يمكنه أن يرى ضوءا ولا يسمع صوتا.
وتوفي يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة
جامع المنصور.
3522- علي بن أحمد بن علي، أبو القاسم البسري البندار
[1] :
ولد في صفر سنة ثمانين وثلاثمائة، وسمع أبا طاهر المخلص، وأبا أحمد
الفرضي، وأبا الحسن بن الصلت في آخرين، وكانت له إجازة من ابن بطة،
وكان ثقة صالحا، وكان يسكن درب الزعفراني، ثم انتقل إلى باب
المراتب، وحدثنا عنه جماعة من مشايخنا.
وتوفي في يوم سادس رمضان، ودفن من الغد في مقبرة جامع المدينة.
__________
[1] في الأصل: «البزار» .
ومن ت: «البراز» وما أثبتناه هو من ص، والكامل لابن الأثير.
والبندار: هذه النسبة إلى من يكون مكثرا من شيء يشتري منه من هو
أسفل منه أو أخف حالا وأقل مالا منه، ثم يبيع ما يشتري منه من
غيره، وهذه لفظة عجمية (الأنساب 2/ 311) .
انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 426. وشذرات الذهب 3/ 346)
(16/221)
ثم دخلت سنة خمس
وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في يوم الثلاثاء حادي عشر صفر ورد بشير أن السلطان جلال الدولة
أجاب إلى تزويج ابنته من الخليفة، وأن فخر الدولة أخذ يده على ذلك،
وكان الخليفة قد تقدم إلى الوزير فخر الدولة بالخروج إلى أصبهان
لذلك، فخرج ومعه الهدايا والألطاف بنحو من عشرين ألف دينار، فوصل
إلى أصبهان، فخرج نظام الملك والأمراء فاستقبلوه، واتفق أن توفي
داود ابن السلطان، وانزعج السلطان لذلك، فلما انقضى الشهر خاطب فخر
الدولة نظام الملك في هذا فقال: ما استقر في هذا شيء، فان رأيتم أن
تجردوا الطلب من والدة الصبية. فقيل له: أنت الذي تتولى هذا. فمضى
إليها فقال لها [1] : إن أمير المؤمنين راغب في ابنتك. فقالت: قد
رغب إلى في هذا ملك غزنه [بابنه] [2] وغيره من الملوك، وبذل كل
واحد أربعمائة ألف دينار، فإن أعطاني أمير المؤمنين هذا القدر كان
هو أحب إلى، فقال لها: رغبة أمير المؤمنين لا تقابل بهذا.
وجرى في ذلك مراجعات انتهت إلى تسليم خمسين ألف دينار عن حق
الرضاع، وهذه عادة الأتراك عند التزويج، ومائة ألف دينار بكتب
المهر. فقيل لها: ما في صحبتنا مال معجل ونحن نحصل ها هنا عشرة
آلاف، وننفذ من بغداد أربعين ألفا. فوقع الرضا بهذا، وشرع في تحصيل
العشرة آلاف، فلم يكن لها وجه، وعرف السلطان ذلك فتقدم
__________
[1] «ولها» سقطت من ص، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/222)
بتأخيره لينفذ الكل من بغداد. وقالت خاتون:
إذا ملكت ابنتي بأمير المؤمنين فأريد أن يخرج إلى أمه [1] وعمته
وجدته، ومن يجري/ مجراهن من أهل بيته، والمحتشمون من 108/ أأهل
دولته، وأحضر خواتين غزنة، وسمرقند، وخراسان، ووجوه البلاد، ويكون
العقد بمحضرهم. فطلب الوزير فخر الدولة أن تعطيه يدها على ذلك لتقع
الثقة، فأعظم نظام الملك عندها أن تردها بغير قضاء حاجته، فأذن
السلطان في ذلك وأعطى يده، وكانت من خاتون اقتراحات منها: أن لا
يبقى في دار الخليفة سرية ولا قهرمانة، وأن يكون مقامه عندها.
[وصول مؤيد الملك إلى بغداد]
ووصل في جمادى الآخرة [2] مؤيد الملك إلى بغداد، فخرج الموكب
لتلقيه إلى النهروان، وخرج إليه عميد الدولة [3] فلقيه في الحلبة،
وضربت له الدبادب والبوقات في وقت الفجر والمغرب والعشاء بإزاء دار
الخلافة، فثقل ذلك، وروسل حتى تركه.
[وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب]
وفي يوم الأحد سلخ شعبان: وجدت امرأة
مقتولة ملقاة في درب الدواب، فاستدعى صاحب المعونة والحارس،
وأمر بالاستكشاف عن هذا، فقال بعض المجتازين: هاهنا إنسان أعرج
يخبز القطائف، يعرف هذه الأمور. فاستدعوه وتقدموا إليه بالبحث عن
هذا فذكر أن بعض المماليك الأتراك فعل هذا، فاحضر الغلام فأنكر
[وبهته الأعرج] [4] فقال بعض الرجالة: على المرأة آثار تبن وهذا
يدل على [5] أنها قتلت في موضع فيه تبن. فقيل له: فتش [6] الدور
هناك، فبدأ بدار الأعرج، فرأى التبن، فنبش تحت الدرجة فوجد حليا
ودنانير كانت مع المرأة، فبهت الأعرج وحمل إلى الوزير فاستخلاه [7]
ولطف به، فأقر بأنه في هذه الليلة جمع بين هذه المرأة وبين رجل،
وأنها أخذت من الرجل قراريط/، وأنه طالبها بأجرته فقالت: خذ ما
تريد. فوقع عليها 108/ ب
__________
[1] في الأصل: «إلى أخته»
[2] في الأصل: «جمادى الأولى»
[3] في الأصل: «عميد الملك»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص: «وذلك يدل على»
[6] في الأصل: «ففتش» .
[7] في الأصل: «فاستخلانه»
(16/223)
فقتلها، وأخذ ما معها من الحلي والدنانير،
ورمى بها، فسمع الشهود إقراره بذلك فحبس، وحضرت ابنة المرأة وطالبت
بقتله فقتل في يوم السبت سادس رمضان بالحلبة، ودفن هناك.
[تكامل عمارة جامع القصر]
وفي شوال: تكاملت عمارة جامع القصر المتصل بدار الخلافة، وبني ما
كان فيه خرابا، وأوسع وعمل له منبر جديد، وقد كان فخر الدولة عمل
فيه سقاية، وأجرى فيها الماء من داره في قني تحت الأرض، وجعل لها
فوارات، فانتفع الناس بذلك منفعة عظيمة.
وفي يوم الجمعة لخمس بقين من شوال: عبر قاص من الأشعرية يقال له:
البكري إلى جامع المنصور ومعه الفضولي الشحنة والأتراك والعجم
بالسلاح فوعظ، وكان هذا البكري فيه حدة وطيش، وكان النظام قد أنفذ
ابن القشيري فتلقاه الحنابلة بالسب، وكان له عرض فائق من هذا فأخذه
النظام إليه، وبعث إليهم هذا الرجل، وكان ممن لا خلاق له، فأخذ يسب
الحنابلة ويستخف بهم، وكان معه كتاب من النظام يتضمن الإذن له في
الجلوس في المدرسة [1] ، والتكلم بمذهب الأشعرية، فجلس في الأماكن
كلها، وقال: لا بد من جامع المنصور. فقيل لنقيب النقباء، فقال: لا
طاقة لي بأهل باب البصرة فقيل: لا بد من مداراة هذا الأمر. فقال:
ابعثوا إلى أصحاب الشحنة، فأقام على كل باب من أبواب الجامع تركيا،
ونادى من باب البصرة وتلك الأصقاع دعوا لنا اليوم الجامع، فمنعهم
من الحضور، وحضر الفضولي الشحنة والأتراك والعجم بالسلاح، وصعد
المنبر وقال: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا 2: 102 [2] ما كفر 109/ أأحمد بن/ حنبل، وإنما أصحابه،
وفجاء الآجر فأخذ النقيب قوام الجامع، وقال: هذا من أين؟ فقالوا:
إن قوما من الهاشميين تبطنوا السقف وفعلوا هذا.
وكان الحنابلة يكتبون إليه العجائب فيستخف بهم في جوابها، واتفق
أنه عبر إلى قاضي القضاة أبي عبد الله في يوم الأحد ثالث عشر شوال
فاجتاز في نهر القلائين، فجرى بين أصحابه وأصحاب أبي الحسين بن
الفراء سباب وخصام، فعاد إلى العميد وأعلمه
__________
[1] في الأصل: «في المدنية»
[2] سورة: البقرة، الآية: 102.
(16/224)
بذلك، فبعث من وكل بدار ابن الفراء ونهبت
الدار، وأخذ منها كتاب «الصفات» وجعله العميد بين يديه يقرئه لكل
من يدخل إليه ويقول: أيجوز لمن يكتب هذا أن يحمى أو يؤوى في بلد؟
قَالَ المصنف: قرأت بخط ابن عقيل: أنه لما انفذ نظام الملك بأبي
نصر [1] ابن القشيري تكلم بمذهب أبي الحسن، فقابلوه بأسخف كلام على
ألسن العوام، فصبر لهم هنيئة، ثم أنفذ البكري [2] سفيها طرقيا شاهد
أحواله الإلحاد، فحكى عن الحنابلة ما لا يليق باللَّه سبحانه،
فأغرى بشتمهم وقال: هؤلاء يقولون للَّه ذكر فرماه الله في ذلك
العضو بالخبيث فمات.
وفيها: حارب ملك شاه أخاه تكش، فأسره ثم من عليه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3523- إبراهيم بن علي بن سهل بن عبد الله، أبو إسحاق الحلبي
[3] .
سمع أبا القاسم بن بشران، وروى عنه أشياخنا. قَالَ شجاع بن فارس:
ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: توفي/
إبراهيم سنة خمس 109/ ب وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.
3524- عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد [4] بن يحيى بن منده
العبدي، أبو عمرو بن أبي عبد الله
[5] .
من بيت العلم والحديث، سمع الحديث الكثير، وروى، ورحل الناس إليه
من الأقطار،
__________
[1] «بأبي نصر» سقطت من ص، ت.
[2] في الأصل: «السكري» .
[3] الحلبي: بفتح الحاء المهملة واللام وفي آخرها الباء الموحدة،
حلب بلدة كبيرة بالشام من ثغور المسلمين توصف برقة الهواء (الأنساب
4/ 189) .
[4] «بن محمد» سقطت من ت.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 123. وشذرات الذهب 3/
348. والكامل 8/ 429) .
(16/225)
وحدثنا عنه أشياخنا، وتوفي في جمادى الآخرة
من هذه السنة بأصبهان.
3525- أبو نصر علي ابن الوزير أبي القاسم هبة الله بن علي بن جعفر
بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي الذي يقال له: ابن
ماكولا
[1] .
