنْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا» . قَالَ: فقال: حدثني بعض أصحابنا قَالَ:
قلت: من أصحابك؟. قَالَ: أبو نعيم، وقبيصة. قَالَ: قلت: يا غلام، ائتني بالدرة، قَالَ: فأتاني الغلام بالدرة [8] فأمرته فضربه خمسين، فقلت: أَنْت تخرج من عندي ما آمن تقول حَدَّثَنَا بعض غلماننا [9] .
توفي ابن واره بالري في هذه السنة وقد [10] وقيل: سنة سبعين.
__________
[1] «حافظا» ساقطة من ك.
[2] في ك: «النظير» .
[3] في الأصل: «بن جويرية» .
[4] في ك: «أحد مكانه» .
[5] تاريخ بغداد 3/ 259.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «ألم يأتك» .
[8] «قال: فأتاني الغلام بالدرة» ساقطة من ك.
[9] في ك، ت: «حدثني بعض أصحابنا» .
انظر: تاريخ بغداد 3/ 258، 259.
[10] «وقد» ساقطة من ك.

(12/205)


1720- مُحَمَّد بن هارون، أبو جعفر الفلاس، يلقب: شيطا [1] .
من أهل الحفظ/ والمعرفة بالحديث الثقات. سمع أبا نعيم الفضل بن دكين، ويحيى بن معين، وغيرهما.
توفي بالنهروان في محرم هذه السنة.
1721- يعقوب بن الليث الخارجي، المعروف: بالصفار [2] .
الذي ذكرنا له الوقعات، توفي بالأهواز في هذه السنة، فحمل تابوته إلى جنديسابور، وخلف في بيت ماله خمسين ألف ألف درهم، وألف ألف دينار، وكتب على قبره: هذا قبر يعقوب المسكين. وكتب على قبره:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
__________
[1] الفلاس: هذه النسبة إلى بيع الفلوس، وكان صيرفيا. (الأنساب 9/ 354) .
[2] وفيات الأعيان 2/ 312. والكامل لابن الأثير 6/ 283، 284. والطبري 11/ 253. والنجوم الزاهرة 3/ 40. وتاريخ ابن خلدون 4/ 321.

(12/206)


ثم دخلت سنة ست وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن عمرو بن الليث ولي عَبْد اللَّهِ بن طاهر خلافته على الشرط، ببغداد، وسامرا في صفر.
وفيها: وردت سرية من سرايا الروم ديار ربيعة، فقتلت من المسلمين، وأسرت نحوا من مائتين وخمسين إنسانا وعادت.
وفيها: مات أبو الساج، فولى ابنه مُحَمَّد الحرمين وطريق مكة.
وفيها: وثب الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها، وصار بعضهم إلى صاحب الزنج، وأصاب الحاج شدة شديدة، ودخل الزنج رامهرمز، فأحرقوا مسجدها، وقتلوا وسبوا، ثم تتابعت الأخبار، فأقبل الموفق باللَّه لقتال الزنج.
وحج بالناس في هذه السنة [هارون] [1] الذي حج بهم [2] في [السنة] [3] التي قبلها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «بهم» ساقطة من ك.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/207)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1722- إبراهيم بن أورمة بن سياوش بن فروخ، أبو إسحاق الأصبهاني [1] .
سكن بغداد، وكان ينتقي على شيوخها، وأصيب بكتبه في أيام فتنة البصرة [2] ، ولم يخرج له [3] كثير حديث، وقد روى عنه ابن أبي الدنيا، وغيره، وكان ثقة/ [نبيلا] ثبتا [4] حافظا.
أخبرنا أبو منصور، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرني أبو نصر أَحْمَد بن الحسين القاضي قَالَ: سمعت أبا بكر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إسحاق السني يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن محمد القزويني قَالَ: سمعت أبا علي القهستاني يقول لإسماعيل بن إسحاق القاضي: أيها القاضي، قد رأيت شيوخنا أَحْمَد، ويحيى، وعليا، وابن أبي شيبة، [وزهيرا، وخلقا] [5] ، وإني لم أكن استكثر [6] منهم، فلو أن إبراهيم الأصبهاني كان في عصرهم لكان كأحدهم، أو تقدمهم. فقال له إسماعيل: صدقت ما أبعدت، ما أبعدت [7] .
أَخْبَرَنَا القزاز، أخبرنا [أبو بكر] أحمد بن علي بن ثابت أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد، حدثنا محمد بن العباس قال: قرئ على ابن المنادي- وأنا أسمع- قَالَ:
أَبُو إسحاق إبراهيم بن أورمة الأصبهاني أصابه مطر في آخر مجلس انتخب فيه على
__________
[1] في ك، ت، والأصل: «إرمة» .
وفي الأصل: «بن سيارس» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 6/ 42- 44.
[2] في ك: «في أيام سنة.
وفي الأصل: «في أيام فتنة» .
وفي ت: «في أيام الفتن» .
[3] «له» ساقطة من ك.
[4] «ثبتا» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ك: «استكبر» .
[7] تاريخ بغداد 6/ 43.

(12/208)


العباس بن مُحَمَّد الدوري، وذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من شعبان سنة ست وستين، وكان مطرا شديدا، فاعتل لذلك، ثم توفي فِي يَوْم السبت صلاة المغرب، ودفن يوم الأحد بالكناس إلى جنب قبر أبي جعفر مُحَمَّد بن عبد الملك الدقيقي، وذلك لأربع خلون من ذي الحجة، وله حينئذ خمس وخمسون سنة، وما رأينا في معناه مثله [1] .
1723- حماد بن الحسن بن عنبسة، أبو عبيد الله النهشلي الوراق البصري [2] .
سكن سرمن رأى، وحدث بها عن أزهر السمان، وأبي داود الطيالسي، وروح بن عبادة. روى عنه: ابن صاعد، وابن مخلد، قَالَ أبو حاتم الرازي: هو صدوق. وَقَالَ الدارقطني: ثقة. توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
1724- مُحَمَّد بن شجاع، أبو عَبْد اللَّهِ، ويعرف: بالثلجي [3] .
حدث عن يحيى بن آدم، وابن علية، ووكيع، وصحب الحسن بن زياد [4] اللؤلؤي، إلا أنه كان رديء المذهب في القرآن.
قَالَ أَحْمَد بن حنبل: الثلجي [5] مبتدع، صاحب هوى.
وبعث المتوكل إلى أَحْمَد يسأله في توليه ابن الثلجي القضاء/ فقال: لا، ولا على حارس.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: أخبرني البرقاني [6] قَالَ:
حدثني مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عبد الملك الآدمي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن علي بن أبي داود البصري، حَدَّثَنَا زكريا الساجي قَالَ: كان مُحَمَّد بن شجاع الثلجي [7] كذّابا، احتال في
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 44.
[2] تاريخ بغداد 8/ 158، 159.
[3] في الأصل: «البلخي» .
والثلجي: بنو ثلج بن عمرو بن مالك بن عبد مناه بن هبل (الأنساب 3/ 38) .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 350. والأنساب للسمعاني 3/ 38، 39.
[4] في الأصل: «أحمد بن زياد» .
[5] في الأصل: «ابن البلخي» . وكذا في المواضع التالية.
[6] «قال: أخبرني البرقاني» ساقطة من ك.
[7] في الأصل: «البلخي» .

(12/209)


إبطال الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورده نصرة لأبي حنيفة ورأيه [1] .
[أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: حدثني أَحْمَد بن مُحَمَّد المستملي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جعفر الوراق أَخْبَرَنَا] [2] أبو الفتح الأزدي الحافظ قال: محمد بن شجاع [الثلجي] [3] كذّاب، لا يحل الرواية عنه [4] لسوء مذهبه وزيغه في الدِّين [5] .
قَالَ ابن عدي: كان يضع الأحاديث في التشبيه، ينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بها.
[توفي فجاءة في ذي الحجة من هذه السنة] [6] .
1725- مُحَمَّد بن عبد الملك بن مروان، أبو جعفر الدقيقي [7] .
سمع يزيد بن هارون، وغيره. روى عنه: أبو داود، إبراهيم الحربي، وغيرهما، وكان ثقة. توفي في [شوال] [8] هذه السنة، عن إحدى وثمانين سنة.
__________
[1] تاريخ بغداد 5/ 351.
[2] في الأصل: «قال أبو الفتح الأزدي الحافظ» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أبو محمد بن شجاع» .
[4] في ك: «لا يحل الرواية عنه كذاب» .
[5] في ك: «وزيغه في الدنيا» .
انظر تاريخ بغداد 5/ 351.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] تذكرة الحفاظ صفحة 629.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/210)


ثم دخلت سنة سبع وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن الزنج دخلوا واسطا، واتصل الخبر بأبي أحمد الموفق، فندب ولده أبا العباس لحربهم، فخرج في عشرة آلاف فبالغ [1] في حربهم، وغنم من أموالهم شيئا كثيرا، واستنقذ من النساء اللواتي كن في أيدي الزنج خلقا كثيرا، فردهن إلى أهلهن، وأقام حتى وافاه أبوه أبو أحمد لحرب الزنج، فحاربهم واستنقذ من المسلمات زهاء خمسة عشر ألف امرأة، فأمر بحملهن إلى واسط ليدفعهن إلى أوليائهن، ثم اجتمع أبو أحمد وولده على قتالهم، وألجئوهم إلى مدينة قد بنوها وحصنوها، وحفروا حولها الخنادق، ثم أجلوهم عن المدينة، واحتوى أبو أحمد وأصحابه على كل [2] ما كان فيها من الذخائر والأموال/ والأطعمة والمواشي، وبعث جندا في طلبهم حتى جاوزوا البطائح، ثم ارتحل أبو أَحْمَد إلى الأهواز، وكتب إلى رئيس الزنج كتابا يدعوه فيه إلى التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، مما ركب من سفك الدماء، وانتهاك المحارم، وإخراب البلدان، واستحلال الفروج والأموال، [وانتحال ما لم يجعله الله عز وجل له أهلا من النبوة والرسالة، وان هو نزع عما هو عليه من الأمور التي] [3] يسخطها الله عز وجل، ودخل في جماعة المسلمين، يمحي [4] ذلك ما سلف من عظيم جرائمه، وكان له به الحظ الجزيل في دنياه.
__________
[1] «فبالغ» ساقطة من ك.
[2] «كلى» ساقطة من ك.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] في ك: «فجاء ذلك ما سلف» .

