المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة احدى وأربعين واربعمائة
[تقدم إلى أهل الكرخ ألا ينوحوا في ليلة عاشوراء]
فمن الحوادث فيها:
أنه تقدم في ليلة عاشوراء إلى أهل الكرخ أن لا ينوحوا ولا يعلقوا المسوح على ما جرت به عادتهم خوفا من الفتنة فوعدوا وأخلفوا وجرى بين أهل السنة والشيعة ما يزيد عن الحد من الجرح والقتل حتى عبر الأتراك وضربوا الخيم.
وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا شهادة أبي عبد الله محمد بن على الدامغانيّ.
[نقض أهل الكرخ سوق الأنماط]
وفي شعبان: نقض أهل الكرخ سوق الأنماط دكاكينها وأرحاءها وبنوا بآخرها سورا من [1] ورائها يحصنون بها الكرخ ويقطعون به ما بين خراب القلائين وبينه فلما رأى ذلك أهل السنة من القلائين ومن يجري مجراهم شرعوا في بناء سور على سوق القلائين وبدءوا بعمل بابه محاذيا لباب السماكين ونقضوا كل حائط أمكنهم نقضه وأخذوا كل آجر وجدوه واجتمع منهم جمع كثير يحملون الآجر إلى موضع العمل وعاونهم الأتراك بأموالهم [2] وساعدوهم ببغالهم وجرى من اجتماع الجموع ما لم يجر مثله من قبل في شيء حتى جرت سفينة على العجل حمل فيها آجر وعلى ملاحها قباء ديباج وعمامة قصب أهبة وعن لأهل الكرخ أن يبنوا بابا آخر من آجر الدقاقين وحملوا الآجر إلى موضعه على رءوس الرجال في البافدانات المجللة بالثياب الديباج والمناديل/ الدبيقي
__________
[1] في الأصل: «وبنوا بآخرها سورها» .
[2] في الأصل: «وعاونهم الأتراك بالأموال» .

(15/319)


وقدامها الطبول والزمور والمخانيث معهم آلات الحكاية وقابل أهل القلائين ذلك بأن حملوا آجرهم بين يدي حمالية البوقات والدبادب وزاد الأمر وسخف وأفرط الوهن ونقضت أبنية كثيرة وأخذ من تنانير الآجر الجديدة عدة وجرى في عمل هذه الأبواب وبنائها وجمع آجرها وآلاتها وتقسيط نفقاتها والخلع على بنائها وطرح ماء الورد في أساساتها ما خرج عن الحد حتى أن امرأة اجتازت بباب القلائين فنزعت جوكانية ديباج كانت عليها فأعطتها للبناء.
[ثوران الفتنة بين أهل الكرخ وأهل القلائين]
وفي يوم عيد الفطر: ثارت الفتنة بين أهل الكرخ وأهل القلائين فاشتدت ووقع بينهما [1] جرح وقتل ونقل أهل القلائين آخر السور الذي على سوق الأنماط فاستعملوه في بنائهم وجعل مع كل جهة قوم من الأتراك يشدون منهم وامتنع على السلطان الإصلاح وعمل أهل القلائين بابا آخر دون بابهم وسقفوا ما بينهما وبنوا دكاكين جانبيها وفرشوا الحصر وعلقوا القناديل وخلقوا الحيطان وأظهروا عمل ذلك مسجدا وأذنوا للصلوات فيه وسمى الباب المسعود وبطلت الأسواق ودعي ابو محمد بن النسوي ورسم له العبور إلى الجانب الغربي وإزالة الفتنة فقتل جماعة من المذكورين وانتهى إلى الخليفة أن القضاة أبا الحسن السمناني [2] وأبا الحسن البيضاوي وأبا عبد الله الدامغاني وابن الواثق وابن المحسن الوكيلين حضروا عند القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي وجرى ذكر أهل الكرخ وما عملوا فقال التنوخي: هذه طائفة نشأت على سب الصحابة وما منعت منه إلا/ وجدت به ولا كان لدار الخلافة أمر عليها فما تحاول الآن منها واني لا ذكره وأنا أحمل رقاع ابن حاجب النعمان عن دار الخلافة القادرية إلى الرضى فلا يفضها ويقول أن كانت لك حاجة قضيتها فلما قام أخوه المرتضى أظهر الطاعة حفظا لنعمته فكتب الوكيلان بما جرى إلى الديوان وشهد بذلك الشهود [3] فتقدم بما وقف عليه ابن عبد الرحيم الوزير فكاتب الخليفة وسأله في الصفح عن التنوخي فوقع الاقتصار على أن كتب رئيس الرؤساء إلى قاضي القضاة ليتوقف قاضي القضاة الحسين
__________
[1] في الأصل: «فاشتدت ووقع بينهما» .
[2] في الأصل: «أبا الحسن السمنافي» .
[3] في ص، ل: «وشهد بذلك شهود» .

(15/320)


ابن علي عن استماع شهادة التنوخي وليوعز عليه بملازمة منزلة إلى أن يكشف عن حاله ثم لم يزل يسأل فيه حتى أذن له في الشهادة ودخول الديوان ثم زادت الفتن بين السنة والشيعة ونقضت المحال ورميت فيها النار [1] .
وأشتد أمر العيارين بالجانب الغربي حتى انتقل أهله إلى الحريم وابتاعوا خرابات وعمروها.
وفي ذي الحجة: عصفت ريح غبراء ترابية فأظلمت الدنيا فلم ير أحد أحدا وكان الناس في أسواقهم فحاروا ودهشوا ودامت ساعة فقلعت رواشن دار الخلافة ودار المملكة وانحدر الطيار ووقع الظلال في الأسواق وسقط من النخل والشجر الكثير [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3290- أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور، [أبو الحسن] [3] المعروف [4] بالعتيقي:
وكان بعض أجداده يسمى عتيقا فنسب إليه. ولد في محرم سنة سبع وستين وثلاثمائة وسمع من ابن شاهين وغيره وكان صدوقا وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزي.
3291- علي بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم/ العلويّ ويعرف بابن ابن [5] شيبة:
أخبرنا القزاز أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ سمع [علي بن عبد الله] [6] من ابن المظفر وكتبت عنه وكان صدوقا دينا حسن الاعتقاد يورق بالأجرة ويأكل من كسب يده
__________
[1] في الأصل: «ورميت بها في النار» .
[2] إلى هنا آخر نسخة برلين.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 60) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 9، البداية والنهاية. 12/ 60، وفيه: «علي بن الحسن أبو القاسم العلويّ، ويعرف بابن محيي السنة» ) .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/321)


ويواسي الفقراء من كسبه وسألته عن مولده فقال ليلة عيد الأضحى من سنة ستين وثلاثمائة وتوفي في رجب هذه السنة.
3292- عبد الوهاب بن أقضى القضاة، أبي الحسن الماوردي [1] أبو الفائز.
شهد عند ابن ماكولا في سنة إحدى وثلاثين وقبل شهادته في بيت النوبة ولم يفعل ذلك مع غيره احتراما لأبيه توفي في محرم هذه السنة.
3293- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد، أبو عبد الله الصوري:
سمع بصيداء من أبي الحسين بن جميع وهو أسند شيوخه ثم صحب [2] عبد الغني الحافظ فكتب عنه وعن غيره من المصريين وكتب عنه عبد الغني أشياء في تصانيفه وإنما طلب الحديث بنفسه في الكبر وقدم بغداد سنة ثمان عشرة واربعمائة فسمع من أبي الحسن بن مخلد ومن بعده فأقام يكتب الحديث وكان من أحرص الناس عليه وأكثرهم كتبا له وأوفرهم رغبة في تحصيله فربما كرر قراءة الحديث على شيخه مرات ورأيت بخطه في الوجهة الواحدة ثمانين سطرا وكان له فهم ومعرفة بالحديث ومضى إلى الكوفة فسمع بها من اربعمائة شيخ وكان يظهر هناك السنة ويترحم على أبي بكر وعمر فثار أهل الكوفة ليقتلوه فالتجأ إلى أبي طالب بن عمر العلوي وكان أبو طالب يسب الصحابة فأجاره وقال له أحضر كل يوم عندي وارو لي ما سمعت في فضائل الصحابة فقرأ عنده فضائلهم فتاب أبو طالب وقال قد عشت أربعين سنة أسب الصحابة وأشتهي أعيش مثلها حتى أذكرهم بخير/ وكان الصوري يسرد الصوم دائما لا يفطر إلا العيدين والتشريق.
أخبرنا جماعة من أشياخنا عن أبي الحسين [ابن] [3] الطيوري. قال أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من [كتب] [4] الصوري ابتدأ بها وكان قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا وكان له أخت بصور وخلف عندها اثني عشر عدلا من الكتب
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 60) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 103، البداية والنهاية 12/ 60) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/322)


فحصل الخطيب من كتبه أشياء، قال وأظنه لما خرج إلى الشام أعطى أخته شيئا وأخذ منها بعض كتبه، قال وكان الصوري طيب المجالسة حسن الخلق يصوم الدهر وذهبت إحدى عينيه وكان يكتب المجلدة في جزء وكان سبب موته أنه افتصد فتورمت يده ومات في ذلك.
قال ابن الطيوري حدثني أبو نصر [علي بن] [1] هبة الله بن ماكولا أن السبب في ذلك أن الطبيب الذي فصده وكان قد أعطى مبضعا مسموما ليفصد غيره فغلط وفصده به، وكان الصوري [2] يفيد الناس وإذا أراد أن يسمع شيئا أعلم الناس كلهم ليحضروا المجلس، قال وكان الخطيب إذا ظفر بجزء مرة واحدة فقرأ على الشيخ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عبد الجبار قال أنشدنا الصوري لنفسه:
تولى الشباب بريعانه ... وجاء المشيب بأحزانه
فقلبي لفقدان ذا مؤلم ... كئيبا بهذا ووجدانه
وإن كان ما جار في سيره ... ولا جاء في غير إبانه
ولكن أتى مؤذنا بالرحيل ... فويلي من قرب إيذانه
ولولا ذنوب تحملتها ... لما راعني حال إتيانه
ولكن ظهري ثقيل بما ... جناه شبابي بطغيانه
فمن كان يبكي زمانا ... مضى [3] وبندب طيب أزمانه
/ فليس بكائي وما قد ترون ... مني لوحشة فقدانه
ولكن لما كان قد جره ... على بوثبات شيطانه
فولى وأبقى علي الهموم ... بما قد تحملت في شانه
فويلي وعولي لئن لم يجد ... علي مليكي برضوانه
ولم يتغمد ذنوبي وما ... جنيت بواسع غفرانه
ويجعل مصيري إلى جنة ... يحل بها أهل قربانه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وكان الصيمري» .
[3] في الأصل: «يبكي شبابا مضى» .

(15/323)


وان كنت ما لي من قربة ... سوى حسن ظني بإحسانه
وإني مقر بتوحيده ... عليم بعزة سلطانه
أخالف في ذاك أهل الجحود ... وأهل الفسوق وعدوانه
وأرجو به الفوز في منزل ... مقر لأعين سكانه
ولن يجمع الله أهل الجحود ... ومن قد أقر بإيمانه
فهذا ينجيه إيمانه ... وهذا يبوء بخسرانه
وهذا ينعم في جنة ... وذلك في قعر نيرانه
قال وانشدنا الصوري لنفسه.
قل لمن عاند الحديث وأضحى ... عائبا اهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا ابن لي ... أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدين ... من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه ... راجع كل عالم وفقيه
توفي الصوري بالمارستان في يوم الأربعاء سلخ جمادي الآخرة [1] ودفن في مقبرة جامع المدينة وكان قد نيف عن الستين سنة.
__________
[1] في تاريخ بغداد: «في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة» .

(15/324)


ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة
[ندب أبي محمد النسوي للعبور وضبط البلد]
فمن الحوادث فيها:
أنه ندب أبو محمد النسوي للعبور وضبط البلد ثم اجتمع العامة من أهل الكرخ والقلائين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة في أنه متى عبر ابن النسوي أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد فصار أهل الكرخ إلى باب نهر القلائين فصلوا فيه وأذنوا في المشهد حي على خير العمل وأهل القلائين بالعتيقة والمسجد بالبزازين بالصلاة خير من النوم واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين وأظهروا بالكرخ الترحم على الصحابة وكبس أهل الكرخ دار الوزارة [1] واخرجوا منها أبا نصر بن مروان وخلصوه من المصادره.
ووقعت في ليلة الجمعة ثاني رمضان صاعقة في حلة نور الدولة على خيمة لبعض العرب كان فيها رجلان فأحرقت نصفهما ورأس أحد الرجلين ونصف بدنه ويدا واحدة ورجلا واحدة فمات وسقط الآخر مغشيا عليه لم يتكلم يومين وليلة ثم أفاق. وعصفت ريح شديدة وجاء مطر جود فقلعت رواشن دار الخلافة على دجلة.
[خروج الناس لزيارة المشهدين]
واستهل ذو الحجة: فعمل الناس/ على الخروج لزيارة المشهدين بالحائر والكوفة فبدأ أهل القلائين بعمل طرد أسود عليه اسم الخليفة ونصبوه على بابهم وأخرج أهل نهر الدجاج والكرخ مناجيق ملونة مذهبات [2] واختلط الفريقان من السنة والشيعة
__________
[1] في الأصل: «وكبس أهل الكرخ باب الوزارة» .
[2] في الأصل: «مناجيق ملونات مذهبات» .

(15/325)


وساروا إلى الجامع بالمدينة فلقيهم مناجيق باب الشام وشارع دار الرقيق، ثم عادوا والعلامات بين أيديهم تقدمها العلامة السوداء والبوقات تضرب فجازوا بصيفية الكرخ فنثر [عليهم] [1] أهل الموضعين دراهم وخرج إلى الزيارة من الأتراك وأهل السنة من لم تجر له عادة بها.
ورخص السعر حتى بيع الكر من الحنطة بسبع دنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3294- الحسن بن محمد بن الحسن بن باقة [2] ، أبو يعلى الرازي
[3] .
سمع أبا بكر بن مالك وأبا محمد بن ماسي وكان صحيح السماع لكنه كان يتشيع توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3295- عمر بن ثابت، أبو القاسم الثمانين الضرير النحوي
[4] :
هو الذي شرح اللمع وكان غاية في ذلك العلم وكان يأخذ على ذلك الأجر.
3296- علي بن عمر [بن محمد] بن الحسن، أبو الحسن الحربي المعروف [5] بالقزويني:
ولد مستهل محرم سنة ستين وهي الليلة التي توفي فيها أبو بكر الآجري وسمع أبا حفص الزيات وابن حيويه وأبا بكر بن شاذان في آخرين وكان وافر العقل من كبار عباد الله الصالحين يقرئ القرآن ويروى الحديث ولا يخرج من بيته إلا للصلاة/ وله كرامات وتوفي في شعبان هذه السنة وكان في كانون الأول ثمانية وعشرون يوما وتولى
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ابن الحسن بن ناقة» .
[3] في الأصل: «أبو يعلى الرازيّ» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 426) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 62) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 43، البداية والنهاية 12/ 62) .

(15/326)


أمره أبو منصور بن يوسف وغسله أبو محمد التميمي وصلى عليه في الصحراء بين الحربية والعتابين وكان يوما مشهودا غلقت فيه الأسواق ببغداد.
قال أبو علي البرداني حضره مائة ألف [رجل] [1] قال وانتبه أخي أبو غالب تلك الليلة وهو يبكي ويرتعد فسكنه والدنا وقال مالك يا بني؟ وقلت: مالك؟ قال: رأيت في المنام كأن أبواب السماء قد فتحت وابن القزويني يصعد إليها فلما كانت صبيحة [تلك] [2] الليلة سمعت المنادي ينادي بموته.
3297- قرواش بن المقلد أبو المنيع الأمير [3] :
وكان قد جلس له القادر في سنة ست وتسعين وثلاثمائة ولقبه معتمد [4] الدولة ثم تفرد بالإمارة وكانت له بلاد الموصل والكوفة وشقا الفرات واستنزل على ابن مزيد على ما كان إليه من كوثى ونهر الملك ورد إلى قرواش وكان قرواش قد جمع بين أختين فلامته العرب فقال خبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة وكان يقول ما على رقبتي غير خمسة أو ستة من البادية قتلتهم فأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.
وكان الحاكم الذي بمصر يكاتبه ويراسله ويستميله فأقام له الدعوة بالموصل والكوفة ثم اعتذر إلى القادر وسأله العفو ولما دخل الغز إلى الموصل نهبوا من دار قرواش ما يزيد على مائتي ألف دينار وتوفي في هذه السنة وقام بالأمر بعده قريش بن بدران بن المقلد.
3298- محمد بن أحمد بن الحسين بن محمد، أبو الحسن [5] القطان المعروف بابن المحاملي
[6] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 62) .
[4] في الأصل: «جلس له القادر باللَّه ولقبه» .
[5] في الأصل أبو الحسين» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 291) .

(15/327)


سمع علي بن عمر السكرى وأبا القاسم بن حبابة وعيسى/ بن علي الوزير والمخلص وغيرهم.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن علي الخطيب قال: كتبت عن أبي الحسن القطان شيئا يسيرا وكان صدوقا من أهل القرآن حسن التلاوة جميل الطريقة وسمعته يقول ولدت في سحر يوم الأحد العشرين من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.
ومات في ليلة الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ودفن يوم الثلاثاء في داره بدرب الآجر من نواحي نهر طابق.
3299- محمد بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور
[1] :
ولد في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وقرأ القرآن على أبي القاسم الصيدلاني وحدث شيئا يسيرا عن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير وكان صدوقا وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله بن ماكولا وقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني فقبلاه.
3300- محمد بن علي بن محمد، أبو طاهر ابن العلاف
[2] :
سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأحمد بن جعفر بن مسلم في آخرين وكان صدوقا مستورا ظاهر الوقار حسن السمت ينزل بدرب الديوان في جوار أبي القاسم بن بشران وله مجلس وعظ في جامع المهدي ثم اتخذ حلقة في جامع المنصور. توفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة الخيزران.
3301- مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين
[3] :
توفي فقام مقامه عمه عبد الرشيد بن محمود.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 356) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل، أحداث سنة 442) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 62) .