ولد سنة عشرين وأربعمائة، سمع الكثير وسافر في طلب الحديث، وكان له
علم به، وصنف كتاب «الإكمال» جمع فيه بين كتاب الدار الدارقطني في
«المؤتلف والمختلف» وكتابي عبد الغني في «المؤتلف» وفي «مشتبه
النسبة» وبين كتاب «المؤتنف» لأبي بكر الخطيب، ثم عمل كتابا آخر
ذكر فيه أوهامهم في ذلك، وسافر بآخرة نحو كرمان ومعه جماعة من
مماليكه الأتراك، فغدروا به وقتلوه، وأخذوا الموجود من ماله وذلك
في هذه السنة.
3526- أبو منصور بن نظام الملك
[2] وكان يلي خراسان توفي في هذه السنة، وقيل إنه أراد ملك شاه
قتله فسم لئلا ينكر بذلك أبوه.
__________
[1] هذه الترجمة ساقطة من ت.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 123، 124. والنجوم الزاهرة
5/ 115. وتذكرة الحفاظ 4/ 5.
والمختصر في أخبار البشر لأبي الفداء 2/ 194. وفوات الوفيات 2/ 93.
ووفيات الأعيان 3/ 305.
وتاريخ آداب اللغة 3/ 69. والأعلام 5/ 30. والكامل 8/ 429) .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 424: أحداث سنة 473 هـ) .
(16/226)
ثم دخلت سنة ست
وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[خرج توقيع إلى الوزير عميد الدولة
بعزله]
أنه خرج توقيع يوم الجمعة لخمس بقين من صفر إلى الوزير عميد الدولة
بعزله تضمنه: لكل أجل كتاب، انصرف من الديوان إلى دارك، وخل ما أنت
منوط به من نظرك. فخرج هو وولداه وأهله إلى دار المملكة من غير
استئذان الخليفة، ثم ساروا إلى ناحية خراسان، فكتب الخليفة إلى
السلطان بأن بني جهير لا طريق إلى إعادتهم واستخدامهم، والتمس أن
يبعدوا من العسكر/ ولا يؤوون، وكان السبب في هذا الثقة 110/ أبهم،
فصاروا متهمين، فرتب في الديوان أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء
أبي القاسم ابن المسلمة منفذا وناظرا، وقد كان مرتبا على ابنيه
الدار وغيرها، ولما وصل بنو جهير تلقوا وأكرموا، وعقد للوزير فخر
الدولة على ديار بكر، وخلع عليه الخلع، وأعطى الكوسات، وأذن له في
ضربها أوقات الصلوات الخمس بديار بكر، والصلوات الثلاث:
الفجر، والمغرب، والعشاء في المعسكر السلطاني.
وفي جمادى الآخرة: توفي الشيخ [1] أبو إسحاق الشيرازي، فأجلس مؤيد
الملك مكانه أبا سعد عبد الرحمن بن المأمون المتولى.
وفي يوم الخميس النصف من شعبان: خلع الخليفة على الوزير أبي شجاع
محمد بن الحسين خلع الوزارة، ولقب بظهير الدين، وكان أبو المحاسن
بن أبي الرضا
__________
[1] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
(16/227)
قد نفق على السلطان كثيرا حتى عول عليه،
واطرح نظام الملك، وضمن أبو المحاسن النظام بألف ألف دينار، فعرف
النظام بذلك، فصنع سماطا ودعا السلطان إليه وخلا به بعد أن أقام
مماليكه والأتراك على خيولهم، وكانوا أكثر من ألف غلام، وقال له:
إن [قيل لك] [1] أيها السلطان إنني آخذ عشر أموالك وارتفق بالشيء
من أعمالك وعمالك فإنني أخرجه إلى هذا العسكر الذي تراه بين يديك،
فإن جامكيتهم تشتمل على مائتي ألف [2] دينار في كل سنة، وطرح بين
يده ثبتا بما يتحصل له كل سنة، وأنه ما يكون أكثر من هذا المقدار،
وقال: لو لم افعل هذا لاحتجت أن يخرج لهم كل سنة من خزانتك، وقد
جمعتهم بسلاحهم، فتقدم بنقلهم إلى من تراه من الحجاب، ويكون هذا
العشر الذي آخذه منصرفا إليهم، وأخلص من التعب، ومع هذا فقد خدمت
جدك واباك وشيخت [3] في دولتكم، وأنا والله مشفق من مضيك على ما
أنت عليه، وخائف من عقبى ما أنت خائض فيه، وحمل من الجواهر وغيرها
ما ملأ به عينه، وضمن له استخراج مال آخر من 110/ ب المتكلمين
عليه، فأطلعه السلطان على ما جرى في معناه وحلف له/، وقبض على أبي
المحاسن وحمله إلى قلعة ساوة، وقورت عيناه بالسكين، وحملت إلى
السلطان، فتقدم بطرحهما لكلب الصيد، وأخذ من ابن أبي الرضا مائتي
ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3527- الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي
الشيرازي
[4] .
ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتفقه بفارس على أبي الفرج ابن
البيضاوي،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «تشتمل على ألوف دنانير» .
[3] في الأصل: «وسميت» .
[4] في ت: «إبراهيم بن علي بن يوسف أبو إسحاق الفيروزآبادي
الشيرازي» وكذلك في ص. وفي الأصل: «الفيروزآبادي» أتت في آخر
الاسم.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 124، 125. وشذرات الذهب 3/
349، 350، 351.
وطبقات السبكي 3/ 88. ووفيات الأعيان 1/ 26. والأعلام 1/ 51.
والكامل 8/ 432. وتاريخ نيسابور ت 277) .
(16/228)
وبالبصرة على الجزري [1] ، وببغداد على أبي
الطيب الطبري، وسمع أبا علي بن شاذان والبرقاني وغيرهما، وبنى له
نظام الملك المدرسة بنهر المعلى، وصنّف «المهذب» «والتنبيه» و
«النكت» في الخلاف، و «اللمع» و «التبصرة» و «المعونة» و «طبقات
الفقهاء» وكانت له اليد البيضاء في النظم [2] .
أخبرنا محمد بن ناصر قَالَ: أنشدني أبو زكريا بن علي السلار
العقيلي:
كفاني إذا عز الحوادث صارم ... ينيلني المأكول [3] بالأثر والأثر
يقد ويفري في اللقاء كأنه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
وكثر أتباعه ومالوا إليه، وانتشرت تصانيفه لحسن نيته وقصده، وكان
طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة، يحكى الحكايات الحسنة،
وينشد الأشعار المليحة، وذلك أنه حضر عند يحيى بن علي بن يوسف بن
القاسم بن يعقوب الصوفي برباطه بغزنة يعزيه عن ابن شيخه المطهر بن
أبي سعيد بن أبي الخير، وكان قد غرق في الماء بالنهروان فأنشد.
/ غريق كأن الموت رق لأخذه ... فلان له في صورة الماء جانبه 111/ أ
أبي الله أن أنساه دهري فإنه ... توفاه في الماء الذي أنا شاربه
وكان يعيد الدرس في بدايته مائة مرة.
قَالَ [المصنف رحمه الله: قَالَ] [4] شيخنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي: قَالَ أبو إسحاق الشيرازي: كنت أشتهي وقت
طلبي العلم الثريد بماء الباقلاء فلا يتيسر لي سنين [5] ، فما صح
لي لاشتغالي بالدرس وأخذي السبق بالغدوات والعشيات، وكان يقول بترك
التكلف حتى إنه حضر يوما الديوان فناظر مع أبي نصر ابن القشيري
فأحس
__________
[1] في الأصل: «الجوري» .
وفي ت: «الجوزي»
[2] في ص: «من النظر» .
[3] في الأصل: «المأمون»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ص، ت: «بماء الباقلاء سنين»
(16/229)
في كمه بثقل فقال له: يا سيدي [1] ، ما
هذا؟ فقال: قرصني الملاح.
وكان قشف العيش متورعا، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في المنام [2] فقال له: «يا شيخ» فكان يفتخر بهذا ويقول:
سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخا
[3] .
وحكى أبو سعد بن السمعاني عن جماعة من أشياخه: أنه لما قدم أبو
إسحاق الشيرازي رسولا إلى نيسابور تلقاه الناس، وحمل إمام الحرمين
أبو المعالي الجويني غاشيته، ومشى بين يديه [كالخدم] [4] وقال: أنا
افتخر بهذا.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي [5] قَالَ: أنشدنا أبو إسحاق
لنفسه:
سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بود حر ... فإن الحر في الدنيا قليل
وأنبأنا أبو نصر قَالَ: صحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي في طريق
فأنشدني:
إذا طال الطريق عليك يوما ... فليس دواؤه إلا الرفيق
111/ ب/ تحدثه وتشكو ما تلاقي ... ويقرب بالحديث لك الطريق
وسئل يوما ما التأويل فقال: حمل الكلام علي أخفي محتمله.
توفي ليلة الأحد [6] الحادي والعشرين من جمادى الآخرة [7] من هذه
السنة في دار المظفر ابن رئيس الرؤساء بدار الخلافة من الجانب
الشرقي، وغسله أبو الوفاء بن عقيل [8] ، وصلى عليه بباب الفردوس
لأجل نظام الملك، وأول من صلى عليه المقتدي بأمر
__________
[1] في الأصل: «يا سيدنا»
[2] في الأصل: «في النوم»
[3] «ويقول: سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شيخا» سقطت من ت، ص.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «الطريثي» .
[6] في الأصل: «ليلة الأربعاء»
[7] في الأصل: «من جمادى الأولى»
[8] في الأصل: «أبو الوفاء بن عفان»
(16/230)
الله، وتقدم في الصلاة عليه [1] أبو الفتح
المظفر ابن رئيس الرؤساء وهو حينئذ نائب بالديوان، ثم حمل إلى جامع
القصر فصلى عليه، ودفن بباب أبرز، وقبره ظاهر.
والعجب أنه لم يقدر له الحج، قَالَ بعض أصحابه: لم يكن له شيء يحج
به، ولو شاء [2] لحملوه على الأحداق. قَالَ: وكذلك أبو عبد الله
الدامغاني لم يقدر له الحج، إلا أن ذاك كان يمكنه ولم يفعل.
وحدثني أبو يعلى بن الفراء قَالَ: رأيت أبا إسحاق الشيرازي في
المنام فقلت له:
أليس قد مت؟ فقال: لا والله ما مت، ثم ابرأ إلى الله من المدرسة
وما فيها. قلت: أليس قد دفنت في التربة التي تعرف ببيت فلان؟ فقال:
لا والله ما مت.