(12/211)


فلما وصل الكتاب إليه لم يزده ذلك إلا نفورا وإصرارا، ولم يجب عنه بشيء [1] فسار أبو أحمد بأصحابه، وهم زهاء ثلاثمائة ألف إلى مدينته التي سماها المختارة من نهر أبي الخصيب [2] ، فرأى من تحصينها بالسور والخنادق، وما قد عور عن الطريق المؤدية إليها، وإعداد المجانيق والعرادات ما لم ير مثله، فأمر أبو أَحْمَد ابنه بالتقدم إلى السور، ورمي [3] من عليه بالسهام، ففعل، ثم نادى بالأمان، ورمى بذلك رقاعا [4] إلى عسكر القوم، فمالت قلوبهم، فجاء منهم كثير، وعلم أبو أَحْمَد أنه لا بد من المصابرة، فعسكر بالمدينة التي سماها الموفقية، وجهز التجار إليها، واتخذت بها الأسواق.
وقد كانت هذه المدينة انقطعت سبلها بأولئك الاعداء، وبنى أبو أَحْمَد مسجد الجامع، واتخذ دور الضرب، فضربت الدنانير والدراهم، وأدر للناس العطاء.
وفي ذي الحجة لست بقين منه: عبر أبو أَحْمَد بنفسه إلى مدينة القوم لحربهم، وكان السبب أن الرؤساء من أصحاب الفاسق لما رأوا ما قد حل بهم من القتل [5] والحصار، مالوا إلى الأمان، وجعلوا يهربون في كل وجه، فوكل الخبيث بطريق الهرب أحراسا، فأرسل جماعة من قواده إلى الموفق يسألونه الأمان، وأن يوجه لمحاربتهم جيشا ليجدوا إلى المصير إليهم سبيلا، فأمر أبا العباس بالمصير في جماعة إلى أناحيتهم، / فالتقوا فاحتربوا، وظفر أبو العباس وصار إلى القواد الذين طلبوا الأمان، وعبر الموفق بجيشه للمحاربة يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة، وقصد ركنا من أركان المدينة، فغلبوا عليه، ونصبوا عليه علما، وأحرقوا ما كان على سورهم من منجنيق وعرادة، ثم ثلموا في السور عدة ثلم، ومد جسرا على خندقهم، فعبر الناس [فحملوا على] الزنج [6] فكشفوهم.
__________
[1] «بشيء» ساقطة من ك.
[2] في الأصل: «الخطيب»
[3] في الأصل: «ورشق»
[4] في الأصل: «ورقا»
[5] في الأصل: «ما حل بهم من القتل» .
وفي ك: «ما قد حل من القتل» .
[6] في الأصل: «فعبر الناس إلى الزنج» .

(12/212)


وفي هذه السنة: وثب أَحْمَد بن طولون بأحمد بن المدبر، وكان يتولى خراج دمشق، والأردن، وفلسطين، فحبسه وأخذ أمواله، وصالحه على ستمائة ألف دينار.
وحج بالناس في هذه السنة: هارون بن مُحَمَّد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1726- أحمد بن عبد المؤمن المروزي، يكنى أبا عَبْد [1] اللَّهِ.
حدث وكان ثقة، وتوفي بمصر في هذه السنة.
1727- بكر بن إدريس بن الحجاج بن هارون، أبو القاسم [2] .
روى عن أبي عَبْد الرَّحْمَنِ المقري، وآدم بن أبي إياس، وغيرهما، وكان فقيها.
توفي في شعبان هذه السنة.
1728- حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي [3] .
ولد سنة سبع وتسعين [4] ومائة، وولى القضاء ببغداد، وحدث بها عن القعنبي.
روى عنه: الحسين المحاملي، وكان ثقة فصيحا، يعرف مذهب مالك، جيد [5] كثير التصانيف في فنون، وتوفي بالسوس [6] في هذه السنة.
1729- علي بن الحسن بن موسى بن ميسرة الهلالي النيسابورىّ الدرابجردي [7] .
__________
[1] في ت: «أبا عبيد الله» .
[2] في ت: «بن القاسم» .
[3] في الأصل: «حماد بن إسحاق بن أبي إسماعيل» .
وفي تاريخ بغداد: «حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم،. أبو إسماعيل الأزدي» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 159.
[4] في ك: «ولد سنة تسع وتسعين» .
وفي تاريخ بغداد: «سنة ثمان وتسعين ومائة» .
[5] «جيد» ساقطة من ك.
[6] في الأصل: «بالشوش» .
[7] تقريب التهذيب 2/ 34.

(12/213)


و «درابجرد» محلة متصلة بالصحراء في أعلى البلد.
من أكابر علماء نيسابور، وابن عالمهم، وكان له مسجد بدارابجرد مذكور، ويتبرك بالصلاة فيه. سمع أبا عاصم النبيل، وسليمان بن حرب، ويعلي بن عبيد، وأبا نعيم وخلقا كثيرا. روى عنه: البخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وغيرهم.
وتوفي في هذه السنة، واختلفوا في موته، فقيل: وجد ميتا بعد أسبوع من وفاته في مسجده، وقيل: إنه زبر العامل، فلما جن الليل أمر به فأدخل بيته، وأوقد النار في التبن فمات من الدخان [1] ، ثم وجد ميتا قد أكلت النمل عينيه، وقيل: أكله الذئب فلم يوجد سوى رأسه ورجليه.
1730- عيسى بن موسى بن أبي حرب، أبو يحيى الصفار البصري [2] .
قدم بغداد، وحدّث بها عن مشايخه [3] ، فروى عنه: أبو الحسين بن المنادي، وغيره. وكان ثقة، وتوفي في صفر هذه السنة.
1731- العباس بن عَبْد اللَّهِ، أبو مُحَمَّد الترقفي [4] .
سكن بغداد [5] وحدث عن جماعة، روى عنه: ابن أبي الدنيا، وابن صاعد، وابن مخلد، وكان ثقة صدوقا دينا [6] صالحا. قَالَ ابن مخلد: ما رأيته ضحك ولا تبسم.
توفي يسر من رأى في هذه السنة، وقيل: سنة ثمان وستين.
1732- عمار بن رجاء، أبو نصر الأستراباذي [7] .
رحل إلى العراق، وسمع من أبي داود الحفري، ويزيد بن هارون، وأبي نعيم،
__________
[1] في الأصل: «في الدخان» .
[2] في ك: «عيسى بن موسى بن أبي جوب» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 11/ 165، 166.
[3] «عن مشايخه» ساقطة من ك.
[4] تاريخ بغداد 12/ 143، 144.
[5] في الأصل: «سكن بها» .
[6] «دينا» ساقطة من ك.
[7] تذكرة الحفاظ صفحة 561.

(12/214)


وغيرهم. وكان عابدا زاهدا ورعا ثقة [1] وتوفي في هذه السنة، وقبره يزار ويتبرك به.
1733- مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الجنيد، أبو جعفر الدقاق [2] .
سمع أبا عاصم النبيل، وأسود بن عامر، ويونس بن مُحَمَّد المؤدب، وغيرهم.
روى عنه: البغوي، وابن صاعد، والمحاملي، وغيرهم. وكان ثقة.
توفي في هذه السنة، وقيل: في السنة التي قبلها.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ] [3] بن علي بن ثابت، أخبرنا محمد بن عبد الواحد، حدثنا [محمد] [4] بن العباس الخزاز قال: قرئ على أبي الحسين بن المنادى، وأنا أسمع قَالَ: توفي ابن الجنيد الدقاق يوم الثلاثاء لعشر خلون من جمادي الأولى [5] سنة سبع وستين ومائتين [6] ، ودفن في مقبرة باب حرب/، وقد قارب التسعين.
1734- مُحَمَّد بن حماد بن بكر، أَبُو بكر المقرئ صاحب خلف بن هشام [7] .
سمع يزيد بن هارون، وغيره. وكان أحد القراء المجودين، ومن العباد الصالحين، وكان أَحْمَد بن حنبل يجله ويكرمه ويصلى خلفه شهر رمضان وغيره.
وتوفي يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الآخر في هذه السنة.
1735- يحيى بْن مُحَمَّد بْن يحيى [بن يحيى بن عبد الله بن فارس] [8] أبو زكريا الذهلي، يلقب: حيكان [9] .
__________
[1] «ثقة» ساقطة من ك.
[2] تاريخ بغداد 1/ 285، 286.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «جمادى الآخرة» .
[6] «ومائتين» ساقطة من ك.
[7] تاريخ بغداد 2/ 270، 271.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] في الأصل، ت: «حيكال» .
وفي ك وتاريخ بغداد: «حيكان» . انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 14/ 217، 218.

