المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه عمل ببغداد ما قد صار الرسم به جاريا في كل يوم عاشوراء من غلق
الأسواق، وتعطيل البيع والشراء، وتعليق المسوح.
وانقض في ليلة الأربعاء تاسع صفر كوكب عظيم له دوي كدوي الرعد.
وفي جمادى الآخر: مات أبو القاسم سعيد بن أبي سعيد الجنابي بهجر [1] ،
وقام من بعده بالأمر [2] أخوه أبو يعقوب يوسف، ولم يبق من أولاد أبي
سعيد الجنابي غيره، وعقد القرامطة الأمر بعد أبي يعقوب لستة نفر من
أولادهم شركة بينهم.
وفي هذه السنة: وردت كتب الحاج بأن بني هلال اعترضهم، فقتلوا خلقا
كثيرًا، فتعطل [3] الحج، ولم يسلم إلا من مضى مع الشريف/ أبي أحمد
الموسوي على طريق المدينة وتم حجهم [4] .
__________
[1] «بهجر» سقطت من ص.
[2] في الأصل «بالأمر من بعده» .
[3] في ص، ل، ت: «فبطل الحج» .
[4] على هامش النسخة ل ما نصه:
وفي سنة إحدى وثلاثين سار المعز لدين الله من القيروان بعد أن وفي جميع
أعمال المغرب لمن يثق بهم، وسير جوهر إليه أبا جعفر أحمد بن نصر
بالهدايا من مصر، ووفد إليه القاضي أبو طاهر ومعه التجار ووجوه الناس،
ونزل المعز بقرية بولاق لليلتين خلتا من شهر رمضان فأقام بها وخرج
الناس وجماعة الأشراف ووجوه أهل الملل، ودخل المعز والمظلة على رأسه،
وتقدم الناس كلهم إليه وسلموا عليه
(14/210)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
2701- عثمان بن عمر [1] بن خفيف، أبو عمرو [2] المقرئ، المعروف بالدراج
[3] .
حدث عن أبي بكر بن أبي داود، روى عنه ابن رزقويه [4] ، وكان من أهل
القرآن والفقه والديانة والستر، جميل المذهب.
__________
[ () ] واحدا واحدا حتى فرغوا وهو واقف على دابته، وخطب الحسن بن زولاق
بين يديه خطبة أصغى إليها ولم يزل واقفا حتى فرغ منها وهي:
الحمد للَّه رب العالمين. والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على
الظالمين الجاحدين العاصين وصلى الله على خير امرئ دعا إلى خير دين،
محمد سيد المرسلين وعلى أهل بيته الطاهرين على رغم أنف الراغمين
(إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 33: 33، ... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى) 42: 23 ولقد اخترناهم على
علم على العالمين، السلام على أمير المؤمنين المعز لدين الله، السلام
على الإمام المنتظر، السلام عليك يا مهدي الأمة، السلام عليك يا خليفة
رب العالمين، السلام عليك يا صاحب الزمان، وصاحب السر والإعلان، فضائلك
أكثر من أن تحصى، أنتم أهل البيت، وفيكم نزل القرآن، وبكم ظهر الإيمان،
وبكم رجم الشيطان، وبكم اضمحلت الأباطيل، وبكم افتخر على الملائكة
جبريل.
ففرح قائلا: من مثلي وأنا ابن بيت آل محمد جبريل خادمكم، ميكائيل
زائركم، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد، إليك أمير
المؤمنين خرجنا منها مهاجرين، وإلى بيعتك جئت ...
عمالك مفتبسين، ولعبدك جوهر شاكرين أتقنّا مصنفات علمك، فنشرناها في
العالمين وبثثناها في أمصار المسلمين، وشرفنا بها على الناس أجمعين،
فصلى الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
ثم سار المعز والشريف يحدثه، وخرج إليه سائر الرعية واليهود والنصارى
وزينت البلد ولم ير أحد راكبا، إلا النعمان بن محمد القاضي. ودخل
القاهرة، ودخل قصره، ولما بلغ الأدوار ... للَّه تعالى ودخل إليه
القضاة والعلماء وسائر الرعية لتهنئته، ومدحه الشعراء، وكانت من دخول
جوهر ديار مصر إلى أن قدم المعز: أربع سنين وعشرين يوما، وكان يطالعه
بالأحوال شيئا فشيئا.
وفي سنة إحدى وستين وثلاثمائة بنى جوهر القائد الجامع المعروف بالأزهر
بالقاهرة. أهـ.
[1] في الأصل، ص، ل، ت: «عثمان بن عثمان» خطأ. وما أثبتناه في تاريخ
بغداد، والأنساب للسمعاني
[2] في الأصل «أبو عمر» .
[3] «بفتح الدال المهملة والراء المشددة وفي آخرها الجيم» (الأنساب 5/
292) .
انظر ترجمته في: (الأنساب 5/ 292. وتاريخ بغداد 11/ 305. والبداية
والنهاية 11/ 272) .
[4] في الأصل «رزقونة» .
(14/211)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي قال: قال لي البرقاني: كان
عثمان بدلا من الأبدال، قال: وذكر [لي] [1] أنه قال يوما في مرضه الذي
توفي [2] فيه لرجل كان يخدمه: امض فصل، ثم ارجع سريعًا، فإنك تجدني قد
مت، وكانت صلاة الجمعة قد حضرت، فمضى الرجل إلى الجامع وصلى الجمعة [3]
، ورجع إليه بسرعة [4] ، فوجده قد مات، تُوُفّي الدّراج [5] فِي رمضان
هَذِهِ السَّنَة.
2702- علي بن إسحاق بن خلف، أبو الحسن القطان، الشاعر المعروف بالزاهي
[6] ، مليح الشعر.
أخبرنا أبو منصور [7] القزاز، أخبرنا الخطيب قال: أنشدنا التنوخي قال:
أنشدني محمد بن عبيد الله بن أحمد الكاتب قال: أنشدني علي بن إسحاق بن
خلف لنفسه [8] :
قم نهنئ عاشقين ... أصبحا مصطلحين
جمعا بعد فراق ... فجعا منه ببين
ثم عادا في سرور ... من صدود آمنين
فهما روح ولكن ... ركبا في بدنين
2703- محمد [بن الحسن] [9] بن سعيد بن الخشاب [10] ، أبو العباس الصوفي
[11] .
سمع الحديث الكثير، وله حكايات عن أبي جعفر الفرغاني، وأبي بكر الشبلي،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل «مات» .
[3] «وصلى الجمعة» سقطت من ص، ل.
[4] في الأصل «تسريعا» .
[5] في الأصل «السراج» خطأ.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 350، والبداية والنهاية 11/ 272)
.
[7] «أبو منصور» سقطت من ص.
[8] في الأصل «ابن إسحاق» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في ص: «ابن سعيد الخشاب» .
[11] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 190) .
(14/212)
روي عنه السلمي، والحاكم أبو عبد الله،
وكان قد نزل نيسابور، ثم خرج إلى مكة، فتوفي بها في هذه السنة.
2704- محمد بن حميد بن سهيل
[1] [بن إسماعيل] [2] بن شداد، أبو بكر المخرمي [3] .
سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب، وجعفر الفريابي، وابن جرير في آخرين،
روى عنه الدارقطني، وابن رزقويه [4] ، وأبو نعيم، قال أبو بكر
البرقاني: هو ضعيف، وقال محمد بن أبي الفوارس: كان فيه تساهل شديد وشدة
[5] .
توفي [6] في ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] من ص «ابن سهل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 264) .
[4] في الأصل «رزقونة» .
[5] من ص، ل: «تساهل وشرة» .
[6] في الأصل «مات» .
(14/213)
ثم دخلت سنة اثنتين
وستين وثلاثمائة فمن الحوادث فيها:
[دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام]
دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام،
فإنهم دخلوا نصيبين واستباحوا، وقتلوا كثيرا من رجالها، وسبوا من
نسائها وصبيانها، وأقاموا بها نيفًا وعشرين يومًا، وغلبوا على ديار
ربيعة بأسرها، وورد إلى بغداد خلق كثير من أهل تلك البلاد، فاستقروا
[1] في الجوامع، وكسروا المنابر، ومنعوا الخطبة، وحاولوا الهجوم على
دار المطيع للَّه، واقتلعوا بعض شبابيكها، حتى غلقت أبوابها، ورماهم
الغلمان بالنشاب من رواشنها وحيطانها، وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز
عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول، ووافق ذلك شخوص [2] عز
الدولة من واسط للزيارة، فخرج إليه أهل الستر والصيانة من أهل بغداد،
منهم: أبو بكر الرازي الفقيه، وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي، وأبو
القاسم الداركي، وابن الدقاق الفقيهان، وشكوا إليه ما طرق المسلمين من
هذه الحادثة، فوعدهم بالغزو، واستنفر الناس [3] ، فخرج من العوام عدد
الرمل/ ثم أنفذ [4] جيشًا، فهزم الروم، وقتل منهم خلق كثير، وأسر
أميرهم، وجماعة من بطارقته، وأنفذت رءوس القتلى إلى بغداد، وكتب معهم
كتاب إلى المطيع يبشر بالفتح.
__________
[1] في ص: «فانتشروا» . وفي ل: «فاستنفروا» .
[2] في الأصل «سحر» .
[3] في الأصل «للناس» .
[4] في ص، ل، ت: «نفذ» .
(14/214)
وفي شهر رمضان: قتل رجل من صاحب المعونة في
الكرخ، فبعث أبو الفضل الشيرازي، وكان قد أقامه معز الدولة مقام
الوزير، في [1] طرح النار من النخاسين إلى السماكين، فاحترقت أموال
عظيمة، وجماعة من الرجال والنساء والصبيان في الدور والحمامات، فأحصى
ما احترق فكان سبعة عشر ألف وثلاثمائة دكان، وثلاثمائة وعشرين دارًا،
أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار، ودخل في الجملة ثلاثة
وثلاثون مسجدًا.
فقال رجل لأبي الفضل: أيها الوزير، أريتنا قدرتك، ونحن نأمل من الله
[2] تعالى أن يرينا قدرته فيك. فلم يجبه، وكثر الدعاء عليه، ووزر [3]
بعد معز الدولة لابنه عز الدولة، بختيار [4] فقبض عليه، وسلَّمه للشريف
أبي الحسن محمد بن عمر العلوي، فأنفذه إلى الكوفة، فسقى ذراريح [5] ،
فتقرحت مثانته، فمات في ذي الحجة من هذه السنة.
وفي يوم الجمعة الثامن من شهر رمضان: دخل أبو تميم معد بن إسماعيل،
الملقب بالمعز لدين الله مصر [6] ، ومعه توابيت آبائه، وكان قد مهد له
أبو الحسن جوهر الأمور، وأقام له الدعوة، وبنى له القاهرة، فنزلها وكان
جوهر قد دخل إلى مصر سنة ثمان وخمسين، ووطأ الأمر للمعز، وأقام له
الخطبة.
وخلع المطيع في هذه السنة على أبي طاهر بن بقية وزير عز الدولة بختيار،
ولقبه الناصح، وكان واسع النفس، وكانت وظيفته كل يوم من الملح [7] ألف
رطل، وراتبه من الشمع في كل شهر ألف منٍّ [8] وكان عز الدولة/ قد
استوزر أبا الفضل العباس بن
__________
[1] في الأصل «من طرح» .
[2] في ص، ل: «ونحن نؤمل الله تعالى» .
[3] في الأصل «ووز» .
[4] «بختيار» سقط من ص، ل.
[5] في الأصل «دراريح» .
[6] في الأصل «مضر» .
[7] في الأصل «من الثلج كل يوم» .
[8] في ص، ل: «منا» .
(14/215)
الحسين الشيرازي صهر المهلبي في سنة سبع
وخمسين، فبقي في وزارته سنتين وشهرين وثلاثة أيام، وعزله بأبي الفرج
محمد بن العباس بن فسانجس، فوزر [1] له ثلاثة عشر شهرًا، وعشرة أيام،
ثم أعاد أبا الفضل إلى الوزارة فعادى [2] الناس، وأحرق الكرخ، فكثر [3]
الدعاء عليه، فقبض عليه [4] بختيار. قيل: وكان أبو الحسن محمد بن محمد
بن بقية يخدم في مطبخ معز الدولة، وينوب عنه أخوه أبو طاهر بن بقية، ثم
خدم عز الدولة في مطبخه، وارتفع أمره إلى أن احتاج إليه الوزير أبو
الفضل في حفظ غيبه عند عز الدولة، ثم ضعف أمر الوزير أبي الفضل، ثم هلك
فقلد عز الدولة وزارته أبا طاهر ابن بقية فقال الناس: من الغضارة إلى
الوزارة، وكان كريما يغطي كَرَمُهُ عُيُوبَهُ، ووزر له أربع سنين وأحد
عشر يوما، وسمله [5] عضد الدولة، وقتله وصلبه، وهو ابن نيف وخمسين سنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2705- إبراهيم بن محمد بن سختويه [6] بن عبد الله أبو إسحاق المزكي
النيسابورىّ
[7] .
سمع بنيسابور [8] محمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن إسحاق السراج
وغيرهما، وسمع من عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره، وببغداد من أبي حامد
الحضرمي وطبقته، وبالحجاز من أبي عبيد الله الجيزي [9] ونظرائه، وبسرخس
من محمد بن عبد الرحمن الدغولي وأقرانه، وكان ثقة ثبتًا، مكثرا
[مواصلا] [10] للحج، انتخب عليه
__________
[1] في الأصل «ووزر» .
[2] في ص، ل: «فصادر» .
[3] في الأصل «وكثر» .
[4] «وعليه» سقطت من ص، ل.
[5] في ص، ل، المطبوعة: «وتسلمه» .
[6] في الأصل «ابن سختونة» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 168 والبداية والنهاية 11/ 274،
275) .
[8] «بنيسابور» سقط من ص، ل.
[9] في الأصل «الخبزي» وفي ص: «أبي عبيد الحيريّ» .
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/216)
ببغداد أبو الحسن الدارقطني، وكتب الناس
بانتخابه علما كثيرًا، وروى كتبًا كبارًا.
وقد أخبرنا أبو القاسم بن الحصين [1] عن أبي طالب بن غيلان [عنه] [2] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] [3] القزاز، أخبرنا أحمد بن على بن ثابت/
حدثنا الحسين بن أحمد بن عثمان [4] بن شيطا قال: سمعت إبراهيم المزكي
يقول: أنفقت على الحديث بدرًا من الدنانير، وقدمت بغداد في سنة ست عشرة
لأسمع من ابن صاعد، ومعي خمسون ألف درهم بضاعة، فرجعت إلى نيسابور ومعي
أقل من ثلثها، انفقت ما ذهب منها على أصحاب الحديث.
أخبرنا أبو منصور [5] القزاز، أخبرنا أحمد بن على بن ثابت قال: أخبرني
محمد بن علي المقرئ، عن محمد بن عبد الله الحافظ قال: كان إبراهيم بن
محمد المزكي من العباد المجتهدين الحجاجين المنفقين [6] على العلماء،
والمستورين، عقد له الإملاء بنيسابور سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وهو
أسود الرأس واللحية، وزكى في تلك السنة، وكنا نعد في مجلسه أربعة عشر
محدثا منهم أبو العباس الأصم، وتوفي بسوسنقين [7] ليلة الأربعاء غرة
شعبان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة [8] ، وحمل تابوته فصلينا عليه، ودفن
في داره وهو يوم مات ابن سبع وستين سنة، وسوسنقين [9] منزل بين همذان
وساوة.
2706- الحسين بن عمر بن أبي عمر القاضي، أبو محمد بن أبي الحسين
[10] .
__________
[1] في الأصل «الخطين» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل «أحمد بن عمر» وكذا من ص، ل.
[5] «أبو منصور» سقطت من ص.
[6] في الأصل «الحاجين المتقنين» .
[7] في الأصل «بسنوقين» . ومن ص: «بسونقين» .
[8] في الأصل كتب بعد «ثلاثمائة» : «ثم صرفه وقدم» وهي قفزة نظر من
الناسخ، فهذه العبارة موجودة بعد كلمة «ثلاثمائة» من الترجمة التالية.
[9] في الأصل «سنوقين» .
[10] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 81) .
(14/217)
ولاه الراضي قضاء مدينة المنصور، وهو حدث
السن، ثم ولي المتقي، فأقره على ذلك إلى جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين
وثلاثمائة، ثم صرفه فقدم أصبهان، وحدَّث عن البغوي، وابن صاعد، وولي
قضاء يزد، وتوفي بها.
2707- سعيد بن القاسم بن العلاء بن خالد، أبو عمر البرذعي
[1] .
قدم بغداد، وحدث بها عن جماعة، فروى عنه الدارقطني، وكان أحد [2]
الحُفَّاظ، كتب عن يحيى بن محمد بن منده، وطبقته، وتوفي في هذه السنة.
2708- السري بن أحمد بن السري، أبو الحسن الكندي الرفاء الموصلي الشاعر
[3] .
له معان حسان، وهو مجود، وله مدائح في سيف الدولة وغيره/ من أمراء بني
حمدان، وكان بينه وبين الخالديين أبي بكر وأبي عثمان، محمد وسعيد أهاجٍ
كثيرة، فبالغا في أذاه، وقطعا رسمه [4] من سيف الدولة وغيره، فانحدر
إلى بغداد، ومدح الوزير أبا محمد المهلبي، فانحدر الخالديان وراءه،
ودخلا على المهلبي، وثلبا وحصلا [5] في جملة منادميه وجعلا [هجيراهما]
[6] ثلبه، فآل به الأمر إلى عدم القوت، وركبه الدين، ومات ببغداد.