3528- طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله، أبو الوفاء القواس
[3] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وقرأ القرآن الكريم علي أبي الحسن
الحمامي، وسمع الحديث من هلال الحفار، وأبي الحسين بن بشران
وغيرهما، وتفقه علي أبي الطيب الطبري، ثم تركه وتفقه على القاضي
أبي يعلى، وأفتى ودرس، وكانت له حلقة بجامع المنصور وللمناظرة
والفتوى، وكان ثقة ورعا زاهدا/، ولازم مسجده المعروف بباب 112/
أالبصرة لا يبرح منه خمسين سنه، روى لنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان من هذه السنة، ودفن إلى جانب
الشريف أبي جعفر في دكة الإمام أحمد بن حنبل.
3529- عبد الله بن عطاء بن عبد الله، أبو محمد [4] الإبراهيمي
[5] .
من أهل هراة، رحل في طلب الحديث، وعني بجمعه، سمع بهراة من أبي عمر
المليحي [6] ، وأبي إسماعيل الأنصاري وغيرهما، وببوشنج من أبي
الحسن
__________
[1] في الأصل: «وتقدم على الصلاة عليه»
[2] في ص، ت: «ولو أراد»
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 125. وشذرات الذهب 3/
351، 352)
[4] في ت: «ابن محمد»
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 352، 353)
[6] في الأصل: «أبي عبد الله المليحي»
(16/231)
عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي،
وكان يخرِّج الأمالي، وسمع بنيسابور، وبأصبهان، وببغداد، حدثنا عنه
مشايخنا، وكان حافظا متقنا.
قَالَ أبو زكريا بن منده الحافظ: كان حافظا صدوقا. وقدح فيه هبة
الله بن المبارك السقطي فقال: كان يصحف أسماء الرواة والمتون، ويصر
علي غلطه، ويركب الأسانيد على متون. والسقطي لا يقبل قوله. توفي
[أبو محمد بن عطاء] [1] يوم الجمعة [2] في هذه السنة في طريق مكة
حين عاد منها [3] .
3530- محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الجبار بن مفلح، أبو
طاهر بن أبي السقر [4] الأنباري الخطيب
[5] .
ولد ليلة الأربعاء منتصف ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلاثمائة، وسمع
خلقا كثيرا، وكان من الجوالين في الآفاق، والمكثرين من شيوخ
الأمصار، وكان يقول: هذه كتبي أحب إلى من وزنها ذهبا، وكان ثقة
ثبتا فاضلا صواما قواما، حدثنا عنه جماعة من 112/ ب أشياخنا، و/ قد
سمع منه أبو بكر الخطيب، روي عنه في مصنفاته فقال: حدثنا محمد بن
أحمد بن محمد اللخمي.
توفي في شعبان هذه السنة، وقيل: في جمادى الآخرة ودفن بالأنبار.
3531- محمد بن أحمد بن الحسن، أبو عبد الله بن جردة [6]
أصله من عكبرا، ورد بغداد فزوّجه أبو منصور بن يوسف ابنته، وكان
شيخا لم ير أحسن منه، واظهر صباحة، وكان [أصل] [7] بضاعته [عشرة
نصافي] [8] ينحدر بها من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ويوم الجمعة» سقطت من ص، ت.
[3] في ت: «مكة حيث عاد عنها»
[4] في ت، ص، والشذرات: «الصقر»
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 125. وشذرات الذهب 3/
354.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 125، 126 وفيه: «ابن
جرادة» )
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/232)
عكبرا إلى بغداد، ووسع عليه الرزق حتى كان
يحزر بثلاثمائة ألف دينار، وهو الذي دفع إلى قريش بن بدران عند
مجيئه مع البساسيري عشرة آلاف دينار حتى حمى داره من النهب، وكان
فيها خاتون خديجة زوجة القائم، ولما اجتمعت بعمها السلطان [1]
طغرلبك أخبرته بحقه عليها، فجاء إلى داره شاكرا، وكانت داره بباب
المراتب يضرب بها المثل، وكانت تشتمل على ثلاثين دارا وعلى بستان
وحمام، ولها بابان علي كل باب مسجد، إذا أذن في أحدهما لم يسمع
الآخر، وكان لا يخرج عن حال التجار في ملبسه ومأكله، وهو الذي بني
المسجد المعروف به بنهر معلى، وقد ختم فيه القرآن ألوفا، توفي ليلة
الأربعاء، ودفن يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة من هذه السنة في
التربة الملاصقة لتربة القزويني بالحربية.
__________
[1] «السلطان» سقطت من ص، ت.
(16/233)
ثم دخلت سنة سبع
وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
113/ أ/ أن كوكبا انقض في ليلة الثلاثاء لعشر بقين من صفر من
المشرق إلى المغرب كان حجمه كحجم القمر ليلة البدر، وضوءه كضوئه،
وسار مدى بعيدا على تمهل وتؤدة في نحو ساعة، ولم يكن له شبه في
الكواكب المنقضة.
وفي شوال: أعطى الخليفة الوزير أبا شجاع إقطاعا ببضعة عشر ألف
دينار، وخرج التوقيع بمدحه الوافر.
وفي هذا الشهر: أعاد السلطان ملك شاه جماعة من أولاد العرب الذين
أخذوا في وقعة بينهم وبين التركمان وجمالا كثيرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3532- إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد [1] بن إبراهيم، أبو
القاسم الجرجاني الإسماعيلي
[2] .
ولد سنة سبع وأربعمائة، وسمع الكثير، وكان دينا فاضلا متواضعا،
وافر العقل، تام المروءة، صدوقا، يفتي ويدرس، وكان بيته جامعا لعلم
الحديث والفقه، ودخل
__________
[1] «بن أحمد» سقطت من ص.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 354. والكامل 8/ 438)
(16/234)
بغداد سنة اثنتين وسبعين فحدث بها فسمع منه
جماعة من شيوخنا وحدثونا عنه.
وتوفي بجرجان في هذه السنة.
3533- أحمد بن محمد بن دوست، أبو سعيد [1] النيسابوري الصوفي
[2] .
صحب أبا سعيد بن أبي الخير مدة، وسافر الكثير، وحج مرات حتى انقطعت
طريق الحج، وكان يجمع جماعة من الفقراء ويخرج معهم ويدور في قبائل
العرب فينتقل من حلة إلى حلة، وقدم مرة من البادية فنزل عند صاحبه
أبي بكر/ الطّريثيثي، 113/ ب وكانت بينهما صداقة [3] وكانت له
زاوية صغيرة فقال له: يا أبا بكر، لو بنيت للأصحاب موضعا أوسع من
هذا وأرفع بابا. فقال له: إذا بنيت رباطا للصوفية فأجعل له بابا
يدخل فيه جمل براكبه. فذهب أبو سعد إلى نيسابور فباع جميع أملاكه،
وجاء إلى بغداد، وكتب إلى القائم بأمر الله يلتمس منه خربة يبني
فيها رباطا، وكانت له خدمة في زمن البساسيري، فأذن له، وأمر بعرض
المواضع عليه، فبنى الرباط وجمع الأصحاب، وأحضر أبا بكر الطريثيثي،
وأركب رجلا جملا فدخل راكبا من الباب، فقال: يا أبا بكر، قد امتثلت
ما رسمت. ثم جاء الغرق في سنة ست وستين فهدم الرباط، فأعاده أجود
مما كان، وكان قبل بناء الرباط ينزل في رباط عتاب، فخرج يوما فرأى
الخبز النقي، فقال في نفسه: إن الصوفية لا يرون مثل هذا، فإن قدر
لي بناء رباط شرطت في سجله أن لا يقدم بين يدي الصوفية خشكار فهم
الآن على ذلك.
وتوفي ليلة الجمعة ودفن من يومه تاسع ربيع الآخر من هذه السنة،
ودفن في مقبرة باب أبرز، وقد نيف على السبعين، وأوصى أن يستخلف
ابنه، فاستخلف وكان له اثنتا عشرة سنة.
3534- أحمد بن المحسن بن محمد بن علي بن العباس بن أحمد بن العطار
الوكيل، أبو الحسن بن أبي يعلي بن أبي بكر بن الحسن
[4] .
__________
[1] في ص، الأصل كما أثبتناه. ومن ت، الشذرات: «سعد»
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 126)
[3] «وكانت بينهما صداقة» سقطت من ص، ت.
[4] في ت: «أبي بكر بن أبي الحسن»
(16/235)
ولد سنة إحدى وأربعمائة، وسمع أبا علي بن
شاذان، وأبا القاسم الخرقي، وأبا الحسن بن مخلد وغيرهم، روى عنه
أشياخنا، وكان عالما بالوكالة والشروط، متبحرا في 114/ أذلك حتى
يضرب به/ المثل في الوكالة، وكان فيه ذكاء مفرط، ودهاء غالب.
قَالَ شيخنا عبد الوهاب الأنماطي: سمعت منه، وهو صدوق صحيح السماع،
إلا أن أفعاله كانت مدبرة.
وقال شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي: طلق رجل امرأة فتزوجت بعد يوم،
فجاء الزوج المطلق إلى القاضي أبي عبد الله البيضاوي وكان يلي
القضاء بربع الكرخ، فقال له: طلقت أمس وتزوجها اليوم، فتقدم القاضي
بأن تحضر المرأة [1] وتركب الحمار، ويطاف بها في السوق. فمضت
المرأة إلى ابن محسن وأعطته مبلغا من المال، فجاء إلى القاضي وقال
له: يا سيدنا القاضي، الله الله لا يسمع الناس هذا ويظنون أنك لا
تعرف هذا القدر. فقال له القاضي: طلقها أمس وتزوجت اليوم، فأين
العدة؟ فقال له: [2] هذه كانت حاملا فطلقها أمس، ووضعت الحمل [3]
البارحة، ومات الولد، فتزوجت اليوم، فسكت القاضي وتخلصت المرأة.
توفي يوم الثلاثاء عاشر رجب من هذه السنة.
3535- عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحيم، أبو عبد الله.
أصله وأصل بني عبد الرحيم من براز الروم [4] للملك أبي كاليجار
وللملك أبي نصر، وخلصت له أموال كثيرة، وكان كريما، وقتله أبو نصر
في دار المملكة في رمضان هذه السنة وعمره تسع وأربعون سنة.
3536- عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر، أبو نصر
الصباغ
[5] .
__________
[1] «المرأة» سقطت من ص، ت.
[2] «له» سقطت من ص.
[3] «الحمل» سقطت من ص.
[4] هكذا من جميع النسخ، فهنا سقط لعدم تناسق العبارة.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 126. وشذرات الذهب 3/
355، 356. ووفيات الأعيان 3/ 217. وطبقات الشافعية 3/ 230. ونكت
الهميان 193. ومفتاح السعادة 2/ 185. والأعلام 4/ 10. والكامل 8/
437) .