(12/215)


إمام نيسابور في الفتوى والرئاسة، وابن إمامها. سمع: يحيى بن يحيى، وابن راهويه، وعلى بن الجعد، وأحمد بن حنبل، وأبا الوليد الطيالسي، ومسدد بن مسرهد [1] ، وخلقا كثيرا. روى عنه: أبوه مُحَمَّد بن يحيى الإمام، وكان يقول: أبو زكريا والد، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وخلق كثير، وكان قد اختلف هو وأبوه في مسألة، فحكما مُحَمَّد بن إسحاق بن خزيمة، فحكم ليحيى على أبيه، وكان أَحْمَد بن عَبْد اللَّهِ الخجستاني قد خرج، فغلب على نيسابور، وكان خارجيا ظالما، فخرج عن نيسابور، واستخلف إبراهيم بن نصر فتهوس [2] البلد، فنهض يحيى بْن مُحَمَّد [3] في خلق كثير، وحاربوا القواد الذين خلفهم، فلما عاد أَحْمَد طلب يحيى بن مُحَمَّد، فجيء به فقتله في جمادى الآخرة من هذه السنة، وقيل: إنه غلبه.
أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال: سمعت الحسن بن يعقوب المعدل يقول:
سمعت أبا عمرو أَحْمَد بن المبارك المستملي يقول: رأيت يحيى بن مُحَمَّد [4] في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: فما فعل الخجستاني؟ قَالَ: هو في تابوت من نار [5] والمفتاح بيدي.
1736- العابدة اليمنية.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر، أَخْبَرَنَا أبو الفتح مُحَمَّد بن علي المصري [6] ، أَخْبَرَنَا الموفق بن أبي الحسن [التمار، وأبو الحسن مُحَمَّد بن الحسن] [7] المزني قالا: أَخْبَرَنَا أبو عثمان سعيد بن العباس بن مُحَمَّد القرشي [قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو] منصور بن الحسن البوشنجي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المنذر، حَدَّثَنَا علي بن الحسن الفلسطيني، حدّثنا أبو بكر
__________
[1] في الأصل: «مزهد» .
[2] في الأصل: «فهرش»
[3] في ك: «محمد بن يحيى»
[4] في الأصل: «محمد بن يحيى» .
[5] في ك: «هو في تابون من والمفتاح» .
[6] في ك: «المعري» .
[7] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/216)


التيمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سليمان القرشي] [1] قَالَ: بينا أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام واقف/ في الطريق في أذنيه قرطان، في كل قرط جوهرة يضيء وجهه من ضوء تلك الجوهرة، وهو يمجد ربه [بثناء] [2] بأبيات من الشعر، فسمعته يقول:
مليك في السماء به افتخاري ... عزيز القدر ليس به خفاء
فدنوت منه، فسلمت عليه، فقال: ما أنا براد عليك حتى تؤدي من حقي الذي يجب لي عليك. قلت: وما حقك؟ قَالَ: أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل صلى الله عليه، لا أتغدى، ولا أتعشى [كل يوم] [3] حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف، فأجبته إلى ذلك، فرحب بي، وسرت معه حَتَّى [4] قربنا من خيمة شعر، فلما قربنا من الخيمة صاح: يا أختاه! فأجابته جارية من الخيمة، يا لبيكاه. قَالَ: قومي إلى ضيفنا.
فقالت الجارية: حتى أبدأ بشكر المولى الذي سبب لنا هذا الضيف، وقامت فصلت ركعتين شكرا للَّه قَالَ: فأدخلني الخيمة، وأجلسني، وأخذ [الغلام] [5] الشفرة، وأخذ عناقا فذبحها، فلما جلست في الخيمة نظرت إلى أحسن الناس وجها، فكنت أسارقها النظر، ففطنت لبعض لحظاتي، فقالت [لي] [6] مه، أما علمت أنه قد نقل إلينا عن صاحب يثرب «أن زناء العينين النظر» أما إني ما أردت [7] بهذا أن أوبخك، ولكن أردت أن أؤدبك لكي لا تعود لمثل هذا. فلما كان [وقت] [8] النوم بت أنا والغلام خارجا، وباتت الجارية في الخيمة، فكنت أسمع دوي القرآن الليل كله، بأحسن صوت يكون وأرقه، فلما [أن] [9] أصبحت، فقلت للغلام: صوت من كان ذلك؟ قَالَ: تلك أختي
__________
[1] «العباس بن محمد القرشي ... حدثنا محمد بن سليمان القرشي» مكان النقط ساقط من الأصل وكتب على الهامش.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] «حتى» ساقطة من ك.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] «ما أردت» ساقطة من ك.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/217)


تحيي الليل كله إلى الصباح، فقلت: يا غلام، أنت أحق بهذا العمل من أختك [أنت رجل] [1] وهي امرأة، قَالَ: فتبسم ثم قَالَ لي: ويحك يا فتى، أما علمت أنه موفق ومخذول/.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/218)


ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
استئمان جعفر بن أَحْمَد السجان إلى الموفق في يوم الثلاثاء غرة المحرم، وكان هذا السجان أحد ثقات الخبيث الزنجي، فأمر له أبو أَحْمَد بخلع وصلات، فكلم أصحاب الزنجي وَقَالَ: إنكم في غرور، وإني [قد] [1] وقفت على كذب هذا الرجل وفجوره. فاستأمن يومئذ خلق كثير، وما زال الموفق ينظر في كل يَوْم [2] موضعا يجلب مِنْهُ الميرة [3] إلى بلد القوم فيمنعها، حتى ضاق الأمر بهم، حتى أكلوا لحوم الناس، ونبشوا القبور فأكلوا لحوم الموتى، وكان المستأمن منهم يسأل: كم عهدكم بالخبز؟ فيقول:
سنة وسنتان، فلما رأى الموفق ما قد [4] جرى عليهم، رأى أن يتابع الإيقاع بهم ليزيدهم بذلك ضرا وجهدا. فخرج إلى الموفق في هذا الوقت في الأمان خلق كثير، واحتاج من كان مقيما مع أولئك إلى الاحتيال في القوت، فتفرقوا عن معسكرهم إلى القرى والأنهار النائية، فأمر الموفق جماعة من قواده وغلمانه السودان أن يقصدوا القوم، ويستميلوهم، فمن أبى قتلوه، فواظبوا على ذلك فحصلوا جماعة كثيرة.
واتفق في هذه السنة: انه كان أول يوم من رمضان يوم الأحد، وكان الأحد
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] «يوم» ساقطة من ك.
[3] «منه الميرة» ساقطة من ك.
[4] «قد» ساقطة من ك.

(12/219)


الثاني منه الشعانين، وكان الأحد الثالث الفصح، وكان الأحد الرابع النيروز، وكان الأحد الخامس انسلاخ الشهر.
وحج بالناس في هذه السنة: هارون بن مُحَمَّد بن إسحاق الهاشمي، وكان ابن أبي الساج على الأحداث.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1737- أحمد بن الحسن، أبو عَبْد اللَّهِ السكري البغدادي [1] .
كان حافظا للحديث، توفي بمصر في ذي القعدة من هذه السنة.
1738- أنس بن خالد بن عَبْد اللَّهِ/ بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك [2] .
حدث عن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الأنصاري، وروى عنه: المحاملي، وابن مخلد.
وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
1739- الحسن بن ثواب، أبو علي التغلبي [3] .
سمع يزيد بن هارون، وغيره. قَالَ أبو بكر الخلال: كان شيخا كبيرا جليل القدر.
وقال الدارقطني: ثقة.
وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
1740- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عبد الحكم بن أعين، أبو عَبْد اللَّهِ [4] .
ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وروى عن ابن وهب، وغيره، وكان المفتي بمصر في أيامه.
__________
[1] في الأصل، ت: «اليشكري» .
وفي ك وتاريخ بغداد «السكري» .
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 4/ 80.
[2] تاريخ بغداد 7/ 49.
[3] تاريخ بغداد 7/ 291.
[4] تذكرة الحفاظ صفحة 546، 547 (ترجمة رقم 566) .

