المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة إحدى
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
23/ أ/ أن أبا منصور بن يوسف انتقل عن معسكر قريش إلى داره بدرب خلف
بعد أن حمله البساسيري، وجمع بينهما حتى رضي عنه، وأصلح بينه وبينه،
والتزم أبو منصور له شيئا قرره عليه، وركب البساسيري إليه في هذا اليوم
نظرية لجاهه، وخاطبه بالجميل وطيب نفسه بما بذله له، ووعده به، وركب
قريش بن بدران من غد إليه أيضا، وعاد جاهه طريا إلا انه خائف من
البساسيري.
وفي هذا الشهر: كتبت والدة الخليفة إلى البساسيري من مكان كانت فيه
مستترة [رقعة] [1] تشرح فيها ما لحقها من الأذى والضرر والفقر، حتى إن
القوت يعتذر عليها، فأحضرها، وهي جارية أرمينية قد ناهزت التسعين
واحدودبت، وأفرد لها دارا في الحريم الطاهري، وأعطاها جاريتين
تخدمانها، وأجرى عليها في كل يوم اثني عشر رطلا خبزا وأربعة أرطال
لحما.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر صفر: أحضر البساسيري قاضي القضاة أبا عبد
الله الدامغاني، وأبا منصور بن يوسف، وأبا الحسين بن الغريق الخطيب،
وجماعة من وجوه العلويين والعباسيين وأخذ عليهم البيعة للمستنصر
باللَّه، واستحلفهم له، ودخل إلى دار الخلافة بعد أيام وهؤلاء الجماعة
معه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/44)
وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول: نقلت جثة
أبي القاسم ابن المسلمة إلى ما يقارب الحريم الطاهري، ونصبت على دجلة.
وفي بكرة الثلاثاء رابع هذا الشهر، / خرج البساسيري إلى زيارة المشهد
بالكوفة 23/ ب على أن ينحدر من هناك إلى واسط واستصحب معه غلة في زورق
[1] ليرتب العمال في حفر النهر المعروف بالعلقمي، ويجريه إلى المشهد
بالحائر، وفاء بنذر كان عليه، وأنفذ من ابتدأ بنقض تاج الخليفة فنقضت
شرافاته فقيل له: هذا لا معنى فيه، والقباحة فيه أكثر من الفائدة،
فأمسك عن ذلك.
ثم إن السلطان طغرلبك ظفر بأخيه إبراهيم فقتله، وقتل ألوفا من
التركمان، وأنفذ إلى قريش يلتمس خاتون ويخلط بذلك ذكر الخليفة، ورده
إلى مكانه، فرد خاتون وأجاب عما يتعلق بالخليفة بأن ما جرى [2] كان من
فعل ابن المسلمة، ومتى وقع تسرع في المسير إلى العراق، فلست آمن أن يتم
على الخليفة أمر يفوت وسبب يسوء، ولسنا بحيث نقف لك ولا نحاربك، وإنما
نبعد وندعك، فربما ماست العساكر من بلادها ففتحت البثوق وخربت [3]
السواد، وأنا أتوصل في جميع ما يراد من البساسيري.
وراسل قريش البساسيري يشير عليه بما التمسه السلطان طغرلبك، ويحذره
المخالفة له ويقول: قد دعوت إلى السلطان على ستمائة فرسخ فخدمناه،
وفعلنا ما لم يكن يظنه [4] ، ومضى لنا ستة أشهر مذ فتحنا العراق ما
عرفنا منه خبرا، ولا كتب إلينا حرفا، ولا فكر فينا، وقد عادت رسلنا بعد
سنة وكسر صفرًا من شكر وكتاب، فضلا عن مال ورجال، ومتى تجدد خطب فما
يشقى به غيري وغيرك، والصواب المهادنة/ 24/ أوالمسالمة، ورد الخليفة
إلى أمره، والدخول تحت طاعته، وأن يستكتب أمنه.
وفي هذه السنة: كان بمكة رُخْصٌ لم يشاهد مثله، وبلغ البر والتمر مائتي
رطل بدينار وهذا غريب هناك.
__________
[1] في الأصل: «زواريقه» .
[2] في الأصل: «وأجاب عن الخليفة بأن الّذي جرى» .
[3] في ص: «وخرب» .
[4] في الأصل: «فعله» .
(16/45)
وورد كتاب المسافرين من دمشق بسلامتهم من
طريق السماوة، وأنهم مطروا في نصف تموز حتى كانت الجمال تخوض في الماء،
وامتلأت المصانع والزُّبى [1] .
وفيها: زادت الغارات، حتى إن قوما من التجار أعطوا على وجه الخفارة من
النهروان أربعة عشر ألف دينار ومائة كر ومائتي رأسا من الغنم.
وفي شوال: عاد لقريش بن بدران رسول يقال له: نجدة من حضرة السلطان،
وكان قريش قد أنفذ هذا الصاحب في صحبة السيدة أرسلان خاتون امرأة
القائم بأمر الله، وأصحبه رسالة إلى السلطان يعده برد الخليفة إلى
داره، ويشير عنه بالقرب ليفعل ذلك، ويتمكن منه، وكان قد ورد كتاب من
السلطان إلى قريش عنوانه للأمير الجليل علم الدين أبي المعالي قريش بن
بدران مولى أمير المؤمنين من شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب طغرلبك
أبي طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق وعلى رأس الكتاب العلامة السلطانية
[2] بخط السلطان: «حسبي الله» وكان في الكتاب والآن قد سرت بنا
المقادير إلى كل عدو للدين، والملك ولم يبق لنا وعلينا من المهمات إلا
خدمة سيدنا 24/ ب ومولانا الإمام القائم بأمر الله/ أمير المؤمنين
واطلاع أبهة إمامته على سرير عزه، فإن الذي يلزمنا ذلك ولا فسحة في
التضجيع فيه ساعة واحدة [3] من الزمان، وقد أقبلنا بخيول المشرق إلى
هذا المهم العظيم، ونريد من الأمير الجليل علم الدين إتمام السعي
النجيح، الذي وفق له، وتفرد به، وهو أن يتم وفاءه من أمانته وخدمته في
باب سيدنا ومولانا القائم بأمر الله، أمير المؤمنين من أحد الوجهين إما
ان يقبل به إلى ذكر عزه، ومثوى إمامته، وموقف خلافته من مدينة السلام،
وينتدب بين يديه موليا [4] أمره ومنفذا حكمه، وشاهرا سيفه وقلمه، وذلك
المراد، وهو خليفتنا في تلك الخدمة المفروضة، وتولية العراق بأسرها،
وتصفى له مشارع برها وبحرها لا يطأ حافر خيل [5] من خيول
__________
[1] في الأصل: «والرّبا» . والزّبى، والرّبا بمعنى واحد، فالزّبية: هي
الرابية التي لا يعلوها الماء. (لسان الميزان ص 1810 ط دار المعارف) .
[2] في الأصل: «علامة السلطان» .
[3] «واحدة» سقطت من ص.
[4] في الأصل: «متوليا» .
[5] في الأصل: «لا يطأ خيل» .
(16/46)
العجم شبرا من أراضي تلك الممالك إلا
بالتماسه لمعاونته ومظاهرته، وإما أن يحافظ على شخصه [الكريم] [1]
العالي بتحويله من القلعة إلى حلته، أو في القلعة إلى حين لحاقنا
بخدمته، فنتكفل بإعادته، وليكون الأمر الجليل مخيرا بين أن يلتقي بنا
أو يقيم حيث شاء، فنوليه العراق ونستخلفه في الخدمة الإمامية، ونصرف
أعنتنا إلى الممالك الشرقية، فهممنا لا تقتضي إلا هذا الغرض من العرض،
ولا نسف إلى مملكة من تلك الممالك بل الهمة دينية، وهو أدام الله
تمكينه يتقن ما ذكرنا، ويعلم أن توجهنا أثر هذا الكتاب لهذا الغرض
المعلوم ولا غرض سواه، فلا يشعرن قلوب عشائره رهبة [2] ، فأنهم كلهم
إخواننا، وفي ذمتنا وعهدنا، وعلينا به عهد الله وميثاقه ما داموا
موافقين للأمير الجليل في/ موالينا، ومن اتصل به من سائر العرب والعجم
والأكراد، فإنهم مقرون في 25/ أجملته، وداخلون في عهدنا وذمتنا، ولكل
مخترم في العراق عفونا وأماننا مما بدر منه، إلا البساسيري، فإنه لا
عهد له ولا أمان، وهو موكول إلى الشيطان وتساويله، وقد ارتكب في دين
الله عظيما، وهو إن شاء الله مأخوذ حيث وجد، معذب على ما عمل، فقد سعى
في دماء خلق كثير بسوء دخيلته، ودلت أفعاله على فساد عقيدته، فإن سرب
في الأرض فالي أن يلحقه المكتوب على جبهته، وإن وقف فالقضاء سابق إلى
مهجته، والله تعالى يجازي الأمير الجليل على كل سعى تجشم في مصالح
الدين، وفي خدمة إمام المسلمين. وقد حملنا الأستاذ العالم أبا بكر أحمد
بن محمد بن أيوب بن فورك، ومعتمد الدولة [3] أبا الوفاء زيرك ما
يؤديانه من الرسائل وهو يصغي اليهما، ويعتمد عليهما ويسرحهما إلى
القلعة ليخدما مجلس سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عنا، وكتب في رمضان
سنة إحدى وخمسين.
وحمل مع هذين الرسولين خدمة إلى الخليفة أربعون ثوبا أنواعا، وعشرة
دسوت ثياب مخيطة، وخمسة آلاف دينار، وخمسة دسوت مخيطة من جهة خاتون
زوجة القائم.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «رهبته» .
[3] في الأصل: «ومعتمدنا أبا الوفاء» .
(16/47)
فحكى «نجدة» لقريش أن السلطان طغرلبك
بهمذان في عساكر كثيرة، وهو بنية المسير إلى العراق متى لم يرد الخليفة
إلى بغداد، فخاف قريش وارتاع، فابتاع جمالا عدة، وأصلح بيوتا كثيرة،
وأنفذ إلى البرية من يحفر فيها ويعمرها ليدخلها، ثم أنفذ الكتاب الوارد
إليه [1] مع «نجدة» إلى البساسيري ليدبر الأمر على مقتضاه، فأنفذ 25/ ب
البساسيري إلى بغداد، فأخذ دوابه/ وجماله ورحله إلى مقره بواسط، وكاتب
أهله يطيب نفوسهم ويقول: متى صح عزم هذا الرجل على قصد العراق سرت
إليكم وأخذتكم، فلا تشغلوا قلوبكم.
وتقدم بأن يسلخ ثور أسود ويؤخذ [2] جلده فيكسى به رمة أبي القاسم ابن
المسلمة، ويجعل قرناه على رأسه وفوقهما طرطور أحمر، ففعل ذلك.
ثم أجاب البساسيري إلى عود الخليفة، وشرط في ذلك شروطًا منها: أن يكون
هو النائب على باب الخليفة، والخادم دون غيره، ورد خوزستان، والبصرة
إليه علي قديم عادته، وأن يخطب للخليفة فقط دون أن يشاركه في الخطبة
ركن الدين، وبعث مع رسل السلطان طغرلبك إلى الخليفة من يتولى إحلاف
الخليفة له على ما اشترط، وعرف البساسيري قرب السلطان، فكاتب أصحابه
بالبصرة ليصعدوا إليه ليقصد بغداد، فأعجل الأمر عن ذلك وانحدر حرم
البساسيري وأولاده وأصحابهم وأهل الكرخ والمتشبهون في دجلة، وعلى الظهر
وبلغت أجرة السمارية إلى النعمانية عشرة دنانير، ونهب الأعراب والأكراد
أكثر المشاة، ولما وصل السائرون على الظهر إلى صرصر غرق في عبورهم قوم
منهم، وبقى أكثر العامة [3] لم يعبروا، فعطف عليهم بنو شيبان فنهبوهم،
وقتلوا أكثرهم، وعروا نساءهم، وتقطعت قطعة منهم في السواد، وكان خروج
أصحاب البساسيري في اليوم السادس من ذي القعدة، وكذلك كان دخولهم إلى
بغداد في سادس ذي القعدة، وكان تملكهم سنة كاملة، وثار الهاشميون وأهل
باب البصرة إلى الكرخ فنهبوها وطرحوا النار في أسواقها ودروبها،
واحترقت دار الكتب التي وقفها
__________
[1] «إليه» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «ويسلخ» .
[3] في ص: «وبقي أكثرهم لم يعبروا» .
(16/48)
سابور بن أردشير الوزير في سنة ثلاث/
وثمانين وثلاثمائة، وكان فيها كتب كثيرة، 26/ أواحترق درب الزعفراني
وكان فيه ألف ومائتا دينار لكل دار منها قيمة، ونهبت الكوفة نيفا
وثلاثين يوما.
وأما الخليفة فإن مهارشا العقيلي صاحب الحديثة الذي كان مودعا عنده حلف
له ووثق من نفسه في حراسة مهجته، وأن لا يسلمه إلى عدو، وكان قد تغير
على البساسيري لوعود وعده بها ولم يف له، وأجفل قريش في البرية مصعدا
إلى الموصل بعد أن بعث إلى مهارش يقول له: قد علمت أننا أودعنا الخليفة
عندك ثقة بأمانتك، وقد طلبوه الآن، وربما قصدوك وحاصروك وأخذوه منك،
فخذه وارحل به وأهلك وولدك إلى فإنهم إذا علموا حصوله بأيدينا لم
يقدموا على طرق العراق، ثم نقرر الأمر في عوده على قاعدة نكون معها
سالمين، ونقترح ما نريد من البلاء عوضا عن رده، وما أروم تسليمه منك،
بل يكون في يدك علي جملته بحيث لا يمكن أن يؤخذ قهرا من أيدينا.
فقال مهارش للرسول: قل له إن البساسيري غدرني، ولم يف بما ضمنه لي،
وبعثت بصاحبي إلى بغداد، وقلت له قد برئت من اليمين التي لكم في عنقي،
فأنفذوا وتسلموا صاحبكم الذي عندي فلم يفعل، وعرف الخليفة خلاص رقبتي
من اليمين التي كانت علي فاستحلفني لنفسه، وتوثق مني بما لا يمكن فسخه.
وقال مهارش للخليفة: الرأي الخروج والمضي إلى بلد بدران بن مهلهل لننظر
ما قد [1] يجد من أمر هذا السلطان الوارد، ونكون في موضع نأمن به وندبر
أمورنا بمقتضى الأمر، فما آمن أن يجيئنا البساسيري فيحضرنا فلا نملك
[2] اختيارنا. فقال له: افعل ما ترى.
فسارا من الحديثة في يوم الاثنين/ الحادي عشر من ذي القعدة إلى أن حصلا
26/ ب بقلعة تل عكبرا، فلقيه ابن فورك هناك وسلم إليه ما أنفذه
السلطان، وكتب إلى السلطان يخبره الحال ويسأله إنفاذ سرادق كبير، وخيم،
وفروش، وكان السلطان حينئذ قد وصل إلى بغداد ففرح السلطان بذلك، ونهب
عسكر السلطان ما بقي من نهر طابق، وباب
__________
[1] «قد» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «فلا يملكنا» .
(16/49)
البصرة، وجميع البلد، ولم يسلم من ذلك إلا
حريم الخليفة، وكان أكثره خاليا، وأخذ الناس فعوقبوا، واستخرجت منهم
الأموال بأنواع العذاب، وتشاغل [1] بعمارة دار المملكة، فوقع النقض في
أكثر ما سلم، وبعث السلطان عميد الملك ومن استعقله من الأمراء والحجاب
في نحو ثلاثمائة غلام، وأصحبهم أربع عشرة بختية عليها السرادق الكبير،
والعدد من الخيم، والخركاهات، والآلات، والفروش، ستة أبغل عليها الثياب
والأواني، وبغلا عليه مهد مسجف، وثلاثة أفراس بالمراكب الذهب.
قَالَ ابن فورك: فاستقبلتهم، فاستشرحني عميد الملك ما جرى فشرحته.
فقال:
تقدم واضرب السرادق والخيام [2] وانقل أمير المؤمنين من حيث هو إليها
ليلقاه فيها [3] ، وإذا حضرنا فليؤخر الإذن لنا ساعة كبيرة، فسبقت
وفعلت ذلك، ودخل عميد الملك فأورد ما أوجب إيراده من سرور السلطان
وابتهاجه بما يسره الله تعالى له من خلاصه، وشكر مهارشًا علي جميل
فعله، وسأل الخليفة السير فقال: بل نستريح يومين ونرحل/، 27/ أفقد
لحقنا من النصب ما يجب أن يحلل بالراحة قَالَ: كما ترى [4] .
وكتب عميد الملك إلى السلطان كتابا فشرح له ما جرى فيه [وأجب] [5] أخذ
خط الخليفة علي رأسه تصديقا لما يتضمنه فلم يكن عنده دواة حاضرة، فأحضر
عميد الملك من خيمته دواة فتركها بين يديه، وأضاف إليها سيفا منتخبا
وقال: هذه خدمة محمد بن منصور- يعنى نفسه- جمع في هذه الدولة بين خدمة
السيف والقلم.
فشكره الخليفة وأقاموا يومين، ثم وقع الرحيل فوصلوا إلى النهروان يوم
الأحد الرابع والعشرين من ذي القعدة. فأشعر السلطان بذلك فقال: قولوا
لأبي نصر- يعنى عميد الملك- يقيم إلى أن ينزل الخليفة ويستريح، ويصلى
ويتناول الطعام، ثم يعرفني حتى أجيء وأخدمه.
__________
[1] في الأصل: «وتشوغل» .
[2] في ص: «والخيم» .
[3] في ص: «ليلقاه فيها» .
[4] في ص: «كما قال براء» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/50)
فلما جاء وقت العصر جاء عميد الملك فأخبر
السلطان بعد أن استأذن له الخليفة، فركب فلما وقعت عينه على السرادق
نزل عن فرسه ومشى إلى أن وصله، فدخل فقبل الأرض سبع مرات، فأخذ الخليفة
مخدة من دسته فطرحها له بين يديه، وقال: اجلس.