(15/328)


ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
/ أنه في ليلة الأحد الخامس من المحرم وهو اليوم التاسع عشر من أيار عصفت ريح مغرب ورد في أثنائها مطر جود وقلعت رواشن دار الخليفة على دجلة ودار المملكة وعدة دور من الدور الشاطية وأثرت في ذلك الآثار البينة وانحل الطيار الممدود عن باب الغربة من رباطه فوقع على الرواشن فقلعه من أوله إلى آخره وغرق في انحداره عدة سفن فيها غلة وتمر وسميريات كانت سائرة في دجلة هلك فيها قوم وخرجت سفن الجسر من الصراة وكانت مشدودة فيها وانحدرت مع الماء وغرق بعضها ووقع الظلال [على الأسواق] [1] من الجانبين وانقلع من النخل والسرو والشجر والتوت في الصحراء والدور الشيء الكثير.
[تجدد الفتنة بين السنة والشيعة]
وفي أول صفر: تجددت الفتنة بين السنة والشيعة وكان الاتفاق الّذي حكيناه بين السنة والشيعة غير مأمون الانتقاض لما في الصدور فمضت عليه مديدة وشرع أهل الكرخ في بناء باب السماكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من بنائهم وفرغ [2] أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجا وكتبوا بالذهب على آخر تركوه محمد [3] وعلي خير البشر فأنكر أهل السنة ذلك وأثاروا الشر وادعوا أن المكتوب محمد وعلي خير البشر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] إلى هنا انتهى السقط من نسخة ترخانة، والّذي بدأ أثناء ترجمة هبة الله بن الحسن في وفيات سنة 428،
[3] «وكتبوا بالذهب على آخر تركوه محمد» : ساقطة من ص، ل.

(15/329)


فمن رضي فقد شكر ومن أبي فقد كفر فأنكر أهل الكرخ هذه الزيادة وثارت الفتنة وآلت إلى أخذ ثياب الناس في الطرقات ومنع أهل باب الشعير من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ورواضعه وأنضاف إلى هذا انقطاع الماء عن نهر عيسى فبيعت الراوية بقيراط إذا خفرت/ فلحق الضعفاء بذلك مشقة عظيمة وغلقت الأسواق ووقفت المعايش ومضى بعض سفهاء أهل الكرخ بالليل فأخذوا من دجلة الصراة عدة روايا وصبوها في حباب نصبوها في الأسواق وخلطوا بها ماء الورد وصاحوا السبيل وعمدوا إلى سمارية في مشرعة باب الشعير فأخذوها وحملوها إلى السماكين محا أهل الكرخ ما كتبوه من خير البشر وجعلوا عوضه عليهما السلام وقال أهل السنة ما نقنع إلا بقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي وتجاوزوا هذا [الحال إلى] [1] المطالبة بإسقاط حي على خير العمل. فلما كان يوم الأربعاء لسبع بقين من صفر اجتمع من أهل السنة عدد يفوت الاحصاء وعبروا إلى دار الخلافة وملئوا الشوارع والرحاب واخترقوا الدهاليز والأبواب وزاد اللغط وقيل لهم سنبحث عن هذا وهجم أهل القلائين على باب السماكين فأحرقوا بواري كانت مسبلة في وجهه فبادر أهل الكرخ وطفئت النار [2] وبيضوا ما أسود من الباب وقويت الحرب وكثر القتل وانقطعت الجمعة في مسجد براثا لأن الشيعة نقلوا المنبر والقبلة منه وأشفقوا من الأصحار وظهر عيار يعرف بالطقطقي من أهل درزيجان وحضر الديوان واستتيب وجرى منه في معاملة أهل الكرخ وتتبعهم في المحال وقتلهم على الاتصال ما عظمت فيه البلوي واجتمع أهل الكرخ وقت الظهيرة فهدمت حائط باب القلائين ورموا العذرة على حائطه وقطع الطقطقي رجلين/ وصلبهما على هذا الباب بعد أن قتل ثلاثة من قبل وقطع رءوسهم ورمى بها إلى أهل الكرخ وقال تغدوا برءوس ومضى إلى درب الزعفرانيّ فطالب أهله بمائة ألف دينار وتوعدهم إن لم يفعلوا بالإحراق فلاطفوه فانصرف ووافاهم من الغد فقاتلوه فقتل منهم رجل هاشمي فحمل إلى مقابر قريش.
واستنفر البلد ونقب مشهد باب التبن ونهب ما فيه وأخرج جماعة من القبور فأحرقوا مثل العوفيّ والناشئ والجذوعي ونقل من المكان جماعة موتى فدفنوا في مقابر
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وطفئ النار» .

(15/330)


شتى وطرح النار في الترب القديمة والحديثة واحترق الضريحان والقبتان الساج وحفروا أحد الضريحين ليخرجوا من فيه ويدفنوه بقبر أحمد فبادر النقيب والناس فمنعوهم فلما عرف أهل الكرخ ما جرى صاروا إلى خان الفقهاء الحنفيين بقطيعة الربيع فأخذوا ما وجدوا وأحرقوا الخان وكبسوا دور الفقهاء فاستدعى أبو محمد وأمر بالعبور فقال قد جرى ما لم يجر مثله فإن عبر معي الوزير عبرت فقويت يده وأظهر أهل الكرخ الحزن وقعدوا في الأسواق للعزاء وعلقوا المسوح على الدكاكين فقال الوزير إن وأخذنا الكل خرب البلد فالأصلح التغاضي.
وفي يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الآخر: خطب بجامع براثا وأسقط حي على خير العمل ودق الخطيب المنبر وقد كانوا يمنعون منه وذكر العباس في خطبته.
وفي عيد الأضحى: حضر الناس في بيت النوبة واستدعى رئيس/ الرؤساء فخلع عليه وقرئ توقيع [بما لقب] [1] به من جمال الورى شرف الوزراء.
وفي يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة: كبس العيارون أبا محمد بن النسوي وجرحوه جراحات.
[ورود الخبر بفتح أصبهان]
وفي هذه السنة: ورد الخبر بفتح أصبهان ودخول طغرلبك إليها وكان طغرلبك قد عمر الري عمارة حسنة وهدم دارا فوجد فيها مراكب مرصعة بالجوهر الثمين وقماقم الدنانير وبرنيتين صيني مملوءتين بالجوهر النفيس ودفينا عظيما ووجد في عقد قد انشق برنية خضراء فيها عشرون ألف دينار.
[كبس منصور بن الحسن الأهواز]
وكبس منصور بن الحسن بمن معه [2] من الغزاة الأهواز وقتل بها من الديلم والأتراك والعامة وأحرفها ونهبها ونجا الملك الرحيم ابن أبي كاليجار بنفسه وفقد كمال الملك أبو المعالي [3] بن عبد الرحيم.
وقبلها كانت وقعة بين المغاربة وأهل مصر، قتل فيها من المغاربة ثلاثون ألفا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «منصور بن الحسين» .
[3] في ص: «كمال الملك ابن أبي المعالي» .

(15/331)


ووردت كتب من صاحب المغرب بما فتحه الله تعالى منها وبإقامة الدعوة للقائم بأمر اللَّه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3302- بركة بن الملقد:
الملقب زعيم الدولة [1] أمير بني عقيل فأقام مقامه قريش بن بدران.
3303- عبيد الله بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن لؤلؤ
[2] :
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بْن علي بْن ثابت الخطيب قَالَ:
سمع ابن لؤلؤ ابن مالك وغيره كتبت عنه وكان ثقة وسألته عن مولده فقال في رمضان سنة ست وخمسين وثلاثمائة ومات في شوال هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3304- عبيد الله بن محمد بن عبيد الله أبو القاسم النجار المعروف بابن الدلو
[3] :
سمع ابن المظفر. قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا يسكن وراء نهر عيسى وتوفي في رمضان هذه السنة.
3305- مُحَمَّد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الشاعر البصروي
[4] .
وبصرى قرية دون عكبرا. سكن بغداد وكان متكلما وله نوادر مطبوعة، قال رجل لقد شربت الليلة ماء عظيما [5] فاحتجت كل ساعة إلى القيام كأني جدي فقال له: لم تصغر نفسك يا سيدنا؟ وله شعر مليح أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال أنشدنا أبو الحسن البصروي:
__________
[1] في ص: «زعم الملك» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 356) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 386) .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 236، البداية والنهاية 12/ 63) .
[5] في الأصل: «شربت الليلة ماء كثيرا» .

(15/332)


نرى الدنيا وزهرتها فنصبو ... وما يخلو من الشهوات قلب
فضول العيش أكثرها هموم ... وأكثر ما يضرك ما تحب
فلا يغررك زخرف ما تراه ... وعيش لين الأعطاف رطب
إذا ما بلغة جاءتك عفوا ... فخذها فالغنى مرعى وشرب
إذا اتفق القليل وفيه سلم ... فلا ترد الكثير وفيه حرب

(15/333)


ثم دخلت سنة أربع وأربعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا الحسن علي بن الحسين بن محمود البغدادي المعروف بالشباش توفي بالبصرة وكان هذا الرجل هو وأبوه وعمه مستقرين فيها ومستوعبين بها وكانت الظنون تختلف في المذهب الذي يعتقدونه إلا أن الأقوال في أنهم [1] من الشيعة الإمامية والغلاة الباطنية أغلب وكانت لهم نعم واسعة وأملاك كثيرة وشيعة من سواد البصرة والقرامطة والبطون المتفرقة يسرون طاعتهم ويحملون إليهم ما يجرونه مجرى زكواتهم وأما أبوه وعمه فكانا يتظاهران بالتجارة ويساتران عن اعتقادهما ويظهران من التدين والتصون ما يدفعان به عن أنفسهما فأما أبو الحسن فإن إشفاقه من هذه الأسباب وما كان يرمونه من اليسار دعاه إلى أن خالط الأجناد وداخل العمال وتظاهر بالأكل والشرب وسماع الغناء والترخص في المحظورات وهو في ذلك يعتذر إلى أصحابه بأنه يقصد نفي الظنة عنه فلما توفي أبو الحسن نشأ له ولد يكني أبا عبد الله فقام مقامه وسلك طريقه، قال المصنف رحمه الله ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل قال كان ابن الشباش وأبوه قبله له طيور سوابق وأصدقاء في جميع البلاد فينزل به قوم فيرفع طائرا في الحال/ إلى قريتهم يخبر له من هناك بنزولهم ويستعلمه عن أحوالهم وما تجدد هناك قبل مجيئهم إليه فيكتب إليه ذلك الحوادث فيحدث القوم بأحوالهم حديث من هو عندهم ثم يقول قد تجدد الساعة كذا وكذا فيدهشون ويرجعون إلى رستاقهم فيجدون الأمر على ما قال ويتكرر هذا فيصير
__________
[1] في ص، ل: «إلا أن الأول في أنهم» .

(15/334)


عندهم كالقطع على أنه يعلم الغيب. قال ومما فعل أخذ عصفورا وجعل في رجله بلفكا وشد في البلفك كتابا لطيفا وشد في رجل حمامة بلفكا وشد في طرف البلفك كتابا أكبر من ذلك وجعلها بين يديه وجعل العصفور بيد غلام له في سطح داره والحمامة بيد آخر وبعث طائرين برقعتين إلى بقعتين معروفتين يمر بهما الأصحاب المنتدبون لهذا فلما تكامل مجلسه بمن يدخل عليه قال يا بارش يوهم أنه يخاطب شيطانا اسمه بارش خذ هذا الكتاب إلى قرية فلان فقد جرت بينهم خصوم فاجتهد في إصلاح ذات بينهم ويرفع صوته بذلك فيسرح غلامه المترصد لكلامه العصفور الذي في يده فيرتفع الكتاب بحضور الجماعة نحو السماء فيرونه عيانا من غير أن تدرك عيونهم البلفك فإذا ارتفع الكتاب نحو السطح جذبه غلامه فقيد العصفور وقطع البلفك حتى لا يرى ويرسل طائرا إلى [ملك] [1] القرية ليصلح الأمر وكذلك يفعل في الحمامة ويتحقق هذا في القلوب فلا يبقى شك.
[حضور قاضي القضاة/ ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والأعيان بيت النوبة]
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة: حضر قاضي القضاة/ ابن ماكولا والقضاة والشهود والفقهاء والأعيان بيت النوبة وخرج رئيس الرؤساء ومعه توقيع من الخليفة تشريف قاضي القضاة وتحميله فقرأه رئيس الرؤساء رافعا به صوته.
وفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي شهادة أبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ.
[عود الفتنة بين أهل الكرخ والقلائين]
وفي ذي القعدة: عادت الفتنة بين أهل الكرخ والقلائين واحترقت دكاكين وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشر وأذنوا حي على خير العمل وشرع في رد أبي محمد بن النسوي إلى النظر في المعونة.
وفي يوم الخميس لخمس بقين من ذي القعدة: حمل أهل القلائين على أهل الكرخ حملة هرب منها النظارة من الناس ودخل كثير منهم في مسلك ضيق فهلك من النساء نيف وثلاثون امرأة وستة رجال وصبيان وطرحت النار في الكرخ [وعادوا في بناء الأبواب والقتال.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/335)


وفي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة جرى بين أهل الكرخ] [1] وباب البصرة قتال فجمع الطقطقي قوما من أصحابه وكبس بهم طاق الحراني وهو من محال الكرخ وقتل رجلين وقطع رأسيهما وحملهما إلى [2] القلائين فنصبهما على حائط المسجد المستجد.
[زلازل عظيمة بأرجان والأهواز]
وفي هذه السنة: كانت بأرجان والأهواز وتلك النواحي زلازل عظيمة ارتجت منها الأرض وانقلعت منها الحيطان ووقعت شرافات القصور وحكى بعض من يعتمد على قوله أنه كان قاعدا/ في إيوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع إلى حاله.
[كتابة محاضر في الديوان بالقدح في أنساب صاحب مصر ومن تقدم من أسلافه]
وفي هذه السنة [3] : كتب محاضر في الديوان ذكر فيها صاحب مصر ومن تقدم من أسلافه بما يقدح في أنسابهم التي يدعونها وجحد الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلي وفاطمة وعزوا إلى الديصانية من المجوس والقداحية من اليهود وأنهم خارجون عن الإسلام وما جرى هذا المجرى مما قد ذكرنا مثله في أيام القادر باللَّه وأخذت خطوط الأشراف والقضاة والشهود والعلماء بذلك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3306- الحسن بن على [4] بن محمد بن علي بن أحمد بن وهب بن شبل قرة [5] ابن واقد، أبو علي التميمي الواعظ المعروف بابن المذهب
[6] :
ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وقتل رجلين وحمل رأسيهما إلى القلائين» .
[3] في ص، ت: «وفيها» .
[4] في ص: «الحسن بن محمد بن محمد» .
[5] في ص: «ابن وهب بن شبل قرة» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 390، والبداية والنهاية 12/ 63، وفيه: «بن شنبل» بدل: «ابن سبيل» ) .

(15/336)


ماسي وابن شاهين والدار الدّارقطنيّ وخلقا كثيرا ولا يعرف فيه إلا الخير والدين وقد ذكر الخطيب عنه أشياء لا توجب القدح عند الفقهاء وإنما يقدح بها عوام المحدثين فقال كان يروى عن ابن مالك مسند أحمد بأسره وكان سماعه صحيحا إلا في أجزاء فإنه ألحق اسمه فيها قال المصنف [وهذا] [1] لا يوجب القدح لأنه إذا تيقن سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه لإجلال الكتب والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل أخبرني فلان ويمنعون إن كتب سماعه بخط نفسه أو إلحاق/ سماعه فيها بما يتيقنه ومن أين له إنما كتب لم يعارض به أصلا فيه سماعه وحدث ابن المذهب عن ابن مالك عن أبي شعيب بحديث وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء واحد وليس الحديث فيه قال المصنف رحمه الله ومن الجائز أن يكون ذاك الحديث سقط من نسخة ووجد في أخرى ويجوز أن يكون سمعه منه في غير ذلك الجزء.
قال الخطيب وكان يعرض على أحاديث في أسانيدها أسماء فيها لين يسألني عنهم فأذكر له أنسابهم فيلحقها في تلك الأحاديث.
قال المصنف هذا قلة فقه من الخطيب فإني إذا انتقيت في الرواية عن ابن عمر أنه عبد الله جاز أن أذكر اسمه ولا فرق بين أن أقول حدثنا ابن المذهب وبين أن أقول أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب وقد كان في الخطيب شيئان أحدهما الجري على عادة عوام المحدثين [من قبله] [2] من قلة الفقه والثاني التعصب في المذهب ونحن نسأل الله السلامة.
توفي ابن المذهب ليلة الجمعة سلخ ربيع الأول [3] من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3307- عبد الله بن محمد بن مكي، أبو محمد السواق المقرئ يعرف بابن ماردة
[4] :
سمع أبا الحسن ابن كيسان. وكان صدوقا يسكن نهر القلائين، توفي في ذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص: «ربيع الآخر» .
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 143) .

(15/337)


القعدة من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب.
3308- عبد الكريم بن محمد إبراهيم، أبو منصور [1] المطرز:
أصبهاني الأصل ولد سنة ست وستين وثلاثمائة وكان يسكن ناحية العتابين [2] وحدث عن علي بن محمد بن كيسان/ وكان صدوقا. توفي في رمضان هذه السنة.
3309- محمد بن أحمد بن [محمد] [3] ، أبو جعفر [4] السمناني القاضي:
ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة [5] وسكن بغداد وحدث عن علي بن عمر السكري وأبي الحسن الدار الدارقطني وابن حبابة وغيرهم وكان عالما فاضلا سخيا لكنه كان يعتقد في الأصول مذهب الأشعري وكان له في داره مجلس نظر.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة بالموصل وهو القاضي بها بعد أن كف بصره.
3310- محمد بن إسماعيل بن عمر بن محمد بن خالد بن إسحاق بن خالد بن عبد الملك بن جرير بن عبد الله البجلي، أبو الحسن ويعرف بابن سبنك
[6] :
ولد سنة خمس وستين وثلاثمائة وكان أحد الشهود المعدلين وحدث عن أبي بكر بن شاذان وابن شاهين والدار الدّارقطنيّ وابن حبابة وغيرهم توفي ليلة الخميس رابع عشرين رمضان هذه السنة.
3311- محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر بن داود بن الحسن، أبو نصر
[7] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 80) ، وفيه: «عبد الكريم بن إبراهيم بن محمد أبو منصور» .
[2] في الأصل: «العتابين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 64) .
[5] العبارة من: «وكان يسكن ناحية العتابين» في الترجمة السابقة إلى: «ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة» :
ساقطة من ت.
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 55) «وفيه: «محمد بن إسماعيل بن عمر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن خالد بن إسحاق ... البلخي» .
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 222) .

(15/338)


سمع المخلص وغيره وكان صدوقا. توفي ليلة الجمعة [1] ثامن ربيع الآخر من هذه السنة.
3312- محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن المهدي، أبو الفضل الهاشمي خطيب جامع الحربية
[2] :
سمع من أبي الحسين بن سمعون [3] وغيره. وكان صدوقا خيرا فاضلا من المحدثين وتوفي في غرة هذه السنة [4] .
__________
[1] في ص: «توفي ليلة الخميس» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 354) .
[3] في ص: «من أبي الحسن بن سمعون» .
[4] في ص: «من المعدلين، وتوفي في محرم هذه السنة» .

