المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة احدى
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الرغبات في الوزارة زادت، فطلبها من لا يصلح، واستقر أمر ابن عبد
الرحيم، فكتب العوام الرقاع وألصقوها/ في الجامع باللعن لمن يسعى في
هذا، لأن ابن 56/ ب عبد الرحيم كان مع البساسيري نهب الحرم، وقالت
خاتون للخليفة: هذا الرجل من جملة من نهبني، وكان ابن جهير يواصل
السؤال في العفو عن نفسه، وتكلمت القهرمانة في حقه، وبذل عنه خمسة عشر
ألف دينار، فوقعت الإجابة، وأعفى من المال، وبعث حاجب الباب أبو عبد
الله المردوسي ومعه خادمان لاستدعائه، فأقبل إلى بغداد في يوم الأربعاء
ثاني عشر صفر، وفرح الناس بمجيئه حتى صام بعضهم وتصدق آخرون [1] ، وصعد
الخليفة إلى المنظرة التي على الحلبة لمشاهدته، فلما نزل إلى هناك نزل
تحتها وقبل الأرض ودعا، ثم ركب والعوام حوله، فلما وصل إلى باب النوبي
نزل فقبّل العتبة، ثم دخل إلى الديوان، وانتهى حضوره فخرج في التوقيع:
وقف على ما أنهيته وحصولك واستقرارك بمقر عز خدمتك من الديوان، مشمولا
بعز خدمتك [2] الخدمة الشريفة، قد أكمل الله لك بيمن بركتها [3] كل
بغية، وأعادك إلى أفضل ما عهدته، وليس فيما جرى بقادح في موضعك فأكثر
حمد الله على ما أولاك، ثم جمع الناس إلى بيت النوبة في يوم
__________
[1] «آخرون» سقطت من ص.
[2] «خدمتك» سقطت من ص، ت.
[3] في الأصل: «بعينها» .
(16/111)
الأربعاء ثالث ربيع الأول، وجلس الخليفة في
التاج على دجلة [1] وأوصل الوزير وولداه إلى حضرته فقال للوزير: الحمد
للَّه جامع الشمل بعد شتاته، وواصل الحبل بعد بتاته، ثم خلع عليهم
وركبوا في يوم الجمعة سادس ربيع الأول إلى جامع المدينة في موكب كبير،
والناس يضجون بالدعاء والسرور به، ومدحه ابن الفضل فقال [2] :
قد رجع الحق إلى نصابه ... وأنت من دون الورى أولى به
ما كنت إلا السيف سلته يد ... ثم أعادته إلى قرابه
57/ أ/ هزّته حتى إذا رأته [3] صارما ... رؤيته تغنيك عن ضرابه
أكرم بها وزارة ما سلمت ... ما استودعت إلا إلى أربابه
مشوقة إليك مذ فارقتها [4] ... شوق أخي الشيب إلى شبابه
[حاولها قوم ومن هذا الّذي ... يخرج ليثا حادرا من غابه [5]]
يدمى أبو الأشبال من زاحمه ... في خيسه بظفره ونابه
وهل رأيت أو سمعت لابسا ... ما خلع الأرقم من ثيابه
إن الهلال يرتجى طلوعه ... بعد السرار ليلة احتجابه
والشمس لا يوءس من طلوعها ... وإن طواها الليل في جلبابه
ما أطيب الأوطان إلا أنها ... أحلى عليه أثر اغترابه
لو قرب الدر على جالبه ... ما لجج الغائص في طلابه
ولو أقام لازما أصدافه ... لم تكن التيجان في حسابه
ما لؤلؤ البحر ولا مرجانه ... إلا وراء الهول من عبابه [6]
من يعشق العلياء يلق عندها ... ما لقى المحب من أحبابه
طورا صدودا ووصالا مرة ... ولذة الوامق في عتابه
__________
[1] «على دجلة» سقطت من ص.
[2] من هنا ساقط من ت، وينتهي السقط عند ما نشير له في الهامش قريبا.
[3] في ص: «حتى أبصرته» .
[4] من هنا خرم في: ص، ينتهي في منتصف أحداث السنة التالية، وسنشير إلى
ذلك هناك.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «عيابه» .
(16/112)
ذل لفخر الدولة الصعب الذرى [1] ... وعلم
الإمام من آدابه
وفي ربيع الآخر: جرت فتنة لأجل أبي الوفاء بن عقيل، وكان أصحابنا قد
نقموا عليه تردده إلى أبي علي بن الوليد لأجل [2] أشياء كان يقولها [3]
وكان في ابن عقيل فيه [4] فطنة وذكاء، فأحب الاطلاع على [كل] [5] مذهب
[6] يقصد ابن الوليد، وقرأ عليه شيئا من الكلام في السر، وكان ربما
تأول بعض أخبار الصفات، فإذا أنكر عليه ذلك حاول [7] عنه، واتفق أنه
مرض فأعطى رجلا [ممن كان] [8] يلوذ به يقال له: معالي الحائك بعض كتبه،
وقال له: إن مت فأحرقها بعدي فاطلع عليها ذلك الرجل، فرأى فيها ما يدل
على تعظيم المعتزلة والرحم على الحلاج/، وكان قد صنف في مدح الحلاج جزء
في زمان 57/ ب شبابه، وذلك الجزء عندي بخطه، تأول فيه أقواله وأفعاله
[9] وفسر أسراره [10] ، واعتذر له، فمضى ذلك الحائك فأطلع على ذلك
الشريف أبا جعفر وغيره [11] ، فاشتد ذلك على أصحابنا، وراموا الإيقاع
به، فاختفى ثم التجأ إلى باب المراتب، ولم يزل في [الأمر] [12] يختبط
إلى أن آل إلى الصلاح في سنة خمس وستين.
[بلوغ دجلة زيادة إحدى وعشرين ذراعا]
وفي جمادى الأولى: بلغت زيادة دجلة [13] إحدى وعشرين ذراعا وثلاثين
[وبلغ
__________
[1] في الأصل: «الّذي» .
[2] «لأجل» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «في أشياء قريبة» .
[4] «فيه» سقطت من ص، ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[6] في الأصل: «مذهبه» .
[7] في الأصل: «يجادل» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[9] «وأفعاله» سقطت من ص، ت.
[10] في الأصل: «أشعاره» .
[11] إلى هنا ينتهي الساقط من ت.
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[13] في ص: «زيادة الماء» .
(16/113)
إلى الثريا] [1] وفجرت بثقا فوق دار
الغربة، ودخل [2] الماء إلى مشهد النذور، ومشهد المالكية [3] والسبتي
وتلوفي وسد.
وفي عشية يوم الأربعاء رابع رجب: ولد للأمير عدة الدين بن أبي القاسم
[4] مولود كنى: أبا الفضل، وسمي أحمد، وجلس الوزير فخر الدولة من غد
للهناء به بباب الفردوس، وابتدأ العوام بتعليق الأسواق، ونصب القباب،
وتوفي وقت الظهر وحمل سرا إلى الترب بالرصافة، فحط ما علق.
[ورود الخبر بأن الأفشين التركي خرب بلادا
كثيرة من بلاد الروم]
وورد من بلاد الروم من أخبر أن [الأمير] [5] الأفشين التركي ومن معه من
الغزاة خربوا بلادا كثيرة من بلاد الروم، وبلغوا إلى عمورية، واتفق أن
ملك الروم قبض على بطريق كبير من بطارقته، وهرب أخوه عند علمه بذلك،
فصادف الأفشين [6] في طريقه فعرفه ما لحق أخاه من الملك، ووعده أن
يحتال على عمورية فيأخذها له، وتحالفا علي ذلك، وقصد البطريق ومن معه
[من الروم] [7] عمورية، وبين يديه الصلبان، وراسل من فيها بأن الملك
أنفذني إليكم لأعاونكم وأشد منكم لأجل هؤلاء الغزاة العائثين في 58/
أأعمالكم، فخرجوا فتلقوه ومشوا [8] بين يديه، فحين ملك البطريق ومن
معه/ البلد لحقه الأفشين، فدخل البلد فنهبه وقتل وسبى، وأخذ من الأموال
شيئا عظيما [وأسرى إلى قريب من بحيرة قسطنطينية فارغا على خير بلاد
الروم هناك] [9] وأخذ منه [نحو] [10] ستة آلاف أسير [11] ، وعاد إلى
أنطاكية فحصرها فتقرر [12] عليها عشرين ألف دينار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتت في آخر الفقرة.
[2] في ص «وبلغ الماء» .
[3] «المالكية و» سقطت من ص.
[4] «بن أبو القاسم» سقطت من ص.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ص: «أفشين» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «دخلوا» .
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] في ص: «ستة آلاف دينار» ثم بياض بعدها.
[12] في الأصل: «وقرر» .
(16/114)
أنبانا محمد بْن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا
أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ميمون النرسي قال: بيع
السمك النّبيء عندنا بالكوفة- يعني [1] في هذه السنة- في حدود أربعين
رطلا، بحبة ذهب [2] وما رأينا بالكوفة هكذا ولا حدثنا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3396- أحمد بن الحسن بن الفضل، أبو الحسن [ابن] الكاتب
[3] .
من ساكني الحريم الطاهري، ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وسمع ابني
بشران أبا الحسين وأبا القاسم [4] ، وغيرهما، وكان صالحا ثقة.
توفي في ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن يوم السبت بباب حرب.
3397- أحمد بن أبي حنيفة، أبو طاهر.
حدث عن أبي الحسين [5] السوسنجردي.
وتوفي يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول [6] ودفن بباب حرب.
3398- عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف:
بصهر عبد الله البزار المعدل.
ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحدث عن أبي الحسن بن الصلت، وتوفي في
صفر، وقيل: في محرم سنة إحدى وستين، وكان ثقة.
__________
[1] «يعني» سقطت من ص.
[2] «ذهب» سقطت من ص، ت.
[3] في ت، ص: «أحمد بن الحسن بن الكاتب» .
والكاتب: بكسر التاء المنقوطة من فوقها بنقطتين والباء بعدها. اشتهر
بها جماعة الكتابة المعروفة (الأنساب 10/ 303) .
[4] في الأصل: «وسمع أبا الحسن ابني، وأبا القاسم ... » .
[5] في الأصل: «أبي الحسن» .
[6] في الأصل: «ربيع الآخر» .
(16/115)
ثم دخلت سنة اثنتين
[وستين] [1] واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
58/ ب/ أنه كان ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى
[2] وهو الثامن من آذار زلزلة عظيمة بالرملة وأعمالها، فذهب أكثرها
وانهدم سورها، وعم ذلك ببيت المقدس وتنيس، وانخسفت أيلة كلها، وانجفل
البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه، ومشى الناس فيه، ثم عاد إلى
حاله. وتغيرت إحدى زوايا الجامع بمصر، وتبع هذه الزلزلة في ساعتها
زلزلتان.
وتوجه ملك الروم من قسطنطينية إلى الشام في ثلاثمائة ألف، ونزل على
منبج ستة عشر يوما، وسار إليه المسلمون، فانهزم المسلمون وقتل جماعة
منهم، وأحرق ما بين بلد الروم ومنبج من الضياع والقرى، وقتل رجالهم،
وسبي نساءهم، وخاف أهل حلب خوفا شديدا، ثم انقطعت الميرة عن ملك الروم
فهلك من معه جوعا فرجع.
وفي هذه السنة: فسدت أحوال ملك مصر وقوتل، فاحتاج فبعث [3] فأخذ ما في
مشهد إبراهيم الخليل [عليه السلام] [4] ، وضاقت يد ابن أبي هاشم أمير
مكة لانقطاع ما
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «جمادى الآخرة» .
[3] «فبعث» سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/116)
كان يصله من مصر وغيرها، فعمد إلى ثياب [1]
الكعبة فقطع الذهب [2] الذي فيها [3] وسبكه، وإلى قبلتها وميزابها وحلق
بابها، فكسره وضربه دنانير ودراهم، ثم عدل إلى مصادرات أهل مكة حتى
رحلوا [4] عنها، وكذلك صنع أمير المدينة، فأخذ قناديل وآلات فضة كانت
هناك فسبكها.
وفي يوم الاثنين [5] السادس والعشرين من جمادى الآخرة: جمع [الأمير]
[6] العميد أبو نصر الوجوه فأحضر أبا القاسم بن الوزير فخر الدولة،
والنقيبين، والأشراف، وقاضي القضاة، والشهود إلى المدرسة [النظامية]
[7] وقرئت كتب وقفتها، ووقف كتب فيها ووقف ضياع وأملاك وسوق أبنيت
عليها [8] ، وعلى [بابها عليه وعلى] [9] أولاد نظام الملك على شروط
شرطت فيها.
/ وفي شهر رجب: وصل رسول السلطان للخدمة والدعاء وأجيب [10] بما أشرف
59/ أبه وأضحت توقيعا للديوان بعشرة آلاف دينار على الناظر ببغداد،
وتوقيعا بإقطاع مبلغ ارتفاعه سبعة آلاف دينار كل سنة من واسط والبصرة.
وفي ذي القعدة: ورد من مصر والشام عدد كثير [من رجال] [11] ونساء
هاربين من الجرف [12] والغلاء، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير [13]
أحد من الجوع والموت، وأن
__________
[1] في ص: «إلى باب» .
[2] في ص: «فقلع الّذي» .
[3] في ص: «الّذي فيه» .
[4] في الأصل: «حتى أجلوا» .
[5] في الأصل: «الأحد» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] «عليها و» سقطت من ص.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] في الأصل: «لأجل» .
[11] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[12] في الأصل: «الخوف» .
[13] في الأصل: «كبير أحد» .
(16/117)
الناس أكل بعضهم بعضًا، وظهر علي رجل [1]
قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها، وحفر حفيرة دفن
فيها رءوسهم وأطرافهم، فقتل، وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس
لصاحب مصر بعد ألوف من الكراع، وماتت الفيلة، وبيع الكلب بخمسة دنانير،
وأوقية زيت بقيراط، واللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط،
والرواية الماء بدينار لغسل الثياب.
وخرج وزير صاحب مصر إلى السلطان، فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد
لعدم ما يطعم الغلمان، فدخل وشغل الركابي عن البغلة لضعف قوته، فأخذها
ثلاثة أنفس ومضوا بها، فذبحوها وأكلوها فأنهى ذلك إلى صاحب مصر، فتقدم
بقتلهم وصلبهم فصلبوا، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم
[2] وقد أكلهم الناس، وكانت البادية تجلب الطعام، فتبيع الحمل
بثلاثمائة دينار خارج البلد، ولا يتجاسرون أن يدخلوا البلد، ومن اشترى
منه فربما نهبه الناس منه، وبيع من ثياب 59/ ب صاحب مصر وآلاته ما
اشترى منه في دار الخلافة، فوجدت فيه/ أشياء [كانت] [3] نهبت عند القبض
على الطائع، وأشياء نهبت في نوبة البساسيري، وخرج من خزانة السلاح التي
لصاحب [4] مصر أحد عشر ألف درع، وتجفاف، وعشرون ألف سيف محلى، وثمانون
ألف قطعة بلور كبار، و [خمسة] [5] وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم،
وبيعت ثياب النساء، وسجف المهود، وبيع من ذلك طست وإبريق بلور باثنى
عشر دينارا، وبيع من هذا الجنس وحده نحو ثمانين ألف قطعة، وبيع نحو خمس
وسبعين ألف قطعة من الثياب الديباج، وبيعت عشر حبات وزنها عشرة مثاقيل
بأربعمائة دينار، وباع رجل دارا بمصر كان ابتاعها [6] بتسعمائة دينار
بسبعين دينارا، فاشترى بها دون الكارة من الدقيق.
__________
[1] هنا انتهى الخرم الّذي في النسخة ص.
[2] في الأصل: «وتحت جثثهم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «من خزانة السلاح إلى صاحب مصر» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «اشتراها» والمعنى واحد.
(16/118)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
3399- أحمد بن محمد بن سياووش الكازروني
[1] .
سمع أبا أحمد الفرضي، وهلالا الحفار، وأبا عبد الله بن دوست، وغيرهم،
وكان مكثرا ثقة صالحا من أهل السنة، صحيح السماع، حدثنا عنه أبو عبد
الله بن السلال.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن قريبا من رباط عتاب بالجانب
الغربي.
3400- أحمد بن الحسن، اللحياني [2] الصفار
[3] .
توفي في رجب وكان يقرئ القرآن.
3401- أحمد بن علي، الأسدآباذي [4] أبو منصور
[5] :
حدث عن الصيدلاني وغيره. روى عنه أبو الفضل بن خيرون، وأطلق عليه الكذب
الصريح واختلاق الشيوخ الذين لم يكونوا وادعى ما لم يسمع.
3402- الحسن بن علي بن محمد بن باري، أبو الجوائز الكاتب الواسطي
[6] .
ولد سنة/ اثنتين وخمسين وثلاثمائة، سكن بغداد دهرا طويلا، وكان أديبا
شاعرا 60/ أمليح الشعر.
__________
[1] الكازرونيّ: بفتح وسكون الزاي وضم الراء وفي آخرها النون. هذه
النسبة إلى كازرون وهي إحدى بلاد فارس خرج منها جماعة من العلماء
والفضلاء (الأنساب 10/ 318) .
[2] في الأصل: «الجياني» .
[3] الصّفار: بفتح الصاد المهملة والفاء المخففة وفي آخرها الراء
(الأنساب 8/ 78) .
[4] في الأصل: «الأشدباذي» .
[5] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 325) .
[6] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 7/ 393. والكامل لابن الأثير 8/ 385
وحوادث سنة 462) .
والبداية والنهاية 12/ 100. ووفيات الأعيان 2/ 111. وفوات الوفيات 1/
129. وميزان الاعتدال 1/ 338.
ولسان الميزان 2/ 240. والأعلام 2/ 202) .
(16/119)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أنشدنا أبو الجوائز الحسن بن علي بن باري
الواسطي لنفسه:
واحربا من قولها ... خان عهودي ولها
وحق من صيرني ... وقفا عليها ولها
ما خطرت بخاطري ... إلا كستني ولها
3403- عبد الله بن عبد العزيز بن باكويه
[1] :
روى الحديث وتوفي في رجب ودفن في باب حرب.
3404- محمد بن أحمد بن سهل، أبو غالب بن بشران النحوي الواسطي، ويعرف:
بابن الخالة
[2] :
ولد سنة ثلاثين وثلاثمائة وكان عالما بالأدب وانتهت إليه الرحلة في
اللغة سمع أبا الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأبا القاسم علي بن
طلحة، وأبا عبد الله الحسين بن الحسن العلويّ في آخرين، حدّث عنه أبو
عبد الله [3] الحميدي وغيره، وله من الشعر المستحسن.
أخبرنا محمد بن ناصر قَالَ: أنشدنا أبو عبد الله الحميدي قَالَ: أنشدني
أبو غالب بن بشران لنفسه:
يا شائدا للقصور كهلا ... أقصر فقصر الفتى الممات
لم يجتمع شمل أهل قصر ... إلا وقصراهم الشتات
وإنما العيش مثل ظل ... منتقل ما له ثبات
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
سيان إن لاموا وإن غدروا ... ما لي عن الأحباب مصطبر
__________
[1] باكويه: هي إحدى بلاد دربند خزران عند شروان كما قال في معجم
البلدان.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 100. وشذرات الذهب 3/ 310.
وإرشاد الأريب 6/ 329.
ولسان الميزان 5/ 43. والأعلام 5/ 314. والكامل 8/ 385) .
[3] في ص: «أبو بكر» خطأ.
(16/120)
إن واصلوا شكروا، وإن هجروا ... عذروا، وما
اجترموه مغتفر
/ لا غرو إن أغرى بحبهم ... إذ ليس لي في غيرهم وطر 60/ ب
فليفعلوا ما حاولوا فهم ... منى بحيث السمع والبصر
لا بد لي منهم وإن تركوا ... قلبي بنار الهجر يستعر
وعلى أن أرضى بما اصطنعوا ... وأطيعهم في كل ما أمروا
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
ولما أثاروا العيس بالبين بينت ... غرامي لمن حولي دموع وأنفاس
فقلت لهم لا بأس بي فتعجبوا ... وقالوا الذي أبديته كله بأس
[تعوض بأنس الصبر من وحشة الأسى ... فقد فارق الأحباب من قبلك الناس]
[1] قَالَ: وأنشدني لنفسه:
ودعتهم ولي الدنيا مودعة ... ورحت ما لي سوى ذكراهم وطر
وقلت يا لذتي بيني لبينهم ... فإن صفو حياتي بعدهم كدر
لولا تعلل قلبي بالرجاء لهم ... ألفيته [2] إذ حدوا بالعيس [3] ينفطر
يا ليت عيسهم ويوم النوى نحرت ... أوليتها للضواري بالفلا جزر
يا ساعة البين أنت الساعة اقتربت ... يا لوعة البين أنت النار تستعر
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
طلبت صديقا في البرية كلها ... فأعيا طلابي أن أصيب صديقا
بلى من تسمى بالصديق مجازة ... ولم يك في معنى الوداد صدوقا
فطلقت ود العالمين صريمة ... وأصبحت من أسر الحفاظ طليقا
توفي ابن بشران في منتصف رجب هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ألفيته» سقطت من ص.
[3] في ص بياض بقدر كلمة بعد «بالعيس» .
(16/121)
3405- محمد بن الحسين [1] بْن عَبْد الله
بن أحمد بن الحسن بن أبي علانة
[2] :
ولد في سنة ثمانين وثلاثمائة، وحدث عن أبي طاهر المخلص، روى عنه أبو
بكر الخطيب، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي فجأة يوم الخميس العشرين في شعبان من هذه السنة [3] ودفن يوم
الجمعة عند قبر معروف الكرخي [4] .
__________
[1] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/ 257) .
[3] ومن هذه السنة» سقطت من ص، ت.
[4] في ت ما نصه: «تم المجلد الحادي والعشرون. بسم الله الرحمن الرحيم،
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وأربعمائة ... » .