فأخذ المخدة فقبلها، ثم تركها وجلس عليها، وأخرج من قبائه الجبل
الياقوت الأحمر الذي كان لبني بويه، فطرحه بين يديه، وأخرج اثنتي عشرة
حبة لؤلؤا كبارا مثمنة، فقال:
أرسلان خاتون- يعنى زوجة- الخليفة تخدم وتسأل أن تسبح بهذه السبحة، فقد
أنفذتها معي، وكان يكلم عميد الملك وهو يفسره، واعتذر عن تأخره عن
الورود إلى الحضرة الشريفة واستخلاص المهجة الكريمة بما كان من [عصيان]
[1] أخيه/ إبراهيم، وقال: 27/ ب كان من الأخوة الحسدة، وقد جرت له
بالعصيان عوائد عفوت عنه فيها، فأطمعه ذلك، فلما عاد فعله بالضرر على
أمير المؤمنين والدين والدولة العباسية خنقته بوتر قوسه، وشفع ذلك وفاة
الأخ الأكبر داود، فأحوجني الأمر إلى [ترتيب حتى] [2] رتبت أولاده
مكانه، فلم يمكن أن اصمد لهذه الخدمة، ثم أعددت لأصل إلى الحديثة،
وأخدم المهجة الشريفة، فوصل إلى الخبر بما كان من تفضل الله تعالى في
خلاصها وخدمة هذا الرجل- يعني مهارشا- بما أبان عن صحيح ديانته، وصادق
عقيدته، وأنا إن شاء الله امضي وراء هذا الكلب- يعني البساسيري-
واقتنصه وأيمم إلى الشام، وأفعل بصاحب مصر فيها ما يكون جزاء لفعل
البساسيري هاهنا.
فدعا له الخليفة وشكره وقلده بيده سيفا كان إلى جنبه، وقال: إنه لم
يسلم مع أمير المؤمنين وقت خروجه غير هذا السيف، وقد تبرك به، وشرفك
بتقليده. فتقلده وقبل الأرض، ونهض واستأذن للعسكر فأذن، فدخل الأتراك
من جوانب السرادق، وكشفت أغطية الخركاه المضروبة على الخليفة حتى
شاهدوه وخدموه وانصرفوا، ووقع المسير من غد والدخول إلى بغداد.
وتقدم الخليفة بضرب خيمة في معسكر السلطان وقال: أريد أن أكون معه إلى
أن يكفي الله من أمر هذا اللعين، فما تأمن الخدمة الشريفة المقام في
مكان لا يكون فيه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/51)
فقال السلطان: الله الله، ما هذا مما يجوز
أن يكون مثله ونحن الذي يصلح للحرب 28/ أوالسفر والتهجم والخطر دون/
أمير المؤمنين، وإذا خرج بنفسه فأي حكم لنا وأي خدمة تقع منا. وامتنع
أن يجيبه إلى ذلك، فدخل الخليفة البلد، وتقدم السلطان إلى باب النوبي،
وقعد مكان الحاجب على دكته إلى أن ورد الخليفة والعسكر محتفون به، ولم
يكن في بغداد من يستقبله سوى قاضي القضاة وثلاثة أنفس من الشهود، وذلك
لهرب الناس عن البلد ومن بقي منهم، فهو في العقوبات وآثار النهب، فلما
وصل إلى الدار أخذ بلجام [1] بغلته حتى وصل إلى باب الحجرة، وذلك في
يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة، فلما نزل الخليفة خدمة السلطان
واستأذنه في المسير وراء البساسيري، فأذن له، فانصرف وعبر إلى معسكره،
فجاءه سرايا ابن منيع متقدم [2] بني خفاجة، فقال له: الرأي أيها
السلطان إن تنفذ معي ألفي غلام من العسكر حتى أمضى إلى طريق الكوفة،
فأشغل البساسيري عن الإصعاد إلى الشام، ويأخذه من عرقوبه [3] لما تنحدر
أنت وراءه [4] ، فلم يعجب السلطان ذلك، إلا أنه خلع عليه وأعطاه
سبعمائة دينار وانزل في العسكر.
فلما انتصف الليل انتبه السلطان، فاستدعى خمارتكين فقال له: أعلم أني
قد رأيت الساعة في منامي كأني [5] قد ظفرت بالبساسيري وقتلته، وينبغي
أن يسير عسكر إليه من طريق الكوفة كما قَالَ سرايا، فإن نشطت أنت فكن
مع القوم. فقال: السمع والطاعة.
فسار وسار معه أنوشروان وجماعة من الأمراء، وتبعهم السلطان في يوم
الجمعة 28/ ب تاسع وعشرين [من الشهر] [6] / فأما مهارش فإنه اقترح
اقتراحات كثيرة، فأطلق له السلطان [طغرلبك] [7] عشرة آلاف دينار ولم
يرض، وأما البساسيري فإنه أقام بواسط
__________
[1] في ص: «لجام» .
[2] في الأصل: «مقدم» .
[3] في ص: «من عرقوب» .
[4] «لما تنحدر أنت وراءه» سقطت من ص.
[5] في الأصل: «أني» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/52)
متشاغلا بجمع الغلات والتمور وحطها في
السفن ليصعد بها إلى بغداد، مستهينا بالأمور إلى أن ورد عليه الخبر
بانحدار أهله وولده، ودخول الغز، فأصعد إلى النعمانية بالسفن التي جمع
فيها الغلات، فورد عليه الخبر بدخول السلطان بغداد، فكاتب ابن مزيد
ليجمع العرب، ولم يتصور أن السلطان نيته الانحدار، فجاء ابن مزيد إلى
نصف الطريق ثم عاد ثم جاء ثم عاد خوفا وخورا، فانحدر البساسيري إليه
وكان قد وكل بأبي منصور بن يوسف، فأزال ابن مزيد التوكيل عنه وقال له:
هذا وقت التقبيح. وكان البساسيري شاكا في ابن مزيد مستشعرا منه، إلا أن
الضرورة قادته إليه.
وعلمت العرب أن السلطان نيته قصدهم وبوادي [1] الشام، فتفرقوا ولم
يشعروا إلا بورود السرية [2] اليهم، وذلك في يوم السبت ثامن ذي الحجة
من طريق الكوفة، فقال البساسيري لابن مزيد: الرأي كبسهم الليلة، فإنهم
قد قدموا على كلال وتعب. فامتنع وقال: نباكرهم غدا.
فراسل أنوشروان ابن مزيد والتمس الاجتماع معه، فالتقى به فقال له
أنوشروان:
إن عميد الملك يقرئك السلام ويقول لك: قد مكنت في نفس السلطان من أمرك
ما جعلت لك فيه المحل اللطيف، والموقع المنيف، وشرحت له ما أنت عليه من
الطاعة والولاء، ويجب أن تسلم هذا الرجل، ويسلم كل من في صحبتك، فما
الغرض سواه، ولا القصد يتعداه، لما اقترف من/ عظيم الجرم، وإن امتنعت
واحتججت 29/ أبالعربية وذمامها وحرمة نزوله عليك فانصرف عنه ودعنا
وإياه.
فقال: ما أنا إلا خادم للسلطان مطيع، إلا أن للبدوية حكمها، وقد نزل
هذا الرجل على نزولا، وما آثرته ولا اخترته، بل كرهته، وقد طال أمر هذا
الرجل، والصواب أن نشرع [3] في صلاح حاله واستخدامه.
فقال أنوشروان: هذا هو الصواب، ونحن نبعد عنكم مرحلة وتبعدون عنا مثلها
__________
[1] في الأصل: «ولوالي» .
[2] في ص: «سرية» .
[3] في ص: «نشرح» .
(16/53)
حتى لا يتطرق بعضنا إلى بعض، وأراسل
السلطان بما رأيته، فإنه على نية اللحاق بنا، ولا شك في وصوله إلى
النعمانية، وما نخالفك على شيء تراه.
وما في الرجلين إلا من قصد خديعة صاحبه، فأما ابن مزيد: فإنه أراد
المدافعة بالحال لتحققه [1] بانحدار السلطان حتى يبعد عنه السرية فيصعد
إلى البرية إلى حيث يأمن إلى حلته وعشيرته، ويدبر أمر انفصاله عن
البساسيري. وأما أنوشروان: فأراد أن يبعد عن القوم ليفسح لهم طريق
الانصراف فإذا رحلوا تبعهم وأكب عليهم وهم مشتغلون بالرحلة عن الحرب.
[2] وعاد ابن مزيد فأخبر البساسيري بما جرى، فرد التدبير إليه وقال:
الأمر أمرك، وتأهبت السرية واستظهرت بأخذ العلوفة، ورحل البساسيري وابن
مزيد يوم الثلاثاء حادي عشر ذي الحجة والأتراك يراصدونهم، فلما أبعدوا
عن أعينهم تبعوهم فحاربوهم، فثبت البساسيري وجماعته، وأسرع ابن مزيد
إلى أوائل الظعن ليحطه ويرد 29/ ب العرب إلى القتال، فلم يقبلوا منه،
وأسر منصور، وبدران، وجماعة/ أولاد ابن مزيد، وانهزم البساسيري على
فرسه فلم ينجه، وضرب فرسه بنشابة فرمته [إلى] [3] الأرض، وأدركه بعض
الغلمان فضربه ضربة على وجهه ولم يعرفه، وأسره كمشتكين دواتي عميد
الملك، وحز رأسه وحمله إلى السلطان، وساق الترك الظعن، وأخذت أموال
عظيمة عجزوا عن حملها، وهلك من البغداديين الذين كانوا معهم خلق كثير،
وأخذت أموالهم، وتبددوا في البراري والآجام، وأخذت العرب من سلم.
وقد ذكرنا أن أصحاب البساسيري دخلوا إلى بغداد في اليوم السادس من ذي
القعدة وخرجوا منها في سادس ذي القعدة، وكان ملكهم سنة كاملة، واتفق
إخراج الخليفة من داره يوم الثلاثاء [ثامن عشر كانون الثاني، ومقتل
البساسيري يوم الثلاثاء] [4] ثامن عشر كانون الثاني من السنة الآتية
[5] ، وهذا من الاتفاقات الظريفة.
__________
[1] في الأصل: «ليحققه» .
[2] «فإذا رحلوا تبعهم وأكب عليهم وهم مشتغلون بالرحلة عن الحرب» سقط
من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الماضية» .
(16/54)
ولما حمل الرأس إلى السلطان حكى له الذي
أسره أنه وجد في جيبه خمسة دنانير، وأحضرها، فتقدم السلطان إلى أن يفرغ
المخ من رأسه ويأخذ الخمسة دنانير، ثم أنفذه حينئذ إلى دار الخلافة،
فوصل في يوم السبت النصف من ذي الحجة، فغسل ونظف، ثم ترك على قناة،
وطيف به من غد، وضربت البوقات والدبادب بين يديه، واجتمع من النساء
والنفاطين [وغيرهم] [1] بالدفوف ومن يغني بين يديه، ونصب من بعد ذلك
[2] على رأس الطيار مدة [3] بإزاء دار الخلافة، ثم أخذ إلى الدار.
وعرض في يوم السبت المذكور من الجو انقضاض كواكب كثيرة، ورعد شديد قبل
طلوع الشمس بساعة، وكان ذلك مفرطا.
وهرب ابن مزيد إلى البطيحة ونجا معه ابن البساسيري وبنته/ وأخواه
الصغيران 30/ أووالدتهما، وكانت العرب سلبتهم فاستهجن ابن مزيد ذلك
وارتجع ما أخذ، ثم هرب ابن البساسيري إلى حلب، ثم توسط أمر ابن مزيد مع
السلطان، فأطلق أولاده وإخوته، وحضر فداس البساط، وأصعد معه إلى بغداد،
ونهب العسكر ما بين واسط والبصرة والأهواز.
وفي هذا الشهر: أنفذ السلطان من واسط والدة الخليفة، ووالدة الأمير أبي
القاسم عدة الدين بن ذخيرة الدين، ووصال القهرمانة، وكن في أسر
البساسيري، فتبعهم جمع كثير من الرجال والنساء المأخوذين في الوقعة.
وفي هذا الشهر: عول من الديوان علي بن أبي علي الحسن بن عبد الودود بن
المهتدي في الخطابة بجامع المنصور بدلا من أبي الحسن بن أحمد بن
المهتدي، وعزلا له لأجل ما أقدما عليه في أيام البساسيري من تولى
الخطبة في هذا الجامع لصاحب مصر.
قَالَ محمد بن عبد الملك الهمذاني: ولما عاد القائم من الحديثة لم ينم
على
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وقعد ما قعد» .
[3] «مدة» سقطت من ص.
(16/55)
وطاء، ولم يمكن أحدًا أن [1] يقرب إليه
فطوره ولا طهوره، ولأنه نذر أن يتولى ذلك بنفسه، وعقد مع الله سبحانه
العفو عمن أساء إليه والصفح، وجميع من تعدى عليه، فوفى بذلك، وأشرف في
بعض الأيام على البناءين والنجارين في الدار، فرأى فيهم روزجاريا [2]
فأمر الخادم بإخراجه من بينهم، فلما كان في بعض الأيام عاد فرآه معهم،
فتقدم إلى الخادم أن يبره بدينار، وأن يخرجه ويتهدده إن عاد، فأتاه
الخادم ففعل ما رسم 30/ ب له وقال: إن رأيناك [3] ها هنا قتلناك/ فسئل
الخليفة عن السبب فقال: إن هذا الروزجاري بعينه أسمعنا عند خروجنا من
الدار الكلام الشنيع وتبعنا [4] بذلك إلى المكان الذي نزلناه من مشهد
باب التبن، ولم يكفه ذلك حتى نقب السقف، فإذا أنا بغباره، وتبعنا إلى
عقرقوف [5] فبدر من جهله ما أمسكنا عن معاقبته رجاء ثواب الله تعالى،
وما عاقبت من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3361- أرسلان أبو الحارث، ولقب بالمظفر، وهو البساسيري التركي
[6] .
كان مقدما علي الأتراك، وكان القائم بأمر الله لا يقطع أمرا دونه،
فتجبر وذكر [7] عنه أنه أراد تغيير الدولة، ثم أظهر ذلك وخطب للمصري،
فجرى له ما ذكرنا في الحوادث إلى أن قتل.
__________
[1] «أن» سقطت من ص.
[2] الروزجاري: الأجير.
[3] في الأصل: «رأيتك» .
[4] في ص، المطبوعة: «وبعثنا» .
[5] في ص: «عرقوف» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 84.
وشذرات الذهب 3/ 287، 288. والكامل لابن الأثير 8/ 349. (أحداث سنة 451
هـ-) والنجوم الزاهرة 5/ 2، 64. ووفيات الأعيان 1/ 192، 193. والأعلام
1/ 288) .
«والبساسيري» نسبة إلى «بسا» أو «فسا» بلدة بفارس (اللباب 1/ 121)
[7] في الأصل: «ونقل» .
(16/56)
3362- الحسن بن علي بن محمد بن خلف بن
سليمان، أبو سعيد الكتبي
[1] .
ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة سمع من ابن شاهين وغيره، وكان صدوقا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3363- الحسن بن أبي الفضل، أبو علي الشرمقاني [2] المؤدب
[3] .
وشرمقان [4] قرية من قرى نسا. نزل بغداد، وكان أحد حفاظ القرآن
العالمين باختلاف القراء ووجوه القراءات، وحدث عن جماعة، وكان صدوقا.
وجرت له قصة ظريفة رواها [5] محمد بن أبي الفضل [6] الهمذاني، عن أبيه
قَالَ: كان الشرمقاني المقرئ يقرأ على ابن العلاف، وكان يأوى إلى مسجد
بدرب الزعفراني، فاتفق أن ابن العلاف رآه ذات يوم في وقت مجاعة، وقد/
نزل إلى دجلة، 31/ أوأخذ من أوراق الخس [7] ما يرمى به أصحابه، وجعل
يأكله، فشق ذلك عليه، وأتى إلى رئيس الرؤساء فأخبره بحاله، فتقدم إلى
غلام له بالمضي إلى المسجد الذي يأوى إليه الشرمقاني، وأن يعمل لبابه
مفتاحا من غير أن يعلمه، ففعل وتقدم أن يحمل في كل يوم ثلاثة أرطال
خبزا سميذا ومعها دجاجة وحلوى وسكر، ففعل الغلام ذلك، وكان يحمله على
الدوام، فأتى الشرمقاني في أول يوم فرأى ذلك في القبلة مطروحا، ورأى
الباب مغلقا فتعجب، وقال في نفسه: هذا من الجنة ويجب كتمانه، وان لا
أتحدث به، فإن من شرط الكرامة كتمانه، وأنشد:
من أطلعوه على سر فباح به ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
فلما استوت حاله، وأخصب جسمه [8] سأله ابن العلاف عن سبب ذلك وهو
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 392) .
[2] في ت: «الشرقاني» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 402. والبداية والنهاية 12/ 84) .
[4] في ت: «شمرقان» .
[5] في الأصل: «ذكرها» .
[6] في ص: «محمد بن الفضل» .
[7] في ص: «الحسن» .
[8] في ص: «بدنه» .
(16/57)
عارف به، وقصد المزاح معه، فأخذ يورى ولا
يصرح، ويكنى ولا يفصح، ولم يزل ابن العلاف [1] يستخبره حتى أخبره أن
الذي يجد في المسجد كرامة نزلت من الجنة، إذ لا طريق لمخلوق عليه. فقال
ابن العلاف: يجب أن تدعو لابن المسلمة، فإنه هو الذي فعل ذلك، فنغص
عليه عيشه، وبانت عليه شواهد الانكسار.
وتوفي الشرمقاني في صفر هذه السنة.
3364- الحسين [2] بن أبي عامر، علي بن أبي محمد بن أبي سليمان [3] أبو
يعلى الغزال
[4] .
حدث عن ابن شاهين، وكان سماعه صحيحا، وكان يسكن باب الشام.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3365- حمدان بن سليمان بن حمدان، هو: أبو القاسم الطحان
[5] .
حدث عن المخلص، والكتاني.
3/ ب قَالَ الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقا. توفي في ذي الحجة/ من هذه
السنة.
3366- عبيد الله [بن أحمد] [6] بن علي، أبو الفضل الصيرفي، يعرف: بابن
الكوفي
[7] .
سمع الكتاني والمخلص.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قال: كتبت عنه وكان سماعه صحيحا، وكان من
__________
[1] في الأصل: «الخلاق» .
[2] في الأصل: «الحسن» .
[3] في ت، وتاريخ بغداد: «علي بن محمد بن سليمان» .
[4] في ت: «الغزالي» بدلا من «أبو يعلى الغزال» .
والغزّال: بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي. هذا اسم لمن يبيع الغزل
(الأنساب 9/ 139) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 176) .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 388) .
(16/58)
حفاظ القرآن، والعارفين باختلاف القراءات،
ومنزله بدرب الدنانير من نواحي نهر طابق، وسمعته يذكر أنه ولد في سنة
سبعين وثلاثمائة. وتوفي في هذه السنة.
3367- علي بن محمود بن إبراهيم بن ماخرة، أبو الحسن الزوزني
[1] .
وكان ماخرة مجوسيا، ولد أبو الحسن سنة ست وستين وثلاثمائة، وصحب أبا
الحسن الحصري، وروى عن أبي عبد الرحمن السلمي، وصار شيخ الصوفية،
والرباط المقابل لجامع المنصور ينتسب إلى الزوزني هذا، وإنما بني
للحصري، والزوزني صاحب الحصري فنسب إليه، وكان يقول: صحبت ألف شيخ
أحدهم الحصري، أحفظ عن كل شيخ حكاية.