(15/339)


ثم دخلت سنة خمس وأربعين وأربعمائة
[عود الفتن بين السنة والشيعة]
فمن الحوادث فيها:
عود الفتن بين السنة والشيعة وخرق السياسة/ وأنه أحضر ابن النسوي وقويت يده وضربت الخيم بين باب الشعير وسوق الطعام فضرب وقتل ونقض ما كتب عليه محمد وعلي خير البشر وطرحت النار في الكرخ بالليل والنهار.
وورد الخبر أن الغز قد جاءوا [إلى] [1] حلوان وأنهم علي قصد العراق ونظر سابور ابن المظفر في الوزارة وقبل قاضي القضاة ابن ماكولا شهادة أبي الفتح ابن شيطا.
[أعلن بنيسابور لعن أبي الحسن الأشعري]
وفي هذه السنة [2] : أعلن بنيسابور لعن أبي الحسن الأشعري فضج من ذلك أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وعمل رسالة سماها شكاية أهل السنة لما نالهم من المحنة وقال فيها، أيلعن امام الدين ومحيي السنة؟ وكان قد رفع إلى السلطان طغرلبك من مقالات الأشعري شيء فقال أصحاب الأشعري هذا محال وليس بمذهب له فقال السلطان، إنما يوغر بلعن الأشعري الذي قال هذه المقالات فإن لم يدينوا بها ولم يقل الأشعري شيئا منها فلا عليكم مما يقول، قال القشيري فأخذنا في الاستعطاف فلم يسمع لنا حجة ولم يقض لنا حاجة فأغضبنا على قذى الاحتمال وأحلنا علي بعض العلماء فحضرنا فظننا أنه يصلح الحال، فقال، الأشعري عندي مبتدع يزيد علي المعتزلة، قال القشيري، يا معشر المسلمين الغياث الغياث.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «وفيها» .

(15/340)


قال المصنف رحمه الله: لو أن القشيري لم يعمل في هذا رسالة كان استر للحال لأنه إنما ذكر فيها أنه وقع اللعن وانه سئل السلطان أن يتقدم بترك ذلك فلم يجب ثم لم يذكر حجة له ولا دفع شبهة للخصم وذكر/ مثل هذا نوع تغفيل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3313- أحمد بن عمر بن روح أبو الحسين النهرواني
[1] :
كان ينظر في العيار بدار الضرب وله شعر حسن، قال كنت على شط النهروان فسمعت رجلا يتغنى، في سفينة منحدرة.
وما طلبوا سوى قتلي ... فهان علي ما طلبوا
فاستوقفته وقلت أضف إليه:
على قتلى الأحبة بالتمادي ... في الجفا غلبوا
وبالهجران طيب النوم ... من عيني قد سلبوا
وما طلبوا سوى قتلي ... فهان علي ما طلبوا
توفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3314- إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن مهران أبو إسحاق البرمكي
[2] :
كان سلفه قديما يسكنون في محله ببغداد تعرف بالبرامكة وقيل بل كانوا يسكنون قرية تعرف بالبرمكية [3] وهي قرية بقرب باب البصرة فنسبوا إليها، ولد في رمضان سنة
__________
[1] في الأصل: «الحسن بن عمر بن روح» .
و «أبو الحسين» ساقطة من ص، وفي ت: «أبو الحسين» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 296، والبداية والنهاية 12/ 64) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 139) .
[3] في ص: «قرية تسمى البرمكية» .

(15/341)


إحدى وستين وثلاثمائة وسمع أبا بكر بن مالك القطيعي وخلقا كثيرا وحدثنا أشياخنا عنه وكان صدوقا دينا فقيها على مذهب أحمد بن حنبل وكانت له حلقة للفتوى في جامع المنصور وتوفى يوم الأحد سابع ذي الحجة [1] من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3315- عمر بن محمد بن علي بن عطية، أبو حفص المعروف والده بأبي طالب المكي
[2] :
ولد سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع أباه وأبا حفص ابن شاهين/ وكان صدوقا يسكن باب الطاق وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3316- محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر، أبو طالب المعروف بابن السوادي
[3] :
أخو أبي القاسم الأزهري ولد في ليلة الجمعة لعشر بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع أبا حفص ابن الزيات ومحمد بن المظفر في آخرين.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد أخبرنا [أبو بكر] [4] الخطيب قال: كتبنا عنه وكان صدوقا وتوفي بواسط في ذي الحجة من هذه السنة [5] :
3317- محمد بن محمد بن أبي تمام، أبو تمام الزينبي نقيب النقباء
[6] :
توفي في هذه السنة فولي ابنه أبو علي مكانه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 275، والبداية والنهاية 12/ 65) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 319، والبداية والنهاية 12/ 65) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «وتوفي في ذي الحجة من سنة خمس وأربعين وأربعمائة» .
[6] انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 3/ 237، وفيه: «محمد بن محمد بن علي بن أبي تمام، أبو منصور الهاشمي الزينبي» ، والبداية والنهاية 12/ 65) .

(15/342)


ثم دخلت سنة ست وأربعين وأربعمائة
[اجتماع الأتراك في دار المملكة]
فمن الحوادث فيها:
أن الأتراك اجتمعوا في دار المملكة وتفاوضوا بينهم الشكوى من وزير السلطان فيما يشعره عليهم من الأمتعة ويطلق لهم من الأموال المتفاوتة القيمة وأن الوزير قد استعصم بالحريم وتفرقوا على شغب اعتزموه فضربوا الخيم علي شاطئ دجله وركبوا بالسلاح وصار قوم منهم إلى الديوان فخاطبوا على أمر الوزير وقالوا من الواجب على صاحب الحريم أن يقوم بأمورنا ليلتزمنا طاعته وركبوا على نفور [1] وكثرت الأراجيف وخيفت الفتنة وغلقت الدروب وذلك في يوم الجمعة ولم يصل الجمعة يومئذ في جامع القصر وصلى في غيره ونقل الناس أموالهم إلى باب النوبة وباب المراتب وكان ذلك من العجب لأن تلك الأماكن كانت مقصودة ونودي في البلد متى وجد الوزير في دار/ أحد فقد حل دمه وماله ومن دل عليه حسنت مكافأته فركب الأتراك بالسلاح إلى دار الروم وفيها دور أبي الحسن بن عبيد كاتب البساسيري [وغيره] [2] فنهبوا ودخلوا البيعة وأخذوا أموالا كثيرة وأحرقوا البيعة وعدة دور وقاتلهم العوام وعبر أهل الكرخ والقلائين ونهر طابق وباب البصرة والحربية [3] إلى باب الغربة للحراسة وراسل الخليفة الأتراك وقال عرفتم طلبنا للوزير وقبضنا علي أصحابه وهذا غاية الممكن ولم يبق إلا الفتنة التي تهلك
__________
[1] في ص: «وركبوا على ثغور» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] «والحربية» ساقطة من ص.

(15/343)


النفس [1] فان كانت مطلوبكم فأمهلونا أياما إلى أن نتأهب لسفرنا ونخرج إلى حيث يعرف فيه حقنا فأجابوه بالطاعة وقررت لهم أشياء فأخذوها وسكنوا ثم إن الوزير ظهر فطولب فجرح نفسه بسكين ثم تسلمه البساسيري وتقلد الوزارة أبو الحسين بن عبد الرحيم.
وغزا طغرلبك بلاد الروم.
[انقطاع الماء من الفرات]
وفي مستهل ربيع الآخر: انقطع الماء من الفرات على نهر عيسى انقطاعا تلف به ما كان من زرع وتعذرت الطحون وأدرك الناس بذلك ضرر شديد.
وفي هذا الشهر: ورد من الصراصير [2] ما زاد وكثر وسمع لها بالليل دوي كدوي الجراد إذا طار.
[خلع الخليفة على رئيس الرؤساء]
وخلع الخليفة على رئيس الرؤساء خلعة حسنة وكتب له درجا قرأه قائما [في] [3] يوم الخميس لعشرين من جمادي الأولى من هذه السنة وعبر يوم الجمعة فصلى بجامع المنصور.
وقصد قريش بن بدران الأنبار ففتحها وخطب بها وبالموصل وفتح السوق.
وورد أبو الحارث المظفر البساسيري إلى بغداد منصرفا عن الوقعة مع بني خفاجة فسار إلى داره بالجانب/ الغربي ولم يلم بدار الخليفة على رسمه وتأخر عن الخدمة بعد ذلك وبانت منه آثار النفرة وخرج إلى دجيل فاجتازت به سفينة لبعض أقارب رئيس الرؤساء فأعتاقها وطالبها بالضريبة وكثرت دواعي الوحشة فراسله الخليفة بما طيب قلبه فقال ما أشكو إلا من النائب في الديوان ثم خرج الى طريق خراسان فثقل على ضياع الديوان.
وفي ذي الحجة: توجه إلى الأنبار فخرج إليه الأتراك والعوام طامعين في النهب فوصل إليها ففتحها وقطع أيدي عالم فيها وكان معه دبيس بن علي بن مزيد وذلك بعد ان
__________
[1] في ص: «والتي تهلك الناس» .
[2] في ص: «كان من الصراصير» . وفي الأصل «من الصراة» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/344)


أحرق دمما والفلوجة ثم قدم فتقرر أنه يحضر بيت النوبة ويخلع عليه فجاء إلى أن حاذى بيت النوبة وخدم وانصرف ولم يعبر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3318- إبراهيم بن محمد بن عمر بن يحيى، أبو طاهر العلوي
[1] :
ولد ببابل سنة تسع وستين وثلاثمائة وحدث عن أبي المفضل الشيباني وكان سماعه صحيحا.
توفي ببغداد في صفر هذه السنة.
3319- الحسين [2] بن جعفر بن محمد بن جعفر بن داود أبو عبد الله السلماسي: [3]
سمع من ابن حيويه والدار الدّارقطنيّ وابن شاهين وكان ثقة مشهورا باصطناع البر وفعل الخير وافتقاد الفقراء وكثرة الصدقة وكان قد أريد للشهادة فأبي.
وحدثنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي الحسين ابن الطيوري قال ما كان يعلم نفقة أبي الحسين [4] القزويني من أين هي حتى مات أبو عبد الله السلماسي فوجدوا في روزنامجه/ عشرة دنانير في كل شهر نفقة أبي الحسن القزويني قال ودخل إلى بغداد السلطان فاحتاج إلى نفقة فاستقرض من التجار واستقرض من أبي عبد الله عشرة آلاف واتفق أنه اشترى زيتا بعشرة آلاف فباعه بعشرين ألفا فلما دخل السلطان [دخله] [5] بعث إليه العشرة آلاف فلم يأخذ وقال قولوا للسلطان هو في أوسع حل منها وأنا أسأل أن أعفى عنها فقيل للسلطان فقال قولوا له أي شيء سبب هذا فقال يأكل من مالي أقوام إن علموا أني قد أخذت من مال السلطان لم يأكلوا منه شيئا وقد أخلفها الله على في ثمن الزيت.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 6/ 174) .
[2] في ص: «الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 29، البداية والنهاية 12/ 65) .
[4] في ص: «الحسن» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/345)


قال المصنف رحمه الله: وحدثني بعض الأشياخ عن السلماسي انه سوم في ثمرة في بستان له فبذل له خمسمائة دينار فسكت فدخل قوم فزادوه علي ذلك زيادة كبيرة فقال جوارحي سكنت إلى الأول لا أعير نيتي. توفي أبو عبد الله في جمادي الأولى من هَذِهِ السنة.
3320- عبد الله بْن محمد بن عبد الرحمن [1] ، أبو عبد الله الإصبهاني المعروف بابن اللبان
[2] :
سمع بأصبهان أبا بكر ابن المقرئ وببغداد المخلص وبمكة أبا الحسن بن فراس ودرس فقه الشافعي علي أبي حامد الأسفراييني وولي قضاء إيذج وكان يسكن درب الآجر في نهر طابق ويصلى بالناس التراويح ثم يقف بعدها مصليا إلى الفجر، وقال في آخر رمضان لم أضع جنبي في هذا الشهر ليلا ولا نهارا توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3321- محمد بن إسحاق بن محمد بن فدويه، أبو الحسن الكوفي [3] المعدل:
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال قدم علينا محمد بن إسحاق في سنة أربع/ وعشرين واربعمائة وحدث عن أبي الحسن بن أبي السري البكائي وكان شيخا ثقة له هيئة حسنة ووقار ظاهر وكان الصوري يثنى عليه خيرا وقال أصوله جياد وسماعه صحيح وهو في نفسه حسن [4] الاعتقاد من أهل السنة.
مات بالكوفة في اليوم السادس من شعبان سنة [5] ست وأربعين وأربعمائة.
__________
[1] في ص: «محمد بن عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 66) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 263) .
[4] في الأصل: «وهو حسن ثقة» .
[5] في ص: «السادس من شوال سنة» .

(15/346)


ثم دخلت سنة سبع وأربعين واربعمائة
[وصول زورق فيه شراب للبساسيري]
فمن الحوادث فيها:
أنه وصل زورق فيه شراب للبساسيري في ربيع الآخر إلى مشرعة باب الأزج فنزل إليه ابن سكرة الهاشمي وجماعة من أصحاب عبد الصمد فكسروه.
وفي آخر [نهار] [1] يوم الخميس لثمان بقين من ربيع الآخر: انقض كوكب كبير الجرم فتقطع ثلاث قطع.
[زيادة الأسعار بالأهواز واتصال الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى]
وزادت الأسعار بالأهواز [2] فزادت قيمة الكر من الحنطة حتى بلغت ثلاثمائة دينار وبشيراز ألف دينار.
واتصلت الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى اتصالا مسرفا وركب صاحب الشرطة والأتراك لإطفاء الفتنة فلم ينفع ذلك وانتقل القتال إلى باب البصرة وأهل الكرخ علي القنطرتين. ووقعت بين الحنابلة والأشاعرة فتنة عظيمة حتى تأخر الأشاعرة عن الجمعات خوفا من الحنابلة وكان أبو الحارث البساسيري قد أحضر الديوان وأحلف على إخلاص الطاعة ثم أن الأتراك ضجوا بين يديه وذكروا أنه لا يوصل إليهم حقوقهم ثم استأذنوا في ماله وأصحابه فأذن لهم وأطلق رئيس الرؤساء لسانه فيه وذكر قبح أفعاله وانه كاتب صاحب مصر/ وخلع ما في عنقه للخليفة وعدد ما كان مطويا في قلبه. ثم سئل الخليفة فيه فقال ليس الآن إهلاكه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «بالأهواز فبلغت» .

(15/347)


أخبرنا عبد الرَّحْمَن أخبرنا أبو بكر بن علي الخطيب قال كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم أمره واستفحل لعدم نظرائه من متقدمي الأتراك فاستولى على البلاد وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعى له على كثير من المنابر العراقية والأهواز ونواحيها وجبي الأموال ولم يكن القائم بأمر الله يقطع أمرا دونه ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته [1] وشهد عنده جماعة من الأتراك أن البساسيري عرفهم وهو إذ ذاك بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض علي الخليفة فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكائيل المعروف بطغرلبك أمير الغز وهو بنواحي الري يستنهضه على المسير الى العراق وانفض أكثر من كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد ثم أجمع رأيهم على أن قصدوا دار البساسيري وهي في الجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح بقرب الحريم الظاهري فأحرقوها وهدموا أبنيتها.
ووصل طغرلبك إلى بغداد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة ومضى البساسيري على الفرات إلى الرحبة وتلاحق به خلق كثير من الأتراك البغداديين وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته وأنه على إقامة الدعوة له بالعراق فأمده بالأموال وولاه الرحبة.
قال المصنف: ولما قرب [2] / طغرلبك وانتشر عسكره في طريق خراسان فانزعج الناس وشملهم الخوف ودخل إلى الحريم أهل السواد ثم ورد رسوله الى الديوان في نحو ثلاثين من الغز وانزعج العسكر وركبوا بالسلاح فسلم الرسول كتابا يتضمن الدعاء والثناء وأنه قصد الحضرة الشريفة للتبرك بمشاهدتها والمسير بعد ذلك إلى الحج وعمارة طريقه والانتقال إلى قتال أهل الشام [وكل معاند] [3] ثم خطب لطغرلبك ثم للمسمى بالملك الرحيم من بعده. ثم خرج رئيس الرؤساء لتلقى السلطان معه الموكب فلقيه حاجب السلطان في جماعة من الترك ومعه شهري فقدمه إليه وقال. هذا الفرس من مراكب السلطان الخاصة وقد رسم ركوبك أياما فنزل عن بغلته وركبه وجاء بعده عميد
__________
[1] في ص: «الخليفة شر عقيدته» .
[2] في ص: «ولما ظهر» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/348)


الدولة [1] أبو نصر الكندري وزير السلطان فاستقبله ورام أن يترجل [له] [2] فمنعه وتعانقا علي ظهور دوابهما وتمما إلى النهروان ولقى السلطان فذكر له ما يصلح ذكره عن الخليفة فشكر وأومأ إلى تقبيل الأرض وقال. ما وردت إلا منصرفا عن الأوامر السامية وممتثلا للمراسم العالية ومتميزا عن ملوك خراسان بالدنو من هذه الخدمة الشريفة ومنتقما من أعدائها وسائر إلى بلاد الشام لفتحها وإصلاح طريق الحج. فقال له رئيس الرؤساء. أن الله تعالى أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة وسأله في الملك الرحيم أن يجريه مجرى أولاده فأعطاه يده ثم استأسره بعد ذلك وقطعت خطبته سلخ رمضان هذه السنة وحمل إلى القلعة/ فاعتقل فيها اعتقالا جميلا.
[قال المصنف] [3] فطغرلبك أول ملك من الترك السلجوقية وهو الذي بنى لهم الدولة والمسمى بالملك الرحيم كان آخر أمراء الديلم وملوك بني بويه.
وفي رمضان: قبض على أبي الحسن سعيد بن نصر النصراني كاتب البساسيري وختم على ماله وخزانته بدار الخلافة وغيرها.
وفي حادي عشر رمضان: فرغ من طيار الخليفة وحط إلى الماء بدجلة بالقراء والأصحاب وثارت بين العوام والأتراك فتنة أدت إلى قتل وأسر فنهب الجانب الشرقي بأسره وذهبت أموال الناس.
وفي ثاني شوال: نزل طغرلبك دار المملكة وتفرق عسكره في دور الأتراك وكان معه ثمانية فيلة.
وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة: قلد أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني قضاء القضاة وخلع عليه ثم خلع علي طغرلبك أيضا في يوم الأربعاء وعاد القاضي بعد ان خلع عليه طغرلبك [4] إلى داره وبين يديه بوقات ودبادب.
__________
[1] في الأصل: «عميد الملك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] «القاضي بعد أن خلع عليه طغرلبك» : ساقطة من الأصل.