2709- عبد الملك بن الحسن بن يوسف، أبو عمرو المعدل، ويعرف بابن السقطي
[7] .
سمع أبا مسلم الكجي، ويوسف القاضي، وجعفر الفريابي، والبغوي، روى عنه
أبو نعيم الحافظ، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة، ولم يزل مقبول الشهادة
عند القضاة،
__________
[1] في الأصل: «البردعي» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 110، والبداية والنهاية 11/ 275) .
[2] في المطبوعة: «إحدى» خطأ.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 194، والبداية والنهاية 11/ 274)
.
[4] من ص، ل، والمطبوعة: «اسمه» .
[5] في الأصل «ثلباه وجعلا» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 430) .
(14/218)
وكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني، وتوفي
في ربيع الآخر [1] من هذه السنة، وقد [2] بلغ خمسا وثمانين سنة.
2710- محمد بن أبي الحسن بن كوثر بن علي، أبو بحر البربهاري
[3] .
حدث عن محمد بن الفرج الأزرق، ومحمد بن غالب التمتام، وإبراهيم الحربي،
والباغندي، والكديمي، وغيرهم. روى عنه ابن رزقويه [4] والبرقاني، وأبو
نعيم، وانتخب عليه الدارقطني، وقال: اقتصروا على [5] حديث أبي بحر على
ما انتخبته، فقد كان له أصل صحيح، وسماع [صحيح] [6] ، وأصل رديء، فحدث
بذا وبذاك [7] فأفسده.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْن علي بْن ثابت، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر البرقاني قال: سمعت من أبي
بحر، وحضرت عنده يوما فقال [8] ابن السرخسي:
سأريكم أن الشيخ كذاب، وقال لأبي بحر: أيها الشيخ، فلان بن فلان كان
ينزل في الموضع الفلاني هل سمعت منه؟ قال أبو بحر: نعم، قد سمعت منه.
قال أبو بكر:
وكان ابن السرخسي قد اختلق ما سأله عنه [9] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] [10] أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ [11] قَالَ: قرأت
__________
[1] في ص، ل، ت: «الأول» .
[2] في ص، ل: «وقيل» .
[3] في الأصل «النوباذي» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 275) .
[4] في الأصل «رزقونة» .
[5] في الأصل «على حديث» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] «بذاو» سقطت من ص، ل، ت.
[8] في الأصل «وقال لنا» .
[9] في ص: «قد اخترق ما سأله عنه» وفي الأصل: «قد اختلق ما قال عنه» .
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] «بن ثابت» سقطت من ص، ل.
(14/219)
على البرقاني، وحدثنا [1] عن أبي بحر فقال:
خرَّج عنه أبو الفتح بن/ أبي الفوارس [في الصحيح. قلت له! كذلك فعل أبو
نعيم الحافظ. فقال أبو بكر: ما يساوي أبو بحر عندي كعبًا. ثم سمعته
ذكره مرة أخرى فقال: كان كذابا. وقال ابن أبي الفوارس] [2] : كان مخلطا
وقال أبو الحسن بن الفرات: ظهر منه في آخر عمره أشياء منكرة، منها: أنه
حدَّث عن يحيى بن أبي طالب، وعبدوس المدائني، فغفله قوم من أصحاب
الحديث، فقروا ذلك عليه [3] ، وكانت له أصول جيدة، فخلط [4] ذلك بغيره،
وغلبت الغفلة عليه.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل «حديثا» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «عليه ذلك» .
[4] في المطبوعة: «فحلط» .
(14/220)
ثم دخلت سنة ثلاث
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[تقليد أبى الحسن محمد بن صالح ابن أم
شيبان قضاء القضاة]
أنه تقلد أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان الهاشمي قضاء القضاة،
صارفًا لأبي محمد بن معروف، وكان أبو محمد قد طولب ببيع دار أبي منصور
الشرابي على أبي بكر الأصبهاني الحاجب، فامتنع فقيل له: إن الوكيل الذي
نصبه [1] المطيع يبيع ذلك، وليس يراد [2] منك إلا سماع الشهود والإسجال
بها، فامتنع وأغلق بابه، وسأل الإعفاء عن [3] القضاء فخوطب أبو الحسن
بن أم شيبان فامتنع، فألزم فأجاب، وشرط لنفسه [4] شروطا منها: أنه لا
يرتزق عن الحكم، ولا يخلع عليه، ولا يأمر [5] ما لا يوجبه حكم، ولا
يشفع إليه في إنفاق حق وفعل ما لا يقتضيه شرع، وقرر لكاتبه في كل شهر
ثلاثمائة درهم، ولحاجبه مائة وخمسون درهمًا [6] ، وللفارض [7] على بابه
مائة درهم، ولخازن دار الحكم والأعوان ستمائة درهم، وركب إلى دار
المطيع حتى سلم إليه عهده، وركب من غد إلى المسجد الجامع، فقرئ فيه
عهده وتولي إنشاءه أبو منصور أحمد بن عبد الله الشيرازي، وهو يومئذ
صاحب ديوان الرسائل [و] نسخته [8] :
__________
[1] في الأصل: «قبضه» .
[2] في الأصل: «يريد» .
[3] في الأصل: «من القضاء» .
[4] في الأصل: «على نفسه» .
[5] في الأصل: «لا يسأم» .
[6] في الأصل: «مائة درهم وخمسون» .
[7] في الأصل: «للقاضي» .
[8] في الأصل: « ... الرسائل نسخته» .
(14/221)
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهده [1]
عبد الله الفضل الإمام المطيع للَّه أمير/ المؤمنين إلى محمد بن صالح
الهاشمي حين دعاه [2] إلى ما يتولاه من القضاء [3] من أَهْل [4] مدينة
المنصور، والمدينة الشرقية من الجانب الغربي، والجانب الشرقي [5]
ومدينة السلام، والكوفة، وشقي الفرات، وواسط، وكوخى، وطريقي الفرات
ودجلة، وطرق [6] خراسان، وقرميسين، وحلوان، وديار مضر و [ديار] [7]
ربيعة، وديار بكر، والموصل، والحرمين، واليمن، ودمشق، وحمص، وجند
قنسرين، والعواصم، ومصر، والإسكندرية، وجندي فلسطين، والأردن، وأعمال
ذلك كلها، وما يجري [مع] [8] ذلك من الإشراف على ما يختاره لنقابة
العباسيين بالكوفة، وشقي الفرات، وأعمال ذلك، وما قلده إياه من قضاء
القضاة وتصح [9] أحوال الحكام واستشراف ما يجري عليه أمر [10] الأحكام
من سائر النواحي، والأمصار، والبلاد، والأقطار التي تشتمل عليها
المملكة، وتنتهي إليها الدعوة، وإقرار من يحمد هديه، وطريقته واستبدال
من يذم سمته وسجيته، نظرا منه للكافة، واحتياطًا للخاصة والعامة، وحنوا
على الملة والذمة عن علم أنه المقدم في بيته، وشرفه، المبرز في عفافه
وظلفه، المزكَّى في دينه وأمانته، الموصوف في ورعه ونزاهته، المشار
إليه بالعلم والحِجَى، المجمع عليه في الحكم [11] والنهى، البعيد من
__________
[1] في الأصل: «ما عهد» .
[2] في ص، ل: «دعا» .
[3] في ص، ل: «ما يتولاه القضاء» .
[4] في ص، ل: «في مدينة المنصور» .
[5] في ص، ل: «من مدينة السلام» .
[6] في ص، ل: «طرقي» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] في ص، ل: «وتصلح» .
[10] في الأصل: «ما يجري عليه من الأحكام» .
[11] في ص، ل: «الحلم» .
(14/222)
الأدناس، اللابس من النقاء [1] أجمل لباس
النقي، الجيب المحبور بصفاء الغيب، العالم بمصالح الدنيا، العارف بما
يفيد سلامة العقبي، أمره بتقوى الله، فإنها الْجُنَّة الواقية، وأن
يجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته، ويرتب عليه حكمه وقضيته/
إمامه الذي يفزع إليه، وعماده الذي يعتمد عليه، وأن يتخذ سنة مُحَمَّدٍ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطلوبا يقصده [2] ،
ومثالا يتبعه، وأن يراعي الإجماع، وأن يقتدي بالأئمة الراشدين، وأن
يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأن يحضر مجلس
قضائه من يستظهر بعلمه ورأيه، وأن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في
لحظه ولفظه، ويوفي كلا منهما نصيبه من إنصافه وعدله، حتى يأمن الضعيف
من حيفه، وييأس القوي من ميله، وأمره أن يشرف على أعوانه وأصحابه ومن
يعتمد عليه من أمنائه وأسبابه إشرافًا يمنع من التخطي إلى السيرة
المحظورة [3] ، ويدفع [4] عن الإشفاف [5] إلى المكاسب المحظورة [6] ،
فذكر من هذا الجنس كلاما طويلا.
وفي هذه السنة: تقلد أبو محمد عبد الواحد الفضل بن عبد الملك الهاشمي
[7] نقابة العباسيين وصرف القاضي أبو تمام الزينبي منها [8] .
وفيها: ظهر ما كان المطيع يستره من مرضه، وتعذر الحركة عليه، وثقل
لسانه لأجل فالج ناله قديما فدعاه سبكتكين حاجب معز الدولة إلى خلع
نفسه، وتسليم الأمر إلى ولده [9] الطائع، ففعل ذلك، وعقد له الأمر في
يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ثلاث وستين، فكانت
خلافة المطيع إلى أن خلع نفسه، وسلّم
__________
[1] في الأصل: «التقي» .
[2] في ص، ل: «بقصده» .
[3] في الأصل: «المحضورة» .
[4] في الأصل: «ويمنع» .
[5] في الأصل: «الإسفاف» .
[6] في الأصل: «المحضورة» .
[7] «الهاشمي» سقطت من ص، ل.
[8] في الأصل: «الوقفي عنها» .
[9] في الأصل: «لولده» .
(14/223)
الخلافة [1] إلى ولده تسعا وعشرين سنة
وأربعة وعشرين يوما فكتب:
هذا ما أشهد على متضمنه أمير المؤمنين الفضل المطيع للَّه حين نظر
لدينه ورعيته، وشغل بالعلة الدائمة عن ما كان يراعيه من الأمور الدينية
اللازمة، وانقطع إفصاحه عن بعض ما يجب للَّه عز وجل في ذلك فرأي اعتزال
ما كان إليه من هذا الأمر، وتسليمه إلى ناهض به، / قائم بحقه ممن [2]
يرى له الرأي، عقده له وأشهد بذلك طوعًا في يوم الأربعاء الثالث عشر من
ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، فكتب فيه القاضي محمد بن صالح:
شهد عندي بذلك أحمد بن حامد بن محمد بْن عُمَر [3] ، وعمر بن محمد بن
أحمد، وطلحة بن محمد بن جعفر، وكتب محمد بن صالح.
وقد أنبأنا جماعة من أشياخنا عن أبي منصور بن عبد العزيز قال: كان
المطيع بعد أن خلع يسمى: الشيخ الفاضل.
__________
[1] في الأصل: «الأمر» .
[2] في ل: «بمن» .
[3] «بن عمر» سقطت من ص، ل.
(14/224)
باب ذكر خلافة الطائع للَّه عز وجل
اسمه عبد الكريم بن المطيع للَّه، ويكنى: أبا بكر، وأمه أم ولد، اسمها:
عتب، أدركت خلافته، وقد ذكرنا أن المطيع خلع نفسه غير مستكره، وولي
الطائع في اليوم الذي خلع فيه المطيع [1] نفسه، وكان سنه يوم وُلَّيَ
ثمان وأربعين سنة، وقيل: خمسين، ولم يل الأمر أكبر سنا منه، ولا من له
أب حي سوى أبي بكر الصديق، والطائع، وكلاهما يكنى: أبا بكر، وكان أَبُو
بكر [2] الطائع أبيض، أشقر حسن الجسم، شديد القوة، وفي رواية: أنه كان
في دار الخلافة أيل عظيم، فكان يقتل بقرنه الدواب والبغال، ولا يتمكن
أحد من مقاومته فاجتاز الطائع للَّه فرآه وقد شق راويه [3] فقال للخدم:
امسكوه، فسعوا خلفه حتى ألجئوه إلى مضيق، وبادر الطائع فأمسك قرنيه
بيديه، فلم يقدر أن يخلصهما وهرب [4] ، واستدعى بنجار فقال: ركب
المنشار [5] عليهما [6] ، ففعل، فلما بقيا على يسير قطعهما بيده وهرب
الإيل على وجهه، وسقطت فرجية الطائع، عن كتفيه، فتطأطأ بعض الخدم ليرفع
الفرجية، فنظر إليه بمؤخر عينه منكرًا لفعله، فتركها ومضى الطائع، /
وبقيت الفرجية إلى آخر النهار لا يجسر أحد على تحريكها من موضعها، فلما
أراد النجار الانصراف حضر خادم وقال: خذ هذه [7] الفرجية، فأخذها وكانت
من الوشي القديم، فباعها بمائة وسبعين دينارًا.
ولما ولي الطائع وعليه البردة، ومعه الجيش، وبين يديه سبكتكين في يوم
الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة، ومن غد هذا اليوم خلع على سبكتكين الخلع
السلطانية، وعقد له لواء الإمارة، ولقبه نصر الدولة، وحضر عيد الأضحى
فركب الطائع
__________
[1] في الأصل: «المطيع» خطأ.
[2] «أبو بكر» سقطت من ص، ل.
[3] في ص: «دوابه» .
[4] وهي في الأصل
[5] في ص: «المسمار» .
[6] في الأصل: «إليهما» .
[7] «هذه» سقطت من ص، ل.
(14/225)
إلى المصلى بالجانب [1] الشرقي، وعليه
السواد قباء، وعمامة، وخطب خطبة بليغة [2] بعد أن صلى بالناس كانت
«اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا الله والله اكبر
متقربا إليه، ومعتمدا عليه، ومتوسلا بأكرم الخلائق [3] لديه الذي صيرني
إمامًا منصوصًا عليه، ووهب لي أحسن الطاعة في ما فوَّضه إليَّ من
الخلافة على الأمة، الله أكبر الله أكبر مقرًا [4] بجميل آلائه فيما
أسنده إلى من حفظ الأمم وأموالها، وذراريها، وقمع بي الأعداء في حضرها
وبواديها، وجعلني خير مستخلف على الأَرْض ومن فيها، الله اكبر الله
اكبر تقربا بنحر البدن التي جعلها من شعائره، وذكرها في محكم كتابه،
واتباعًا لسنة نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم في فدية أبينا إسماعيل
إذ قد أمره بذبحه [5] ، فاستسلم لاهراق دمه وسفحه غير جزع فيما نابه
[6] ، ولا نكل عن ما أمر به، فتقربوا إلى الله في هذا اليوم العظيم
بالذبائح، فإنها من تقوى القلوب، الله أكبر الله أكبر وصلى الله على
محمد خيرته من خليقته، وعلى أهل بيته وعترته، وعلى آبائي الخلفاء
النجباء، وأيدني بالتوفيق فيما أتولى، وسددني من الخلافة فيما أعطى
وأنا/ أخوفكم معشر المسلمين غرور الدنيا فلا تركنوا إلى ما يبيد ويفنى،
ويزول ويبلى، وأني أخاف عليكم يوم الوقوف بين يدي الله تعالى غدًا،
وصحفكم تقرأ عليكم، فمن أوتي كتابه بيمنه فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا،
أعاذنا الله وإياكم من الردى، واستعملنا وإياكم بأعمال أهل التقوى،
واستغفر الله لي ولكم ولجميع [7] المسلمين» .
ثم أن عز الدولة أدخل يده في إقطاع سبكتكين، فجمع سبكتكين الأتراك
الذين ببغداد، ودعاهم [8] إلى طاعته فأجابوه، وراسل أبا إسحاق بن معز
الدولة يعلمه بالحال [9] ، ويطمعه أن يعقد له الأمر، فاستشار والدته،
فمنعته من ذلك، فصار إليها من ببغداد من الديلم، وصوبوا لها محاربة
سبكتكين، فحاربوه فقهرهم [10] واستولي على ما كان ببغداد لعز الدولة،
وثارت العامة تنصر سبكتكين، وبعث سبكتكين إلى عز الدولة
__________
[1] في الأصل: «إلى الجانب» .
[2] في ص، ل: «خفيفة» .
[3] في ص: «الخلق» .
[4] في ص: «مقتربا» .
[5] في ص، ل: «وقد أمر بذبحه» .
[6] ناله» .
[7] في الأصل: «لسائر» .
[8] في الأصل: «ورجاهم» .
[9] في الأصل: «الحال» .
[10] في الأصل: «فغلبهم» .
(14/226)
يقول له: أن الأمر قد خرج عن يدك، فأخرج لي
عن واسط [1] وبغداد ليكونا لي وتكون البصرة والأهواز لك، ولا تفتح [2]
بيننا باب حرب، وكتب عز الدولة إلى عضد الدولة يساعده و [3] يستنجده،
فماطله بذلك، ثم أن الناس صاروا حزبين، فأهل التشيع ينادون بشعار عز
الدولة والديلم، وأهل السنة ينادون بشعار سبكتكين والأتراك، واتصلت
الحروب، وسُفكت الدماء، وكبست المنازل، وأحرق الكرخ حريقًا ثانيًا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2711- الحارث [4] بن أبي العلاء، سعيد بن حمدان، أبو فراس العدوي
الشاعر
[5] .