(12/220)


وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وصلى عليه بكار بن قتيبة.
1741- مُحَمَّد بن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، أبو عمرو [1] .
يروى عن أبيه، وعن أبي صالح كاتب اليث، وكان ثقة [2] فاضلا.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
1742- يحيى بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري [3] .
سمع على بن قادم. روى عنه: القاضي المحاملي، وكان ثقة.
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
__________
[1] في ت: «أبو عمر» .
[2] «ثقة» ساقطة من ك.
[3] تاريخ بغداد 14/ 219.
وهذه الترجمة تكررت في الأصل، وكتب في تاريخ وفاته مرة «في ربيع الأول» ومرة «في ربيع الآخر» .
وباقي الترجمة سواء.

(12/221)


ثم دخلت سنة تسع وستين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
أن الأعراب قطعوا على قافلة الحاج قريبا من سميراء، فاستاقوا نحوا من خمسة آلاف بعير مع أحمالها.
واجتمع في المحرم من هذه السنة كسوف الشمس والقمر، وغابت الشمس منكسفة.
ويوم السبت النصف من جمادي الأولى: شخص المعتمد يريد اللحاق بمصر، فأقام يتصيد بالكحيل، فلما صار المعتمد إلى عمل إسحاق بن كنداج، وكان العامل على الموصل وعامة الجزيرة، وكان قد كتب إليه أبو أَحْمَد بالقبض على المعتمد، وعلى قواده، فأظهر أنه معهم، وقد كان قواد المعتمد حذروا المعتمد من المرور به، فأبى وَقَالَ: إنما هو غلامي. فلما صار في عمله لقيهم/، وصار معهم حتى نزل المعتمد منزلا قبل وصوله إلى عمل ابن طولون، فلما أصبح ارتحل الأتباع والغلمان الذين مع المعتمد [والعسكر] ، وبقي معه القواد فقال لهم: إنكم قد قربتم من عمل ابن طولون والمقيمين بالرقة من قواد، وأنتم إذا صرتم إلى ابن طولون فالأمر أمره، وانتم [1] من تحت يده، أفترضون بذلك وقد علمتم إنما هو كواحد منكم.
وجرت بينهم وبينه في ذلك مناظرة حتى تعالى النهار، ولم يرتحل المعتمد لاشتغال القواد بالمناظرة بينهم، ولم يجتمع رأيهم على شيء. فقال لهم ابن كنداج:
__________
[1] «إذا صرتم إلى ابن طولون فالأمر أمره وأنتم» . ساقطة من ك.

(12/222)


قوموا بنا حتى نتناظر في غير هذا الموضع، وأكرموا [1] مجلس أمير المؤمنين عن ارتفاع الأصوات فيه. فأخذ بأيديهم وأخرجهم من مضرب المعتمد، وأدخلهم مضرب نفسه، لأنه لم يكن بقي مضرب غير مضربه، فلما دخلوا حضر بالقيود، فشد غلمانه عليهم، فقيدوهم ثم مضى إلى المعتمد فعدله [2] في شخوصه عن دار ملكه وملك آبائه، وفراقه أخاه [3] على الحال التي هو بها، ثم رده إلى سامراء في شعبان، فخلع على ابن كنداج، وسمى ذا السيفين.
وخرج الأمر في هذه السنة بتكنية صاعد بالعلاء في الكتب [4] ، وعقد له على بلاد، وانحدر صاعد إلى الموفق، واستخلف ابنه العلاء، وسمى صاعد: ذا الوزارتين، وكانوا قد [5] عزموا أن يسموه: ذا التدبيرين. فقال لهم أبو عبيد الله: لا تسموه بشيء ينفرد به، ولكن سموه: ذا الوزارتين، أو ذا الكفايتين، ليكون مضافا إليكم. فسموه ذا الوزارتين.
وروى أبو بكر الصولي قَالَ: حدثني المعلي بن صاعد قَالَ: سعوا إلى الموفق بصاعد، وضمنوه بمال عظيم، وجعلوا الرقعة تحت ذنب طائر، وأطلقوه، وكان أبي قد أنكر من الموفق شيئا، فعزم أن يحمل إليه مائتي ألف درهم كانت عنده، ثم قَالَ: والله لا فعلت، ولأتصدقن بمائة ألف درهم منها. ففعل ذلك في غداة ذلك اليوم الذي ركب/ فيه زورق، فبينا هو يسير إذ سقط في زورقه طائر، فأخذ فوجدت فيه رقعة فقرأها صاعد، فإذا هي سعاية به، فعلم أن الله تعالى كفاه لأجل صدقته، ودخل إلى الموفق فأراه الطائر، وأراه الرقعة، وعرفه ما عمل، فعظم في عينه، وجلت مكانته [6] عنده، وَقَالَ: ما فعل الله بك هذا إلا لخير خصك به.
وفي هذا الشهر: أحرق أصحاب الموفق قصر ملك الزنج، وانتهبوا ما فيه، وذلك
__________
[1] في ك: «الزموا» .
[2] «فعدله» ساقطة من ك.
[3] في ك: «وقد أقر أخاه»
[4] في ك: «في الكنية» .
[5] «قد» ساقطة من ك.
[6] في ك: «وجلت حاله» .

(12/223)


أن الموفق عاود الخصومة، فدخل أصحابه إلى قصر من تلك القصور، فانتهبوا وأحرقوا واستنقذوا نسوة كن فيه، وقصدوا إحراق دار الزنجي، فتعذر عليهم [1] لكثرة الحماة عنها، يرمون من فوق السور بالنشاب والحجارة، واستأمن إلى أبي أَحْمَد مُحَمَّد بن سمعان كاتب الخبيث ووزيره، فاجتمع أصحاب الموفق، وحملوا فأحرقوا الدار، فخرج الخبيث هاربا، وترك جميع أمواله، فانتهب ما لم يأت عليه النار، وأصاب الموفق سهم في ثندوته اليسرى، فشارف الموت، فتصدقت عنه [2] أمه بوزنه ورقا، فكان ثلاثين ألف درهم حين سلم، ثم مرض الموفق مدة، فاشتغل الخبيث بإصلاح [3] ما تشعث، فلما عوفي [الموفق] [4] عاود القتال، فقتل منهم خلقا كثيرا، واستخرج نساء وأطفالا كن بأيديهم.
فسأل ولد الخبيث الأمان فأجابه أبو أَحْمَد، فعلم الأب، فرد الولد عن ذلك العزم، فعاد إلى القتال، واستأمن خلق كثير فأمنهم، وخلع عليهم، وصار قواده يقاتلون، فاستوحشوا من ذلك، وتجاسروا وتخافوا [5] ، فجمع الموفق جنده وهم يزيدون على خمسين ألفا، والسفن الكثيرة يزيد ملاحوها على عشرة آلاف، وتأجج القتال، فتلقاهم العدو، واشتد القتال، فهزم العدو، وقتل منهم مقتله عظيمة، وأسر جماعة كثيرة، ونجا الخبيث/ إلى داره، وجمع أصحابه للمدافعة عنها، فلم يقدروا، فدخلها أصحاب أبي أَحْمَد [6] وأحرقوها، وما بقي فيها من متاع، وأمر الموفق بنساء الخبيث وأولاده، فحملوا إلى الموفقية والتوكيل بهم، وكان قد تغلب على حرم المسلمين، وجاءه منهن الأولاد.
وحج بالناس في هذه السنة: هارون بن مُحَمَّد الهاشمي.
__________
[1] «عليهم» ساقطة من ك.
[2] «عنه» ساقطة من ك.
[3] في الأصل: «بترميم» .
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وخافوا وتجارسوا» .
[6] في الأصل: «أبى الموفق» .

(12/224)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1743- إبراهيم بن نصر بن مُحَمَّد بن نصر، أبو إسحاق الكندي [1] .
سمع عفان بن مسلم، وقبيصة في آخرين، وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة
. 1744- إبراهيم بن منقذ بن إبراهيم، [أبو إسحاق] العصفري [2] .
من أصحاب ابن وهب، وروى عن المنقري وإدريس بن يحيى، وكانت كتبه قد احترقت، وبقي منها بقية، فحدث بما بقي مَنْهَا وهو ثقة رضي.
توفي [3] في ربيع الآخر من هذه السنة.
1745- خالد بن أحمد بن خالد بن عمرو بن مجالد بن مالك، أبو الهيثم الذهلي الأمير [4] .
ولي إمارة مرو، وهراة، وغيرهما من بلاد خراسان، ثم ولي إمارة بخارى، وسكنها، وله آثار مشهورة وأمور محمودة، وكان يحب الحديث ويقول: انفقت في طلب العلم أكثر من ألف ألف درهم وكان قد [5] سمع من ابن راهويه، وعلى بن حجر، وخلق كثير، فلما استوطن بخارى أقدم إلى حضرته حفاظ الحديث، مثل: مُحَمَّد بن نصر المروزي، وصالح جزرة [6] ، ونصر بن أَحْمَد البغداديين، وغيرهم، وصنف له نصر مسندا، وكان يختلف مع هؤلاء المسمين إلى المحدثين [7] ، وكان يمشي برداء ونعل، يتواضع بذلك، وبسط يديه بالإحسان إلى أهل العلم فغشوه، وقدموا عليه من الآفاق،
__________
[1] تاريخ بغداد 6/ 196- 197.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
انظر ترجمته في: الأنساب للسمعاني 8/ 468. والعصفري: هذه النسبة إلى العصفر وبيعه وشرائه.
وهو شيء تصبغ به الثياب.
[3] في الأصل: «بما بقي منها وهو ثقة توفي ... » .
و «منها» ساقطة من ك.
[4] تاريخ بغداد 8/ 314.
وفي ت، ك: «ابن عمر بن مجالد بن مالك» .
[5] «وكان قد» ساقطة من ك.
[6] في ك: «صالح بن جور» .
[7] في الأصل: «وكان يختلف إلى المحدثين مع هؤلاء» .