(16/122)
ثم دخلت 61/ أسنة
ثلاث وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورد على السلطان خبر ملك الروم جمعه
العساكر]
أنه ورد على السلطان خبر ملك الروم في جمعه العساكر [الكثيرة] [1]
ومسيره نحو البلاد الإسلامية، وكان السلطان في فل من العسكر، لأنهم
عادوا من الشام جافلين إلى خراسان للغلاء الّذي استنفد أموالهم، فطلبوا
مراكزهم راجعين، وبقي السلطان في نحو أربعة آلاف غلام، ولم ير مع ذاك
أن يرجع إلى بلاده، ولم يجمع عساكره فيكون هزيمة على الإسلام، وأحب
الغزاة والصبر فيها، فأنفذ خاتون السفرية ونظام الملك والأثقال إلى
همذان، وتقدم [إليه] [2] بجمع العساكر وإنفاذها إليه، وقال له ولوجوه
عسكره: أنا صابر في هذه الغزاة صبر المحتسبين وصائر إليها [3] مصير
المخاطرين، فإن سلمت فذاك ظني في الله تعالى، وإن تكن الأخرى فأنا أعهد
إليكم وأشهد الله عليكم [4] أن تسمعوا لولدي ملك شاه وتطيعوه، وتقيموه
مقامي، وتملكوه عليكم، فقد وقفت هذا الأمر عليه، ورددته إليه.
فأجابوه بالدعاء والسمع والطاعة، وكان ذلك من فعل نظام الملك وترتيبه
ورأيه، وأبقى السلطان مع القطعة من العسكر المذكورة جريدة، ومع كل غلام
فرس يركبه وفرس
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «إليه» .
[4] «وأشهد الله عليكم» سقطت من ص، ت.
(16/123)
يجنبه، وسار قاصدا لملك الروم وأنفذ أحد
الحجاب في جماعة من الغلمان مقدمة له، فصادف عند خلاط صليبا تحته عشرة
آلاف من الروم [1] فحاربهم فنصر عليهم، وأخذ الصليب، وهربوا بعد أن
أثخنوا قتلا وجراحًا، وحمل مقدمهم إلى السلطان فأمر بجدع 61/ ب أنفه،
وأنفذ الصليب وكان خشبا وعليه فضة وإقطاع/ من الفيروزج، وإنجيلًا كان
معه في «سفط» من فضة إلى «همذان» [2] ، وكتب معه إلى نظام الملك
بالفتح، وأمر أن يحمل إلى حضرة الخلافة.
ووصل ملك الروم فالتقيا بموضع يقال له «الرهوة» في يوم الأربعاء لخمس
بقين من ذي القعدة، وكثر عسكر الروم وجملة من كان مع السلطان يقاربون
عشرين ألفا، وأما ملك الروم فإنه كان معه خمسة وثلاثون ألفا من الإفرنج
وخمسة وثلاثون ألفا مائتين [3] بطريق، ومتقدم مع كل رجل منهم بين ألفي
فارس إلى خمسمائة، وكان معه خمسة عشر ألفا من الغز الذين من وراء
القسطنطينية، ومائة ألف نقّاب وحفّار، و [مائة] [4] ألف روزجاري،
وأربعمائة عجلة تجرها ثمانمائة جاموسة عليها نعال ومسامير للدواب، وألف
عجلة [5] عليها السلاح والسروج والعرادات والمجانيق، منها منجنيق يمده
ألف رجل ومائتا رجل.
فراسل السلطان ملك الروم بأن يعود إلى بلاده وأعود أنا، وتتم الهدنة
بيننا التي توسطنا فيها الخليفة، وكان ملك الروم قد بعث رسوله يسأل
الخليفة أن يتقدم إلى السلطان بالصلح والهدنة، فعاد جواب ملك الروم
بأني قد أنفقت الأموال الكثيرة، وجمعت العساكر الكثيرة للوصول إلى مثل
هذه الحالة، فإذا ظفرت بها فكيف أتركها، هيهات لا هدنة إلا بالري، ولا
رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فعل ببلاد الروم.
__________
[1] «وأنفذ أحد الحجاب في جماعة من الغلمان مقدمة له فصادف عند خلاط
صليبا تحته عشرة آلاف من الروم» هذه العبارة سقطت من ص.
[2] في الأصل: «حمدان» .
[3] في ص: «وخمسة وثلاثون ألفا (بياض) في مائتين بطريق ... » .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] «تجرها ثمانمائة جاموسة عليها نعال ومسامير للدواب، وألف عجلة»
سقطت هذه العبارة من ص، ت.
(16/124)
فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى
السلطان بالعسكر، ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم: نحن مع
القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى
فيها لنا وللمسلمين علي المنابر، فإما أن أبلغ الغرض، وأما أن أمضى
شهيدا إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف
فليمض مصاحبا/ عني، فما هاهنا سلطان يأمر، ولا عسكر يؤمر، 62/ أفإنما
أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني ووهب نفسه للَّه تعالى فله
الجنة والغنيمة [1] ، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة.
فقالوا له: أيها السلطان، نحن عبيدك، ومهما فعلته تبعناك فيه وأعناك
عليه، فافعل ما تريد.
فرمى القوس والنشاب، ولبس السلاح، وأخذ الدبوس، وعقد ذنب فرسه بيده
وركبها، ففعلوا مثله، وزحف إلى الروم، وصاح وصاحوا، وحمل عليهم وثار
الغبار، واقتتلوا ساعة أجلت الحال فيها عن هزيمة الكفار، فقتلوا يومهم
وليلتهم القتل الذريع، ونهبوا وسبوا النهب والسبي العظيم.
ثم عاد السلطان إلى موضعه، فدخل عليه الكهراي الخادم فقال: يا سلطان،
أحد غلماني قد ذكر أن ملك الروم في أسره، وهذا الغلام عرض على نظام
الملك في جملة العسكر فاحتقره وأسقطه، فخوطب في أمره فأبى أن يثبته،
وقال مستهزئا، لعله أن يجيئنا بملك الروم أسيرا، فأجرى الله تعالى أسر
ملك الروم على يده. واستبعد السلطان ذلك، واستحضر غلاما يسمى: «شاذى»
كان مضى دفعات مع الرسل إلى ملك الروم، فأمره بمشاهدته وتحقيق أمره،
فمضى فرآه ثم عاد فقال: هو هو. فتقدم بضرب خيمة له، ونقله إليها
وتقييده وغل يده إلى عنقه، وأن يوكل به مائة غلام، وخلع على الذي أسره
وحجبه، وأعطاه ما اقترحه، واستشرحه الحال فقال: قصدته وما أعرفه وحوله
عشرة صبيان من الخدم، فقال لي أحدهم: لا تقتله فإنه الملك فأسرته
وحملته.
فتقدم السلطان بإحضاره فأحضر بين يديه، فضربه بيده ثلاث مقارع أو
أربعا،
__________
[1] في الأصل: «للَّه تعالى له الغنيمة والجنة» .
(16/125)
ورفسه مثلها فقال له: الم آذن لرسل الخليفة
في قصدك وإمضاء الهدنة معك وإجابتك 62/ ب في ذلك إلى ملتمسك، ألم أرسلك
الآن وأبذل لك الرجوع/ عنك فأبيت إلا ما يشبهك، وأي شيء حملك على
البغي؟
فقال: قد جمعت أيها السلطان واستكثرت واستظهرت، وكان النصر لك، فافعل
ما تريد ودعني من التوبيخ.
قَالَ: فلو وقعت معك ماذا كنت تفعل بي. قَالَ: القبيح. قَالَ: صدق
والله، ولو قَالَ غير ذلك لكذب، وهذا رجل عاقل جلد لا ينبغي أن يقتل.
قَالَ: وما تظن الآن أن يفعل بك. قَالَ: أحد ثلاثة أقسام: الأولى قتلى.
والثاني:
إشهاري في بلادك التي تحدثت [1] بقصدها [وأخذها] [2] ، والثالث: لا
فائدة في ذكره فإنك لا تفعله. قَالَ: فاذكره. قَالَ: العفو عني وقبول
الأموال والفدية مني، واصطناعي وردى إلى ملكي مملوكا لك نائبا في ملك
الروم عنك.
فقال: ما اعتزمت فيك إلا هذا الذي وقع يأسك منه، وبعد ظنك عنه، فهات
الأموال التي تفك رقبتك. فقال: يقول السلطان ما شاء، فقال: أريد عشرة
آلاف ألف دينار. فقال: والله إنك تستحق مني ملك الروم إذا وهبت لي
نفسي، ولكني قد أنفقت واستهلكت [3] من أموال الروم أحد عشر ألف [ألف]
[4] دينار، منذ وليت عليهم في تجديد العساكر والحروب التي بليت بها إلى
يومي هذا، فأفقرتهم بذلك، ولولا هذا ما استكثرت شيئا تقترحه.
فلم يزل الخطاب يتردد إلى أن استقر الأمر على ألف ألف وخمسمائة ألف
دينار، وفي الهدنة على ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار في كل سنة، وإطلاق
كل أسير في الروم، وحمل ألطاف وتحف مضافة إلى ذلك، وأن يحمل من عساكر
الروم المزاحة العلل ما يلتمس أي وقت دعت حاجة إليها.
__________
[1] في ص: «التي كدت» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «واستملكت» .
[4] في ص: «عشر ألف دينار» .
(16/126)
فقال له: إذا كنت قد مننت على فعجل تسريحي
قبل أن تنصب الروم ملكا غيري، ولا يمكنني أن أقرب منهم، ولا أفي بشيء
مما بذلته.
فقال السلطان: أريد أن تعيد أنطاكية، والرها، ومنبج، فإنها أخذت من
المسلمين عن قرب، وتطلق أسارى المسلمين. فقال: / إذا رجعت إلى ملكي سوف
63/ أأريك ما أفعل [1] فأنفذ إلى كل موضع منها عسكرا وحاصره، لا توصل
إلى تسليمها [2] ، فأما أن ابتدئ بذلك فلا يقبل مني، وأما الأسارى فأنا
أسرحهم وأفعل الجميل معهم.
فتقدم السلطان يفك قيده وغله، ثم قَالَ: أعطوه قدحا ليسقينيه، فأعطى
فظن أنه له فأراد أن يشربه فمنع منه، وأمر أن يخدم السلطان، ويتقدم
إليه ويناوله إياه، وأومأ إلى الأرض إيماء قليلا على عادة الروم، وتقدم
إليه فأخذ السلطان القدح، وجز شعره، فجعل وجهه على الأرض وقال: إذا
خدمت الملوك فافعل هكذا.
وكان لذلك سبب اقتضاه وهو أن السلطان قَالَ بالري: ها أنا أمضي إلى
قتال ملك الروم وآخذه أسيرا، وأقيمه على رأسي ساقيا.
وانصرف ملك الروم إلى خيمته، فاقترض عشرة آلاف دينار فأصلح منها شأنه،
وفرق في الحواشي والأتباع والموكلين به، واشترى جماعة من بطارقته
واستوهب آخرين. فلما كان من الغد أحضره وقد ضرب له سريره وكرسيه اللذان
أخذا منه، فأجلسه عليهما،. وخلع قباءه وقلنسوته فألبسه إياهما وقال له:
إني [3] قد اصطنعتك وقنعت بقولك، وأنا أسيرك إلى بلادك، وأردك إلى
ملكك.
فقبل الأرض، وقال له: أليس ينفذ إليك خليفة الله [تعالى] [4] في أرضه
رسولا يحملك به ويقصد إصلاح أمرك؟ فتأمر بأن يكشف رأسه ويشد وسطه ويقبل
الأرض بين يديك، وكان بلغه أنه فعل هذا بابن المحلبان فقال ما فعلت؟
فقال: أليس الأمر على ما
__________
[1] «سوف أريك ما أفعل» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «لا توصل إلى ساحتها» .
[3] «إني» سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/127)
يقول. وبان له منه تغير فقال: يا سلطان في
أي شيء وفقت حتى أوفق في هذا؟ وقام 63/ ب وكشف رأسه، وأومأ إلى الأرض
وقال: هذا عوض عما فعلته برسوله/ فسر السلطان بذلك، وتقدم بأن عقدت له
راية عليها مكتوب: «لا اله إلا الله محمد رسول الله» فرفعها على رأسه
وأنفذ حاجبين ومائة غلام يسيرون معه إلى قسطنطينية، وشيعه نحو فرسخ،
فلما ودعه أراد أن يترجل فمنعه السلطان، واعتنقا ثم افترقا.
وهذا الفتح في الإسلام كان عجبا لا نظير له، فإن القوم اجتمعوا ليزيلوا
الإسلام وأهله، وكان ملك الروم قد حدثته نفسه بالمسير إلى السلطان
ولوالي الري، وأقطع البطارقة البلاد الإسلامية وقال لمن أقطعه بغداد:
لا تتعرض لذلك الشيخ الصالح، فإنه صديقنا- يعني الخليفة- وكانت
البطارقة تقول: لا بد أن نشتو بالري ونصيف بالعراق، ونأخذ في عودنا
بلاد الشام [1] .
فلما كان الفتح ووصل الخبر إلى بغداد ضربت الدبادب والبوقات، وجمع
الناس في بيت النوبة، وقرئت كتب الفتح، ولما بلغ الروم ما جرى حالوا
بينه وبين الرجوع إلى بلاده [2] ، وملكوا غيره، فأظهر الزهد ولبس
الصوف، وأنفذ إلى السلطان مائتي ألف دينار وطبق ذهب عليه جواهر قيمتها
تسعون ألف دينار، وحلف بالإنجيل أنه ما يقدر على غير ذلك، وقصد ملك
الأرمن مستضيفا به وكحله وبعث إلى السلطان يعلمه بذلك.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3406- أحمد بن محمد بن عبد العزيز، أبو طاهر العكبري
[3] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وسمع الحديث مع أخيه أبي منصور النديم.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وكان سماعه صحيحا.
__________
[1] في الأصل: «في عودنا إلى دمشق الشام» .
[2] في ص: «إلى بلادهم» .
[3] العكبريّ: بضم العين وفتح الباء الموحدة. وقيل: بضم الباء أيضا،
والصحيح بفتحها، بلدة على الدجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ من الجانب
الشرقي، خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين، وهي أقدم من بغداد
(الأنساب 9/ 27) .
(16/128)
3407- أحمد/ بن علي بن ثابت بن أحمد بن
مهدي الخطيب [1] ، أبو بكر
[2] . 64/ أولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين
وثلاثمائة كذا رأيته بخط أبي الفضل بن خيرون، وأول ما سمع الحديث في
سنة ثلاث وأربعمائة وهو ابن احدى عشرة سنة وكان أَبُوهُ يَخْطُبُ بدرب
ريحان [3] ونشأ أبو بكر ببغداد، وقرأ القرآن والقراءات، وتفقه على أبي
الطيب الطبري، وأكثر من السماع من البغداديين، ورحل إلى البصرة، ثم إلى
نيسابور، ثم إلى أصبهان، ودخل في طريقه همذان والجبال، ثم عاد إلى
بغداد، وخرج إلى الشام، وسمع بدمشق وصور، ووصل إلى مكة، وقد حج في تلك
السنة أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة [القضاعي] [4] فسمع منه،
وقرأ «صحيح البخاري» على كريمة بنت أحمد المروزية في خمسة أيام، ورجع
إلى بغداد، فقرب من أبي القاسم ابن المسلمة [5] الوزير، وكان قد أظهر
بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط
الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأن خط علي بن أبي طالب فيه،
فعرضه رئيس الرؤساء [ابن المسلمة] [6] على أبي بكر الخطيب، فقال:
هذا مزور. قيل: من أين لك؟ قَالَ: في الكتاب [7] شهادة معاوية بن أبي
سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح، وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد
بن معاذ وكان قد مات يوم الخندق [8] . فاستحسن ذلك منه، فلما جاءت نوبة
البساسيري استتر الخطيب، وخرج
__________
[1] في ت العبارة هكذا: « ... أحمد بن مهدي الخطيب في سنة ثلاث
وأربعمائة، أبو بكر ... » .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 101، 102، 103. وشذرات
الذهب 3/ 311، 312. ومعجم الأدباء 1/ 248. وطبقات الشافعية 3/ 12.
والنجوم الزاهرة 5/ 87. وتاريخ ابن عساكر 1/ 398.
وتاريخ ابن الوردي 1/ 374. وتاريخ آداب اللغة 2/ 324. ووفيات الأعيان
1/ 92. والأعلام 1/ 172. والكامل 8/ 390. وتاريخ نيسابور ت 236) .
[3] «وكان أبوه يخطب في درب ريحان» ساقطة من ص. وفي ت: «دورلحان» بدلا
من «درب لعان» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «مسلمة» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «فيه شهادة ... » .
[8] على هامش ص: «صوابه جرح ومات عقيب غزاة بني قريظة» .
(16/129)
من بغداد إلى الشام، وأقام بدمشق، ثم خرج
إلى صور، ثم إلى طرابلس، ثم إلى 64/ ب حلب، ثم عاد/ إلى بغداد في سنة
اثنتين وستين، وأقام بها سنة ثم توفي.
فروى «تاريخ بغداد» و «سنن أبي داود» وغير ذلك، وانتهى إليه علم الحديث
[1] ، وصنف فأجاد، فله ستة وخمسون مصنفا بعيدة المثل منها: «تاريخ
بغداد» ، «وشرف أصحاب الحديث» ، و «كتاب الجامع لأخلاق الراويّ وآداب
السامع» ، و «الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» ، و «كتاب المتفق
والمفترق» ، و «كتاب السابق واللاحق» ، و «تلخيص المتشابه في الرسم» ،
و «كتاب باقي التلخيص» ، و «كتاب الفصل والوصل» ، والمكمل في بيان
المهمل» ، و «الفقه والمتفقه» ، و «كتاب غنية المقتبس في تمييز
الملتبس» ، و «كتاب الأسماء المبهمة والأنباء المحكمة» ، و «كتاب
الموضح أوهام الجمع والتفريق» ، و «كتاب المؤتنف بكلمة المختلف
والمؤتلف» ، و «كتاب لهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب» ، و
«كتاب الجهر بالبسملة» ، و «كتاب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء
والألقاب» ، و «كتاب القنوت» ، و «كتاب التبيين لأسماء المدلسين» ، و
«كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد» ، و «كتاب من وافق كنيته اسم
أبيه» ، و «كتاب من حدّث فنسي» ، و «كتاب رواية الآباء عن الأبناء» ، و
«كتاب الرحلة» ، و «كتاب الرواة عن مالك» ، و «كتاب الاحتجاج عن
الشافعي [2] فيما أسند إليه والرد على الطاعنين بجهلهم عليه» ، و «كتاب
التفصيل لمبهم المراسيل» ، و «كتاب اقتفاء العلم بالعمل» ، و «كتاب
تقييد العلم» ، و «كتاب القول في علم النجوم» ، و «كتاب روايات الصحابة
عن التابعين» ، و «كتاب صلاة التسبيح» ، و «كتاب مسند 65/ أنعيم بن
حماد» ، و «كتاب النهي عن صوم يوم الشك» / و «كتاب الإجازة للمعدوم
والمجهول» ، و «كتاب روايات السنة من التابعين» ، و «كتاب البخلاء» .
فهذا الذي ظهر لنا من مصنفاته، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هيئ له
مما لم يتهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره.
__________
[1] في الأصل: «وانتهى إليه علم الحديث لك» .
[2] في الأصل: «الاحتجاج للشافعي» .
(16/130)
وقد روى لنا عن أبي الحسين بن الطيوري أنه
قَالَ: أكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصوري، ابتدأ بهما.
قَالَ المصنف: وقد يضع الإنسان طريقا فتسلك، وما قصر الخطيب علي كل
حال، وكان حريصا على علم الحديث، وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء
يطالعه، وكان حسن القراءة، فصيح اللهجة، وعارفا بالأدب، يقول الشعر
الحسن.
أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم الصائغ قَالَ: أنبأنا أبو
بكر الخطيب أنه قَالَ لنفسه:
لعمرك ما شجاني رسم دار ... وقفت به ولا ذكر المغاني
ولا أثر الخيام أراق دمعي ... لأجل تذكري عهد الغواني
ولا ملك الهوى يوما قيادي ... ولا عاصيته فثنى عناني
عرفت فعاله بذوي التصابي ... وما يلقون من ذل الهوان
فلم أطمعه في وكم قتيل ... له في الناس ما يحصى وعان
طلبت أخا صحيح الود محضا ... سليم الغيب مأمون اللسان
فلم أعرف من الإخوان إلا ... نفاقا في التباعد والتداني
وعالم دهرنا لا خير فيه ... ترى صورا تروق بلا معاني
ووصف جميعهم هذا فما أن ... أقول سوى فلان أو فلان
/ ولما لم أجد حرا يؤاتي ... على ما ناب من صرف الزمان 65/ ب
صبرت تكرمًا لفراغ دهري ... ولم أجزع لما منه دهاني
ولم أك في الشدائد مستكينا ... أقول لها ألا كفي كفاني
ولكني صليب العود عود ... ربيط الجأش مجتمع الجنان
أَبِيُّ النفس لا أختار رزقا ... يجيء بغير سيفي أو سناني
لعز في لظى باغية يشوى [1] ... ألذ من المذلة في الجنان
ومن طلب المعالي وابتغاها ... أدار لها رحى الحرب العوان
__________
[1] في الأصل: «يثوي» .
(16/131)
قَالَ المصنف رحمة الله: هذه الأبيات
نقلتها من خط أبي بكر قالها لنفسه، وله أشعار كثيرة، وكان أبو بكر
الخطيب قديما على مذهب أحمد بن حنبل، فمال عليه أصحابنا لما رأوا من
ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه [1]
وتعصب في تصانيفه عليهم فرمز إلى ذمهم، وصرح بقدر ما أمكنه، فقال في
ترجمة أحمد بن [حنبل] [2] سيد المحدثين، وفي ترجمة الشافعي: تاج
الفقهاء، فلم يذكر أحمد بالفقه.
وحكى في ترجمة حسين الكرابيسي أنه قَالَ عن أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي
إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق، قَالَ: بدعة وإن قلنا غير مخلوق، قَالَ:
بدعة، ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن.
وله دسائس في ذمهم عجيبة [3] من ذلك: أنه ذكر مهنأ بن يحيى وكان من
كبار أصحاب أحمد، وذكر عن الدار الدارقطني أنه قَالَ: مهنأ ثقة نبيل،
وحكى بعد ذلك عن 66/ أأبي/ الفتح الأزدي أنه قَالَ: مهنأ منكر الحديث،
وهو يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكل.
قَالَ الخطيب: حدثني أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي
قَالَ: رأيت أهل الموصل يهينون أبا الفتح الأزدي ولا يعدونه شيئا.
قَالَ الخطيب: حدثني محمد بن صدقة الموصلي: أن أبا الفتح قدم بغداد على
ابن بويه، فوضع له حديثا: أن جبريل عليه السلام كان ينزل على النبي صلى
الله عليه وسلم في صورنا، فأعطاه دراهم أفلا يستحي الخطيب أن يقابل قول
الدار الدارقطني في مهنا بقول هذا، ثم لا يتكلم عليه هذا ينبئ عن عصبية
وقلة دين.