كان فيه شجاعة وكرم، وله شعر في نهاية الحسن وقلده/ سيف الدولة منبج
[6] وحران، وأعمالها، فخرج يقاتل [7] الروم فتكى وقتل وأسر في الأسر
سنتين ثم فداه سيف الدولة، وقيل أنه قتل بعد ذلك، [وما بلغ أربعين سنة]
[8] ورثاه سيف الدولة.
أخبرنا ابن ناصر، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ [بْنِ] [9]
الْبُسْرِيِّ، عَنْ أبي عبد الله بْن بطة قال: أنشدني الحسن [10] بن
سعيد [11] المقدسي قال: أنشدني محمد بن شجاع الجيلي قال: أنشدني أبو
فراس بن حمدان لنفسه:
المرء نصب مصائب لا تنقضي ... حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجل [12] يلقى الردى في غيره [13] ... ومعجل يلقى الردى في نفسه
قال: وكان عند أبي فراس أعرابي فقال لَهُ [14] : أجز هذا بمثله، فقال:
من يتمن العمر فليدرع [15] ... صبرا على فقد أحبائه
ومن يعاجل ير في نفسه [16] ... ما يتمناه لأعدائه
__________
[1] في الأصل: «فتنزح لي عن بغداد وواسط» .
[2] في ص، ل: «يفتح» .
[3] «يساعده و» سقطت من ص، ل.
[4] في الأصل: «أبو فراس الحارث» .
[5] في الأصل: « ... العدوي الشاعر بن حمدان» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 278) .
[6] «منبج» سقطت من ص.
[7] في ص، ل: «فقاتل» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في الأصل: «الحسين» .
[11] في الأصل: «سعد» .
[12] في الأصل: «فمعجل» .
[13] في الأصل: «أهله» .
[14] «وله» سقطت من ص، ل.
[15] في ص، ل: «فليتخذ» .
[16] في الأصل: «ومن يعمر يلق في نفسه ... » وفي ب: «في غيره» .
(14/227)
أخذ هذا من قول الحكيم: من طال عمره فقد
أحبابه، ومن قصرت حياته كانت مصيبته في نفسه.
ومن قول الآخر: من أحب طول البقاء، فليتخذ [1] للمصائب قلبًا جَلِدًا.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر قالا: أخبرنا أبو الحسين
بن عبد الجبار قال: أنشدنا القاضي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ
الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ قَالَ: أنشدنا أبو الفرج الببغاء قال:
أنشدنا أبو فراس، وكتب بها إلى غلامين له وهو مأسور:
هل تحسان [2] لي رفيقا رفيقا ... يحفظ الود أو صديقا صديقا
لا رعى الله يا حبيبي دهرا ... فرقتنا صروفه تفريقا
كنت مولاكما وما كنت إلا ... والدًا محسنا وعمًّا شفيقا
بت أبكيكما وإن عجيبًا ... أن يبيت الأسير يبكي الطليقا
فاذكراني وكيف لا تذكراني ... كل ما استخون الصديق الصديقا
ومن شعره المستحسن قوله [3] :
ولي بك من فرط الصبابة آمر ... ودونك من حسن التصون زاجر/
عفافك عني [4] إنما عفة التقي ... إذا عف عن لذاته وهو قادر
نفى الهم عني همة عدوية ... وجاش على صرف الحوادث صابر
وأسمر مما ينبت الخط ذابل ... وأبيض مما يصنع الهند باتر
لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها ... إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وكيف ينال المجد والجسم وادع ... وكيف يحار [5] المجد والوفر وافر
وله
غنى النفس لمن يعقل ... خير من غني المال
__________
[1] في الأصل: «فليستعد» .
[2] في الأصل: «تحسبان» .
[3] «قوله» سقطت من ص، ل.
[4] في الأصل: «عندي» .
[5] في الأصل: «وكيف يحاز» .
(14/228)
وفضل الناس في الأنفس ... ليس الفضل في
الحال
وله
ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني [1] ... ليست مؤاخذة الإخوان من شاني
إذا خليلِيَ لَمْ تكثر إساءته ... فأين موقع إحساني وغفراني
يَجْنِي الليالي وأستحلي جنايته ... حتى أدل على عفوي وإحساني
يجنى على وأحنو دائما أبدًا ... لا شيء أحسن من حانٍ على جان
وله
مرام الهوى صعب وسهل الهوى وعر ... وأعسر ما حاولته الحب والصبر
أوعدتي بالوعد [2] والموت دونه ... إذا مت عطشانا فلا نزل القطر
بدوت وأهلي حاضرون لأنني ... أرى [3] أن دارًا لست من أهلها قفرُ [4]
وما حاجتي في المال أبغي وفوره ... إذا لم يفر عرض [5] فلا وفر الوفر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره ... فلم يمت الإنسان ما حسن [6] الذكر
وقال أصيحابي الفرارُ أو الردى ... فقلت هما أمران أحلاهما مر
/ سيذكرني [7] قومى إذا جدَّ جدُّها ... وفي اللَّيْلَة [8] الظلماء
يفتقد البدر
ولو سدَّ غيرى ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلو التبر لو نفق الصفرُ
ونحن أناس لا تَوَسُّطَ عندنا ... لنا الصَّدرُ دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالى نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر
وقال وقد سمع صوت حمامة وهو مأسور:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتي ما فاق حالك حالي
__________
[1] في الأصل: «إخواني» .
[2] في الأصل: «بالوهل» .
[3] في بعض النسخ «أن الدار دارا» وهذه زيادة تخل بالوزن والمعنى.
[4] في ص، ل: «نفر» .
[5] في ص، ل: «عوض» .
[6] في الأصل: «ما حيا» .
[7] في الأصل: «ستذكرني» .
[8] في باقي النسخ «الظلمة» .
(14/229)
معاذ الهوى ما ذُقْتِ طارقة الهوى ... ولا
خطرت منك الهموم ببالي
أيحمل محزونَ الفؤاد قوادم ... إلى غُصُنٍ نائي المسافة عالي
تعالَيْ تَرَيْ روحًا لديَّ ضعيفةً ... تَرَدَّدُ فِي جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنتُ أَوْلَى مِنْكِ بالدمع مُقْلَةً ... ولكنَّ دمعي في الحوادث
غالي
وله أيضا
إن في الأسر لصبا ... دمعه في الخد صب
هو بالروم مقيم ... وله بالشام قلب
وله أيضا
لقد ضل من تحوي هواه خريدة ... وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد للَّه حازم ... أعز إذا ذُلَّت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبيَ كُلَّهُ ... وإن شَمِلَتْهَا رقة وشباب
وأجري فلا أعطي الهوى فضل مِقْوَدِي ... وأهفو ولا يخفى عليَّ صواب
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... وهيهات [1] للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلَّهم ... ذئابا على أجسادهن ثياب
تغابيت عن قومي فظنوا غباوة ... بمفرق أغبانا حصى وتراب
/ ولو عرفوني حق معرفتي بهم [2] ... إذًا علموا أني شهدت وغابوا
إلى الله أشكو بثنا في منازل ... تَحَكَّمَ في أجسادهن كلاب
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب
2712- عبد العزيز بن جعفر بن أحمد [3] بن يزداد بن معروف، أبو بكر
الفقيه الحنبلي، المعروف: بغلام الخلال
[4] .
__________
[1] في ص، ل: «ومن أين» .
[2] في الأصل: «لهم» .
[3] في ل، ص: «عبد العزيز بن أحمد بن جعفر» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 459، والبداية والنهاية 11/ 278)
.
(14/230)
ولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وحدث عن
محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، وأبي خليفة الفضل بن
الحباب، وجعفر الفريابي، ومحمد بن محمد الباغندي، والبغوي، وابن [1]
أبي داود، وابن صاعد في آخرين، وله المصنفات الكثيرة على مذهب أحمد بن
حنبل.
أنبأنا أحمد بن الحسين بن أحمد [الفقيه] [2] عن القاضي أبي يعلى محمد
بن الحسين قال: أبو بكر عبد العزيز له المصنفات الحسنة منها «المقنع»
[3] نحو مائة جزء، و «كتاب الشافعيّ» نحو مائتي جزء، و «زاد المسافر» ،
وكتاب «الخلاف مع الشافعي» ، وكتاب «القولين» ، و «مختصر الحسبة» وله
غير ذلك في التفسير، والأصول، قال القاضي: وبلغني أن عبد العزيز قال في
علته: أنا عندكم إلى يوم الجمعة. فقيل له:
يعافيك الله فقال: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت أبا بكر المروذي
يقول: عاش أحمد بن حنبل ثماني وسبعين سنة ومات يوم الجمعة، ودفن بعد
الصلاة [وعاش أبو بكر المروذي ثمان وسبعين سنة، ومات يوم الجمعة ودفن
بعد الصلاة] [4] وأنا عندكم إلى يوم الجمعة ولي ثمان وسبعون سنة، فلما
كان يوم الجمعة مات ودفن بعد الصلاة، وذلك لعشر بقين من شوال سنة ثلاث
وستين وثلاثمائة. وقال غيره لسبع بقين من شوال ودفن عند دار الفيل
بمقبرة باب الأزج.
2713- علي بن محمد، أبو الفتح البستي
[5] .
كان شاعرًا مجيدا، يقصد التطابق والتجانس في شعره، وأبيات قصائده قليلة
لأجل التجانس، وقد انتقيت من جميع/ ديوانه أبياتًا مستحسنة فرتبتها على
حروف المعجم وهي:
دعني فلن أخلق ديباجتي ... ولست أبدي للورى حاجتي
__________
[1] «ابن» سقطت من ص، ل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الفتح» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 278) .
(14/231)
منزلتي يحفظها منزلي ... وباجتي تكرم
ديباجتي
وله أيضا
يا أيها السائل عن مذهبي ... ليقتدي فيه بمنهاجي
منهاجي العدل وقمع الهوى ... فهل لمنهاجي من هاجي
وله أيضا
إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمنك البعاد
وانتظر العود عن قريب ... فإن قلب الوداع عادوا
وله أيضا
لقاء أكثر من تلقاه أوزار ... فلا تبال أصدوا عنك أو زاروا
لهم لديك إذا جاءوك أوطار ... فان قضوها تنحوا عنك أو طاروا
أخلاقهم فتجنبهن أوعار ... وقربهم مأثم للمرء أو عار
أوضار أخلاقهم يعدي معاشرهم ... فلا يزول فقد ما من رأوا ضاروا
وله أيضا
دعوني وأمري واختياري فإنني ... عليم بما أمري وأخلق من أمري
إذا مر بي يوم ولم اصطنع يدا ... ولم استفد علما فما ذاك من عمري
وله أيضا
كم مذنب قد ضاقني ... فقرنته صفحا وغفرا
كم حاسد صابرته ... فقتلته بالصبر صبرا
وله أيضا
إذا خدمت الملوك فالبس ... من التوقي أعز ملبس
وادخل عليهم وأنت أعمى ... واخرج إذا ما خرجت أخرس
/ وله أيضا
دعوني وسمتي في عفافي فإنني ... جعلت عفافي في حياتي ديدني
وأعظم من قطع اليدين على الفتى ... صنيعة بِرٍّ نالها من يدي دني
وله أيضا
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... لتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
(14/232)
وله أيضا
يا ناظر العين قل هو ناظر عيني ... إليك يوما وهل تدنو خطى البين
الله يعلم أني بعد فرقتكم ... كطائر سلخوه من جناحين
ولو قدرت ركبت الريح نحوكم ... فإن بعدي عنكم قد حَنَى حَيْنِي
2714- العباس بن الحسين، أبو الفضل الشيرازي
[1] .
وزر لعز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين، وكان ظالمًا، فقبض
عليه فقتل فِي حبسه [2] في ربيع الأول [3] من هذه السنة، وعمره تسع
وخمسون سنة، ودفن بمشهد عليٍّ عليه السلام.
2715- عيسى بن موسى بن أبي محمد. واسمه محمد بن المتوكل على الله، أبو
الفضل الهاشمي
[4] .
ولد سنة ثمانين ومائتين، وسمع محمد بن خلف [5] بن المرزبان، وأبا بكر
بن أبي داود، ولازمه نيفًا وعشرين سنة، روى عنه أبو علي بن شاذان، وكان
ثقة، وتوفي في ربيع الآخر [6] من هذه السنة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [7] القزاز، أخبرنا أحمد بن ثابت [8]
[الخطيب] [9] قال: قال لي علي بن أحمد بن عيسى المتوكلي [10] ، قال لي
هلال بن محمد الحفار قال لي جدك عيسى بن موسى: مكثت ثلاثين سنة أشتهي
أن أشارك العامة في أكل هريسة السوق فلا أقدر على ذلك، لأجل البكور إلى
سماع الحديث.
__________
[1] انظر ترجمته في: (الأعلام 3/ 260، والبداية والنهاية 11/ 278) .
[2] «في حبسه» سقطت من ص، ل.
[3] في ص، ل: «ربيع الآخر» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 178) .
[5] «بن خلف» سقطت من ص.
[6] في ص، ل: «ربيع الأول» .
[7] «عبد الرحمن بن محمد» سقطت من ص.
[8] «أحمد بن علي بن ثابت» سقطت من ص.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في ص، والأصل: «المتوكل» .
(14/233)
ثم دخلت سنة أربع
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد [الخبر] [1] في المحرم سنة أربع [2] من المدينة أن أهل العراق،
وخراسان، والكوفة، والبصرة بلغوا سميرا فرأوا هلال ذي الحجة على نقصان/
من ذي القعدة، وعرفوا أن لا ماء في الطريق من فيد إلى مكة، إلا
صُبَابَةٌ لا يقوم بهم وبجمالهم، فعدلوا إلى بطن نخل يطلبون مدينة
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوصلوا إليها يوم الجمعة سادس
ذي الحجة، فبركت الجمال ولم تنهض، فعرفوا في المسجد، وخرجوا فصلوا صلاة
العيد في مصلى النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أمير
الحاج أبو منصور محمد بن عمر بن يحيى العلوي، وورد الناس الكوفة في أول
المحرم، بعد أن لحقهم جهد شديد، وأقاموا بالكوفة لفساد الطريق، ثم
خفروا أنفسهم وأموالهم حتى دخلوا بغداد في آخر الشهر.
وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة [ليلة] [3] بقيت من المحرم: أوقع العيارون
حريقًا بالخشابين من باب الشعير [4] ، فاحترق أكثر هذا [5] السوق، وما
يليها من سوق الجزارين [6] ، وأصحاب الحصر، وصف البواري، فهلك شيء كثير
من هذه الأسواق
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «سنة أربع» سقطت من ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «باب الحريق» .
[5] في الأصل: «أكثر هذه السوق» .
[6] في الأصل: «الزجاجين» .
(14/234)
من الأموال [1] وزاد أمر العيارين في هذه
السنة، حتى ركبوا الدواب، وتلقبوا بالقواد، وغلبوا على الأمور، وأخذوا
الخفائر عن الأسواق والدروب، وكان في جملة العيارين قائد يعرف: بأسود
الزبد، لأنه كان يأوي قنطرة الزبد ويستعظم من حضر وهو عريان لا يتوارى،
فلما كثر الفساد رأي هذا الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف [2] فطلب
سيفًا، ونهب وأغار، اجتمع إليه جماعة، فأخذ [3] الأموال، واشترى جارية
بألف دينار، فلما حصلت عنده حاول منها حاجته فمنعته، فقال: ما تكرهين
مني؟ قالت: أكرهك كما أنت فقال: ما تحبين؟ قالت: أن تبيعني. قال: أو
أفعل خيرًا من ذلك، فحملها إلى القاضي وأعتقها، ووهب لها ألف دينار،
فعجب الناس من سماحة أخلاقه [4] إذ لم يجازها على كراهيتها له. ثم خرج
إلى الشام فهلك بها.
[وقوع الخطبة لأبي تميم معد]
وفي المحرم: ورد الخبر بوقوع الخطبة لأبي تميم معد، الملقب بالمعز،
بمكة والمدينة في موسم [سنة] [5] ثلاث وستين وثلاثمائة، وقطعت خطبة
الطائع من يوم الجمعة/ لعشر بقين من جمادى الأولي إلى أن أعيدت في يوم
الجمعة لعشر بقين [6] من رجب، فلم يخطب في هذه المدة لإمام، وذلك لأجل
تشعث جرى بينه وبين عضد الدولة، وكان عضد الدولة قد قدم العراق، فأعجبه
ملكها، فوضع الجند ليشغبوا على عز الدولة، فشغبوا فأغلق أبوابه، فأمر
عضد الدولة الاستظهار عليه، وذلك يوم الجمعة لأربع ليال [7] بقين من
جمادى الآخرة، وكتب عن الطائع للَّه [8] إلى الآفاق باستقرار الأمر
لعضد الدولة، وخلع عضد الدولة على محمد بن بقية وزير عز الدولة، ثم
اضطربت الأمور على عضد الدولة، ولم يبق في يده غير بغداد، فنفذ عضد
الدولة إلى
__________
[1] «من هذه الأسواق من الأموال» سقط من ص، ل.
[2] في الأصل: «أخذ سيفا» .
[3] في الأصل: «فأخذوا» .
[4] في الأصل: «سماحته» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ص، ل: «خلون» .