(15/349)


وفي ذي القعدة: توفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم وكان قد نشأ نشوءا حسنا فعظمت الرزية وجلس رئيس الرؤساء للعزاء به في [رواق] [1] صحن دار السلام وحضر الناس وقد أمروا بتخريق ثيابهم وتشويش عمائمهم والتحفي فلما صار وقت العتمة قطع الرواق بسرادق من دونه سبنية وجعل وراءها التابوت وخرج الخليفة فصلى عليه والناس من بعد [السرادق] [2] وكبر أربعا ودخل رئيس الرؤساء وعميد الملك [إلى] [3] السبنية وعزيا الخليفة وخرجا وقطع ضرب الطبل أيام التعزية من دار الخلافة ومن الخيم السلطانية ولما كان يوم الأحد رابع الجلوس حضر عميد الملك/ في جماعة وأدى عن السلطان رسالة تتضمن الدعاء والسؤال بالتقدم بالنهوض من مجلس التعزية وطلب السلطان مالا من الخليفة فبذل بعض الولاة تصحيح المطلوب علي أن يطلق يده في الحريم ويبسط في التناول. فقال الخليفة، ما زال هذا الحريم مصونا وقد جرى فيه ما رأينا مكافاته في ولدنا فما نشك أن دعوه فسمعت والرعية سألت فأجيبت فعاودوه في ذلك إلى أن تقدم بالرفق فيما يفعل.
وفي هذه السنة: استولى أبو كامل على بن محمد الصليحي الهمذاني علي أكثر أعمال اليمن واعتزى إلى صاحب مصر وقوى على الذي كان يخطب في هذه الأعمال [للقائم] [4] .
وفي هذه السنة [5] : قبض الملك الرحيم بواسط علي الوزير شرف الأمة أبي عبد الله بن عبد الرحيم وقيل طرح في بئر.
وكثر فساد الغز ونهبهم فثار العوام وقتلوا عددا من الغز وكثر النهب حتى بلغ الثور خمسة قراريط إلى عشرة والحمار قيراطين إلى خمسة.
وكان أبو دلف فولاذ [بن خسرو] [6] بن كندي بن حرة قد ملك شيراز وجمع اليه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وفيها» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(15/350)


الديلم بها ثم حوصر فبلغت الحنطة سبعة أرطال بدينار ومات أهلها جوعا فبقى فيها نحو ألف إنسان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3322- تمام بن محمد بن هارون بن عيسى، أبو بكر الهاشمي الخطيب
[1] .
ولد سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع من يوسف القواس وأبي عبيد الله المرزباني وكان صدوقا وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا فقبل شهادته وتقلد الخطابة بجامع الرصافة سنة ست وثمانين وثلاثمائة ثم أضيف إلى ذلك تقليده الخطابة بجامع القصر وكان يتناوب هو وأبو الحسين بن المهتدي الصلاة في الجامعين الى أن ترك ابن المهتدي الصلاة [2] في جامع الرصافة واقتصر علي مناوبة تمام في جامع القصر وتوفي في ذي القعدة [من هذه السنة] [3] .
3323- الحسن بن علي بن عبد الله، أبو علي المؤدب الأقرع المقرئ
[4] :
سمع الكتاني والمخلص وغيرهما وتوفى في صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب ولم يكن به بأس.
3324- الحسن بن علي بن عيسى النحويّ الربعي، ابو البركات الدينَوَريّ [5] :
كان ينوب عن الوزير ببغداد وله معرفة بعلم الكتاب وجن في شبيبته وادعى النبوة في جنونه ثم برأ.
وتوفى في شعبان هذه السنة بباب المراتب.
3325- الحسين بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي، أبو عبد الله المعروف بابن موكولا
[6] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 141) .
[2] «الجامعيين إلى أن ترك ابن المهتدي الصلاة في» : ساقطة من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 392) .
[5] الدينَوَريّ: نسبة إلى الدينور وهي من بلاد الجبل عند قرميسين (الأنساب 5/ 407) .
[6] في الأصل: «الحسين بن علي بن محمد بن أبي دلف» .
وانظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 80، والبداية والنهاية 12/ 97، وفيه: الحسين» ) .

(15/351)


من أهل جرباذقان، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة وولى القضاء بالبصرة من قبل أبي الحسن بن أبي الشوارب، ثم استحضره القادر باللَّه فولاه قضاء القضاة في سنة عشرين وأربعمائة فلما ولى القائم أقره على ولايته إلى حين وفاته فمكث يتولى قضاء القضاة سبعا وعشرين سنة وكان يقول سمعت من أبي عبد الله بن منده وكان ينتحل مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وكان يقول الشعر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ عن أبي محمد زرق الله بن عبد الوهاب التميمي قال أنشدنا قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا لنفسه.
تصابى برهة من بعد شيب ... فما أغنى مع الشيب التصابي
وسود عارضيه بلون خضر ... فلم ينفعه تسويد الخضاب
وأبدى للأحبة كل لطف ... فما ازدادوا سوى فرط اجتناب
سلام الله عودا بعد بدء ... على أيام ريعان الشباب
تولى غير مذموم وأبقى ... بقلبي حسرة تحت الحجاب
وكان نزها صينا عفيفا فحكى ابن عبيد المالكي وكان يتوكل للقائم بأمر الله قال أمرني الخليفة أن أحمل ببقاعين عليه في مراكن إلى النقيبين وقاضي القضاة ابن ماكولا وإلى جماعة ففعلت فكلهم قبل غير ابن ماكولا فاجتهدت فلم يفعل فعدت بالمحمول وكتبت بما جرت الحال فلما قرأها الخليفة جعل يقول ما أغثه ما أغثه أترى تقع إليه حكومة فيحابيني فيها. توفي ابن ماكولا في شوال هذه السنة وصلى عليه أبو منصور ابن يوسف ودفن في داره بالحريم قريبا من باب العامة.
3326- عبد الغفار بن محمد بن عبد الغفار [1] ، أبو طاهر القرشي الأموي:
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال: هو من ولد مسلمة بن عبد الملك ويعرف بابن الأموي سمع إسحاق بن سعد بن سفيان كتبت عنه وكان صدوقا يسكن باب البصرة سألته عن مولده/ فقال في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ومات في ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 117) .

(15/352)


3327- علي بن المحسن بن علي بن محمد ابن أبي الفهم، أبو القاسم التنوخي
[1] :
وتنوخ الذين ينسب إليهم اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التوازر والتناصر وأقاموا هناك فسموا تنوخا ولد بالبصرة في شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة وأول سماعه في شعبان سنة سبعين وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته وكان محتاطا صدوقا إلا أنه كان معتزليا ويميل إلى الرفض وتقلد قضاء نواحي عدة منها المدائن وأعمالها ودرزيجان والبردان وقرميسين وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في داره بدرب التل.
3328- محمد بن القائم بأمر الله، ويلقب بالذخيرة
[2] :
توفي في ذي القعدة من هذه السنة وعظم المصاب به علي ما ذكرنا في الحوادث.
3329- ستيتة بنت القاضي أبي الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ البجلي
[3] .
أخبرنا أبو منصور أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال سمعت ستيتة من أبي القاسم عمر بن محمد بن سنبك كتبت عنها وكانت صادقة فاضلة تنزل الجانب الشرقي في حريم دار الخلافة وماتت في رجب من سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
تم الجزء الخامس عشر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. وكان الفراغ منه في يوم الإثنين المبارك سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثمانمائة. أحسن الله نقضها في عافية بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
غفر الله لمن استكتب وكتب، ونظر ودعاء لكل بالمغفرة ولجميع المسلمين، يتلوه في الّذي يليه: «ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة» . والحمد للَّه رب العالمين.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 117) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 115، والبداية والنهاية 12/ 67) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 446) .

(15/353)


[المجلد السادس عشر]
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في مستهل المحرم عقد عميد الملك [أبو نصر] [1] الكندري وزير طغرلبك على هزارسب بن بكير بن عياض الكردي ضمان البصرة والأهواز وأعمال ذلك لهذه السنة بثلاثمائة ألف دينار سلطانية، وأطلقت يده، وأذن في ذكر اسمه في الخطبة بالأهواز.
[عقد الجسر من مشرعة الحطابين إلى مشرعة الرواية]
وفي المحرم: ابتدئ بعقد الجسر من مشرعة الحطابين إلى مشرعة الرواية زيد في زوارقه [2] لعلو الماء، فعصفت [3] ريح شديدة، فقطعت الجسر فانحدرت زوارقه [4] إلى الدباغين، وانحل الطيار المربوط بباب الغربة، وتكسر سكانه، وتشعثت آلاته.
وفي هذه السنة: عم ضرر العسكر بنزولهم في دور الناس وارتكابهم المحظورات، فأمر الخليفة رئيس الرؤساء باستدعاء الكندري، وأن يخاطبه في ذلك، ويحذره العقوبة فإن اعتمد السلطان ما أوجبه الله تعالى وإلا فليسا عدنا في النزوع عن هذه المنكرات، فكتب رئيس الرؤساء إلى الكندري، فحضر فشرح له ما جرى، [فمضى إلى السلطان فشرح له الحال] [5] فقال إنني غير قادر علي تهذيب العساكر لكثرتهم، ثم استدعاه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «زواريقه» .
[3] في الأصل: «وعفت» .
[4] في الأصل: «زواريقه» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/3)


في بعض الليل فقال: إني نمت في بعض الليل [1] وقد تداخلتني الخشية للَّه تعالى مما 2/ ب ذكرت لي فنمت [2] فرأيت شخصا وقع/ في نفسي أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه واقف عند باب [3] الكعبة، فسلمت عليه فلم يلتفت نحوي، وقال: يحكمك الله في بلاده وعباده فلا تراقبه فيهم، ولا تستحي من جلاله، فامض إلى الديوان وأنظر ما يرسمه أمير المؤمنين لأطيع. فأنهى رئيس الرؤساء الحال فخرج التوقيع [متضمنا] [4] للبشارة [5] برؤية سيدنا [6] رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصل إلى السلطان بكى وأمر بإزالة الترك، وإطلاق من وكل به.
[ابتداء السلطان طغرلبك ببناء سور عريض]
وفي هذه السنة: ابتدأ السلطان طغرلبك ببناء سور عريض، دخل فيه قطعة كثيرة من المخرم، وعزم علي بناء دار فيها، وجمع الصناع لتجديد دار المملكة العضدية، وخربت الدور والدروب والمحال والأسواق بالجانب الشرقي، وجميع ما يقارب الدار، وأخذت آلاتها للاستعمال، ونقضت دور الأتراك، وسلت أخشابها بالجانب الغربي، وقلع الفقراء أخشاب السدور وباعوه على الخبازين والفراشين.
[عقد الخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي طغرلبك]
وفي يوم الخميس لثمان بقين من المحرم: عقد للخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي السلطان طغرلبك، على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وحضر قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، وأقضى القضاة أبو الحسن الماوردي، ورئيس الرؤساء أبو القاسم ابن المسلمة، وهو الذي خطب، ثم قَالَ: إن رأى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أن ينعم بالقبول فعل. فقال: قد قبلنا هذا النكاح بهذا الصداق. فلما دخل شهر شعبان 3/ أمضى ابن المسلمة إلى/ السلطان، وقال له أمير المؤمنين: يقول لك إن الله [تعالى] [7] يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 4: 58 [8] وقد أذن في نقل الوديعة الكريمة إلى
__________
[1] «في بعض الليل» : سقطت من ص.
[2] «فنمت» : سقطت من ص.
[3] «باب» : سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «بالبشارة» .
[6] «سيدنا» سقطت من ص، ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] سورة: النساء، الآية: 58.

(16/4)


العزيزة، فقال: السمع والطاعة. ومضت والدة الخليفة إلى دار المملكة، وأرسلت خاتون بورودها، فانحدرت بها ودخلا باب الغربة وقت العتمة، ودخل معها عميد الملك فقبل الأرض، وقال: الخادم ركن الدين قد امتثل المراسم العالية في حمل الوديعة، وسأل فيها كرم الملاحظة واجتناب الضيعة. ثم انصرفوا فقبلت الجهة الأرض دفعات عدة، فأدناها إليه، وقرّبها منه، وأجلسها معه [1] إلى جنبه، وطرح عليها فرجية منظومة [2] بالذهب، وتاجا مرصعا بالجوهر، وأعطاها من الغد [3] مائة ثوب ديباجا وقصبا مذهبا، وطاسة من ذهب قد نبت فيها الياقوت والفيروزج، وأفرد لها من إقطاع دجلة اثني عشر ألف دينار.
وفي هذا الوقت غلت الأسعار، فبلغ الكر الحنطة- وقد كان يساوي نيفا وعشرين دينارا- تسعين دينارا، وتعذر التبن حتى كان يباع الكساء من التبن بعشرة قراريط، وانقطعت الطريق من القوافل للنهب المتدارك، وكان أهل النواحي يجيئون بأموالهم مع الخفر فيبيعونها ببغداد مخافة النهب، ولحق الفقراء والمتجملين من معاناة الغلاء ما كان سببا للوباء والموت حتى دفنوا بغير غسل ولا تكفين، وكان الناس يأكلون الميتة، وبيع اللحم رطلا بقيراط، وأربع دجاجات بدينار، ونصف قفيز أرز بدينار، ومائة كراثة بدينار، ومائة أصل خس بدينار، وعدمت الأشربة [4] فبلغ المن من الشراب/ دينارا، 3/ ب والمكوك من بزر البقلة سبعة دنانير، والسفرجلة، والرمانة دينارا، والخيارة والنيلوفرة دينارًا، واغبر الجو، وفسد الهواء، وكثر الذباب، ووقع الغلاء والموت بمصر أيضا، وكان يموت في اليوم ألف نفس، وعظم ذلك في رجب وشعبان، حتى كفن السلطان من ماله ثمانية عشر ألف إنسان، وحمل كل أربعة وخمسة في تابوت، وباع عطار في يوم ألف قارورة فيها شراب، وعم الوباء والغلاء مكة، والحجاز، وديار بكر، والموصل، وخراسان، والجبال، والدنيا كلها.
__________
[1] «معه» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «مطمومة» .
[3] في ص: «من غد» .
[4] في الأصل: «الأدوية» .

(16/5)


وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور، فوجدوا عند الصباح موتى: أحدهم على باب النقب، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب المكورة.
وفي هذه السنة: تقدم رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن ابن المسلمة بأن تنصب أعلام سود في الكرخ، فانزعج لذلك أهلها، وكان يجتهد في أذاهم وإنما كان يدفع منهم عميد الملك الكندري.
[هبوب ريح شديدة]
وفيها: هبت ريح شديدة، وارتفعت معها سحابة ترابية فأظلمت الدنيا، فاحتاج الناس في الأسواق إلى السرج.
وفيها: احتسب أبو منصور بن ناصر السياري [1] علي أهل الذمة، وألزمهم لبس الغيارات والعمائم المصبوغات، وذلك عن أمر السلطان، فصرفت ذلك عنهم خاتون ومنعت المحتسب.
وفي العشر الثاني من جمادى الآخرة: ظهر [2] في وقت السحر ذؤابة بيضاء طولها في رأي العين نحو عشرة اذرع، في عرض نحو الذراع، ومكثت على هذه الحال إلى 4/ أالنصف من رجب، ثم اضمحلت، وكانوا يقولون/ أنه طلع مثل هذا بمصر فملكت، وكذلك بغداد لما طلع هذا ملكت وخطب فيها للمصريين.
وفي عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان: خرج الناس لترائي هلال شوال فلم يروه، وصلى الناس التراويح علي عادتهم ونووا صوم غدهم، فلما كان بكرة يوم الأربعاء جاء الشريف أبو الحسين بن المهتدى المعروف: بالغريق الخطيب، وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته، ووراءه المكبرون لابسين السواد علي هيئته إلى جامع دار الخلافة فرآه مغلقا، ففتحه ودخل وقال: اليوم يوم العيد، وقد رئي الهلال البارحة بباب البصرة، ورام الصلاة فيه، وجمع الناس به، وعرف رئيس الرؤساء الخبر فغاظه ذلك، وأحفظه أن لم يحضر الديوان العزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلال، فراسله واستحضره
__________
[1] في الأصل: «البساسيري» .
[2] في الأصل: «جمادى الآخرة: هبت ظهر ... » .

(16/6)


فامتنع وقال: حتى أصلى وأعيّد ثم نكفى إلى الديوان، فروجع وأحضر وأنكر عليه إقدامه علي فتح الجامع وهو مغلق، وقد علم أنه لا خبر للناس من هذا الأمر محقق، وقال له: قد كان يحبب أن تحضر الديوان العزيز، وتنهى الحال ليحيط به العلم الشريف، ويتقدم فيما يوجبه ويقتضيه. وأغلظ له فيما خاطبه فاعتذر، وقال: ما فعلت مما فعلته إلا ثقة بنفسي، وبعد أن وضحت [1] الصورة عندي، وكان قد حضرني البارحة ثمانية أنفس من جيراني أثق بقولهم فشهدوا عندي جميعا بمشاهدة الهلال، فقطعت بذلك وحكمت [2] وأفطرت وأفطر الناس في باب البصرة، وخرجوا اليوم [3] قاصدين/ جامع المدينة، ولم أعلم أن هذا لم يشع، فحضرت وأنكرت كون الجامع مغلقا، ثم 4/ ب جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال.
فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني: ما عندك في هذا؟
فقال: أما مذهب أبي حنيفة الذي هو مذهبي فلا تقبل مع صحو السماء، وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال إلا قول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين، وأما مذهب الشافعي رضي الله عنه [4] [الذي] هو مذهب [هذا] [5] الشريف فإنه يقطع بشهادة اثنين في مثل هذا.
وطولع الخليفة بالحال، فأمر بالنداء أن لا يفطر أحد، فأمسك من كان أكل، وكان والد القاضي أبي الحسين قد مضى إلى جامع القطيعة فصلى بالناس وعيد، وكذلك في جامع الحربية ولم يعلموا [6] بما جرى.
وفي هذه السنة: أقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش، ومشهد العتيقة، ومساجد الكرخ: «بالصلاة خير من النوم» ، وأزيل ما كانوا يستعملونه في الأذان «حي على خير العمل» وقلع جميع ما كان علي أبواب الدور والدروب من «محمد وعلي خير البشر» ودخل إلى الكرخ منشدو أهل السنة من باب البصرة، فأنشدوا الأشعار في مدح
__________
[1] في المطبوعة: «وضعت» .
[2] في الأصل: «وحرمت» .
[3] في الأصل: «وخرجوا الناس» .
[4] «رضي الله عنه» سقطت من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[6] في الأصل: «ولم يعلم» .