(12/225)


وأراد من مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري أن يصير إلى حضرته فامتنع، فاعتل عليه باللفظ، فأخرجه [من بخارى] [1] فمات بقرية، وكأنه عوقب بما فعل بالبخاري، فزال ملكه، وكان قد ورد بغداد فحدث، فسمع منه وكيع القاضي، وأبو طالب/ الْحَافِظ وابن عقدة [2] ، ثم اعتقله السلطان فحبسه ببغداد، فمات بالحبس في هذه السنة، وكان السبب أنه اشتد على [3] الظاهرية، ومال إلى يعقوب بن الليث القائم بسجستان، وكان ذلك سبب حبسه.
1746- ذو الكفل الزاهد [4] .
رجل من ولد مسكين بن الحارث، يكنى أبا القاسم. يروى عنه: أَحْمَد بن مُحَمَّد بن حجاج بن رشدين، وغيره. توفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة.
1747- مُحَمَّد بن إبراهيم، أبو حمزة الصوفي بغدادي [5] .
مولى عيسى بن أبان [6] القاضي من كبار شيوخ الصوفية، كان يتكلم في جامع الرصافة، ثم انتقل [7] إلى جامع المدينة، وكان عالما بالقراءات خصوصا قراءة أبي عمرو، وجالس أَحْمَد بن حنبل، وكان أَحْمَد إذا عرضت مسألة يقول: ما تقول فيها يا صوفي؟
وجالس بشر بن الحارث، وأبا نصر التمار، وسريا السقطي، وسافر مع أبي تراب النخشبي إلا أنه انغمس في مذاهب الصوفية، حتى روينا أنه وقع في بئر فجاز قوم، فأخذوا يطمونها، فرأى من التوكل أن لا ينطق [8] ، وسكوته في مثل هذا يخالف الشرع.
وقد قيل إن الواقع في البئر أبو حمزة الخراساني لا البغدادي، والله أعلم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وابن جعدة» .
[3] في ك: «إلى الظاهرية» .
[4] انظر: صفة الصفوة.
[5] تاريخ بغداد 1/ 390.
[6] في ك: «بن أياز» .
[7] «انتقل» ساقطة من ك.
[8] خبر وقوعه في البئر في تاريخ بغداد 1/ 391، 392.

(12/226)


أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بن علي] الخطيب قَالَ:
أخبرني الحسن بن أبي الفضل الشرمقاني، حَدَّثَنَا إبراهيم بن أَحْمَد بن مُحَمَّد الطبري، حَدَّثَنَا معروف بن مُحَمَّد بن معروف الواعظ، [حَدَّثَنَا] [1] أبو سعيد الزيادي قَالَ: كان أبو حمزة أستاذ البغداديين، وهو أول من تكلم ببغداد في هذه المذاهب من صفاء الذكر، وجمع الهم، والمحبة، والشوق، والقرب، والأنس، ولم يسبقه إلى الكلام على رءوس الناس ببغداد أحد، وما زال حسن المنزلة عند الناس إلى أن توفي سنة تسع [وستين ومائتين، ودفن بباب الكوفة [2] ، وقد ذكر السلمي أنه توفي في سنة تسع] [3] / وثمانين والأول أصح.
1748- مُحَمَّد بن الخليل بن عيسى، أبو جعفر المخرمي [4] .
سمع عبيد الله بن موسى، وروح بن عبادة [5] ، وحجاج بن مُحَمَّد، وغيرهم. روى عنه: وكيع القاضي، ومحمد بن مخلد، وغيرهما، وكان ثقة من خيار الناس.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين في السند ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 1/ 393.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[4] تاريخ بغداد 5/ 250.
[5] في الأصل: «روح بن عبد الله» .

(12/227)


ثم دخلت سنة سبعين ومائتين
فمن الحوادث فيها:
وقعة كانت بين أبي أَحْمَد وصاحب الزنج في المحرم، أضعفت أركان صاحب الزنج، واسمه بهبوذ وفي صفر قتل، وشرح القصة: أن أبا أَحْمَد ألح على حربه، ورغب الناس في جهاد العدو، وصار معه جماعة من المطوعة، ورتب الناس وأمرهم أن يزحف جميعهم مرة واحدة، وعبر يوم الأثنين لثلاث بقين من المحرم سنة سبعين، فنصر ومنح أكتاف القوم، فولوا منهزمين، واتبعهم الناس يقتلون ويأسرون، فقتل ما لا يحصى وخربت [1] مدينة الخبيث بأسرها، واستنقذوا ما كان فيها من الأسارى من الرجال والنساء والصبيان، وهرب الخبيث وخواصه إلى موضع قد كان وطأه لنفسه ملجأ إذا غلب على مدينته، فتبعه الناس، فانهزم أصحابه، وغدا أبو أَحْمَد يوم السبت لليلتين خلتا من صفر، فسار إلى الفاسق، وكان قد عاد إلى المدينة بعد انصراف الناس، فلقي الناس قواد الفاسق فأسروهم، وجاء البشير بقتل الفاسق، ثم جاء رجل معه رأس الفاسق، فسجد الناس شكرا للَّه تَعَالَى، وأمر أَحْمَد فرفع عَلَى قناة فارتفعت أصوات النَّاس بحمد اللَّه تَعَالَى وشكره، [2] وأمر أبو أَحْمَد أن يكتب إلى أمصار المسلمين بالنداء في أهل البصرة، والأبلة، وكور دجلة، والأهواز وكورها، وأهل واسط، وما حولها مما دخله/ الزنج بقتل الفاسق [3] ، وان يؤمروا بالرجوع إلى أوطانهم.
__________
[1] في ك: «وحويت» .
[2] «فسجد الناس شكرا ... وأمر أبو أحمد» .
مكان النقط ساقط من ك.
[3] في ك: «يقتل الناس» .

(12/228)


وولى البصرة، والأبلة، وكور دجلة رجلا من قواد مواليه، وولى قضاء هذه الأماكن مُحَمَّد بن حماد، وقدم ابنه العباس إلى بغداد، ومعه رأس الخبيث ليراه الناس، فيسروا، فوافى بغداد يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادي الأولى في هذه السنة، والرأس بين يديه على قناة، فأكثر الناس التكبير والشكر للَّه تعالى والمدح لابن الموفق وأبيه، ودخل [أَحْمَد] [1] بن الموفق بغداد برأس الخبيث، وركب في جيش لم ير مثله من سوق الثلاثاء إلى المخرم، وباب الطاق، وسوق يحيى، حتى هبط إلى الجزيرة [2] ثم انحدر في دجلة إلى قصر الخلافة في جمادي هذه السنة، وضربت القباب، وزينت الحيطان.
وفي هذه السنة في ربيع الأول منها: ورد الخبر إلى بغداد بأن الروم نزلت ناحية باب تلمية [3] على ستة أميال من طرسوس، وهم زهاء مائة ألف، يرأسهم بطريق البطارقة أندرياس، فخرج إليهم يا زمان الخادم ليلا فبيتهم فقتل رئيسهم وخلقا كثيرا من أصحابه، يُقَالُ إنهم بلغوا سبعين ألفا، وأخذ لهم سبعة صلبان من ذهب وفضة، فيها صليبهم الأعظم من ذهب مكلل بالجوهر، وأخذ خمسة عشر ألف دابة وبغل، ومن السروج مثل ذلك، وسيوفا محلاة بذهب وفضة، ومناطق، وأربع كراسي من ذهب، ومائتي طوق من ذهب، وآنية كثيرة نحوا من عشرة آلاف علم، وكان النفير إلى أندرياس يوم الثلاثاء لسبع خلون من ربيع الأول.
وفي هذه السنة/ قتل ملك الروم الصقلبي.
وفيها: بنى أَحْمَد بن طولون أربعة أروقة على قبر معاوية بن أبي سفيان، وأمر أن يسرج هناك، وأجلس أقواما معهم المصاحف يقرءون القرآن.
وحج بالناس في هذه السنة: هارون بن محمد الهاشمي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] في ك: «الحربية»
[3] في الأصل: «ملطية» .