[7] في الأصل: «لعشر ليال» .
[8] «للَّه» سقط من ص، ل.
(14/235)
ركن الدولة يعلمه أنه قد خاطر بنفسه وجنده،
وأنه [1] [قد] هذب مملكة العراق، واستقاد الطائع للَّه إلى داره، وأن
عز الدولة بختيار [2] عاص لا يقيم دولة، وأنه إن خرج من العراق لم يبعد
اضطراب الممالك، [ويسأله المدد] [3] فلما بلغه هذه الرسالة غضب فقال
للرسول: قل له أنت [4] خرجت في نصرة ابن أخي أو في الطمع في مملكته،
فأفرج [5] عضد الدولة عن بختيار، وخرج عضد الدولة عَنْ بختيار [6] إلى
فارس، وعاد [7] جيش بختيار إليه.
وفي يوم الخميس لعشر خلون من ذي القعدة: تزوج الطائع للَّه شاه زنان
[8] بنت عز الدولة على صداق مائة ألف دينار، وخطب خطبة النكاح بحضرتهما
[9] أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة القاضي.
وفي رجب: زادت الأسعار، وعدمت الأقوات، وبيع الكر من الدقيق الحواري
بمائة ونيف وسبعين دينارا، والعشرة الأمناء من السكر بنيف [10] وأربعين
درهمًا، والتمر ثلاثة أرطال بدرهم، وضاقت العلوفة، فبيع الحمل من التبن
بعشرة دراهم، وأخرج السلطان كراعه إلى السواد.
وفي هذه السنة: اضطرب أمر الحاج، لم يندب لهم أحد/ من جهة السلطان،
وخرجت طائفة من الخراسانية على وجه التغرير [11] والمخاطرة، فلحقهم
شدة، وتأخر
__________
[1] «وأنه» سقطت من ص، ل. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «بختيار» سقط من ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «أنت» سقطت من ل، ص.
[5] في الأصل: «فأخرج» .
[6] «عن بختيار» سقط من ل، ص.
[7] في الأصل: «ورجع» بدلا من «إلى فارس وعاد» .
[8] في الأصل: «شاه تان» .
[9] في الأصل: «بينهما» .
[10] في ل، ص: «نيف» .
[11] في الأصل: «الثغوير» .
(14/236)
البغداديون والتجار، وأقام الحج أصحاب
المغربي، وأقيمت الخطبة له.
وفي ليلة الاثنين لتسع بقين من ذي القعدة: طلع كوكب الذؤابة [1] من
ناحية المشرق، وله شبه الذؤابة [2] مستطيلا نحو رمحين في رأي العين،
ولم يزل يطلع في كل ليلة إلى [ليلة] [3] عشر بقين من ذي الحجة.
وفي يوم الأربعاء: سلخ ذي القعدة صرف أبو الحسن [4] محمد بن صالح ابن
أم شيبان، عن قضاء القضاة، وقلَّده أبو محمد بن معروف، وكتب عهده.
وفي يوم الأربعاء: لتسع [5] بقين من ذي الحجة خلع على الشريف أبي أحمد
الحسين بن موسى الموسوي من دار عز الدولة، وقلد نقابة الطالبيين.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2716- إسحاق بن محمد بْن إِسْحَاق، أَبُو يَعْقُوب النَّعَاليّ
[6] .
سَمِعَ أَبَا خليفة، وجعفر الفريابي، وغيرهما. وروى عَنْهُ البرقاني
وَقَالَ: هُوَ صدوق، وتُوُفيّ يَوْم النحر من هَذِهِ السَّنَة.
2717- سبكتكين
[7] حاجب معز الدولة، خلع عليه الطائع وطوقه وسوره، ولقَّبه نصر
الدولة، فسقط سبكتكين عن الفرس [8] ، فانكسر ضلعه، فاستدعى ابن الصلت
المجبر، فرد ضلعه ولازمه إلى أن برأ [9] فأغناه وأعطاه يوم أدخله
الحمام ألف دينار وفرسا ومركبا وخلعه،
__________
[1] في الأصل: «الدوابة» .
[2] في الأصل: «الدوابة» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ل، ص، الأصل: «أبو الحسين» .
[5] في الأصل: «لسبع» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 400) .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 282) .
[8] في ص، ل: «من الفرس» .
[9] في الأصل: «إلى أن توفي» .
(14/237)
وكان يقدر على الركوب والقيام في الصلاة
والسجود، ولا يقدر على الركوع، وكان يقول لطبيبه: إذا تذكرت عافيتي على
يدك فرحت بك، ولم اقدر على مكافأتك، وإذا ذكرت حصول رجليك على ظهري
اشتد غيظي منك.
توفي يوم [1] الثلاثاء لسبع بقين من المحرم، وكانت مدة إمارته شهرين
وثلاثة عشر يومًا، وحمل تابوته إلى بغداد، فدفن في تربة ابنته بالمخرم،
وخلف ألف ألف دينار مطيعية، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين فيهما جوهر،
وستين صندوقا/ منها خمسة وأربعون فيها آنية ذهب وفضة، وخمسة عشر فيها
بلور ومحكم ومائة وثلاثين مركبًا ذهبًا، منها خمسون وزن كل واحد ألف
مثقال، وستمائة مركب فضة، وأربعة آلاف ثوب ديباجًا، وعشرة آلاف ثوب
دبيقيا وعتابيا، وغير ذلك، وثلاثمائة عدل معكومة [2] فيها فرش، وثلاثة
آلاف رأس دابة وبغلا، وألف رأس من الجمال، وثلاثمائة غلام [دارية] [3]
وأربعة [4] وأربعين خادما غير ما ترك عند أبي بكر البزاز صاحبه، وكان
لسبكتكين هذا دار المملكة اليوم.
أَخْبَرَنَا [5] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: حدثني هلال بن المحسن قال: كانت دار
المملكة التي بأعلى المخرم محاذية الفرضة لسبكتكين غلام معز الدولة،
فنقض عضد الدولة أكثرها، ولم يستبق إلا البيت الستيني الذي هو في وسط
أروقة من روائها أروقة من أطرافها أروقة [6] قباب معقودة، وتنفتح
أبوابه الغربية إلى دجلة، وأبوابه الشرقية إلى صحن، من خلفه بستان ونخل
وشجر، وكان عضد الدولة جعل الدار التي هذا البيت فيها دار العامة،
والبيت برسم جلوس الوزراء، وما يتصل به من الأروقة، والقباب مواضع
للدواوين [7] والصحن مناما لديلم
__________
[1] في الأصل: «ليلة» .
[2] «معكومة» سقطت من ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «أربعة» سقطت من ص، ل.
[5] في الأصل: «أخبرني» .
[6] «أروقة» سقطت من ص، ل.
[7] في الأصل: «الدواوين» .
(14/238)
النوبة، في ليالي الصيف، قال هلال: وهذه
الدار وما تحتوي عليه من البيت المذكور والأروقة [1] خراب، ولقد شاهدت
مجلس الوزراء في ذلك ومحفل مَنْ يقصدهم ويحضرهم، وقد جعله جلال الدولة
اصطبلا أقام فيه دوابه وسواسه، وأما ما بناه عضد الدولة وولده بعده من
هذه الدار فهو متماسك على تشعثه.
قال ابن ثابت: ولما ورد طغرل بك الغزي بغداد، واستولي عليها، عمَّر هذه
الدار، وجدد كثيرا مما/ [كان] [2] وهي منها سنة ثمان وأربعين
وأربعمائة، فمكثت كذلك إلى سنة خمسين وأربع مائة ثم احترقت، وسلمت [3]
أكثر آلاتها، ثم عمرت بعد، وأعيد كما [4] كان وهي منها.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: حدثني [القاضي] [5] أبو
القاسم علي بْن المحسن قال: سمعت أبي يقول: ماشيت [6] الملك عضد الدولة
في دار المملكة بالمخرم التي كانت دار سبكتكين حاجب معز الدولة من قبل،
وهو يتأمل ما عمل وهدم منها، وقد كان أراد أن يزيد في الميدان
السبكتكيني أذرعا ليجعله بستانًا، ويرد بدل التراب رملًا، ويطرح التراب
تحت الروشن على دجلة، وقد ابتاع دورًا كثيرة كبارًا وصغارًا، ونقضها
ورمى حيطانها بالفيلة [7] تخفيفا للمئونة، وأضاف عرصاتها إلى الميدان،
وكانت مثل الميدان دفعتين وبنى على الجميع مسناة، فقال لي في هذا
اليوم، وقد شاهد ما شاهد: تدري أيها القاضي كم أنفق على ما قلع [8] من
التراب إلى هذه الغاية، وبناء هذه المسناة السخيفة، مع ثمن ما ابتيع من
الدور واستضيف؟ قلت: أظنه شيئا كثيرًا. فقال لي: هو إلى وقتنا هذا
سبعمائة [9] ألف درهم صحاحا، ويحتاج إلى
__________
[1] «والأروقة» سقطت من ل، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «سلت» .
[4] في الأصل: «وأعيد ما كان» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «ما ماشيت» .
[7] في الأصل: «بالقبلة» .
[8] في الأصل: «قطع» .
[9] في ل: «تسعمائة» .
(14/239)
مثلها دفعة أو دفعتين حتى يتكامل قلع
التراب، ويحصل موضعه الرمل، موازيا لوجه البستان، فلما فرغ من ذلك وصار
البستان أرضا بيضاء لا شيء فيها من غرس ولا نبات، قال: قد أنفق على هذا
حتى صار كذا أكثر من ألفي ألف درهم، ثم فكر في أن يجعل شرب البستان من
دواليب ينصبها على دجلة، وعلم أن الدواليب لا تكفي، فأخرج المهندسين
إلى الأنهار التي في ظاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام، ليستخرجوا
منها نهرًا يسيح ماؤه إلى داره، فلم يجدوا ما أرادوه إلا في نهر
الخالص، فعلى الأرض بين البلد وبينه تعلية، أمكن معها/ أن يجري الماء
على قدر من غير أن يحدث به ضرر، وعمل تلين عظيمين يساويان سطح ماء
الخالص، ويرتفعان عن أرض الصحراء أذرعًا، وشق في وسطهما نهرًا [1] جعل
له خورين من جانبيه، وداس الجميع بالفيلة دوسا كثيرًا حتى قوي واشتد
وصلب وتلبد، فلما بلغ إلى منازل البلد وأراد سوق النهر إلى داره عمد
إلى دور السلسلة، فدك أرضها دكًا قويًا، ورفع أبواب الدور، وأوثقها،
وبنى جوانب النهر طول البلد بالآجر والكلس والنورة، حتى وصل الماء إلى
الدار، وسقى البستان.
قال أبي: وبلغت النفقة على عمل البستان وسوق الماء إليه على ما سمعته
من حواشي عضد الدولة: خمسة آلاف ألف درهم، ولعله قد أنفق على أبنية
الدار ما أظن مثل ذلك، وكان عضد الدولة [2] عازمًا على أن يهدم الدور
التي بين داره وبين الزاهر، ويصل الدار بالزاهر، فمات قبل ذلك.
2718- عبد السلام بن مُحَمَّد بن أبي موسى، أبو القاسم المخرمي الصوفي
[3] .
سافر الكثير، ولقي الشيوخ، وحدّث عن أبي بكر بن أبي داود، وأبي عروبة
الحراني، روى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وكان ثقة حسن الأخلاق متزهدًا
[4] أقام بمكة سنين، وتوفي بها في هذه السنة [5] .
__________
[1] في الأصل: «في وسطها فهذا» .
[2] في الأصل: «عضد الدولة خمسة آلاف» خطأ. فهي قفزة نظر مع العبارة
السابقة.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 56) .
[4] في الأصل: «من هذا» .
[5] في المطبوعة: «السة» .
(14/240)
2719- الفضل المطيع للَّه، أمير المؤمنين
[ابن المقتدر]
[1] .
قد ذكرنا أنه خلع نفسه لأجل مرض لازمه، وولي ابنه الطائع، واشهد على
نفسه القضاة والعدول، وكانت خلافته تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر واحد
وعشرين يومًا، وخرج الطائع إلى واسط وحمل معه أباه المطيع، فمات في
العسكر بدير العاقول في محرم هذه السنة، فكان عمره ثلاثًا وستين سنة،
وحمل إلى بغداد، فدفن بتربة جدته/ أم المقتدر.
2720- محمد بن إبراهيم بن محمد، أبو بكر الشاهد المعروف بالربيعي
[2] .
حدث عن ابن جرير الطبري، وغيره، روى عنه أبو القاسم عبيد الله بن عمر
البقال وغيره، وقال ابن أبي الفوارس: توفي في سنة أربع وستين
وثلاثمائة، وفيه نظر.
2721- محمد بن بدر، أبو بكر
[3] .
كان والده [4] يعرف ببدر الحمامي غلام ابن طولون، ويسمى بدر الكبير.
كان أميرًا على بلاد فارس كلها، وتوفي بتلك النواحي، فقام ابنه محمد في
الناحية مقامه وكتب السلطان إليه بالولاية مكان أبيه وكتب إلى من معه
من القواد بالسمع والطاعة له، فكان أميرا على بلاد فارس مدة، ثم قدم
بغداد، وحدث بها عن بكر بن سهل الدمياطي، وحماد بن مدرك [5] ، وغيرهما.
روى عنه الدارقطني، وأبو نعيم [الأصبهاني] [6] وغيرهما وقال أبو نعيم:
ثقة صحيح السماع.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي قال: حدثت عن أبي
__________
[1] في الأصل: «الفضل أمير المؤمنين المطيع للَّه» وما بين المعقوفتين
سقط من الأصل. انظر ترجمته في: (الكامل أحداث سنة 364) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 414) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 108) .
[4] في ل: «أبوه» .
[5] في الأصل: «مليك» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/241)
الحسن بن الفرات قال: توفي محمد بن بدر
الحمامي فِي رجب [1] سنة أربع وستين وثلاثمائة، وكان ثقة إن شاء الله
فيما علمته [2] ولم يكن من أهل هذا الشأن يعني الحديث ولا يحسنه، وكان
له مذهب في الرفض. قال أحمد: وببغداد كانت وفاته.
2722- محمد بن ثابت، بن أحمد أبو بكر الواسطي.
قدم بغداد وحدث بها عن عباس الدوري وغيره روى عنه ابن شاهين والكتاني،
وكان ثقة.
__________
[1] في ل، في الأصل: «سنة سبع وستين» .
وما بين المعقوفتين سقط من ص، ل.
[2] في الأصل، ل: «ما علمته» .
(14/242)
ثم دخلت سنة خمس
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن ركن الدولة أبا علي كتب إلى ولده عضد الدولة أبي شجاع يعرفه أنه قد
كبرت سنه، وقرب منه ما يتوقعه أمر الله تعالى، وأنه يؤثر مشاهدته،
واجتمعوا فقسم ركن الدولة الممالك بين أولاده، فجعل لعضد الدولة فارس
وكرمان، وأرجان/ ولمؤيد الدولة الري وأصبهان ولفخر الدولة همذان
والدينور وجعل ولده أبا العباس في كنف عضد الدولة وأوصاه به.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر رجب: جلس قاضي القضاة أبو محمد بن معروف في
دار عز الدولة ونظر في الأحكام لأن عز الدولة اقترح ذلك عليه ليشاهد
مجلس حكمه.
وفي ذي القعدة: خلع على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد الله العلوي
لإمارة الحاج من دار عز الدولة وحج بالناس علوي من جهة العزيز صاحب مصر
وأقيمت الدعوة له بمكة والمدينة على رسم المعز أبيه، بعد أن حوصر أهل
مكة فمنعوا الميرة، وقاسوا شدة شديدة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2723- أحمد بن جعفر بن مسلم [1] بن راشد، أبو بكر الختّليّ
[2] .
__________
[1] في كل النسخ: «ابن مسلم» أما في تاريخ بغداد: «أحمد بن محمد بن
سلم» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 71، والبداية والنهاية 11/ 283) .
(14/243)
ولد سنة ثمان وسبعين ومائتين، سمع أبا مسلم
الكجي، وعبد الله [1] بن أحمد بن حنبل وخلقا كثيرًا، وكتب من التفاسير
والقراءات [2] شيئا كثيرًا، وكان صالحًا دينًا مكثرًا ثقة ثبتًا، كتب
عنه الدارقطني، وروى عنه ابن رزقويه، والبرقاني، وأبو نعيم [الأصبهاني]
. [3] أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب حدثنا أبو القاسم الحسين [4] بن
أحمد بن عثمان بن شيطا قال: حضرنا عند أبي بكر بن مسلم لنسلم عليه فقال
له بعض الحاضرين: أبقاك الله، فقال: ما أحب البقاء لأني منذ سنة لم
أحضر الجمعة، وهذه الصيفة كلها لم أنم بالليل على/ السطح [5] ، ومنذ
[6] شهر لم آكل الخبز إنما أسف الفتيت، فلست أحب الحياة وهذه حالي قال:
فانصرفنا من عنده فلم يلبث إلا يسيرًا حتى مات. توفي في ربيع الأول [7]
من هذه السنة، ودفن في [باب] [8] مقبرة الخيزران إلى جانب ابن المنادي.
2724- الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي الماسرجسي الحافظ
[9] .