توفي الزوزني في رمضان هذه السنة ودفن بالرباط.
3368- محمد بن علي بن الفتح [2] بن محمد بن علي، أبو طالب الحربي،
المعروف: بالعشاري
[3] .
ولد في محرم سنة ست وستين وثلاثمائة، وكان جسده طويلا فقيل له: العشاري
لذلك. وسمع من ابن شاهين، والدارقطني، وابن حبابة، وخلقا كثيرا، وكان
ثقة دينا صالحا.
توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر [4] جمادى الأولى من هذه السنة، وقد أناف
عن الثمانين، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 12/ 115. والبداية والنهاية 12/ 84،
وفيه: «بن ماجرة» . وشذرات الذهب 3/ 288. والكامل 8/ 351) .
[2] في الأصل: «بن أبي الفتح» وما أثبتناه هو ما في ص، ت، تاريخ بغداد
3/ 107.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 3/ 107. والبداية والنهاية 12/ 85.
وشذرات الذهب 3/ 289.
والوافي بالوفيات 4/ 130. والأعلام 6/ 276. والكامل لابن الأثير 8/
351) .
[4] في تاريخ بغداد 3/ 107: «تاسع وعشرين» .
(16/59)
ثم دخلت سنة اثنتين
وخمسين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
32/ أ/ أن السلطان أصعد من واسط، فدخل بغداد في يوم الخميس السابع عشر
من صفر وجلس له الخليفة فوصل إليه يوم الاثنين الحادي والعشرين من
الشهر، فخلع عليه وحمل [1] إلى دار الخليفة على رواق الروشن المشرف على
دجلة بعد أن أعيدت شرافاته التي قلعها البساسيري، ورم شعثه في يوم
الثلاثاء التاسع والعشرين من هذا الشهر سماطا حضر السلطان طغرلبك
والأمراء أصحاب الأطراف ووجوه الأتراك والحواشي، وتبع ذلك سماط عمله
السلطان في داره، وأحضر الجماعة في يوم الخميس ثاني ربيع الأول، وخلع
على الأمراء من الغد، وتوجه إلى الجبل في يوم الأحد الخامس من الشهر،
وتأخر بعده عميد الملك لتدبير الأمور، ودخل إلى الخليفة فودعه فشكره
واعتد بخدمته، ولقبه سيد الوزراء مضافا إلى عميد الملك.
وفي سادس عشرين هذا الشهر: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني
شهادة أبي بكر محمد بن المظفر الشامي.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة: انقض كوكب عظيم القدر عند طلوع،
الشمس من ناحية المغرب إلى ناحية المشرق فطال مكثه [2] .
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الآخرة: ورد الأمير عدة الدين أبو القاسم
عبد الله
__________
[1] في الأصل: «وعمل» .
[2] في ص: «لبثه» .
(16/60)
ابن ذخيرة الدين، وجدته، وعمته وسنه يومئذ
أربع سنين، مع أبي الغنائم/ ابن 32/ ب المحلبان، واستقبله الناس وجلس
في زبزب كبير، وعلى رأسه أبو الغنائم إلى باب الغربة، قدم له فرس فركبه
[1] فحمله أبو الغنائم على كتفه فأركبه الفرس، ودخل به إلى الخليفة
فشكره على خدمته له ثم خرج، وكان أبو الغنائم ابن المحلبان قد دخل إلى
دار بباب المراتب في أيام البساسيري. فوجد فيها زوجة أبي القاسم ابن
المسلمة وأولاده، وكان البساسيري شديد الطلب لهم، فقالوا له: قد تحيرنا
وما ندري ما نعمل، ولما استشرنا صاحبنا أين نأخذ- يعنون ابن المسلمة-
قال: ما لكم غير ابن المحلبان فخلطهم بحرمه، ثم أخرجهم إلى ميافارقين،
وجاءه محمد الوكيل فقال له: قد علمت أن ابن الذخيرة وبنت الخليفة
ووالدتها يبيتون في المساجد. وينتقلون من مسجد إلى مسجد مع المكدين،
ولا يشبعون من الخبز، ولا يدفأون من البرد، وقد علموا ما قد فعلته مع
بنت ابن المسلمة، فسألوني خطابك في مضائهم [2] وقد ذكروا أنهم أطلعوا
أبا منصور بن يوسف على حالهم، فأرشدهم إليك، وكان البساسيري قد أذكى
العيون عليهم، وشدد في البحث عنهم، فلم يعرف لهم خبرا. فقال ابن
المحلبان لمحمد الوكيل: واعدهم المسجد الفلاني حتى أنفذ زوجتي إليهم
تمشي بين أيديهم إلى أن يدخلوا دارها.
ففعل وحمل إليهم الكسوة الحسنة، وأقام بهم وخاطر بذلك، فلما علموا
بمجيء السلطان انزعجوا وقالوا: إن خوفنا من هذا كخوفنا من البساسيري
لأجل أن خاتون ضرة لجدة هذا/ الصبي، تكره سلامته، فأخرجهم إلى قريب من
سنجار، ثم حملهم إلى 33/ أحران، فلما سكنت الثائرة مضى وأقدمهم إلى
بغداد.
وفي جمادى الآخرة: وقع في الخيل والبغال موتان، وكان مرضها نفخة
العينين والرأس وضيق الحلق.
وفي رجب: وقف أبو الحسن محمد بن هلال الصابي دار كتب بشارع ابن أبي عوف
من غربي مدينة السلام، ونقل إليها نحو ألف كتاب.
__________
[1] «فركبه» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «مغنامهم» .
(16/61)
وكان السبب أن الدار التي وقفها سابور
الوزير بين السورين احترقت، ونهب أكثر ما فيها، فبعثه الخوف على ذهاب
العلم أن وقف هذه الكتب.
وفي شعبان: ملك محمود بن نصر حلب والقلعة، فمدحه ابن أبي حصينة فقال:
صبرت على الأهوال صبر ابن حرة ... فأعطاك حسن الصبر حسن العواقب
وأتعبت [1] نفسا يا ابن نصر نفيسة ... إلى أن أتاك النصر من كل جانب
وأنت امرؤ تبني العلى غير عاجز ... وتسعى إلى طرق الردى غير هائب
تطول بمحمود بن نصر وفعله ... كلاب كما طالت تميم بحاجب
وعاد طغرلبك إلى الجبل في هذه السنة بعد أن عقد بغداد وأعمالها على أبي
الفتح المظفر بن الحسين العميد في هذه السنة بمائة ألف دينار، ولسنتين
بعدها بثلاثمائة 33/ ب ألف دينار، فشرع العميد في عمارة سوق الكرخ/،
وتقدم إلى من بقي من أهلها بالرجوع إليها، ونهاهم عن العبور إلى الحريم
والتعايش [2] فيه، وابتدأت العمارة ثم تزايدت مع الأيام حتى عاد السوق
كما كان دون الدروب والخانات. والمساكن.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3369- باي [3] بن جعفر بن باي، أبو منصور الجيلي الفقيه
[4] :
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب قَالَ: سكن باي بغداد، ودرس فقه الشافعي
على أبي حامد الأسفراييني، وسمع من أبي الحسن بن الجندي، وأبي القاسم
الصيدلاني، وعبد الرحمن بن عمر بن حمة الخلال، كتبنا عنه وكان ثقة،
وولى القضاء بباب الطاق وبحريم دار الخلافة، ومات في المحرم سنة اثنتين
وخمسين وأربعمائة.
__________
[1] في الأصل: «وأرهيت» .
[2] في الأصل: «التعيسن» .
[3] في الأصل، ص: «بالي بن جعفر بن بالي» . وفي ت: «بابي» .
وفي البداية والنهاية 12/ 85 لم يورد المؤلف اسمه بل أورد كنيته فقال:
«أبو منصور الجيلي» .
وما أثبتناه هو ما في تاريخ بغداد 7/ 136.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 136. والبداية والنهاية 12/ 85.
والكامل 8/ 353) .
(16/62)
3370- الحسن بن أبي الفضل، أبو محمد النسوي
الوالي
[1] .
سمع الحديث من ابن حبابة، والمخلص. وحدث بشيء يسير، وكانت له في شغله
فطنه عظيمة.
وحدثني أبو محمد المقرئ قَالَ: كان أصحابه أصحاب الحديث إذا جاءوا إلى
ابن النسوي يقول: ويلكم، هذا سمعناه على أن يكون فينا خير.
وسمع [2] ليلة صوت برادة تحط، وكان ذلك في زمان الشتاء، فأمر بكبس
الدار فوجدوا رجلا مع امرأة، فسألوه من أين علمت؟ فقال: برادة لا تكون
في الشتاء، وإنما هي علامة بين اثنين.
قَالَ: وأتى بجماعة متهمين فأقامهم بين يديه، واستدعى بكوز ماء، فلما
جيء به شرب ثم رمى بالكوز من يده، فانزعجوا إلا واحدًا منهم، فإنه لم
يتغير، فقال: خذوه فأخذوه، فكانت العملة معه. فقيل له: من أين علمت؟
فقال: اللص يكون قوي القلب.
وشاع عنه أنه كان/ يقتل أقواما ويأخذ أموالهم، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه
شهد قوم 34/ أعند أبي الطيب الطبري على ابن النسوي أنه قتل جماعة، وأن
أبا الطيب حكم بقتله فصانع بمال فرق على الجند وسلم. وتوفي في رجب هذه
السنة.
3371- قطر الندى
[3] .
والده الخليفة القائم بأمر الله، هكذا سماها أبو القاسم التنوخي. وقال
أبو الحسن [4] بن عبد السلام: اسمها بدر الدجى. وقال غيرهما: اسمها
علم.، وكانت جارية أرمينية توفيت ليلة السبت الحادي عشر من رجب، وقدم
تابوتها وقت المغرب فصلى عليها الخليفة بمن حضر في الرواق بصحن السلام
بعد صلاة المغرب [5] ،
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 85، وفيه: «الفسوي» .
والكامل 8/ 353) .
[2] في ص: «وأنه سمع» .
[3] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 86. والكامل 8/ 353) .
[4] في الأصل: «أبو القاسم» .
[5] في الأصل: «بعد صلاة العصر» .
(16/63)
وحملت إلى الترب بالرصافة، وجلس للعزاء
[بها في بيت النوبة] [1] .
3372- محمد بن الحسين [بن محمد بن الحسن] [2] بن علي بن بكران، أبو
علي، المعروف بالجازري النهرواني
[3] .
حدث عن المعافى بن زكريا [4] وغيره، وكان صدوقا.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة.
3373- محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن عمرو بن [5] أبو الفضل
البزاز
[6] .
كان من القراء المجودين وسمع أبا القاسم بن حبابة، وابن شاهين،
والمخلص، وغيرهم، وانتهت الفتوى في الفقه على مذهب مالك إليه، وكان
دينا ثقة، وقبل قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني شهادته.
وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] حدث في الأصل خطأ وهو: بدأ الناسخ قبل هذه الترجمة بما نصه:
«النهرواني، حدث عن المعافى بن عمران وغيرهم، وكان صدوقا، وتوفي فِي
ربيع الأول من هذه السنة بها في بيت النوبة» .
ثم أتى بعد ذلك فأورد الترجمة هكذا: «محمد بن الحسين بن علي بن بكران،
أبو علي، المعروف:
بالنهرواني.... إلخ» فبذلك أصبحت ترجمتان لا واحدة، وهذا خطأ واضح.
انظر ترجمة محمد بن الحسين النهرواني في: (تاريخ بغداد 2/ 255. والكامل
8/ 353) .
[4] في الأصل: «المعافى بن عمران» .
[5] في تاريخ بغداد: «عمروس» .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 9/ 339. والبداية والنهاية 12/ 86.
وشذرات الذهب 3/ 290.
والكامل 8/ 35) .
(16/64)
ثم دخلت سنة ثلاث
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[حملت أرسلان خاتون زوجة الخليفة إلى
السلطان طغرلبك]
/ أن أرسلان خاتون زوجة الخليفة حملت إلى السلطان طغرلبك في يوم
البساسيري 34/ ب على ما سبق ذكره، فأريد ردها إلى دار الخليفة والسلطان
يعد بذلك ولا ينجزه، ثم خطب طغرلبك بنت الخليفة لنفسه بعد موت زوجته،
وكانت زوجته سديدة عاقلة، وكان يفوض أمره إليها فأوصته [1] قبل موتها
بمثل هذا، واتفق أن قهرمانة الخليفة لوحت للسلطان بهذا، وقد نسب إلى
عميد الدولة أيضا، فبعث أبا سعد بن صاعد يطلب هذا، فثقل الأمر على
الخليفة وانزعج منه، فأخذ ابن صاعد يتكلم في بيت النوبة بكلام يشبه
التهدد إن لم تقع الإجابة. فقال الخليفة، هذا ما لم تجر العادة به، ولم
يسم أحد من الخلفاء مثله، ولكن ركن الدين أمتع الله به عضد الدولة
والمحامي عنها وما يجوز أن يسومنا هذا، ثم أجاب إجابة خلطها
بالاقتراحات التي ظن أنها تبطلها، فمنها: تسليم واسط وجميع ما كان
لخاتون من الأملاك والإقطاع والرسوم في سائر الأصقاع وثلاثمائة ألف
دينار عينا منسوبة إلى المهر، وأن يرد السلطان إلى بغداد و [يكون] [2]
مقامه فيها، ولا يحدث نفسه بالرحيل عنها.
فقال العميد أبو الفتح: أما الملتمس وغيره فمجاب إليه من جهتي عن
السلطان، ولو أنه أضعافه، فإن أمضيتم الأمر، وعقدتم العهد سلم جميعه،
وأما مجيء السلطان
__________
[1] في ص، المطبوعة: «فأوصلته» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/65)
إلى بغداد ومقامه فيها فهذا أمر لا بد من
عرضه عليه، وأخذ رأيه فيه.، وندب للخروج إلى الري في ذلك أبو محمد رزق
الله بن عبد الوهاب، وأصحب تذكرة بذلك، ورسم له 35/ أالخطاب/ على
الاستقصاء في الاستعفاء، فإن تم فهو المراد، وإلا عرضت التذكرة.
وأنفذ طراد بن محمد الزينبي نقيب الهاشميين في ذلك أيضا، وأنفذ أبو نصر
غانم صاحب قريش بن بدران برسالة من الخليفة إلى السلطان في معنى قريش،
وإظهار الرضا عنه، والتقدم برد أعماله المأخوذة منه، وكان قد بذل
للخليفة عند تمام ذلك عشرة آلاف دينار، وحلف له الخليفة على صفاء
النية، وخلوص السريرة، والتجاوز عما مضى.
فلما وصل القوم وقد حملوا معهم الخلع للسلطان، فقام حين وضعت بين يديه
وخدم، ثم استحضروا في غد، وطيف بهم في مجالس الدار حتى شاهدوا المفارش
والآلات، وقيل لهم: هذا كله للجهة الملتمسة، وكان من جملة ذلك بيت في
صدره دست مؤزر، ومفروش بالنسيج، ووسطه سماط من ذهب فيه تماثيل المحكم
والبلور والكافور والمسك والعنبر، يوفي وزن ما في السماط على أربعمائة
ألف دينار [وبيت مثله يوفي ما فيه على مائة ألف دينار] [1] في أشياء
يطول شرحها فاجتمع أبو محمد التميمي بعميد الملك وفاوضه في ذلك الأمر
وعرض عليه التذكرة، فقال له: هذه الرسالة والتذكرة لا يحسن عرضها، فإن
الامتناع لا يحسن في جواب الضراعة، ولا المطالبة بالأموال في مقابلة
الرغبة في التجمل، ومتى طرق هذا سمع السلطان، حتى يعلم أن الرغبة في
الشيء لا فيه، والإيثار للمال لا له تغيرت نيته، وهو يفعل في جواب
الإجابة أكثر مما يطلب منه. فقال له أبو محمد الأمر إليك، ومهما رأيت
فافعل.
فطالع السلطان بذلك، فسر وأعلم الأكابر [به] [2] ثم تقدم إلى عميد
الملك بأن 35/ ب يأخذ خط/ التميمي بذلك، فراسله بأن السلطان قد شكر ما
أعلمته من خدمتك في هذا الأمر، وتقدم بالمسير فيه، وأريد أن تكتب خطك
بذاك لأطلعه عليك، فكتب خطه بمقتضى الرسالة والتذكرة، فشق ذلك على عميد
الملك.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/66)
[قبول قاضي القضاة الدامغانيّ شهادة الشريف
أبي جعفر]
وفي يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول: قبل قاضي القضاة أبو عبد الله
الدامغاني شهادة الشريف أبي جعفر بن أبي موسى الهاشمي، وأبي علي يعقوب
بن إبراهيم الحنبلي.
[ورود أرسلان خاتون إلى دار الخلافة]
وفي يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الأولى: وردت أرسلان خاتون إلى دار
الخلافة ومعها عميد الملك أبو نصر وقاضي الري، وفي الصحبة المهر
والجهاز الجديد [1] ، وأمر الوصلة بابنة الخليفة، وبعث مائة ألف دينار
منسوبة إلى المهر، وأشياء كثيرة من آلات الذهب، والفضة، والحلي،
والنثار، والجواري، والكراع، وألفان ومائتان وخمسون قطعة من [الجوهر
من] [2] جملتها سبعمائة وعشرون قطعة وزن الواحدة ما بين ثلاثة مثاقيل
إلى مثقال، فبان للخليفة أن الشروط التي شرطها [3] [مع أبي محمد
التميمي] [4] والاقتراحات لم يكن عنها جواب محرر، والمهر إنما حمل منه
مائة ألف مثقال [5] ، وقبح للخليفة الأمر من كل جهة، وقيل: إنه تشنع
فيه ما لا خفاء به، إذ كان ما لم تجربه عادة أحد من الملوك بأحد من
الخلفاء مثله، فامتنع من العقد وقال: إن أعفيت، وإلا خرجت من البلد.
[إطلاق عميد الملك لسانه بالقبيح ووصوله
إلى الخليفة]
وأطلق عميد الملك لسانه بالقبيح وقال: قد كان يجب أن يقع [6] الامتناع
في أول الأمر، ولا يكون اقتراح وتذكرة. ثم غضب واخرج نوبه فضربها
بالنهروان، وسأله قاضي القضاة وأبو منصور بن يوسف التوقف، وكاتبا
الخليفة وأرهباه/ وساقا الأمر إلى العقد 36/ أعلى أن يشهد عميد الملك
وقاضي الري بحكم وكالتهما في هذا الأمر [7] على نفوسهما أنهما لا
يطالبان بالجهة المطلوبة مدة أربع سنين، ثم استفتى الفقهاء في ذلك،
فقال الحنفيون: العقد يصح والشرط يلغو. وقال الشافعيون: العقد يبطل إذا
دخله شرط.