(12/229)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
1749- أَحْمَد بن عَبْد اللَّهِ بن عبد الرحيم بن سعيد بن أبي زرعة، أبو بكر البرقي، من أهل برقة [1] .
حدث وكان ثقة ثبتا. قيل إن أخاه محمدا كان قد صنف التاريخ ولم يتمه، فأتمه هو، وحدّث به، وكان إسنادهما واحدا، وكان أَحْمَد يمشي في سوق الدواب فضربته دابة فمات من يومه، وذلك في رمضان هذه السنة.
1750-[أَحْمَد بن عبد العزيز بن داود بن مهران الحرابي [2] .
رحل وكتب الحديث، وحفظ، وروى، وعاد إلى حران، فتوفي بها في هذه السنة] .
1751- أَحْمَد بن طولون [3] .
وطولون تركي، انفذه نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون سنة مائتين، وتوفي سنة أربعين ومائتين، وولد له [4] أَحْمَد ببغداد سنة عشرين ومائتين، ونشأ بعيد الهمة، وكان يستقل عقول الأتراك وأديانهم، ويقول: إن حرمة الدين عندهم منهوكة [5] وكانوا يهابونه، ويتقوون به على الأموال، وتمكنت له المحبة في قلوب الناس، ونشأ على الخير والصلاح، وحفظ القرآن، وطلب الحديث، فلقى الشيوخ وسمع منهم، ثم سأل الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان أن يوقع له برزقه على الثغر ليكون في جهاد متصل وثواب دائم، ففعل، وكانت ولايته ما بين رحبة [مالك] [6] بن طوق إلى المغرب،
__________
[1] في الأصل: «أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ... » .
[2] هذه الترجمة ساقطة من الأصل. الحرّاني: «حران» بلدة من الجزيرة كان بها ومنها جماعة من الفضلاء والعلماء في كل من (الأنساب 4/ 96) .
[3] الولاة والقضاة 212- 232. والنجوم الزاهرة 3/ 1. وبدائع الزهور 1/ 37. ووفيات الأعيان 1/ 55.
وتاريخ ابن خلدون 4/ 297. والكامل لابن الأثير (أحداث سنة 270 هـ) .
[4] «له» ساقطة من ك.
[5] في الأصل: «بينهم مهتوكة» .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/230)


وكانت أمه بسر من رأى، فبلغه انها تبكيه [1] لبعده، فرجع إليها فخرج على الرفقة الذين صحبهم أعراب، فقاتلهم أشد قتال، ونصر عليهم، وخلص من أيديهم أموالا قد حملت إلى المستعين، فحسن مكانه عنده، وبعث إليه المستعين/ سرا ألف دينار، وَقَالَ للرسول: عرفه [2] محبتي له، وإيثاري [3] لاصطناعه غير أني [4] أخاف أن أظهر له ما في قلبي فيقتله الأتراك.
ثم استدام الإنعام عليه، ووهب له جارية اسمها: مياس، فولدت له ابنه خمارويه في محرم سنة خمسين ومائتين، ولما تنكر الأتراك للمستعين وخلعوه وولوا المعتز احدروه إلى واسط وفالوا: من تختار أن يكون في صحبتك؟ فقال: أَحْمَد بن طولون.
فبعثوه معه، فأحسن صحبته، ثم خاف غلمان المتوكل من كيد المستعين، فكتبوا إلى أَحْمَد بن طولون أن [أقتله فان] [5] قتلته وليناك واسطا.
فكتب إليهم: والله لا رآني الله قتلت خليفة بايعت [6] له أبدا. فأنفذوا إليه سعيدا الحاجب، فلما رآه المستعين قَالَ: قد جاء جزار بني العباس، فتسلمه، وضرب خيمة على بعد، فأدخله [7] إليها، ثم خرج والقاها على ما فيها ورحل. فلما بعد [8] نظروا، فإذا هو قد حمل رأس المستعين معه، فغسل أَحْمَد بن طولون الجثة وكفنها وواراها، وعاد إلى سرمن رأى، فزاد محله عند الأتراك، ووصفوه بحسن المذهب، فولوه مصر نيابة عن أميرها في سنة أربع وخمسين، فقال حين دخلها: غاية ما وعدت بِهِ [9] في قتل المستعين ولاية واسط، فتركت ذلك لاجل الله تعالى فعوضني الله ولاية مصر والشام.
__________
[1] في الأصل: «باكية» .
[2] في الأصل: «قل له» .
[3] في ك: «وإشارتي»
[4] في ك: «ولكن» .
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في ك: «بايعته»
[7] في الأصل: «فأخرجه» .
[8] «بعد» ساقطة من ك.
[9] «به» ساقطة من ك.

(12/231)


ثم قتل والى مصر في أيام المهتدي، فصار مستبدا بنفسه في أيام المعتمد، وركب يوما إلى الصيد فلما طعن في البرية غاضت [1] يد دابة بعض أصحابه في وسط الرمل، فكشف المكان فرآى مطلبا واسعا، فأمر أن يعمل فيه، فوجد فيه من المال ما قيمته ألف ألف دينار، فأنفق معظم ذلك في البر والصدقة وبناء الجامع [2] ، وَقَالَ له وكيله يوما: ربما امتدت/ إلى الكف المطوقة، والمعصم فيه السوار، والكف [3] الناعم، أفامنع هذه الطبقة [4] ؟ فقال له: ويحك، هؤلاء المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، احذر أن ترديدا أمتدت إليك.
وحسن له بعض التجار التجارة، فدفع إليه خمسين ألف دينار، فرآى فيما يرى النائم كأنه يمشمش عظما، فدعى المعبر فقص عليه ما رأى، فقال: قد سمت عمة الأمير إلى مكسب لا يشبه خطره. فاستدعى صاحب صدقاته، وَقَالَ له: امض إلى التاجر، وخذ [منه] [5] الخمسين ألف دينار، وتصدق بها.
ولما اشتد مرضه في علة الموت فخرج المسلمون بالمصاحف، واليهود بالتوراة، والنصارى بالأناجيل، والمعلمون بالصبيان، وكثر الدعاء في الصحراء والمساجد، فلما أحسن بالموت رفع يده وَقَالَ: يا رب، ارحم من جهل مقدار نفسه وابطره حكمك عنه [6] . ثم تشهد وقضى في ذي القعدة من هذه السنة، وقيل: في التي قبلها.
وكان عمره خمسين سنة، وخلف ثلاثة وثلاثين ولدا منهم سبعة عشر ذكرا، وترك عشرة آلاف ألف دينار، وكان له من المماليك سبعة آلاف، ومن الخيل على مربطه سبعة آلاف فرس، ومن الجمال والبغال ستة آلاف رأس، ومن المراكب [7] الخاصة ثلاثمائة، ومن المراكب الحربية مائة مركب، ومن الغلمان أربعة وعشرون ألفا، وكان خراج مصر
__________
[1] في الأصل: «جاست» .
[2] في الأصل: «في البر والصدقات وبنى الجامع» .
[3] في ك: «والكم الناعم» وكذا في ت.
[4] في الأصل: «الوظيفة» وكذا في ت.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «حلمك» .
[7] في الأصل: «الدواب» .

(12/232)


في أيامه أربعة آلاف ألف دينار [1] وثلاثمائة ألف دينار، [وأنفق على المصالح أموالا كثيرة منها على الجامع مائة وعشرين ألف دينار] [2] وكان يتصدق في كل شهر [3] بثلاثة آلاف دينار شاذة سوى الراتب، وكان راتب مطبخه في كل يوم ألف دينار، وكان يجري على أهل المساجد كل شهر ألف دينار، وعلى فقراء الثغر كذلك، وحمل إلى بغداد في أيامه [4] ما فرق على الصالحين والعلماء ألفي ألف دينار [5] ومائتي ألف دينار. / ورآه بعض المتزهدين في المنام بحال حسنة، فقال له: ما ينبغي لمن سكن الدنيا أن يحتقر حسنة فيدعها، ولا سيئة فيأتيها، عدل بي عن النار إلى الجنة بتثبتي على متظلم عيي اللسان، شديد التهيب، فسمعت منه وصبرت عليه حتى قامت حجته، وتقدمت بإنصافه، وما في الآخرة على رؤساء الدنيا أشد من الحجاب الملتمسي الإنصاف.
ورآه آخر في المنام فقال له: إنما البلاء من ظلم من لا ناصر له.
أَخْبَرَنَا [عَبْد الرحمن بن محمد] القزاز، أخبرنا [أبو بكر بن ثابت] الخطيب أَخْبَرَنَا الحسين بن مُحَمَّد بن المؤدب، أَخْبَرَنَا إبراهيم بن عَبْد اللَّهِ المالكي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن علي بن سيف قَالَ: سمعت الحسين بن أَحْمَد النديم قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن علي المادرائي قَالَ: كنت اجتاز بتربة أَحْمَد بن طولون، فأرى شيخا يقرئ عند قبره ملازما للقبر، ثم أني لم أره مدة، ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر ابن طولون تقرأ عليه؟ قَالَ: بلى. قد [6] كان والينا في هذا البلد، وكان له علينا بعض العدل، وإن [7] لم يكن الكل، فأحببت أن أصله بالقرآن. قلت له: [8] فلم انقطعت
__________
[1] في ك: «أربعة آلاف ألف درهم» .
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] «في كل شهر» ساقطة من ك.
[4] في ك: «ما فرق على الصالحين والعلماء في أيامه» .
[5] «دينار» ساقطة من ك.
[6] «قد» ساقطة من ك.
[7] إن» ساقطة من ك.
[8] «له» ساقطة من ك.