رحل وسمع وكتب الكثير وفي بيته وسلفه بضع عشر محدثا، وصنف المسند
الكبير في ألف وثلاثمائة جزء مهذبا بعلله، وجمع حديث الزهري جمعا لم
يسبق إليه، وصنف المغازي، والقبائل، وأكثر المشايخ والأبواب، وخرَّج
على كتاب البخاري ومسلم، وكان ثبتًا، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع رجب من
هذه السنة.
2725- عَبْد اللَّه بْن عَدِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن
أَبُو أَحْمَد الجرجاني الحافظ
[10] .
__________
[1] في الأصل: «عبيد الله» .
[2] في الأصل: «القرآن» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أبو نعيم الحسن» .
[5] في الأصل: «سطح» .
[6] في ص، ل: «مذ» .
[7] في ل كتبت «ربيع الأول» ثم شطب على الأول فكتب «الآخر» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 283) .
[10] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 283) .
(14/244)
وُلِدَ يَوْم السبت غرة ذي القعدة سنة
سبْعٍ وستِّين، وهي السَّنَة الَّتِي مات فِيهَا أَبُو حاتم الرّازيّ،
وكان أَبُو أَحْمَد عالما بالحديث، غاية فِيهِ، وله كتاب «الكامل فِي
الجرح والتعديل» . قال حمزة السهمي: سألت الدارقطنيّ أن يصنف فِي ضعفاء
المحدثين، فَقَالَ: أليس لي عندك كتاب ابن عَدِيّ؟ قلتُ: بلى. قَالَ:
فِيهِ كفاية، لا يزاد عَلَيْهِ.
تُوُفّي ابن عَدِيّ غرة جُمَادَى الآخِرَة من هَذِهِ السَّنَة.
2726- معد بن [1] إسماعيل بن عبيد الله، أبو تميم صاحب [2] مصر.
وهو أول من ظهر منهم بالمغرب، ويلقب [3] المعز لدين الله، وتقلد الأمر
في يوم الجمعة تاسع عشرين شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، فأقام
ناظرًا ثلاثًا وعشرين سنة، وخمسة أشهر، وستة وعشرين يومًا، منها بمصر
ثلاث سنين، وكان جوهر قد دخل مصر سنة ثمان وخمسين فوطد الأمور [4] بمصر
لمعد وبنى له القاهرة وأقام له الخطبة فدخل إلى مصر سنة اثنتين وستين،
وكان بطاشا، أحضر يوما أبا بكر النابلسي الزاهد، وكان ينزل الأكواخ [5]
من أرض دمشق، فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل المسلم عشرة
أسهم وجب أن يرمي في الروم سهمًا واحدًا، وفينا تسعة. فقال: ما قلت/
[هكذا فظن أنه رجع عن قوله، فقال: كيف قلت؟] [6] قال: قلت إذا كان معه
عشرة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العاشر فيكم أيضا، فإنكم غيرتم الملة،
وقتلتم الصالحين ادعيتم [7] نور الألهية، فأمر حينئذ أن يشهر، فشهر في
اليوم الأول، وضرب بالسياط في اليوم الثاني، وأخرج في اليوم الثالث
فسلخ، سلخه رجل يهودي، وكان يقرأ القرآن ولا يتأوه. قال اليهودي:
أيداخلني له رحمة فطعنت بالسكين في فؤاده حتى مات عاجلًا.
حكى صاحب النابلسي قال: مضيت مستخفيا أول يوم فتراءيت له وهو يشهر،
__________
[1] في ت: «معبد بن إسماعيل» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 283، 284) .
[3] في ص، ل: «وتلقب» .
[4] في ص، ل: «الأمر» .
[5] في الأصل: «الأركاخ» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في ص، ل: «ادعيت» .
(14/245)
فقلت: ما هذا؟ فقال: امتحان، فلما كان
اليوم الثاني رأيته يضرب فقلت: ما هذا؟
فقال: كفارات. فلما أخرج في اليوم الثالث يسلخ، قلت: ما هذا؟ قال: أرجو
أن تكون درجات.
وكان كافور الأخشيدي قد بعث إلى هذا النابلسي بمال فرده وقال للرسول:
قل له قال الله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) 1: 5
والاستعانة به تكفي. فرد كافور الرسول إليه وقال له: اقرأ (لَهُ ما في
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى)
20: 6 [1] فأين ذكر كافور ها هنا، وهل المال إلا له فقال أبو بكر:
كافور صوفي لا نحن، فقبله.
وكان المعز مغرى بالنجوم، فحكم له، فاستشار منجميه، فأشير عليه أن يعمل
سردابًا تحت الأرض ويتوارى فيه إلى أن يجوز الوقت، فعمل على ذلك، وأحضر
قواده، وقال: قد جعلت ولدي نزارًا خليفتي مدة غيبتي، ووصى إلى ولده،
وجعل جوهر يدبره، ونزل إلى السرداب، فأقام فيه سنة، وكانت المغاربة إذا
رأت غمامًا ساريًا ترجل الفارس منهم إلى الأرض، وأومأ بالسلام تقديرا/
أن المعز فيه، ثم خرج بعد ذلك وجلس للناس، وأقام مديدة، ثم توفي في هذه
السنة [وأقام بَعْدَه ابنه ويلقب بالعزيز] [2] .
__________
[1] سورة: طه، الآية: 6.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناها من ت.
(14/246)
ثم دخلت سنة ست
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه توفي أبو علي بن بويه في المحرم، فوجد عضد الدولة طريقًا إلى ما
كان يخفيه من قصد العراق.
وفي ليلة الثلاثاء، لست بقين من جمادى الأولي: نقلت بنت عز الدولة زوجة
الطائع إليه.
وبلغت زيادة دجلة في رمضان، وهو الخامس والعشرين من نيسان: أحد وعشرين
ذراعا، وانفجر بالزاهر بثق وبباب التبن آخر.
وفي شوال: ورد أبو بكر محمد بن علي بن شاهويه صاحب القرامطة إلى الكوفة
ومعه ألف رجل منهم، وأقام الدعوة بها وبسوراء والنيل [1] للطائع للَّه
ولعضد الدولة، وكانت وقعة بين عضد الدولة وعز الدولة، فأسر فيها غلام
تركي لعز الدولة لم يكن من قبل بأحظى غلمانه، ولا بأقربهم منه، فجن
عليه جنونًا، وحزن عليه حزنا شديدًا، وتسلى عن كل شيء إلا عنه، وزال
تماسكه، واطرح القرار، وامتنع من المطعم والمشرب، وانقطع إلى البكاء،
واحتجب عن الناس، وكان إذا وصل إليه وزيره أو قواده قطعهم بالشكوى، لما
حل به، وحرم على نفسه الجلوس في الفرش والمخاد، وكتب إلى عضد الدولة
يسأله رد الغلام [إليه] [2] وكتب إلى خواصه المطيفين به يسألهم
__________
[1] في ص: «والنيل الطاعة للطائع» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/247)
معونته [1] على ما رغب إليه فيه، فصار ضحكة
بين الناس، وعاتبه الخلق، فما ارعوى، وأنفذ الشريف أبا أحمد الحسين بن
موسى رسولًا إليه في هذا الأمر، وبذل له [على يده] [2] فدية الغلام
جاريتين عوادتين لم يكن لهما نظير، وكان [3] قد بذل له في إحداهما مائة
ألف، فأبي أن يبيعها، وقال له: إن وقف عليك هذا الأمر في الفداء فزد ما
ترى، ولا تفكر فيما بيني وبين عضد الدولة إلا في هذا الغلام، فقد رضيت
أن آخذه وأمضي إلى أقصى الأرض. فلما أدى الرسالة أمر عضد الدولة برد
الغلام.
في هذه السنة: حج بالناس [4] أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين محمد بن
عبيد الله [5] العلويّ، وكذلك إلى سنة ثمانين وثلاثمائة.
وفي هذه السنة [6] خطب للمغاربة في مدينة سيدنا [7] رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وكان في حاج هذه السنة جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن
حمدان، وكان معها أخواها إبراهيم [8] ، وهبة الله، فضرب بحجها المثل،
فإنها استصحبت أربعمائة جمل عليها محامل عدة، ولم يعلم في أيها كانت،
ونثرت على الكعبة حين شاهدتها عشرة آلاف دينار من ضرب أبيها، وكست
المجاورين بالحرمين، وأنفقت الأموال الجزيلة، وقتل أخوها في الطريق،
فتصدقت بدمه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2727- إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم، أبو عمر السلمي
[9] .
__________
[1] في الأصل: «مؤنته» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «وكان» سقطت من ص، ل.
[4] «وحج بالناس» زيادة في الأصل والتصحيح من: ص، ل، ت.
[5] في الأصل: «عبد الله» .
[6] في ص، ل، ت: «وفيها» .
[7] «سيدنا» سقطت من ص، ل.
[8] في المطبوعة: «إبراهيم» .
[9] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 288) .
(14/248)
صحب أبا عثمان ولقي الجنيد، وسمع الحديث،
ورواه وكان ثقة، وتوفي في هذه السنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، أنبأنا أبو بكر بن خلف أخبرنا أحمد بن
ثابت [1] أَخْبَرَنَا أبو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ: سمعت جدي
إسماعيل بن نجيد يقول: من تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب.
أنبأنا زاهر بْن طاهر، أَخْبَرَنَا أحمد بْن الحسين البيهقي، حدثنا أبو
عبد الله الحاكم، قَالَ: سمعت أبا سعيد بْن أبي بكر بْن أبي عثمان
يقول: كان جدي طلب شيئًا لبعض الثغور، وتأخر ذلك عنه، وضاق به ذرعًا
وبكى على رءوس الناس، فجاءه أبو عمرو/ بن نجيد بعد العتمة، ومعه كيس
فيه ألفا درهم، فقال: تجعل هذا في الوجه الذي تأخر، ففرح أبو عثمان
بذلك ودعا له فلما جلس أبو عثمان قال: أيها الناس، قد رجوت لأبي عمرو
مما فعل، فإنه ناب عن الجماعة في ذلك الأمر، وحمل كذا وكذا فجزاه الله
عني خيرًا، فقام أبو عمرو على رءوس الناس فقال: إنما جعلت ذلك من مال
أمي، وهي غير راضية، فينبغي أن يرد عليَّ لأرده [2] إليها، فأمر أبو
عثمان بذلك الكيس، فأخرج ورده إليه على رءوس الناس، وتفرق الخلق، فلما
جن عليه الليل جاء إلى أبي عثمان في مثل ذلك الوقت، وقال: يمكن أن يجعل
هذا في ذلك الوجه من حيث لا يعلم به غيرنا، فبكى أبو عثمان، وكان بعد
ذلك يقول: أنا أخشى من همر أبي عمرو.
2728- الحسن [3] بن بويه أبو علي ركن الدولة.
[قال المؤلف] [4] : قد ذكرنا أنه قسم الممالك [5] بين أولاده الثلاثة،
توفي عن قولنج عرض له في ليلة السبت ثامن عشرين محرم هذه السنة، وكانت
إمارته أربعا
__________
[1] «أخبرنا أحمد بن ثابت» سقطت من ص، ل.
[2] في الأصل: «غير راضية وأنا أحب أن ترد عليّ أرده إليها» .
[3] في كل النسخ: «الحسين» . انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/
284، 285، 288) .
[4] ما بين المعقوفتين من ت فقط.
[5] في ص، ل: «المملكة» .
(14/249)
وأربعين سنة، وشهر وتسعة أيام، ومدة عمره
ثمانًا وسبعين سنة.
2729- الحسين بن أبي النجم بدر بن هلال المؤدب
[1] .
روى عن أبي مزاحم الخاقاني. روى عنه أبو العلاء الواسطي، وكان مؤدب [2]
الطائع للَّه، خرج معه إلى الأهواز، فتوفي في هذه السنة، وكان ثقة،
جميل الأمر.
2730- محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أفلح بن رافع بن إبراهيم بن أفلح بن
عبد الرحمن بن عبيد بن رفاعة بن رافع أبو الحسن الأنصاري الزرقي
[3] .
وكان رفاعة بْن رافع [4] أحد النقباء عقبّيًا شهد أحدًا [5] مَعَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وكان/ محمد بن إسحاق نقيب
الأنصار ببغداد، وحدث عن البغوي وغيره. قال محمد ابن أبي الفوارس: كان
ثقة.
وعن أبي الحسن بن الفرات قال: كان محمد بن إسحاق الزرقي ثقة، جميل
الأمر، حافظًا لأمور الأنصار ومناقبهم ومشاهدهم، وقد كتبت عنه شيئًا
يسيرًا، وذكر لي أن كتبه تلفت، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وستين
وثلاثمائة، ودفن في مقابر الأنصار عند أبيه.
2731- محمد بن جعفر بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن كنانة، أبو بكر،
المؤدب
[6] .
حدّث عن أبي مسلم الكجي، وأبي العباس الكديمي.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: أخبرني أَحْمَد بن علي بن المحتسب،
أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال: محمد بن المؤدب لم يكن عندي بذاك، كان
فيه تساهل.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 25) .
[2] في ص، ل، ت: «يؤدب» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 259، والبداية والنهاية 11/ 288)
.
[4] «بن رافع» سقطت من ص، ل.
[5] في الأصل: «شهد العقبة» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 151) .
(14/250)
قال الخطيب: وحدثت عن أبي الحسن بن الفرات
قال: توفي أبو بكر بن المؤدب في جمادى الأولى سنة ست وستين وثلاثمائة،
وكان قريب الأمر.
2732- محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسن [1] السراج
[2] .
سمع يوسف بن يعقوب القاضي، وأبا شعيب الحراني، وأبا جعفر الحضرمي،
وغيرهم، وكان شديد الاجتهاد في العبادة وكان يشبه بأبي يونس البغوي [3]
صلى حتى أقعد، ثم بكى حتى عَمِيَ، وتوفي يوم عاشوراء من هذه السنة [4]
.
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسين» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 288) .
[3] في ص، ل، والمطبوعة: «القوى» .
[4] في ص، ل: «في هذه السنة» .
(14/251)
ثم دخلت سنة سبع
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[وفاة القرمطي صاحب هجر]
أنه ورد الخبر في صفر إلى الكوفة بوفاة. أبي يعقوب يوسف بن الحسن
الجنابي [القرمطي] [1] صاحب هجر، فأغلقت أسواق الكوفة ثلاثة أيام.
وفي ربيع الأول: زلزلت بغداد.
وفي ربيع الآخر: عبر عز الدولة إلى الجانب الغربي على جسر عقده، ودخل
[2] إلى قطربُّل، وتفرق عنه ديلمته [3] ، ودخل أوائل أصحاب عضد الدولة،
ثم نزل عضد الدولة بالخيم في الشفيعي، وخرج الطائع متلقيا له، وضربت
القباب/ المزينة، ودخل البلد، ثم خرج عضد الدولة ومعه الطائع، ليقاتل
عز الدولة بختيار، فلما أراد الخروج دخل عليه أبو علي الفارسي فقال له:
ما رأيك في صحبتنا؟ فقال: أنا من رجال الدعاء لا اللقاء فخار الله
للملك في عزيمته وأنجح قصده في نهضته، وجعل العافية زاده والظفر تجاهه،
والملائكة أنصاره، ثم إنه أنشأ يَقُولُ [4] :
ودعته حيث لا تودعه ... نفس ولكنها تسير معه
ثم تولي وفي الفؤاد له ... ضيق محل وفي الدموع سعه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ورحل» .
[3] في ص: «ديلمه» .
[4] في ص، ل: «ثم أنشد» .
(14/252)
فقال: لَهُ [1] عضد الدولة: بارك الله فيك،
فأني أثق بطاعتك، وأتيقن صفاء طويتك، وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس:
قالوا له إذ سار جانبه [2] ... فبدلوه البعد بالقرب
والله ما شطت نوى ظاعن ... سار من العين إلى القلب
فدعا له أبو علي، وقال: ائذن [3] مولانا في نقل هذين البيتين، فأذن له
فاستملاهما منه، فلما خرج للقتال التقوا فأخذ عز الدولة أسيرًا، وقتل،
ثم ركب بعد ذلك عضد الدولة إلى دار الطائع للَّه في يوم الأحد لتسع
خلون من جمادى الأولي، ومعه أصناف الجند، والأشراف والقضاة والشهود
والأماثل، والوجوه، فخلع عليه الخلع السلطانية، وتوجه بتاج مرصع
بالجوهر، وطوقه وسوره وقلده/ سيفًا وعقد له لوائين بيده أحدهما مفضفض
على رسم الأمراء، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا
اللواء الثاني لغيره قبله، ممن يجري مجراه، ولقبه: تاج الملة، مضافا
إلى عضد الدولة، وكتب له عهدًا، وقرئ العهد بحضرته، ولم تجر العادة
بذلك، وإنما كانت العهود تدفع إلى الولاة بحضرة الخلفاء، فإذا أخذه
الرجل منهم قال له: هذا عهدي إليك، فاعمل [به] [4] وحمله على فرس بمركب
ذهب، وقاد بين يديه آخر بمركب مثله، فخرج وجلس في الطيار إلى داره،
وجلس من الغد بالخلع والتاج على السرير للهناء، وتقدم بإخراج عشرين ألف
درهم في الصدقات، ففرقت على سائر الملل، وبعث إليه الطائع هدايا كثيرة
طريفة، فبعث هو خمسمائة جمل، وحمل خمسين ألف ألف دينار، وألف ألف درهم،
وخمسمائة ثوب أنواعًا وثلاثين صينية فضة فيها العنبر والمسك والنوافح.