ووصل عميد الملك إلى الخليفة في ليلة الجمعة ثامن جمادى الآخرة فوعظه
__________
[1] في الأصل: «لتحرير» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ت: «التي نشرها» وفي الأصل: «شرطتها» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «مثقال» سقطت من ص، ت.
[6] «أن يقع» سقطت من ص.
[7] «وفي هذا الأمر» سقطت من ص.
(16/67)
ونهاه عما قد لج فيه، فقال: نحن نحضر جماعة
من الواردين صحبتك، ونرد هذا الأمر إلى رأيك وتدبيرك، فيظهر جلوسنا
وإجابتنا للخاص والعام، وتكفينا أنت بحسن نياتك في هذا الأمر في
الباطن، ففيه الغضاضة والوهن، ولم تجر لبني العباس بمثله عادة من قبل.
وجاء كتاب من السلطان إلى عميد الملك يأمره بالرفق، وأن لا يخاطب في
هذا الأمر إلا بالجميل، وذلك في جواب كتاب من الديوان إلى خمارتكين
يشكو [1] فيه مما يجري من عميد الملك، ويؤمر بإطلاع السلطان عليه، فعاد
جواب خمارتكين أن السلطان غير مؤثر لشيء مما يجري، ولا يكرهه [2] على
هذه الحال، فبقيت الحال على ما هي عليه، وعميد الملك يقول ويكثر،
والخليفة يحتمل ويصبر، وجاء يومأ إلى الديوان بثياب بيض، وتوسط الأمر
قاضي القضاء الدامغاني، وأبو منصور بن يوسف، واستقر الأمر على أن كتب
الخليفة لعميد الملك: إننا قد استخلفناك على هذا الأمر 36/ ب ورضينا بك
فيما تفعله، مما يعود بمرضاتنا ومرضاة ركن الدين، فاعمل في/ ذلك برأيك
الصائب الموفق، تزجية للحال، ودفعا بالأيام، وترقبا لأحد أمرين: إما
قناعة السلطان بهذا الأمر، أو طلب الإتمام، فلا يمكن المخالفة.
ثم دخل عميد الملك يوما إلى الخليفة ومعه قاضي القضاة وجماعة من
الشهود، وقال: أسأل مولانا أمير المؤمنين التطول بذكر ما شرف به ركن
الدين الخادم الناصح فيما رغب فيه، وسمت نفسه إليه ليعرفه الجماعة من
رأيه الكريم، وأراد أن يقول الخليفة ما يلزمه به الحجة بالإجابة. ففطن
لذلك فقال: قد شرط في المعنى ما فيه كفاية، والحال عليه جارية. فانصرف
مغتاظا، ورحل في عشية يوم الثلاثاء السادس والعشرين من جمادى الآخرة،
ورد المال والجواهر والآلات إلى همذان، وبقي الناس وجلين من هذه
المنازعة.
[انكساف الشمس جميعها]
وفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى على ساعتين منه:
انكسفت
__________
[1] في ص: «يشتكي» .
[2] في الأصل: «مكرهه» .
(16/68)
الشمس جميعها، وأظلمت الدنيا وشوهدت
الكواكب [1] كلها، وسقطت الطيور في طيرانها، وكان المنجمون قد زعموا
أنه يبقى سدسها فلم يبق منها شيء، وكان انجلاؤها على أربع ساعات وكسر،
ولم يكن الكسوف في غير بغداد وأقطارها عاما في جميع الشمس.
وفي رجب: ورد رسول من عميد الملك يذكر أن كتاب السلطان ورد عليه بأن
الخليفة إن لم يجب إلى الوصلة التي سألناها فطالبه بتسليم أرسلان خاتون
إليك وأعدها معك، لأسير بنفسي وأتولى الخطاب على هذا، وأنه أراد العود
من الطريق لفعل ما رسم له من [2] / هذا، فخاف أن لا ينضبط له العسكر
إذا عادوا إلى بغداد ويقول: إني قد 37/ أأعدت هذا الرسول لحمل أرسلان
خاتون إلى دار المملكة إلى حين اجتماعي بالسلطان وإصلاح هذه القصة،
وكاتب أرسلان بمثل ذلك وبانتقالها عن الدار، فتجدد الإنزاع والخوف،
ودافع الخليفة عن الجواب، وتبسط أصحاب في أشياء توجب خرق الحرمة [3]
فأظهر الخليفة الخروج من بغداد، وتقدم بإصلاح الطيار فحل صفره، ورم
شعثه، وانزعج الناس من ذلك وخافوا، فنودي فيهم أنه ما يبرح فسكتوا، ثم
جاء أمر السلطان إلى شحنته ببغداد يأمره بما يوجب دفع المراقبة، وقيل
في ذلك، وهذا في مقابلة خرق حرمتنا، ورد أصحابنا على أقبح حال، وإلى
السيدة أرسلان [4] بالانفصال عن الدار العزيزة، والمقام في دار المملكة
إلى أن يرد من يسيرها، وأدخلوا أيديهم في الجواري، فروسلوا بأن هذا
يقبح فأمسكوا.
[خلع في بيت النوبة على طراد الزينبي]
وفي يوم الخميس [5] لأربع بقين من رجب: خلع
في بيت النوبة على طراد الزينبي [6] ، وردت إليه نقابة
العباسيين، وتقلد نقابة الطالبيين أبو الفتح أسامة بن أبي عبد الله بن
أحمد بن على بن أبي طالب العلويّ، وانحدر من بغداد إلى البصرة،
__________
[1] «وشوهدت الكواكب» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «من ذلك» .
[3] في ص: «الحشمة» .
[4] في ص: «رسال» وكذلك في المطبوعة.
[5] في المطبوعة: «الخمس» .
[6] في الأصل: «خلع على طراد الزينبي في بيت الكوفة» .
(16/69)
واستخلف ببغداد أخاه أبا طالب [1] ، وضمن
أبو إسحاق إبراهيم بن علان اليهودي جميع ضياع الخليفة من واسط إلى صرصر
مدة سنة واحدة بستة وثمانين ألف دينار وسبعة عشر ألف كر، وسبع مائة كر.
وفي سابع رمضان: رأى إنسان زمن طويل المرض من نهر طابق رسول الله صلى
الله عليه وسلم/ 37/ ب في المنام قائما مع أسطوانة، وقد جاءه ثلاثة [2]
أنفس، فقالوا له: قم فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قائم، فقال لهم، أنا زمن، ولا يمكنني الحركة. فقالوا: هات يدك. وأقاموه
فأصبح معافى [3] يمشي في حوائجه ويتصرف في أموره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3374- أحمد بن مروان، أبو نصر الكردي
[4] .
صاحب ديار بكر، وميافارقين، لقبه القادر: نصر الدولة، فاستولى على
الأمور بديار بكر وهو ابن اثنتين وعشرين سنة، وعمر الثغور وضبطها،
وتنعم تنعما لم يسمع به عن أحد من أهل زمانه [5] ، وملك من الجواري
والمغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار، واشترى منهن بأربعة عشر
ألفا، وملك خمسمائة سرية سوى توابعهن، وخمسمائة خادم، وكان يكون في
مجلسه من آلات [6] الجواهر ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار، وتزوج
من بنات الملوك جملة، وكان إذا قصده عدو يقول: كم يلزمني من النفقة
[على قتال هذا] [7] فإذا قالوا: خمسون ألفًا بعث بهذا القدر أو ما يقع
عليه
__________
[1] «أبا طالب» سقطت من ص.
[2] «ثلاثة» سقطت من ص.
[3] في ص: «قائما» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 87. وشذرات الذهب 3/ 290،
291، والنجوم الزاهرة 5/ 69، والأعلام 1/ 256، والكامل 8/ 356. ووفيات
الأعيان 1/ 177، 178) .
[5] في الأصل: «لم يسمع بمثله، وملك ... » .
[6] في الأصل: «الآلات» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/70)
الاتفاق، وقال: أدفع هذا إلى العدو وأكفه
بذلك، وآمن على عسكره [1] من المخاطرة، وأنفذ للسلطان طغرلبك هدايا
عظيمة، ومنها: الجبل الياقوت الذي كان لبني بويه، وابتاعه من ورثة
الملك أبي منصور بن أبي طاهر، وأنفذ مع ذلك مائة ألف دينار عينا، ووزر
له أبو القاسم المغربي نوبتين، ووزر له أبو نصر محمد بن محمد بن جهير،
ورجت الأسعار في زمانه، / وتظاهر الناس بالأموال، ووفد إليه الشعراء،
وسكن عنده 38/ أالعلماء والزهاد، وبلغه أن الطيور في الشتاء تخرج من
الجبال إلى القرى فتصاد، فتقدم بفتح الأهراء وأن يطرح لها من الحب ما
يشبعها، فكانت في ضيافته طول عمره.
توفي في هذه السنة عن سبع وسبعين، وقيل عبر الثمانين سنة، وكانت إمارته
اثنتين وخمسين سنة.
__________
[1] في الأصل: «عسكري» .
(16/71)
ثم دخلت سنة اربع
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه خرج في يوم الخميس غرة صفر أبو الغنائم بن المحلبان إلى باب
السلطان طغرلبك من الديوان العزيز بالإجابة إلى الوصلة. وكان السبب أن
الكتب وردت من السلطان إلى بغداد وواسط والبصرة بإدخال اليد في الإقطاع
المفردة لوكلاء الدار العزيزة، والحواشي، والأصحاب، وإلى أصحاب الأطراف
وغيرهم، بتعديد ما فعل من الجميل دفعة بعد دفعة، وما كان من المقابلة
في الرد عما وقعت الرغبة فيه على أقبح حال، وخرج الكلام في ذلك إلى ما
ينافى قانون الطاعة ومقتضى الخدمة، وقطعت المكاتبة إلى الديوان، ووصل
الكتاب [1] إلى قاضي القضاة عنوانه: «إلى قاضي القضاة من شاهنشاه
المعظم ملك المشرق والمغرب، محيي الإسلام، خليفة الإمام، يمين خليفة
الله أمير المؤمنين» ، فكان في الكتاب أن قاضي القضاة يعلم أن تلك
الوصلة لم 38/ ب تكن جفوة/ قصدناها حتى يستوجب قبح المكافأة على جميع
ما قدمناه من المؤاثرات، وإن كنا لا نؤهل للإجابة، ولا نحض بالمساءة،
وليس يخفي على العوام ما قدمناه من الاهتمام، وأوجبناه من الإنعام،
وأظهرناه من التذلل والخضوع الذي ما كان لنا به عهد ظننا بأننا نتقرب
إلى الله تعالى بذلك، فصارت كلها [وبالا علينا] [2] ولكنا واثقون بصنع
الله تعالى أنه لا يضيع جميل أفعالنا ونرى سوء المغبّة لمن يضمر لنا
[3] سوءا فينا،
__________
[1] في الأصل: «ووصل كتاب» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «لنا» سقطت من ص.
(16/72)
واقتضى الرأي استرداد جميع ما كان للديوان
الخاص وقصر أيدي [1] وكلاء تلك الجهة عنها، ليقصروا على ما كان لهم يوم
وردت راياتنا العراق، فيجب أن نشير عليهم بالتخلية عنها، وترك المراجعة
فيها فإنّها [2] لا تفيد [3] غير الجدال والنزاع، وقد خاطبنا الشيخ
الزكي أبا منصور بن يوسف بكتاب أشبعنا فيه القول، فيجب أن يتأمله ويعمل
به، لئلا يتكرر الكلام، والسلام. وكتب في منتصف شعبان سنة ثلاث وخمسين.
ثم ما زالت المشورة على الخليفة بما في هذا الأمر قبل أن لا يتلافى،
فعين على أبي الغنائم بن المحلبان في الخروج إلى السلطان واستسلال ما
حصل في نفسه، فقال:
متى لم يقترن بخروجي إليه إجابته إلى غرضه من الوصلة كان قصدي زائدا في
غيظه، وتوقف عن الخروج، ودافع واتسع الخرق بما قصد به الخليفة من
الأذى، فأجاب حينئذ مكرها بعد أن يمنع ثلاث سنين، وكتب وكالة لعميد
الملك في العقد، وأذن في الوصول لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني،
وأبي منصور/ بن يوسف حتى شهدا بما سمعاه 39/ أمن الإجابة، وخرج أبو
الغنائم، وورد بعد خروجه بخمسة أيام ركابية بكتب تتضمن رد الأقطاع إلى
وكلاء الدار العزيزة، وكثر الاعتذار مما جره سوء المقدار من تلك
الأسباب المكروهة، والتقدم بإنفاذ أبي نصر بن صاعد رسولا بخدمة وهدية
ومشافهة بالتنصل مما جرى، وشاع هذا فطابت النفوس ووقعت البشائر في
الدار العزيزة، وخلع منها على الركابية، وضربت الدبادب والبوقات بين
أيديهم، وطيف بهم في البلد، وأعيد الإقطاع إلى أيدي الوكلاء.
وورد كتاب من عميد الملك إلى أبي منصور بن يوسف يخبره بأن تلك اللوثة
زالت من غير مذكر، بل برأي رآه السلطان حسما لقالة [4] تظهر، أو عدو
يشمت وكوتب أبو الغنائم بن المحلبان بالتوقف حيث وصل من الطريق إلى أن
يصل أبو نصر بن صاعد ويصدر [5] في صحبته على ما يقتضيه جوابه، ورسم له
طي ذلك وستره، فوصله الأمر
__________
[1] «أيدي» سقطت من ص.
[2] في ص: «فأنا» .
[3] في ص: «لا نفيد» .
[4] في ص: «لغالة» .
[5] في الأصل: «ويعدر» .
(16/73)
وهو بشهرزور، فأقام متعللا بالأمطار
والثلوج، وجرح ساقه، ثم أظهر أن مادة قد نزلت فمنعته من الركوب.
[ورود سيل شديد ليلا ونهارا]
وفي ربيع الأول: وكان ذلك في السابع عشر من آذار، ورد سيل [1] شديد
ليلا ونهارا، فوقف الماء في الدروب، وسقطت منه الحيطان، واتصل المطر
والغيم بقية آذار وجميع نيسان، حتى لم يجد يوم ذاك، وكان في أثنائه من
البرد الكبار ما اهلك كثيرا من الثمار، ووزنت واحدة فإذا فيها رطل،
وتحدث المسافرون أنه كان مثل ذلك 39/ ب بفارس، والجبال/، وأعمال
الثغور، وأنه قد ورد مطر بسنجار [2] ثمانين يوما متوالية ما طلعت فيها
الشمس، وجاء سيل على حلد الأكراد فأقلعتها، وشوهدت الخيل المقيدة [3]
غرقى على رأس الماء.
[زيادة دجلة إحدى وعشرين ذراعا]
وفي هذا الشهر: زادت دجلة فبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا، ورمت عدة
دور، وعملت السكور على نهر معلى، وباب المراتب، وباب الأزج، والزاهر،
وخرج الخليفة من باب البشري إلى دجلة ليلا، وغمس [4] القضيب النبوي في
الماء دفعتين، فكان ينقص ثم يزيد بعد.
وزادت تامرا اثنين وعشرين ذراعا وكسرا، وكانت زيادته المعروفة ثمانية
ذراعا [5] وتفجرت فيه بثوقه، ودار الماء من جلولا وتامرا على الوحش
فحصرها، فلم يكن لها مسلك، فكان أهل السواد يسبحون فيأخذونه بأيديهم،
فيحصل للواحد منهم في اليوم مائتي رطل لحما.
وفي ربيع الآخر: عطلت المواخير وغلقت، ونودي بإزالتها، وكان السبب أنه
كثر الفساد وشرب الخمر، وشرب رجل يهودي وتغنى بالقرآن.
ولما طالت أيام أبي الغنائم [6] بن المحلبان في تأخره ببلد شهرزور عن
السلطان
__________
[1] في الأصل: «انارودسيل» .
[2] «بسنجار» سقطت من ص،
[3] في الأصل: «المشكلة» .
[4] في الأصل: «غمر» .
[5] «وكان زيادته المعروفة ثمانية ذراعا» سقطت من ص، ت.
[6] «أبي الغنائم» سقطت من ص.
(16/74)
علم أنه أمر بالتوقف، فحرك الخليفة بأن
أنفذ [1] كتابا إلى الجهة الخاتونية مع جابر بن صقلاب، يتضمن اشتياقا
إليهم، وإيثارا لمشاهدتها، ورسم لها المسير [2] إليه، والخروج [3] من
دار الخلافة على أي حال أوجبته ومضيق [4] العذر في التأخر وكتاب إلى
الحاجب ترمس بملازمتها إلى أن تسير وتردد الخطاب في السبب/ الموجب
لذلك، 40/ أإلى أن أفصح به ابن صقلاب، وأنه بسبب تأخر أبي الغنائم بن
المحلبان، فقيل: إنما توقف لانتظارنا ابن صاعد الرسول الذي ذكرتم
إنفاذه إلى بابنا لنسمع رسالته، ويكون إنفاذهما جميعا، وحيث تأخر ذلك،
وأوجب هذا الاستشعار، فنحن نكاتب ابن المحلبان ونأمره بالإتمام، ففعل
ذلك.
[عقد السلطان على السيدة بنت الخليفة]
وفي يوم الخميس ثالث عشر شعبان: كان العقد للسلطان على السيدة بنت
الخليفة بظاهر تبريز، فكتب ابن المحلبان إلى الخليفة يخبره أنه عمل
سماط عظيم، وأنه قرأ [5] نسخة التوقيع الشريف إلى السلطان على الناس
والسلطان حاضر، وأنه سلم الوكالة إلى عميد الملك فقبلها، ورفع يده بها
إلى السلطان، فقام عند مشاهدتها وقبلها وقبل الأرض ودعا، ثم أعادها إلى
عميد الملك فقرأها، وقد رسم فيها تعيين المهر وهو: أربعمائة ألف دينار،
فارتفعت الأصوات بالدعاء للخليفة، وعقد العقد ونثر الذهب واللؤلؤ،
وتكلم السلطان بما معناه الشكر والدعاء، وأنه المملوك القن الذي قد سلم
نفسه ورقه وما حوته يده وما يكسبه باقي عمره إلى الخدمة الشريفة.
ونفذ في شوال خدمة للديوان العزيز تشتمل على ثلاثين غلاما أتراكا على
ثلاثين فرسا، وخادمين، وفرس بمركب وسرج من ذهب مرصع بالجواهر الثمينة،
وعشرة آلاف دينار/ للخليفة، وعشرة آلاف دينار لكريمته، وعقد جوهر فيه
نيف وثلاثون حبة في كل 40/ ب حبة مثقال، وجميع ما كان لخاتون المتوفاة
من الاقطاع بالعراق، وثلاثة آلاف دينار
__________
[1] «بأن أنفذ» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «الخروج إليه» .