(12/233)


عنه [1] ؟ قال لي [2] : رأيته في النوم، وهو يقول لي: أحب أن لا تقرأ عندي، فكأني أقول له: لأي سبب؟ فقال: ما يمر بي آية إلا قرعت بها وقيل لي: أما سمعت هذه؟!.
1752-[إبراهيم بن مرزوق بن دينار، أَبُو إسحاق البصرى [3] .]
قدم مصر، وكان ثقة ثبتا، وذهب بصره قبل موته.
وتوفي بمصر في جمادى الآخرة من هذه السنة] .
1753- إسماعيل [بن عَبْد اللَّهِ] [4] بن ميمون بن عبد الحميد بن أبي الرجال، أبو النضر [5] العجلي.
مروزي الأصل، وهو ابن أخي نوح بن ميمون المضروب. سمع خلقا كثيرا وروى عنه: مُحَمَّد بن مخلد الدوري، وأبو الحسين بن المنادي.
أخبرنا [أبو منصور] القزاز، أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب [6] أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق الثقفي قَالَ: أنشدني أبو النضر العجلي لنفسه:
تخبرني الآمال أني معمر ... وأن الذي أخشاه عني مؤخر
فكيف ومر الأربعين قضيته ... على بحكم قاطع لا يغير/
[إذا المرء جاز الأربعين فإنه ... أسير لأسباب المنايا ومعثر] [7]
__________
[1] في الأصل: «فلم قطعته» .
[2] «لي» ساقطة من ك.
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
انظر ترجمته في: التقريب 1/ 43.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] تاريخ بغداد 6/ 282.
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
و «الخطيب» ساقطة من ك.
[7] هذا البيت ساقطة من الأصل.
انظر الخبر في تاريخ بغداد 6/ 282.

(12/234)


أخبرنا القزاز، أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب أخبرنا محمد [بن عبد الواحد] حدثنا محمد بن العباس قال: قرئ على ابن المنادى وأنا أسمع قَالَ: توفي أبو النضر المروزي ليلة الأثنين لثلاث وعشرين خلت من شعبان سنة سبعين، وقد بلغ أربعا وثمانين [سنة] فيما ذكر [1] ، وكان يخضب بالوسمة [2] .
1754- بهبوذ صاحب الزنج [3] .
قد ذكرنا أحواله، وكان خروجه يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمس وخمسين وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين، وكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام.
وحكى أبو بكر الصولي أن مبلغ من قتل في هذه المدة من الناس ألف ألف وخمسمائة ألف [رجل] [4] واستأمن من أصحابه خمسة عشر ألف رجل.
1755- حمدون بن عباد، أبو جعفر [5] البزاز، المعروف: بالفرغاني [6] .
سمع يزيد بن هارون، وعلى بن عاصم. روى عنه: البغوي، وكان اسمه أَحْمَد، ولقبه: حمدون، وهو الغالب عليه. قَالَ الخطيب: محله عندنا الصدق والأمانه. روى أحاديث بواطل فالحمل فيها على غيره. توفي في محرم هذه السنة.
1756- داود بن علي بن خلف، أبو سليمان الفقيه الظاهري [7] .
ولد سنة مائتين [8] ، وسمع سليمان بن حرب، والقعنبي، ومسددا، وغيرهم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
وفي الأصل: «فيما ذكرنا» .
[2] تاريخ بغداد 6/ 282.
[3] البداية والنهاية 11/ 43- 45.
[4] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «بن جعفر» .
[6] تاريخ بغداد 8/ 177، 178.
[7] تاريخ بغداد 8/ 369- 375.
[8] في الأصل: «ولد سنة ثمانين» .

(12/235)


ورحل إلى نيسابور، فسمع من إسحاق بن راهويه «المسند» و «التفسير» ، وكان يرد إلى إسحاق وما كَانَ أحد يتجاسر عَلَيْهِ [1] يرد عليه غيره، ثم قدم بغداد فسكنها، وصنف كتبه بها، وهو إمام أصحاب الظاهر، وكان ورعا ناسكا زاهدا [2] إلا أن مذهبه طريف يدعى الجمود على النقل، ويخالف كثيرا من الأحاديث، ويلتفت على مفهوم الحديث [3] إلى صورة لفظه، و [في] هذا تغفيل. / أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد أخبرنا [أبو بكر] أَحْمَد بْن [عَلي بْن] ثَابِت، حَدَّثَنَا عبد العزيز بْن عَلي الوراق، حَدَّثَنَا عَلي بن عبد الله الهمذاني قال: حدثني أَحْمَد بن الحسين قَالَ: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ المحاملي يقول: صليت صلاة العيد فِي يوم فطر في جامع المدينة، فلما انصرفت قلت في نفسي: أدخل على داود بن على أهنئه؟ وكان ينزل قطيعة الربيع، فجئته وقرعت عليه [4] الباب، فأذن لي، فدخلت عليه، وإذا بين يديه طبق فيه أوراق هندباء وعصارة فيها نخالة، وهو يأكل، فهنأ به [5] ، وتعجبت من حاله، فرأيت أن جميع ما نحن فيه من الدنيا ليس بشيء وخرجت من عنده، فدخلت على رجل من مكثري [6] القطيعة، يعرف: بالجرجاني، فلما علم بمجيئي [إليه] خرج إلي [7] حاسر الرأس، حافي القدمين وَقَالَ: ما عني القاضي أيده الله؟ قلت: مهم.
قَالَ: وما هو؟ قلت: في جوارك داود بن علي، ومكانه [8] من العلم ما تعلم [9] وأنت كثير البر والرغبة في الخير تغفل عنه، وحدثته حديثه وما [10] رأيت مِنْهُ [11] فقال لي: داود شرس
__________
[1] في ك: «وما تجاسر أحد يرد عليه» .
[2] «زاهدا» ساقطة من ك.
[3] في الأصل: «عن مفهومه» .
[4] في ك: «وقرعت على الباب» .
[5] في الأصل: «فهنئته» .
[6] في الأصل: «من مجهري» .
[7] «إليّ» ساقطة من ك. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[8] في الأصل: «ومحله من» .
[9] في ك: «من العلم وأنت» .
[10] في ك: «وحدثته بما» .
[11] «منه» ساقطة من ك.

(12/236)


الأخلاق، أعلم أيها القاضي! أني وجهت إليه البارحة ألف درهم مع غلامي ليستعين بها في بعض أموره فردها مع الغلام، وَقَالَ للغلام: وقل له بأي عين رأيتني، وما الذي بلغك من حاجتي وخلتي [1] حتى وجهت [2] بهذا. فتعجبت من ذلك وقلت له: هات الدراهم، فإني أحملها إليه أنا. فدعا بها ودفعها إلى وَقَالَ: ناولني الكيس الأخير، فجاءه بكيس فوزن ألفا أخرى فقال: تيك لنا، وهذه لموضع القاضي وعنايته. فأخذت الألفين وجئت إليه، فقرعت بابه، فخرج وكلمني من وراء الباب وَقَالَ: ما رد القاضي؟
قلت: حاجة أكلمك فيها، فدخلت وجلست ساعة، ثم أخرجت الدراهم وجعلتها بين يديه، فقال: هذا جزاء من ائتمنك على سره إنما بأمانة [3] العلم أدخلتك إلي، ارجع فلا حاجة لي فيما معك.
قَالَ المحاملي: فرجعت وقد صغرت الدنيا في عيني، ودخلت على الجرجاني وأخبرته بما رأيت [4] . فقال: أما أنا [فقد] [5] أخرجت هذه الدراهم للَّه تعالى، فلا ترجع في مالي [أبدا] فليتول القاضي [في] [6] إخراجها في أهل الستر [7] والعفاف من المتجملين بالستر والصيانة على ما يراه، فقد أخرجتها عن قلبي [8] .
أخبرنا [عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد] القزاز أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب حَدَّثَنَا [أبو طالب علي بن] [9] يحيى بْن عَلي الدسكري، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن المقرئ قَالَ:
سمعت علي بن حمزة. قَالَ: سمعت أبا بكر بن داود يقول: سمعت أبي يقول خير الكلام ما دخل الأذن بلا إذن [10] .
__________
[1] «وخلتي» ساقطة من ك.
[2] في ك: «تهدي إليّ بهذا» .
[3] في ك: «إنها امانة» .
[4] في الأصل: «بما كان» .
[5] في الأصل: «اما إنه أخرجت» .
[6] في ك: «فليقل القاضي» وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] في الأصل: «أهل البر» .
[8] تاريخ بغداد 8/ 371، 372.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[10] تاريخ بغداد 8/ 372.