وفي شهر رمضان: وردت المدود العظيمة بسامراء [5] فقلعت سكر السهلية،
وتناهت زيادة دجلة حتى انتهت إلى إحدى وعشرين ذراعا، وانفجر بالزاهر من
الجانب
__________
[1] «له» سقطت من ص، ل.
[2] في الأصل، ص: «أحبابه» وفي ل: «حبابة» .
[3] في ل: «أيأذن» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص، ل: «بتامرا» .
(14/253)
الشرقي بثق غرق الدور والشوارع، وانفجر بثق
من الخندق غرق مقابر باب التبن، وقطيعة أم جعفر، وخرج سكان الدور
الشارعة على دجلة منها، وغار الماء من آبارها وبلاليعها، وأنقم [1]
الناس نفوسهم خوفًا من غرق البلد كله، ثم نقص الماء/.
وفي يوم الأحد سابع ذي القعدة كانت بسيراف زلزلة هدمت المنازل، وأتت
على ما فيها من الأموال، وهلك بها أكثر من مائتي إنسان.
وفي هذه السنة. جرت لأبي الحسين بن سمعون قصة عجيبة مع عضد الدولة.
أخبرنا بها أبو الحسن [2] علي بن المعافى الفقيه قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّازُ قال:
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي
أجازة قال:
حدثنا أبو الحسن علي بن نصر بن الصباح قال: حدثنا أبو الثناء شكر
العضدي قال:
دخل عضد الدولة إلى بغداد، وقد هلك أهلها قتلًا وحرقًا وجوعًا للفتن
التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص يغرون
بعضهم ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم، وأخذ أموالهم، فنادى في البلد لا
يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب رسول الله
صلَّى اللَّه عليه وسلم ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح
دمه. فرفع إليه في الخبر أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ جلس على كرسيه
يوم الجمعة في جامع المنصور، وتكلم على الناس، فأمرني أن أنفذ إليه من
يحصله عندي، ففعلت فدخل على رجل له هيبة، وعلى وجهه نور، فلم أملك أن
قمت إليه، وأجلسته إلى جانبي، فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث، وأشفقت
والله أن يجري عليه مكروه على يدي، فقلت: أيها الشيخ، إن هذا الملك جلد
عظيم، وما كنت أوثر مخالفة أمره، وتجاوز رسمه، والآن فأنا موصلك إليه،
فكما تقع عينك عليه، فقبل التراب وتلطف في/ الجواب، إذا سألك واستعن
الله عليه [3] فعساه يخلصك منه.
فقال: الخلق والأمر للَّه عزَّ وجل، فمضيت به إلى حجرة في آخر الدار قد
جلس فيها الملك منفردًا خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه
غلظ، فتسير به
__________
[1] في ل، ص: «وانهمّ» .
[2] في الأصل: «أبو الحسين» .
[3] في الأصل: «واستغفر فعساه» .
(14/254)
الركبان [1] ، فلما دنوت من الحجرة وقفته
وقلت له: إياك أن تبرح من مكانك حتى أعود إليك [2] ، وإذا سلمت فليكن
بخشوع وخضوع.
ودخلت لأستأذن له، فالتفت فإذا هو واقف إلى جانبي [3] ، قد حول وجهه
نحو دار بختيار، واستفتح وقرأ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) 11: 102 [4] . ثم حول وجهه نحو الملك، وقال
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ
فِي الْأَرْضِ من بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) 10: 14
[5] وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك، وما رأيت ذلك منه قط،
وترك كمه على وجهه، وتراجع أبو الحسين، فخرج ومضى إلى حجرتي فقال
الملك: امض إلى بيت المال، وخذ ثلاثة آلاف درهم، وإلى خزانة الكسوة وخذ
منها عشرة أثواب، وادفع الجميع إليه، فإن امتنع فقل له: فرقها في فقراء
[6] أصحابك، فإن قبلها فجئني برأسه، فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه
على يدي، ففعلت وجئته بما أمر، وقلت له:
مولانا يقرئك السلام، وقال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك، والبس هذه
الثياب، فقال لي: إن هذه الثياب التي عليَّ مما قطعه لي أبي منذ أربعين
سنة، ألبسها يوم [خروجي إلى الناس، وأطويها عند انصرافي عنهم] [7]
وفيها [متعة] [8] وبقية ما بقيت، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي، فما
أصنع بهذا؟ قلت: هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء [9] . أصحابك. فقال: ما
في أصحابي فقير، وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي، فليفرقه عليهم. فعدت
فأخبرته، فقال: الحمد للَّه الذي سلمه منا، وسلمنا منه.
__________
[1] في الأصل: «الركاب» .
[2] «إليك» سقطت من ص، ل.
[3] في الأصل: «إلى جانبي واقف» .
[4] سورة هود، الآية: 102.
[5] سورة: يونس، الآية: 14.
[6] في الأصل: «فرقها على أصحابك» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/255)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
2733- إبراهيم/ بن محمد بن أحمد بن محمويه، أبو القاسم النّصرآباذي
أباذي [1] النيسابورىّ
[2] :
منسوب إلى نصرآباذ بنيسابور، وهي محلة من محالها، وكذلك أبو نصر [3]
النّصرآباذي أباذي [4] الفقيه وجماعة.
وثم آخر يقال له أبو عمرو محمد بن عبد الله النّصرآباذي أباذي منسوب
إلى نصرآباذ [من] [5] الري، كبير القدر يروي الحديث، فأما أبو القاسم،
فإنه سمع الحديث الكثير من جماعة منهم: مكحول البيروتي، وكان ثقة
عالمًا بالحديث، روى عنه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الله الحاكم،
وأبو العلاء الواسطي، وصحب الشبلي، وجاور بمكة، وتوفي بها في هذه
السنة.
2734- بختيار أبو منصور الملك عز الدولة بن معز الدولة أبي الحسين
[أحمد] [6] بن بويه
[7] .
ملك بعد موت أبيه، وكان أحسن الناس وأشدهم جسمًا وقلبًا، وكان يصرع
الثور الجلد بيديه من غير أعوان ولا حبال، يقبض على قوائمه ويطرحه إلى
الأرض حتى يذبح، وكان من قوة القلب على جانب [8] عظيم يبارز الأسود في
متصيداته، وخلع المطيع عليه وطوقه وسوره، وكتب عهده، فطمع ابن عمه عضد
الدولة في مملكة بغداد، فخاصمه فقتل بختيار، وكان سنه يومئذ ستا
وثلاثين سنة، وكانت مدة إمارته إحدى عشرة سنة وشهورا.
__________
[1] في الأصل: «البصرآبادي» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 169) .
[3] في ص: «أبو الحسين» .
[4] في الأصل: «البصراباذي» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 291) .
[8] في ص، ل: «على أمر» .
(14/256)
2735- عبيد الله [1] بن عبد الله بن محمد
بن أبي سمرة، أبو محمد [2] البندار، بغوي الأصل
[3] .
سمع الباغندي، روى عنه البرقاني وقال: ثقة أمين، له معرفة وحفظ، وتوفي
في ربيع الآخر من هذه السنة.
2736- عثمان بن الحسن بن علي بن محمد، أبو يعلى الوراق، ويعرف بالطوسي
[4] .
سمع البغوي، وابن أبي داود، روى عنه البرقاني، وقال: كان ذا معرفة وفضل
له تخريجات وجموع، وهو ثقة، توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
2737- محمد [5] بن أحمد بن عبد الله [بن نصر بن بجير] [6] أبو طاهر
الذهلي القاضي
[7] .
ولد سنة تسع وتسعين ومائتين/، وسمع أبا شعيب الحراني، ويوسف بن يعقوب،
وثعلبًا، وغيرهم، وولي القضاء بواسط، ثم بمدينة المنصور وبالشرقية،
وكان على مذهب مالك، حدَّث ببغداد، وسمع منه الدارقطني، وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي [بن ثابت] [8] الحافظ أنبأنا إبراهيم بن مخلد، أنبأنا إسماعيل
بن علي الخطبي قال: صرف الحسين بن عمر بن محمد القاضي عن قضاء مدينة
المنصور، وولي مكانه أبو طاهر، فشهد عند قاضي القضاة عمر بن محمد، وله
خاصة به، ثم ولاه القضاء بواسط إلى أن توفي عمر وأقام على حاله مدة، ثم
عزله بجكم عند دخوله الى [9] واسط ونكبه وصار إلى بغداد، وأقام
__________
[1] في ت: «عبد الله» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 358) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 307) .
[5] في الأصل: «محمد بن نصر» خطأ.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 313) .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، و «الحافظ» سقطت من ص، ل، ت.
[9] «إلى» سقط من ص، ل، ت.
(14/257)
في منزله، ثم ولي قضاء المدينة وأعمالها،
وكان حسن الستر، جميل الأمر.
وقال الصوري: كان أبو طاهر قاضيًا بمصر، وبها توفي سنة سبع وستين
وثلاثمائة استعفى من القضاء قبل موته.
2738- محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن عيسى بن يقطين، أبو جعفر البزاز
[1] .
سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب، وأبا يعلى الموصلي، والباغندي،
والبغوي، وسافر وكتب بالجزيرة والشام وغيرهما من البلدان، فأكثر وكان
صدوقا فهما، روى عنه أبو نعيم الأصبهاني وغيره، قال أبو الحسن بن
الفرات: كان أبو جعفر ثقة وانتقى عليه من الحفاظ عمر البصري، وابن
المظفر، والدارقطني، وتوفي يوم الأربعاء/ ودفن يوم الخميس رابع عشرين
ربيع الآخر من هذه السنة.
2739- محمد بن عبد الرحمن، أبو بكر القاضي، المعروف بابن قريعة
[2] .
روى عن أبي بكر ابن الأنباري، ولا يعرف له مسند من الحديث، وكان حسن
الخاطر، يأتي الكلام مسجوعا مطبوعًا من غير تعمد، ولاه أبو السائب عتبة
بن عبيد الله القاضي قضاء السندية وغيرها من أعمال الفرات، ومشى يومًا
مع ابن معروف القاضي فدخلا دربا فتأخر، ثم قال لابن معروف: إن تقدمت
فحاجب، وإن تأخرت فواجب، وزحمه يومًا حمار عليه راكب فقال:
يا خالق الليل والنهار ... صبرًا على الذل والصغار
كم من جواد بلا حمار ... وكم من [3] حمار على حمار
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بن علي بن ثابت قال: حدثني منصور بن ربيعة الزهري قال: سمعت أبا طاهر
العطار قاضي الدينور يقول: سمعت أبا سعيد السمرقندي يقول: كان ببغداد
قائد يلقب بالكينا كنيته أبو إسحاق، وكان يخاطب ابن قريعة بالقاضي،
فندر منه يومًا في المخاطبة أن قال لابن قريعة: يا أبا بكر. فقال له
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 211) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 317، والبداية والنهاية 11/ 292)
.
[3] في ص، ل: «ومن حمار» .
(14/258)
ابن قريعة: لبيك يا أبا إسحاق! فقال
القائد: يا هذا إنما بكركتك إذا قضيتنا فإذا بكركتنا فسحقناك [1] فقال
القائد: ويلاه، هذا أفضح من الأول.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] أَخْبَرَنَا
[أَحْمَدُ بن علي قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن أبي الحسن قال: أنشدني أبو
العباس] [2] أحمد بن علي النحوي قال سمعت ابن قريعة ينشد:
لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقول ... فحيلتي فيه قليلة/
توفي ابن قريعة [ليلة السبت] [3] لعشر بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ
السنة، عن خمس وستين سنة.
__________
[1] في تاريخ بغداد 2/ 320: «إنما يكون بكورك إذا قضيتنا، فإذا بكرتنا
تسحقناك» .
وفي ص، ل، ت: «تسحقناك» وفي الأصل: «إنما بكوكتك» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/259)
ثم دخلت سنة ثمان
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[تقدم الطائع بأن تقام الخطبة لعضد الدولة]
أن الطائع تقدم في شعبان بأن تقام الخطبة لعضد الدولة على منابر الحضرة
تالية للخطبة له، فوقع الابتداء بذلك في يوم الجمعة لتسع بقين منه،
وبأن تضرب على بابه ببغداد الدبادب في أوقات الصلوات الثلاث: الغداة،
والمغرب، والعشاء وهذان الأمران [1] لم يكونا من قبل ولا أطلقا لولاة
العهود، ولا خطب [2] بحضرة السلطان إلا له، ولا ضربت الدبادب إلا على
بابه، وقد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام، وسأل
المطيع للَّه ذاك، فلم يأذن له، ودخل عضد الدولة داره بمدينة السلام
عائدًا من الموصل، وتلقاه الطائع بقطربل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر.
2740- أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن عبد الله، أبو بكر
القطيعي
[3] .
ولد في محرم سنة أربع وسبعين ومائتين، وأبوه يكنى: أبا الفضل، وحمدان
لقب، وإنما اسمه أحمد، وكان يسكن قطيعة الدقيق فنسب إليها، سمع أبو بكر
من
__________
[1] في ص، ل، ت: «أمران» .
[2] في الأصل: «ولا للخلفاء ولاة العهود ولا خطب» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 73، والبداية والنهاية 11/ 293) .
(14/260)
إبراهيم بن إسحاق، وإسحاق بن الحسن
الحربيين، وبشر بن موسى، والكديمي، والكجي، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم،
وكان كثير الحديث ثقة، روى عن عبد الله بن أحمد «المسند» و «الزهد» و
«التاريخ» ، و «المسائل» وغير ذلك.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين [1] بن
بكير/ قال: سمعت أبا بكر بن مالك القطيعي يقول: كانت والدتي بنت أخي
[أبي] [2] عبد الله بن الجصاص، وكان عبد الله بن أحمد يجيئنا فيقرأ
علينا ما نريد، وكان يقعدني [3] في حجره حتى يقال له: يؤلمك؟ فيقول:
إني أحبه.
قال المصنف رحمه الله: لما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق بعض كتبه
فاستحدث عوضها، فتكلم فيه بعضهم، وقال: كتب من كتاب ليس فيه سماعه،
ومثل هذا لا يطعن به عليه، لأنه لا يجوز أن تكون تلك الكتب قد قرئت
عليه، وعورض بها [4] أصله.
وقد روى عنه الأئمة كالدارقطني، وابن شاهين، والبرقاني، وأبي نعيم،
والحاكم، ولم يمتنع أحد من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: لما اجتمعت بأبي عبد الله الحاكم
ذكرت ابن مالك ولينته، فأنكر علي وقال: ذلك [5] شيخي، وحَسَّنَ حاله.
وقد حكى عن أبي الحسن بن الفرات أنه قال: تغير ابن مالك في آخر عمره،
فكان لا يعرف شيئا مما قرئ عليه، وتوفي في هذه السنة، ودفن فِي مقابر
باب حرب قريبًا من قبر الإمام أحمد [بن حنبل]
[6] .
__________
[1] في ص: «بن الحسن» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وكانت والدتي» .
[4] في الأصل: «ويجوز برمها» .
[5] في الأصل: «ذاك» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/261)
2741- تميم بن المعز
[1] قد ذكرنا أن المعز أول من ظهر من المغرب [2] [على ديار مصر] [3]
وكان له أولاد منهم تميم [هذا] [4] وكان في تميم فضل، ووفاء، [5] وكرم،
وفصاحة، وله شعر حسن.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن
أبي نصر الحميدي، قال: حدثني أبو محمد علي بن أبي عمر اليزيدي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الواحد الزبيري قال:
حدثني أبو علي الحسن بن الأشكري المصري قال: كنت من جلاس [6] الأمير
تميم بن المعز، وممن غلب عليه جدًا، فبعث [بي] [7] إلى بغداد فاشتريت
له جارية رائعة من أفضل ما وجد في الحسن والغناء، فلما وصلت إليه أقام
دعوة لجلسائه وأنا فيهم، ثم وضعت الستارة وأمرها بالغناء فغنت/:
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه
وفي غير هذه الرواية زيادة:
فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرًا إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
قال: أحسنتِ، وطرب تميم، وكل من حضر، ثم غنت.
سَيُسْلِيكَ عما فات أول مفضل ... أوائله محمودة وأواخِرُهْ
ثنى الله عطفيه وألف شخصه ... على البِرِّ مُذْ شدت عليه مآزره
__________
[1] في المطبوعة: «المغز» . انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/
293) .
[2] في الأصل: «بالمغرب» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وقار» .
[6] في الأصل: «ممن جالس» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/262)
فطرب الأمير تميم، ومن حضر طربا شديدًا، ثم
غنت:
أستودع الله في بغداد لي قمرًا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب تميم، وأفرط جدًا ثم قال لها: تَمَنَّيْ ما شئت فلك مناك.
فقالت:
أتمنى عافية الأمير وبقاءه، فقال: وو الله لا بد لك أن تتمني. فقالت:
علي الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال: نعم. فقالت: أتمنى أن أغني
هذه النوبة ببغداد. فاستنقع لون تميم، وتغير لونه، وتكدر المجلس، وقام
وقمنا كلنا.
قال ابن الأشكري فلحقني بعض خدمه وقال لي: ارجع، فالأمير يدعوك.