(16/7)


الصحابة، وتقدم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ البزازين بباب الطاق، لما كان [1] يتظاهر به من الغلو في الرفض، فقتل وصلب علي باب دكانه، وهرب أبو جعفر الطوسي، ونهبت داره.
وتزايد الغلاء، فبيع الكر الحنطة بمائة وثمانين دينارا، والكارة الخشكار [2] الرديئة بسبعة دنانير، وأتى البساسيري الموصل، فخطب بها للمصري، فاستدعى عميد 5/ أالملك [3] محمد بن النسوي، وتقدم إليه بإخراج أبي الحسن [4] / بن عبيد كاتب البساسيري وقتله، وكان قد أسلم في الحبس ظنا أن ذلك ينجيه، فقتل.
[سير طغرلبك من بغداد يطلب الموصل]
وفي هذه السنة: سار طغرلبك من بغداد يطلب الموصل، وقد استصحب النجارين وعمل العرادات والمجانيق، وكانت مدة مقامه ببغداد ثلاثة عشر شهرًا وثلاثة عشر يوما، واجتهد به الخليفة أن يقيم فلم يقم، وخرج بعسكره فنهبوا أوانًا، وعكبرا، وجميع البلاد، وسبوا نساءها، ونهبت تكريت، وحوصرت القلعة، وعم الغلاء جميع الآفاق حتى بلغ الكر الحنطة مائة وتسعين دينارا، وزاد ذلك في المعسكر فبيع الخبز رطل بنصف دانق، وعاد ابن فسانجس إلى واسط ومعه الديلم، وخطب للمصري، وورد محمود بن الأخرم الخفاجي من مصر ومعه مال، فخطب بشفاتا، وعين التمر، وبالكوفة [5] للمصري، وكذلك فعل شداد بن أسد [6] في النيل، وسورا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3330- الحسن [7] بن عبد الواحد بن سهل بن خلف، أبو محمد
[8] .
__________
[1] في الأصل: «بما كان» .
[2] في الأصل: «الكشكار» .
[3] في الأصل: «أمين الملك» .
[4] في الأصل: «أبي الحسين» .
[5] في الأصل: والكوفة» .
[6] في الأصل: «شداد بن الحسين» .
[7] في الأصل: «الحسين» .
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 344) .

(16/8)


ولد في سنة ثمان [1] وسبعين وثلاثمائة، سمع من ابن حبابة، والدارقطني، والمخلص، وغيرهم، وكان صدوقا. توفي فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة.
3331- الحسين بن جريش بن أحمد بن علي بن يعقوب، أبو عبد الله الكاتب
[2] :
ولد سنة تسع وستين وثلاثمائة، وكان يذكر أن أصله من الكرخ، وأنه من ولد أبي دلف العجلي، سمع المخلص، ويوسف بن عمر القواس، وغيرهما، وكان سماعه صحيحا/، وتوفي في هذه السنة.
5/ ب
3332- بدر بن جعفر بن الحسين بن علي، أبو الحسن العلوي [3] من ساكني الكوفة.
كتب عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان صدوقا.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3333- عبد الملك بن محمد بن محمد بن سلمان [4] ، أبو محمد العطار
[5] .
سمع أبا الحسن بن لؤلؤ، وابن المظفر، وكان صدوقا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3334- علي بن أحمد بن علي [6] بن سلك، أبو الحسن [7] المؤدب، المعروف: بالفالي
[8] .
__________
[1] في الأصل: «ثلاث» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 40، وفيه: الحسين بن حريش- بالحاء) .
[3] العلويّ: بفتح العين المهملة واللام المخففة، وفي آخرها الواو. هذه النسبة إلى أربعة ممن اسمهم علي أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. والثاني المنسوب إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو علي بن ثوبان. والثالث من ولد علي بن سود، والرابع من بني مدلج (الأنساب 9/ 41) .
[4] في ت: «بن سليمان» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 434) .
[6] في الأصل: «علي بن أحمد بن أحمد بن علي ... » وفي ت: «علي بن محمد بن علي ... »
[7] «أبو الحسن» سقطت من ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 69. وشذرات الذهب 3/ 278. وتاريخ بغداد 11/ 334.
والأنساب للسمعاني 9/ 233. والكامل 8/ 335) .

(16/9)


من أصل بلدة فالة قريبة من أيذج، أقام بالبصرة مدة، وسمع بها من أبي عمر بن عبد الواحد الهاشمي وغيره [1] ، وقدم بغداد فاستوطنها، وكان ثقة.
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أنشدنا أبو زكريا التبريزي قَالَ: أنشدني أبو الحسن [2] الفالي من لفظه لنفسه:
لما تبدلت المجالس أوجهًا ... غير الذين عهدت من علمائها
ورأيتها محفوفة بسوى الألى ... كانوا ولاة صدورها وفنائها
أنشدت بيتا سائرا متقدما ... والعين قد شرقت بجاري مائها
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
وأنشد لنفسه:
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد يسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
قَالَ أبو زكريا: وجدت بخط الفالي لنفسه وكان قد باع «الجمهرة لابن دريد» فندم بعد ذلك.
6/ أ/
أنست بها عشرين حولا وبعتها ... لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهل جفوني
فقلت ولم املك سوابق عبرتي ... مقالة مكوي الفؤاد حزين
لقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... ذخائر من رزء بهن ضنين
[3] توفي الفالي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
__________
[1] «وغيره» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «أبو الحسين» .
[3] في الأصل: «من دبّ بهن طنين» .

(16/10)


3335- فاطمة بنت القادر باللَّه
[1] .
أخت القائم [2] [بأمر الله] [3] توفيت في هذه السنة، فأخرج تابوتها وتابوت الذخيرة أبي العباس بن القائم، وصلى الخليفة عليهما في صحن السلام، وجلس رئيس الرؤساء في الطيار مع التابوتين، وحملا إلى الرصافة، وحضر في العزاء عدد لا يتجاوزون الأربعين [4] لخلو البلد، وانقراض الناس بالموت والفقر.
3336- محمد بن أيوب، أبو طالب، الملقب: عميد الرؤساء
[5] .
ومولده سنة سبعين وثلاثمائة كتب للخليفة ست عشرة سنة.
وتوفي عن ثمان وسبعين سنة.
3337- محمد بن أحمد بن علي، أبو طاهر الدقاق، يعرف: بابن الأشناني
[6] .
سمع من أبي عمر بن مهدي، وابن الصلت، وأبي عبد الله بن دوست، وكان ثقة، ومات يوم السبت للنصف من صفر هذه السنة.
3338- محمد بن الحسن [7] بن عثمان بن عمر، أبو طاهر الأنباري
[8] .
قدم بغداد في سنة ثلاث وتسعين [9] وثلاثمائة، وسمع من الحسين بن/ هارون 6/ ب الضبي، وأبى عبد الله بن دوست [10] ، وكان صدوقا.
وتوفي في النصف من ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] «باللَّه» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «أخت القائم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[4] في المطبوعة: «أربعين» .
[5] انظر ترجمته في: (الأعلام 6/ 46. وسير أعلام النبلاء- الطبقة الرابعة والعشرون. وديوان مهيار 1/ 256، 276، 309، 2/ 200، 204) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 324) .
[7] في ت: «محمد بن الحسين» .
[8] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 22) .
[9] في تاريخ بغداد: «ثلاث وسبعين» .
[10] في الأصل: «دوشت» .

(16/11)


3339- محمد بن الحسين [1] بن عثمان بن الحسن، أبو بكر الهمذاني الصيرفي
[2] .
سمع الدارقطني، وابن حبابة، ولم يكن به بأس. وتوفي في هذه السنة.
3340- محمد بن الحسين بن محمد بن سعدون، أبو طاهر البزاز الموصلي
[3] .
ولد بالموصل [4] نشأ ببغداد وسمع من ابن حيوية، وأبي بكر بن شاذان، والدارقطني، وابن بطة، وغيرهم، وكان صدوقا.
وتوفي في جمادي الأولى [5] من هذه السنة.
3341- محمد بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ
[6] .
سمع محمد بن المظفر، وأبا عمر ابن حيوية، [والدارقطني، وغيرهم وكان صدوقا.
وتُوُفّي في جمادي الأولى من هذه السنة، ودفن في مقبرة بَابُ حرب.
3342- مُحَمَّد بْن عبد الواحد بْن الصباغ
[7] :
سمع من ابن شاهين وغيره] [8] وكان ثقة فاضلا، درس فقه الشافعي عَلَى أبي حامد الأسفراييني، وكانت له حلقة للفتوى في جامع المدينة. وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني.
وتُوُفّي في ذي القعدة من هَذِهِ السنة، ودفن بمقبرة باب الدير.
__________
[1] في الأصل: «الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 255) .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 255 وشذرات الذهب 3/ 278. والكامل 8/ 336) .
[4] «ولد بالموصل» سقطت من ص، والمطبوعة.
[5] في تاريخ بغداد: «ربيع الأول بمصر» .
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 278) .
[7] هذه الترجمة سقطت من ص، الأصل، وذلك بتداخلها مع الترجمة السابقة، كما هو واضح من وضع المعقوفتين، فقد سقط ما بين المعقوفتين من الأصل، ص، وأثبتناه من ت.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 362. والبداية والنهاية 12/ 70. والكامل 8/ 336) .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من ص، الأصل كما سبق الإشارة إلى ذلك.

(16/12)


هلال بن المحسن
بن إبراهيم بن هلال، أبو الحسين [1] الكاتب الصابي صاحب «التاريخ» [2] .
ولد سنة تسع وخمسين، وسمع أبا علي الفارسي، وعلي بن عيسى الرماني، وغيرهما، وكان صدوقا وجدُّه أبو إسحاق الصابي صاحب «الرسائل» وكان أبوه المحسن صابئًا، فأما هو فأسلم متأخرا، وكان قد سمع من العلماء في حال كفره، لأنه كان يطلب الأدب.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
ذكر سبب إسلامه
/ أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ [3] ، حدثنا الرئيس أبو علي محمد بن سعيد بن 7/ أنبهان [4] الكاتب قَالَ: قَالَ هلال بن المحسن: رأيت في المنام سنة تسع وتسعين وثلاثمائة رسول الله صلي الله عليه وسلم قد وافى إلى موضع منامي [5] ، والزمان شتاء، والبرد شديد، والماء جامد، فأقامني [6] فارتعدت حين رأيته، فقال: لا ترع، فإني رسول الله، وحملني إلى بالوعة في الدار عليها دورق خزف وقال: توضأ وضوء الصلاة. فأدخلت يدي في الدورق فإذا الماء جامد، فكسرته وتناولت من الماء ما أمررته علي وجهي وذراعي وقدمي، ووقف في صفه وصلى وجذبني إلى جانبه وقرأ الحمد، وإذا جاء نصر الله والفتح، وركع وسجد، وأنا أفعل مثل فعله، وقام ثانيا وقرأ الحمد وسورة لم أعرفها، ثم سلم، وأقبل عليّ وقال: أنت رجل عاقل محصل، والله يريد بك خيرًا فلم تدع الإسلام الذي قامت عليه الدلائل والبراهين، وتقيم علي ما أنت عليه؟ هات يدك وصافحني، فأعطيته يدي فقال: قل أسلمت وجهي للَّه، وأشهد أن الله الواحد الصمد الّذي لم يكن له
__________
[1] في ت: «أبو الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 76. وتاريخ آداب اللغة لجرجي زيدان 2/ 323. ووفيات الأعيان 6/ 101: 105. ومعجم المطبوعات 1179. ونزهة الألباء 423.
والأعلام 8/ 92، والبداية والنهاية 12/ 70. وشذرات الذهب 3/ 278) .
[3] «الحافظ» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «بن شهاب» .
[5] في ص: «مقامي» .
[6] في ص: «فأقعدني» .

(16/13)


صاحبة ولا ولد، وأنك يا محمد رسوله إلى عباده بالبينات والهدى. فقلت ذاك، ونهض ونهضت، فرأيت نفسي قائما في الصفة، فصحت صياح الانزعاج والارتياع، فانتبه أهلي وجاءوا، وسمع أبي فقال: ما لكم [1] ؟ فصحت به فجاءوا، وأوقدنا المصباح وقصصت عليهم قصتي، فوجموا إلا أبي فإنه تبسم، وقال: ارجع إلى فراشك، 7/ ب فالحديث يكون عند الصباح وتأملنا [2] / الدورق، فإذا الجمد الذي فيه متشعث بالكسر، وتقدم والدي إلى الجماعة بكتمان ما جرى، وقال: يا بني، هذا منام صحيح، وبشرى محمودة، إلا أن إظهار هذا الأمر فجأة، والانتقال من شريعة إلى شريعة يحتاج إلى مقدمة وأهبة، ولكن اعتقد ما وصيت به، فإنني معتقد مثله، وتصرف في صلاتك ودعائك على أحكامه، ثم شاع الحديث، ومضت مدة فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثانيا على دجلة في مشرعة باب البستان، وقد تقدمت إليه وقبلت يده فقال: ما فعلت شيئا مما وافقتني عليه وقررته معي؟ قلت: بلى يا رسول الله، ألم أعتقد ما أمرتني به، وتصرفت في صلاتي ودعائي على موجبه؟ فقال: لا، وأظن أن قد بقيت في نفسك شبهة، تعال.
وحملني إلى باب المسجد الذي في المشرعة، وعليه رجل خراساني نائم على قفاه وجوفه كالغرارة المحشوة من الاستسقاء، ويداه وقدماه منتفختان، فأمر يده على بطنه وقرأ عليه فقام الرجل صحيحًا معافى. فقلت: صلى الله عليك يا رسول الله فما أحسن تصديق أمرك وأعجز فعلك [3] . وانتبهت.
فلما كان في سنة ثلاث وأربعمائة رأيت في بعض الليالي كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكبا علي باب خيمة كنت فيها، فانحنى على سرجه حتى أراني وجهه، فقمت إليه [4] وقبلت ركابه ونزل [5] فطرحت له مخدة وجلس، وقال: يا هذا، كم آمرك بما أريد فيه الخير لك 8/ أوأنت تتوقف عنه. قلت [6] : يا مولاي، أما أنا متصرف عليه؟ قال: بلى/، ولكن لا
__________
[1] في الأصل: «مالك» .
[2] في الأصل: «وتأملت» .
[3] في الأصل: «فما أصدق أمرك وأعجب فعلك» .
[4] «إليه» سقطت من ص، ت.
[5] في الأصل: «ونعله» .
[6] في الأصل: «فقلت» .

(16/14)


يغنى الباطن الجميل مع الظاهر القبيح، وأن تراعي أمرًا فمراعاتك الله أولى، قم الآن وافعل ما يجب ولا تخالف. قلت: السمع والطاعة.
فانتبهت ودخلت إلى الحمام ومضيت [1] إلى المشهد وصليت فيه، وزال عني الشك، فبعث إلى فخر الملك فقال: ما الذي بلغني؟ فقلت: هذا أمر كنت أعتقده وأكتمه، حتى رأيت البارحة في النوم كذا وكذا. فقال: قد كان أصحابنا يحدثوني أنك كنت تصلى بصلاتنا، وتدعو بدعائنا وحمل إلى دست ثياب ومائتي دينار فرددتهما وقلت: ما أحب أن أخلط بفعلي شيئا من الدنيا، فاستحسن ما كان مني وعزمت أن أكتب مصحفا فرأى بعض الشهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له: تقول لهذا المسلم القادم نويت أن تكتب مصحفا، فاكتبه، فيه يتم إسلامك.
قَالَ وحدثتني امرأة تزوجتها بعد إسلامي قالت: لما اتصلت بك قيل لي إنك على دينك الأول فعزمت على فراقك، فرأيت في المنام رجلا قيل أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه جماعة قيل هم الصحابة، ورجل معه سيفان قيل [2] إنه على بن أبي طالب، وكأنك قد دخلت فنزع عليّ أحد السيفين فقلدك إياه وقال: ها هنا ها هنا. وصافحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع أمير المؤمنين رأسه إلي وأنا أنظر [3] من الغرفة فقال: ما ترين إلى هذا؟ هو أكرم عند الله وعند رسوله منك ومن كثير من الناس، / وما جئناك إلا لنعرفك موضعه، 8/ ب ونعلمك أننا زوجناك به تزويجًا صحيحًا فقري عينا وطيبي نفسا فما ترين إلا خيرا.
فانتبهت وقد زال عني كل شك وشبهة.
قَالَ أبو علي بن نبهان في أثر هذا الحديث عن جده لأمه أبي الحسن الكاتب: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ له في المرة الثالثة: وتحقيق رؤياك إياي أن زوجتك حامل بغلام، فإذا وضعته فسمه مُحَمَّدًا. فكان ذلك كما قَالَ، وأنه ولد له ولد فسماه محمدًا وكناه أبا الحسن.
__________
[1] في ص: «وجئت» .
[2] «قيل» سقطت من ص.
[3] في ص: «وأنا مطلعة» .

(16/15)


ثم دخلت سنة تسع وأربعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم فتح الذعار عدة دكاكين من نهر الدجاج، ونهر طابق، والعطارين، وكسروا دراباتها [1] وأخذوا ما فيها، واستعفى ابن النسوي من الشرطة فأعفي.
وفي العشر الأخير من المحرم: بلغت الكارة الدقيق تسعة دنانير، وكدى المتجملون وكثير من التجار، وأكلت الكلاب والميتات، ومات من الجوع في [2] كل يوم خلق كثير، وشوهدت امرأة معها فخذ كلب ميت قد اخضر وجاف وهي تنهشه، ورمى من سطح طائر ميت فاجتمع عليه خمسة أنفس فاقتسموه وأكلوه، ورئي رجل قد شوى صبية في أتون فأكلها فقتل، وسددت أبواب دور مات أهلها، وكان الإنسان يمشي في الطريق فلا يرى إلا الواحد بعد الواحد.
[كبس دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ]
وفي صفر هذه السنة: كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ، 9/ أوأخذ ما وجد من دفاتره، وكرسي كان يجلس عليه للكلام، وأخرج/ ذلك [3] إلى الكرخ وأضيف إليه [4] ثلاثة مجانيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديما يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأحرق الجميع.
__________
[1] في الأصل: «ما فيها» .
[2] «في» سقطت من ص، ت.
[3] «ذلك» سقطت من ص، ت.
[4] في ص: «وضيف إليه» .