قَالَ الخطيب على أبي الحسن التميمي بقول أبي القاسم عبد الواحد بن علي
الأسدي وهو ابن برهان، وكان الأسدي معتزليا، وقد انتصرت للتميمي من
الخطيب في
__________
[1] «رضي الله عنه» سقطت من ص، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «عجيب» سقطت من ص، ت.
(16/132)
ترجمته وقال [1] الخطيب علي أبي عبد الله
بن بطة بعد أن ذكر عن القاضي أبي حامد الدلوي والعتيقي: أنه كان صالحا
مستجاب الدعوة، ثم عاد يحكى عن أبي ذر الهروي وهو أول من أدخل الحرم
مذهب الأشعري القدح في ابن بطة، ويحكى عن أبي القاسم بن برهان القدح
فيه، وقد انتصرت لابن بطة من الخطيب في ترجمته، ومال الخطيب علي أبي
علي بن المذهب بما لا يقدح عند الفقهاء، وإنما يقدح ما ذكره في قلة
فهمه، وقد ذكرت ذلك في ترجمة ابن المذهب.
/ وكان في الخطيب شيئان أحدهما: الجري على عادة عوام المحدثين في الجرح
66/ ب والتعديل، فإنهم يجرحون بما ليس يجرح، وذلك لقلة فهمهم، والثاني:
التعصب على مذهب أحمد وأصحابه، وقد ذكر في كتاب «الجهر» أحاديث نعلم
أنها لا تصح، وفي كتاب «القنوت» أيضا، وذكر في مسألة صوم يوم الغيم [2]
حديثا يدرى أنه موضوع فاحتج به، ولم يذكر عليه شيئا، وَقَدْ صَحَّ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ
رَوَى حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكاذبين [3] » .
وقد كشفت عن جميع ذلك في كتاب «التحقيق في أحاديث التعليق» وتعصبه على
ابن المذهب ولأهل البدع مألوف منه، وقد بان لمن قبلنا.
فأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، عن أبيه قَالَ: سمعت
إسماعيل بن أبي الفضل القومسي وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة
من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله،
وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر الخطيب.
قَالَ المصنف: لقد صدق إسماعيل وقد كان من كبار الحفاظ ثقة صدوقا، له
__________
[1] في الأصل: «ومال» .
[2] في الأصل: «يوم عرفة» .
[3] حديث: «مَنْ رَوَى حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أحد
الكاذبين» .
أخرجه: الإمام أحمد في زوائد مسندة، وابن جرير، وابن ماجة عن علي.
ومسلم، وأحمد، وابن ماجة، وابن جرير عن المغيرة والطيالسي في مسندة،
والإمام أحمد في المسند، ومسلم في صحيحه، وابن ماجة في سننه عن سمرة.
(16/133)
معرفة حسنة بالرجال والمتون، غزير الديانة،
سمع أبا الحسين بن المهتدى، وجابر بن ياسين، وابن النقور وغيرهم، وقال
الحق، فإن الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع، والآخران كانا يتعصبان
للمتكلمين والأشاعرة، وما يليق هذا بأصحاب الحديث، لأن 67/ أالحديث جاء
في ذم الكلام، وقد أكد الشافعي في هذا حتى/ قَالَ: رأيي في أصحاب
الكلام [1] أن يحملوا على البغال ويطاف بهم.
وكان للخطيب شيء من المال، فكتب إلى القائم بأمر الله: إني إذا مت كان
مالي لبيت المال، وإني استأذن أن أفرقه على من شئت. فأذن له ففرقه على
أصحاب الحديث، وكان مائتي دينار، ووقف كتبه على المسلمين، وسلمها إلى
أبي الفضل، فكان يعزها، ثم صارت إلى ابنه الفضل فاحترقت في داره.
ووصى الخطيب أن يتصدق بجميع ما عليه من الثياب، وكان يقول: شربت ماء
زمزم لثلاث [2] : على نية أن أدخل بغداد، وأروى بها التاريخ، وأن أموت
بها وأدفن إلى جنب [3] بشر بن الحارث، وقد رزقني الله تعالى دخولها،
ورواية التاريخ بها، وأنا أرجو الثالثة، وأوصى أن يدفن إلى جانب بشر.
توفي ضحوة نهار يوم الاثنين سابع ذي الحجة من هذه السنة في حجرة كان
يسكنها بدرب السلسلة في جوار المدرسة النظامية، وحمل جنازته أبو إسحاق
الشيرازي، وعبر به على الجسر، وجازوا به في الكرخ [4] ، وحمل إلى جامع
المنصور، وحضر الأماثل والفقهاء والخلق الكثير، وصلى عليه أبو الحسين
بن المهتدى، ودفن إلى جانب بشر، وكان أحمد بن علي الطريثيثي قد حفر
هناك قبرًا لنفسه، فكان يمضي إلى ذلك الموضع ويختم فيه القرآن عدة
سنين، فلما أرادوا دفن الخطيب هناك منعهم، وقال: هذا قبري أنا حفرته
وختمت فيه القرآن عدة دفعات [5] ولا أمكنكم. فقال له أبو
__________
[1] في الأصل: «الحديث» .
[2] «لثلاث» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «أدفن بجنب» .
[4] في الأصل: «وعبر به على الكرخ وجاوز به في الجسر» .
[5] في ص: «وختمت فيه ختمات» .
(16/134)
سعد الصوفي: يا شيخ/ لو كان بشر الحافي في
الحياة ودخلت أنت والخطيب عليه [1] 67/ ب أيكما كان يقعد إلى جانبه،
فقال: الخطيب. فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت. فطاب قلبه ورضي
فدفن الخطيب هناك.
3408- حسان بن سعيد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن
منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعي، أبو
علي
[2] .
كان في شبابه يجمع بين الدهقنة والتجارة، فساد أهل ناحيته بالثروة
والمروءة، ثم أعرض عن الدنيا اشتغالا بالتقوى والورع، وسمع الحديث من
جماعة وأخذ في بناء المساجد، والرباطات، والقناطر، وبنى الجامع ببلده
مروالروذ، وكان السلطان يجيء إليه ويتبرك به، ووقع غلاء فكان ينصب
القدور كل يوم، ويطبخ فيها، ويحضر زيادة على ألف منا من الخبز ويجمع
الفقراء، ويفرق عليهم ويوصل إليهم صدقة السر بحيث لا يعلم أحد، ويتعهد
المنقطعين في الزوايا، ويتخذ كل سنة للشتاء الجباب والقمص والسراويلات،
فيكسو قريبا من ألف فقير، ويجهز بنات الفقراء الأيتام، ورفع الأعشار من
أبواب نيسابور، والوظائف عن القرى، وكان يحيى الليل ويصوم، ويجتهد في
العبادة اجتهادا يعجز عنه غيره، ويمشي من بيته إلى المسجد، ويلبس
الغليظ من الثياب، ويتمندل بإزار من صوف، ويصلى على قطعة لبد، ويقعد
على التراب فأصابه مرض من شدة تعبده، فحمل إلى بلدته فتوفي في ذي
القعدة من هذه السنة.
3409- كريمة بنت أحمد [3] بن محمد بن أبي حاتم المروزية
[4] .
/ من أهل «كشميهن» قرية من قرى مرو، وكانت عالمة صالحة، سمعت أبا
الهيثم 68/ أ
__________
[1] في الأصل: «إليه» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 103 وشذرات الذهب 3/ 313.
والكامل 8/ 390) .
[3] في ت: «كريمة خاتون بنت أحمد ... » .
[4] انظر ترجمتها في: (الكامل لابن الأثير 8/ 390. والأعلام للزركلي 5/
225. والبداية والنهاية 12/ 105. وشذرات الذهب 3/ 314) .
(16/135)
الكشميهني وغيره، وقرأ عليها الأئمة:
كالخطيب، وابن المطلب، والسمعاني، وأبي طالب الزينبي، توفيت بمكة في
هذه السنة.
3410- محمد بن وشاح [1] بن عبد الله، أبو علي، مولى أبي تمام محمد بن
علي بن أبي [2] الحسن الزينبي
[3] .
ولد سنة تسع وسبعين وثلاثمائة. [في جمادى الآخرة وقيل سنة ست وسبعين]
[4] وكان كاتبا لنقيب النقباء الكامل، وكان أديبا شاعرا، وسمع أبا حفص
[5] بن شاهين، وأبا طاهر المخلص، وغيرهما، وحدث عنهم، وكان يرمى
بالاعتزال والرفض.
توفي في ليلة الأحد سابع عشرين رجب هذه السنة عن أربع وثمانين سنة،
وقبره في مقبرة جامع المنصور.
أنبأنا محمد بن طاهر قَالَ: أنشدنا أبو علي بن وشاح لنفسه:
حملت العصا لا الضعف أوجب حملها ... على ولا أني انحنيت من الكبر [6]
ولكنني ألزمت نفسي بحملها ... لأعلمها أني المقيم على سفر
3411- محمد بن علي بن الحسن بن الدجاجي [7] ، أبو الغنائم القاضي
[8] .
سمع أبا الحسن الحربي [9] السكوني، وأبا طاهر المخلص، وابن معروف،
وغيرهم، وكان سماعه صحيحا وهو من أهل السنة، حدثنا عنه، وكان له مال
فافتقر في
__________
[1] في ت: «وشاح بن وشاح» .
[2] في ت: «محمد بن علي بن الحسن الزينبي» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 314) .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «سمع أبا دقة، وابن شاهين» .
[6] في الأصل: «ولا أني تجنّيت من كبر» .
[7] في ت: «محمد بن علي بن الحسن الدجاجيّ» .
[8] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 314 والأنساب للسمعاني 5/ 282
وفيه: الدجاجيّ نسبة إلى بيع الدجاج. وتاريخ بغداد 3/ 108) .
[9] في ص: «أبا الحسن الحميري السكونيّ» .
(16/136)
آخر عمره، فجمع له أهل الحديث شيئا فلم
يقبل، وقال: وا فضيحتنا، آخذ عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا والله.
وتوفي يوم الخميس سلخ شعبان، ودفن يوم الجمعة [1] غرة رمضان بمقبرة
الخيزران.
3412- محمد بن الحسين بن [2] حمزة، أبو يعلى الجعفري/ فقيه الإمامية
[3] . 68/ ب
__________
[1] في الأصل: «وتوفي يوم الخميس سلخ شعبان ودفن يوم الخميس سلخ شعبان
ودفن يوم الجمعة غرة رمضان» تكرار في الجملة.
[2] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 390) .
(16/137)
ثم دخلت سنة اربع
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ركب قاضي القضاة في المحرم عائدا أبا نصر بن الصباغ.
وفي يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر: وصل سعد الدولة، وخرج الجماعة
وقبل عتبة باب النوبي، ونزل دار المملكة، وتردد إلى الديوان، وسأل
الوصول إلى الخدمة وتسليم كتابه من يده، وإيراد رسالة من لفظه، فأذن في
ذلك يوم السبت لعشر بقين من ربيع الآخر، فوصل مع فخر الدولة أبي نصر بن
جهير، وكان يؤثر [1] دخوله وحده فلم يجب، فسلم كتاب السلطان في خريطة
سوداء، ولم يمكنه مع حضور فخر الدولة المشافهة بالرسالة، فسطرها في
رقعة، وتعرف الخليفة خبر السلطان وسلامته عن سلامته في نفسه واستقامة
الأمور لديه، ثم استأذن في إحضار ثلاثة حجاب، فأذن لهم فدخلوا فخدموا
ثم انصرفوا.
[حدوث زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات.]
وفي ليلة الجمعة [2] لأربع بقين من ربيع الآخر، وقت طلوع الفجر: حدثت
زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات.
وفي جمادى الآخرة: لقي أبو سعد بن أبي عمامة مغنية قد خرجت من عند تركي
بنهر طابق فقبض على عودها وقطع أوتاره، فعادت إلى التركي فأخبرته، فبعث
التركي
__________
[1] في ص، ت سقطت كلمة «وكان» .
[2] في الأصل: «وفي ليلة الاثنين» .
(16/138)
إليه من كبس داره وأفلت، وعبر إلى الحريم
إلى ابن أبي موسى الهاشمي شاكيا ما لقي، واجتمع الحنابلة في جامع القصر
من الغد فأقاموا فيه مستغيثين، وأدخلوا معهم الشيخ أبا إسحاق [1]
الشيرازي وأصحابه، وطلبوا قلع المواخير/ وتتبع المفسدات ومن يبيع 69/
أالنبيذ، وضرب دراهم تقع المعاملة بها عوض القراضة، فتقدم أمير
المؤمنين بذلك، فهرب المفسدات، وكبست الدور، وارتفعت الأنبذة، ووعد
بقلع المواخير ومكاتبة عضد الدولة برفعها، والتقدم بضرب دراهم يتعامل
بها، فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد، وأظهر أبو إسحاق الخروج من البلد
فروسل برسالة سكتته.
وحكى أبو المعالي صالح بن شافع عمن حدثه أن الشريف أبا جعفر رأى محمد
ابن الوكيل حين غرقت بغداد في سنة ست وستين، وجرى على دار الخلافة
العجائب، وقد جاء ببعض الجهات إلى الترب بالرصافة أو غيرها من تلك
الأماكن، وهم على غاية التخبيط، فقال له الشريف: يا محمد يا محمد،
قَالَ: لبيك يا سيدنا. قَالَ. كتبنا وكتبتم، وجاء جوابنا قبل جوابكم-
يشير إلى قوله «سأكتب في رفع المواخير» ويريد بالجواب الغرق وما فيه.
وفي هذا الوقت غلت الأسعار، وتعذر اللحم ووقع الموتان في الحيوان، حتى
إن راعيا في بعض طريق خراسان قام عند الصباح إلى غنمة ليسوقها فوجدها
موتى.
ووقع سيل عظيم، وبرد كثير في طريق خراسان، وكان في المكان المسمى بباغ
[2] ثلاثة آلاف وخمسمائة جريب حنطة وشعيرا فبرد [3] ونسفته الريح [4]
فلم يشاهد له أثر، وانقلع شجر التوت العظيم من أصله، وإحدى عشرة نخلة،
وقام في ساقية من البرد إلى فخذ الإنسان [5] ، واحضر قوم من قردلى
بندقا من الطين قد وقع مع البرد كبيضة العصفور طيب الرائحة.
__________
[1] في ص: «وأدخلوا عليهم أبا إسحاق» .
[2] في ت: «وكان في الموضع المسمى تباع ثلاثة آلاف» .
[3] في ص: «وخمسمائة جريب حنطة وشعير فرد» .
[4] في ت: «وأنسفته الريح» .
[5] في الأصل: «إلى فخذ الرجل» .
(16/139)
69/ ب وفي هذه الأيام كان ابن محسن/ الوكيل
قد توكل على صاحب الظفر الخادم في معنى دار، فحضر ظفر عند الوزير فخر
الدولة، وخاصم ابن محسن، واستخف به، حتى قَالَ: هذا يأخذ أموال الناس
ويبيع الشريعة بالثمن الخسيس، ويحكم القضاة بما لا يحل، ويشهد الشهود
بما لا يجوز. وكان قاضي القضاة حاضرا فغالطه وأظهر أنه لم يسمع، فأعان
الوزير ابن محسن، فنهض ظفر مغضبا وقال لأصحابه: أين رأيتم ابن محسن
فاقتلوه. فركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم، وقد قدم من عند السلطان،
فخرج معه ابن محسن، فضربه أصحاب ظفر، ووقعت مقرعة في قاضي القضاة
فامتعض ونزل عن البغلة، ومشى من الحلبة إلى شاطئ دجلة على ثقل بدنه،
وعبر إلى داره، وراسله الوزير أن يعود إلى الديوان فأبى، وكان ذلك
بمرأى من الخليفة، لأنه كان في المنظرة، فتقدم إلى الوزير بصرف ظفر من
الدار، والختم على داره واصطبلاته وما يتعلق به، ونقض الدار التي جرى
عليها الخصام، وضرب الغلام الذي ضرب ابن محسن على باب النوبي مائة سوط،
وركب أحد الغلمان الخواص إلى قاضي القضاة فاعتذر إليه مما جرى.
وعقد للأمير عدة الدين على ابنة السلطان من خاتون السفرية، وكان العقد
في دار المملكة بنيسابور، وضربت الدبادب والبوقات وامتلأت الدّار [1]
بالفيلة المزينة، والخيل المجفجفة، وجلس السلطان ألب أرسلان على سرير
الملك ونظام الملك قائم بين يديه/ وخطب الشطبي، ووكل السلطان نظام
الملك [2] وكان وكيل [3] عدة الدين عميد الدولة أبي نصر بن جهير، فعقد
العقد، ووقع النثار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3413- أحمد بن عثمان بن الفضل بن جعفر، أبو الفرج المخبزي
[4] .
__________
[1] «بنيسابور، وضربت الدبادب والبوقات وامتلأت الدار» سقطت من ص.
[2] «قائم بين يديه وخطب الشطبي، ووكل السلطان نظام الملك» هذه العبارة
ساقطة من ص.
[3] في الأصل: «وكان وكيله عدة الدين» .
[4] في الأصل، ص: «المحري» وما أثبتناه من ت، وفي تاريخ بغداد 4/ 302:
«المعروف بابن المخبزي» . انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 4/ 302) .
(16/140)
ولد في سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وحدث عن
أبي القاسم بن حبابة، وعلى بن عيسى، توفي ليلة الأربعاء العشرين من
صفر.
3414- بكر بن محمد بن حيدر، أبو منصور النيسابوري
[1] .
ولد في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وذكر أنه من ولد عثمان بن عفان، وسمع
من أبي علي بن المذهب، وكان ثقة، وتوفي بالري في محرم هذه السنة.
3415- جابر بن ياسين بن الحسن بن محمد بن محمويه، أبو الحسن الجبائي
[2] العطار [3] .
ولد يوم الثلاثاء ثامن محرم سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وسمع أبا حفص
الكتاني، وأبا طاهر المخلص، وعيسى بن علي وغيرهم، وحدث وكان ثقة من أهل
السنة، حدثنا عنه جماعة من مشايخنا، وتوفي في ليلة الأحد خامس عشرين
شوال، ودفن في مقبرة باب حرب قريبا من قبة السعيد.
3416- محمد بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد
الصمد بن المهتدي باللَّه، أبو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور
[4] .
ولد في شوال سنة أربع وثمانين، وقرأ القرآن على أبي القاسم الصيدلاني،
وحدث عن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير الحافظ، وأبي الحسن بن
رزقويه [5] ، / وعثمان الباقلاوي [6] وغيرهم، حدثنا عنه مشايخنا، وقد
حدّث عنه الخطيب، وكان 70/ ب عدلا ثقة، شهد عند ابن ماكولا، وأبي عبد
الله الدامغاني فقبلا شهادته، وكان ممن يلبس القلانس الطوال التي
تسميها العوام: الدنيات، وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 318. والبداية والنهاية 12/ 105.
وتاريخ نيسابور ت 422) .
[2] في ص: «الجباني» ، وفي شذرات الذهب 3/ 316: «الحنائي» . وهي غير
موجودة في تاريخ بغداد.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 316. تاريخ بغداد 7/ 239) .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل لابن الأثير 8/ 392. وتاريخ بغداد 1/ 356.
والبداية والنهاية 12/ 105) .
[5] في الأصل: «رزقونة» .
[6] في الأصل: «الباقلاني» .
(16/141)
الأولى من هذه السنة، وصلى عليه أبو
الفوارس الزينبي النقيب في جامع المدينة، ودفن بقرب قبر بشر الحافي.
3417- محمد بن أحمد بن شاده بن جعفر، أبو عبد الله الأصبهاني القاضي
بدجيل
[1] .
تفقه على مذهب الشافعي رضي الله عنه [2] ، وسمع أبا عمرو بن مهدي [3] ،
وغيره، روى عنه أشياخنا، وكان ثقة، توفي فجأة يوم الجمعة حادي عشر ذي
القعدة من هذه السنة، وصلى عليه في جامع المدينة، وحمل إلى القرية
المعروفة بواسط دجيل فدفن فيها.
3418- محمد بن علي
بن عبيد الله [4] ، أبو بكر الطحان، ويعرف: بابن القابلة.
سمع أبا الحسين بن سمعون، وتوفي يوم عيد الفطر من هذه السنة وكان رجلا
صالحا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 105) .
[2] «رضي الله عنه» سقطت من ص، ت.
[3] في ص: «أبا عمر بن مهدي» .
[4] في ت: «ابن عبد الله» .
(16/142)
ثم دخلت سنة خمس
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه يوم الحادي عشر من محرم حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه
جماعة من الحنابلة/ واصطلحوا، ولم يحضر الشريف أبو جعفر الديوان يومئذ
لأجل ما جرى منه 71/ أفيما يتعلق بإنكار المواخير على ما سبق ذكره،
فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه، وكانت نسخة ما كتب به ابن عقيل
خطه ونسب إلى توبته: بسم الله الرحمن الرحيم يقول على بن عقيل بن محمد:
إني ابرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره، ومن صحبة
أربابه، وتعظيم أصحابه، والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلافهم [1] وما
كنت علقته ووجد خطى به من مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب إلى الله تعالى
من كتابته، [2] [وأنه لا تحل كتابته] [3] ولا قراءته ولا اعتقاده، وأني
علقت مسألة الليل في جملة ذلك، وأن قوما قالوا: هو أجسام سود، وقلت:
الصحيح ما سمعت من الشيخ أبي علي، وأنه قَالَ: هو عدم، ولا يسمى جسما
ولا شيئا أصلا، واعتقدت أنا ذلك، وأنا تائب إلى الله تعالى منه،
واعتقدت [4] في الحلاج أنه من أهل الدين والزهد والكرامات، ونصرت ذلك
في جزء عملته، وأنا تائب إلى الله تعالى منه، وأنه قتل
__________
[1] «والتكثر بأخلافهم» سقطت من ص.
[2] في الأصل: «فأنا تائب إلى الله تعالى منه من كتابته» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «أنا ذلك، وأنا تائب إلى الله تعالى منه، واعتقدت» هذه العبارة
سقطت من ص.