[3] في الأصل: «وتخرج» .
[4] في الأصل: «نضيق» .
[5] في المطبوعة: «قرئ» .
(16/75)
لوالدتها، وخمسة آلاف للأمير عدة الدين،
فتولت أرسلان خاتون تسليم ذلك.
ووردت الكتب في ذي القعدة بتوجيه السلطان إلى بغداد.
وفي ذي الحجة: كثر الإرجاف بالسلطان طغرلبك ووفاته، واختلط الناس إلى
أن جاءت البشارة بعد أيام بسلامته من مرض شديد.
وفي هذه السنة: عم الرخص جميع الأصقاع، وبيع بالبصرة كل ألف رطل تمر
بثمانية قراريط.
وفيها: عزل أبو الفتح محمد بن منصور بن دارست عن وزارة القائم، واقبل
أبو منصور محمد بن محمد بن جهير من ميافارقين وقد سفر له في الوزارة
تقلدها، ولقب فخر الدولة شرف الوزراء.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3375- ثمال بن صالح، الملقب: بمعز الدولة صاحب حلب
[1] .
كان كريما فأغنى أهل البلد، وكان حليما، بينا الفراش يصب عليه ضربت
بلبلة الإبريق ثنيته فسقطت في الطست فعفا عنه، فقال له ابن أبي حصينة:
41/ أ/
وسن العدل في حلب فأخلت ... بحسن العدل بقعته البقاعا
حليم عن جرائمنا إليه ... وحي عن ثنيته انقلاعا
مكارم ما افتدى فيها بخلق ... ولكن ركبت فيه طباعا
إذا فعل الكريم بلا قياس ... فعالا كان ما فعل ابتداعا
3376- الحسن بن علي بن محمد، أبو محمد الجوهري، ويعرف: بابن المقنعي
[2] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 88. وشذرات الذهب 3/ 292.
والكامل 8/ 359. وتاريخ ابن خلدون 4/ 273. والأعلام 2/ 100) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 393.
والبداية والنهاية 12/ 88. وشذرات الذهب 3/ 292. والأعلام 2/ 202.
والكامل 8/ 359) .
(16/76)
[أخبرنا ابن ناصر، عن أبي محمد بن طاهر
المقدسي قال: سمعتهم يقولون ان أول من يضع تحت العمامة كما يفعل العدول
اليوم ببغداد] [1] . ولد [الحسن] [2] في شعبان سنة ثلاث وستين
وثلاثمائة، وكان يسكن درب الزعفراني، وهو شيرازي الأصل، وسمع الكثير،
وأول إملائه [في رمضان] [3] سنة إحدى وأربعين، وختم الإسناد وهو آخر من
حدث عن أبي بكر بن مالك القطيعي، وابن صالح الأبهري، وابن العباس
الوراق، وابن شاذان، وابن أيوب القطان، وابن إسحاق الصفار، وعن أبي
الحسن ابن كيسان النحوي، وابن لؤلؤ أبي الحسن الجراحي، وابن إسماعيل
الأنباري، وابن أبي عزة العطار، وابن العباس الرفاء، وابن أبي القصب
الشاعر وأبيه أبي الحسن الجوهري، وعن أبي عبيد الله الحسين [4] بن
الضراب، وابن بطة، وابن مروان الكوفي، وابن مهدي الأزدي، وابن عبيد
الدقاق، وعن أبي القاسم الخرقي، وابن جعفر المقرئ، وطلحة الشاهد، وعن
أبي جعفر بن الجهم الكاتب، وابن العباس الجوهري، وعن أبي محمد بن عبد
الله بن ماهود [5] الأصبهاني، وعبد العزيز بن أبي صابر، وعن أبي علي
العطشي، والفارسي، وعن أبي [6] العباس بن حمزة الهاشمي، وابن مكرم
المعدل، وعن أَبِي الْحَسَن [7] بْن يعقوب المقرئ، وأبي حفص جعفر بن
علي القطان، وأبي 41/ ب سعيد بن الوضاح: وكان ثقة أمينا، وتوفي في ذي
القعدة من السنة. ودفن في الجانب الشرقي من مقبرة باب أبرز.
3377- الحسين بن أبي زيد، أبو علي الدباغ، واسم أبي زيد: منصور، وأصله
من الصّغد
[8] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من ص، والأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] في الأصل: «بن ماهر» .
[6] في الأصل: «أبوي» .
[7] «بن حمزة الهاشمي، وابن مكرم المعدل، وعن أبي الحسن» سقط من ص.
وفي الأصل كتب الناسخ العبارة هكذا: «وعن أبوي العباس بن حمزة الهاشمي
والفارسيّ، وعن أبي العباس بن حمزة وابن مكرم العدل، وعن أبي
الحسن....» .
[8] في ت: «السعد» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 8/ 110. والبداية
والنهاية 12/ 88) .
(16/77)
سمع سفيان بن عيينة، ووكيعا [1] ، وأبا
معاوية في آخرين. روى عنه الباغندي، وكان من الثقات.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد القزاز، أخبرنا أحمد بن على
بن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ [2]
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبَا [الْحَسَنِ] [3] السَّرَّاجَ يَقُولُ: سَمِعْتُ
الْحُسَيْنَ [4] بْنَ أَبِي زَيْدٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ
اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَنِي عَلَى الإسلام. فقال: إيه [5] وَالسُّنَّةِ،
وَجَمَعَ إِبْهَامَهُ وَسَبَّابَتَهُ [6] وَحَلَّقَ حَلْقَةً، وَقَالَ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «وَالسُّنَّةِ، وَالسُّنَّةِ، وَالسُّنَّةِ» .
توفي في شوال هذه السنة.
3378- سعد بن محمد بن منصور، أبو المحاسن الجرجاني
[7] .
كان رئيسا في أيام والده في سنة عشر وأربعمائة فدرس الفقه وتخرج علي
يده جماعة، وروى الحديث، ووجه رسولا إلى محمد بن سبكتكين، فخرج وعقد له
مجلس النظر في جميع البلدان بنيسابور وهراة وغزنة، وقتل ظلما بأستراباذ
في رجب هذه السنة. رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين آمين [8] .
__________
[1] «ووكيعا» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «المقرئ» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
وفي تاريخ بغداد 8/ 110: «أبا العباس» .
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] في ص: «فقال لي» .
[6] في الأصل: «والوسطى» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 88. وتاريخ نيسابور ت 763
فيه: «الجولكي» ) .
[8] «رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين آمين» سقطت من ص، ت.
(16/78)
ثم دخلت سنة خمس
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان وصل إلى [إزاء] [1] القفص فعزم الخليفة على تلقيه، فاستعفى
فأعفى من ذلك، فأخرج إليه الوزير أبو منصور، فلما دخل العسكر نزلوا في
دور الناس وأخرجوهم، وأوقدوا أخشاب الدور لبرد عظيم كان، وكانوا
يتعرضون لحرم الناس، حتى إن قوما من الأتراك صعدوا إلى جامات حمام
ففتحوها وطالعوا النساء، ثم نزلوا فهجموا عليهن فأخذوا من أرادوا منهن،
وخرج الباقيات عراة إلى الطريق، فاجتمع الناس وخلصوهن من أيديهم، فعلوا
هذا بحمامين.
وجاء عميد الملك إلى دار الخلافة وخدم عن السلطان فأوصله الخليفة
وخاطبه بالجميل، وأعطاه عدة أقطاع ثياب تشريفا له، وتردد الخطاب في نقل
الجهة إلى دار المملكة، وبعث السلطان إلى الجهة بخاتمه، وكان ذهبا
وعليه فص ماس وزنه درهمان، وبعث جبتين في سستحة [2] ، ولازم عميد الملك
المطالبة بها حتى بات في الديوان، فكان مما قاله الخليفة: يا منصور بن
محمد، أنت كنت تذكر أن الفرض في هذه الوصلة التشرف بها، والذكر الجميل،
وكنا نقول لك: إننا ما نمتنع من ذاك إلا خوفا من المطالبة بالتسليم،
وجرى ما قد علمته، ثم أخرجنا ابن المحلبان، وقرر [معكم] [3]
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «وبعثت حسين في سسحة» .
وفي ص: «وبعث جبتين في مسلحد» .
وفي الأصل كما أثبتناه، ولم نجد لها معنى في لسان العرب لابن منظور.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/79)
42/ ب قبل العقد ما أخذ به خطك، وأنه إن
كان يوما ما يطالبه برؤية واجتماع كان ذلك/ في الدار العزيزة النبوية،
ولم يسم إخراج هذه الجهة من دارنا، فقال عميد الملك: هذا جميعه صحيح،
والسلطان مقيم عليه وعازم على الانتقال إلى هذه الدار العزيزة حسب ما
استقر، وهو يسأل أن يفرد لحجابه وغلمانه [وخواصه] [1] فيها مواضع
يسكنونها، فما يمكنه [2] بعدهم عنه، فقطع بهذا الكلام الحجة، ثم راجع
وكرر إلى أن استقر انتقالها إلى دار المملكة على أن لا تخرج من بغداد،
وأن تكون بها إذا سافر السلطان، وأحضر قاضي القضاة الدامغاني حتى
استخلفه على الاجتهاد في ذلك.
وحمل السلطان إلى الخليفة مائة ألف دينار ومائة وخمسين ألف درهم وأربعة
آلاف ثوب فيها عشرة طميم كل ذلك منسوب اليه.
[زفاف السيدة ابنة الخليفة إلى دار المملكة]
وفي ليلة الاثنين خامس عشر صفر: زفت السيدة ابنة الخليفة إلى دار
المملكة، ونصب لها من دجلة إلى الدار [سرادق] [3] ، وضربت البوقات
والدبادب [4] عند دخولها الدار، فجلست على سرير ملبس بالذهب، ودخل
السلطان إليها فقبل الأرض [لها] [5] وخدمها، وشكر الخليفة وخرج من غير
أن يجلس، ولا قامت له ولا كشفت برقعا كان على وجهها ولا أبصرته، وكان
السلطان والحجاب ووجوه الأتراك يرقصون في صحن الدار فرحا وسرورا، وأنفذ
لها مع أرسلان خاتون، وكانت قد مضت في صحبتها عقدين فاخرين، وقطعة
ياقوت أحمر [6] كبيرة [ودخل من الغد فقبل الأرض وخدمها [7] ، وجلس على
سرير ملبس بالفضة بإزائها ساعة، ثم خرج وأنفذ إليها جواهر كثيرة] [8]
مثمنة، 43/ أوفرجية نسيج مكللة بالحب، وما زال على مثل ذلك كل يوم/
يحضر ويخدم، فظهر منه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فما يمكنهم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت، ص: «والكوسات» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «ياقوت حمراء» .
[7] في ت: «وخديها» وقد سقطت من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/80)
سرور شديد من الخليفة تألم لما ألزمه من
ذلك، وخلع السلطان في بكرة يوم الاثنين على عميد الملك، وزاد في ألقابه
جزاء على توصله إلى هذا الأمر، واتصل [1] في دار المملكة السماط
أسبوعا، ثم كان في يوم الأحد لتسع بقين من الشهر سماط كبير، وخلع على
جميع الأمراء.
وفي يوم الخميس تاسع ربيع الأول: حضر عميد الملك بيت النوبة، واستأذن
للسلطان طغرلبك في الانصراف وللسيدة خاتون في المسير صحبته، وأنه
يستردها مدة ستة أشهر، فأذن الخليفة للسلطان ولم يأذن لأرسلان، وقال:
هذا لا يحسن. وتردد من المراجعة ما أدى إلى إذن الخليفة فيه، وكانت
شاكية من إطراحه لها، وأنه لم يقرب منها منذ اتصل إليها.
وأنفذ للسلطان في يوم السبت [حادي عشر الشهر] [2] خلع من حضرة الخليفة،
وخرج من الغد وهو ثقيل من علته، مأيوس من سلامته، واستصحب السيدة ابنة
الخليفة معه بعد أن امتنعت، فألزمها ولم يصحبها [3] من دار الخلافة إلا
ثلاث نسوة برسم خدمتها، ولحق والدتها من الحزن ما لم يمكن دفعه عنها.
[انقضاض كوكب كبير كان له ضوء]
وفي ليلة الاثنين لخمس بقين من ربيع الآخر: انقض كوكب كبير كان له ضوء
كبير، وفي صبيحته جاءت ريح ومطر فيه برق متصل، لحق منه قافلة وردت من
دجيلة عند قبر الإمام [4] أحمد بن حنبل ما أحرق واحدًا من أهلها فمات
من وقته، وكان الموضع الذي احترق من جسمه وثوبه أبيض لم يتغير لونه،
فلما أرادوا قلع القميص عنه لم يتغير القميص/ في منظر العين، ووجدوه
عند مسه هباء منثورا.
43/ ب وَفِي لَيْلَةِ الأَرْبِعَاءِ لِثَمَانٍ بَقَيْنَ مِنْ
شَعْبَانَ: رَأَتِ امْرَأَةٌ هَاشِمِيَّةٌ فِي مَنَامِهَا النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي
مَسْجِدٍ صَغِيرٍ بِالْمَأْمُونِيَّةِ مِنَ الْحَرِيمِ الشَّرِيفِ،
فقال لها النبي
__________
[1] في الأصل: «وانتقل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ت: «يتبعها» .
[4] «الإمام» سقطت من ص، ت.
(16/81)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مُرِيهِمْ أَنْ يَعْمُرُوا هَذَا الْمَسْجِدَ» . فقالت: لا يصدقونني
في رؤيتي لكم. [1] فمد يده إلى حائط عقد هناك قديم مبني بالجص والآجر،
وهو من أحد حيطان [المسجد] [2] وجر آجرة من وسطها [3] حتى برز بثلثها
وقال لها: «هذا دليل على صدق قولك وصحة رؤياك» .
[زلزلة بأنطاكيّة، واللاذقية وطرابلس، وصور]
وفي هذا الشهر: كانت زلزلة بأنطاكية، واللاذقية، وقطعة من بلاد الروم،
وطرابلس، وصور، وأماكن من الشام، ووقع من سور طرابلس قطعة.
وورد الخبر بموت طغرلبك إلى بغداد من جهة السيدة [ابنة] [4] الخليفة
ليلة الأحد الرابع والعشرين من رمضان بأنه توفي في ثامن رمضان، وشرى
العيارون بهمذان فقتلوا العميد وسبعمائة رجل من أصحاب الشحنة، وأحضروا
المخانيث بالطبول والزمور، وأكلوا نهارا وشربوا على القتلى، وكانوا
كذلك بقية الشهر.
ولما توفي طغرلبك بعث إلى عميد الملك الكندري، وكان على سبعين فرسخا
فجاء قبل أن يدفن، وأخذ البيعة لسليمان بن داود بن أخي طغرلبك، وكان
طغرلبك قد نص عليه، وحط من القلعة سبعمائة ألف دينار وكسر، وستة عشر
ألف ثوب من ديباج، وسقلاطون وسلاحا تساوى مائتي ألف دينار ففرقها على
العسكر، فسكن الناس، ولم يبق لهم خوف إلا من الملك ألب أرسلان، وهو
محمد بن داود، فإن العسكر مالوا إليه.
وانتشرت في هذه الأيام الأعراب في سواد بغداد وما حولها، وقطعوا
الطرقات، وأخذوا ثياب الناس حتى في الزاهر وأطراف البلد، واستاقوا من
عقرقوف من الجواميس 44/ أما قيمته/ ألوف دنانير، وتحدث الناس بما عليه
مسلم بن قريش من دخول بغداد والجلوس في دار المملكة، وحصار دار الخلافة
ونهبها، فانزعج الناس وتعرض مسلم للنواحي الخاصة جميعها، وقرر على
أهلها مالا، ونهب من امتنع من ذلك، ونهب المواشي والعوامل، وامتنعت
الزراعة إلا على المخاطرة، وكثرت استغاثة أهل السواد
__________
[1] في الأصل: «رؤيتكم» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «من وسطه» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/82)
على الأبواب العزيزة، وخرج العسكر
لمقاومته، فبعث يعتذر [ويقول: أنا الخادم] [1] وكان عميد الملك قد طالب
[2] الجهة الخليفية بجواهر كانت للسلطان معها [3] وذكر زيادة قيمتها
وحاجته إلى صرفها [إلى الغلمان] [4] فأنكرت ذلك، فاعترض نواحيها كذلك
وأقطاعها ثم استظهر عليها. [5]
[زلزلة بأرض واسط ووباء بمصر]
[وفي ذي الحجة [6] : كانت زلزلة بأرض واسط لبثت طويلا.
وفي هذه السنة: وقع موتان بالجدري والفجأة، ونقض في هذا الوقت الدور
الباقية بمشرعة الزوايا، والفرضة، ومن بقايا المسنيات، والدور الشاطية،
وغيرها شيء كبير، وأخذت أخشاب الدور، وحملت الأنقاض إلى دار الخليفة،
فكانت عدة الدور ذوات المسنيات في الماء في سنة سبع وأربعين وأربعمائة
عند دخول طغرلبك إلى بغداد مائة ونيفًا وسبعين دارًا.
ووقع الوباء بمصر وكان يخرج منها في اليوم الواحد نحو ألف جنازة، وقبض
على أبي الفرج المغربي وزير مصر، ونظر أبو الفرج عبد الله بن محمد
البابلي مدة ثم عزل.
وفيها دخل صاحب اليمن مكة فأحسن السيرة، وجلب إليها الأقوات، وفعل
الجميل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3379- الحسن [7] بن على بن علي بن حزام [8] ، أبو نصر الجذامي
[9] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «قد طالب» سقطت من ت، ص.
[3] في الأصل: «عندها» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «ثم استظهر هراة» .
[6] من أول: «وفي ذي الحجة ... » حتى « ... وولي ابن عمه الحسن بن
موسى» في ترجمة محمد بن ميكائيل بن سلجوق، وهو ما بين المعقوفتين سقط
من الأصل.
[7] في ت: «زهير بن الحسن ... » .
[8] في ت: «بن خدام» .
[9] الجذامي: بضم الجيم وفتح الذال المعجمة. هذه النسبة إلى جذام، ولخم
وجذام قبيلتان من اليمن نزلتا الشام. (الأنساب 3/ 209) .
(16/83)
ورد بغداد، وتفقه على أبي حامد
الأسفراييني، وسمع المخلص، وانحدر إلى البصرة فسمع سنن أبي داود من
القاضي أبي عمر الهاشمي، وحدث بالكثير، وكان يرجع إليه في الفتاوى
والمشكلات، وتوفي بسرخس.