(16/16)


[وقوع وباء بأهواز وأعمالها]
وفي جمادى الآخرة: ورد كتاب من تجار ما وراء النهر [1] قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد، حتى أنه خرج من هذا الإقليم في يوم وأحد ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصى من مات إلى أن كتب هذا الكتاب فكانوا ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألفا، والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقا فارغة، وطرقات خالية، وأبوابا مغلقة، حتى إن البقر نفقت.
وجاء الخبر من آذربيجان وتلك الأعمال بالوباء العظيم، وأنه لم يسلم إلا العدد القليل.
ووقع وباء بالأهواز وأعمالها وبواسط، وبالنيل، ومطيرآباذ، والكوفة، وطبق الأرض حتى كان يخد للعشرين والثلاثين [2] زبية فيلقون فيها، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، وكان الفقراء يشوون الكلاب، وينبشون القبور فيشوون الموتى ويأكلونهم [3] ، وكان لرجل جريبان أرضًا دفع إليه في ثمنها عشرة دنانير فلم يبعها، فباعها حينئذ بخمسة أرطال خبز، وأكلها ومات من وقته. وطويت التجارات، وأمور الدنيا، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهيز [4] والدفن، وكان الإنسان قاعدًا فينشق قلبه عن دم المهجة فيخرج إلى الفم منه قطرة فيموت الإنسان.
وتاب الناس كلهم، وتصدقوا بمعظم أموالهم، وأراقوا الخمور، وكسروا المعازف، ولزموا المساجد لقراءة القرآن [خصوصا العمال والظلمة] [5] ، / وكل دار 9/ ب فيها خمر يموت أهلها في ليلة واحدة. ووجدوا دارا فيها ثمانية عشر نفسا موتى، ففتشوا متاعهم فوجدوا خابية خمر، فأراقوها. ودخلوا على مريض طال نزعه سبعة أيام [6] ، فأشار بإصبعه إلى خابية خمر فقلبوها وخلصه الله [تعالى] [7] من السكرة، فقضى، وقبل
__________
[1] في المطبوعة: «ما وراء نهر» .
[2] «والثلاثين» سقطت من ص.
[3] في ص، والمطبوعة: «يأكلونها» .
[4] «والتجهيز» سقطت من ص، ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «بأيامها» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/17)


ذلك كان من يدخل هذه الدار يموت، ومن كان مع امرأة حراما ماتا من ساعتهما، وكل مسلمين بينهما هجران وأذى فلم يصطلحا ماتا معًا، ومن دخل الدار ليأخذ شيئا مما قد تخلف فيها وجدوا المتاع معه وهو ميت.
ومات رجل كان مقيما بمسجد فخلف خمسين ألف درهم، فلم يقبلها أحد، ووضعت في المسجد تسعة أيام بحالها، فدخل أربعة أنفس ليلا إلى المسجد وأخذوها فماتوا عليها. ويوصي الرجل الرجل فيموت الذي أوصى إليه قبل الموصى، وخلت أكثر المساجد من الجماعات.
وكان أبو محمد عبد الجبار بن محمد الفقيه معه سبعمائة متفقه فمات وماتوا سوى اثني عشر من الكل.
ودخل رجل على ميت وعليه لحاف فأخذه، فمات ويده في [طرف] [1] اللحاف وباقيه على الميت.
ودخل دبيس بن علي بلاده فوجدها خرابا لا أكار بها ولا عالمة [2] ، حتى إنه أنفذ رسولا إلى بعض النواحي، فلقيه جماعة فقتلوه وأكلوه. وجمع العميد أبو نصر الناس من الطرقات للعمل في دار المملكة، وفيهم الهاشميون، والقضاة، والشهود، والتجار، فكانوا يحملون اللبن على أكتافهم وأيديهم عدة أسابيع.
وفي يوم الأربعاء لسبع بقين من جمادى الآخرة: احترقت قطيعة عيسى، وسوق الطعام، والكبش، وأصحاب السقط، وباب الشعير، وسوق العطارين، وسوق 10/ أالعروس، / وباب العروس [3] ، والأنماط، والخشابين، والجزارين، والنجارين، والصف، والقطيعة، وباب محول، ونهر الدجاج، وسويقة غالب، والصفارين، والصباغين، وغير ذلك من المواضع [والرواضع] [4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] هكذا في جميع النسخ، ولعلها: «عاملة» .
[3] «وباب العروس» سقطت من ص، ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/18)


وعاد طغرلبك من الموصل إلى بغداد وسلم الموصل وأعمالها إلى إبراهيم ينال ابن أخيه فأحسن إبراهيم السيرة.
وفي هذه السنة: لقي السلطان طغرلبك الخليفة القائم باللَّه، وكان السلطان يسأل في ذلك إلى أن تقرر كون هذا في ذي القعدة، فجلس رئيس الرؤساء في صدر رواق صحن السلام [1] ، وبين يديه الحجاب، ثم استدعى نقيبي العباسيين، والعلويين، وقاضي القضاة، والشهود، فلما تضاحى النهار كتب إلى السلطان طغرلبك بما مضمونه الإذن عن أمير المؤمنين في الحضور، فأنفذ ذلك مع ابني المأمون الهاشميين، ومن خدم الخواص خادمين، ومن الحجاب حاجبين، ولما وقف السلطان على ذلك نزل في الطيار، وكان قد زين وأنفذ إليه [2] فانحدر ومعه [عدة] [3] زبازب سميريات، وعلى الظهر فيلان يسيران بإزاء الطيار، فدخل الدار والأولاد والأمراء والملوك يمشون بين يديه، ونحو خمسمائة [4] غلام ترك، فلما وصل إلى باب دهليز صحن السلام وقف طويلا على فرسه حتى فتح له، ونزل فدخل إلى الصحن، ومشى وخرج رئيس الرؤساء إلى وسطه فتلقاه، فدخل على أمير المؤمنين وهو على سرير عال من الأرض نحو سبعة أذرع، عليه قميص وعمامة مصمتان، وعلى منكبه بردة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيده القضيب، فحين شاهد السلطان/ أمير المؤمنين قبل الأرض دفعات، فلما [5] دنا من مجلس 10/ ب الخليفة صعد رئيس الرؤساء إلى سرير لطيف دون ذلك السرير بنحو قامة، وقال له أمير المؤمنين: أصعد ركن الدين إليك، وليكن معه محمد بن منصور الكندري. فأصعدهما إليه وتقدم وطرح كرسي جلس عليه السلطان، وقال [أمير المؤمنين] [6] لرئيس الرؤساء:
قل له يا علي: أمير المؤمنين حامد لسعيك، شاكر لفضلك، آنس بقربك، زائد الشغف بك، وقد ولاك جميع ما ولاه الله تعالى من بلاده، ورد إليك فيه مراعاة عباده، فاتق الله
__________
[1] في الأصل: «في صحن دار السلام في صدرها» .
[2] في الأصل: «وكان قد سيروا نفرا إليه» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «خمسون» .
[5] في الأصل: «فحين» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/19)


فيما ولاك، واعرف نعمته عليك، وعبدك في ذلك، واجتهد في عمارة البلاد، ومصالح [1] العباد، ونشر العدل، وكف الظلم.
ففسر له عميد الملك القول، فقام وقبل الأرض وقال: أنا خادم أمير المؤمنين وعبده، ومتصرف على أمره ونهيه، ومتشرف بما أهلني له واستخدمني فيه، ومن الله تعالى استهداء [2] المعونة والتوفيق.
واستأذن [3] أمير المؤمنين في أن ينهض ويحمل إلى حيث تفاض الخلع عليه، فنزل إلى بيت في جانب البهو، ودخل معه عميد الملك، فألبس الخلع وهي سبع خلع في زي وأحد، وترك التاج على رأسه، وعاد فجلس بين يدي أمير المؤمنين، ورام تقبيل الأرض فلم يتمكن لأجل التاج، وأخرج أمير المؤمنين سيفا من بين يديه فقلده إياه، وخاطبه بملك المشرق والمغرب، واستدعى ألوية [4] وكانت ثلاثة: اثنان خمرية بكتائب صفر، وآخر بكتائب مذهبة سمي [5] لواء الحمد فعقد منهم أمير المؤمنين لواء الحمد 11/ أبيده، وأحضر العهد فقال. يسلم إليه/ ويقال له: يقرأ عليك عهدنا إليك [6] ، ويفسر [7] لك لتعمل بموجبه، وبمقتضى ما أمرنا به، خار الله لنا ولك وللمسلمين فيما فعلنا وأبرمناه، أمرك بما أمرك الله به، وأنهاك عما نهاك الله عنه، وهذا منصور بن أحمد [8] نائبنا لديك، وصاحبنا وخليفتنا عندك، ووديعتنا، فاحتفظ به وراعه، فإنه الثقة السديد والأمين الرشيد، وانهض على اسم الله تعالى مصاحبا محروسا.
وكان من السلطان طغرلبك في كل فصل يفصل [9] له من الشكر وتقبيل الأرض
__________
[1] في ص: «وصلاح العباد» .
[2] في ص: «أستمد» .
[3] في الأصل: «وأذن» .
[4] في الأصل: «الونية» .
[5] في الأصل: «يسمى» .
[6] «إليك» سقطت من ص، ت.
[7] في ص: «وينشر» .
[8] في ص: «منصور بن محمد» .
[9] في الأصل: «يفسر» .

(16/20)


ما أبان عن حسن طاعته [1] ، وصادق محبته [2] ، وسأل مصافحته باليد الشريفة فأعطاه أمير المؤمنين يده دفعتين قبل لبسه الخلع وعند انصرافه من حضرته [3] ، وهو يقبلها ويضعها على عينيه، ودخل جميع من في الدار من الأكابر والأصاغر إلى المكان فشاهدوا تلك الحال، وخرج إلى صحن دار السلام، فسار والخيل [4] والألوية أمامه، ولما خرجت الألوية رفعت من سطح صحن السلام وحطت على روشن بيت النوبة، ومنه إلى الطيار لئلا تخرج في الأبواب فتنكس، ومضى إليه رئيس الرؤساء في يوم الاثنين وهنأه عن الخليفة وقال له: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تجلس للهناء بما أفاضه عليك من نعمة، وولاك [5] من خدمته، وحمل إليه خلعة، فقام وقبل الأرض وقال: قد أهلني أمير المؤمنين لرتبة يستنفد شكري ويستعبدني بما بقي من عمري، وأتاه بسدة مذهبه وقال له:
أمير المؤمنين يأمرك [6] أن تلبس هذا التشريف، وتجلس في هذا الدست، وتأذن للناس ليشهدوا/ ما تواتر من إنعامه، فيبتهج الولي، وينقمع العدو. 11/ ب وحمل السلطان في مقابلة ذلك خمسين غلاما أتراكا على خيول بسيوف ومناطق وعشرين رأسا من الخيل، وخمسين ألف دينار، وخمسين قطعة ثياب.
[قبض على أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بمصر]
وفي ذي الحجة من هذه السنة: قبض على أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري بمصر، وعلى ثمانين من أصحابه، وقررت عليه أموال عظيمة. وكتب خطه بثلاثة آلاف ألف دينار، واخذ من المختصين به ألوف، وكان في ابتداء أمره قد حج وأتى المدينة، وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط على منكبه قطعة من الخلوق فقال أحد القوام: أيها الشيخ، أبشرك بأمر ولى الحباء والكرامة إذا بلغت إليه، أعلمك أنك تلي ولاية عظيمة، وهذا الخلوق الذي وقع عليك شاهدها، وهو دليل على علو منزلة من يسقط عليه.
فضمن له ما طلبه، فلم يحل الحول حتى ولى الوزارة، وأحسن إلى الرجل، وتفقد
__________
[1] في الأصل: «حسن الطاعة» .
[2] في الأصل: «وصادق المحبة» .
[3] في الأصل: «من حضرتها» .
[4] في الأصل: «إلى صحن الدار فسار وانحرت ... » .
[5] في الأصل: «مولاك» .
[6] في ص: «يرسم لك» .

(16/21)


الحرمين أحسن تفقد، وكان من أصحاب أبي حنيفة، وكان أبو يوسف القزويني يحكى سيرته ونفاق أهل العلم عليه، وقال إنه التقاني يوما وقد توجه إلى ديوانه، فلما رآني وقف ووقف الناس لأجله، وقال لي: إلى أين؟ فقلت: قصدتك لحوائج كلفني أقوام قضاءها. فقال: لا أبرح من مكاني حتى تذكرها. فجعلت أذكر له حاجة حاجة وهو يقول: نعم وكرامة، حتى قَالَ في الحاجة الأخيرة: السمع والطاعة، ثم انفرد أمير كان 12/ أمعه بعد انصرافه/ فقال له: أي شيء أنت؟ فقلت: أنا لا شيء. فقال: لا شيء؟ يقول له الوزير السمع والطاعة. فقال: أنا من أهل العلم. فقال: استكثر مما معك، فانه إذا كان في شخص أطاعته الملوك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3344- أحمد بن عبد الله بن سليمان، أبو العلاء التنوخي المعري
[1] .
ولد يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وأصابه الجدري في سنة سبع أو أواخر سنة ست، فغشي حدقتيه ببياض فعمي، فقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، وله أشعار كثيرة، وسمع اللغة، وأملى فيها كتبًا، وله بها معرفة تامة، ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم عاد إلى وطنه، فلزم منزله، وسمّى نفسه: رهين المحبسين لذلك ولذهاب بصره [2] ، وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ولا اللبن، ويحرم إيلام الحيوان، ويقتصر على ما تنبت الأرض، ويلبس خشن الثياب، ويظهر دوام الصوم، ولقيه رجل فقال له [3] : لم لا تأكل اللحم؟ فقال: [أرحم الحيوان. قال:
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 240. والبداية والنهاية 12/ 72. وشذرات الذهب 3/ 280.
ووفيات الأعيان 1/ 113- 116. ومعجم الأدباء 1/ 181 وتاريخ ابن الوردي 1/ 357. وإعلام النبلاء 4/ 77، 180، 378. ولسان الميزان 1/ 203. وإنباه الرواة 1/ 46. وتتمة اليتيمة 9. والأعلام 1/ 157. والكامل 8/ 339) .
[2] في الأصل: «عينيه» .
[3] «له» سقطت من ص.

(16/22)


فما] [1] تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان، فإن كان الخالق الذي دبر ذلك فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك، فما أنت بأحذق منها ولا أنقص عملا منك.
قَالَ المصنف رحمه الله: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة، فأما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله، وكانت أحواله تدل على اختلاف عقيدته.
وقد حكى/ لنا عن أبي زكريا أنه قَالَ: قَالَ لي المعري: ما الذي تعتقد؟ فقلت 12/ ب في نفسي: اليوم أعرف اعتقاده. فقلت: ما أنا إلا شاك. فقال: هكذا [2] شيخك. وكان ظاهر أمره يدل أنه يميل إلى مذهب البراهمة، فإنهم لا يرون ذبح الحيوان، ويجحدون الرسل وقد رماه جماعة من أهل العلم [3] بالزندقة والإلحاد، وذلك أمره ظاهر في كلامه وأشعاره، وأنه يرد على الرسل ويعيب الشرائع، ويجحد البعث.
ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل أنه قَالَ: من العجائب أن المعري أظهر ما أظهر من الكفر البارد الذي لا يبلغ منه مبلغ شبهات الملحدين، بل قصر فيه كل التقصير، وسقط من عيون الكل، ثم اعتذر بأن لقوله باطنا، وأنه مسلم في الباطن، فلا عقل له ولا دين، لأنه تظاهر بالكفر وزعم أنه مسلم في الباطن، وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة، حيث تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر، فهل كان في بلاد الكفار حتى يحتاج إلى أن يبطن الإسلام، فلا أسخف عقلًا ممن سلك هذه الطريقة التي هي أخس من طريقة الزنادقة والمنافقين، إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة، والزنديق يطلب النجاة في الدنيا، وهو جعل نفسه عرضة لإهلاكها [4] في الدنيا حين طعن في الإسلام في بلاد الإسلام، وأبطن الكفر، وأهلك نفسه في المعاد، فلا عقل له ولا دين.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «هذا» .
[3] في ص: «من العلماء» .
[4] في ص: «إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة لا هلاكها في الدنيا» .
وفي ت: «إذا كان المتدين يطلب النجاة في الدنيا وقد جعل نفسه عرضة لإهلاكها ... » .

(16/23)


وهذا ابن الريوندي، وأبو حيان ما فيهم إلا من قد انكشف من كلامه سقم في دينه، يكثر التحميد والتقديس، ويدس في أثناء ذلك المحن [1] .
13/ أقال ابن عقيل: وما سلم هؤلاء من/ القتل إلا لأن إيمان الأكثرين ما صفا. بل في قلوبهم شكوك تختلج، وظنون [2] تعتلج [مكتومة] [3] إما لترجح الإيمان في القلوب، أو مخافة الإنكار من الجمهور، فلما نطق ناطق شبهاتهم أصغوا إليه، ألا ترى من صدق إيمانه كيف قتل أباه؟ وإذا أردت أن تعلم صحة ما قلت فانظر إلى نفورهم عند الظفر في عشائرهم، وفي بعض أهوائهم، وأو في صور يهوونها، وفانظر إلى إراقة الدماء [4] فإذا ندرت نادرة في الدين- وإن كثر وقعها- لم يتحرك منهم نابضة.
قَالَ المصنف [5] رحمه الله: وقد رأيت للمعرى كتابا سماه «الفصول والغايات» يعارض به السور والآيات، وهو كلام في نهاية الركة والبرودة، فسبحان من أعمى بصره وبصيرته وقد ذكره على حروف المعجم في آخر كلماته، فما هو على حرف الألف:
«طوبى لركبان النعال المعتمدين على عصى الطلح، يعارضون الركائب في الهواجر والظلماء، يستغفر لهم قحة القمر وضياء الشمس، وهنيئا لتاركي النوق في غيطان الفلا، يحوم عليها ابن داية، يطيف بها السرحان وشتان، أوارك قوة الألبان وجرى لبنها أفقد من لبن العطاء» .
وكله على هذا البارد، وقد نظرت في كتابه المسمى «لزوم ما لا يلزم» وهو عشرة مجلدات.
وحدثني ابن ناصر، عن أبي زكريا عنه بأشعار كثيرة، فمن أشعاره:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب العباد [6] على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
__________
[1] في الأصل: «المحسن» .
[2] في ص: «وشكوك» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «الدماء» سقطت من ص.
[5] في الأصل: «قال الشيخ» .
[6] في ص: «رب السماء» .

(16/24)


وله:
/ وهيهات البرية في ضلال ... وقد نظر اللبيب لما اعتراها 13/ ب
تقدم صاحب التوراة موسى ... وأوقع في الخسار من افتراها
فقال رجاله وحيٌ أتاه ... وقال الناظرون بل افتراها
وما حجي إلى أحجار بيت ... كؤوس الخمر تشرب في ذراها
إذا رجع الحليم إلى حجاه ... تهاون بالمذاهب وازدراها
وله:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ... ويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دين لا عقل له
وله:
فلا تحسب مقال الرسل حقا ... ولكن قول زور سطروه
وكان الناس في عيش رغيد ... فجاءوا بالمحال وكدروه
وله:
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا ... وأورثتنا أفانين العداوات
وهل أبيح نساء الروم عن عرض ... للعرب إلا بأحكام النبوات
وله:
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما ... دياناتكم مكر من القدماء
وله:
تناقض ما له إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار
يد لخمس مئين عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
وله:
لا يكذب الناس على ربهم ... ما حرك العرش ولا زلزلا
وله:
/ ضحكنا وكان الضحك منا [1] سفاهة ... وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
14/ أ
__________
[1] في ص: «وكان الضحك بنا سفاهة» .