(16/143)
بإجماع فقهاء عصره، وأصابوا في ذلك، واخطأ
هو، ومع ذلك فإني أستغفر الله تعالى [1] وأتوب إليه من مخالطة المبتدعة
والمعتزلة وغيرهم، ومكاثرتهم، والترحم عليهم، والتعظيم لهم، فإن ذلك
كله حرام، ولا يحل لمسلم فعله، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَظَّمَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فَقَدْ أَعَانَ
عَلَى هَدْمِ الإِسْلَامِ» ، وقد كان الشريف أبو جعفر ومن معه من 71/ ب
الشيوخ والأتباع ساداتي وإخواني- حرسهم الله- مصيبين/ في الإنكار علي
لما شاهدوه بخطى في الكتب التي أبرأ إلى الله تعالى منها، وأتحقق أني
كتبت مخطئا وغير مصيب، ومتى حفظ على ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار
فلإمام المسلمين مكافأتي على ذلك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال وإبعاد
وغير ذلك فأشهدت اللَّه تعالى وملائكته وأولي العلم عَلَى ذلك [2] غير
مجبر ولا مكره، وباطني وظاهري يعلم الله تعالى في ذلك سواء. قَالَ الله
تعالى: وَمن عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَالله عَزِيزٌ ذُو
انْتِقامٍ 5: 95 [3] وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين
وأربعمائة. وشهد عليه بذلك جماعة كثيرة من الشهود.
[وقوع الإرجاف بقتل السلطان ألب أرسلان
محمد بن داود]
وفي ربيع الأول [4] وقع الإرجاف بقتل السلطان ألب أرسلان محمد بن داود،
فنودي من دار الخلافة في الحريم بالتوعد لمن يتفوه بذاك، ثم تزايدت
الكتب من الأهواز، والري بصحته، وكان السلطان قد غزا في أول هذه السنة
جيحون على جسر مده، وكان معه زيادة على مائتي ألف فارس، وعبر [عسكره
النهر في صفر وأتاه] [5] أصحابه بمستحفظ قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي في
سادس ربيع الأول، فحضر إليه بيد غلامين [6] ، كل واحد قد أمسك يده،
فلما وصل شتمه السلطان وواقفه على أفعال قبيحة كانت منه، وتقدم بأن
يضرب له أربعة أوتاد، وتشد أطرافه إليها، فقال له يوسف:
__________
[1] في الأصل: «وأخطأ هو وأنا استغفر الله تعالى» .
[2] «فأشهدت اللَّه تعالى وملائكته وأولي العلم عَلَى ذلك» سقطت من ص.
وكلمة «وملائكته» سقطت من ت.
[3] سورة: المائدة، الآية: 95.
[4] في الأصل: «وفي ربيع الآخر» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فحط إليه يد غلامين» .
(16/144)
يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟! فاحتد
السلطان، وأخذ القوس والنشابة، وقال للغلامين: خلياه، فرماه بسهم
فأخطأ، فعدا يوسف إليه، وكان السلطان جالسا على سدة فنهض فنزل، فعثر
ووقع على وجهه، فبرك عليه/ يوسف فضربه بسكين كانت معه 72/ أفي خاصرته،
فلحقه الجند فقتلوه، وشدت جراحة السلطان، وعاد إلى جيحون فتوفي، وكان
ذلك يوم السبت عاشر ربيع الأول.
وكان لما بلغ أهل بخارى عبوره، وتقدمت سريته، اجتاحت ونهبت، واجتمع
الصالحون وصاموا ودعوا عليه فهلك.
فلما مات جمع العسكر، وجلس ولده على سدة الملك، والأمراء قيام، فقال له
نظام الملك: تكلم أيها السلطان! فقال: الأكبر منكم أبي، والأوسط أخي،
والأصغر ولدي، وسأفعل معكم ما لم أسبق إليه. فأمسكوا فأعاد القول
فأجابوا بالسمع والطاعة.
وتولى نظام الملك وأبو سعد المستوفي أخذ البيعة عليهم، وإطلاق الأموال
لهم، وزيدوا في الجامكية ما قدره سبع مائة ألف دينار، وساروا إلى مرو،
فدفن السلطان بها إلى جنب قبر أبيه، وجلس الوزير فخر الدولة للعزاء
بالسلطان في صحن السلام يوم الأحد الثامن من جمادى الأولى، وخرج في يوم
الثلاثاء توقيع من الخليفة يتضمن الجزع علي السلطان، ويذكر سعيه في
مصالح المسلمين، وفتكه بالروم، وغلقت الأسواق أيام العزاء، وأقامت
خاتون زوجة الخليفة العزاء والمناحة، وجلست على التراب.
ووردت كتب السلطان إلى دار الخلافة في ثامن رجب يذكر وفاة والده، ويسأل
إقامة الخطبة، فأقيمت من غد على المنابر.
[ثوران الفتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة]
وفي شعبان: ثارت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، والقلائين، / أحرق
فيها 72/ ب من الكرخ الصاغة وقطعة من الصف، وقتل فيها خلق كثير.
ولما بلغ قاورت بك [1] وفاة أخيه ألب أرسلان سار طالبا للري والممالك،
فسبقه إليها ملك شاه، فالتقوا بقرب همذان في رابع شعبان، وكان العسكر
مائلا إلى قاورت
__________
[1] في كل النسخ: «قارون» بالنون. وفي الكامل لابن الأثير 8/ 396،
والبداية والنهاية 12/ 106:
«قاروت» .
(16/145)
بك، فحمل قاورت على ميمنة ملك شاه فكسرها،
وحمل هؤلاء على ميمنته فهزموها، فالتجأ قاورت إلى بعض القرى، فجاء رجل
سوادي فأخبر ملك شاه، فأخذه وكان قبل ذلك قد داراه، ووعده بالإقطاع
الكثير فسطع وأبى وحارب، فجيء به ماشيا فأومأ بتقبيل [1] الأرض، ثم قبل
يد السلطان فقال له ملك شاه: يا عم، كيف أنت من تعبك أما تستحي يا أخي،
أما تستحي [2] من هذا الفعل؟ أطرحت وصية أخيك، وأظهرت الشماتة به،
وقصدت ولده، وفعلت ما لقاك الله جوابه، فقال: والله ما أردت قصدك،
وإنما عسكرك واصلوا مكاتبتي.
فأنفذ إلى همذان فاعتقل هناك، فلما وصل السلطان إلى همذان أمر بقتله
فخنق ثم إن العسكر تبسطوا وقالوا: ما يمنع السلطان أن يعطينا ما نريد
إلا نظام الملك، وبسطوا أيديهم في التصرف، فذكر النظام للسلطان طرفا من
هذا، وبين له ما في هذا من الوهن، وخرق السياسة، وقال: ما يمكنني أن
أعمل شيئا من غير إذنك، فإما أن تدبر أنت، أو تأمرني فيه بما أعتمده
فقال له: قد رددت إليك الأمور كبيرها وصغيرها، وقليلها وكثيرها، وما
منى اعتراض عليك، ولا رد لما يكون منك، وأنت الوالد. وحلف له، 73/
أوأقطعه طوس بلده، وتقدم بإفاضة الخلع عليه، / وأعطاه دواة وعليها ألف
مثقال، ومنجوقا عليه طلعة فيها ألف مثقال، ومدرجة محلاة ألف مثقال،
ومائة ثوب ديباج، وعشرين ألف دينار، ولقبه: أتابك، ومعناه: الأمير
الوالد.
وظهر من النظام من الرجلة والشهامة والصبر إلى حين ظفر بالمراد واللطف
بالرعية، حتى إن المرأة الضعيفة تخاطبه ويخاطبها، ولقد رفع بعض حجابه
امرأة ضعيفة [فزبره] [3] وقال: أنا استخدمتك لتوصل إلى مثل هذه، لا
لتوصل إلى رجلا كبيرا، أو حاجبا جليلا. ثم صرفه، وكان إذا اجتاز بضيعة
فأفسدها العسكر غرم لصاحبها فيه ما أفسدوا.
وفي شعبان: قصد أهل المحال الكرخ، فقاتلوا أهلها، وأحرقوا فيها شيئا
كثيرا،
__________
[1] في الأصل: «ولومي بتقبيل الأرض» .
[2] «يا أخي أما تستحي» سقطت من ص، ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/146)
وخرج الشحنة، فأخذ من ثياب أهل باب البصرة
وثياب أهل القلائين ما حمله أصحابه على البغال.
[ورود جراد عظيم]
وفي رمضان: ورد جراد عظيم أكل ما وجد، حتى عدم البقل [في آخر هذا
الشهر] [1] فبيع ما جلب منه من عكبرا بالميزان.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3419- أحمد بن الحسن بن عبد الودود بن المهتدى [باللَّه]
[2] :
سمع أبا الحسين [3] بن المتيم، والصرصري، وغيرهما، وحدث.
وتوفي في يوم الأربعاء رابع عشرين شوال.
3420- ألب أرسلان، واسمه: محمد، إنما غلب عليه ألب أرسلان بن داود
السلطان
[4] :
قد ذكرنا سيره في الحوادث، وكيفية قتله، وكان يقول حين قتل: ما وجه
قصدته إلا واستعنت الله عليه إلا هذا الوجه، / فإني اشتغلت بالعساكر،
ولم يخطر ربي بقلبي. 73/ ب قَالَ: ولما كان في أمسنا صعدت تلا فارتجت
الأرض تحتي من عظم الجيش وكثرة العسكر، فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا،
وما يقدر أحد علي، فجاءتني قدرة لم يخطر على بالي، وأنا استغفر الله من
ذلك الخاطر، ووصى العسكر بولده ملك شاه الذي جعل فيه الملك بعده، ونظام
الملك وزيره، والطاعة لهما، وأحلف من ينبغي أن يحلف، واستوثق وأوصى أن
يعطى أخاه «قاورت بك» أعمال فارس، وكرمان، وشيئا عينه من المال، وأن
يتزوج بزوجته، وأن يعطى ابنه «إياز» ما كان لداود والده وهو خمسمائة
ألف دينار، وأن يكون لولده ملك شاه القلعة وما ضمها.
وتوفي في يوم السبت عاشر ربيع الأول من هذه السنة، ودفن عند قبر أبيه
بمرو.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أبا الحسن» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 107. وشذرات الذهب 3/ 318.
والكامل 8/ 394، 395) .
(16/147)
3421- الحسن بن محمد بن علي [بن فهد] [1]
العلاف
[2] .
سمع الحديث،. وقرئ عليه، وكان صالحا ورعا مجتهدا، وعمَّر حتى جاوز
المائة سنة بثلاث سنين، وسقطت أسنانه ثم نبتت، وتطرأ شعر لحيته.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
3422- الحسين بن محمد، أبو محمد الهاشمي الدلال
[3] .
من أهل نهر طابق، سمع أبا بكر بن بشران، وأبا الحسن الدار الدّارقطنيّ،
توفي يوم الأحد رابع عشرين ربيع الآخر، ومر بجنازته في الكرخ وجرت فتنة
عظيمة، ودفن في مقبرة باب الدير.
3423- عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك [بن طلحة] [4] أبو القاسم
القشيري
[5] .
قشيري الأب، سلمى الأم، ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة، توفي أبوه وهو
طفل، 74/ أفنشأ وقرأ الأدب والعربية، وكان يهوى مخالطة/ أهل الدنيا،
فحضر عند أبي علي الدقاق فجذبه عن ذلك، فسمع الفقه من أبي بكر محمد بن
بكر الطوسي، ثم اختلف إلى أبي بكر بن فورك فأخذ عنه الكلام، وصار رأسا
في الأشاعرة، وصنف «التفسير الكبير» ، وخرج إلى الحج في رفقة فيها أبو
المعالي الجويني، وأبو بكر البيهقي، فسمع معهما الحديث ببغداد والحجاز،
ثم أملى الحديث، وكان يعظ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] العلّاف: بفتح العين المهملة، وتشديد اللام ألف، وفي آخرها الفاء.
هذه النسبة لمن يبيع علف الدواب أو يجمعه من الصحاري ويبيعه، واشتهر
جماعة بهذه النسبة (الأنساب 9/ 95) .
[3] الدّلّال: بفتح الدال المهملة وتشديد اللام ألف. هذه النسبة لمن
يتوسط بين الناس في البياعات وينادي على السلعة من كل جنس (الأنساب 5/
385) .
[4] «بن طلحة» سقطت من ص، والأصل.
[5] «القشيري» سقطت من ص.
انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 11/ 83. الكامل 8/ 402. والبداية
والنهاية 12/ 107. وشذرات الذهب 3/ 319، 320، 321، 322. وطبقات السبكي
3/ 243: 248. ووفيات الأعيان 1/ 299.
ومفتاح السعادة 1/ 438، 2/ 186 وتاريخ نيسابور ت 1104) .
(16/148)
وتوفي في رجب هذه السنة بنيسابور، ودفن إلى
جانب شيخه أبي علي الدقاق، ولم يدخل أحد من أولاده بيته، ولا مس ثيابه
ولا كتبه إلا بعد سنين احتراما له وتعظيما، ومن عجيب ما وقع أن الفرس
التي كان يركبها كانت قد أهديت إليه، فركبها عشرين سنة لم يركب غيرها،
فذكر أنها لم تعلف بعد وفاته، وتلفت بعد أسبوع.
3424- عبد الصمد [1] بن علي بن محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون، أبو
الغنائم
[2] :
ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وسمع الدارقطني، والمخلص، وأبا الحسن
الحربي، وغيرهم، وحدث وكان ثقة، وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا آخرهم محمد
بن عمر بن يوسف الأرموي.
وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر شوال، ودفن بمقبرة باب حرب عند الشهداء.
3425- عمر بن محمد، بن درهم
[3] .
سمع أبا الحسين [4] بن بشران، وتوفي في ليلة الجمعة تاسع عشرين ربيع
الآخر، وصلي عليه بجامع المنصور، ودفن بمقبرة باب حرب.
3426- علي بن الحسن [5] / بن علي بن الفضل، أبو منصور الكاتب، المعروف:
74/ ب بابن صربعر
[6] .
وقال له نظام الملك: أنت صردر، لا ابن صربعر.
وهجاه ابن البياضي فلطمه فقال:
لئن نبز الناس شحا أباك ... فسموه من شحه صرّبعرا
__________
[1] في ت: «عبد العزيز»
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 401. وشذرات الذهب 3/ 319) .
[3] في الأصل: «عمر بن محمد بن عمر بن درهم» .
[4] في الأصل: «أبا الحسن» .
[5] في الأصل: «علي بن الحسين» وكذا في البداية والنهاية 12/ 108.
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 322 وفيه: «صردر» . والكامل 8/
402. والبداية والنهاية 12/ 108. ووفيات الأعيان 3/ 385. والأعلام 4/
272) .
(16/149)
فإنك تنبز بالصربعرا ... عقوقا له وتسميه
شعرا
[1] وهذا ظلم فاحش، فإن شعره غاية في الحسن، ومن شعره:
تزاورن عن أذرعات يمينا ... نواشر ليس يطعن البرينا
كلفن بنجد كأن الرياض ... أخذن لنجد عليها يمينا
وأقسمن يحملن إلا نحيلا ... إليه ويبلغن إلا حزينا
ولما استمعن زفير المشوق ... ونوح الحمام تركن الحنينا
إذا جئتما بانة الواديين ... فأرخوا النسوع وحلوا الوضينا
فثم علائق من أجلها ... ملاء الدجى والضحى قد طوينا
وقد أنبأتهم مياه الجفون ... بأن بقلبك داء دفينا
وله أيضا:
إيه أحاديث نعمان وساكنه ... إن الحديث عن الأحباب أسمار
أفتش الريح [2] عنكم كلما نفحت ... من نحو أرضكم نكباء معطار
وله أيضا:
النجاء النجاء من أرض نجد ... قبل أن يعلق الفؤاد بنجد
وله أيضا:
ما مر ذو شجن يكتّمه ... إلا أقول متيم مثلي
75/ أ/ وعهودهم بالرمل [3] قد نقضت ... وكذاك ما يبني على الرمل
من يطلع شرفا فيعلم لي ... هل روح الرعيان بالإبل
أم غرد الحادي بقافية ... منها غراب البين يستملي
وله أيضا:
أكلف القلب أن يهوى وأسأله ... صبرا وذلك جمع بين أضداد
__________
[1] في الأصل: «سفرا» .
[2] في ص، ت: «أفتش الركب» .
[3] في الأصل: «بالوصل» .
(16/150)
وأكتم الركب أوطاري وأسألهم ... حاجات نفسي
لقد أتعبت روادي
هل مدلج عنده من مبكر خبر ... وكيف يعلم حال الرائح الغادي
وإن رويت أحاديث الذين نأوا ... فعن نسيم الدجى والبرق إسنادي
وحفظ القرآن، وسمع الحديث من ابن بشران وغيره، وحدث، وركب يوما فتردى
هو والدابة في البئر فماتا، وذلك في صفر هذه السنة، ودفن بباب أبرز.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قَالَ: كان صربعر خازنا بالرصافة
ينبز [1] بالإلحاد.
3427- محمد بن نصر
بن الحسن، أبو سعد المعروف: بابن البصري.
سمع أبا القاسم بن بشران، وكان صالحا، وتوفي في يوم الجمعة ثامن عشر
صفر هذه السنة وصلى عليه القاضي أبو الحسين [2] ابن المهتدى، ودفن بباب
حرب.
3428- محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن [3] بن عبيد بن عمرو بن
خالد بن الرفيل، أبو جعفر ابن المسلمة القرشي
[4] .
أسلم الرفيل على يدي عمر بن الخطاب، / ولد في سنة خمس وسبعين 75/ ب
وثلاثمائة، وسمع أبا الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وهو آخر من
حدث عنه، وأبا محمد بن معروف، وهو آخر من حدث عنه، وأبا عمرو الآدمي،
وأبا الحسين بن أخي ميمي، وأبا طاهر المخلص، وأبا الفرج ابن المسلمة
أباه في آخرين، وكان صحيح السماع، واسع الرواية، نبيلا ثقة صالحا، حدث
بالكتب الكبار، وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا وكان ثقة، وقد حدث عنه
الكبار من العلماء، وخرّج له الخطيب
__________
[1] في ت: «ينبر» .
[2] في الأصل: «أبو الحسن بن المهتدي» .
[3] في الأصل، ت: «بن الحسين» .
[4] في نسخة ت بياض من أول: «عمرو بن خالد بن الرفيل......» حتى « ...
على يدي عمر بن الخطاب» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 323) .
(16/151)
مجالس، وتوفي ليلة السبت جمادي الأولى من
هذه السنة، وصلى عليه في جامع الرصافة، ودفن بالخيزرانية، وكان يوما
مشهودا [1] .
3429- محمد بن أحمد بن قفرجل، أبو البركات المجهر.
سمع أبا أحمد الفرضيّ، وأبا الحسين بن بشران، وحدث بشيء يسير، وكان
ثقة، وكان يملك نحوًا من عشرين ألف دينار فأوصى بالثلث صدقة، وأخرج قبل
موته ألف دينار، فتصدق بها، وتوفي يوم الجمعة ثالث جمادى الأولى، ودفن
في مقبرة باب الدير قريبا من قبر معروف.
3430- محمد بن عمر بن إبراهيم، أبو بكر [ابن] [2] الآدمي
[3] .
سمع أبا القاسم بن بشران، وكان ثقة، وتوفي ليلة الخميس ثالث عشرين ربيع
الآخر، ودفن بمقبرة الخيزران.
3431- محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي
باللَّه، أبو الحسين، ويعرف: بابن الغريق
[4] .
76/ أولد يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة من سنة سبعين/ وثلاثمائة، وسمع
أبا الحسن الدار الدارقطني، وأبا الفتح القواس في آخرين، وكان ثقة
صالحا كثير الصيام والتلاوة، رقيق القلب، بكاء عند الذكر، حسن الصوت
بالقرآن، وكان من اشتهر بالصلاح والتعبد حتى كان يقال له: زاهد بني
هاشم، وكان غزير العلم والعقل، رحل الناس إليه من البلاد لعلو إسناده،
وكان مكثرا، وثقل سمعه في آخر عمره فكان يقرأ هو على الناس، وذهبت إحدى
عينيه، وكان آخر من حدث في الدنيا عن الدار الدّارقطنيّ، وابن شاهين،
وأبي بكر بن
__________
[1] في ت: «يوما مشهورا» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] الآدمي: بمد الألف وفتحها وفتح الدال المهملة وفي آخرها الميم. هذه
النسبة إلى آدم، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وإن كانت هذه النسبة
لجميع ولد آدم عليه السلام. (الأنساب 1/ 97) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 108، وفيه: «ابن العريف» .
وشذرات الذهب 3/ 324.
والأعلام 6/ 276. والكامل 8/ 401) .
(16/152)
دوست، خطب وله ست عشرة سنة، وشهد في سنة
سبع وأربعمائة، وولي القضاء في سنة تسع وأربعمائة فبقي يخطب بجامعي
المنصور والمهدي ستا وسبعين سنة، وشهد ستين سنة، وتقضى ستا وخمسين سنة.
وتوفي وقت المغرب من يوم الأربعاء سلخ ذي القعدة من هذه السنة، ودفن
يوم الخميس غرة ذي الحجة خلف القبة الخضراء، وكان قد جاوز التسعين،
وحضره خلق عظيم، وكان يوما مشهودا. رئي في المنام فقال: غفر لي بطول
تهجدي.
قَالَ أبو بكر بن الخاضبة: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، ومناد
ينادي: أين ابن الخاضبة؟ فقيل لي: ادخل الجنة فدخلت، فاستلقيت فرفعت
رأسي فرأيت بغلة مسروجة ملجومة في يد غلام، فقلت: لمن هذه؟ فقيل:
للشريف أبي الحسين بن الغريق. فلما كانت صبيحة تلك الليلة نعي إلينا
الشريف أنه مات تلك الليلة.
3432- هناد بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن إسماعيل، أبو المظفر النسفي
[1] .
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وسمع أبا الحسين بن بشران، وأبا عمر
القاسم بن جعفر الهاشمي، / وأبا عبد الرحمن السلمي، وغيرهم من أهل
البلاد 76/ ب المختلفة. سمع منه شيوخنا وحدثونا عنه، وكانوا يتهمونه
لأن الغالب [2] على حديثه المناكير.
توفي هناد في ربيع الأول من هذه السنة ببعقوبا وكان قاضيها، ودفن هناك.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 324) .
[2] في الأصل: «لأن الغالب» .
(16/153)
ثم دخلت سنة ست
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في صفر جلس الخليفة جلوسا عاما وعلى رأسه الأمير عدة الدين وسنه
ثماني عشرة سنة وهو في غاية الحسن، وأوصل إليه سعد الدولة الكوهرائين
والجماعة، وسلم إليه العهد المنشأ للسلطان بعد أن قرأ الوزير فخر
الدولة أوله، واللواء بعد أن عقده الخليفة بيده. وكان الزحام عظيما حتى
هنأ الناس بعضهم بعضا بالسلامة.