(16/236)
ولد سنة أربعمائة ببغداد، وسمع أبا الحسين
[1] بن الفضل القطان، وبرع في الفقه، وكان فقيه العراق، وكان يضاهي
الشيخ [2] أبا إسحاق الشيرازي، ويقدم عليه في معرفة المذهب وغيره،
/ وكان ثقة ثبتا دينا خيرا، ومن تصانيفه «الشامل» و «الكامل» 114/
ب و «تذكرة العالم» و «الطريق السالم» . ولي التدريس بالنظامية
ببغداد قبل أبي إسحاق عشرين يوما، ثم بعد وفاة أبي إسحاق، وكان قد
سافر إلى السلطان ففعل معه هناك كل جميل، فأقام بعد قدومه ثلاثة
أيام يهنأ بذلك.
قَالَ أبو الوفاء بن عقيل: ما كان يثبت مع قاضي القضاة أبي عبد
الله الدامغاني ويشفى في مناظرته من أصحاب الشافعي مثل أبي نصر
الصباغ.
توفي بكرة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن في
داره بدرب السلولي من الكرخ، ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.
3537- محمد بن أحمد
بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل، أبو الفضل المحاملي [3] .
ولد سنة ست وأربعمائة، وسمع أبا الحسين بن بشران، وأبا علي بن
شاذان، وأبا الفرج بن المسلمة وغيرهم، وتفقه على أبيه، وأبوه صاحب
التعليقة، وحدث عنه مشايخنا وكان فهما فطنا، ثم إنه دخل في أشغال
الدنيا.
وتوفي يوم الخميس خامس رجب، ودفن بمقبرة باب حرب في هذه السنة.
3538- مسعود بن ناصربن عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن
إسماعيل، أبو سعيد الشجري
[4] .
أقام مدة ببغداد يدور على الشيوخ ويفيد الواردين، سمع بها من أبي
طالب بن غيلان، وأبي بكر بن بشران، وأبي القاسم التنوخي، وأبي محمد
الخلال الجوهري.
وسمع بواسط، وبهراة، ونيسابور، وسجستان وغيرها، وجال في الآفاق،
وسمع منه
__________
[1] في ص، والأصل: «أبا الحسن»
[2] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
[3] في ت: «الحاملي»
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 127. وشذرات الذهب 3/
357. والأعلام 7/ 221)
(16/237)
أبو بكر الخطيب، وحصل كتبا كثيرة، ونسخا
نفيسة، وكان حسن الخط، صحيح 115/ أالنقل، حافظا ضابطا متقنا
ومكثرا، واحتبسه نظام الملك/ بناحية بيهق مدة، ثم بطوس للاستفادة
[1] منه، ثم انتقل في آخر عمره إلى نيسابور فاستوطنها، ووقف كتبه
فيها في مسجد عقيل.
وقال أبو بكر بن الخاضبة: وكان مسعود قدريا، سمعته يقرأ الحديث،
فلما أتى على حديث أبي هريرة: «احتج آدم وموسى» في الحديث، وقال:
«فحج آدم موسى» .
فجعل موسى فاعلا وآدم محجوجا، نوزع [2] في ذلك، وجرت قصة.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة بنيسابور، وصلى عليه أبو
المعالي الجويني.
__________
[1] في الأصل: «وحبس نظام الملك بناحية بيهق مدة، ثم بطوس احتبس
نظام الملك للاستفادة ... »
[2] في كل النسخ «وتفرع من ذلك»
(16/238)
ثم دخلت سنة ثمان
وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الخبر بأن أرجان زلزلت]
أنه وصل الخبر في المحرم بأن أرجان زلزلت [1] وما تاخمها من
النواحي، وهلك خلق، وسقطت منارة الجامع، وهلك تحت الردم أمم من
الآدميين والمواشي.
[هبوب ريح عظيمة]
وفي ربيع الأول: هبت ريح عظيمة بعد العشاء، واسودت الدنيا وادلهمت،
وكثر الرعد والبرق، وعلا على السطوح رمل عظيم وتراب، وكانت النيران
تضطرم في جوانب السماء، ووقعت صواعق بألسن والبوازيج، وكسرت بالنيل
نخيل كثيرة، وغرقت سفن، وخر كثير من الناس على وجوههم، فاستمر ذلك
إلى نصف الليل حتى ظنوا أنها القيامة، ثم انجلت.
[ولد للمقتدي ولد سماه حسينا وكناه أبا
عبد الله]
وفي هذا الشهر: ولد للمقتدي ولد سماه: حسينا، وكناه: أبا عبد الله،
وجلس النائب بالديوان العزيز بباب الفردوس للتهنئة به، وضربت
الطبول والبوقات، وكثرت الصدقات، / وخرج توقيع من أمير المؤمنين
وفيه قد رفع إلى مجلس العرض الأشرف 115/ ب حال بني اليهود وتظاهرهم
[2] بما حظر على أهل الذمة المظاهرة به، فمتى تعدوا شرطا مما أخذ
منهم نقضوا العهد، وبرئت منهم الذمة. قَالَ الله تعالى:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 24: 63 [3]
.
__________
[1] في الأصل: «وتزلزلت»
[2] في الأصل: «وظاهرهم»
[3] سورة: النور، الآية: 63.
(16/239)
[فتح فخر
الدولة ميافارقين عنوة]
وفي جمادى الأولى [1] : فتح فخر الدولة أبو نصر ميافارقين عنوة،
فتم له بذلك الاستيلاء على ديار بكر.
[بدأ الطاعون ببغداد]
وفيه: بدأ الطاعون ببغداد
ونواحيها، وكان عامة أمراضهم الصفراء، بينا الرجل في شغله أخذته
رعدة فخر لوجهه، ثم عرض لهم شناج وبرسام وصداع، وكان الأطباء يصفون
مع هذه الأمراض أكل اللحم لحفظ القوة، فإنهم ما كانت تزيدهم الحمية
إلا قوة مرض، وكانوا يسمونها: مخوية، وتقول الأطباء: ما رأينا مثل
هذه الأمراض لا تلائمها المبردات ولا المسخنات، واستمر ذلك إلى آخر
رمضان فمات منه نحو عشرين ألف ببغداد، وكان المرض يكون [2] خمسة
أيام وستة ثم يأتي الموت، وكان الناس يوصون في حال صحتهم، وكان
الميت يلبث يوما ويومين لعدم غاسل وحامل وحافر، وكان الحفارون
يحفرون عامة ليلتهم بالروحانية ليفي ذلك بمن يقبر نهارا، ووهب
المقتدي للناس ضيعة تسمى الأجمة فامتلأت بالقبور، وفرغت قرى من
أهلها منها المحول.
وحكى بعض الأتراك أنه مر بالمحول، فرأى كثرة الموتى، ورأى طفلة على
باب 116/ أبيت تنادي: هل من مسلم يؤجر في فيأخذني، فإن أبي وأمي/
وأخوتي هلكوا في هذا البيت. قَالَ: فنزلت فإذا بها في صدر أمها
ميتة.
وحكى عبيد الله بن طلحة الدامغاني أن دربا من دروب التوثة مات جميع
أهله فسد باب الدرب، وهلك عامة أهل باب البصرة، وأهل حربي، وعم هذا
الطاعون خراسان، والشام، والحجاز، وتعقبه موت الفجأة، ثم أخذ الناس
الجدري في أطفالهم، ثم تعقبه موت الوحوش في البرية، ثم تلاه موت
الدواب والمواشي، ثم قحط الناس، وعزت الألبان واللحوم، ثم أصاب
الناس بعد ذلك الخوانيق، والأورام، والطحال، وأمد المقتدى بأمر
الله الفقراء بالأدوية والمال، ففرق ما لا يحصى، وتقدم إلى أطباء
المارستان بمراعاة جميع المرضى.
[هبوب ريح سوداء]
وفي جمادى الآخرة: هبت ريح سوداء، وادلهمت السماء، وكان في خلال
ذلك
__________
[1] في الأصل: «جمادى الآخرة»
[2] «فمات منه نحو عشرين ألف ببغداد وكان المرض يكون» سقطت من ص.
(16/240)
نار وتراب كالجبال يسير بن السماء والأرض،
فانجلت وقد هلك خلق كثير من الناس والبهائم، ودخل اللصوص الحمامات
فأخذوا ثياب الناس، ونهبوا الأسواق، وغرقت سفن، وسقط رأس منارة باب
الأزج.
[بدء الفتن بين أهل الكرخ ومحال السنة]
وفي شعبان: بدأت الفتن بين أهل الكرخ ومحال السنة، ونهبت قطعة من
نهر الدجاج، وقلعت الأخشاب حتى من المساجد، وضرب الشحنة خيما هناك
حتى انكف الشر.
وفي يوم الخميس ثاني عشر شعبان: خلع علي أبي بكر محمد بن المظفر
الشامي في الديوان وولى قضاء القضاة.
قَالَ عبد الله بن المبارك السقطي: لما توفي [محمد بن علي] [1]
الدامغانيّ وكان 116/ ب يحمل إليه أموال كثيرة من الأمصار، وترشح
ولده لقضاء القضاة، وبذل مالا جزيلا فرأى أمير المؤمنين رفع الظنة
عنه بقبول مال، فعدل إلى الشامي، فخرج التوقيع بولايته، فاستبشر
الناس.
وفي رمضان: تكلم بهراة متكلم فلسفي فأنكر عليه عبد الله الأنصاري،
فتعصب لذلك قوم فافتتنت هراة، وخرج ذلك المتكلم إلى فوسنج [2] بعد
أن أثخن ضربا، وأحرقت داره، فلجأ إلى دار القاضي أبي سعد بن أبي
يوسف مدرس فوسنج، فأتبعه قوم من أصحاب الأنصاري إلى فوسنج وهجموا
عليه، ونالوا منه ومن أبي سعد، فافتتنت فوسنج، وسود باب مدرسة
النظام، وكانت فيها جراحات فبعث النظام فقبض على الأنصاري، فأبعده
عن هراة حتى خبت الفتنة، ثم أعاده إلى هراة.
وفي ذي القعدة: جاء سيل لم يشاهد مثله منذ سنين، فغرق عامة المنازل
ببغداد، ودام يوما وليلة، وبقي أثر ذلك السحاب في البرية إلى
الصيف.
[قبض بدر الجمالي أمير مصر على ولده
الأكبر]
وفي هذا الشهر: قبض بدر الجمالي أمير مصر على ولده [3] الأكبر
وأربعة من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «بوشيخ» وكذلك في المواضع التالية.
[3] في ص: «ابنه»
(16/241)
الأمراء، كان الولد قد واطأهم على قتل أبيه
لينفرد بالملك، فوشى بذلك خازن أحد الأمراء، فأخذ الأربعة، وضرب
رقابهم وصلبهم، وعفى أثر ولده، فقال قوم: قطع عنه القوت فمات، وقال
قوم: غرقه، وقال قوم: دفنه حيا، وكان بدر هذا قد نفى عن مصر
والقاهرة كل من وقعت عليه سيماء العلم بعد أن قتل خلقا كثيرا من
العلماء، وقال:
العلماء أعداء هذه الدولة هم الذين ينبهون العوام على ما يقولونه،
ونفى مذكري أهل السنة، وحمل الناس أن يكبروا خمسا على الجنائز، وأن
يسدلوا أيمانهم في الصلاة، وأن يتختموا في الأيمان، وأن يثوبوا في
صلاة الفجر «حي على خير العمل» وحبس أقواما رووا فضائل الصحابة.