(16/25)


تحطمنا الأيام حتى كأننا ... رجيع [1] زجاج لا يعادلنا سبك
[2] وله:
كون يرى وفساد جاء يتبعه ... تبارك الله ما في خلقه عبث
وإن يؤذن بلال لابن آمنة ... فبعده لسجاح ما دعى شبث
أراد بالبيت الأول المجون ومعناه: هل هذا إلا عبث، وعنى بالبيت الثاني: شبث ابن ربعي فإنه أذن لسجاح التي ادعت النبوة وذكر نبينا عليه السلام باسم أمه، وأراد إن كان [قد] جرى [3] له هذا فقد جرى مثله لامرأة. وله في هذا المعنى فساد وكون حادثان كلاهما.
وله في مثل ذلك:
شهيد بأن الخلق صنع حكيم
وله [4] مثل الذي قبله:
فربما حل موصوف يراقبه [5] ... فكيف يمحن أطفال بإيلام
وله:
أمور تستخف بها حلوم ... وما يدري الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى ... وإنجيل ابن مريم والزبور
وله:
قلتم لنا خالق قديم ... صدقتم هكذا فقولوا [6]
زعمتموه بلا زمان ... ولا مكان ألا فقولوا
__________
[1] «رجيع» سقطت من ص، ت.
[2] في ص: «السبك» .
[3] «جرى» سقطت من ص.
وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وهذا» .
[5] في الأصل: «نراقبه» .
[6] في ص: «نقول» .

(16/26)


هذا كلام له خبيء ... معناه ليست لنا عقول
انظر إلى حماقة هذا الجاهل، أنكر أن يكون الخالق موجودًا/ لا في زمان، ولا 14/ ب في مكان، ونسي أنه أوجدهما.
وإنما ذكرت هذا من أشعاره ليستدل بها على كفره، فلعنه الله.
وذكر أبو الحسن محمد بن هلال ابن المحسن الصابي في تاريخه قَالَ: ومن أشعار المعري:
صرف الزمان مفرق الإلفين ... فاحكم إلهي [1] بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا ... وبعثت أنت لأهلها [2] ملكين
وزعمت أن لها معادا ثانيا ... ما كان أغناها عن الحالين
مات أبو العلاء [3] المعري في ربيع الأول من هذه السنة بمعرة النعمان عن ست وثمانين سنة إلا أربعة وعشرين يوما.
وقد روى لنا أنه قد أنشد على قبره ثمانون مرثية رثاه بها أصحابه ومن قرأ عليه ومال إليه، فقال بعضهم:
إن كنت لم ترق الدماء زهادةً ... فلقد أرقت اليوم من جفني دما
وهؤلاء بين أمرين: إما جهّال بما كان عليه، وإما قليلو الدين، لا يبالون به، ومن سبر خفيات الأمور بانت له، فكيف بهذا الكفر الصريح في هذه الأشعار.
قَالَ ابن الصابئ: ولما مات المعري رأى بعض الناس في منامه كأن أفعيين على عاتقي رجل ضرير تدليا إلى صدره، ثم رفعا رأسيهما فهما ينهشان من لحمه وهو يستغيث، فقال: من هذا. فقيل: المعري الملحد.
3345- الحسين بن أحمد
[4] بن القاسم بن علي بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن
__________
[1] في المطبوعة: «إلا هي» .
[2] في الأصل: «لقضيها» .
[3] «أبو العلاء» سقطت من ص.
[4] في تاريخ بغداد 8/ 108: «الحسين بن محمد» .

(16/27)


طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم [1] بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب النسابة [2] .
ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وثلاثمائة. وتوفي في صفر هذه السنة.
15/ أأخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب/ قال: كان متميزا من بين أهله بعلم النسب ومعرفة أيام الناس وله حظ في الأدب، وعلقت عنه حكايات ومقطعات من الشعر.
3346- الحسين بن محمد بن عثمان أبو عبد الله [ابن] [3] النصيبي
[4] .
سمع علي بن عمر السكري، والدارقطني، والمخلص. قَالَ الخطيب: كتبت عنه وكان صحيح السماع، وكان يذهب إلى الاعتزال، وتوفي في هذه السنة.
3347- سعد بن أبي الفرج محمد بن جعفر ابن أبي الفرج ابن فسانجس، يكنى: أبا الغنائم، ويلقب: علاء الدين.
وزر مدة للملك أبي نصر بن أبي كاليجار، ونظر في أول أيام الغز بواسط، وخطب للمصريين، فحمل إلى بغداد وشهر بها، وصلب بإزاء التاج في هذه السنة وكان عمره سبعا وثلاثين سنة.
3348- عبيد الله بن الحسين بن نصر، أبو محمد العطار
[5] .
سمع ابن المظفر، والدارقطني.
[أخبرنا القزاز] [6] ، أخبرنا الخطيب قَالَ: كتبت عنه وكان ثقة. وسألته عن مولده فقال: سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وتوفي في هذه السنة.
3349- عدنان بن الرضى الموسوي
[7] .
ولي نقابة الطالبيين وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «إبراهيم بن إسماعيل» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 108) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من ت.
[4] انظر ترجمته: (تاريخ بغداد 8/ 109) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 387) .
[6] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 340. والأعلام 4/ 219) .

(16/28)


ثم دخلت سنة خمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
/ أنه وقع في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم برد كبار، وهلك كثير من الغلات، 15/ ب وزنت منه وأحدة [بصريفين] [1] فكانت نيفا وثلاثين درهما، وزادت دجلة هذا اليوم خمسة عشر ذراعا.
ثم [2] في يوم السبت رابع عشر صفر، وقع برد بالنهروان وما يقاربها من السواد كبيض الدجاج، فأهلك الغلات، وقتل جماعة من الأكراد، ووقعت واحدة منه على رأس [3] رجل ففتحت رأسه، وضربت أخرى رأس فرس فرمى راكبه وشرد.
وزاد العبث من أصحاب السلطان، فكانوا يأخذون عمائم الناس، حتى إنه عبر في جمادى الآخرة أبو منصور ابن يعقوب [4] إلى نقيب العلويين ومعه أبو الحسين [5] بن المهتدى، [فلما بلغوا إلى باب الكرخ أخذت عمامة ابن المهتدى] [6] فأسرعت [7] العامة إلى أخذها، فاستردوها، وأخذت بعد ذلك بيوم عمامة أبي نصر ابن الصباغ وطيلسانه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[2] في ص: «وفي» .
[3] «رأس» سقطت من ص.
[4] في الأصل: «أبو منجور ابن يوسف» .
[5] في الأصل: «أبو الحسن» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فأنزعت» .

(16/29)


وفي شهر رمضان: تجدد للعوام المتدينين المتسمين بأصحاب عبد الصمد إلزام أهل الذمة بلبس الغيار، وحضر الديوان رجل هاشمي منهم يعرف بابن سكرة، فخاطب رئيس الرؤساء ابن المسلمة في ذلك وذكر ما عليه أهل الذمة من الانبساط، وكلمه بكلام فيه غلظة فأغاظه [1] ، فكتب إلى الخليفة بذلك فخرج ما قوى أمر ابن سكرة، وكان أبو علي ابن فضلان اليهودي كاتب خاتون فأمره ابن المسلمة بالتأخر في داره، وأن يتقدم/ 16/ أإلى اليهود وأهل المعايش بمثل ذلك، وأمر ابن الموصلايا النصراني كاتب الديوان بمثل ذلك، فانقطعوا عن المعاملات وتأخر الكتاب والجهابذة عن الديوان، فبان للخليفة باطن الأمر فتشدد فيه، ولم يجد ابن المسلمة مساغا لما يريد فصار أهل الذمة ينسلون ويخرجون إلى أشغالهم.
وفي ثامن شوال: نقب جامع المدينة [2] ، وأخذت منه الأعلام السود والتستر وما وجد.
وفي ثامن عشر شوال: بين المغرب والعشاء كانت زلزلة عظيمة [لبثت ساعة] [3] عظيمة، ولحق [4] الناس منها خوف شديد، وتهدمت دور كثيرة، ثم وردت الأخبار أنها اتصلت من بغداد إلى همذان، وواسط، وعانة، وتكريت، وذكر أن أرحاء كانت تدور فوقفت، وبعد هذه الزلزلة بشهر أخرج [5] القائم من داره، وجرت محن عظيمة.
وكان السلطان طغرلبك قد خرج إلى الموصل ثم توجه إلى نصيبين ومعه أخوه إبراهيم [ينال، فخالف عليه أخوه إبراهيم] [6] ، وانصرف بجيش عظيم معه يقصد الري وكان البساسيري راسل [7] إبراهيم [يشير عليه] [8] بالعصيان لأخيه، ويطمعه بالتفرد
__________
[1] في الأصل: «فالظه» .
[2] في الأصل: «جامع المنصور» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وجد» مكان «عظمية ولحق» .
[5] في الأصل: «خرج» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «يراسل» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/30)


بالملك ويعده معاضدته، فسار طغرلبك في أثر أخيه إبراهيم [1] وترك العساكر وراءه فتفرقت عنه [2] غير أن وزيره المعروف بالكندري، وربيبه أنوشروان، وزوجته خاتون وردوا بغداد بمن بقي معهم من العسكر في شوال هذه السنة، وانتشر الخبر باجتماع طغرلبك مع أخيه/ إبراهيم بهمذان [وأن إبراهيم استظهر على طغرلبك وحصر في 16/ ب همذان] [3] فعزمت خاتون وابنها أنوشروان، والكندري على المسير إلى همذان لإنجاد طغرلبك، فاضطرب أمر بغداد اضطرابا شديدًا، وأرجف المرجفون باقتراب البساسيري، فبطل عزم الكندري عن المسير، فهمت خاتون بالقبض عليه وعلى ابنها لتركهما مساعدتها على إنجاد زوجها، فنفرا إلى الجانب الغربي من بغداد وقطعا الجسر وراءهما، وانتهبت دارهما، واستولى من كان مع خاتون من الغز على ما تضمنتها من العين والثياب والسلاح وغير ذلك من صنوف الأموال، ونفذت خاتون بمن انضوى إليها، وهم: جمهور العسكر متوجهة نحو همذان، وخرج الكندري وأنوشروان يؤمان طريق الأهواز، فلما خلا البلد من العساكر انزعج الناس، وقيل للناس: من أراد أن يخرج فليخرج. فبكى الناس والأطفال، وعبر كثير من الناس إلى الجانب الغربي، فبلغت المعبرة دينارا ودينارين وثلاثة.
وطار في تلك الليلة على دار الخليفة [نحو] [4] عشر بومات مجتمعات يصحن صياحا مزعجا فقال أبو الأَغَرّ بن مزيد رئيس [5] الرؤساء: ليس عندنا من يرد، والرأي خروج الخليفة عن البلد إلى البلاد السافلة، فأجاب الخليفة، ثم صعب عليه مفارقة داره، وامتنع وأظهر رئيس الرؤساء قوة النفس لأجل موافقة الخليفة، وجمعوا من العوام من يصلح للقتال، وركب رئيس الرؤساء وعميد العراق إلى دار المملكة، وأخذا ما يصلح من السلاح وضربا في الباقي النار، فلما كان يوم الجمعة السادس من ذي القعدة تحقق الناس كون/ البساسيري بالأنبار، ونهض الناس إلى صلاة الجمعة بجامع 17/ أ
__________
[1] «إبراهيم» سقطت من ص، ت.
[2] «عنه» سقطت من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الرئيس» .

(16/31)


المنصور، فلم يحضر الإمام فأذَّن المؤذنون ونزلوا، فأخبروا أنهم رأوا عسكر البساسيري حذاء شارع دار الرقيق، وجاء العسكر، وصلى الناس الظهر بغير خطبة.
ثم ورد في السبت نحو مائتي فارس، ثم دخل البساسيري بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه الرايات المصرية، فضرب مضاربه على شاطئ دجلة، فتلقاه أهل الكرخ، فوقفوا في وجه فرسه وتضرعوا إليه أن يجتاز عندهم، فدخل الكرخ وخرج إلى مشرعة الروايا، فخيم بها، وكان على رأسه أعلام عليها مكتوب الإمام المستنصر باللَّه أبو تميم معد أمير المؤمنين، وكان قد جمع العيارين وأهل الرساتيق وأطمعهم في نهب دار الخلافة، والناس إذ ذاك في ضر ومجاعة، ونزل قريش ابن بدران في نحو مائتي فارس على مشرعة باب البصرة، فلما استقر بالقوم المنزل ركب عميد العراق من الجانب الشرقي في العسكر وحواشي الدولة والهاشميين والعوام والعجم إلى آخر النهار، فلم يجابهوا عسكر البساسيري بشيء، ونهبت دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وهلك أكثر السجلات والكتب الحكمية، فبيعت على العطارين، ونهبت دور المتعلقين بالخليفة، ونهب أكثر باب البصرة بأيدي أهل الكرخ تشفيًّا لأجل المذهب، وانصرف الباقون عراة، فجاءوا إلى سوق المارستان، وقعدوا على الطريق ومعهم النساء والأطفال، وكان البرد حينئذ شديدًا، وعاود أهل الكرخ الأذان «بحي على خير العمل» وظهر فيهم السرور الكثير، وعملوا راية بيضاء ونصبوها وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المستنصر باللَّه، وأقام بمكانه والقتال يجري في السفن بدجلة.
[الدعاء لصاحب مصر في جامع المنصور]
17/ ب فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر/ من ذي القعدة: دعي لصاحب مصر في جامع المنصور، وزيد في الأذان «حي على خير العمل» وشرع البساسيري في إصلاح الجسر، فعقده بباب الطاق، وعبر عسكره عليه فنزلوا الزاهر، وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعي لصاحب مصر بجامع الرصافة، وخندق الخليفة حول داره ونهر معلى خنادق، وحفرت آبار في الحلبة، وغطيت حتى يقع فيها من يقاتل، وبنيت أبراج على سور دار الخليفة، وخرج رئيس الرؤساء، فوقف دون باب الحلبة يفرق النشاب، ثم فتح الباب فاستجرهم البساسيري، ثم كر عليهم فانهزموا، وامتلأ باب الخليفة بالقتلى، وأجفل رئيس الرؤساء إلى دار الخليفة، فهرب أهل الحريم، وعبروا

(16/32)


إلى الجانب الغربي، ونهب العوام من نهر معلى، وديوان الخاص ما لا يحصى، وأحرقوا الأسواق، فركب الخليفة لابسا للسواد، على كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف مجرد، وحوله زمرة من الهاشميين والجواري حاسرات منشرات، معهن المصاحف على رءوس القصب، وبين يديه الخدم بالسيوف المسلولة، فوجد عميد العراق قد استأمن إلى قريش بن بدران، وكان قريش قد ظافر البساسيري، وأقبل معه، فصعد الخليفة إلى منظرة له، واطلع أبو القاسم ابن المسلمة وصاح بقريش: يا علم الدين، أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا فقال له: قد آتاك الله رتبة لم ينلها أمثالك، فإن أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأهله وأصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمام العرب، فقال له قريش: قد أذم الله تعالى له. فقال: ولمن [1] معه؟ قَالَ: نعم. وخلع قلنسوته من تحت عمامته فأعطاها الخليفة ذماما فتسرح ابن المسلمة إليهم من الحائط، ونزل الخليفة ففتح الباب المقابل/ لباب الحلبة وخرج، فقبل قريش الأرض بين يديه 18/ أدفعات، فبلغ البساسيري ذلك فراسل، وقال: أتذم لهما وقد استقر بيني وبينك ما استحلفتك عليه؟ وكانا قد تحالفا أن لا ينفرد أحدهما بأمر دون الآخر، وأن يكون جميع ما يتحصل من البلاد والأموال بينهما. فقال له قريش: ما عدلت عما استقر بيننا، وعدوك هو ابن المسلمة فخذه وأنا آخذ الخليفة بإزائه. فقنع بذلك وحمل ابن المسلمة إلى البساسيري، فلما رآه قَالَ: مرحبا بمدفع الدول، ومهلك الأمم، ومخرب البلاد، ومبيد العباد. فقال له: أيها الأمير [2] العفو عند المقدرة [3] . فقال: قد قدرت فما عفوت وأنت تاجر وصاحب طيلسان، ولم تستبق من الحرم والأطفال والأجناد، فكيف أعفو عنك وأنا صاحب سيف، وقد أخذت أموالي، وعاقبت حرمي، ونفيتهم في البلاد، وشتتني ودرست دوري، ولكن هذا أيضا من قصورك [4] الفاسد، وعقلك الناقص.
واجتمع العامة فسبوه وهموا به، فأخذه البساسيري يسير [5] إلى جنبه خوفا عليه
__________
[1] في ص: «وكن» .
[2] في ص: «أيها الأجل» .
[3] في ص: «القدرة» .
[4] في الأصل: «تصورك» .
[5] «يسير» سقطت من ص.

(16/33)


من العامة، ولم يزل يوبخه وهو يعتذر، وحل الركابية حزام البرذون الذي [كان] [1] تحته ليسقط فيتمكن العامة من قتله، فسقط فوقف البساسيري يذب عنه إلى أن أركبه، ومضى به إلى الخيمة، فقيده ووكل به وضرب ضربا كثيرا، وقيد.
ثم ظفر بالسيدة خاتون زوجة الخليفة فأكرمها وسلمها إلى أبي عبد الله ابن جردة ومضى الخليفة إلى المعسكر، وقد ضرب له قريش خيمة إزاء بيته بالجانب الشرقي، فدخلها ولحقه قيام الدم، وأذم قريش لابن جردة ابن يوسف، وكان ابن جردة قد ضمن 18/ ب لقريش لأجل داره ومن التجأ إليها من التجار عشرة آلاف دينار، ونهبت العوام/ دار الخليفة، وأخذوا منها ما يعتذر حصره من الديباج والجواهر واليواقيت، وأحرقوا رباط أبي سعد الصوفي، ودار ابن يوسف، ثم نودي برفع النهب، وحمل البساسيري الطيار إلى عسكره، ثم نقله إلى الحريم الظاهري وعليه المطارد البيض.
فلما جاء يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة لم يخطب بجامع الخليفة، وخطب في سائر الجوامع لصاحب مصر.
وفي هذا اليوم انقطعت دعوة الخليفة من بغداد وجرى بين البساسيري وقريش بن بدران في أمر الخليفة من التجاذب ما أدى إلى نقله عن بغداد، وأن لا يكون في يد أحدهما، وتسليمه إلى بدوي يعرف بمهارش صاحب حديثة عانة، واعتقاله فيها إلى أن يتقرر لهما عزم، فعرف الخليفة ذلك فراسل قريش بالمجيء إليه فلم يفعل، فقام ومشى إلى خيمته فدخل فعلق بذيله وقال له: ما عرفت ما استقر العزم عليه من إبعادي عنك وإخراجي عن يديك، وما سلمت نفسي إليك إلا لما أعطيتني الذمام الذي يلزمك الوفاء به، وقد دخلت الآن إليك ووجب لي عليك [2] ذمام فإني عليك [3] فاللَّه الله في نفسي، فمتى أسلمتني أهلكتني وضيعتني، وما ذاك معروف في العرب.
فقال: ما ينالك سوء، ولا يلحقك ضيم غير أن هذه الخيمة ليست دار مقام مثلك،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «عليك» سقطت من ص.
[3] في الأصل: «ثان فاللَّه» .