وفي هذا الشهر: وردت التوقيعات لبعض التركمان بعدة نواح من إقطاع حواشي
الدار العزيزة، وذلك لتغير رأي نظام الملك في الخدمة الشريفة بما أوقعه
الأعداء من الضغائن بينه وبين فخر الدولة، وكان من فعل العميد أبي
الوفاء، فلوطف التركمانية من الديوان بمال رضوا به عما كانوا أقطعوه.
[وردت البشارة إلى الديوان بفتح بيت المقدس]
وفي هذا الشهر: وردت الكتب إلى الديوان تتضمن البشارة بفتح بيت المقدس
في شوال سنة خمس وستين، وإقامة الخطبة هناك، وكانوا قد حوصروا حتى بلغت
الكارة سبعين دينارا.
[زيادة دجلة زيادة مفرطة]
77/ أوفي جمادى الآخرة: ورد الحاجب السليماني من عكبرا فدخل/ الديوان،
فرسم له تدارك القورج الّذي هو فوق الدار المعزية [1] ، وكانت دجلة قد
زادت زيادة مفرطة، واتصل المطر بالموصل والجبال، ونودي بالعوام أن
يخرجوا معه لذلك، فخرج من الديوان، وأراد قصد الموضع فرأى الماء قد حجز
بينه وبين الطريق، فرجع إلى دار
__________
[1] في الأصل: «الدار العزيزة» .
(16/154)
المملكة، وخلا وجمع زواريق، وطرح فيها رحلة
ليعبر فهرب، فجاءت في الليل ريح شديدة جدا، وسيل عظيم، وطفح الماء من
البرية إلى الحريم، وطغى على أسوار المحال فهدمها، ونزل من فوقها وأسفل
منها، وصعد من تحت الأرض، وقلع الطوابيق، ونبع من الآبار والبلاليع
فرماها في ليلتها فصارت تلالا عالية، ثم صبح دار الخلافة ففعل بأكثرها
مثل ذلك، وكان قد دخلها من بيت النوبة ومن سور باب الغربة، ثم من باب
النوبي وباب العامة والجامع، فهرب الخدم والخواص متحيرين، والمطر يأتي
من فوق، وخرج الماء على الخليفة من تحت السرير الذي كان جالسا عليه،
فنهض إلى الباب فلم يجد طريقا، فحمله أحد الخدم على ظهره إلى التاج،
وخرج الجواري حاسرات، فعبرن إلى الجانب الغربي، وأقيم في الدار أربع
ركاء، وحطت إليها الأموال والحرم، ولبس الخليفة البردة، وأخذ بيده
القضيب ولم يطعم يومه وليلته.
وأما الوزير فخر الدولة فإنه دخل عليه الماء في داره بباب العامة، فركب
وخاض بالفرس/ إلى حضرة الخليفة، فاستأذن فيما يفعل فقيل له: اطلب لنفسك
مخلصا قبل 77/ ب أن لا تجده، فمضى إلى الطيار على باب الغربة، فأقام
فيه، وجاءه الملاح بثلاثة أرغفة يابسة وخل، فأكل واستلقى على البارية.
وهلك من أموال الناس تحت الهدم الكثير، وتلف من سكان درب القباب الجم
الغفير، وهرب الناس إلى باب الطاق، ودار المملكة، وتلال الصحراء
العالية، والجانب الغربي على تخبيط شديد، وتضنك قبيح، وجاء الماء من
البرية كالجبال يهلك ما مر به من إنس ووحش، وجاء على رأس الماء في
الأبواب والأخشاب والآلات والحباب شيء كثير، وشوهد على تل في وسط الماء
سبع ويحمور واقفين، وهلك من الوحوش ما لا يحصى، وصعد بعضها الردافي
فصعد السوادية سباحة فأخذوها.
وجاء الخبر من الموصل أن الماء ورد في البرية كالجبال، فلطم سور سنجار
وكان حجرا فهدم قطعة منه، ودحا بأحد بابيه أربعة فراسخ، ووقعت آدر [1]
بباب المراتب منها دار ابن جردة، وكانت تشتمل على ثلاثين دارا، وعلى
بستان، وحمام يساوي عشرات
__________
[1] آدر: جمع «دار» [انظر لسان العرب صفحة 1452 (دور) ] .
(16/155)
ألوف [1] ، ووقع مشهد باب أبرز ومنارته،
وغرقت المقابر، وصعدت التوابيت على الماء، وخرق مشهد النذور، ومقبرة
الخيزران، وقبر السبتي، وتهدم الحريم من باب 78/ أالنوبي إلى أكثر
المأمونية، وباب الأزج، وخرابة ظفر، ودرب الشاكرية/، ودرب المطبخ، ودرب
حلاوة، والمسعودة، والشمعية، وخرج الناس من هذه المواضع لا يلتفت أحد
على أحد، ووقع في درب القيار عدل [2] قطن وسط الدرب، وعبر الناس عليه،
فداس بعضهم بعضا [3] ، فوقع عليه جماعة موتى، وكان رجل على كتفه ولدان
صغيران فما زال يخوض بهما حتى أعيا فرمى بهما ونجا بنفسه، وهلك من
الناس والبهائم عدد كثير، ثم عنّ لأقوام من المفسدين أن يزحفوا على
الخليفة ليتسلطوا بذلك على النهب، ونودي في الملاحين أن لا يأخذوا من
الناس إلا ما جرت به العادة في العبور، وأقيمت الجمعة في الطيار
أسبوعين، وفي الحلبة ثلاث جمع بعد ذلك، فهيئ للخطيب في الحلبة ثلاث
قواصر، فصعد عليها، وكان الماء واقفا في الجامع أكثر من قامة، ووقع
معظمه، ومالت حيطانه.
وأما الجانب الغربي فإنه وقع فيه مشهد الكف، وغرقت مقابر قريش، ومقبرة
أحمد بن حنبل، ودخل الماء من شبابيك المارستان العضدي، فوقف فيه، وصمد
نقيب النقباء الكامل بمواضع [4] في أعلى البلد فسدها [والطاهر نقيب
العلويين بمواضع في جانب الكرخ فسدها] [5] ولما نقص الماء تحول فخر
الدولة من الطيار إلى صحن السلام، فضرب فيه خيما وخركاهات، وكانت داره
بباب العامة قد غرقت، وعمل الخدم أكواخا، وبلغت أجرة الروزجاري خمسة
قراريط [6] إلى ثلاثة قراريط، وجلس حاجب الباب أبو عبد الله المردوسي
في كوخ على عمل له عند باب النوبي، ثم أردف
__________
[1] في الأصل: «عشرة آلاف» .
[2] في الأصل: «في درب العيار عدل» .
[3] «بعضهم بعضا» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «لمواضع في أعلى» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ص: «خمسة قاط» والمعنى واحد.
(16/156)
هذا الطرق/ تغير الهواء بريح الغلات ونتن
الأشياء الغريقة، وتولى نقيب النقباء القورج. 78/ ب ومن العجائب: أن
أسافل دجلة وواسط كانت تغرق من دون هذه الزيادة، فما تجاوز هذا الأمر
بغداد، وكان الناس يظنون أن السمك يكثر بهذا الماء، فصار كالمعدوم،
وزرع الناس البطيخ والقثاء فداد [1] حتى كان الناس إذا مروا بالقراح
أمسكوا على الأنف.
وزاد في هذا الوقت جيحون حتى ذهب ماؤه أربع فراسخ، وتعذر الصناع حتى
كان النساء يضربن اللبن.
ودخل في هذه الأيام مؤيد الملك أبو بكر بن نظام الملك لأجل تزوجه بابنة
أبي القاسم بن رضوان البيع، ونزل في دار حموه بباب المراتب، فلم يكن
للناس طريق إلى تلقيه، فأخذ في نفسه من ذلك، فبعث الخليفة إليه من طيب
قلبه، وأقام العذر، وحمل له خلعا، وأذن له في الركوب بباب المراتب عن
سؤال تكرر منه، فلبس الخلع ومضى إلى بيت النوبة، وتلقاه الوزير تلقيا
لم تجر به عادة تطييبا لقلبه، وانصرف إلى دار بناها والده مع المدرسة،
فمضى الوزير إليه من غد في موكب.
وفي شعبان: وقعت الفتنة بين القلائين والكرخ، وجعلوا يشتمون الشحنة ومن
قلده، فعبر إليهم، وقتل منهم وأحرق أماكن.
وفي ليلة الأربعاء سادس عشر ذي الحجة: ظهر في السماء برق كثير في جميع
الأوقات، واسودت السماء بالغيم، وهبت بالليل ريح رمت عدة من الستر، /
وجاء معها تراب كثير ورمل، وسقط من أعمال البصرة نحو من خمسة آلاف
نخلة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3433- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن [2] السمناني القاضي، حمو قاضي
القضاة أبي عبد الله الدامغانيّ
[3] .
__________
[1] في ص: «فدان» .
[2] في ت: «أبو الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 109. والكامل 8/ 404) .
(16/157)
ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
بسمنان، وقدم بغداد، وسمع بها من أبي أحمد الفرضيّ، وأبي عمر بن مهدي
وغيرهما. روى عنه أشياخنا وكان ثقة، صاهره أبو عبد الله الدامغانيّ على
ابنته، وولّاه نيابة القضاء، فقلد قطعة من السواد، وقضاء باب الطاق،
وكان نبيلا من ذوي الهيئات، وكان أشعريا، وهذا مما يستظرف أن يكون
الحنفي أشعريا. وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى، ودفن بداره
بنهر القلائين، وجلس قاضي القضاة للعزاء به، ثم نقل إلى الخيزرانية.
3434- إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد، أبو علي [العلوي] [1] من أولاد
زيد بن علي.
سمع الحديث، وقرأ اللغة والأدب، وسافر إلى الأقطار [2] ، ونفق على أهل
مصر، وحصل له من المستنصر خمسة آلاف مصرية، ومرض مدة بدمشق فبكى وقال:
أشتهى أموت بالكوفة حتى إذا نشرت يوم القيامة أخرجت رأسي من التراب
فرأيت ابن عمي ووجوها أعرفها. فعوفي وعاد إلى الكوفة، فمات بها في هذه
السنة.
وله شعر حسن فمنه قوله:
[راخ لها زمامها والأنسعا ... ورم بها من العلى شسعا
وارحل بها مغتربا عن العدى ... توطئك عن أرض العدي متسعا] [3]
79/ ب/ يا رائد الظعن بأكناف الحمى ... بلغ سلامي إن وصلت لعلعا
وحي خدرا بأثيلات الحمى ... عهدت فيها قمرا مبرقعا
ماذا عليها لو رثت لساهر ... لولا انتظار طيفها ما هجعا
3435- عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سلمان الكتاني، أبو محمد
الحافظ الدمشقيّ
[4] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[2] في ت: «الأمطار» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 109. وشذرات الذهب 3/ 325.
والعبر في خبر من غبر 3/ 261. والأعلام 4/ 13. والكامل 8/ 405) .
(16/158)
سمع أبا القاسم الحمامي، والخرقي، وابن
بشران، وأبا الحسن بن البادا [1] ، وابن مخلد، وابن الروزبهان،
والرازي، وأبا علي بن شاذان، وسمع بدمشق وغيرها من جماعة، روى عنه أبو
بكر الخطيب، وكان من المكثرين في الحديث كتابة وسماعا، ومن المعنيين به
من صدق وأمانة، وصحة استقامة، وسلامة مذهب، ودرس القرآن.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
3436- علي بن الحسين بن عبد الرحيم، أبو الحسن
[2] .
مات بالنيل فجاءة بشرقة، وقد عبر السبعين [3] .
3437- محمد بن إبراهيم، بن علي بن إبراهيم بن جعفر، أبو بكر القطان
الأَصْبَهَانِيّ الحافظ
[4] .
مستملي أبي نعيم. سمع الكثير بالبلاد، وورد بغداد أيام أبي علي بن
شاذان، وكتب عنه، وعلق عنه أبو بكر الخطيب حديثا واحدا، وهو عظيم الشأن
عند أهل بلده، ثقة، وكان يملى من حفظه، وتوفي بأصبهان في هَذِهِ السنة.
3438- محمد بْن عبيد الله بْن أحمد بن محمد بن أبي الرعد [5] الحنفي
أبو نصر [6] قاضي عكبرا
[7] .
سمع أبا أحمد الفرضيّ، وأبا عمر بن مهدي. توفي يوم الجمعة ثالث ربيع
الآخر من هذه السنة.
3439-/ الماورديّة
[8] . 80/ أذكرها هلال بن المحسن في تاريخه قَالَ: كانت الماوردية
عجوزا صالحة بالبصرة.
__________
[1] في ص: «وأبا الحسن بن بادا» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 4: 4) .
[3] في ص، ت: «وقد عبر التسعين» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 325) .
[5] في ت: «بن أبي زرعة» .
[6] «أبو نصر» سقطت من ت، ص.
[7] في ت: «عكبر» .
[8] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 109) .
(16/159)
قاربت ثمانين سنة [1] ، بقيت منها خمسين
سنة لا تفطر، ولا تنام بالليل، ولا تأكل خبزا ولا رطبا ولا تمرا، وإنما
يطحن [لها] [2] قلى [3] فتخبز منه خبزا فتقتات به [4] ، وتأكل التين
اليابس دون الرطب، وتنال من الزبيب والعنب واللحم شيئا يسيرا، وكانت
تكتب وتقرأ وتعظ الناس، وكانت كثيرة الخير، توفيت بالبصرة في هذه
السنة، وتبع جنازتها أكثر الناس، ودفنت خارج البلد عند قبور الصالحين.
__________
[1] في الأصل: «قاربت ثلاثين سنة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص، ت: «باقلى» .
[4] في ص: «فتقتاته» .
(16/160)
ثم دخلت سنة سبع
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في صفر مرض القائم بأمر الله مرضا شديدا، وانتفخ حلقه، وامتنع من
الفصد، فقصد الوزير فخر الدولة باب الحجرة ليلا وحلف بالأيمان المغلظة
أنه لا يبرح حتى يقع الفصد، فأذن في إحضار الطبيب، وافتصد فصلح بذلك،
وانزعج الناس في البلد والحريم ونقلوا أموالهم إلى الجانب الغربي، فلما
وقعت العافية سكن الناس.
وفي هذا الشهر: جاء سيل متتابع قاسى الناس منه بلاءً [1] صعبا، قرب
أمره من يوم الغرق، فإن أكثر الأبنية لم تكن تمت، وإنما رفع الناس من
البنيان ما قعدوا فيه فاحتاجوا/ إلى أن خرج أكثرهم وثيابهم على رءوسهم،
فقعدوا على التلول يقاسون 80/ ب المطر، وزاد تامرا من ذلك بضعة عشر
ذراعا، ووقع وباء بالرحبة، فهلك فيه عشرة آلاف إنسان، وكذلك في أوانا،
وصريفين، وعكبرا، وطريق خراسان، وواسط، والبصرة، وخوزستان.
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين من رجب: فصد الخليفة من ماشرى لحقته،
وكان من وقت الغرق يعتاده المرض، فنام بعد الفصد فأنفج فصاده [2]
وانتبه، وقد مضت القوة ووقع اليأس منه وكثر الإرجاف به، وماج الناس
واختلطوا، ونقلوا أموالهم من الحريم إلى دواخل الدار وإلى الجانب
الغربي، وخيف [3] من العيارين، وكانوا
__________
[1] في ص: «أمرا» .
[2] في الأصل: «الفصاد» .
[3] من هنا في نسخة ص خرم سنشير إلى نهايته بعد قليل.
(16/161)
يقامرون [1] ويقترضون على موت الخليفة
لينهبوا، فلما أحس الخليفة بانقراض المدة استدعى عدة الدين وقال له: يا
بني، قد استخدمت في أيامي ابن أيوب، وابن المسلمة، وابن دارسة، وابن
جهير، فما رأيت أصلح للدولة من ابن جهير وولده، فلا تعدل عنهما. فقبل
يده وبكى بين يديه، وأحضرت الدواة وكتب القائم بأمر الله رقعة بذاك
إليه، وقال: اكتب خطك في جوابها، وبالإجابة وبالتعويل على عميد الملك
في وزارتك تعويل معرض غير معترض عليك. فكتب فاحضر قاضي القضاة
والنقيبان والشهود في يوم الأحد تاسع شعبان، فأقاموا في الديوان إلى
الليل، ثم استدعوا مع الوزير إلى الحجرة، وكان الخليفة وراء الشباك
مستندا وعدة الدين قائم على رأسه، 81/ أوالقوم يسمعون كلامه ولا يرون
شخصه فقال: / اشهدوا على ما تضمنته هذه الرقعة [2] التي كتبت فيها
سطرين بخطى. فقالوا: السمع والطاعة. وأسبلت الستارة.
وكان مضمون الرقعة ولاية العهد لعدة الدين، ورد الأمر إليه والوصاة له
[3] بما يجب الرضا به.
ونسختها: بسم الله الرحمن الرحيم، إن أمير المؤمنين يحكم [4] ما وكله
الله إليه من أمور عباده [وبلاده] [5] وأوجبه عليه من صلة طريقة في
إحسان الإيالة [6] بقلاده رأى [7] أن ينتهي في مراعاة أحوال المسلمين،
والنظر في مصالحهم، وإسباغ ظل العاطفة [8] على أكابرهم وأصاغرهم إلى
الحد الذي تحلى [9] مشارتهم من ملابس [الكبد وتعرى مشارتهم من ملابس]
[10] الحذر، فلذلك اقتضت [11] عزائمه الميمونة
__________
[1] في الأصل: «وكانوا يتعامرون» .
[2] في ص: «اشهدوا بما تضمنته هذه الرقعة» .
[3] «والوصاة له» سقطت من ص، ت.
[4] في الأصل: «إن أمير المؤمنين يسلم» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «الإنالة» .
[7] «رأى» سقطت من ص، ت.
[8] في الأصل: «حال العاطفة» .
[9] في الأصل: «إلى الحد الّذي على» .
[10] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[11] في ص: «تنصب» .
(16/162)
إحضار وزير دولته الناظر في خدمته محمد بن
محمد بن جهير وولده، ونقيب النقباء طراد بن محمد، وقاضى القضاة محمد بن
علي، والمعمر بن محمد نقيب الطالبيين، ومحمد بن محمد البيضاوي [1] ،
وعبد الله [2] بن عبد السيد السيبي، وعبد الله بن محمد الدامغاني في
ليلة الأحد التاسع من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة، فحين مثلوا بين
سدته الشريفة أنعم متبرعا في إيصاله من رأيه، ونفاذ عزائمه بمشافهة
سلالته الطاهرة أبي القاسم عبيد الله بن محمد أمير المؤمنين بتوليته
العهد، وتصييره خليفة بعده في المسلمين، ووصاه بما يطابق الشرع في مثل
[3] / هذه الحال، ويحل من رضى 81/ ب الله أجل المحال، حيث وجده أهلا
لذلك وراءه، واستوثق كل مسعى له في الرشاد وارتضاه، وألفاه ناهضا
بأعباء ما ولاه، ناهجا للسنن الذي أوجبه جميل خلاله، وأوصاه مجتمعة فيه
شرائط ما فوضه إليه واستكفاه، والله يمد أمير المؤمنين بالتوفيق في
إيجابه وعزائمه، ويقرن التشديد بمفاتح عزمه [4] وخواتمه، ويحسن الخبرة
له ولولي عهده ولكافة المسلمين فيما أذن فيه، وقصد به أحكام [دعائم]
[5] الصلاح ومبانيه بمنه.
والسطران الملحقان: لا يغير للخدم حال، ولا يزعجوا في ملك ولا إقطاع.
واستدعى عدة الدين من الغد عميد الدولة أبا منصور، وتقدم بإفاضة الخلع
عليه، وماج الناس بالإرجاف على الخليفة بالوفاة، ورتب الوزير فخر
الدولة الأتراك والهاشميين بالسلاح يطوفون، وتقدم إلى الشحنة أن يضرب
خيما عند دار المملكة، فقامت الهيبة، واتفقت الوفاة ليلة الخميس الثالث
عشر من شعبان، وجلس الوزير فخر الدولة وولده عميد الدولة في الديوان
العزيز على الأرض حافيين، قد خرقا ثوبيهما، ونحيا عمامتيهما، وطرحا
رداءين لطيفين [6] عوضهما، وفعل الناس مثل ذلك، ومنع عدة الدين الجواري
والخدم من الصراخ.
__________
[1] إلى هنا انتهى الخرم الّذي في ص.
[2] في الأصل: «وهبة الله» .
[3] «مثل» سقطت من ص، ت.
[4] في ص: «بمفاتح أمره وخواتمه» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «خليفين» .
(16/163)
باب ذكر خلافة المقتدى بأمر الله
واسمه: عبد الله بن ذخيرة الدين أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله،
ويكنى:
82/ أأبا القاسم. ومولده في سحرة يوم الأربعاء ثامن/ جمادى الأولى سنة
ثمان وأربعين وأربعمائة، وأمه أم ولد أرمنية، تسمى: أرجوان، وتدعى قرة
العين، أدركت خلافته وخلافة ابنه وابن ابنه، وكان الذخيرة قد بقى من
أولاد القائم ولم يبق له ذكر سواه، فاستشعر الناس انتقاض الدولة
وانقضام الأمر لعدم ولد للبيت القادري، وأن من [سواهم من] [1] الأسرة
مخالط للعوام في البلد، وجارى مجاري السوقة، وذلك تنفر قلوب العوام عن
المتولي، فحفظ الله هذا البيت بأن كان الذخيرة قد ألم بجاريته أرجوان
فتشوقت النفوس إلى ما يكون من ذلك، فجاءت بالمقتدي بعد موت الذخيرة
بخمسة أشهر وكسر، فوقعت البشائر ولم يزل جده ضنينا به، حذرا عليه، فلما
كانت نوبة البساسيري كان للمقتدي دون الأربع سنين، فستره أهله وحملوه
إلى أبي الغنائم محمد بن علي بن المحلبان، فسار به إلى حران على ما قد
سبق ذكره، فلما عاد القائم إلى منزله أعيد المقتدى، فبلغ والقائم حي،
فأشهد القائم على نفسه بولاية العهد، فظهرت ألطاف الله سبحانه في أمر
المقتدى من حيث ولادته وأنها كانت سببا لحفظ هذا البيت من جهة حراسته
في الفتنة [2] ومن جهة بلوغه مرتبة الخلافة في حياة جده، ومن جهة سلب
ملك شاه حين تغيرت نيته عليه، وأراد منه أن يخرج من بغداد فقال: أمهلني
عشرة أيام، فهلك السلطان في اليوم العاشر.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «من جهة حراسة الفتنة» .