[زيادة نيل مصر]
وزاد نيل مصر في هذه السنة زيادة لم يعهدوها منذ سنين وكثر الخصب.
[عودة الفتن بين أهل الكرخ والسنة]
وفي ذي الحجة عادت [1] الفتن بين أهل الكرخ والسنة، وأحرق شطر من
الكرخ ومن باب البصرة، وعبر الشحنة فأحرق من باب البصرة، وقتل
هاشميا فعبر أهل باب البصرة إلى الديوان، ورجموا المتعيشين في
الحريم، وغلقوا الدكاكين، فنفذ من منع الشحنة منهم، وأصلح بينهم.
ومما حدث في هذه السنة: أن رجلا من الهاشميين يقال له: ابن الحب
كانت له بنت فهويها جار لهم وهويته فافتضها، فدخل أبوها فرآها على
تلك الحال فغشي عليه، ثم أفاق بعد زمان وجرد سيفا وعدا ليقتلها،
فهربت إلى جيرانها، ثم ظفر بها فسألها عن الحال فاعترفت [2] ، فمضى
إلى الديوان في جماعة من الهاشميين يستنفر على الرجل، فلم تثبت له
بينة ولا أقر الرجل، فحبس الشريف ابنته في بيت، وسد عليها الباب،
وكان لها أخ يرمي إليها من روزنة البيت يسيرا من القوت فعلم فعلم
أبوها فأخرجه من الدار، فبقيت أياما ليس لها قوت فماتت.
ومما حدث: أن قوما وقعوا على حاج مصر فقتلوا خلقا كثيرا منهم،
وأخذوا أموالهم، وعاد من سلم غير حاج، وخرج توقيع من المقتدى بأمر
الله بنقض ما علا من دور بني الحرر [اليهود] [3]
__________
[1] في ص: «ثارت»
[2] في الأصل «فأخبرته»
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/242)
وسد أبواب لهم كانت تقابل الجامع، وأخذ
عليهم غض الصوت بقراءة التوراة في منازلهم، وإظهار الغيار على
رءوسهم، ونودي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتقدم إلى والي
كل محلة بالسد من الطائفة الصمدية، وأريقت الخمور، وكسرت الملاهي،
ونقضت دور أهل الفساد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3539- أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أبي أيوب، [أبو
بكر] [1] الفوركي، وهو سبط أبي بكر بن فورك
[2] :
نزل بغداد واستوطنها وكان متكلما مناظرًا واعظا، وكان ختن أبي
القاسم القشيري على ابنته، وكان يعظ في النظامية فوقعت بسببه
الفتنة في المذاهب، وكان مؤثرا للدنيا، طالبا للجاه، لا يتحاشى من
لبس الحرير، وقد سمع من أصحاب الأصم، وقيل لأبي منصور بن جهير:
نحضره لنسمع منه؟ فقال: الحديث أصلف من الحال التي هو عليها.
فاستحسن الناس ذلك منه.
وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: كان داعية إلى البدعة يأخذ كسر
الفحم [3] من الحدادين ويأكل منه.
وتوفي في شعبان هذه السنة عن نيف وستين سنة، ودفن عند قبر الأشعري
بمشرعة الروايا من الجانب الغربي.
3540- الحسين بن علي، أبو عبد الله المردوسي
[4] :
كان رئيس زمانه، وكان قد خدم في زمن بني بويه، وبقي إلى زمان
المقتدي، وارتفع أمره حتى كانت ملوك الأطراف تكتب إليه عبده
وخادمه، وكان كامل المروءة، لا
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 127)
[3] في الأصل: «مكسر الفحم»
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 127 وفيه: الحسن بن
علي» )
(16/243)
يسعى إلا في مكرمة، وكان كثير البر
والصدقة، والصوم والتهجد، وحفر لنفسه قبرا وأعد كفنا قبل وفاته
بخمسين سنة، وتوفي عن خمس وتسعين ودفن بمقبرة باب التبن.
3541- حمزة بن علي بن محمد بن عثمان، أبو الغنائم ابن السواق
البندار
[1] :
ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وسمع من أبي الحسين بن بشران وغيره،
وكان ثقة صدوقا من أثبت المحدثين، حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي في
شعبان هذه السنة.
3542- عبد الله بن محمد، أبو الحسن البستي
[2] :
قاضي الحريم الشريف، ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وتوفي في هذه
السنة.
3543- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مأمون بن علي، أبو سعد المتولي
[3] :
ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة، وسمع الحديث، وقرأ الفقه على جماعة،
ودرس بالنظامية ببغداد بعد أبي إسحاق، ودرس الأصول مدة، ثم قَالَ:
الفروع أسلم، وكان فصيحا فاضلا، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر شوال
من هذه السنة، وصلى عليه أبو بكر الشامي، ودفن بمقبرة باب أبرز.
3544- عبد الملك بن عبد الله [4] بن يوسف، أبو المعالي الجويني،
الملقب: إمام الحرمين
[5] :
من أهل نيسابور، و «جوين» قرية من قرى نيسابور، ولد سنة سبع عشرة
__________
[1] البندار: بضم الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهملة
وفي آخرها الراء: هذه النسبة إلى من يكون مكثرا من شيء يشتري منه
من هو أسفل منه أو أخف حالا وأقل مالا منه ثم يبيع ما يشتري منه
غيره، وهذه لفظة أعجمية (الأنساب 2/ 311) .
[2] السبتي: نسبة إلى بست، وهي بلدة من بلاد كابل بين هراة وغزنة
(الأنساب 2/ 208)
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 128. وشذرات الذهب 3/
358. ووفيات الأعيان 3/ 133.
والأعلام 3/ 323. والكامل 8/ 442)
[4] في ت: «عبيد الله
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 128. وشذرات الذهب 3/
358: 362. ووفيات الأعيان 1/ 287. ومفتاح السعادة 1/ 440، 2/ 188.
والأعلام 4/ 160. وطبقات السبكي 3/ 249.
والكامل 8/ 441)
(16/244)
وأربعمائة، وتفقه في صباه على والده وله
دون العشرين سنة، فأقعده مكانه للتدريس [1] [فأقام التدريس] [2] ،
وسمع الحديث الكثير في البلاد، وفي بغداد من أبي محمد الجوهري،
وروى عنه شيخنا زاهر بن طاهر الشحامي، وخرج إلى الحجاز فأقام بمكة
أربع سنين، وعاد إلى نيسابور فجلس للتدريس ثلاثين سنة، وقد سلم
إليه التدريس والمحراب والمنبر والخطابة ومجلس التذكير يوم الجمعة،
وكان يحضر درسه كل يوم نحو ثلاثمائة، وتخرج به جماعة من الأكابر
[3] ، حتى درسوا في حياته، وصرف أكثر عنايته في آخر عمره إلى تصنيف
الكتاب الذي سماه: «نهاية المطلب في دراية المذهب» وكان الشيخ أبو
[4] إسحاق يقول له: أنت إمام الأئمة. 118/ ب وكان الجويني قد بالغ
في الكلام، وصنف الكتب الكثيرة فيه، ثم رأى أن مذهب السلف أولى،
فروى عنه أبو جعفر الحافظ أنه قَالَ: ركبت البحر الأعظم، وغصت في
الّذي نهى عنه [5] أهل الإسلام كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في
سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق،
عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطف بره وإلا فالويل لابن
الجويني.
وأنبأنا أبو زرعة، عن أبيه محمد بن طاهر المقدسي قَالَ: سمعت أبا
الحسن القيرواني وكان يختلف إلى درس أبي المعالي الجويني يقرأ عليه
الكلام يقول: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا، لا تشتغلوا
بالكلام، فلو علمت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
قَالَ المصنف رحمه الله: وشاع عن أبي المعالي أنه كان يقول إن الله
يعلم جمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل، فوا عجبا! أترى التفاصيل يقع
عليها اسم شيء أو لا؟ فإن وقع عليها اسم شيء فقد قال الله وَهُوَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 2: 29 [6] وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ
عالِمِينَ 21: 81 [7] .
__________
[1] في الأصل: «للدرس» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «الكبار» .
[4] «الشيخ» سقطت من ص، ت.
[5] في ص، ت: «الّذي نهى أهل الإسلام عنه»
[6] سورة: البقرة، الآية: 29.
[7] سورة: الأنبياء، الآية: 81.
(16/245)
ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: قدم
أبو المعالي الجويني بغداد أول ما دخل الغز، وتكلم في أبي إسحاق،
وأبي نصر بن الصباغ، وسمعت كلامه قَالَ: وذكر الجويني في بعض كتبه
ما خالف به إجماع الأمة، فقال: إن الله تعالى يعلم المعلومات 119/
أمن طريق الجملة لا من طريق التفصيل. قَالَ: وذكر لي الحاكي عنه
وهو من الفضلاء: من مذهبه أنه ذكر على ذلك شبهات سماها حججا
برهانية. قَالَ ابن عقيل:
فقلت له: يا هذا، تخالف نص الكتاب، قَالَ الله تعالى: وَما
تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي
ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ
مُبِينٍ 6: 59 [1] وقال:
يَعْلَمُ ما في أَنْفُسِكُمْ 2: 235 [2] وَيَعْلَمُ ما في
الْأَرْحامِ 31: 34 [3] ويَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى 20: 7 [4]
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 2: 29 [5] ثم انتقل إلى بيان علم ما
لم يكن أن لو كان كيف كان يكون فقال لَوْ رُدُّوا لَعادُوا 6: 28
[6] وهذا من جهة السمع، فأما من جهة العقل فإنه خلق جميع الأشياء
الكليات والجزئيات، وهذا غاية الدليل على الإحاطة بتفاصيل أحوالها،
ومعلوم أن دقائق حكمته المدفونة في النحل وهو ذباب من سمع وبصر
[وتهد] [7] إلى دقائق الإتقان في عمل البيوت والادخار للأقوات ما
يبطل هذا، ولو صح ما قَالَ كانت الجزئيات في حيز الإهمال، ومن نفي
عن نفسه الجهل وأثبت لها العلم كيف يقال فيه هذا. وقد عجبت من
تهجمه بمثل هذا، وهذه المقالة غاية الضلالة، هذا كله كلام ابن
عقيل.
وحكى هبة الله بن المبارك السقطي قَالَ: قَالَ لي محمد بن الخليل
البوشنجي:
حدثني محمد بن علي الهريري وكان تلميذ أبي المعالي الجويني قَالَ:
دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه وأسنانه تتناثر من فيه ويسقط منه
الدود لا يستطاع شم فيه [8] ، فقال:
هذا عقوبة تعرضي بالكلام فاحذره.