فرجعت فوجدته جالسًا ينتظرني، فسلمت وجلست بين يديه، فقال: [ويحك] [1]
أرأيت ما امتحنا به. قلت: نعم أيها [2] الأمير. قال: لا بد من الوفاء
لها وما أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هناك/
فاصرفها فقلت: سمعًا وطاعة، قال: ثم قمت وتأهبت، وأمرها [3] بالتأهب،
وأصحبها جارية له سوداء تعاد لها وتخدمها، وأمر بناقة ومحمل فأدخلت
فيه، وحملها معي، ثم سرت إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا [4] ثم دخلنا
في قافلة العراق، وسرنا فلما وردنا القادسية أتتني السوداء عنها فقالت:
تقول لك سيدتي أين نحن، فقلت لها: نحن نزول بالقادسية. فانصرفت إليها
فأخبرتها، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد تدافع [5] بالغناء:
لما وردنا القادسية ... حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجاز ... نسيم أرواح العراق
أيقنت لي ولمن أحب ... بجمع شمل واتفاق
وضحكت من فرح اللقاء ... كما بكيت من الفراق
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيذي باللَّه، أعيذي باللَّه. قال:
فما سمع لها كلمة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «إيه» .
[3] في الأصل: «وأمر لها» .
[4] في الأصل: «الحج» .
[5] في ل، ت: «تدافع بالغناء» .
(14/263)
قال: ثم نزلنا بالياسرية، وبينها وبين
بغداد قرب في بساتين متصلة، ينزلها الناس فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون
لدخول بغداد فلما كان قريب [1] الصباح إذا بالسوداء قد أتتني [2]
مذعورة فقلت: مالك؟ فقالت: إن سيدتي ليست حاضرة، فقلت: وأين هي؟
قالت: والله ما أدري. قال: فلم أحس لها أثرًا بعد، ودخلت بغداد وقضيت
حوائجي منها، وانصرفت إليه، فأخبرته الخبر، فعظم ذلك عليه، واغتم له،
ثم ما زال بعد ذلك ذاكرا لها واجمًا عليها.
2742- الحسن بن عبد الله بن المرزبان، أبو سعيد السيرافي النحوي القاضي
[3] .
سكن بغداد، وولي القضاء بها، وحدث بها عن جماعة [4] عن عبد الله بن
محمد [5] بن زياد، وأبي بكر بن دريد/ وغيرهما، وكان أبوه مجوسيا واسمه
بهزاد [6] ، فسماه أبو سعيد عبد الله.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي
بن الحسن يذكر أن أبا سعيد السيرافي النحوي [7] كان يدرس القرآن،
والقراءات وعلوم القرآن، والنحو، واللغة، والفقه، والفرائض، والكلام،
والشعر، والعروض، والقوافي، والحساب، وذكر علومًا سوى هذه، وكان من
أعلم الناس بنحو البصريين، وينتحل مذهب أهل العراق في الفقه، وقرأ على
أبي بكر بن مجاهد القرآن، وعلى ابن دريد اللغة ودرسا جميعًا عليه
النحو، وقرأ على أبي بكر بن السراج، وعلى أبي بكر المبرمان [8] النحو،
وقرأ أحدهما عليه القرآن، ودرس الآخر عليه الحساب، وكان زاهدًا لا يأكل
إلا من كسب يده- فذكر جدي أبو الفرج عنه أنه كان لا يخرج إلى مجلس
__________
[1] في الأصل: «قرب» .
[2] في ص، ل، ت: «بالسوداء أتتني» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 341، والبداية والنهاية 11/ 294)
.
[4] «عن جماعة» سقطت من ص، ل، ت.
[5] في الأصل: «محمد بن عبد الله» .
[6] في الأصل: «بهزاد» .
[7] «النحويّ» سقطت من ص، ل، ت.
[8] في الأصل: «البرمان» .
(14/264)
الحكم العزيز [1] ولا إلى مجلس التدريس في
كل يوم إلا بعد أن ينسخ عشر ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم تكون قدر
مؤنته ثم يخرج.
وقال ابن أبي الفوارس: كان يذكر عنه الاعتزال، ولم نره يظهر من ذلك
شيئًا، وكان نزهًا عفيفًا، توفي في رجب هذه السنة، عن أربع وثمانين
سنة ودفن في مقبرة الخيزران.
2743- عبد الله بن إبراهيم بن يوسف، أبو القاسم الزنجاني ويعرف
بالأبندوني
[2] .
وهي قرية من قرى جرجان أحد الرحالين في طلب العلم والحديث إلى
البلاد، وكان رفيق أبي أحمد بن عدي الحافظ، وسكن بغداد، وحدث عن
أبي يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان، وابن خزيمة، وغيرهم، روى عنه
البرقاني وغيره/ وكان ثقة ثبتا مصنفًا.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: سمعت البرقاني ذكر الأبندوني
قال: كان محدثا قد أكل ملحه، وكان زاهدا ولم يكن يحدث غير واحد
منفرد، فقيل له في ذلك، فقال: أصحاب الحديث فيهم سوء أدب، فإذا
اجتمعوا للسماع تحدثوا، وأنا لا أصبر على ذلك. قال البرقاني: ودفع
إليَّ يومًا قدحًا فيه كسر يابسة، وأمرني أن أحمله إلى الباقلاوي
ليطرح عليه ماء الباقلاء، ففعلت ذلك، فلما ألقي الباقلاوي الماء في
القدح من الباقلاء ثنتان، أو ثلاث، فَقَالَ: فبادر الباقلاوي إلى
رفعها فقلت له: ويحك، ما مقدار هذا حتى ترفعه من القدح، فقال: هذا
الشيخ يعطيني في كل شهر دانقًا حتى أبل له الكسر اليابسة، فكيف
أدفع إليه الباقلاء مع الماء، وجعل البرقاني يصف أشياء من تقلله
وزهده، وقال: كان سيدا في المحدثين، توفي الآبندوني [3] في جمادى
الأولى، من هذه السنة.
2744- عبد الله بن ورقاء أبو أحمد الشيبانيّ
[4] .
__________
[1] «العزيز» سقطت من ص، ل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 407، والبداية والنهاية 11/
294) .
[3] «الأبندوني» سقطت من ص، ل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 294) .
(14/265)
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: كان أبو
أحمد الشيباني من أهل البيوتات وأسرته كانوا من أهل الثغور.
أنشدنا القاضي أبو علي قال: أنشدنا الأمير أبو أحمد ابن ورقاء قال:
أنشدنا ثعلب قال: أنشدني ابن الأعرابي لأعرابي في صفة النساء:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أيجمعن ضعفا واقتدارًا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
توفي أبو أحمد فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ،
وقد بلغ تسعين سنة.
2745-/ عبد الله بن الحسن بن سليمان، أبو القاسم المقرئ، المعروف
بابن النحاس
[1] .
ولد سنة تسعين ومائتين، وسمع أحمد بن الحسن الصوفي، والبغوي، وابن
أبي داود. روى عنه أبو بكر بن مجاهد، وأبو الحسن الحمامي،
والبرقاني، وكان ثقة من أهل القرآن، والفضل، والخير، والعفاف [2]
والستر، والعقل، الحسن، والمذهب الجميل. توفي في ذي القعدة من هذه
السنة.
2746- عيسى بن حامد بن بشر [3] بن عيسى، أبو الحسن القاضي، ويعرف:
بابن بنت القنبيطي
[4] .
سمع جعفر الفريابي، وابن جرير الطبري، وكان أحد أصحابه، وكان ثقة
جميل الأمر، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
2747- محمد بن أحمد ابن إبراهيم، أبو الحسن الشافعي
[5] .
سمع محمد بن عثمان بن أبي شيبة، توفي في يوم الخميس في جمادى
الأولى من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 438) .
[2] «والعفاف» سقطت من ص، ل.
[3] في الأصل: «بن بسق» .
[4] في ص، ل: «ابن أخت القنبيطي» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد
11/ 178) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 271) .
(14/266)
2748- محمد بن إسحاق بن محمد بن إبراهيم،
أبو الحسين السختياني
[1] .
سمع أبا العباس الثقفي وأقرانه [2] وكان من العباد المجتهدين، وكان
يحج ويغزو، ولا يعلم بذلك أهل بلده، فإذا سئل عن غيبته لم يحدث
بذلك، وتوفي في رجب هذه السنة وهو ابن ست وستين سنة.
2749- محمد بن عيسى [بن محمد] [3] بن عبد الرحمن، أبو أحمد الجلودي
[4] .
روى عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم «صحيحه» وكان من الزّهاد،
كان يورق ويأكل من كسب يده، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وهو
ابن ثمانين سنة.
2750- محمد بن محمد ابن يوسف، أبو بكر اللحياني المقرئ
[5] .
نزل نيسابور، وادعى دعاوى في القراءات.
أنبأنا زاهر بن طاهر، أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ،
وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ قالا: أخبرنا الحاكم أَبُو عَبْد
اللَّه قَالَ: سمعت أبا بكر بن الإمام/ يقول: قلت لأبي بكر
اللحياني:
على من قرأت بالعراق: فقال: على أبي بكر بن مجاهد، فقلت: قرأت عليه
قبل أن يخضب، أو بعد أن خضب؟ قال: قرأت عليه، وقد خضب، قال: قلت:
فقرأت عليه قبل أن يأخذ العصا بيده، أو بعد أن أخذ العصا بيده [6]
قال: كان لا يخرج إلا والعصا بيده، قال: فقلت يا هذا، فو الله
الّذي لا اله إلا هو ما خضب أبو بكر بن مجاهد ولا أخذ العصا بيده
قط [7] .
__________
[1] السختياني: هذه النسبة إلى عمل السختيان وبيعها وهي الجلود
الضأنية ليس بأدم. (الأنساب 7/ 53) .
[2] «وأقرانه» سقطت من ص، ل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 11/ 294) .
[5] في ل: «المزني» .
[6] «أو بعد أن أخذ العصا بيده» سقطت من ص، ل.
[7] في الأصل: «والله ما أخذ العصا أبو بكر بيده وما خضب قط» .
(14/267)
ثم دخلت سنة تسع
وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
[قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي]
أنه قبض على الشريف أبي أحمد الحسين بن
موسى الموسوي في صفر، وقلد [أبو الحسن] [1] علي بن أحمد بن
إسحاق العلوي نقابة الطالبيين ببغداد وواسط، وأبو الفتح أحمد بن
عمر بن يحيى نقابتهم بالكوفة، وأبو الحسن أحمد بن القاسم المحمدي
[2] نقابتهم بالبصرة والأهواز، وكان قد استذنب أبو أحمد بما ليس
بذنب، فأرى خطًا مزورًا على خطه بإفشاء الأسرار وقيل له: إن عز
الدولة أعطاك عقدًا في فداء غلامه فكتمتناه فقال: أما الخط فليس
بخطي، وأما العقد فإنه قال: إن لم يقبل ما دفعت فادفع هذا فلم يجز
لي أن أخونه.
وفي يوم الاثنين لأربع بقين من صفر: قبض [عضد الدولة] [3] على أبي
محمد ابن معروف قاضي القضاة [4] ، وأنفذه إلى القلعة بفارس، وقلد
أبو سعد بشر بن الحسين ما كان إليه من قضاء القضاة، واحتج على ابن
معروف بالتقصير في حق عضد الدولة، وبأنه ينفسح فيما لا ينبغي
للقضاة مثله، فأجاب عن ذلك فلم يلتفت إليه.
وفي شعبان: ورد رسول للعزيز [5] صاحب مصر إلى/ عضد الدولة بكتاب
وما
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من ص، ل.
[2] في الأصل: «المعتمدي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من ص، ل.
[4] في الأصل: «بأمر عضد الدولة» .
[5] في الأصل: «العزيز» .
(14/268)
زال يبعث إليه برسالة بعد رسالة، فأجابه
بما مضمونه صدق الطوية، حسن النية.
وسأل عضد الدولة: الطائع في مورده الثاني إلى الحضرة أن يزيد في
لقبه تاج الملة، ويجدد الخلع عليه، ويلبسه التاج والحلي المرصع
بالجوهر، فأجابه إلى ذلك وجلس الطائع على سرير الخلافة في صدر صحن
السلام، وحوله من خدمه الخواص نحو مائة بالمناطق والسيوف والزينة،
وبين يديه مصحف عثمان، وعلى كتفيه البردة، وبيده القضيب، وهو متقلد
سيف النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضرب ستارة بعثها
عضد الدولة، وسأل أن يكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من
الجند قبله، ودخل الأتراك والديلم، ولم يكن مع أحد منهم حديد، ووقف
الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، فلما وصل عضد الدولة أوذن به
الطائع فأذن له، فدخل، فأمر برفع الستارة، فقيل لعضد الدولة: قد
وقع طرفه عليك، فقبَّل الأرض ولم يقبلها أحد ممن معه تسليما للرقبة
[1] في تقبيل الأرض إليه فارتاع زياد من بين القواد لما شاهد، وقال
بالفارسية: ما هذا أيها الملك، أهذا هو الله عز وجل؟ فالتفت إلى
أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف وقال له:
فهِّمه وقل له: هذا خليفة الله في الأرض، ثم استمر يمشي ويقبل
الأرض تسع مرات، والتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال له: استدنه.
فصعد عضد الدولة وقبل الأرض، دفعتين [2] فقال له الطائع: ادن
إليَّ، ادن إليَّ، فدنا، وأكب، وقبل رجله، وثنى الطائع يمينه عليه/
وكان بين يديه سريره مما يلي الجانب الأيمن للكرسي، ولم يجلس فقال
له ثانيا: اجلس. فأومأ، ولم يجلس، فقال له: أقسمت عليك لتجلسن،
فقبل الكرسي، وجلس، فقال له الطائع: ما كان أشوقنا إليك، وأتوقنا
إلى مفاوضتك. فقال: عذري معلوم. فقال: نيتك موثوق بها، وعقيدتك
مسكون إليها. وأومأ برأسه، ثم قال له الطائع: قد رأيت أن أفوض إليك
ما وكل الله تعالى إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها،
وتدبيرها في جميع جهاتها [3] سوى خاصتي وأسبابي، وما وراء بابي،
فتول ذلك مستخيرًا باللَّه تعالى. فقال له عضد الدولة: يعينني الله
عز وجل على طاعة مولانا
__________
[1] في الأصل: «للرتبة» .
[2] في الأصل: «مرتين» .
[3] في الأصل: «حركاتها» .
(14/269)
وخدمته، وأريد المطهر وعبد العزيز ووجوه
القواد الذين دخلوا معي أن يسمعوا لفظ أمير المؤمنين. فأذنوا وقال
الطائع: هاتوا الحسين بن موسى، ومحمد بن عمرو بن معروف، وابن أم
شيبان، والزينبي، فقدموا فأعاد الطائع للَّه القول بالتفويض إليه،
والتعويل عليه، ثم التفت إلى طريف الخادم فقال: يا طريف، يفاض [1]
عليه الخلع، ويتوج. فنهض عضد الدولة إلى الرواق، فألبس الخلع، فخرج
فأومأ ليقبل الأرض، فلم يطق، فقال له الطائع: [حسبك] حسبك [2] .
وأمره بالجلوس على الكرسي، ثم استدعى الطائع تقديم ألويته، فقدم
لواءان، واستخار الطائع للَّه عز وجل وصلى على رسوله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعقدهما، ثم قال: يقرأ كتابه. فقرأ، فقال له
الطائع: خار الله لنا ولك وللمسلمين، آمرك بما أمرك الله به.
وأنهاك عما نهاك الله عنه وابرأ/ إلى الله مما سوى ذلك، انهض على
اسم الله. واخذ الطائع سيفا كان بين المخدتين اللتين تليانه، فقلده
إياه مضافا إلى السيف الذي قلده مع الخلعة، ولما أراد عضد الدولة
أن ينصرف قال [للطائع] [3] : أني أتطير أن أعود على عقبي فاسأل أن
يؤمر بفتح هذا الباب لي. فأذن في ذلك، وشاهد [4] في الحال نحو
ثلاثمائة صانع قد أعدهم عضد الدولة حتى هيّئ للفرس مسقال [5] ،
وركب [وسار] [6] الجيش مشاة إلى أن خرج من باب الخاصة، ثم ركب
القواد والجيش، وسار في البلد. ثم بعث الطائع إليه بعد ثلاثة أيام
هدية فيها غلالة قصب، وصينية ذهب، وخرداذي بلور، وفيه شراب ناقص
كأنه قد شرب بعضه، وعلى فم الخرداذي خرقة حرير مشدودة مختومة، وكاس
بلور من هذا الفن فوافى أبو نصر [الخازن] [7] ومعه من الأموال نحو
ما ذكرنا في دخوله الأول في السنة الماضية، ولما عاد عضد الدولة
جلس للتهنئة، فقال أبو إسحاق الصابي: على البديهة:
__________
[1] في الأصل: «تفاض» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وشوهد» .
[5] في الأصل: «مستعان» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/270)
يا عضد الدولة الذي علقت ... يداه من فخره
بأعرقه
لبست للملك تاج ملته ... فصل عرى غربة بمشرقه
أحرزت منك [1] الجديد في عمر ... أطاله الله غير مخلقه
يلوح منك الجبين بحاشية [2] ... لحاظنا في ضياء رونقه
كأنه الشمس في إنارتها ... ويشبه البدر في تألقه
لما رأيت الرجال تنشده ... من كل فحل القريض مغلقه
/ الجأت نفسي [3] إليك رؤيتها ... لتطلب المدح طول منطقه
قال له خاطري بطمع أن [4] ... تساجل البحر في تدفقه
خفف وأوجز فقلت مختصرا ... للقول في جده وأصدقه
يفتخر النعل [5] تحت أخمصه ... فكيف بالتاج فوق مفرقه
وفي شهر رمضان: بعث إلى ضبة بن محمد الأسدي، وكان من أكابر الذعار،
وقد قتل النفوس، ونهب الأموال، وقد [6] تحصن بعين التمر، نيفا
وثلاثين سنة، والوصول إليها يصعب [7] ، فلما طل عليه العسكر هرب
وترك أهله وخاصته، فأسر أكثرهم وملك البلد.