(16/164)
ذكر بيعة المقتدي
بأمر الله
[1] / قد ذكرنا أنه لما احتضر القائم كتب ولاية العهد للمقتدي، فلما
توفي استخلف 82/ ب المقتدى يوم الجمعة ثالث عشر شعبان هذه السنة، ولقب:
بالمقتدي بأمر الله، وجلس في دار الشجرة بقميص أبيض، وعمامة لطيفة
بيضاء، وطرحة قصب درية، ودخل الوزير فخر الدولة وعميد الدولة، واستدعى
مؤيد الملك بن النظام، والنقيبان طراد العلوي، وقاضي القضاة الدامغاني،
ودبيس، وأبو طالب الزينبي، وابن رضوان، وابن جردة، ووجوه الأشراف
والشهود والمتقدمون وبايعوه، وكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر، وذاك
أنه لما غسل القائم بايعه حينئذ قبل الناس، وقال الشريف أبو جعفر: لما
أن بايعته أنشدته:
إذا سيد منا مضى قام سيد
ثم ارتجز على تمامة فقال هو:
قؤول بما قَالَ الرجال فعول
وبايعه مع الجماعة أبو إسحاق، وأبو نصر بن الصباغ، وأبو محمد التميمي،
وبرز فصلى بالناس العصر، وبعد ساعة حمل التابوت على الطيار يبكون من
غير صراخ، وصلى عليه فكبر أربعا، ودفن في حجرته التي كانت برسم خلوته،
وكان المقتدى من رجال بني العباس، له همة عالية وشجاعة وهيبة، وفي
زمانه قامت حشمة الدولة، ولما استفحل أمر تتش بعد وفاة أخيه ملك شاه،
واشتدت شوكته، وكثرت عساكره، واستولى على ديار بكر وبلاد العرب كاتب
المقتدى يسأله أن يقيم له الخطبة، وخلط السؤال بنوع تهديد، فأمر
المقتدى أن يكتب له كتاب فيه خشونة، وكانت فيه: صلح/ أن يكون 83/
أخطابك في الخطبة إذا حصلت الدنيا بحكمك وخزائن الأموال بأصفهان،
وولايتها تحت يدك، والبلاد بأسرها في قبضتك، ولم يبق من أولاد أخيك من
يخالفك، ثم تسأل حينئذ تشريفك بالخطبة وتأهيلك للخدمة، فأما في هذه
الحال فلا سبيل إلى ما التمسته [2] ، ولا طريق إلى ما تحاوله، فلا تعد
حد العبيد فيما تنهيه وتسطره، والاتباع
__________
[1] في ص، والأصل: «ذكر بيعته» .
[2] في الأصل: «إلى ما تلتمسه» .
(16/165)
فيما تورده وتصدره، وليكن خطابك ضراعة لا
تحكما، وسؤال تخير، فإن أطعت فنفسك نفعت، وإن خالفت وقصدتنا [رددناك و]
[1] منعنا [2] طلبتك، واعتمدنا معك ما يقتضيه حكم الإمام والسلطان،
وأتاك من الله تعالى ما لا قبل لك به، ولا يدان [3] .
وخطب للمقتدي في اليمن، والشامات، وبيت المقدس، والحرمين، واسترجع
المسلمون الرها وأنطاكية، وعمر الجانب الشرقي من بغداد، فعمرت البصلية،
والقطيعة، والحلبة، والأجمة، ودرب القيار، وخرابة ابن جردة، وخرابة
الهراس، والخاتونيتين، والمقتدية، وبني الدار الشاطئية على دجلة،
والأبنية العجيبة في داخل الدار، وكانت أيام المقتدى كثيرة الخير، ووزر
له أبو منصور محمد بن جهير، ثم أبو شجاع، ثم عاد أبو منصور، وكان قضاته
أبو عبد الله الدامغاني، ثم أبو بكر الشامي، وحاجبه أبو عبد الله
المردوسي، ثم بعده أبو منصور المعوج.
83/ ب وفي شعبان: تقدم فخر الدولة إلى المحتسب في الحريم بنفي
المفسدات، / وبيع دورهن فشهر جماعة منهن على الحمير [مناديات على
أنفسهن] [4] وأبعدهن إلى الجانب الغربي، ومنع الناس من دخول الحمامات
بلا مآزر [5] وقلع الهوادي والأبراج، ومنع اللعب بالطيور لأجل الإطلاع
على سطوح الناس، ومنع الحماميين من إجراء ماء الحمامات إلى دجلة،
وألزمهم أن يحفروا [6] لها آبارًا تجتمع المياه فيها، وصار من يغسل
السمك والمالح يعبر إلى النجمي فيغسل هناك، ومنع الملاحين أن يحملوا
الرجال والنساء مجتمعين.
وفي يوم الخميس السابع والعشرين من رمضان: خرج عميد الدولة أبو منصور
وسار [7] إلى حضرة السلطان لأخذ البيعة للمقتدي، وحمل معه ثماني مائة
ثوب أنواعا وخمسة عشر ألف دينار.
ووقعت نار في شوال في دكان خباز في نهر المعلى، فأتت على السوق جميعه،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «منعناك» .
[3] في الأصل: «ولا بد» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص: «بغير ميآزر» .
[6] في ص: «أن حفروا لها» .
[7] في ص: «وصار إلى حضرة» .
(16/166)
وأذهبت اثنان وثمانون دكانا غير الدور، ثم
وقعت نار في المأمونية، ثم في الظفرية، ثم في درب المطبخ، ثم في دار
الخليفة، ثم في حمام السمرقندي، ثم في باب الأزج، ثم في درب فراشة، ثم
في الجانب الغربي من نهر طابق، ونهر القلائين والقطيعة، ونهر البوابين،
وباب البصرة.
وورد الكتاب أنه وقع الحريق بواسط في تسعة مواضع، واحترقت أربع وثمانون
دارا وست خانات سوى الحوانيت اللطاف، وآدر ليس عندها نار فذهب الفكر.
وفي عيد الأضحى: قطعت الخطبة العباسية والسلطانية من مكة، وأعيدت/ 84/
أالخطبة المصرية، وكان مدة الخطبة العباسية بها أربع سنين وخمسة أشهر،
وسبب ذلك أن صاحب مصر قوى أمره، فتراجع الناس إلى مصر، ورخصت الأسعار
واتفقت وفاة السلطان ووفاة الخليفة وخوف أمير مكة واجتمع إليه أصحابه
فقالوا: إنما سلمنا هذا الأمر لبني العباس [1] لما عدمنا المعونة من
مصر، ولما رجعت إلينا المعونة فإنا لا نبتغي بابن عمنا بدلا، فأجابهم
الأمير على كره، وفرق المال الذي بعث، وردت الأسماء المصرية التي كانت
قلعت من قبة المقام.
وفي هذه السنة: جلت السوادية من أسافل دجلة، وهلك أكثرهم بالوباء
وجفلوا من نهر الملك بنسائهم وأولادهم وعواملهم، فمنهم من التجأ إلى
واسط، ومنهم من عبر النهروانات، ومنهم من قصد طريق خراسان لنقصان
الفرات نقيصة قل أن يتحدث بمثلها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3440-[الحسن] [2] بن عبد الودود بن عبد المتكبر بن المهتدي، أبو علي
الهاشمي
[3] .
__________
[1] في الأصل: «لبني العباس» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «أبو علي الشامي» .
(16/167)
سمع أبا القاسم الصيدلاني، وغيره، ولد سنة
ثمانين وثلاثمائة وكان صدوقا مقبول الشهادة عند الحكام [1] وتوفي في
ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في داره بسكة الخرقي، ثم أخرج بعد ذلك
فدفن في مقبرة جامع المدينة.
3441- عبد الله القائم بأمر الله
[2] .
84/ ب أمير المؤمنين، توفي ليلة الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شعبان/
من هذه السنة، وكانت ليلة ذات ريح ومطر، وكان الزمان ربيعا، وصلى عليه
في صبيحتها وغسله الشريف أبو جعفر بن موسى، وأعطى ما كان عنده فامتنع
فلم يأخذ شيئا.
أنبأنا على بن عبيد الله، عن أبي محمد التميمي قَالَ: ما حسدت أحدا قط
إلا الشريف أبا جعفر في ذلك اليوم، وقد نلت مرتبة التدريس والتذكير
والسفارة بين الملوك، ورواية الأحاديث، والمنزلة اللطيفة عند الخاص
والعام، فلما كان ذلك اليوم خرج علينا الشريف وقد غسل القائم عن وصية
بذلك، ثم لم يقبل شيئا من الدنيا، وبايع ثم انسل طالبا لمسجده ونحن كل
منا جالس على الأرض، متحف مغير لزيه، مخرق ثوبه، يهمه ما يحدث بعد موت
هذا الرجل على قدر ماله تعلق بهم، فعرفت أن الرجل هو ذاك، وغلقت
الأسواق لموت القائم، وعلقت المسوح، وفرشت البواري مقلوبة، وتردد عبد
الكريم النائح في الطرقات ينوح، ولطم نساء الهاشميين ليلا، وجلس الوزير
وابنه عميد الدولة للعزاء ثلاثة أيام في صحن السلام، ثم خرج توقيع
يتضمن التعزية والإذن في النهوض، وكان عمر القائم أربعا وسبعين سنة
وثمانية أشهر وثمانية أيام، وكانت خلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية
أشهر، وخمسة وعشرين يوما.
3442- عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود، أبو الحسن بن أبي
طلحة الداودي
[3] .
__________
[1] «وكان صدوقا مقبول الشهادة عند الحكام» سقطت من ص.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 110، 112. وشذرات الذهب 3/
326. والكامل 8/ 406، 407 (حوادث سنة 422، 467) . وتاريخ الخميس 2/
357. وفوات الوفيات 1/ 203. والأعلام 4/ 66) .
[3] في ت: «الدوادي» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 112. وشذرات الذهب 3/ 327.
(16/168)
ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وسمع أبا
الحسن بن الصلت، وأبا عمر بن مهدي في خلق كثير، وقرأ الفقه على أبي بكر
القفال/ وأبي حامد الأسفراييني 85/ أوغيرهما، وصحب أبا عمر الدقاق،
وأبا عبد الرحمن السلمي، ودرس، وأفتى، ووعظ، وصنف وكان له حظ من النظم
والنثر، وكان لا يفتر عن ذكر الله تعالى، واتفق أنه وقعت نهوب فترك أكل
اللحم سنين، ودخل عليه نظام الملك فقعد بين يديه فقال له: إن الله قد
سلطك على عباده فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن
عطاء الإبراهيمي قَالَ: أنشدنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر
الداودي لنفسه:
كان في الاجتماع للناس نور ... فمضى النور وادلهم الظلام
فسد الناس والزمان جميعا ... فعلى الناس والزمان السلام
توفي الداودي في هذه السنة ببوشنج، وحدثنا عنه أبو الوقت عبد الأول بن
عيسى السجزيّ.
3443- عبد السلام بن أحمد بن محمد بن عمر، أبو الغنائم الأنصاري نقيب
الأنصار
[1] .
ولد سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وسمع هلالا الحفار، أبا الحسين بن
بشران، وأبا الفتح ابن أبي الفوارس، وأبا الحسن بن رزقويه وغيرهم. روى
عنه أشياخنا، وكان ثقة صدوقا متدينا، من أمثال الشيوخ وأعيانهم.
وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة جامع المدينة.
3444- علي بن عبد الملك، أبو الحسن [2] الشهوري المعدل القارئ.
كان لذيذ التلاوة، قد قرأ بالقراءات الكثيرة.
__________
[1] الأنصاري: هذه النسبة إلى الأنصار، وهم جماعة من أهل المدينة من
الصحابة من أولاد الأوس والخزرج، قيل لهم الأنصار لنصرتهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم (الأنساب 1/ 367) .
[2] في ت: «أبو الحسين» .
(16/169)
85/ ب/ توفي في ليلة السبت ثاني عشرين
شعبان، وصلى عليه بجامعي القصر والمنصور، وتبعه الخلق العظيم، ودفن
بمقبرة باب حرب.
3445- محمد بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر، أبو بكر الخياط المقرئ
[1] .
ولد سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وقرأ القرآن على أبي أحمد الفرضيّ [2] ،
و [أبي] [3] بكر بن شاذان، وابن السوسنجردي، وأبي الحسن الحمامي، وتوحد
في عصره في القراءات، وسمع الحديث الكثير، وحدث بالكثير، وكان ثقة
صالحا، حدثنا عنه أشياخنا.
توفي ليلة الخميس ثالث جمادى الأولى، ودفن في مقبرة جامع المدينة.
3446- منصور بن أحمد بن دارست أبو الفتح [4] .
وزر للقائم، وتوفي بالأهواز في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 329) .
[2] في الأصل: «أبي محمد الفرضيّ» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 411 (أحداث سنة 468 هـ) .
(16/170)
ثم دخلت سنة ثمان
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه جاء جراد في شعبان كعدد الرمل والحصى، فأكل الغلات، فكدى أكثر
الناس وجاعوا، وطحن السوادية الخرنوب مخلوطا بدقيق الدخن، ووقع الوباء،
ثم منع الله سبحانه الجراد من الفساد، وكان يمر بالقراح فلا يقع منه
عليه واحدة، ورخصت لذلك الأسعار.
[خلع الخليفة على الوزير أبي منصور]
وفي شوال: خلع الخليفة على الوزير أبي
منصور، وولد الوزير فخر الدولة أبي نصر بعد أن استدعا هما إلى
حضرته وخاطبهما بما طيب نفوسهما، ورد الأمور إلى عميد الدولة.
[وصول خبر الغلاء بدمشق]
وفي ذي الحجة: وصل الخبر بالغلاء في دمشق بأن الكارة بلغت نيفا وثمانين
دينارا، وبقيت على هذا/ ثلاث سنين.
86/ أوكان غلام يعرف بابن الرواس من أهل الكرخ يحب امرأة فماتت، فحزن
عليها فبقي لا يطعم الطعام، وانتهى به الأمر إلى أن خنق نفسه.
[أعيدت الخطبة العباسية والسلطانية]
وفي هذا الشهر: أعيدت الخطبة العباسية
والسلطانية [1] بمكة، وكان السبب أن سلار الحاج قرر مع ابن أبي
هاشم أن يزوجه [2] أخت السلطان جلال الدولة ملك شاه،
__________
[1] «والسلطانية» سقطت من ص، ت.
[2] في ص: «قرر مع أبي العباس أن يزوجه» .
(16/171)
فتعلق طمعه بذلك، فبعث رجلين إلى مصر
ينظران، فإن كان أمر صاحب مصر صالحا يرجى دام على خطبته، فرجعا إليه
فقالا: ما بقي ثم شيء يرجى، وقد فسدت الأحوال، ونفذ المال، ونفذ صاحب
مصر ألف دينار. فورد كتاب سلار الحاج [1] يخبره بأنه قد قرر أمر
الوصلة، وأنه قد أعطى للسنين الماضية والآتية [2] عشرين ألف دينار عزل
منها عشرة آلاف للمهر، فرأى ابن أبي هاشم أن دنانير المهر قد أخذت،
والوصلة قد تمت فسر بذلك وخطب. للعباس والسلطان [3] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3447- إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن كمادي [4] ، أبو علي الواسطي.
حدث عن جماعة، وتوفي بواسط في جمادى الأولى من هذه السنة.
3448- أحمد بن علي بن أحمد، أبو سعد السّدوسي
[5] .
حدّث عن أبي أحمد القرضي، وكان ثقة، وتوفي في ليلة عيد الفطر.
3449- أحمد بن إبراهيم بن عمر البرمكي، أخو أبي إسحاق
[6] .
حدث بشيء يسير، وكان ثقة صالحا، وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني ذي القعدة،
ودفن بباب حرب.
__________
[1] في ص، ت: «فورد كتاب سلار يخبره» .
[2] «والآتية» سقطت من ص.
[3] «للعباس والسلطان» سقطت من ص، ت.
[4] في ت: «كادي»
[5] في الأصل: «السوسي» .
وهذه الترجمة سقطت من ت.
السّدوسي: هذه النسبة إلى سدوس- بضم السين الأولى. قال ابن حبيب: كل
سدوس في العرب فهو مفتوح إلا سدوس بن أجمع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نصر
بن سعد بن نبهان (الأنساب 7/ 61) .
[6] البرمكي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وسكون الراء وفتح الميم وفي
آخرها كاف. هذه النسبة إلى اسم وموضع، أما المنتسب إلى الاسم فجماعة من
أولاد أبي علي يحيى بن خالد، وأما الموضع فقرية يقال لها البرمكية
(الأنساب 2/ 168) .
(16/172)
3450-/ الحسن بن القاسم [1] ، أبو علي
المقرئ، المعروف: بغلام الهرّاس 86/ ب الواسطي
[2] .
توفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى بواسط.
قَالَ المصنف: ورأيت بخط أبي الفضل بن خيرون قَالَ: [3] قيل عنه أنه
خلط في شيء من القراءات، وادعى إسنادا لا حقيقة له، وروى عجائب.
3451- عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن برزة [أبو الفتح]
[4] الأردستاني الجوهري الواعظ
[5] .
ولد سنة ثمان وسبعين، وسافر الكثير، وسمع بالبلاد وكان تاجرا.
وتوفي بأصبهان في هذه السنة.
3452- علي بن الحسين بن جداء العكبري
[6] .
سمع أبا علي بن شاذان، والبرقاني، وكان ثقة، وحدث، وتوفي في هذه السنة.
3453- محمد بن إسماعيل بن محمد [7] بن إبراهيم بن كثير، أبو حاجب
الأستراباذي
[8] .
من أهل مازندران، سمع الكثير، وحدث، وبرع في الفقه والنظر.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] في كل النسخ: «الحسن بن محمد» وما أثبتناه هو ما في: شذرات الذهب
3/ 329. والكامل لابن الأثير 8/ 411. وكذلك في لسان الميزان.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 329، 330. والكامل 8/ 411) .
[3] «قال: «سقطت من ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 330) .
[6] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 331) .
[7] «ابن محمد» سقطت من ت.
[8] الأستراباذي: بكسر الألف وسكون السين المهملة وكسر التاء المنقوطة
باثنتين من فوقها وفتح الراء والباء الموحدة بين الألفين وفي آخرها
الذال المعجمة. هذه النسبة إلى أستراباذ، وقد يلحقون فيه ألفا أخرى بين
التاء والراء فيقولون: استاراباذ، إلا أن الأشهر هذا وهي بلدة من بلاد
مازندان بين سارية وجرجان (الأنساب 1/ 214) .
(16/173)
3454- محمد بن أحمد بن عبيد، المعروف: بابن
صاحب الزيادة
[1] .
سمع [2] أبا الحسن الحمامي، وأبا القاسم بن بشران، توفي في ذي الحجة من
هذه السنة، ودفن بمقبرة جامع المدينة.
3455- محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى أبو
همام [3] بن أبي القاسم ابن القاضي أبي علي الهاشمي [العبديّ] [4]
المقرئ
[5] .
سمع الحديث، وولى نقابة الهاشميين، وهو ابن عم أبي جعفر بن أبي موسى
الفقيه الحنبلي، روى عنه شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي.
توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3456- محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس، أبو بكر الصفاري
[6] .
87/ أمن أهل نيسابور، سمع/ أبا عبد الله الحاكم وأبا عبد الرحمن
السلمي، وخلقا كثيرا، وتفقه على الجويني، وكان يخلفه وينوب عنه.
توفي بنيسابور في ربيع الآخر من هذه السنة.
3457- محمد بن محمد بن عبد الله [7] بن عبد الله، أبو الحسن البيضاوي
الشافعي
[8] .
ختن القاضي أبي الطيب الطبري على ابنته، ولد في سنة اثنتين وتسعين
وثلاثمائة
__________
[1] في ت: «محمد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
المعروف بابن صاحب الزيادة» .
[2] في المطبوعة: «تسمع» .
[3] «أبو همام» سقطت من ص.
وفي الأصل: «أبو تمام» وكذلك في البداية والنهاية.
[4] في ص: «المعبدي» وقد سقطت «العبديّ» من الأصل.
[5] «المقرئ» سقطت من ت، ص. انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/
113) .
[6] في ت: «الصغار» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113. وشذرات الذهب 3/ 331.
والكامل 8/ 411. وتاريخ نيسابور ت 106) .
[7] «بن محمد بن عبد الله» سقطت من ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113. والكامل 8/ 411) .
(16/174)
وحدث عن أبي الحسن بن الجندي وغيره، وكان
ثقة خيرا، روى عنه أشياخنا، وتوفي يوم الجمعة سابع عشر [1] شعبان
بالكرخ، وتقدم بالصلاة عليه أبو نصر بن الصباغ، وصلى عليه قاضي القضاة
أبو عبد الله الدامغاني مأموما ودفن في داره بقطيعة الربيع.
3458- محمود بن نصر بن صالح أمير حلب
[2] .
كان من أحسن الناس، نزل بها في سنة سبع وخمسين، وقوي على عمه، وكان
عطية قد ملكها بعد أخيه نصر فحاصره فخرج منها، فقال ابن حيوس:
أبى الله إلا أن يكون لك السعد ... فليس لما تبغيه منع ولا رد
قضت حلب ميعادها بعد مطله ... وأطيب وصل ما مضى قبله صد
تهز لواء النصر حولك عصبة ... إذا طلبوا نالوا وإن عقدوا شدوا [3]
وخطية سمر وبيض قواضب ... وصافية رعف وصافنة جرد
3459- مسعود بن المحسن بن الحسن [4] بن عبد الرزاق، أبو جعفر بن
البياض/ الشاعر
[5] له شعر مطبوع. 87/ ب أخبرنا [6] إسماعيل بن أحمد قَالَ: أنشدني أبو
جعفر بن البياض لنفسه:
ليس لي صاحب معين سوى الليل ... إذا طال بالصدود عليا
أنا أشكو بعد الحبيب إليه ... وهو يشكو بعد الصباح إليا
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
يا من لبست لهجره ثوب الضنا ... حتى خفيت به عن العواد
__________
[1] في الأصل: «وتوفي يوم السبت سابع عشر» .
[2] انظر ترجمته في: البداية والنهاية 12/ 113 وفيه: «محمد بن نصر» .