3380- سعيد بن مروان
[1] صاحب آمد، توفي في هذه السنة، وقيل إن أبا الفرج الخازن سقاه السم
باتفاق من نصر بن سعيد صاحب ميافارقين، فأحس سعيد، وأمر بقتل أبي الفرج
فقطع قطعا.
3381- محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون، أبو الحسين القرشي
[2] .
ولد في صفر سنة سبع وستين وتوفي في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر هذه
السنة.
قَالَ أبو الفضل بن خيرون: هو ثقة ثقة ثقة.
3382- محمد بن ميكائيل بن سلجوق، أبو طالب السلطان، الذي يقال له:
طغرلبك
[3] .
وأصله من جيل من التركمان، وكان ابن سلجوق قد زوج ابنته من رجل يعرف
بعلي تكين، فاستفحل أمرهما وأفسدا على محمود بن سبكتكين فقصدهما، فأما
على تكين فأفلت من محمود، وأما ابن سلجوق [4] فقبض عليه محمود، وحصل من
أصحابه أربعة آلاف خركاه منتقلة في البلاد، وتوفي محمود فاشتغل ابنه
مسعود بلذاته، فاجتمع أصحاب ابن سلجوق وشنوا الغارات على سواد نيسابور،
واستولى العيارون على نيسابور فوردها طغرلبك فهذبها، فمال إليه
المستورون فحصل الأموال، فسار مسعود للقاء طغرلبك حين استفحل أمره
فالتقيا فانهزم مسعود، واستولى طغرلبك على
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 90. والكامل 8/ 363) .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 356، وفيه: النرسي بدلا من
القرشي) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 90. وشذرات الذهب 3/ 294،
295، 296. والكامل لابن الأثير 8/ 360، 361 (حوادث 455) . ووفيات
الأعيان 5/ 63. والنجوم الزاهرة 5/ 5، 73. والأعلام 7/ 120، 121) .
[4] في كل النسخ: «وابن سلجوق» وقد أضفنا «أما» لاستقامة المعنى.
(16/84)
خراسان، وذلك في سنة ثلاثين، وولى أخاه
لأمه إبراهيم ينال بن يوسف قهستان وخراسان، وقصد بنفسه الري فخربها
أصحابه، ووقع على دفائن وأموال وفتح أصبهان سنة ثلاث وأربعين
واستطابها، وعول على أن يجعلها دار مقامه، ونقل إليها أمواله من الري،
وولى أخاه داود في سنة ثلاثين مرو، وسرخس، وبلخ إلى نيسابور، وولى ابن
عمه الحسن بن موسى] [1] هراة، وبوشنج، وسجستان.
وكان قد كتب إلى دار الخليفة في سنة خمس [2] وثلاثين كتابا إلى عميد
الرؤساء الوزير، وخاطبه بالشيخ الأجل أبي طالب محمد بن أيوب، فمضى في
الجواب إليه من دار الخلافة أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب
الماوردي، ولقيه بجرجان فاستقبله على أربعة فراسخ إجلالا لرسالة
الخليفة، ثم أعطاه على التشريف الذي صحبه ثلاثين ألف دينار، وعشرين
ألفًا للخليفة، وعشرة آلاف لحواشيه، وسارت عساكر طغرلبك إلى الأهواز
فنهبوها، ثم قدم بغداد وجلس له القائم، وفوض إليه الأعمال، وخاطبه بملك
المشرق والمغرب.
وطغرلبك أول ملك من السلجوقية، وهو الذي بنى لهم الدولة، وكان مدبرا
حكيما يطلع على أفعال [3] تسوؤه فلا يؤاخذ بها، ولقد كتب بعض خواصه سوء
سيرته إلى أبي كاليجار فرأى الملطفة [4] ولم يعاتبه، وبعث إليه ملك
الروم أموالا كثيرة.
وقد ذكرناها فيما تقدم وذكرنا/ أحواله على ترتيب السنين، وكيف رد
القائم من 44/ ب حديثه عانة وقتل البساسيري وتزوج ابنة الخليفة.
وتوفي بالري يوم الجمعة ثامن رمضان هذه السنة، وكانت مملكته ثلاثين سنة
وعمره سبعين.
__________
[1] إلى هنا ينتهي الساقط من الأصل.
[2] «خمس» سقطت من ص.
[3] في الأصل: «أحوال» .
[4] في الأصل: «المطالعة» .
(16/85)
ثم دخلت سنة ست
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما أفسدت الأعاريب [1] في سواد بغداد وأطرافها حملت العوام السلاح
لقتالهم، وكان ذلك سببا إلى كثرة العيارين وانتشارهم في محرم هذه
السنة.
ووقع الإرجاف بأن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل وارد إلى
بغداد فغلت الأسعار، ثم ورد الخبر أن السلطان ألب أرسلان قبض على عميد
الملك [2] أبي نصر منصور بن محمد بن الكندري في عشية يوم السبت السابع
من المحرم، وأخذ ماله، ثم أنفذ إلى مروالروذ واعتقل بها، وخلع على
وزيره نظام الملك أبي علي الحسين بن إسحاق الطوسي في ذلك اليوم، وروسلت
[3] السيدة ابنة الخليفة في الحال بالإذن لها في المسير إلى بغداد،
وأنفذ إليها خمسة آلاف دينار للنفقة فأبت أن تقبل، فقبح عليها [4] أن
ترد فقبلت، ووصلت إلى بغداد عشية يوم الأحد ثالث عشر ربيع الآخر،
واجتمع العوام [5] لمشاهدة دخولها فدخلت ليلا، وكان في صحبتها القاضي
أبو 45/ أعمرو محمد بن عبد الرحمن/، فحضر بيت النوبة وسأل قاضي القضاة
الدامغانيّ أن
__________
[1] في الأصل: «الأغارب» .
[2] في الأصل: «عبد الملك» .
[3] في الأصل: «ووصلت» .
[4] في ص: «فقبح لها» .
[5] في ص، ت: «الناس» .
(16/86)
يكون جلوس هذا القاضي الوارد دونه فلم يجب،
وأمر أن يجلس على روشن بيت النوبة بمعزل من المجلس، فقام هذا القاضي
فخطب خطبة وصف فيها ألب أرسلان، وشكر وزيره نظام الملك، ثم جلس وسلم
الكتب الواصلة معه، وكانت كتابين إلى الخليفة، وكتابًا إلى الوزير فخر
الدولة أبي نصر بن جهير، فخرج الجواب يتضمن شكر السلطان ألب أرسلان،
والاعتداد بخدمته في تسيير السيدة، وتقدم إلى الخطباء بإقامة الدعوة،
فقيل في الدعاء: اللَّهمّ أصلح السلطان المعظم عضد الدولة وتاج الملة
أبا شجاع ألب أرسلان محمد بن داود، فبعث عشرة آلاف دينار وزنا ومائتي
ثوب إبريسمية أنواعا، وحوالة على الناظر ببغداد بعشرة آلاف أخرى، وعشرة
أفراس، وعشرة بغلات، وقيل للسلطان في أمر عميد الملك، وأنه لا فائدة في
بقائه، فَإنَّهُ غير مأمون أن يفسد، فأمر بالمكاتبة إلى مقدم [1]
مروالروذ بقتله وصلبه، وأنفذ ثلاثة غلمان لذلك.
وبيعت في هذا الزمان دار بنهر طابق بثلاثة قراريط، وبيعت دار بواسط
بدرهم.
وفي ربيع الأول: شاع ببغداد أن قوما من الأكراد خرجوا متصيدين فرأوا في
البرية خيما سودا سمعوا فيها لطما شديدا، وعويلا كبيرا، وقائلا يقول:
قد مات سيدوك ملك الجن، وأي بلد لم يلطم به عليه ولم يقم فيه مأتم قلع
أصله، وأهلك أهله. فخرج النساء العواهر من حريم بغداد إلى المقابر
يلطمن/ ثلاثة أيام، ويخرقن ثيابهن وينشرن 45/ ب شعورهن، وخرج رجال من
السفساف يفعلون ذلك، وفعل هذا في واسط وخوزستان من البلاد، وكان هذا
فنا من الحمق لم ينقل مثله.
ولما فرغت خلع السلطان سأل العميد أبو الحسن أن يجلس الخليفة جلوسا
عاما لذلك، فجلس يوم الخميس سابع جمادى الآخرة في البيت المستقبل
بالتاج المشرف على دجلة، وأوصل إليه الوزير فخر الملك، وتقدم بإيصال
العميد والقاضي أبي عمر فدخلا فشافههما بتولية عضد الدولة، واستدعى
اللواءين فعقدهما بيده، وسلمت الخلع بحضرته، ورتب للخروج بالخلع أبو
الفوارس طراد الزينبي، وأبو محمد التميمي، وموفق الخادم، وكتب معهم إلى
السلطان كتاب بتوليته، ولقب العميد شيخ
__________
[1] في الأصل: «متقدم» .
(16/87)
الدولة ثقة الحضرتين، ولقب نظام الملك قوام
الدين والدولة رضى أمير المؤمنين، وهو يذكر في تلك البلاد بخواجا بزرك.
[هجوم قوم من أصحاب عبد الصمد علي أبي علي بن الوليد المدرس لمذهب
المعتزلة]
وفي يوم الجمعة الثاني عشر من شعبان: هجم قوم من أصحاب عبد الصمد علي
أبي على بن الوليد المدرس لمذهب المعتزلة فسبوه وشتموه لامتناعه من
الصلاة في الجامع وتدريسه لهذا المذهب، فقال لهم: لعن الله من لا يوثر
الصلاة، ولعن الله من يمنعني منها ويخيفني فيها. إيماء إليهم وإلى
أمثالهم من العوام لما يعتقدونه في أهل هذا المذهب من استحلال الدم،
ونسبتهم إلى الكفر، وأوقعوا به وجرحوه، وصاح صياحا 46/ أخافوا اجتماع/
[أهل الموضع] معه عليهم، فتركوه ثم أغلق بابه واتصل اللعن للمعتزلة في
جامع المنصور، وجلس أبو سعد بن أبي عمامة فلعن المعتزلة.
وفي يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من رمضان: جمع أبو عبد الله [1] بن
جردة البيع [2] جمعا عظيما [3] من الضعفاء ليتصدق عليهم، فكثروا،
فمنعهم بواب باب المراتب فأثخنوه ضربا، ففرق على نحو مائتي نفس قميصا
ودرهمين درهمين، ثم كثر الجمع وجاء النفاطون والركابية فخافهم على
نفسه، فرمى الثياب والدراهم عليهم ومضى، فازدحموا فمات خمسة رجال وأربع
نسوة، وصار الرجل إذا لقي [4] الرجل فيقول: كنت في وقعة ابن جردة.
فيقول: نعم. فيقول: الحمد الله على سلامتك.
[غزاة السلطان أبي الفتح الروم]
وفي شوال: ورد الخبر بغزاة السلطان أبي الفتح الروم، وأنه دخل بلدا
عظيما كان لهم فيها سبعمائة ألف دار، وألف بيعة ودير، وقتل به ما لا
يحصى، وأسر خمسمائة ألف منهم.
وفي ذي القعدة: وكان تشرين الأول، وامتد إلى تشرين الثاني: حدث وباء
عظيم تفاقم بنهر الملك، وتعدى إلى بغداد، وكان فيها حر شديد، وفساد
هواء، وزيادة إنداء، وعدم التمر الهندي حتى بلغ الرطل منه أربع دنانير،
وكذلك الشيرخشك.
__________
[1] في ص: «أبو عبيد الله» .
[2] «البيع» سقطت من ص، ت.
[3] في ص، ت: «كثيرا» .
[4] في ص: «وصار الرجل يلقي ... » .
(16/88)
وخلع في ذي القعدة على النقيب أبي الغنائم
المعمر بن محمد بن عبيد الله [1] العلويّ في/ بيت النوبة، وقلد نقابة
الطالبيين، والحج، والمظالم، ولقب بالطاهر ذي 46/ ب المناقب، وقرئ عهده
في الموكب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3383- عبد الواحد بن علي بن برهان، أبو القاسم النحوي
[2] .
كان مجودا في النحو وكان له أخلاق شرسة ولم يلبس سراويل قط، ولا قبل
عطاء أحد، وكان لا يغطي رأسه.
وذكر محمد بن عبد الملك قَالَ: كان ابن برهان يميل إلى المرد الصباح
ويقبلهم من غير ريبة.
قَالَ المصنف: وقوله: «من غير ريبة» [3] أقبح من التقبيل، لأن النظر
إليهم ممنوع منه إذا كان بشهوة، فهل يكون التقبيل بغير شهوة.
قَالَ ابن عقيل: وكان يختار مذهب المرجئة [4] المعتزلة، وينفي خلود
الكفار، ويقول: قوله: خالِدِينَ فِيها أَبَداً 33: 65 [5] أي: أبدا من
الآباد، وما لا غاية له، لا يجمع ولا يقبل التثنية، فيقال: ابدان،
وآباد. ويقول: دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه مع ما
وصف به نفسه من الرحمة، وهو إنما يوجد من الشاهد لما يعتري الغضبان من
غليان دم [6] قلبه طلبا [7] للانتقام، وهذا مستحيل في حقه سبحانه
وتعالى.
__________
[1] في الأصل: «عبد الله» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 17. والبداية والنهاية 12/ 92.
وشذرات الذهب 3/ 297. وفوات الوفيات 2/ 19. وإنباه الرواة 2/ 213.
وهدية العارفين 1/ 634. وبغية الوعاة 317. والأعلام 4/ 176، والكامل 8/
371.
[3] في الأصل: «بغير ريبة» .
[4] في الأصل، ت: «مرجئة» .
[5] سورة: الأحزاب، الآية: 65.
[6] «دم» سقطت من ص، ت.
[7] «طلبا» سقطت من ص، ت.
(16/89)
قَالَ ابن عقيل: هذا كلام يرده على قائله
جميع ما ذكره، وذلك أنه أخذ صفات البارئ في صفات الشاهد، وذكر أن
المثير للغضب ما يدخل على قلب الغضبان من غليان الدم طلبا للانتقام،
وأوجب بذلك منع دوام العقاب حيث لا يوجد في حقه [سبحانه] [1] التشفي،
والشاهد يرد عليه ما ذكره، لأن المانع من التشفي عليه الرأفة 47/
أوالرحمة، / وكلاهما رقة طبع، وليس البارئ بهذا الوصف، وليس الرحمة
والغضب من أوصاف المخلوقين بشيء، وهذا الذي ذكره من عدم التشفي كما
يمنع الدوام يمنع ابتداء العقوبة إذا كان المحيل للدوام من عدم التشفي،
وفورة الغضب، وغليان الدم، كما يمنع دخوله في الدوام يمنع دخوله عليه،
ووصفه به، فينبغي بهذه الطريقة أن يمنع أصل الوعيد، ويحيله في حقه [2]
[سبحانه] [3] كسائر المستحيلات عليه [4] لا يختلف نفس وجودها ودوامها،
فلا أفسد اعتقادا ممن أخذ صفات الله تعالى من صفاتنا، وقاس أفعاله على
أفعالنا، والعقل أجب قطعة من الشاهد، فإنه قادر أن يجعل القوت من
النبات، فجعله من الحيوان ينال بعد ألمه، فأي أفعاله ينطبق على
أفعالنا، وأي أوصافه تلحق بأوصافنا.
قَالَ المصنف: وكان ابن برهان يقدح في أصحاب أحمد ومن يخالف اعتقاده
اعتقاد المسلمين، إذ كلهم أجمعوا على خلود الكفار في النار [5] ، ولا
ينبغي أن يؤثر قدحه في أحد.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة وقد أناف على الثمانين.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «في حقه» سقطت من ص.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «عليه» سقطت من ص.
[5] «في النار» سقطت من ص، ت.
(16/90)
ثم دخلت سنة سبع
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أهل باب البصرة قلعوا باب مشهد العتيقة وأخذوه ليلا، وكان من حديد،
فبحث عمن فعله حتى عرف وأخذ منه.
وفيها: أن السلطان ألب أرسلان نفذ إلى عميد الملك تركيا فقتله.
وفي جمادى الأولى: عقد مسعود الرازي الحنفي حلقه/ بجامع المنصور، 47/ ب
وحضرها قاضي القضاة الدامغانيّ و [جماعة] [1] الشهود إلا القاضي أبا
يعلى، والشريف أبا جعفر، فإن قاضي القضاة استدعا هما فلم يحضرا ولم
يفارقا حلقتهما.
وفي ليلة الثلاثاء ثالث رمضان: انقض كوكب عظيم، وانبسط نوره كالقمر، ثم
تقطع قطعا وأسمع دويا مفزعا.
وفيها: خرج جماعة من الحاج بخفر فعدوا بهم فرجعوا إلى الكوفة بعد أن
خاصموهم في ثامن ذي القعدة.
[عمل المدرسة النظامية]
وفي ذي الحجة: بدئ بعمل المدرسة النظامية، ببغداد، ونقض لأجل بنيانها
بقية الدور الشاطية بمشرعة الزوايا، والفرضة، وباب الشعير، ودرب
الزعفراني.
وتوفي أبو منصور بن بكران حاجب الباب، فولي مكانه أبو عبد الله
المردوسي [2] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل، ت: «المردوشي» .
(16/91)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
3384- محمد بن أحمد بن محمد بن علي أبو الحسين [1] [ابن] [2] الآبنوسي
الصيرفي
[3] .
ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة وروى عن الدارقطني وغيره، وتوفي في هذه
السنة، وصلى عليه في جامع الشرقية، ودفن في مقبرة باب حرب.
3385- محمد بن منصور [4] ، أبو نصر الكندري، وزير طغرلبك
[5] .
وكان يلقب عميد الملك، منسوب إلى «كندر طريثيث» قرية من قراها، وقد
ينسب الكندري إلى قرية يقال لها «كندر» قريبا من قزوين، ومنها: أبو
غانم، وأبو الحسن، ابنا عيسى بن الحسن الكندري سمعا أبا عبد الرحمن
السلمي، وكتبا تصانيفه، ووقفا كتبا كثيرة.
وينسب الكندري إلى بيع «الكندر» منهم: عبد الملك بن سليمان، أبو 48/
أحسان/ سمع حسان بن إبراهيم، ذكره أبو سعيد بن يونس في «تاريخ مصر» .
وكان الكندري له فضل وله شعر، وكان طغرلبك قد بعثه ليتزوج له امرأة
فتزوجها هو [6] فخصاه طغرلبك، ثم أقره على خدمته.
فلما مات وتمكن ألب أرسلان بعثه إلى مروالروذ، فقيل له: انه لا يؤمن.
فبعث
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن» وكذلك في ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 1/ 356. والكامل 8/ 375) .
[4] في الأصل: «منصور بن محمد» وكذلك في ت.
وفي تاريخ ابن قاضي شهبة: «قيل: اسمه منصور بن محمد» .