__________
[1] سورة: الأنعام، الآية: 59.
[2] سورة: البقرة، الآية: 235.
[3] سورة: لقمان، الآية: 34.
[4] سورة: طه، الآية: 7.
[5] سورة: البقرة، الآية: 29.
[6] سورة: الأنعام، الآية: 28.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الأصل: «فمه»
(16/246)
مرض الجويني أياما، وكان مرضه غلبة الحرارة
وحمل إلى بشتنقان لاعتدال 119/ ب الهواء فزاد ضعفه، وتوفي ليلة
الأربعاء بعد العشاء الخامس والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة
عن تسع وخمسين سنة، ونقل في ليلته إلى البلد، ودفن في داره، ثم نقل
بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن إلى جانب والده، وكان أصحابه
المقتبسون من علمه نحو أربعمائة يطوفون في البلد وينوحون [1] عليه.
3545- محمد بن أحمد ابن ذي البراعتين، أبو المعالي.
من أهل باب الطاق، حدث عن أبي القاسم بن بشران، وحدث عنه شيخنا أبو
القاسم السمرقندي، وكان يتصرف في أعمال السلطان.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان رافضيا لا تحل الرواية عنه.
توفي في رمضان هذه السنة.
3546- محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد [2] بن الوليد، أبو علي
المعتزلي
[3] .
من الدعاة، كان يدرس [4] علم الاعتزال، وعلم الفلسفة والمنطق،
فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر،
ولم يكن عنده من الحديث إلا حديث [5] واحد لم يرو غيره، سمعه من
شيخه أبي الحسين بن البصري، ولم يرو أبو الحسين غيره، وهو قَوْلُهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»
[6] فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي
خالفا بها السنة، وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا.
ولهذا الحديث قصة عجيبة: وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة، ولم يسمع
من شعبة
__________
[1] في ت: «يوحون» .
[2] «بن أحمد» سقطت من ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 129. وشذرات الذهب 3/
362. ولسان الميزان 5/ 56.
والكامل حوادث سنة 478 (8/ 441) . والأعلام 5/ 315)
[4] في الأصل: «يدري»
[5] في ص: «سوى حديث» .
[6] حديث: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» أخرجه البخاري من صحيحه 9/
25، وأورده السيوطي في الدرر المنتشرة برقم 70، وعزاه للبخاريّ.
(16/247)
غيره، وفي سبب ذلك قولان: أحدهما: أن
القعنبي قدم البصرة ليسمع من شعبة ويكثر، فصادف مجلسه وقد انقضى،
فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحا وشعبة على 120/ أالبالوعة، فهجم
فدخل من غير استئذان وقال: أنا غريب قصدت من بلد/ بعيد لتحدثني،
فاستعظم شعبة ذلك وقال: دخلت منزلي بغير إذني، وتكلمني وأنا على
مثل هذه الحال، اكتب: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رَبَعِيِّ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
أنه قَالَ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، ثم
قَالَ: والله لا حدثتك غيره ولا حدثت قوما أنت معهم.
والثاني: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا
الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنَّاءُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلَالُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْكَشِّيُّ قَالَ: حدثني بَعْضُ الْقُضَاةِ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ
الْقَعْنَبِيِّ قَالَ: كَانَ أَبِي يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَيَصْحَبُ
الأَحْدَاثَ، فَقَعَدَ يَوْمًا يَنْتَظِرُهُمْ عَلَى الْبَابِ،
فَمَرَّ شُعْبَةُ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ يَهْرَعُونَ فَقَالَ: مَنْ
هَذَا؟ قِيلَ: شُعْبَةُ. قَالَ: وَأَيُّ شُعْبَةَ؟ قِيلَ:
مُحَدِّثٌ. فَقَامَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ أَحْمَرُ فَقَالَ
لَهُ: حَدِّثْنِي. قَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ
الْحَدِيثِ. فَشَهَرَ سِكِّينَهُ فَقَالَ:
أَتُحَدِّثُنِي أَوْ أَجْرَحُكَ. فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَنَا
مَنْصُورٌ، عَنْ رَبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَمْ
تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، فرمى سكينه ورجع إلى منزله،
فأهراق ما عنده، ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس، ثم رجع إلى
البصرة وقد مات شعبة، فما سمع منه غير هذا الحديث.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال، لا تحل
الرواية عنه.
قَالَ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قَالَ: جرت
مسألة بين 120/ ب أبي علي بن الوليد وأبي يوسف القزويني في إباحة
الولدان في الجنة، أي في إمراجهم في جماعهم وإنشاء شهوتهم لذلك،
قَالَ أبو علي بن الوليد: لا يمتنع أن يجعل من جملة لذاتهم ذلك
لزوال المفسدة فيه في الجنة، لأنه إنما منع منه في الدنيا لما فيه
من قطع النسل، وكونه محلا للأذى وليس في الجنة ذلك، ولذلك أمرجوا
في شرب الخمر لما أمن من السكر وغائلته من العربدة والعداوة، وزوال
العقل، فلما أمن ذلك من شربها لم يمنع من الالتذاذ بها. فقال أبو
يوسف: إن الميل إلى الذكور عاهة، وهو قبيح
(16/248)
في نفسه، إذ لم يخلق هذا المحل للوطء،
ولهذا لم يبح في شريعة، بخلاف الخمر، وإنما خلق مخرجا للحدث، وإذا
كان عاهة فالجنة منزهة عن العاهات. فقال أبو علي [1] : إن العاهة
هي التلويث بالأذى، وإذا لم يكن أذى لم يكن إلا مجرد الالتذاذ، فلا
عاهة.
قَالَ ابن عقيل: قول أبي يوسف كلام جاهل، إنما حرم بالشرع، وكما
عادت الأجزاء كلها لاشتراكها في التكليف ينبغي ان تعاد القوى
والشهوات، لانها تشارك الأجزاء في التكليف [2] ويتعصب بالمنع من
قضاء أوطارها، والممتنع من هذا معالج طبعه بالكف، وفينبغي أن تقابل
هذه المكابدة بالإباحة. ثم عاد وقال: لا وجه لتصوير اللواط، لأنه
ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط، إذا لا غائط.
توفي ابن الوليد في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من هذه السنة [3]
[وصلى عليه أبو طاهر الزينبي] [4] ودفن بالشونيزيه.
3547- محمد بن علي [بن محمد] [5] بن الحسين [6] بن عبد الملك بن
عبد الوهاب بن حمويه، أبو عبد الله الدامغاني
[7] :
ولد في ليلة الاثنين ثامن ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
بدامغان، وتفقه ببلده، ثم دخل إلى بغداد يوم الخميس سادس عشرين
رمضان سنة تسع عشرة فتفقه 121/ أعلى أبي عبد الله الحسين بن علي
الصيمري، وأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري، وسمع منهما الحديث،
وبرع في الفقه، وخص بالعقل الوافر والتواضع، فارتفع وشيوخه أحياء،
وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين، وكان فصيح العبارة،
__________
[1] في الأصل: «أبو الوليد»
[2] «ينبغي ان تعاد القوى والشهوات لانها تشارك الأجزاء في
التكليف» هذه العبارة ساقطة من ت.
[3] «في هذه السنة» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من ص الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في ت: «بن الحسن»
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 129.
وشذرات الذهب 3/ 362. والجواهر المضية 2/ 96. واللباب 1/ 406.
ومعجم البلدان 4/ 27.
والوافي بالوفيات 4/ 139. والأعلام 6/ 276. والكامل 8/ 442)
(16/249)
كثير النشوار في درسه، سهل الأخلاق، روى
عنه شيوخنا، وعانى الفقر في طلب العلم، فربما استضوأ بسراج الحارس.
وحكى عنه أبو الوفاء ابن عقيل أنه قَالَ: كان لي من الحرص على
الفقه في ابتداء أمري أني كنت أخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب
أفياء الدور [1] الشاطئية والمسنيات، فأنظر في الجزء وأعيده، ولا
أقوم إلا وقد حفظته، وفأدّى بي السعي إلى مسناة الحريم الطاهري،
فجلست في فيئها الثخين، وهوائها الرقيق، واستغرقني النظر، فإذا شيخ
حسن الهيئة قد اطلع على، ثم جاءني بعد هنيهة فراش فقال: قم معي.
فقمت معه حتى جاء بي إلى باب كبير وعليه جماعة حواش، فدخل بي إلى
دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس فيها أحد، فأدفاني منه فجلست، وإذا
بذلك الشيخ الذي اطلع على قد خرج فاستدناني منه، وسألني عن بلدي
فقلت: دامغان، وكان علي قميص خام وسخ وعليه آثار الحبر، فقال: ما
مذهبك، وعلى من تقرأ؟ فقلت: حنفي، قدمت منذ سنين وأقرأ على
الصميري، وابن القدوري. فقال: من أين مؤنتك؟ قلت: لا جهة لي أتمون
121/ ب منها. فقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا [2] من الطلاق؟
وبسطني ثم قَالَ: تجيء كل خميس إلى ها هنا. فلما جئت أقوم أخذ
قرطاسا وكتب شيئا [ودفعه إلى] [3] وقال:
تعرض هذا على من فيه اسمه وتأخذ [4] ما يعطيك. فأخذته ودعوت له،
فأخرجت من باب آخر غير الذي دخلت منه، وإذا عليه رجل مستند إلى
مخدة، فتقدمت [إليه فقلت] [5] : من صاحب هذه الدار؟ فقال: هذا ابن
المقتدر باللَّه. فقال: فما معك؟
فقلت: شيء كتبه لي. فقال: بخطه، أين كان الكاتب؟ فقلت: على من هذا؟
فقال:
على رجل من أهل باب الأزج: عشر كارات دقيق سميد فائق، وكانت الكارة
تساوي ثمانية دنانير، وكتب لك بعشرة دنانير. فسررت ومضيت إلى
الرجل، فأخذ الخط ودهش، وقال: هذا خط مولانا الأمير.، فبادر فوزن
الدنانير وقال: كيف تريد الدقيق؟
__________
[1] في الأصل: «أتقيا البيوت»
[2] «وكذا» سقطت من ص، ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: «وخذ» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/250)
جملة أو تفاريق؟ فقلت: أريد كارتين منها،
وثمن الباقي. ففعل فاشتريت كتبا فقهية بعشرين وكاغدا بدينارين.
وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا قاضي القضاة في يوم الأربعاء ثالث
عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، فلما توفي ابن ماكولا قَالَ
القائم بأمر الله لأبي منصور بن يوسف: قد كان هذا الرجل- يعني ابن
ماكولا- قاضيا حسنا نزها، ولكنه كان خاليا من العلم، ونريد قاضيا
عالما دينا. فنظر ابن يوسف إلى عميد الملك [1] الكندري هو المستولي
على الدولة، وهو الوزير، وهو شديد التعصب لأصحاب الإمام [2] أبي
حنيفة، فأراد التقرب إليه، فاستدعى أبا عبد الله الدامغانيّ فولى
قاضي القضاة يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وأربعين، وخلع
عليه، وقرئ عهده، وقصد خدمة السلطان 122/ أطغرلبك في يوم الأربعاء
عاشر ذي القعدة، فأعطاه دست ثياب وبغلة، واستمرت ولايته ثلاثين
سنة، ونظر نيابة عن الوزارة مرتين: مرة للقائم بأمر الله، ومرة
للمقتدي.
وكان يوصف بالأكل الكثير، فروى الأمير باتكين بن عبد الله الزعيمي
قَالَ:
حضرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير، وكان يحضره الأكابر، فحضر
قاضي القضاة محمد بن على، فأحببت أن أنظر إلى أكله، فوقفت بإزائه،
فأبهرني كثرة أكله حتى جاوز الحد، وكان من عادة الوزير أن ينادم
الحاضرين على الطبق، ويشاغلهم حتى يأكلوا، ولا يرفع يده إلا بعد
الكل، فلما فرغ الناس من الأكل قدمت إليهم أصحن الحلوى، وقدم بين
يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكر [وكانت الأصحن] [3] كبارا، يسع
الصحن منها أكثر من [4] ثلاثين رطلا، فقال له الوزير يداعبه: هذا
برسمك.
فقال: هلا أعلمتموني. ثم أكله حتى أتى على آخره.
مرض أبو عبد الله الدامغاني يوم الأربعاء سابع عشر رجب، وكان الناس
يدخلون فيعودونه إلى آخر يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب،
فحجب عن الناس الخميس
__________
[1] في الأصل: «إلى عبد الملك»
[2] «الإمام» سقطت من ص، ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «أكثر من» سقطت من ص.
(16/251)
والجمعة أو توفي ليلة السبت الرابع
والعشرين من رجب. وقد ناهز الثمانين. فنزع الفقهاء طيالستهم يوم
موته، وصلى عليه ابنه أبو الحسن، ودفن بداره بنهر القلائين، ثم نقل
إلى مشهد أبي حنيفة.
3548- محمد بن علي بن المطلب، أبو سعد
[1] :
122/ ب كان قد قرأ النحو واللغة [2] ، والسير، والآداب، وأخبار
الأوائل، وقال شعرا كثيرا، إلا أنه كان كثير الهجو، ثم مال عن ذلك،
وأكثر الصوم والصلاة والصدقة، وروى الحديث عن ابن بشران، وابن
شاذان، وغيرهما، وغسل مسودات شعره، وأحرق بعضها بالنار، وتوفي فِي
هذه السنة وهو ابن ست وثمانين سنة.
3549- محمد بن أبي طاهر، العباسي، ويعرف بابن الرجحي
[3] :
تفقه على أبي نصر ابن الصباغ وشهد عند الدامغاني وناب في القضاء
فحمدت طريقته وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة الجامع.
3550- منصور [بن دبيس] [4] بن علي بن مزيد
[5] :
توفي [6] [وتولى الإمارة ابنه سيف الدولة صدقة] [7] وتوفي في رجب
هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 130) .
[2] في الأصل: «كان قد قرأ المعنية»
[3] في الأصل، ص: «الرحى» وفي البداية والنهاية: «الرجيحي» وما
أثبتناه من ت.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 130)
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت زيادة: «بن صدقة» ولم أجدها في أي مصدر نقل له ترجمة،
ولعلها سهو من الناسخ.
انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 445 وفيات سنة 479.
والبداية والنهاية 12/ 130. والأعلام/ 299. وتاريخ ابن خلدون 4/
280)
[6] «توفي» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/252)
3551- هبة الله [بن عبد الله] [1] بن أحمد
بن السيبي [2] ، أبو الحسن
[3] :
ولد سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وسمع أبا الحسين بن بشران، وابن
أبي الفوارس، وابن الحمامي، وابن شاذان، وكان مؤدبا للمقتدي، ثم
أدب أولاده.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وبلغ خمسا وثمانين
سنة.
وكان ينشد من إنشائه:
رجوت الثمانين من خالقي ... لما جاء فيها عن المصطفى
فبلغنيها وشكرا له ... وزاد ثلاثا بها أردفا
وها أنا منتظر وعده ... لينجزه فهو أهل الوفا
3552- أبو البركات الموسوي [4] الشريف:
كان له نقابة المشهد بسامراء، وكان من ظراف البغداديين وكرمائهم،
وكان يصلي عامة الليل، وتوفي في شعبان هذه السنة، عن ثلاثة عشر
ولدا ذكرا، وبنت واحدة.
3553- الجهة [5] القائمية: أم ولد القائم بأمر الله، الذخيرة
والسيدة:
123/ أتوفيت يوم الجمعة رابع عشرين جمادى الآخرة، وأخرجت عشية
الجمعة، وصلى عليها ابن ابنها المقتدي بأمر الله، وحملت في الطيا
إلى باب الطاق، فوصلت بعد عتمة، ومشى الناس كلهم سوى الوزير إلى
التربة [6] بشارع الرصافة، وجلس للعزاء بها ثلاثة أيام، وكانت قد
أوصت بجزء من مالها للحج والصدقات والقرب، ويذكر عنها الصوم
والصلاة والورع.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «السبتي»
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 13/ 130، وفيه: «هبة الله
بن أحمد» . والكامل 8/ 441 وفيه:
«هبة الله بن محمد» )
[4] في ت: «الموسوي»
[5] «الجهة» سقطت من ت.
[6] في ت، ص: «الترب» .
(16/253)
3554- يحيى بن محمد بن القاسم، أبو المعمر
المعروف: بابن طباطبا العلوي
[1] :
وكان بقية شيوخ الطالبيين، وكان هو وأخوه نسابتهم، وكان ينزل
بالبركة من ربع الكرخ، وكان مجمعا لظراف الطالبيين وعلمائهم
وشعرائهم وفضلائهم، وكان يذهب مذهب الإمامية وقد قرأ [2] طرفا من
الأدب.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وهو آخر بني طباطبا ولم يعقب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (النجوم الزاهرة 5/ 123. ولسان الميزان 6/
276. وهدية العارفين 2/ 519.
وروضة الألباء 441. وروضات الجنات 218. والأعلام 8/ 164)
[2] في الأصل: «وكان قرأ» .
(16/254)
ثم دخلت سنة تسع
وسبعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم تقدم أمير المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ونودي بذلك في الأسواق، وأريقت الخمور، وكسرت الملاهي،
ونقضت دور يلجأ إليها/ 123/ ب المفسدون.
[قتل رجلان كان السبب في قتلهما امرأة]
وفيه: قتل رجلان كان السبب في قتلهما أن امرأة كانت تطر وتأخذ
أموال الناس وتنفقها عليهما، ثم مالت إلى أحدهما دون الآخر، فظفر
به الآخر فقتله، فظفرت بالقاتل أخت المقتول [فجرحته، فجاء أخوها]
[1] فقتله فقبرا من ساعتهما.
[قتل منفوخة المسلحي بالكرخ]
وفيه: قتل منفوخة المسلحي بالكرخ
بين السورين، فرت الشحنة وكبس دار الطاهر نقيب الطالبيين، وقد كان
لجأ إليها جماعة من المتهمين، فقبض عليهم وأخذ منهم أموالا، فاتفقت
السنة والشيعة على الاستغاثة على الشحنة، فتغيب فطلبه الأتراك،
فأخذ مسحوبا إلى الباب فاعتقل، وأمر برد ما أخذ وأخرج منفوخة فأحرق
على بابه [2] .
[تقدم المقتدى بإحضار زعيم الكفاة أبي منصور محمد بن محمد بن
الحسين بن المعوج]
وفي صفر: تقدم المقتدى بإحضار زعيم الكفاة أبي منصور محمد بن محمد
بن الحسين بن المعوج إلى الديوان فخلع عليه، فحضره أرباب الدولة،
وخرج التوقيع بتقليده المظالم، وكان فيه: «ولما رأى أمير المؤمنين
في محمد بن محمد بن الحسين
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في ص: «فأحرق على تل» .
(16/255)
من العفاف والديانة والثقة والصيانة قلده
المظالم، وقد أخذ عليه [تقوى] [1] الله وطاعته والسعي في كل ما كان
يزلفه عنده ويقربه من أمير المؤمنين» فكان كل ما قرئ هذا قبل
الأرض، ثم خرج فجلس بباب النوبي، ثم دعا الأمراء بالمعروف فكانوا
أعوانه، وكان صيّنا نزها.
[ثوران الفتنة بين السّنّة والشيعة]
24/ أوفي هذا الشهر: ثارت الفتنة بين السنة والشيعة/، وقتل جماعة
منهم أبو الحسن بن المهتدي الخطيب، وكانت الوقعة بين جامع المنصور
والقنطرة العتيقة، فتولى قتال أهل السنة العميد والشحنة، ثم حاصر
الطائفتان أياما فلم يقدر أحد أن يظهر، فجبي لهما مال تولى جبايته
النقيبان، فتقدم أمير المؤمنين بالقبض على النقيبين [فحبس
النقيبين] [2] ، فأنكرا ما فعلا، وألزم العميد الشحنة رد ما أخذا.
وفي هذا الشهر: قدم خدم ابن أبي هاشم [من مكة] [3] بخرق الدم معلقة
على حراب الأضاحي، وخرج حجاب الديوان لتلقيهم، وعادوا والقراء بين
أيديهم، فنزلوا وقبلوا العتبة الشريفة، وصاروا إلى دار الضيافة،
فأدر عليهم ما جرت به العادة.
وبعث في هذه السنة صفائح ذهب وفضة لتعلق [4] على الباب ففعل ذلك،
وقلع كل ما كان [على الباب مما] [5] عليه اسم صاحب مصر، وكتب اسم
المقتدى.
وفي صفر أيضا: دخل عريف الصناع والفعلة والصناع معه على العادة إلى
دار الخلافة، فخرج المقتدي باللَّه [6] يمشي في الدار، فخرج إليه
ثلاثة من الرجال فقبلوا الأرض وقالوا: نحن رجال من رؤساء نهر الفضل
صودرنا وعوقبنا، ولنا أربعة أشهر على الباب لم ينجز لنا حال،
فتوصلنا إلى أن دخلنا في حد الروز جارية فقال: فمن فعل بكم هذا؟
قالوا: ابن زريق الناظر بواسط، فوعدهم الجميل فخرجوا، وتقدم من
ساعته
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص، ت: «لتطبق» .
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] «باللَّه» سقطت من ص، ت.