وشذرات الذهب 3/ 329.
والكامل 8/ 413 أحداث سنة 469 هـ. والنجوم الزاهرة 5/ 100 المختصر في
تاريخ البشر لأبي الفداء 2/ 192. والأعلام 7/ 189) .
[3] هذا البيت سقط من ت.
[4] «بن الحسن» سقطت من ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 113، 114. وشذرات الذهب 3/
331، 332. ووفيات الأعيان 2/ 92. وروض المناظر (بهامش الكامل 12/ 29.
والأعلام 7/ 218. والكامل 8/ 411) .
[6] في الأصل: «أنبأنا» .
(16/175)
وأنست بالسهر [1] الطويل فأنسيت ... أجفان
عيني كيف كان رقادي
إن كان يوسف بالجمال مقطع ... الأيدي فأنت مقطع الأكباد
قَالَ: وأنشدني لنفسه:
لأية علة ولأي حال ... صرمت حبال وصلك من حبالي [2]
وبدلت البعاد من التداني ... ومر الهجر من حلو الوصال
فإن تكن الوشاة سعوا بشيء ... على فرب ساع بالمحال
فعاقبني عليه بكل شيء ... أردت سوى الصدود فما أبالي
وإن تك مثل ما زعموا ملولا ... لما تهوى سريع الانتقال
صبرت على ملالك لي برغمي ... وقلت عسى تمل من الملال
ولم أنشدك حين صرمت حبلي ... بدا لي من محبتكم بدا لي
توفي ابن البياضي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بباب أبرز.
88/ أ
3460- ناصر بن محمد بن علي التركي المضافري [3] ، / أبو منصور، والد
شيخنا أبي الفضل بن ناصر
[4] .
ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وقرأ القرآن بالقراءات، وسمع الحديث من
أبي الحسين بن المهتدي، وأبي جعفر ابن المسلمة، والصريفيني، وغيرهم،
وكتب الكثير من اللغة، وقال الشعر، فكان أبو بكر الخطيب يرى له ويقدمه
على الأشياخ، وتولى قراءة التاريخ عليه بحضرة الشيوخ، وكان ظريفا
صبيحا، وتوفي في حداثته ليلة الأحد الثالث عشر من ذي القعدة من هذه
السنة فرثاه شيخنا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن
عبد الوهاب الدباس [5] ويعرف بالبارع.
__________
[1] في ص: «بالسحر» .
[2] في الأصل: «حالي» .
[3] في ت: «الصّافري» وكذلك في البداية والنهاية 12/ 114.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 114) .
[5] في الأصل: «الديباس» .
(16/176)
أنبأنا أبو عبد الله البارع أنه قَالَ:
سلام وأني يرد السلاما ... معاشر في الترب أمسوا رماما
لدى البيد صرعى كأن الحمام ... سقاهم بكأس المنايا مداما
أحباءنا في بطون الثرى ... فأبلين تلك الوجوه الوساما
فلو تبصر العين ما في الصفيح ... نهاها تخوفها أن تناما
ألا هل أرى لكم أوبة ... وللشمل بعد الفراق التئاما
ألا كل يوم مطايا المنون ... تحف بكم موحدا أو تؤاما
نحيي ضرائحكم إنها ... تضمن قوما علينا كراما
سلام على جدث بالعراق ... أغمدت بالأمس فيه حساما
أناصر يفديك من لو أطاق ... دافع عنك المنايا وحامى [1]
دفنت العلا والتقى والعفاف ... والحلم والعلم فيه حماما
/ أناصر لو أن لي ناصرا ... صببت على الموت موتا زؤاما 88/ ب
هو الدهر لا يتقى ضيمه ... لشيء فأجدر أن لا يضاما
أناديك إذ لات حين الدعاء ... بمسمعه لو أطقت الكلاما
لقد خصني يا قرين الشباب ... فيك المصاب وعم الاناما
وأجدني منك ريب المنون ... ظمآن لم أشف منك الأواما
وكيف يطير مهيض الجناح ... خانته عند النهوض القدامى
وأطفئ بالدمع نار الحشا ... ويأبى لها الوجد إلا ضراما
وكنت ألام على أدمعي ... فأيقنت بعدك أن لا ألاما
فلا استشعر القلب عنك السلو ... ولا ازداد بعدك إلا هياما
إذا رام صبرا تمثلت فيه ... فأقصى خيالك ذاك المراما
وما أنا من بعد علم اليقين ... أحسب يومك إلا مناما
لقد كنت غرة وجه الزمان ... فقد عاد من عاد بشر جهاما
__________
[1] هذا البيت مكرر في الأصل مرتين.
(16/177)
وكنت على تاجه درة ... [تضيء الدجى] [1]
وتزين النظاما
فأضحى بك الله مستأثرا ... وجللنا بعد نور ظلاما
وضن بك الدهر عن أهله ... فنلت حميدا ولم تلق ذاما
وأيقنت أن الدنا للفناء ... فاعتضت في الخلد عيشا دواما
فغص ببرد الزلال امرؤ ... يرى أن ورد المنايا أماما
لتبك عليك فنون العلوم ... فقد كنت في كل فن إماما
وما كنت إلا قريع الزمان ... وما الناس بعدك إلا سواما
89/ أ/ ألا لا أرى مشكلات العلوم ... يزددن بعدك إلا انفحاما
فمن ذا يفرج عنا الهموم ... إذ ازدحمت في الصدور ازدحاما
ومن للمجالس صدر سواك ... إذا اضطرمت أبحر العلم عاما
ومن للمحاريب أهل سواك ... وقدما تقدمت فيها غلاما
تجاوزت في العلم حد الشيوخ ... وكل سنيك ثلاثون عاما
ولم أر كاليوم بدرًا سواك ... عاجل فيه السرار التماما
كفى حزنا أنني لا أرى ... ضريحك يزداد إلا لماما
وأن لو يفي بالإخاء الوفاء ... إذا لسقى ثراه استلاما
وإني لأنظر دون الصفيح ... بحار العلوم لديه نظاما
أرى زفراتي تحدو إلى ... ضريحك من عبراتي غماما
فيا ساكن القبر حيا ثراه ... مريض النسيم بريح الخزامى
ولا برحت بالغدو الشمال ... ولا بالأصائل فيه النعامى
وجاد أصيل الغيث فكاكه ... تبل الثرى وتروي العظاما
ولا كحل الترب تلك الجفون ... ولا اضمحل [2] اللحد ذاك القواما
وحاشا لسانا تلا ما تلوت ... يصبح للدود يوما طعاما
وحاشا لكف يخط العلوم ... تعري أشاجعها والسلامي
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب «انحل» .
(16/178)
فلست أرى جثث الأولياء ... على الدود في
الأرض إلا حراما
يهون وجدي أني غدا ... كما قد لقيت ملاق حماما
وأن سوف يجمعنا موقف ... ترى الخلق في حافتيه قياما
عليك السلام فإني امرؤ ... على القرب والبعد أهدى السلاما
3461-/ يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو القاسم النهرواني.
89/ ب ولد سنة ثمانين وثلاثمائة وكان يسكن رباط الزوزني، وحدث عن أبي
أحمد الفرضي وغيره، وخرج له أبو بكر الخطيب مشيخة، وحدثنا عنه أبو
الفضل الأرموي، وكان ثقة، وتوفي يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة ودفن
على باب الرباط.
3462- يوسف بن محمد
بن يوسف بن الحسن [1] ، أبو القاسم الخطيب الهمذاني [2] .
ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وسمع الكثير، ورحل بنفسه وجمع وصنف،
وانتشرت عنه الرواية، وكان خيرا صالحا صادقا دينا، توفي في ذي القعدة
من هذه السنة.
__________
[1] في ت: «بن أبي الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 114 شذرات الذهب 3/ 331) .
(16/179)
ثم دخلت سنة تسع
وستين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[مرض الخليفة]
انه مرض الخليفة في المحرم فارجف
به، فركب في التاج حتى رآه العوام فسكنوا.
وكان بالمدينة أمير يقال له: الحسين بن مهنأ قد وضع على من يرد لزيارة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضريبة تشبيها بما يفعل بمكة، وإنما كان
يؤخذ من التجار القاصدين مكة، فأما المدينة فإنه لا يراد منها إلا
الزيارة، ونشأت [1] بذلك السمعة، فدخل رجل علوي المدينة فخطب بها
للمصري في صفر، وهرب ابن مهنأ [2] .
وكان قد توفي محمود بن نصر صاحب حلب ووصى لابنه شبيب بالبلد والقلعة،
90/ أفلم يتم ذلك/ وأعطيها ولده الأكبر واسمه: نصر، فسلك طريق أبيه في
كرمه، وقد مدحه ابن حيوس بقصيدة فقال فيها:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... ولا افترقت ما فر عن ناظر شفر
ضميرك والتقوى وجودك والغنى ... ولفظك والمعنى وعزمك والنصر
وكان لمحمود بن نصر سجية ... وغالب ظني أن سيخلفها نصر
فقال: والله لو قَالَ سيضعفها نصر لأضعفتها له، وأمر له بما أمر له
أبوه، وهو ألف دينار في طبق فضة، وكان على بابه جماعة من الشعراء فقال
أحدهم:
على بابك المعمور منا عصابة ... مفاليس فانظر في أمور المفاليس
__________
[1] في الأصل: «فشات» .
[2] في الأصل: «وهرب بها المصري في صغر وهرب ابن مهنأ» .
(16/180)
وقد قنعت منك العصابة كلها ... بعشر الذي
أعطيته لابن حيوس
وما بيننا هذا التفاوت كله ... ولكن سعيد لا يقاس بمنحوس
فقال: والله لو قَالَ مثل الذي أعطيته لأعطيتهم ذلك. وأمر لهم بنصفه،
ثم إنه وثب على هذا الأمير بعض الأتراك فقتله [1] ، وولى أخوه سابور بن
محمود، وهو الذي نص عليه أبوه.
[زيادة دجلة إحدى وعشرين ذراعا]
وفي جمادى الآخرة: زادت دجلة فبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا ونصفا،
ونقل الناس أموالهم، وخرج الوزير فخر الدولة إلى الفورح وبات عليه،
وخيف من دخول [2] الماء إلى دار الخلافة [3] فنقل تابوت القائم/ بأمر
الله ليلا إلى الترب 90/ ب بالرصافة.
[وقوع الفتنة بين الحنابلة والأشعرية]
وفي شوال: وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعرية، وكان السبب أنه ورد إلى
بغداد أبو نصر ابن القشيري، وجلس في النظامية، وأخذ يذم الحنابلة
وينسبهم إلى التجسيم، وكان المتعصب له أبو سعد الصوفي، ومال الشيخ [4]
أبو إسحاق الشيرازي إلى نصرة القشيري، وكتب إلى النظام يشكو الحنابلة
ويسأله المعونة، ويسأل الشريف [5] أبا جعفر، وكان مقيما بالرصافة،
فبلغه أن القشيري على نية الصلاة في جامع الرصافة يوم الجمعة، فمضى إلى
باب المراتب فأقام أياما، ثم مضى إلى المسجد المعروف اليوم بابن شافع
وهو المقابل لباب النوبي، فأقام فيه وكان يبذل لليهود مالا ليسلموا على
يد ابن القشيري ليقوي الغوغاء، فكان العوام يقولون: هذا إسلام الرشى،
لا إسلام التقى.
فأسلم يوما يهودي، وحمل على دابة، واتفقوا على الهجوم على الشريف أبي
جعفر في مسجده والإيقاع به، فرتب الشريف جماعة أعدهم لرد خصومة إن وقعت
[فلما وصل أولئك إلى باب المسجد رماهم هؤلاء بالآجر، فوقعت الفتنة] [6]
ووصل الآجر إلى
__________
[1] في الأصل: «بعض الإدراك فقتله» .
[2] «فخر الدولة إلى الفورح وبات عليه، وخيف من دخول» سقطت من ص.
وفي ص العبارة هكذا: «وخرج الوزير على الماء إلى دار الخلافة» .
[3] في ت: «إلى دار التابوت» .
[4] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
[5] في الأصل: «وكان الشريف» .
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/181)
حاجب الباب، وقتل من أولئك خياط من سوق
الثلاثاء، وصاح أصحابها على باب النوبي المستنصر باللَّه: يا منصور،
تهمة للديوان بمعرفة الحنابلة، وتشنيعا عليه، وغضب أبو إسحاق الشيرازي،
ومضى إلى باب الطاق، وأخذ في إعداد أهبة السفر، فأنفذ إليه الخليفة من
رده عن رأيه، فبعث الفقهاء أبا بكر الشاشي وغيره من النظام يشرح له
الحال، فجاء كتاب النظام إلى الوزير فخر الدولة بالامتعاض مما جرى،
والغضب 91/ ألتسلط الحنابلة على الطائفة الأخرى، وإني/ أرى حسم القول
في ما يتعلق بالمدرسة التي بنيتها في أشياء من هذا الجنس.
وحكى الشيخ أبو المعالي صالح بن شافع عن شيخه أبي الفتح الحلواني وغيره
ممن شاهد الحال: أن الخليفة لما خاف من تشنيع الشافعية عليه عند النظام
أمر الوزير أن يجيل الفكر فيما تنحسم به الفتنة، فاستدعى الشريف أبا
جعفر، وكان فيمن نفذه إليه ابن جردة فتلطف به ابن جردة [1] حتى حضر في
الليل، وحضر أبو إسحاق، وأبو سعد الصوفي، وأبو نصر ابن القشيري، فلما
حضر الشريف عظمه الوزير ورفعه، وقال: إن أمير المؤمنين ساءه ما جرى من
اختلاف المسلمين في عقائدهم وهؤلاء يصالحونك على ما تريد.
وأمرهم بالدنو من الشريف، فقام إليه أبو إسحاق، وقد كان يتردد في أيام
المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ، فقال له: أنا ذاك الذي تعرف، وهذه
كتبي في أصول الفقه، أقول فيها خلافا للأشعرية، ثم قبل رأسه فقال
الشريف: قد كان ما تقول، إلا أنك لما كنت فقيرا لم يظهر لنا ما في نفسك
فلما جاءك الأعوان والسلطان وخواجا بزرك أبديت ما كان مخفيا.
ثم قام أبو سعد الصوفي فقبل يد الشريف وتلطف [به فالتفت] الشريف [2]
مغضبا وقال: أيها الشيخ، أما الفقهاء فإذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم
فيها مدخل، فأما أنت فصاحب لهو سماع وبغته، فمن زاحمك على ذلك وعلى ما
نلته من قبول عند أمثالك حتى داخلت المتكلمين والفقهاء، فأقمت سوق
التعصب.
__________
[1] «فتلطف به ابن جردة» سقطت من ص.
[2] في ص: «فقبل يد الشريف فالتفت الشريف» .
وفي الأصل: «فقبل يد الشريف وتلطف الشريف» .
(16/182)
/ ثم قام القشيري وكان أقلهم للشريف أبي
جعفر لجروانه معه، فقال الشريف: 91/ ب من هذا؟ فقيل: أبو نصر القشيري.
فقال: لو جاز أن يشكر أحد على بدعته لكان هذا الشاب، لأنه بادهنا بما
في نفسه، ولم ينافقنا كما فعل هذان، ثم التفت إلى الوزير وقال: أي صلح
بيننا، إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو دنيا، أو قسمة ميراث،
أو تنازع في ملك، فأما هؤلاء القوم فهم يزعمون أننا كفار، ونحن نزعم أن
من لا يعتقد ما نعتقده كافر، فأي صلح بيننا وهذا الإمام مفزع المسلمين،
وقد كان جده القائم والفادر أخرجا اعتقادهما للناس، وقرئ عليهم في
دواوينهم، وحمله عنهما الخراسانيون والحجيج إلى أطراف الأرض، ونحن على
اعتقادهما.
وأنهى الوزير ما جرى، فخرج في الجواب: عرفنا ما أنهيته في حضور ابن
العم [1] ، كثر الله في الأولياء مثله، وحضور من حضر من أهل العلم،
والحمد للَّه الذي جمع الكلمة، وضم الألفة، فليؤذن الجماعة في
الانصراف، وليقل لابن أبي موسى أنه قد أفرد له موضع قريب من الخدمة
ليراجع في كثير من الأمور الدينية، وليتبرك بمكانه.
فلما سمع الشريف هذا قَالَ: فعلتموها، فحمل إلى موضع أفرد له وكان
الناس يدخلون عليه مديدة ثم قيل له: قد كثر استطراق الناس دار الخلافة
فاقتصر على من يعين دخوله. فقال: ما لي غرض في دخول أحد علي. فامتنع
الناس، ثم مرض الشريف مرضا أثر في رجليه فانتفختا، فيقال: إن بعض
المتفقهة من الأعداء نزل له في/ مداسه 92/ ب سما، والله أعلم.
[كثرة العلل والأمراض ببغداد، وواسط]
وفي ذي القعدة: كثرت العلل والأمراض ببغداد، وواسط، والسواد، وكثر
الموت
__________
[1] العبارة في جميع الأصول مضطربة وبها سقط، ففي الأصل جاءت العبارة
هكذا:
«وأنهى الوزير ما جرى، فخرج في الجواب عرف ما جرى في حضور ما أنهيته من
حضور ابن العم» .
وفي النسخة ت: «وأنهى الوزير ما جرى، فخرج من الجواب عرف ما أنهيته في
حضور ابن العم» .
وقد حدث سقط بعد كلمة: «في الجواب» لأن العبارة التي بعدها هي ردّ
الخليفة على الوزير بعد ما أرسل إليه يعلمه بما جرى، وهذا كما يفهم من
عبارة ابن كثير 12/ 115: «فأرسل الوزير إلى الخليفة يعلمه بما جرى،
فجاء الجواب يشكر الجماعة ... » والله أعلم.
(16/183)
حتى بقي معظم الغلات بحالها في الصحراء
لعدم من يرفعها، وورد الخبر من الشام كذلك.
وفي يوم الأربعاء لعشر بقين من ذي القعدة: أزيلت المواخير، ودور الفسق
ببغداد ونقضت، وهرب الفواسق وذلك لخطاب جرى من الخليفة للشحنة الّذي
كانت هذه إقطاعه، وبذل له عنها ألف دينار فامتنع، وقال: هذه يحصل منها
ألف وثماني مائة دينار، فكوتب النظام بما جرى، فعوض الشحنة من عنده،
وكتب بإزالتها.
وفي ذي القعدة: أخرج أبو طالب الزينبي إلى مكة لأجل البيعة للمقتدي على
أمير مكة ابن أبي هاشم وأصحب خلعة.
وفي ذي الحجة: ورد الخبر بأن سابور بن محمود صاحب [1] حلب أنفذ إلى
أنطاكية بمن حاصرها، فبلغ الخبز بها رطلين بدينار، وقرر عليها مائة
وخمسون ألفا وأخذوها وعادوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3463- اسبهند وست [2] بن محمد بن الحسن، أبو منصور الديلمي
[3] .
شاعر مجود لقي أبا عبد الله بن الحجاج، وعبد العزيز بن نباتة، وغيرهما
من الشعراء، وكان يتشيع ثم تاب من ذلك.
وذكر توبته في قصيدة يقول فيها:
لاح الهدى فجلا عن الأبصار ... كالليل يجلوه ضياء نهار
92/ ب/ ورأت سبيل الرشد عيني بعد ما ... غطى عليها الجهل بالأستار
__________
[1] في الأصل: «ورد الخبر بأن شابور بن محمود بن حاجب» .
[2] من ت: «اسبهدوست» .
ومن البداية والنهاية: «اسفهدوست» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 116. والكامل 8/ 414.
(16/184)
لا بد فاعلم للفتى من توبة ... قبل الرحيل
إلى ديار بوار
يمحو بها ما قد مضى من ذنبه ... وينال عفو إلهه الغفار
يا رب إني قد أتيتك تائبا ... من زلتي يا عالم الأسرار
وعلمت أنهم هداة قادة ... وأئمة مثل النجوم دراري
وعدلت عما كنت معتقدا له ... في الصحب صحب نبيه المختار
والسيد الصديق والعدل الرضي ... عمر وعثمان شهيد الدار
وعَلِيُّ الطهر المفضل بعدهم ... سيف الإله وقاتل الفجار
صحب النبي الغر بل خلفاؤه ... فينا بأمر الواحد القهار
رحماء بينهم بذاك صفاتهم ... وردت أشداء على الكفار
وتراهم من راكعين وسجد ... يستغفرون الله بالأسحار
أيقنت حقا أن من والاهم ... سيفوز بالحسنى بدار قرار
فعدلت نحوهم مقرا بالولا ... ومخالفا للعصبة الأشرار
مترجيا عفو الإله ومحوه ... ما قدمته يدي من الأوزار
وإذا سئلت عن اعتقادي قلت ما ... كانت عليه مذاهب الأبرار
وأقول خير الناس بعد محمد ... صدِّيقه وأنيسه في الغار
ثم الثلاثة بعده خير الورى ... أكرم بهم من سادة أطهار
هذا اعتقادي والذي أرجو به ... فوزي وعتقي من عذاب النار
وسئل شيخنا عبد الوهاب الأنماطي عن اسبهندوست [1] قَالَ: كان شاعرا
يشتم أعراض الناس.
توفي في ربيع الآخر/ من هذه السنة، ودفن في مقبرة الخيزران.
93/ أ
3464- رزق الله بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي، أبو سعد الأنباري
الخطيب، ويعرف: بابن الأخضر من أهل الأنبار
[2] :
سمع أبا أحمد الفرضي، وأبا عمر بن مهدي وغيرهما، وتفقه على مذهب أبي
__________
[1] في الأصل: «اسهتندوست» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 414) .
(16/185)
حنيفة رضي الله عنه [1] وحدث وكان يفهم ما
يقرأ عليه، ويحفظ عامة حديثه، وانتشرت عنه الرواية، وكان صدوقا ثقة،
حسن الصوت والسمت، وهو أخو أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الخطيب. توفي
ليلة عيد الفطر من هذه السنة.
3465- طاهر بن أحمد بن بابشاذ، أبو الحسن المصري النحوي اللغوي
[2] .
توفي في رجب هذه السنة، وكان سبب وفاته أنه سقط في جامع عمرو بن العاص
فتوفي من ساعته.
3466- عبد الله بن محمد [بن عبد الله] [3] بن عمرو بن أحمد بن المجمع
بن مجيب بن بحر بن معبد [4] بن هزارمرد [5] أبو محمد الصريفيني.
ولد ليلة الجمعة سابع صفر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ويعرف بابن
المعلم [6] .