ولكن أغلب المراجع أجمعت على أن اسمه «محمد بن منصور» ولذلك أثبتناه
بهذا الاسم.
[5] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 5/ 138. وأخبار الدولة السلجوقية
للحسين 23: 25. وتاريخ دولة آل سلجوق 9: 29. والأعلام 7/ 112. والأنساب
للسمعاني 10/ 482، 483. والبداية والنهاية 12/ 92، 93) .
[6] «هو» سقطت من ص.
(16/92)
غلمانا لقتله، فدخلوا عليه فقال له أحدهم:
قم فصل ركعتين وتب إلى الله تعالى.
فقال: أدخل أودع أهلي ثم أخرج [1] . فقالوا: افعل فنهض [2] فدخل إلى
زوجته، وارتفع الصياح وعلق الجواري به نشرن شعورهن، وحثون التراب على
رءوسهن، فدخل الغلام فقال: قم. قَالَ: خذ بيدي فقد منعني هؤلاء
[الجواري من] [3] الخروج.
فخرج إلى مسجد هناك، فصلى فيه ركعتين، ثم مشي حافيا إلى وراء المسجد،
فجلس وخلع فرجية سمورا عليه فأعطاهم إياها، وخرق قميصه وسراويله حتى لا
يؤخذا، فجاءوا بشاروفة فقال: لست بعيار ولا لص فأخنق، والسيف أروح لي.
فشدوا عينيه بخرقة خرقها هو من طرف كمه وضربوه بالسيف، وأخذوا رأسه
وتركوا جثته، فأخذتها أخته، فحملتها إلى كندر بلده، وكان عمره نيفا
وأربعين سنة.
3386- أبو منصور بن بكران الحاجب [4] .
قد ذكرنا وفاته.
__________
[1] «ثم أخرج» سقطت من ص، ت.
[2] «فنهض» سقطت من المطبوعة.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] الحاجب: بفتح الحاء المهملة وبعدها الجيم وفي آخرها الباء المنقوطة
بواحدة: من كان يحجب.
(الأنساب 4/ 9) .
(16/93)
ثم دخلت سنة ثمان
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أهل الكرخ أغلقوا دكاكينهم يوم عاشوراء، وأحضروا نساء فنحن على
الحسين عليه السلام على ما كانوا قديما يستعملونه، واتفق أنه حملت [1]
جنازة رجل من باب 48/ ب المحول إلى الكرخ ومعها [2] / الناحة، فصلى
عليها، وناح الرجال بحجتها على الحسين، وأنكر الخليفة على الطاهر أبي
الغنائم المعمر بن عبيد الله [3] نقيب الطالبيين تمكينه من ذلك، فذكر
أنه لم يعلم به إلا بعد فعله، وأنه لما علم أنكره وأزاله، فقيل له:
لا تفسح بعدها في شيء من البدع التي كانت تستعمل.
واجتمع في يوم الخميس رابع عشر المحرم خلق كثير من الحربية، والنصرية،
وشارع دار الرقيق، وباب البصرة، والقلائين، ونهر طابق بعد أن أغلقوا
دكاكينهم، وقصدوا دار الخلافة وبين أيديهم الدعاة والقراء وهم يلعنون
أهل الكرخ واجتمعوا [4] وازدحموا على باب الغربة، وتكلموا من غير تحفظ
في القول، فراسلهم الخليفة ببعض الخدم أننا قد أنكرنا ما أنكرتم،
وتقدمنا بأن لا يقع معاودة، ونحن نغفل في هذا ما لا يقع به المراد.
فانصرفوا وقبض على ابن الفاخر العلوي في آخرين، ووكل بهم في الديوان،
__________
[1] في ص: «حمل» .
[2] في ص: «معه» .
[3] في الأصل: «عبد الله» .
[4] «واجتمعوا» سقطت من ص، ت.
(16/94)
وهرب صاحب الشرطة لأنه كان أجاز لأهل الكرخ
ما فعلوا، وركب أصحاب السلطان فأرهبوا العامة، وقد كانوا على التعرض
بأهل الكرخ وإيقاع الفتنة، ثم واصل أهل الكرخ التردد إلى الديوان،
والتنصل مما كان، والاحتجاج بصاحب الشرطة، وأنه أمرهم بذلك، والسؤال في
معنى المعتقلين، فأفرج عنهم في ثامن عشر المحرم بعد أن خرج توقيع بلعن
من يسب الصحابة، ويظهر البدع.
[ولد بباب الأزج صبية لها رأسان ووجهان
ورقبتان مفترقتان وأربع أيد على بدن كامل]
وفي شهر ربيع الأول: ولد بباب الأزج صبية لها رأسان، ووجهان، ورقبتان
مفترقتان، وأربع أيد على بدن كامل [1] ، ثم ماتت.
وفي هذا الشهر: مرض الأمير عدة الدين [أبو القاسم] [2] ، وتعدى ذلك
إلى/ الخليفة جده، ولحق الناس من الانزعاج والارتياع أمر عظيم، لأنه لم
يكن بقي 49/ أمن يلتجأ إليه غير هذا الجناب، فتفضل الله تعالى
بعافيتهما، فاجتمع العوام إلى باب الغربة داعين وشاكرين الله تعالى على
نعمه.
[ظهور في السماء كوكب كبير له ذؤابة]
وفي العشر الأول من جمادى الأولى: ظهر في السماء كوكب كبير له في
المشرق [3] ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع، وطولها أذرع كثيرة، إلى حد
المجرة من وسط السماء مادة إلى المغرب، ولبث إلى ليلة الأحد لست بقين
من هذا الشهر، وغاب [4] ثم ظهر في ليلة الثلاثاء عند غروب [5] الشمس،
قد استدار نوره عليه كالقمر فارتاع الناس وانزعجوا، ولما أعتم الليل
رمى ذؤابة نحو الجنوب وبقى عشرة أيام حتى اضمحل.
ووردت كتب التجار من بعد بأن ستة وعشرين مركبا خطفت من سواحل البحر
طالبة لعمان، فغرقت في الليلة الأخيرة من طلوع هذا الكوكب وهلك فيها
نحو من ثمانية عشر ألف إنسان وجميع المتاع الذي حوته، وكان من جملته
عشرة آلاف طبلة كافور.
وفي جمادى الآخرة: كانت زلزلة بخراسان لبثت أياما فصدعت منها الجبال،
__________
[1] في ص: «كليل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الشرق» .
[4] في الأصل: «وصات» .
[5] «غروب» سقطت من المطبوعة.
(16/95)
وأهلكت جماعة، وخسفت بعدة قرى، وخرج الناس
إلى الصحراء وأقاموا هناك.
وفي يوم الأحد تاسع جمادى [الآخرة] [1] : خلع على فخر الدولة أبي نصر
بن جهير بعد أن شافهه بما طاب قلبه ورفع من مرتبته.
وفي هذا اليوم: عند مغيب الشمس وقع حريق بنهر معلى في دكان خباز،
فاحترق 49/ ب من باب الجديد إلى آخر السوق الجديد/ في الجانبين، وتلف
من المال والعقار ما لا يحصى، ونهب الناس بعضهم بعضا، وكان الذي احترق
مائة دكان وثلاثة دور.
وفي شعبان: وقع قتال في دمشق فضربوا دارًا كان مجاورا للجامع بالنار،
فاحترق جامع دمشق.
وفي شعبان: ذكر رجل من أهل سوق يحيى يقال له: أخو جمادى، وكانت يده
اليسرى قد خبثت وأشرف على قطعها أنه رأى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منامه كأنه يصلي في مسجد بدرب داود، فدنا منه
وأراه يده، وسأله العافية، فأمر يده عليها فأصبح معافى، وانثال الناس
لمشاهدته، وكان يغمس يده في الماء فيقتسمونه، وستأتي قصته مستوفاة في
السنة التي مات فيها إن شاء الله تعالى.
ورخصت الأسعار في هذه السنة رخصا متفاحشا [2] حتى صار الكر الجيد من
الحنطة بعشرة دنانير.
وفي ليلة الأحد لأربع بقين من شعبان: انقض كوكبان كان لأحدهما ضوء كضوء
القمر، وتبعهما في نحو ساعة بضعة عشر كوكبا صغارا إلى [نحو] [3]
المغرب.
وفي رمضان: نقص الماء من دجلة فاستوعبه القاطول، وتعلق نهر الدجيل
عليه، فهلكت الثمار، وزادت الأسعار، وامتنعت السفن من عكبرا وأوانا من
الانحدار، فكان أقوام يعبرون إلى أوانا بمداساتهم على الآجر، وغارت
المياه في الآبار ببغداد.
وفي هذا الشهر: كسي جامع المنصور، وفرش بالبواري، فدخل فيه أربع
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ومكانها بياض في ص.
[2] في ص: بينا» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/96)
وعشرون ألف ذراع بواري، وثلاثمائة منًا
خيوط، وأخذ الصناع الخياطين لها أجرتهم عشرين دينار.
وفي شوال: أنفذ خادم خاص/ إلى السلطان للتهنئة بسلامته في غزوته،
وإقامة 50/ أتشريفات عليه، وأضيف إلى الخادم أبو محمد التميمي، ورسم
لهما الخطاب فيما يستعمله النظام [1] مع حواشي الدار من التعرض لما في
أيديهم، والخطاب على التقدم إلى السيدة أرسلان خاتون بالمسير إلى دار
الخلافة، فقد طالت غيبتها، وأخرج الوزير أبو نصر حاجبا له مع الجماعة
بقود وتحف.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3387- أحمد بن الحسين
بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي، أبو بكر [2] .
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وكان واحد زمانه في الحفظ والإتقان،
حسن التصنيف، وجمع علم الحديث، والفقه، والأصول، وهو من كبار أصحاب
الحاكم أبي عبد الله، ومنه تخرج، وسافر وجمع الكثير، وله التصانيف
الكثيرة الحسنة، وجمع نصوص الشافعي رضي الله عنه [3] في عشر مجلدات،
وكان متعففا زاهدا، وورد نيسابور مرارا، وبها توفي ونقل تابوته إلى
بيهق في جمادى الأولى من هذه السنة.
3388- الحسن بن غالب بن علي بن غالب بن منصور بن صعلوك، أبو علي
التميمي، ويعرف: بابن المبارك
[4] .
ولد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وستين وثلاثمائة، وصحب ابن سمعون.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: كان الحسن ابن غالب زوج بنت إبراهيم بن عمر
البرمكي، وحدث عن عبيد الله بن عبد الرحمن
__________
[1] في الأصل: «النظار» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 94. وشذرات الذهب 3/ 304،
305. وطبقات الشافعية 3/ 3. ومعجم البلدان 2/ 346.
ووفيات الأعيان 1/ 75. والأعلام 1/ 116. والكامل 8/ 377. وتاريخ
نيسابور ت 257) .
[3] «رضي الله عنه» سقط من ص، ت.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 400. والبداية والنهاية 12/ 94) .
(16/97)
الزهري، وابن أخي ميمي وغيرهما، وكان له
سمت وهيئة وظاهر صلاح، وكان يقرئ 50/ ب فأقرأ بحروف خرق بها الإجماع،
وادعى/ فيها رواية عن بعض الأئمة المتقدمين، وجعل لها أسانيد باطلة
مستحيلة، فأنكر أهل العلم عليه ذلك إلى أن استتيب منها، وذكر أنه قرأ
على إدريس المؤدب، وإدريس قرأ على ابن شنبوذ، وابن شنبوذ قرأ على أبي
خالد، وكل ذلك باطل لأن ابن شنبوذ لم يدرك أبا خالد، وإدريس لم يقرأ
على ابن شنبوذ، وادعى أشياء غير ذلك يتبين فيها كذبه واختلافه.
وقال أبو علي ابن البرداني: كان الحسن بن غالب متهما في سماعه من أبي
الفضل الزهري، وجرت له أمور مع أبي الحسن القزويني بسبب قراآت أقرئ بها
عن إدريس، وكتب عليه بذلك محضر.
وقال أبو محمد بن السمرقندي: كان كذابا. وتوفي في ليلة السبت العاشر من
رمضان هذه السنة، ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر إبراهيم الحربي.
3389- عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل، أبو القاسم
القطان
[1] .
سمع المخلص، وكان يسكن دار القطن، وكان صدوقا وتوفي في ربيع الآخر [2]
من هذه السنة.
3390- محمد بن الحسين بن محمد [بن خلف بن أحمد] [3] بن الفراء، أبو
يعلى
[4] .
ولد في محرم سنة ثمانين، وسمع الحديث الكثير، وحدث عن أبي القاسم بن
حبابة، وأول ما سمع من أبي الطيب بن علي بن معروف [5] البزاز، وعلي بن
عمر الحربي، وأملى الحديث، وهو آخر من حدث عن أبي القاسم موسى السراج،
وكان عنده مصنفات قد تفرد بها، منها كتاب «الزاهر» لابن الأنباري فإنه
[6] حدث به عن ابن سويد عنه. وكتاب «المطر» لابن دريد، وكتاب «التفسير»
ليحيى بن سلام وغير ذلك،
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 469. والكامل 8/ 378) .
[2] في تاريخ بغداد: «التاسع من ربيع الأول» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 256. والبداية والنهاية 12/ 94.
وشذرات الذهب 3/ 306.
والوافي بالوفيات 3/ 7. وطبقات الحنابلة 2/ 193: 230. والأعلام 6/ 100)
.
[5] في ص: «من أبي بكر الطيب (بياض) بن علي بن معروف» .
[6] «فإنه» سقطت من ص.
(16/98)
وكان من سادات الثقات، [1] وشهد عند قاضى
القضاة أبى عبد الله بن ماكولا، والدامغاني، فقبلا شهادته وتولى النظر
في الحكم بحريم دار الخلافة، وكان إماما في الفقه، له التصانيف الحسان
الكثيرة/ في مذهب أحمد، ودرس وأفتى سنين، وانتهى إليه 151/ أالمذهب،
وانتشرت تصانيفه وأصحابه، وجمع الإمامة، والفقه، والصدق، وحسن الخلق،
والتعبد، والتقشف، [والخشوع] [2] ، وحسن السمت، والصمت، عما لا يعني
واتباع السلف.
حدثنا عنه أبو بكر بن عبد الباقي، وأبو سعد الزوزني.
وتوفي في ليلة الاثنين وقت العشاء، ودفن يوم الاثنين لعشرين من رمضان
هذه السنة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وغسله الشريف أبو جعفر بوصية
إليه، وكان من وصيته إليه إن يكفن في ثلاثة أثواب، وأن لا يدخل [3] معه
القبر غير ما غزله لنفسه من الأكفان، ولا يخرق عليه ثوب، ولا يقعد
لعزاء، واجتمع له خلق لا يحصون، وعطلت الأسواق، ومشى مع جنازته القاضي
أبو عبد الله الدامغاني وجماعة الفقهاء والقضاة والشهود، ونقيب
الهاشميين أبو الفوارس طراد، وأرباب الدولة، وأبو منصور بن يوسف، وأبو
عبد الله ابن جردة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم عبيد الله وهو يومئذ ابن
خمس عشرة سنة [4] ، وكان قد خلف عبيد الله، وأبا الحسن [5] ، وأبا
حازم، وافطر جماعة ممن تبعه لشدة الحر، لأنه دفن في اليوم الثالث عشر
[6] من آب، وقبره ظاهر بمقبرة باب حرب.
قَالَ أبو علي البرداني: رأيت القاضي أبا يعلى فقلت له: يا سيدي، ما
فعل الله بك؟ فقال لي وجعل يعد بأصابعه: رحمني وغفر لي، ورفع منزلتي،
وأكرمني. فقلت:
بالعلم؟ فقال لي: بالصدق.
__________
[1] «الثقات» مكانها بياض في ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «لا يدفن» .
[4] «أبو القاسم عبيد الله وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة» سقط من ص.
[5] في الأصل: «الحسين» .
[6] «عشر» سقط من ص، ت.
(16/99)
ثم دخلت سنة تسع
وخمسين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السيدة أرسلان خاتون زوجة الخليفة دخلت إلى بغداد في جمادى الأولى،
/ 51/ ب وخرج الناس لتلقيها، واستقبلها الوزير فخر الدولة على نحو فرسخ
وخدمها بالدعاء على ظهر فرسه، وحضر العميد أبو سعد المستوفي في بيت
النوبة حتى قرئت الكتب الواردة في هذه الصحبة، وهي مشتملة على التمسك
بالطاعة، والتصرف على قوانين الخدمة، والإجابة إلى المرسوم، وخوطب فيها
الوزير بالوزير الأجل بعد أن كان يكتب إليه الرئيس الأجل.
[بناء مشهد الإمام أبي حنيفة]
وفي هذه الأيام بنى أبو سعد المستوفي الملقب شرف الملك مشهد الإمام [1]
أبي حنيفة رضي الله عنه [2] ، وعمل لقبره ملبنا، وعقد القبة، وعمل
المدرسة بإزائه، وأنزلها الفقهاء، ورتب لهم مدرسا، فدخل أبو جعفر ابن
البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالا:
ألم تر أن العلم كان مضيعا ... فجمعه هذا المغيب في اللحد
كذلك كانت هذه الأرض ميتة ... فأنشرها جود العميد [3] أبي سعد
قَالَ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن أبي عقيل قَالَ: وضع
أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره، فجمع سنة ست
وثلاثين
__________
[1] «الإمام» سقطت ص.
[2] «رضي الله عنه» سقط من ص، ت.
[3] في الأصل: «الأمير» .
(16/100)
وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها
بأشهر، وكان المنفق عليه تركيا قدم حاجا، ثم قدم أبو سعد [1] المستوفي،
وكان حنفيا متعصبا، وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض الأمراء [2]
التركمان، وكان قبل ذلك وأنا صبي عليه خربشت خاصا له، وذلك في سنتي سبع
أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغز بغداد سنة سبع وأربعين، فلما جاء شرف
الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على إحداث القبة وهي هذه، فهدم جميع أبنية
المسجد وما يحيط بالقبر، وبنى هذا المشهد، فجاء بالقطاعين والمهندسين
وقدر لها/ ما بين 52/ أألوف آجر وابتاع دورا من جوار المشهد، وحفر أساس
القبة، وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فلم يبلغوا إليها إلا بعد حفر سبعة
عشر ذراعا في ستة عشر يوما، فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين
كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صن، ونقلت جميعها إلى بقعة كانت
ملكا لقوم، فحفر لها ودفنت، وخرج في ذلك الأساس شخص منتظم العظام له
ريح كريح الكافور.
قَالَ ابن عقيل: فقلت: وما يدريكم لعل النعمان قَدْ خرجت عظامه فِي
هَذِهِ العظام وبقيت هذه القبة فارغة من مقصود.