(12/237)


قال المصنف: قدم داود بغداد فسأل صالح بن أحمد بن حنبل أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فاستأذن له، فقال [أَحْمَد] قد كتب إلى مُحَمَّد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني- وفي رواية عنه: انه قَالَ الذي في اللوح المحفوظ غير مخلوق، والذي يقرأ [1] الناس مخلوق.
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ] بن ثابت، أَخْبَرَنَا الحسن بْن أبي بكر، عن أَحْمَد بن كامل القاضي قَالَ: وفي رمضان سنة سبعين ومائتين مات داود بن علي الأصبهاني، وهو أول من أظهر انتحال [2] الظاهر، ونفي القياس في الأحكام قولا، واضطر إليه فعلا، فسماه دليلا. وفي رواية: أنه توفي في ذي القعدة [3] .
1757- الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل الجيزي [4] ، صاحب الشافعي مولى مراد، يكنى: أبا مُحَمَّد [5] .
وكان فقيها سيدا [6] ، يروى عن عَبْد اللَّهِ بن وهب وغيره.
توفي في شعبان هذه السنة، وصلى عليه خمارويه بن أَحْمَد بن طولون.
1758-[زكريا بن يحيى بن أسد، أبو يحيى المروزي، يعرف بزكرويه [7] .]
سكن بغداد بباب خراسان، وحدث عن سفيان بن عيينة، وأبي معاوية، ومعروف الكرخي، روى عنه المحاملي، وابن مخلد، وأبو العباس الأصم.
وتوفي في هذه السنة] .
1759- عَبْد اللَّه بن محمد بن شاكر أبو البختري العنبري [8] .
__________
[1] في ك: «الّذي بين الناس» .
[2] في ك: «من انتحل الظاهر» .
[3] تاريخ بغداد 8/ 374.
[4] «الجيزي» ساقطة من ك.
[5] التقريب 1/ 245.
[6] «سيدا» ساقطة من ك.
[7] هذه الترجمة ساقطة من الأصل.
انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 8/ 460، 461.
[8] تاريخ بغداد 10/ 82، 83.

(12/238)


سمع حسينا الجعفي، وأبا داود الخفري، وغيرهما. وروى عنه: ابن صاعد، وابن أبي حاتم، وَقَالَ: هو صدوق.
أَخْبَرَنَا/ [عَبْد الرَّحْمَن بن محمد] القزاز أخبرنا [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] بْنِ ثَابِتٍ أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْر] البرقاني، أَخْبَرَنَا [إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد] المزكي، أَخْبَرَنَا [أبو العباس مُحَمَّد بن إسحاق] [1] السراج قَالَ: أنشدني أبو البختري:
يمنعني من عيب غيري الذي ... أعرفه فِي من العيب
وكيف شغلي بسوى مهجتي ... أم كيف لا أنظر في جيبي
إن كان عيبي غاب عنهم فقد ... أحصى ذنوبي عالم الغيب
عيبي لهم بالظن مني لهم ... ولست من عيبي في ريب
لو أنني أقبل من واعظ ... إذا كفاني واعظ الشيب
توفي أبو البختري في ذي الحجة من هذه السنة.
1760- الفضل بن العباس، أبو بكر، المعروف: بفضلك الرازي [2] .
سمع هدبة، وقتيبة، وابن راهويه. حدث عنه: مُحَمَّد بن مخلد، وكان ثقة ثبتا حافظا [3] إمام عصره في معرفة الحديث.
توفي ببراثا من غربي بغداد في صفر هذه السنة، ودفن هناك.
1761- الفضل بن العباس بن موسى، أبو نعيم العدوى الإستراباذي [4] .
روى عن أبي نعيم [5] الفضل بن دكين، وأبي حذيفة النهدي، وسهل بن بكار، وسليمان بن حرب، وغيرهم، وكان فقيها فاضلا ثقة، مقبول القول عند الخاص والعام، وهو الذي تقدم إلى أحمد بن عبد الله الطائي لما أراد أن يغير على استراباذ، فأشترى منه
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] تاريخ بغداد 12/ 367.
[3] «حافظا» ساقطة من ك.
[4] في ت: «الأستراباديّ»
[5] في الأصل: «إبراهيم» .

(12/239)


البلد وأهله ستمائة ألف درهم ووزعها على الناس، ويقال: إنه قتله مُحَمَّد بن زيد العلوي، في سر، وأخفاه وذلك في هذه السنة.
1762- مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن فرخان الفرخاني [1] .
روى عنه: البغوي، وغيره. وكان فقيها، فاضلا، ورعا، متقنا، ثبتا، زاهدا.
توفي في هذه السنة بسمرقند وله ست وثمانون سنة.
1763- مُحَمَّد [بن إسحاق] [2] ، بن جعفر، وقيل: ابن إسحاق بن مُحَمَّد، أبو بكر الصاغاني [3] .
كان أحد/ الأثبات المتقنين مع صلابة في الدين، واشتهار بالسنة، واتساع في الرواية، ورحل في طلب العلم إلى البلاد، وسمع من يعلي بن عبيد الطنافسي، ويزيد بن هارون، وروح، وخلق كثير. روى عنه: ابن أبي الدنيا، والنسائي، وابن خزيمة.
وقال الدار الدارقطني: كان ثقة فوق الثقة.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد بن مُحَمَّد البزار، حَدَّثَنَا محمد بن العباس الخزاز قال: قرئ على أبي الحسين بن المنادي: مات الصاغاني لسبع خلون من صفر سنة سبعين ومائتين يوم الخميس [4] .
1764- مُحَمَّد بن الحسين بن المبارك، أبو جعفر، يعرف بالأعرابي [5] .
سمع أسود بن عامر، ويونس بن مُحَمَّد، وغيرهما. روى عنه: ابن صاعد،
__________
[1] في الأصل: «بن محمد بن جرجان الفرخاني الجرجاني» وكذا في ت.
انظر ترجمته في:
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 1/ 240، 241.
[4] تاريخ بغداد 1/ 241.
[5] الأنساب للسمعاني 1/ 309.
وهذه النسبة معروفة إلى الأعراب.

(12/240)


وغيره. وكان ثقة [كثير السماع] [1] توفي له ولد نفيس يحفظ الحديث فتغير لذلك إلى أن مات لعشر بقين من رمضان [هذه السنة] [2] .
1765- مصعب بن أَحْمَد بن مصعب، أبو أَحْمَد القلانسي [3] .
بغدادي المولد والمنشأ، أصله من مرو، وهو من زهاد المتصوفة من قران الجنيد، ورويم، وإليه ينتمي أبو سعيد [ابن] الأعرابي.
أَخْبَرَنَا [عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد] القزاز أخبرنا [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ قَالَ: أخبرني جعفر الخلدي في كتابه قَالَ: قَالَ لِي أَبُو أحْمَد [4] القلانسي: فرق رجل من الفقراء ببغداد أربعين ألف درهم، فقال لي سمنون: يا [أبا] أَحْمَد، ما ترى ما أنفق هذا وما قد عمله [5] ونحن ما نرجع إلى شيء ننفقه، فامض بنا [6] إلى موضع نصلي [فيه] بكل درهم ركعة. قَالَ: فذهبنا إلى المدائن، فصلينا أربعين ألف ركعة وزرنا قبر سلمان وانصرفنا [7] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، حَدَّثَنَا عبد العزيز بن عليّ الخياط، حَدَّثَنَا عَلي بْن [8] عَبْد اللَّهِ الهمذاني/ قَالَ: حدثني عبد السلام بن مُحَمَّد بن أبي موسى قَالَ: حدثني أَحْمَد بن مُحَمَّد الزيادي قَالَ: كان سبب تزويج أبي أَحْمَد القلانسي بعد تفرده ولزومه المساجد والصحاري أَنَّهُ كان يصحبه شاب يعرف بمحمد الغلام، وَهُوَ مُحَمَّد بْن يعقوب المالكي، وكان حدث السن، فقال: أنا أحب أن أتزوج، فسأل [أبا] أَحْمَد بريهة [9] أن يطلب له زوجة. [قَالَ] : فكلمت إنسانا يُقَالُ له
__________
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[3] تاريخ بغداد 13/ 114، 115.
[4] «لي أبو أحمد» ساقطة من ك.
[5] في ك: «ما فعل هذا ما لا يقدر عليه» .
[6] «بنا» ساقطة من ك.
[7] تاريخ بغداد 13/ 115.
[8] «الخياط، حدثنا علي بن» ساقطة من ك.
[9] بريهة» ساقطة من ك.

(12/241)


ابن المطبخي من النساك في بنت له، فأجاب، واتعدوا منزل بريهة ليعقد أَبُو أَحْمَد النكاح، ومعنا رويم، والقطيعي، وجماعة، فحضر أبو الصبية، فلما عزموا على النكاح جزع [1] مُحَمَّد الغلام وقال: قد [2] بدا لي. فغضب أبو أَحْمَد، وَقَالَ: تخطب إلى رجل كريمته، ثم تأبى؟ لا يتزوجها غيري، فتزوجها في ذلك اليوم، فلما عقدنا النكاح قام أبوها فقبل رأس أبي أَحْمَد، وَقَالَ: ما كنت أظن أن قدري عند الله عز وجل أن أصاهرك، ولا قدر ابنتي أن تكون أنت [3] زوجها. وكانت عنده حتى مات عنها [4] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْن عَلي، أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد الحيري، أخبرنا] محمد بن الحسين السلمي [قَالَ] [5] حج أبو أَحْمَد سنة سبعين ومائتين فمات بمكة بعد انصراف الحاج بقليل، [ودفن بأجياد عند الهدف] [6] .
__________
[1] في ك: «خرج» .
[2] «قد» ساقطة من ك.
[3] «أنت» ساقطة من ك.
[4] تاريخ بغداد 13/ 115.
[5] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[6] تاريخ بغداد 13/ 115. وما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.

(12/242)