سكن صريفين [7] وسمع أبا القاسم بن حبابة، وابن أخي ميمي، وأبا حفص
الكتاني، والمخلص وغيرهم، وهو آخر من حدث بكتاب على بن الجعد. وكان قد
انقطع عن بغداد. حدثنا عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره.
أنبأنا محمد بن ناصر قَالَ: أنبأنا محمد بن طاهر المقدسي قَالَ: سمعت
أبا 93/ ب القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي يقول: [8] / دخلت
بغداد وسمعت ما قدرت
__________
[1] «رضي الله عنه» سقطت من ص، ت.
[2] في ص: «المصري اللغوي» .
وفي ت، الأصل: «المصري النحويّ» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 116. وشذرات الذهب 3/ 333.
وفيات الأعيان 2/ 515.
وبغية الوعاة 272، 427. ومعجم الأدباء 12/ 17. والنجوم الزاهرة 5/ 105.
وحسن المحاضرة 1 1/ 306. والأعلام 3/ 220. والكامل 8/ 414)
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «بن سعيد» .
[5] من الأصل: «بن هزار مرجا» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية 12/ 116، 117. وشذرات الذهب 3/ 334.
والكامل 8/ 414)
[7] العبارة من أول: «وله ليلة الجمعة ... » حتى «.. سكن صريفين» سقطت
من ص.
[8] «قَالَ سمعت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي يقول»
سقطت من ص.
(16/186)
عليه من المشايخ، ثم خرجت أريد الموصل،
فدخلت صريفين فكنت في مسجدها فقال: كان أبي يحملني إلى أبي حفص
الكتاني، وابن حبابة وغيرهما، وعندي أجزاء فقلت: أخرجها لي حتى أنظر
إليها، فأخرج إلى حزمة فيها كتاب علي بن الجعد بالتمام مع غيره من
الأجزاء فقرأته عليه، ثم كتبت إلى أهل بغداد، فرحلوا إليه وأحضرته
للكبراء من أهل بغداد، وأحضره قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، وكل
من سمع من الصريفيني فالمنة لأبي القاسم، وفي بعض ألفاظ هذه الحكاية من
طريق آخر: أن الأصول التي أخرجها كانت بخط ابن الصقال وغيره من
العلماء، وأنه سمع منه أبو بكر الخطيب، وكان ثقة محمود الطريقة صافي
الطوية.
وتوفي بصريفين في جمادى الأولى من هذه السنة.
3467- عبد الله بن سعيد بن حاتم، أبو نصر السجزي الوائلي الحافظ
[1] .
منسوب إلى قرية على ثلاث فراسخ من سجستان يقال لها: وائل، ويقع في
الحديث جماعة يقال لهم الوائلي إلا أنهم منسوبون إلى بني وائل.
سمع أبو نصر الحديث الكثير وفقه وفهم، وصنف وخرج وكان قيما بالأصول
والفروع، وله التصانيف الحسان منها: «الإبانة في الرد على الرافعين» /
وأقام بالحرم. 94/ ب أنبأنا محمد بن ناصر، عن أبي إسحاق بن إبراهيم بن
سعيد [2] الحبال قَالَ:
خرج أبو نصر على أكثر من مائة شيخ ما بقي منهم غيري، قَالَ: وكان أحفظ
من خمسين مثل الصوري.
3468- عبد الباقي بن أحمد بن عمر، أبو نصر الداهداري [3] الواعظ.
سمع من ابن بشران وغيره، وحدث، ولا نعلم به بأسا، وتوفي يوم السبت
العشرين من شعبان.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 117) .
[2] في الأصل: «بن سعد» .
[3] في ت: «الراهداري» .
(16/187)
3469- عبد الكريم بن الحسن بن علي بن رزمة،
أبو طاهر الخباز
[1] .
ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، سمع أبا عمر بن مهدي، وابن رزقويه [2]
، وابن بشران وغيرهم، وكان ثقة، وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3470- عبد الكريم بن أحمد بن طاهر بن أحمد، أبو سعد الوزان [3] التميمي
[4] .
من أهل طبرستان، سمع الحديث بمرو، وما وراء النهر، وبغداد، وروي عنه
زاهر بن طاهر، وتفقه وبرع في المناظرة وكانت له فصاحة، وتوفي في هذه
السنة.
3471- علي بن خليفة بن رجاء بن الصقر، أبو الحسن الحربي
[5] .
ولد في سنة أربعمائة، وسمع أبا القاسم الخرقي، وروى عنه شيخنا أبو
منصور بن زريق.
وتوفي في ليلة الجمعة سابع عشرين ذي الحجة، ودفن بمقابر الشهداء.
3472- محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن هارون، أبو
الحسن [6] البرداني أبو أبي علي [7] البرداني
[8] .
ولد سنة ثمانين وثلاثمائة بالبردان [9] ، ثم انتقل إلى بغداد، وسمع من
أبي الحسن
__________
[1] الخباز: بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة وفي آخرها
الزاي. هذه النسبة إلى الخبز وخبزه وبيعه. (الأنساب 5/ 34) .
[2] في الأصل: «رزقونة» .
[3] في ت: «الوراق» .
[4] «التميمي» سقطت من ت.
انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور ت 1105)
[5] الحربي: بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين ومن آخرها الباء المعجمة
بواحدة. هذه النسبة إلى محلة وإلى رجل، فأما النسبة إلى المحلة فهي
الحربية محلة معروفة بغربي بغداد بها جامع وسوق (الأنساب 4/ 99) .
[6] في الأصل: «أبو الحسين» .
[7] في ت: «ابن أبو علي البرداني» خطأ. فمحمد بن أحمد هو والد أحمد بن
محمد أبو علي البرداني الحافظ.
[8] انظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 2/ 136. وشذرات الذهب 3/ 335)
[9] من ت: «ولد سنة ثمان وثمانين بالبردان» ومن ص: «ولد سنة ثمان
وثلاثمائة» .
(16/188)
ابن رزقويه، وابن بشران، وابن شاذان،
وغيرهم، وكان له علم بالقراءات، [وكان ثقة عالما صالحا أمينا. تُوُفّي
ليلة الْجُمُعَة سلخ ذي القعدة من هَذِهِ السنة. وحدث عَنْهُ شيخنا أبو
بَكْر بْن طاهر] [1] .
3473- محمد بن علي بن الحسين المعروف بابن سكينة، أبو عبد الله
الأنماطي
[2] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة وحدث عن أبي القاسم الصيدلاني وغيره، / وكان
كثير 94/ ب السماع، ثقة حدثنا عنه جماعة من مشايخنا.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بباب أبرز.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص. وأثبتناها من ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 117) .
(16/189)
ثم دخلت سنة سبعين
واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[وقوع صاعقة في شهر ربيع الأول في محلة
التوثة]
أنه وقعت صاعقة في شهر ربيع الأول في محلة التوثة من الجانب الغربي على
نخلتين من مسجد فأحرقتهما، فصعد الناس فأطفئوا [1] النار بعد أن اشتعل
من سعفهما وكربهما وليفهما، فرمى به، فأخذه الصبيان وهو يشتعل في
أيديهم كالشمع.
وفي رمضان: حمل إلى مكة مع أصحاب محمد بن أبي هاشم العلوي أمير مكة
منبر كبير، جميعه منقوش مذهب، تولى الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير
عمله في داره بباب العامة، وكان مكتوبا عليه: «لا اله إلا الله محمد
رسول الله، الإمام المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين» [2] مما أمر بعمله
محمد بن محمد بن جهير، فاتفق وصوله إلى مكة وقد أعيدت الخطبة المصرية،
وقطعت العباسية، فآل أمره إلى أن كسر وأحرق.
وورد كتاب من النظام إلى أبي إسحاق الشيرازي في جواب بعض كتبه الصادرة
إليه في معنى الحنابلة، وفيه: ورد كتابك بشرح أطلت فيه الخطاب، وليس
توجب سياسة السلطان وقضية المعدلة إلى أن نميل في المذاهب إلى جهة دون
جهة، ونحن بتأييد السنن أولى من تشييد الفتن، ولم نتقدم ببناء هذه
المدرسة إلا لصيانة أهل العلم 95/ أوالمصلحة، لا للاختلاف وتفريق
الكلمة، ومتى جرت الأمور على/ خلاف ما أردناه من هذه الأسباب فليس إلا
التقدم بسد الباب، وليس في المكنة إلا بيان على بغداد
__________
[1] من المطبوعة: «فاطفوا»
[2] «أمير المؤمنين» سقطت من ت، ص.
(16/190)
ونواحيها، ونقلهم عن ما جرت عليه عاداتهم
فيها، فإن الغالب هناك وهو مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمة
الله عليه، ومحله معروف بين الأئمة، وقدره معلوم في السنة، وكان ما
انتهى إلينا أن السبب في تجديد ما تجدد مسألة سئل عنها أبو نصر القشيري
عن الأصول، فأجاب عنها بخلاف ما عرفوه في معتقداتهم، والشيخ الإمام أبو
إسحاق وفقه الله رجل سليم الصدر، سلس الانقياد، ويصغي إلى كل من ينقل
إليه، وعندنا من تصادر كتبه ما يدل على ما وصفناه من سهوله يجتذبه
والسلام.
فتداول هذا الكلام بين الحنابلة وسروا به، وقووا معه، فلما كان يوم
الثلاثاء ثاني شوال وهو يوم يسمى بفرح ساعة [1] خرج من المدرسة متفقه
يعرف بالإسكندراني، ومعه بعض من يؤثر الفتنة إلى سوق الثلاثاء، فتكلم
بتكفير الحنابلة، فرمى بآجرة، فدخل إلى سوق المدرسة واستغاث بأهلها،
فخرجوا معه إلى سوق الثلاثاء، ونهبوا بعض ما كان فيه، ووقع الشر، وغلب
أهل سوق الثلاثاء بالعوام، ودخلوا سوق المدرسة فنهبوا القطعة التي
تليهم منه، وقتلوا مريضا وجدوه في غرفة، وخاف مؤيد الملك على داره
فأرسل إلى العميد أبي نصر يعلمه الحال، فأنفذ إليه الديلم والخراسانية
فدفعوا العوام، وقتلوا بالنشاب بضعة عشر، وأنفذ من الديوان خدم لإطفاء
الثائرة، ولحمل المقتولين إلى الديوان حتى شهدهم القضاة والشهود،
وكتبوا خطوطهم بذلك، وكان نساؤهم على باب النوبي/ يلطمن، وكتب بذلك إلى
النظام فجاءت مكاتبات [منه] [2] 95/ ب بالجميل، ثم ثناها بضد ذلك.
[ولد للمقتدي مولود سماه أحمد وكناه أبا
العباس]
وفي بكرة السبت تاسع عشر شوال ولد للمقتدي مولود سماه أحمد، وكناه: أبا
العباس، وجلس الوزير فخر الدولة في باب الفردوس للهناء، وعلق الحريم،
وما بقي من محال الكرخ، ونهر طابق، ونهر القلائين، وباب البصرة، وشارع
دار الرقيق سبعة أيام، وهو الذي آل الأمر إليه، وسمي: المستظهر
باللَّه، وولد له آخر وقت الظهر يوم الأحد السادس والعشرين من ذي
القعدة سماه: هارون، وكناه: أبا محمد، وجلس لهنائه يوم الاثنين.
__________
[1] في الأصل: «وهو يوم ليعم مفرج ساعة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/191)
وولى تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان الشام،
وحاصر حلب [1] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3474- أحمد بن أحمد بن سليمان [بن علي] [2] الواسطي.
سمع أبا أحمد الفرضي [3] ، وأبا عمر بن مهدي وغيرهما، وكان سماعه
صحيحا.
وتوفي يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول، وحدث عنه شيخنا أبو القاسم بن
السمرقندي، ودفن بباب حرب
[4] .
3475- حمد بن محمد بن طالب، أبو طالب الدلال، وهو حمو [5] ابن القزويني
الزاهد
[6] :
ولد سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، وحدّث عن أبي الحسن ابن رزقويه [7]
وغيره، وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ربيع الأول، ودفن بباب حرب.
3476- أحمد بْن مُحَمَّد [بْن أحمد] [8] بْن يعقوب بن حمد [9] ، وهو
أبو بكر الوزان [10] المقرئ
[11] :
ولد في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وحدث عن خلق كثير، وهو آخر من
__________
[1] «الشام، وحاصر حلب» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[3] في ت: «القرضي» .
[4] «ودفن بباب حرب» سقطت من ت.
[5] في ص: «وهو أحمد بن القزويني» .
[6] الدلال: هذه النسبة لمن يتوسط بين الناس في البياعات وينادي على
السلعة من كل جنس (الأنساب 5/ 385) .
[7] في الأصل: «رزقونة» .
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[9] في ص: «بن أحمد» وفي الشذرات: «بن حمدوية»
[10] في ت، وشذرات الذهب: «الرزاز» ، ومن إحدى نسخ الشذرات: «الدرار» .
[11] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 338)
.
(16/192)
حدث عن أبي الحسين بن سمعون، وكان ثقة
زاهدا متعبدا/، حسن الطريقة، كتب 96/ أعنه أبو بكر الخطيب، وكان صدوقا.
وتوفي في ليلة السبت رابع عشرين ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3477- أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو الحسين [1] ابن النقور
البزاز
[2] :
ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وسمع من ابن حبابة،
وابن مردك، والمخلص، وخلق كثير، وكان [مكثرا] [3] صدوقا ثقة، متحريا
فيما يرويه، تفرد بنسخ رواها البغوي عن أشياخه: كشيخه هدبة، وكامل بن
طلحة، وعمر بن زرارة، وأبي السكن البلدي، وكان يأخذ على جزء طالوت بن
عباد دينارا.
قَالَ شيخنا ابن ناصر: كان أصحاب الحديث يشغلونه عن الكسب لعياله،
فأفتاه أبو إسحاق الشيرازي بجواز أخذ الأجرة على التحديث، وكان يأخذ
زكاة، ويسكن طرف درب الزعفران مما يلي الكرخ.
حدثنا عنه جماعة من أشياخنا آخرهم أبو القاسم بن الحاسب، وهو آخر من
حدث عنه، وتوفي يوم الجمعة النصف من رجب هذه السنة، ودفن من الغد في
مقابر الشهداء بباب حرب.
3478- أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد، أبو صالح المؤذن النيسابوري
[4] :
ولد سنة ثمان وثمانين، وحفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وسمع الكثير،
وكتب الكثير وصنف، وكان حافظا ثقة، ذا دين متين وأمانة [وثقة] [5] وكان
يعظ ويؤذن.
أنبأنا زاهر بن طاهر قَالَ: خرج أبو صالح المؤذن ألف حديث عن ألف شيخ.
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 335.
والكامل 8/ 415)
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 335.
والأعلام 1/ 163.
وإرشاد الأريب 1/ 219. والكامل 8/ 415. وتاريخ نيسابور ت 238) .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/193)
3479- عبد الله بن الحسن بن محمد بن الحسن
[1] بن علي، أبو القاسم بن أبي محمد الخلال
[2] :
ولد في شعبان سنة خمس وثمانين، وسمع من المخلص، وأبي حفص الكتاني 96/ ب
وغيرهما، وهو آخر من حدّث/ عن الكتاني وعمر، ونقل عنه الكثير، وروى عنه
أشياخه وكان ثقة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: عبد الله بن محمد الخلال: كتبت عنه، وكان
صدوقا ينزل باب الأزج، وسألته عن مولده فقال:
ولدت في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
توفي يوم الأحد ثامن عشر صفر هذه السنة، وصلى عليه في جامع المدينة،
ودفن بمقبرة باب حرب.
3480- عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم [بن
منده] [3] ، ومنده [لقب] [4] إبراهيم [5] ، أبو القاسم بن أبي عبد الله
الأصبهاني الإمام ابن الإمام
[6] .
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وسمع أباه، وأبا بكر بن مردويه وخلقا
كثيرا، وكان كثير السماع، كبير الشأن، سافر البلاد، وصنف التصانيف،
وخرج التاريخ، وكان له وقار وسمت وأتباع فيهم كثرة، وكان متمسكا
بالسنة، معرضا عن أهل البدع، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا يخاف
في الله لومة لائم، وكان سعد بن محمد الزنجاني
__________
[1] «ابن محمد بن الحسن» سقط من ت.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 336)
[3] «بن مندة» سقطت من جميع النسخ، وأثبتناها من شذرات الذهب، وبها
يستقيم السياق.
[4] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل.
[5] «إبراهيم» سقطت من ت.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118. وشذرات الذهب 3/ 337.
وفوات الوفيات 1/ 260.
وطبقات الحنابلة 2/ 242. والنجوم الزاهرة 5/ 105. وتاريخ ابن الوردي 1/
379. والأعلام 3/ 327. والكامل 8/ 415) .
(16/194)
يقول: حفظ الله الإسلام برجلين: أحدهما
بأصبهان، والآخر بهراة عبد الرحمن بن منده، وعبد الله الأنصاري.
توفي بأصبهان في هذه السنة وصلى عليه أخوه عبد الوهاب وحضر جنازته خلق
لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
3481- عبد الملك بن عبد الغفار بن محمد بن المظفر بن علي، أبو القاسم
الهمذاني يلقب سحير
[1] :
سمع خلقا كثيرا بهمذان وبغداد، وكان فقيها حافظا، وكان من الأولياء،
كان يكتب للطلبة بخطه، ويقرأ لهم.
توفي باكري في محرم هذه السنة، ودفن بجنب/ إبراهيم الخواص.
97/ أ
3482- عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن
أحمد [2] بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب، أبو
جعفر بن أبي موسى الهاشمي
[3] :
ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وكان عالما فقيها، ورعا عابدا زاهدا،
قؤولا بالحق لا يحابي أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
سمع أبا القاسم بن بشران، وأبا محمد الخلال، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا
طالب العشاري وغيرهم، وتفقه على القاضي أبي يعلى، ثم ترك الشهادة قبل
وفاته، ولم يزل يدرس في مسجده بسكة الخرقي من باب البصرة وبجامع
المنصور، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي فدرس في مسجد مقابل لدار الخلافة
ثم انتقل لأجل الغرق إلى باب الطاق، وسكن درب الديوان من الرصافة، ودرس
بجامع المهدي، وبالمسجد الذي على باب درب الديوان، وكان له مجلس نظر،
ولما احتضر القائم بأمر الله قَالَ: يغسلني
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 118، وفيه: «كان يلقب
ببجير» )
[2] في ت: «بن محمد» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 119. وشذرات الذهب 3/ 336.
ومناقب الإمام أحمد 521.
والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 20. والنجوم الزاهرة 5/ 106. والأعلام 3/
292)
(16/195)
عبد الخالق. ففعل ولم يأخذ [مما هناك] [1]
شيئا فقيل له: قد وصى لك أمير المؤمنين بأشياء كثيرة. فأبى أن يأخذ.
فقيل له: فقميص أمير المؤمنين تتبرك به. فأخذ فوطة نفسه فنشفه بها،
وقال: قد لحق هذه الفوطة بركة أمير المؤمنين.
ثم استدعاه في مكانه المقتدى فبايعه منفردا، فلما وصل إلى بغداد أبو
نصر بن القشيري ظهرت الفتن، فكان هو شديدا على المبتدعة وقمعهم، وحبس
فضج الناس من حبسه، وإنما حبس قطعا للفتن في دار والناس يدخلون عليه،
وقيل له: نكون قريبا 97/ ب منك نراجعك في أشياء، فلما اشتد مرضه/ تحامل
بين إثنين، ومضى إلى باب الحجرة وقال: قد جاء الموت، ودنا الوقت، وما
أحب أن أموت إلا في بيتي بين أهلي: فأذن له، فمضى إلى بيت أخته بالحريم
الظاهري.
وقرأت بخط أبي على بن البناء، قَالَ: جاءت رقعة بخط الشريف أبي جعفر
ووصيته إلى الشيخ أبي عبد الله بن جردة فكتبتها وهذه نسختها: ما لي
يشهد الله سوى الدلو والحبل أو شيء يخفي على لا قدر له، والشيخ أبو عبد
الله، لئن راعاكم بعدي وإلا فاللَّه لكم، قَالَ الله عز وجل:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا الله 4: 9 [2] ومذهبي الكتاب
والسنة وإجماع الأمة، وما عليه مالك [وأحمد] [3] والشافعي، وغيرهم ممن
يكثر ذكرهم، والصلاة بجامع المنصور إن سهل ذلك عليهم، ولا يقعد لي
عزاء، ولا يشق على جيب، ولا يلطم خد، فمن فعل ذلك فاللَّه حسيبه.
فتوفي ليلة الخميس للنصف من صفر، وتولى غسله أبو سعيد [4] البرداني
وابن الفتى، لأنه أوصى إليه بذلك، وكانا قد خدماه طول مرضه، وصلى عليه
يوم الجمعة بجامع المنصور فازدحم الناس، وكان يوما مشهودا لم ير مثله،
وكانت العوام تقول:
ترحموا على الشريف الشهيد القتيل المسموم، لأنه قيل إن بعض المبتدعة
ألقى سما في مداسه. ودفن إلى جانب قبر أحمد بن حنبل، وكان الناس يبيتون
هناك كل ليلة أربعاء
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] سورة: النساء، الآية: 9.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أبو سعد»
(16/196)
ويختمون الختمات، وتخرج المتعيشون فيبيعون
المأكولات، وصار ذلك فرجة للناس، ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء الشتاء
فامتنعوا، فختم على قبره في تلك المدة أكثر من عشرة آلاف ختمة.
3483- محمد بن محمد [بن مُحَمَّدُ] [1] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ بن أبي الحسن [2] / 98/ أالبيضاوي.
والد شيخنا أبي الفتح [3] .
حدث بشيء يسير عن أبي القاسم عمر بن الحسين [4] الخفاف، وكان فقيها على
مذهب الشافعي، تولى القضاء بربع الكرخ.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن إلى جانب أبيه في مقبرة باب
حرب.
3484- بنت الوزير نظام الملك، [وهي] [5] زوجة الوزير عميد الدولة ابن
الوزير فخر الدولة
[6] .
توفيت في شعبان نفساء بولد ذكر مات بعدها فدفنا بدار بباب العامة
لأبيها، ولم تكن العادة جارية بالدفن في ما يدور عليه السور، وجلس فخر
الدولة وعميد الدولة للعزاء بها ثلاثة أيام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ت: «أبو عبد الله أبي الحسن» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 119. والكامل 8/ 415)
[4] في الأصل: «الحسن» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمتها في: (الكامل 8/ 415، 416)
(16/197)
|