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة [8] : تزوج الطائع للَّه
بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد [9] بحضرة الطائع، بمحضر [10]
من الأشراف، والقضاة،
__________
[1] في الأصل: «جررت منه» .
[2] في الأصل: «غاشية» .
[3] في الأصل: «كأن إليك» .
[4] في الأصل: «تطمع» .
[5] في ص، ل، ت: «النحل» .
[6] «قد» سقطت من ص، ل.
[7] في الأصل: «صعب» .
[8] في الأصل: «ذي الحجة» .
[9] في الأصل: «وعقد له» .
[10] في ص، ل: «بمشهد» .
(14/271)
والشهود، ووجوه الدولة على صداق مبلغه مائة
ألف دينار، وفي رواية: مائتي ألف دينار، والوكيل عن عضد الدولة في
العقد. أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي، والخطيب الخاص [1]
القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي.
وفي هذا الشهر: قلد أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي الحج،
وتولاه في موسم هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2751- أحمد بن عطاء بن أحمد، أبو عبد الله الروذباري، ابن أخت
[أبي] [2] علي الروذباري
[3] .
أسند الحديث، وكان يتكلم على مذهب الصوفية، توفي بصور في ذي الحجة
من هذه السنة.
2752- الحسين بن علي أبو عبد الله [4] البصري، يعرف بالجعل
[5] .
سكن بغداد، وكان من شيوخ المعتزلة، وصنَّف على مذاهبهم، وانتحل في
الفروع مذهب أهل العراق، وتوفي في هذه السنة وصلى عليه أبو علي/
الفارسي، ودفن في تربة أستاذه أبي الحسن الكرخي بدرب الحسن بن زيد،
وكان قد قارب الثمانين سنة.
2753- حسنوية [6] بن الحسين الكردي
كان له مال عظيم، وسلطان، وكان يخرج أموالا كثيرة في الصدقات. توفي
في قلعته يوم الثلاثاء لليلة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة.
__________
[1] «الخاص» سقطت من ل، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 336، والبداية والنهاية 11/
296) .
[4] في الأصل: «ابن عبد الله» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 73) .
[6] في ت: «حيويه» .
(14/272)
2754- سعيد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أبو
عثمان النيسابوري
[1] .
قدم بغداد وحدث بها عن أبي العباس الأصم وغيره، فروى عنه أبو
العلاء الواسطي، وتوفي عند انصرافه من الحج في جمادى الأولي من هذه
السنة.
2755- عبد الله بن إبراهيم [بن أيوب] [2] بن ماسي [3] ، أبو محمد
البزاز
[4] .
ولد سنة أربع وسبعين ومائتين. سمع أبا مسلم الكجي، ويوسف بن يعقوب
القاضي. روى عنه ابن رزقويه، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة توفي في
رجب هذه السنة.
2756- محمد بن صالح بن علي بن يحيى، أبو الحسن الهاشمي، ويعرف:
بابن أم شيبان
[5] .
ولد يوم عاشوراء من سنة أربع وتسعين ومائتين، وله أخ يقال له: محمد
أيضا إلا أن هذا هو الأكبر، وأصله من الكوفة، وولي القضاء ببغداد،
وحدث عن عبد الله بن زيدان وغيره، روى عنه البرقاني.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا علي بْن المحسن،
أَخْبَرَنَا طلحة بْن محمد بن جعفر قَالَ: لما نقل المستكفي
[باللَّه] نائبة [6] أبا السائب عن القضاء بمدينة المنصور [في] يوم
[7] الاثنين مستهل ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قلد في
هذا اليوم أبا الحسن محمد بن صالح، ويعرف هو وأهله ببني أم شيبان،
واسمها كنيتها، وهي بنت يحيى بن محمد من أولاد طلحة بن عبيد الله،
والقاضي أبو الحسن من أهل الكوفة، بها ولد ونشأ، وكتب الحديث/ ثم
قدم بغداد وقرأ على ابن مجاهد، ولقي
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 111) .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «ماشي» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 408، والبداية والنهاية 11/
296) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 5/ 362، والبداية والنهاية 11/
296، 297) .
[6] «نائبة» سقطت من ص، ل. وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «عن استقصاء مدينة المنصور» . وما بين المعقوفتين
سقط من الأصل.
(14/273)
الشيوخ، وصاهر قاضي القضاة أبا عمر محمد بن
يوسف علي بنت ابنته، وأبو الحسن رجل عظيم القدر، وافر العقل، واسع
العلم، حسن التصنيف، ثم قلده المطيع قضاء الشرقية مضافا إلى مدينة
المنصور، وتوفي في فجأة جمادى الأولى من هذه السنة.
2757- مُحَمَّد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق النعالي
[1] .
سمع علي بن دليل، وأبا سعيد بن رميح النسوي، وغيرهما، وتوفي قبل
سنة سبعين وثلاثمائة.
2758- أبو الحسين [بن] أحمد بن زكريا بن فارس اللغوي
[2] .
صاحب «المجمل» في اللغة وغيره من الكتب، له التصانيف الحسان،
والعلم الغزير، والمعرفة الجيدة باللغة.
أنشدنا محمد بن ناصر قال: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي
لابن فارس:
وقالوا كيف حالك؟ قلت خير ... تُقضى [3] حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ... عسى يوما يكون لها انفراج
نديمي هرتي وشفاء نفسي ... دفاتر لي [4] ومعشوقي السراج
قال: وأنشدنا له وذكر أنه قالها قبل وفاته بيومين:
يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها ... علما وبي وبإعلاني وإسراري
أنا الموحد لكني المقر بها ... فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 260) .
[2] هذه الترجمة سقطت من ت. «اللغوي» سقطت من ص، ل. وما بين
المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ل: «تقصر» .، وتكررت العبارة الأولى من البيت في الأصل.
[4] في الأصل «فأنزلني» وهي تصحيف «دفاتر لي» ، والتصحيح من ص، ل.
(14/274)
ثم دخلت سنة سبعين
وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الصاحب بن عباد ورد إلى خدمة عضد الدولة عن مؤيد الدولة، وعن
نفسه فتلقاه عضد الدولة على بعد/ من البلد، وبالغ في إكرامه، ورسم
لأكابر كتابه وأصحابه يعظمونه، وكانوا يغشونه مدة مقامه، ولم يركب
هو إلى أحد منهم، وكان غرض عضد الدولة تأنيسه وإكرام مؤيد الدولة،
ووصلت كتب مؤيد الدولة يستطيل [1] مقام الصاحب ويذكر اضطراب الأمور
ببعده [2] ، ثم أن عضد الدولة برز إلى ظاهر همذان في ربيع الآخر
للمضي إلى بغداد، وخلع على الصاحب الخلع الجميلة، وحمله على فرس
بمركب ذهب، ونصب له دستا كاملا في خركاه تتصل بمضاربه، وأقطعه
ضياعا جليلة، وحمل إلى مؤيد الدولة [3] في صحبته ألطافا وورد عضد
الدولة إلى بغداد، فنزل بجسر النهروان في يوم الأربعاء حادي عشر
جمادى الآخرة، وطلب من الطائع أن يتلقاه، فخرج إليه الطائع من غد
هذا اليوم، فتلقاه وضربت له قباب وزينت لَهُ [4] الأسواق.
قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان: لم تكن العادة
جارية بخروج الخلفاء لتلقي أحد من الأمراء، فلما توفيت فاطمة أخت
معز الدولة أبي الحسين
__________
[1] في الأصل: «تستطيل» .
[2] في الأصل: «بعده» .
[3] في ل، والأصل: «مؤيد الملك» .
[4] «له» سقطت من ص، ل، ت.
(14/275)
ركب المطيع إلى معز الدولة يعزيه عنها،
فنزل معز الدولة، وقبل الأرض بين يديه، وأكثر الشكر، فلما صار عضد
الدولة إلى بغداد في الدفعة الأخيرة مستوليا على الأمور فيها، أنفذ
أبا الحسن محمد بن عمر العلوي من معسكره ندبا إلى حضرة الطائع،
فوافى [باب] [1] دار الخلافة نصف الليل، وراسل بأنه قد حضر في مهم،
فجلس له الطائع وأوصله فقال: يا مولانا أمير المؤمنين، قد ورد هذا
الملك، وهو من الملوك المتقدمين، وجاري مجرى [2] الأكاسرة
المعظمين، وقد أمل من/ مولانا التمييز عن [3] من تقدمه، والتشريف
بالاستقبال الذي يتبين على جميل الرأي فيه، فقال الطائع: نحن له
معتقدون، وعليه معتزمون، وبه قبل السؤال متبرعون، فأعلمه ذلك، قال
ابن حاجب النعمان: ولم يكن للطائع نية في ذلك ولا هم به، لأنه علم
أنه لا يجوز رده فأحب أن يجعل المنة ابتداء منه.
قال محمد بن عمر: فعدت إلى عضد الدولة من وقتي، فعرفته ما جرى فسر
به، وخرج الطائع من غد فتلقاه في دجلة.
قال محمد بن عمر: فقال لي عضد الدولة، هذه خدمة قد أحسنت القيام
بها، وبقيت أخرى لا نعرف فيها غيرك، وهي منع العوام من لقائنا
بدعاء وصياح. فقلت: يا مولانا تدخل إلى البلد قد تطلعت نفوس أهله
إليك، ثم تريد منهم السكوت، فقال: ما نعرف في كفهم سواك، وكان أهل
بغداد قد تلقوه مرة بالكلام السفيه، فما أحب أن تدعو له [4] تلك
الألسنة. قال: فدعوت أصحاب المعونة وقلت: قد أمر الملك بكذا وتوعد
ما يجري من ضده بضرب العنق، فأشاعوا في العوام ذلك، وخوفوا من ينطق
بالقتل، فاجتاز عضد الدولة، فرأي الأمر على ما أراد، فعجب من طاعة
العوام لمحمد بن عمر، فقال: هؤلاء أضعاف جندنا، وقد أطاعوه، فلو
أراد بنا سوءا كان، ورأى في روزنامج [5]
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص، ل: «وجاري مجاري» .
[3] في الأصل: «على من تقدمه» .
[4] «له» سقطت من ص، ل.
[5] في الأصل: «رورهمانج» .
(14/276)
ألف ألف وثلاثمائة ألف درهم، باسم محمد بن
عمر مما أداه من معاملاته، فقبض عليه واستولي على أمواله.
وفي ليلة الخميس الحادي عشر من جمادى الآخرة: زفت السيدة بنت عضد
الدولة إلى الطائع، وحمل معها من المال والثياب والأواني والفرش
الكثيرة.
وفي هذا الشهر ورد/ رسول من صاحب اليمن إلى عضد الدولة، ومعه
الهدايا والملاطفات ما كان في جملته قطعة عنبر وزنها ستة وخمسون
رطلا.
وزادت دجلة في هذه السنة زيادة مفرطة، والفرات، وانفجر بثق، وسقطت
قناطر الصراة فوقعت الجديدة في نصف ذي القعدة، ووقعت العتيقة بعدها
وكان يوم الأربعاء ثم وقع الشروع في عمل القنطرتين، فأنفق عليهما
المال الكثير، وبنيتا البناء الوثيق.
وكان الصيدلاوي رجل يقطع الطريق، فاحتال عليه بعض الولاة، فدس إليه
جماعة من الصعاليك، أظهروا الانحياز إليه، فلما خالطوه قبضوا عليه،
وحملوه أسيرا إلى الكوفة، فقتل وحمل رأسه إلى بغداد.
وحج بالناس في هذه السنة أبو الفتح أحمد بن عمر بن يحيى العلوي،
وخطب بمكة والمدينة للمغربي صاحب مصر [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
2759- أحمد بن علي، أبو بكر الرازي
[2] .
الفقيه إمام أهل [3] الرأي في وقته، كان مشهورا بالزهد والورع، ورد
بغداد في شبيبته، ودرس الفقه على أبي الحسن الكرخي، ولم يزل حتى
انتهت إليه الرئاسة، ورحل إليه المتفقهة، وخوطب في أن يلي قضاء
القضاة، فامتنع، وأعيد عليه [4]
__________
[1] في الأصل: «والمدينة لصاحب مصر» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 14، والبداية والنهاية 11/
297) .
[3] في الأصل: «أصحاب» .
[4] في ص، ل: «إليه» .
(14/277)
الخطاب، فلم يفعل، وله تصانيف كثيرة ضمنها
أحاديث رواها عن أبي العباس الأصم، وسليمان الطبراني، وغيرهما.
أخبرنا محمد بن عبد الملك، أنبأنا الخطيب قال: حدثني القاضي أبو
عبد الله الصيمري قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري
قال: حدثني أبو بكر الأبهري قال: خاطبني المطيع على قضاء القضاة،
وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبي عمرو [الشرابي، فأبيت عليه
وأشرت بأبي بكر أحمد بن علي الرازي فأحضر الخطاب على ذلك وسألني
أبو الحسن بن أبي عمرو] [1] معونته/ عليه فخوطب فامتنع، وخلوت به
فقال: تشير علي بذلك. فقلت: لا أرى لك ذلك. ثم قمنا إلى بين يدي
أبي الحسن [بن] [2] أبي عمرو، فأعاد خطابه وعدت إلى معونته، فقال
لي: أليس قد شاورتك فأشرت على أن لا أفعل؟ فوجم أبو الحسن بن أبي
عمرو من ذلك فقال: تشير علينا بإنسان [3] ، ثم تشير عليه أن لا
يفعل. قلت: نعم، أما لي في ذلك أسوة بمالك بن أنس [4] ، أشار على
أهل المدينة أن يقدموا نافعا القارئ في مسجد رسول الله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشار على نافع أن لا يقبل [5] . فقيل
له في ذلك فقال: أشرت عليكم بنافع لأني لم أعرف مثله، وأشرت عليه
أن لا يفعل لأنه يحصل له أعداء وحساد، فكذلك أنا أشرت عليكم به
لأني لا أعرف مثله، وأشرت عليه أن لا يفعل لأنه أسلم لدينه.
قال الصيمري: وتوفي أبو بكر الرازي في ذي الحجة سنة سبعين
وثلاثمائة، وصلّى عليه أبو بكر بن [6] محمد بن موسى الخُوارَزْميّ.
2760- الزبير بن عبد الواحد بن موسى، أبو يعلى البغدادي نزيل
نيسابور
[7] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «يسير علينا إنسا وتشير ... » .
[4] في الأصل: «إمامي في ذلك مالك بن أنس» .
[5] في الأصل: «بألا يفعل» .
[6] «بن» سقطت من ل، ص.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 473) .
(14/278)
سمع البغوي، وابن صاعد، وسمع بالبصرة،
وخوزستان، وأصبهان وبلاد آذربيجان، ثم دخل بلاد خراسان، فسمع فيها
الكثير، ثم انصرف إلى البصرة، وتوفي بالموصل في هذه السنة.
2761- عبيد الله [1] بن علي بن جعفر، أبو الطيب الدقاق
[2] .
سمع محمد بن سليمان الباهلي، روى عنه البرقاني و [قال] : كان شيخا
فاضلا ثقة مجودا من أصحاب الحديث، توفي في ربيع الأول من هذه
السنة.
2762- عبيد الله [3] بن العباس بن الوليد بن مسلم، أبو أحمد
السداوي
[4] .
سمع عبد الله بن محمد بن ناجية، وإبراهيم بن موسى الجوزي [5] ، روى
عنه القاضي أبو العلاء/ وكان ثقة، وتوفي في شوال هذه السنة [6] .
2763- محمد بن أحمد بن محمد بن حمَّاد، أبو جعفر [مولي] [7] الهادي
باللَّه، ويعرف بابن المتيم
[8] .
سمع خلقا كثيرا، وروى عنه أبو بكر البرقاني، قال أبو نعيم
الأصبهاني: لم أسمع فيه إلا خيرا، وقال ابن أبي الفوارس توفي يوم
الثلاثاء لسبع خلون من شوال، وكان لا بأس به.
2764- محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن زكريا، أبو بكر الوراق
يلقب: غندرا
[9] .
__________
[1] في ت: «عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 359) .
[3] في ت: «عبد الله» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 359 وفيه: «الشطوي» بدلا من
«السدوس» ) .
[5] في الأصل: «الخوزي» .
وفي تاريخ بغداد 10/ 359: «الجوري» . وفي الأنساب 3/ 367: «الجوزي»
كما أثبتناه.
[6] في ت: «في هذه السنة في شوال» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «المثيم» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 344) .
[9] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 152. والبداية والنهاية 11/
297) .
(14/279)
كان جوالا، حدث ببلاد فارس وخراسان عن
الباغندي، وابن صاعد، وابن دريد، وغيرهم، روى عنه أبو بكر البرقاني
[1] وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وكان حافظا ثقة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: حدثني محمد بن أحمد بن يعقوب، عن
محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري الحافظ: أن غندرا خرج من مرو
قاصدا بخارى، فمات في المفازة سنة سبعين وثلاثمائة [هذه السنة] [2]
.
__________
[1] «أبو بكر البرقاني و» سقط من ل، ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(14/280)
|