(16/34)


وأبو الحارث لا يؤثر مقامك في هذا البلد، وأنا أنقلك إلى الحديثة، وأسلمك إلى مهارش ابن عمي، وفيه دين، فلا تخف، واسكن إلى مراعاتي لك وعد إلى مكانك.
فلما يئس منه قام عنه وهو يقول: للَّه أمر هو بالغه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
وعبر قريش ليلة الأربعاء/ التاسع من ذي الحجة إلى الجانب الغربي، وضرب 19/ أخيمة بقرب جامع المنصور، وحمل الخليفة إلى المشهد بمقابر قريش، وقال له: تبيت الليلة فيها. فامتنع وقال: هؤلاء العلويون الذين بها يعادوني. فألزم الدخول وبات ليلته في بعض الترب، وحضر من الغد جماعة من أصحاب البساسيري وأصحاب قريش، فتسلموه من موضعه، وأقعدوه في هودج على جمل، وسيروه إلى الأنبار، ثم إلى حديثة عانة على الفرات، وكان صاحب الحديثة مهارش البدوي حسن الطريقة، فكان يتولى خدمة الخليفة، ولما بلغ الخليفة الأنبار شكا وصول البرد إلى جسمه، فأخرج شيخ من مشايخ الأنبار يعرف: بابن مهدويه جبة برد، فيها قطن ومقيارًا ولحافا، وكتب الخليفة من هناك رقعة إلى بغداد يلطف فيها بالبساسيري وقريش، يدعوهما إلى إعادته إلى بغداد، وإحسان العشرة، ويحلف بالأيمان المؤكدة على براءة ساحته من جميع ما نسب إليه، فلم يقع الالتفات إليها ولا أجيب عنها، فأقام الخليفة بالحديثة.
وذكر عبد الملك بن محمد الهمذاني عن بعض خواص القائم أنه قَالَ: لما كنت بحديثة عانة قمت في بعض الليالي للصلاة، ووجدت في قلبي حلاوة المناجاة، فدعوت الله تعالى فيما سنح، ثم قلت: اللَّهمّ أعدني إلى وطني، واجمع بيني وبين أهلي وولدي، ويسر اجتماعنا، وأعد روض الأنس زاهرا، وربع القرب عامرا، فقد قل العزاء، وبرح الخفاء، فسمعت قائلا على شاطئ الفرات يقول [بأعلى صوته] [1] نعم نعم/ فقلت: هذا رجل يخاطب آخر، ثم أخذت في السؤال والابتهال، فسمعت 19/ ب ذلك الصائح يقول: إلى الحول إلى الحول. فعلمت أنه هاتف أنطقه الله تعالى بما جرى الأمر عليه، فكان خروجه من داره حولا كاملا خرج في ذي القعدة ورجع في ذي القعدة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/35)


وروى [1] محمود بن الفضل الأصبهاني أن القائم كتب في السجن دعاء وسلمه إلى بدوي، وأمره أن يعلقه على الكعبة: «إلى الله العظيم من عبده المسكين، اللَّهمّ إنك العالم بالسرائر، والمحيط بمكنونات السرائر، [2] اللَّهمّ إنك غنى بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي بما أنا فيه، عبد من عبادك قد كفر بنعمتك وما شكرك وأبقى العواقب، وما ذكرها أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك حتى تعدى علينا بغيًا، وأساء إلينا عتوًا وعدوانا، اللَّهمّ قل الناصرون لنا، واغتر الظالم وأنت المطلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتز عليه، واليك نهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك يا رب العالمين، اللَّهمّ إنا حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك، ووثقت في كشفها بكرمك، فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين، وأرنا به ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم، فاسلبه عزه ومكنا بقدرتك من ناصيته، يا أرحم الراحمين، فحملها البدوي وعلقها على الكعبة، فحسب ذلك اليوم 20/ أفوجد أن البساسيري قتل وجيء برأسه بعد سبعة أيام من/ التاريخ.
ومن شعر القائم الذي قاله في الحديثة:
خابت ظنوني فيمن كنت آمله ... ولم يخب ذكر من واليت في خلدي
تعلموا من صروف الدهر كلهم ... فما أرى أحدا يحنو على أحد
وقال أيضا:
ما لي من الأيام إلا موعد ... فمتى أرى ظفرا بذاك الموعد
يومي يمر وكلما قضيته ... عللت نفسي بالحديث إلى غد
احيا بنفس تستريح إلى المنا ... وعلى مطامعها تروح وتغتدي
وأما حديث البساسيري: فإنه ركب يوم الخميس عاشر ذي الحجة من سنة خمسين إلى المصلى في الجانب الشرقي وعلى رأسه الألوية والمطارد المصرية، وعيد ونحر وبين يديه أبو منصور بن بكران حاجب الخليفة على عادته في ذاك، وكان قد أمنه
__________
[1] في ص: «وأورد» .
[2] في الأصل: «الضمائر» .

(16/36)


ورد أبا الحسين بن المهتدي إلى منبره بجامع المنصور، ولبس الخطباء والمؤذنون الثياب [1] البياض، ونقل العسكر إلى مشرعة المارستان في الجانب الغربي، وضرب دنانير سماها المستنصرية، وكان عليها من فرد جانب: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له محمد رسول الله علي ولي الله، ومن الجانب الآخر: «عبد الله ووليه الإمام أبو تميم معد المستنصر باللَّه أمير المؤمنين، وكان يقبض على أقوام يغرقهم بالليل، وغرق جماعة عزموا على الفتك به، وخرج الناس من الحريم ودار الخلافة، حتى لم يبق لها إلا الضعيف، وخلت الدور.
وفي الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة: أخرج أبو القاسم ابن المسلمة من محبسه/ بالحريم الظاهري مقيدًا [2] وعليه جبة صوف وطرطور [3] من لبد أحمر، وفي 20/ ب رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، وأركب جملا، وطيف به في محال الجانب الغربي، ووراءه من يصفعه بقطعة من جلد وابن المسلمة يقرأ: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ من تَشاءُ وَتُذِلُّ من تَشاءُ] 3: 26 [4] الآية، وشُهِّر في البلد، ونثر عليه أهل الكرخ لما اجتاز بهم خلقان المداسات، وبصقوا في وجهه، ولعن وسب في جميع المحال، ووقف بإزاء دار الخليفة، ثم أعيد إلى المعسكر وقد نصبت له خشبة بباب خراسان، فحط من الجمل، وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال، وجعلت قرونه على رأسه، وعلق بكلابين [من] [5] حديد [في كتفيه] [6] واستقى [7] في الخشبة حيا، فقال لهم: قولوا للأجل قد بلغك الله أغراضك مني
__________
[1] «الثياب» سقطت من ص، ت.
[2] «مقيدا» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «طنطور» .
وهي قلنسوة للأعراب طويلة الرأس.
[4] سورة: آل عمران، الآية 26.
وما بين المعقوفتين سقط من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «واستقر» .

(16/37)


فاصطنعني لتنظر خدمتي، وإن قتلتني فربما جرى من سلطان خراسان ما يهلك به البلاد والعباد. فسبوه واستقوه [ولبث] [1] إلى آخر النهار يضطرب ثم مات.
وكان البساسيري قد أمر بترك الكلابين في ترقوته ليبقى حيا أياما يشاهد حاله، وأمر أن يطعم كل يوم رغيفين ليحفظ نفسه، فخاف من تولي أمره أن يعفو عنه البساسيري، فضرب الكلابين في مقتله. فقال [عند موته] [2] الحمد للَّه الذي أحياني سعيدا وأماتني شهيدا.
ثم أفرج عن قاضي القضاة الدامغاني بعد أن قرر عليه ثلاثة آلاف دينار، فصحح منها سبعمائة، وأمسك البساسيري عن مطالبة الباقي.
ثم إن السلطان طغرلبك خرج من همذان وهزم عسكر أخيه.
وفي هذه السنة: ولي أبو عبد الله بن أبي/ طالب نقابة الطالبيين.
وفيها: عصى على بن أبي الخير بالبطائح، وكان متقدم بعض نواحيها، فكسر جيش طغرلبك ومعهم عميد العراق أبو نصر.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3350- الحسن بن محمد، أبو عبد الله الولي الفرضي
[3] .
كان إماما ثقة، وقتل في الفتنة، ودفن يوم الجمعة تاسع ذي الحجة من هذه السنة.
3351- الحسين بن محمد بن طاهر بن يونس، أبو عبد الله مولى المهدي.
سمع الدارقطني، وابن شاهين، وغيرهما، وكان صدوقا حسن الاعتقاد، كثير الدرس للقرآن، وينزل شارع [4] دار الرقيق.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 79، وفيه: «الوني» بدلا من «الولي» . والكامل 8/ 348) .
[4] في ت: «بشارع» .

(16/38)


3352- داود جغري بك
[1] ، أخو السلطان [2] طغرلبك الأكبر [3] .
كان ببلخ بإزاء أولاد محمود بن سبكتكين.
3353- طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، أبو الطيب الطبري الفقيه [الشافعي]
[4] .
ولد بآمل سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وسمع بجرجان من أبي أحمد الغطريفي، وبنيسابور من أبي الحسن الماسرجسي [5] ، وعليه درس الفقه، وسمع ببغداد [6] من الدارقطني، والمعافى، وغيرهما. وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت الصيمري، وكان ثقة دينا ورعا عارفا بأصول الفقه وفروعه، حسن الخلق، سليم الصدر.
أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قَالَ: سمعت [أبا الحسن محمد بن] [7] محمد بن عبد الله القاضي يقول: ابتدأ القاضي أبو الطيب الطبري بدرس الفقه، وتعلم العلم وله أربع عشرة سنة، فلم يخلّ به يومًا وأحدًا إلى أن مات.
أخبرنا محمد بن ناصر، عن المولى بن أحمد قَالَ: سمعت أبا إسحاق الشيرازي يقول: دفع القاضي أبو الطيب الطبري خفا له إلى خفاف ليصلحه، فكان يمر عليه ليتقاضاه، وكان الخفاف/ كلما رأى القاضي أخذ الخف فغمسه في الماء، وقال: 21/ ب الساعة الساعة، فلمّا طال عليه قَالَ: إنما دفعته إليك لتصلحه ولم أدفعه إليك [8] لتعلمه السباحة.
__________
[1] في الأصل: «جقري» . وفي ت: «جفرتي» .
[2] «السلطان» سقطت من ص، ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 79) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 355. والكامل لابن الأثير 8/ 348 (أحداث سنة 450) . والبداية والنهاية 12/ 79. وشذرات الذهب 3/ 284. ووفيات الأعيان 2/ 512. وطبقات الشافعية 3/ 176:
197. والأعلام 3/ 222) .
[5] في الأصل: «الماسرخس» .
[6] في ص: «في بغداد» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في المطبوعة: «إليه» .

(16/39)


توفي الطبري يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة، وصلى عليه أبو الحسين ابن المهتدي بجامع المنصور، ودفن بمقبرة باب حرب، وقد بلغ من السن مائة وستين سنة، وكان صحيح العقل، ثابت الفهم، سليم الأعضاء، يفتي ويقضي إلى حين وفاته.
3354- عبيد الله [بن أحمد] بن عبد الله، أبو القاسم [1] الرقي العلوي.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب قَالَ: سكن الرقي بغداد في درب أبي خلف من قطيعة الربيع، وكان أحد العلماء بالنحو والأدب واللغة، عارفًا بالفرائض، وقسمة المواريث، وحدث شيئا يسيرا، وكتبت عنه، وكان صدوقا. وسألته عن مولده فقال: سنة إحدى وستين وثلاثمائة.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3355- عبد الواحد بن الحسين [بن شيطا]
[2] .
سمع أبا محمد بن معروف، وعيسى بن علي [بن عيسى] الوزير وغيرهما، وكان ثقة [وكان] [3] بصيرا بالعربية عالما بوجوه القراءات، حافظا لمذاهب القراء.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: سألت ابن شيطا عن مولده فقال: ولدت يوم الاثنين السادس عشر من رجب سنة سبعين وثلاثمائة.
ومات يوم الأربعاء [4] الخامس والعشرين من صفر سنة خمسين وأربعمائة، ودفن [من يومه] [5] في مقبرة الخيزران.
__________
[1] في ص، المطبوعة: «عبيد الله بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم الرقي العلويّ» .
وفي ت: «عبيد الله بن علي بن عبيد الله، أبو القاسم الرقي العلويّ» .
وفي تاريخ بغداد: عبيد الله بن علي بن عبد الله، أبو القاسم الرقي» .
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 387، 388. وشذرات الذهب 3/ 285) .
[2] في ص، الأصل: «عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن معروف، سمع عيسى بن علي الوزير» .
هكذا حدث تداخل وسقط من العبارة، وقد أثبتناها من نسخة ت، وتاريخ بغداد 11/ 16.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 16. والكامل 8/ 348) .
[3] ما بين المعقوفتين من أول الترجمة سقط من الأصل.
[4] في المطبوعة: «يوم الأبعار» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/40)


3356- عبد العزيز بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه [1] بن بشران، أبو الطيب
[2] .
سمع ابن المظفر، وابن حيويه، وغيرهما وكان ثقة [3] . قَالَ الخطيب: كتبت عنه وكان سماعه صحيحا، سألته عن مولده فقال: سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن في مقبرة باب الدير.
3357- علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي البصري
[4] .
كان من وجوه فقهاء الشافعية، وله تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه، وله «المقترن» و «النكت» / في التفسير و «الأحكام السلطانية» و «قوانين الوزراء» 22/ أو «الحكم والأمثال» وولى القضاء ببلدان كثيرة، وكان يقول: بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة، وقد اختصرته في أربعين. يريد بالمبسوط «الحاوي» ، وبالمختصر «الإقناع» وكان وقورا متأدبا لا يرى أصحابه ذراعه، وكان ثقة صالحا.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وبلغ ستا وثمانين سنة.
3358- علي بن عمر، أبو الحسن البرمكي، أخو أبي إسحاق
[5] .
سمع من ابن حبابة، والمعافى. توفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3359- علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر، أبو القاسم ابن المسلمة
[6] .
سمع أبا أحمد الفرضي وغيره، وكان أحد الشهود المعدلين، ثم استكتبه الخليفة
__________
[1] في ت: «عبيد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 469) .
[3] «وكان ثقة» سقطت من ص.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 102. والبداية والنهاية 12/ 80. وشذرات الذهب 3/ 285، 286. وطبقات الشافعية 3/ 303. ووفيات الأعيان 3/ 282. وتاريخ آداب اللغة 2/ 333. ومفتاح السعادة 2/ 190. والأعلام 4/ 327) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 43) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 391. والبداية والنهاية 12/ 80. والكامل/. والنجوم الزاهرة 5/ 6، 64. وتاريخ ابن خلدون 3/ 457، 458، 464. ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 278. والأعلام 4/ 272) .

(16/41)


القائم بأمر الله واستوزره، ولقبه: رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى، وكان مضطلعا بعلوم كثيرة مع سداد رأي ووفور عقل.
قَالَ المصنف [رحمه الله] [1] : ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل أنه قال: ذكر لي [2] بعض أهل العلم المحققين أن رئيس الرؤساء قَالَ للشيخ أبي إسحاق في مسألة القائل لزوجته: إن دخلت أو خرجت إلا بإذني فأنت طالق هل يكفي فيه إذن مرة أليس قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق [3] لا يقتضي التكرار ولا فيه لفظ من ألفاظ التكرار، وإنما هو حرف من حروف الشرط، فإذا كان كذلك فلا وجه لاعتبار تكرر الإذن ولا [4] لتكرار الوقوع بعدم الإذن. فكان الشيخ أبو إسحاق يقول، عولوا على هذا دليلا في المسألة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت قَالَ: سمعت علي بن الحسن 22/ ب الوزير يقول: ولدت في شعبان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة/ فرأيت في المنام وأنا حدث كأني أعطيت [5] شبه النبقة الكبيرة، وقد ملأت كفي، وألقى في روعي أنها من الجنة فعضضت منها عضة، ونويت بذلك حفظ القرآن، وعضضت أخرى ونويت درس الفقه، وعضضت أخرى ونويت درس الفرائض، وعضضت أخرى ونويت درس النحو، وعضضت أخرى ونويت درس العروض، فما من هذه العلوم إلا وقد رزقني الله منه.
قتل الوزير أبو القاسم يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة، قتله البساسيري ثُمَّ قتل البساسيري [6] وطيف برأسه في بغداد خامس عشر ذي الحجة سنة إحدى [7] وخمسين وأربعمائة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «لي» سقطت من ص، ت.
[3] «هل يكفي إذن مرة أليس قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق» سقط من ص، ت.
[4] «لا» سقطت من ص.
[5] في الأصل: «وطيت» .
[6] «ثم قتل البساسيري» .
[7] «إحدى و» سقطت من ص.

(16/42)


وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ قَالَ: من عجيب الاتفاق: لما ولى ابن المسلمة وزارته ركب إلى جامع المنصور بعد أن خلع عليه، فأتى إلى تل فنزل في موكبه وصلى عليه ركعتين، وقال: هذا موضع مبارك، وكان قديما بيت عبادة، وعنده صلب الحسين بن منصور الحلاج. ثم أصابت رئيس الرؤساء عند ذلك رعدة شديدة، وكان الناس يقولون إنه حلاجيّ [1] المذهب. فبقي في الوزارة اثنتى عشرة سنة، وأشهرًا، وصلب في ذلك المكان بعينه. فعلم الناس أن رعدته كانت لذلك، وبلغ من العمر اثنتين وخمسين سنة وخمسة أشهر.
3360- منصور بن الحسين، أبو الفوارس الأسدي صاحب الجزيرة
[2] .
توفي واجتمعت العشيرة على ولده صدقة.
__________
[1] في ص: «جلاجلي» وكذا في المطبوعة.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 80. والكامل 8/ 348) .

(16/43)