قَالَ: فبعث شرف الملك إلى أبي منصور بن يوسف شاكيا مني وطالبا منه
مقابلتي على ذلك، فكان غاية ما قَالَ لي بعد أن أحصرني في خلوة: يا
سيدي، ما نعلم كيف حالنا مع هؤلاء الأعاجم والدولة لهم. فقلت: يا سيدي،
رأيت منكرا فاشيا فما ملت نفرتي الدينية.
قَالَ ابن عقيل: وكانت العمارة في سنة تسع وخمسين، وساجه وأبوابه غصب
من بعض بيع سامرا، فما عند هؤلاء من الدين خبر.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو الحسين المبارك ابن عبد الجبار
الصيرفي قَالَ: سمعت أبا الحسين ابن المهتدى يقول: لا يصح أن قبر أبي
حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبة، وكان الحجيج قبل ذلك يردون
ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعا.
__________
[1] في الأصل: «أبو سعيد» .
[2] في ص: «أمراء» .
(16/101)
[هبوب ريح حارة]
وفي شعبان: هبت ريح حارة فقتلت بضعة عشر نفسا كانوا مصعدين من واسط،
وخيلا كثيرة، وأهلكت ببغداد شجر الأترج والليمون.
[احتراق تربة معروف الكرخي]
وفي ليلة الأحد سلخ [1] شعبان، احترقت تربة معروف الكرخي، وكان السبب
أن 52/ ب القيم بها كان مريضا فطبخ له شعير، فبعدت النار/ إلى خشب
وبواري هناك، وارتفعت إلى السقوف، فأتت على الكل فاحترقت القبة
والساباط، وجميع ما كان، ثم أمر القائم بأمر الله بعمارة المكان.
[لحق الدواب موتان]
وفي شوال: لحق الدواب موتان،
وانتفخت رءوسها وأعينها، حتى كانوا يصيدون حمر الوحش بأيديهم فيعافون
أكلها، ووقع عقيب [2] ذلك بنيسابور وأعمال خراسان الغلاء الشديد،
والوباء المفرط، وكذلك بدمشق، وحلب، وحران.
وفي هذه السنة: قبل قاضي القضاة [أبو عبد الله] [3] الدامغاني شهادة
الشريف أبي الحسن محمد بن علي بن المهتدي، وأبي طاهر عبد الباقي بن
محمد البزار.
وفي يوم السبت عاشر ذي القعدة: جمع العميد أبو سعد القاضي الناس على
طبقاتهم إلى المدرسة النظامية التي بناها نظام الملك ببغداد للشافعية،
وجعلها برسم أبي إسحاق الشيرازي بعد أن وافقه على ذلك، فلما كان يوم
اجتماع الناس فيها وتوقعوا مجيء أبي إسحاق فلم يحضر، فطلب فلم يظهر،
وكان السبب أن شابا لقيه فقال: يا سيدنا، تريد تدرس في المدرسة؟ فقال:
نعم، فقال: [و] [4] كيف تدرس في مكان مغصوب؟ فغير نيته فلم يحضر، فوقع
العدول إلى أبي نصر بن الصباغ فجعل مكانه، وضمن له أبو منصور بن يوسف
أن لا يعدل عنه، ولا يمكن أبو إسحاق من الإفساد عليه، فركن إلى قوله
فجلس، وجرت مناظرة وتفرقا، وأجرى للمتفقهة لكل واحد أربعة أرطال خبز كل
يوم، وبلغ نظام الملك فأقام القيمة على العميد، وظهر أبو إسحاق في مسجد
__________
[1] في الأصل: «ثالث» .
[2] في الأصل: «عقب» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/102)
بباب المراتب، فدرس على عادته، فاجتمع
العوام [1] فدعوا/ وأثنوا عليه، وكان قد بلغ 53/ أإليهم أنه قَالَ: إني
لم أطب نفسا بالجلوس في هذه المدرسة لما بلغني أن أبا سعد القاشي غصب
أكثر آلاتها، ونقض قطعة من البلد لأجلها، ولحق أصحابه غم.
وراسلوه لما عرضوا فيه بالانصراف عنه والمضي إلى ابن الصباغ إن لم يجب
إلى الجلوس في المدرسة ويرجع عن هذه الأخلاق الشرسة، فأرضاهم
بالاستجابة تطييبا لقلوبهم، وسعوا وهو أيضا في ذلك إلى أن استقر الأمر
في ذلك له، وصرف ابن الصباغ فكانت مدة مقامه بها عشرين يوما، وجلس أبو
إسحاق فيها في عشر ذي الحجة، وكان إذا حضر وقت الصلاة خرج منها وقصد
بعض المساجد فأداها.
أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، عن أبيه قَالَ: سمعت أبا القاسم
منصور بن محمد [2] بن الفضل- وكان فقيها متورعا- يقول: سمعت أبا علي
المقدسي ببغداد يقول: رأيت أبا إسحاق الشيرازي في المنام فسألته عن
حاله فقال: طولبت بهذه البنية- يعني المدرسة [النظامية] [3]- ولولا أني
ما أديت فيها الفرض لكنت من الهالكين.
وفي هذه السنة: عقدت البصرة وواسط على هزارسب بثلاثمائة ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3391- عبد الكريم بن علي بن أحمد، أبو عبد الله التميمي، المعروف:
بالسني القصري من قصر ابن هبيرة
[4] :
ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة [سكن بغداد] [5] وحدث بها عن أبي محمد
بن
__________
[1] في المطبوعة: «الناس» .
[2] في الأصل: «بن أحمد» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 82) .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/103)
الأكفاني، وكان صدوقا دينا كثير التلاوة
بالقرآن.
وتوفي في محرم هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3392- محمد بن إسماعيل بن محمد، أبو علي القاضي
[1] :
53/ ب من أهل/ طوس ولي القضاء بطوس، ولقب: بالعراقي لظرافته وطول مقامه
ببغداد، وكان فقيها فاضلا مبرزا بفقهه ببغداد، اختلف إلى أبي محمد
الباقي، ثم إلى أبي حامد الأسفراييني، وسمع الحديث من أبي طاهر المخلص
[2] .
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 96) .
[2] في الأصل: «أبي ظاهر المجلس» .
(16/104)
ثم دخلت سنة ستين
واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه خلع على أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن رضوان في دار الخلافة
الخلع الكاملة والطيلسان، ورد إليه النظر في المارستان.
وبنيت تربة قبر معروف في ربيع الأول، وعقد مشهده أزاجا بالجص والآجر.
[زلزلة بأرض فلسطين]
وفي جمادى الأولى: كانت زلزلة بأرض فلسطين
أهلكت بلد الرملة، ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[1] ، ولحقت وادي الصفراء وخيبر، وانشقت الأرض عن كنوز من المال، وبلغ
حسها إلى الرحبة والكوفة، وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة، ويقول:
إنها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها إلا دربان فقط، وهلك منها
خمسة عشر ألف نسمة، وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس، ثم عادت فالتأمت
بقدرة الله تعالى، وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر، وخرب الدنيا،
ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون فرجع إليهم فأهلك خلقا عظيما منهم.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط أبي علي بن البناء قَالَ: اجتمع الأصحاب
وجماعة الفقهاء وأعيان أصحاب الحديث في يوم السبت النصف من جمادى
الأولى من سنة ستين بالديوان العزيز، وسألوا إخراج الاعتقاد/ القادري
وقراءته، فأجيبوا وقرئ هناك 54/ أبمحضر من الجمع، وكان السبب أن ابن
الوليد المعتزلي عزم على التدريس، وحرضه
__________
[1] في الأصل: «ورمت من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شرافتين» .
(16/105)
على ذلك جماعة من أهل مذهبه، وقالوا: قد
مات الأجل بن يوسف وما بقي من ينصرهم، فعبر الشريف أبو جعفر إلى جامع
المنصور، وفرح أهل السنة بذلك، وكان أبو مسلم الليثي البخاري المحدث
معه كتاب «التوحيد» لابن حزمة فقرأه على الجماعة، وكان الاجتماع يوم
السبت في الديوان لقراءة الاعتقاد القادري والقائمي، وفيه قَالَ
السلطان وعلى الرافضة لعنة الله وكلهم كفار قَالَ: ومن لا يكفرهم فهو
كافر، ونهض ابن فورك قائما فلعن المبتدعة وقال: لا اعتقاد لنا إلا ما
اشتمل عليه هذا الاعتقاد، فشكرته الجماعة على ذلك، وكان الشريف أبو
جعفر والزاهد أبو طاهر الصحراوي وقد سألا أن يسلم إليهم الاعتقاد، فقال
لهما الوزير ابن جهير: ليس هاهنا نسخة غير هذه ونحن نكتب [1] لكم نسخة
لتقرأ في المجالس، فقال: هكذا فعلنا في أيام القادر، قرئ في المساجد
والجوامع، وقال: هكذا تفعلون فليس اعتقاد غير هذا. وانصرفوا شاكرين.
وفي يوم الأحد سابع جمادى الآخرة: قرأ الشريف أبو الحسين [2] بن
المهتدي الاعتقاد القادري والقائمي بباب البصرة، وحضر الخاص والعام،
وكان قد سمعه من القادر.
وفي يوم الثلاثاء ثامن ذي القعدة خرج توقيع الخليفة إلى الوزير فخر
الدولة أبي نصر محمد بن محمد بن جهير متضمنا بعزله بمحضر من قاضي
القضاة الدامغاني، وعددت فيه ذنوبه، فمنها: أنه قيل له إنك بدلت أشياء
في الخدمة، فوفيت بالبعض ومنها: أنك تحضر باب الحجرة من غير استئذان،
وقد قلت: ما يجب أن يدخل هذا 54/ ب المكان/ غيري، ومنها: أنك لبست خلع
عضد الدولة في الدار العزيزة في أشياء أخر.
وقيل له: انظر إلى أي جهة تحب أن تقصدها لنوجهك [3] لنوصلك إليها. فبكى
في الجواب بكاء شديدا، وقلق قلقا عظيما، واعتذر عن كل ذنب بما يصلح،
وقال: إذا رئي إبعادي فإلى [4] حلة ابن مزيد، وبعد فانا أضرع إلى
العواطف المقدسة في إجرائي
__________
[1] في الأصل: «نكتبه لكم» .
[2] في الأصل: «أبو الحسن» .
[3] في ص: «أن تقصد لنوصلك» .
[4] في ص: «فإذا» .
(16/106)
على كريم العادة المألوفة في ترك المؤاخذة،
فخرج الجواب عن الفصل الأخير المتعلق [بالمسير إلى] [1] الحلة بأن
الأمر يجري عليه، واطرح جواب ما عداه، ثم أذن له في بيع غلاته والتصرف
في ماله، وباع أصحابه ما لهم من الرحل والمتاع [2] [وطلقوا النساء] [3]
، وظهر من الاغتمام عليه من جميع أهل دار الخليفة الأمر العظيم، وكانوا
يحضرون عنده فيبكي ويبكون، وخرج غلمانه وأصحابه في يوم الخميس عاشر ذي
القعدة، وقدم له وقت العتمة من ليلة الجمعة سميرية خالية من فرش
وبارية، وجاء هو وأولاده حتى وقف عند شباك المدورة وظن أن الخليفة في
الشباك، فقبل الأرض عدة دفعات وبكى بكاء شديدا، وقال: الله بيني وبين
من ثقل قلبك علي يا أمير المؤمنين، فارحم شيبتي وأولادي وذلي وموقفي،
وارع لحرمتي. فلما يئس نزل إلى دجلة معضدا بين نفسين وهو يبكي، والعامة
تبكي لبكائه، وتدعوا له فيرد عليهم ويودعهم، ثم أعيد إلى الوزارة
بشفاعة دبيس بن مزيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3393- خديجة بنت محمد بن علي بن عبد الله الواعظة المعروفة بالشاهجانية
[4] :
ولدت سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وروت عن ابن سمعون/، وابن شاهين، 55/
أوكانت صادقة صالحة تسكن قطيعة الربيع.
وتوفيت في هذه السنة ودفنت إلى جنب ابن سمعون، وكانت قد صحبته.
3394- عبد الملك بن محمد بن يوسف، أبو منصور، الملقب: بالشيخ الأجل
[5] .
ولم يكن في زمانه من يخاطب بالشيخ الأجل سواه، ولد في سنة خمس وتسعين
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «والقماش» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 14/ 446. وشذرات الذهب 3/ 308.
والأعلام 2/ 303) .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 10/ 434. والبداية والنهاية 12/ 97.
والكامل 8/ 381) .
(16/107)
وثلاثمائة، وسمع أبا عمر بن مهدي، وأبا
الحسن بن الصلت، وأبا الحسين [1] بن بشران، وغيرهم، وكان أوحد أهل
زمانه في فعل المعروف، والقيام بأمور العلم، والنصرة لأهل السنة،
والقمع لأهل البدع، وافتقاد المستورين بالبر، ودوام الصدقة، وكان إذا
وصل أحد وصله سرًا [2] حيث لا يراه أحد، فإذا شكره المعطي قَالَ: إنما
أنا في هذه العطية وسيط وليست من مالي، ولما انحدر البساسيري إلى واسط
أخذ ابن يوسف معه فنزل على رجل طحان، فلما رحل عنه أعطاه شيئا ثم مضت
مدة فركب [3] الطحان ديون، فقصد بغداد ودخل على ابن يوسف فأكرمه، وأفرد
له حجرة، وكساه وأمر بعض غلمانه [4] أن يسأله سبب قدومه فأخبره، فحدث
ابن يوسف بذلك، فأرسل رجلا إلى واسط واكترى له سفينة، وحمل فيها ما
يصلح حمله من الفواكه والتحف وكسوة كبيرة، وأعطاه مائتي دينار وقال له:
ناد في الجامع من له دين على فلان فليحضر ومعه وثيقته، فإذا حضروا
فعرفهم فقره، وأن رجلا أقرضه شيئا ليصالحوه على بعض ديونهم. ففعل ذلك،
وأشهد عليهم بالقبض، وحمل تلك التحف إلى بيت الطحان، وعاد الطحان فظن
أن ابن يوسف قد نسيه، فأحضره وسأله عن سبب قدومه فأخبره الوثائق،
وأعطاه مائة دينار.
55/ ب قَالَ/ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قَالَ:
كان أبو منصور بن يوسف عين زماننا، وكان قد انتقد أهل زمانه فاستعمل كل
واحد منهم فيما يصلح لهم، فاستعمل للحجر والباعة أفره من وجد من
الأحداث الأقوياء الشطار، فما قهر على رأي ولا كسر له غرض في بيع،
واستعمل في إقامة الديانة الحنابلة مشايخ أفراد زهاد متنزهين عن معاشرة
السلاطين ومكاثرة أبناء الدنيا يُقصدون ولا يَقصدون، العوام تعظمهم
وتحبهم، والسلاطين توقرهم، وأخذ بالعطاء والكفاية [5] أصحاب
__________
[1] في الأصل: «أبا الحسن» .
[2] في ص: «وكان إذا وصله أحد وصل في سر» .
[3] في الأصل: «فركبت» .
[4] في ص: «بعض أصحابه» .
[5] في الأصل: «بالكفاية والعطاء» .
(16/108)
عبد الصمد، وهم أئمة [1] المساجد والزهاد،
واستعبد القصاص والوعاظ، وأكرم بني هاشم الأشراف بالعطاء الجزيل، ثم
عطف على الشحن والعمداء والعرب والتركمان فأرغبهم [2] باللطائف
والهدايا، فصار في الحشمة والمحبة الذي لا يناله أحد، فاحتاج إلى جاهه
الخلفاء والملوك، وما كان يسمع منه كلمة تدل على فعل فعله، ولا إنعام
أسداه، ولا منة على أحد، وصمد لحوائج الناس، وكان يعظم من يقصده في
حاجة أكثر من تعظيمه من يقصده في غير حاجة.
وتولى ابن يوسف المارستان وهو لا يوجد فيه دواء ولا طبيب، والمرضى
ينامون على بواري النقض، فطبقه بخمسة وعشرين ألف طابق، ورتب فيه ثمانية
وعشرين طبيبا، وثلاثة خزان [3] ، وابتاع له أملاكا نفيسة وكان مقدما
عند السلاطين.
ولقد ماتت ابنته وكانت زوجه أبي عبد الله بن جردة، فتبعها الأكابر
والقضاة، ومشوا بعض الطريق، وجاءت صلف القهرمانة بطعام وشراب من عند
الخليفة.
وتوفي ابن يوسف في داره بباب المراتب يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء
لأربع عشرة من محرم هذه السنة بقبر أحمد، / وأبيه وجده لأمه أبي الحسين
بن 56/ أالسوسنجردي [4] ، وغسله القاضي أبو الحسين بن المهتدي، وصلى
عليه ابنه أبو محمد الحسن داخل المقصورة، وتبعه مائة ألف رجل سوى
النساء، وعطلت أسواق بغداد.
قَالَ محمد بن الفضل الهمذاني: حدثني رجل من أهل النهروان أن ابن يوسف
كان يعطيه كل سنة عشرة دنانير، فأتى بعد وفاته إلى ابن رضوان فأذكره
بها، فأعرض عنه، فألح عليه، فقال له: اطلب من الّذي [5] كان يعطيك.
فمضى إلى قبر ابن يوسف، وجلس عنده يترحم عليه ويقرأ القرآن، فوجد عنده
قرطاسا فيه عشرة دنانير فأخذه، وجاء إلى ابن رضوان فعرفه الحال، فتعجب
وتفكر، فذكر أنه زار القبر وفي صحبته كواغد فيها
__________
[1] في المطبوعة: «أصحاب» .
[2] في ص: «فقعدعهم» .
[3] في الأصل: «خوان» .
[4] في الأصل: «الوسنجري» .
[5] في ص: «ممن كان» .
(16/109)
دنانير قد أعدها للصدقة فسقط أحدها، فقال
ابن رضوان: خذه ولن أقطعك إياه كل سنة ما دمت حيا.
ومن العجائب: ما ذكره هبة الله بن المبارك السقطي قَالَ: توفي الأجل
أبو منصور بن يوسف فورث عنه ابناه ثلاثين ألف دينار، فتزوجا بابنتي [1]
علي بن جردة، وقد ورثتا عن أبيهما ثلاثين ألف دينار عقارا وعينا فانفق
الجماعة ذلك في أيسر زمان، حتى ظل قوم منهم يتكففون [2] الناس.
3395- أبو جعفر الطوسي
[3] .
فقيه الشيعة، توفي بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
__________
[1] في ص: «فتروجها بابنتين» .
[2] في الأصل: «مكففون» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 97. وطبقات السبكي 3/ 51.
وروضات الجنات للموسوي 580. والذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 14، 269،
486، 3/ 328، 5/ 145. والأعلام 6/ 84.
والكامل 8/ 382) .
(16/110)
|