(16/256)
بإيضاح الحال، فإن كان كما ذكروا فليعزل
ابن زريق عن أعمال واسط، وليصعد به منكلا. ثم تقدم إلى صاحب
المظالم أن لا يطوى حال أحد من الرعية، ثم وصل 124/ ب أولئك
وأحدرهم وأصحبهم من يستوفي من ابن زريق ما لهم، وينفذ فيه ما تقدم
به.
[وصول الشريف العلويّ الدبوسي]
وفي جمادى الأولى: وصل الشريف العلوي الدبوسي، كان قد استدعاه
النظام للتدريس بمدرسته ببغداد فتلقى، وكان بعيد النظر في معرفة
الجدل، فدرس في النظامية بعد موت أبي سعد المتولى.
وفي جمادى الآخر: بدأ الطاعون بالعراق، وكان عامة أمراضهم حمى
الربع، ثم يتعقبها الموت، فلما كثر ذلك أمر المقتدى بتفرقة الأدوية
والأشربة على المحال، ثم فض عليهم المال.
[وقوع نار بواسط]
وفي هذا الشهر: وقعت نار بواسط فأحرقت سوق الصيدلة من الجانبين،
ووصل صدقة بن مزيد من المعسكر السلطاني من أصبهان فنزل النهروان،
وطلب من الديوان أن يتلقى كما كانت عادة أبيه فلم يجب إلى ذلك [1]
، فعدل إلى بلاده.
[سار ملك شاه فنزل الموصل]
وفي هذا الشهر: سار ملك شاه فنزل
الموصل في رجب، ثم مضى إلى قلعة جعبر، وقد كان تحصن بها
شاري [2] يعرف بسابق بن جعبر في عدد من السلوح [3] يغيرون ويلجئون
إليها، فراسله السلطان في تسليمها وأن يؤمنه على نفسه وماله، فلم
يجب، فنصب العرادات، ونقب السور، وفتحت وقتل عامة من كان فيها،
وقبض على سابق، وأرادوا قتله بالسيف، فوقعت عليه زوجته وقالت: لا
أفارقه أو [4] تقتلوني معه، فألقوه من أعلى السور فتكسر، ثم ضرب
بالسيوف نصفين فألقت نفسها وراءه فسلمت، فقال لها السلطان: ما حملك
على هذا؟ فقالت: إنا قوم لم يتحدث عنا بالخنا، فخفت أن يخلو بي من
الترك في القلعة، فيقول الناس/ شاءوا. فاستحسن ذلك منها.
125/ أ
[وقوع صاعقة في خان الخليفة]
وفي رجب: وقعت صاعقة في خان الخليفة المقابل لباب النوبي فأحرقت
جزءا
__________
[1] في الأصل: «لذلك» .
[2] في ص: «شار» .
[3] في ص: «العلوج» .
[4] في ص: «حتى تقتلوني» .
(16/257)
من كنيسة الخان، وفتتت أسطوانة حتى صارت
رميما، وسقط منها مثل كباب القطن الكبار نارا، فخر الناس على
وجوههم، وسقطت أخرى بخرابة ابن جردة فقتلت غلاما تركيا، وسقطت أخرى
على جبل آمد فصار رمادا، ووقعت صواعق في البرية لا تحصى في ديار
الشام.
[كثرة الوحول في الطرقات]
وفي رمضان: كثرت الوحول في الطرقات، فأمر أمير المؤمنين بتنظيفها،
وأقيم عدد من الفعلة لتنظيفها [1] ومائة من البهائم لنقلها.
وفي أول يوم من شوال: حضر الموكب النقيبان والأشراف والقضاة
والشهود، فنهض بعض المتفقهة وأورد أخبارا في مدح الصحابة، وقال: ما
بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ
[والسنة ظاهرة] [2] ويد أمير المؤمنين الباسطة القاهرة [3] . فطولع
بما قَالَ، فخرج [التوقيع] [4] بما معناه: أنهى ما ارتكب بمقابر
قريش من إخمال [5] ذكر صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي
عنهما، وتورطهم في هذه الجهالة، واستمرارهم على هذه الضلالة التي
استوجبوا بها النكال، واستحقوا العظيم الخزي والوبال، وإنما يتوجه
العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ولولا ما تدرع به من جلباب الحلم
[6] ، وأسباب يتوخاها لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال، فليؤجر
بإظهار 125/ ب شغل السنة في مقابر باب التبن وربع الكرخ من ذكر
الصحابة/ على الجنائز، وحثهم على الجمعة والجماعة، والتثويب
«بالصلاة خير من النوم» وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة
بمساجد السنة، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد ليجري على هذه السّنّة [7]
في بلاده فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 24: 63 [8]
.
__________
[1] «لتنظيفها» سقطت من ص.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «ويد أمير المؤمنين قاهرة» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «احتمال» .
[6] في ص، ت: «الحكم»
[7] في ص، ت: «السيرة» .
[8] سورة النور، الآية: 63.
(16/258)
وفي شوال: وصل رسول السلطان بكتب تتضمن
الدعاء للمواقف المقدسة، والاعتذار من تأخره عن الخدمة، وأنه
بسعادة الخدمة فتح حلب، وأنطاكية، والرها، وقلعة جعبر، وطرفا [1]
من بلاد الروم، وهو في أثر هذه الخدمة، فخرج من بغداد النقيبان
طراد والمعمر، فخدماه بالموصل، وتلاهما عفيف، ثم ذوو المناصب، فلما
وصل الصالحين نفذ من الإقامات ما لا يحصى، وخرج الموكب لتلقية،
فتوجه الوزير أبو شجاع والنقيبان والجماعة والقراء والطبول
والبوقات فبلغوه عن المقتدى [بأمر الله] [2] السلام [3] والتهنئة
بالتقدم، فقام وقبل الأرض ثم دخل بغداد.
[وقوع الفتنة بين السّنّة والشيعة]
وفي شوال: وقعت الفتنة بين السنة والشيعة، وتفاقم الأمر إلى أن
نهبت قطعة من نهر الدجاج، وطرحت النار، وكان ينادي على نهوب الشيعة
إذا بيعت في الجانب الشرقي: هذا مال الروافض وشراؤه وتملكه حلال.
وفي ذي الحجة: قدم السلطان أبو الفتح ملك شاه إلى بغداد ألزمته
خاتون بهذا لتنقل ابنتها إلى الخليفة، فدخل دار المملكة والعوام
يترددون إليه ولا يمنعون، وضرب 126/ أالوزير نظام الملك سرادقة في
الزاهر ليقتدي به العسكر ولا ينزلون في دور الناس، فلم يقدم أحد
على النزول في دار أحد، وركب السلطان إلى مشهد الإمام [4] أبي
حنيفة رضي الله عنه [5] فزاره، وعبر إلى قبر معروف وقبر موسى بن
جعفر والعوام بين يديه، وانحدر إلى سلمان فزاره، وأبصر إيوان كسرى،
وزار مشهد الحسين عليه السلام، وأمر بعمارة سوره، ويمم إلى مشهد
علي عليه السلام فأطلق لمن فيه ثلاثمائة دينار، وتقدم باستخراج نهر
من الفرات يطرح الماء إلى النجف فبدئ فيه، وعمل له الطاهر نقيب
العلويين [المقيم هناك] [6] سماطا كبيرا.
__________
[1] في الأصل: «جازها» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] «السلام و» سقطت من ص.
[4] «الإمام» سقطت من ص.
[5] «رضى الله عنه» سقطت من ص.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/259)
وفي ليلة الاثنين سابع ذي الحجة: مضت والدة
الخليفة وعمته إلى خاتون في دار المملكة، فضربت سرادقا من الدار
إلى دجلة، ونزلت إليهما فخدمتهما، وصعدتا إلى دار المملكة، ثم
نزلتا وهي معهما وانحدرن.
وفي ليلة الخميس سابع عشر هذا الشهر: وصل النظام إلى الخليفة من
التاج ومشي وحده إلى أن وصل إليه وهو جالس من وراء الشباك فخدم،
فقربه وأدناه وأخرج يده من الشباك إليه فقبلها ووضعها علي عينه،
وخاطبه بما جمله به.
وكان جماعة من الفقراء يأوون إلى كويخات بباب الغربة، فتقدم أمير
المؤمنين بأن يشتري لكل واحد دارا بالمقتدية، وبالمسعودة،
والمختارة، وملكوها ونقضت كويخاتهم.
126/ ب وتوفي فقير صاحب مرقعة بجامع المنصور كان/ يسأل الناس،
فوجدوا في مرقعته ستمائة دينار مغربية.
وظهر فيها بين ديار بني أسد وواسط عيّار مقطوع اليد اليسرى، كان
يقع علي القفل بنفسه فيقتل ويمثل ويأخذ المال، وكان يغوص عرض دجلة
في غوصتين، وكان يقفز خمسة عشر ذراعا، ويتسلق الحيطان الملس، ولا
يقدر [1] عليه فخرج عن أرض العراق سالما.
وفي هذه السنة: صنع سيف الدولة سماطا للسلطان جلال الدولة بظاهر
الأجمة في الجانب [2] الشرقي، ذكر أنه ذبح ألف كبش ومائة رأس دواب
وجمال، وأنه سبك عشرين ألفا منا سكرا، وكان السماط أحسن شيء، وقد
علق عليه ما صنع من منفوخ السكر من الطيور والوحوش، وأنواع
التماثيل، فحضر السلطان، وأشار إلى شيء منه، ثم نهب وانتقل إلى
طعام خاص، ومجلس عبي له سرادق ديباج فيه خيم ديباج اشتمل على
خمسمائة قطعة من أواني الفضة، وزين بتماثيل الكافور والعنبر و
[الندو] [3]
__________
[1] في الأصل: «ولا يقتدر» .
[2] في الأصل: «في باب الشرقي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/260)
المسك الأذفر، فجلس وقضي منه وطرا، فلما
نهض خدم سيف الدولة بحمل عشرين ألف [1] دينار، والسرادق والأواني،
وقبل الأرض بين يديه وانصرف.
وفي هذه السنة: وقعت العرب علي الحاج فقاتلوهم يومهم، وأمسوا
يسألون الله النجاة، فبلغ العرب أن قوما منهم علموا خلو أبياتهم
فاستاقوا مواشيهم فولوا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3555-/ إبراهيم بن عبد الواحد بن طاهر بن الطيب، أبو الخطاب القطان
[2] 1/ أ.
سمع البرقاني، والخرقي، وعبد الله بن بشران، روى عنه شيخنا عبد
الوهاب، وأثنى عليه فقال: كان خيرا كيسا، توفي في جمادى الآخرة من
هذه السنة.
3556-[إسماعيل بن] [3] زاهر بن محمد بن عبد الله [بن محمد بن عبد
الله] [4] أبو القاسم النوقاني من أهل نيسابور
[5] .
ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، سمع بالبلاد من خلق كثير، وكان ثقة
صدوقا فقيها أديبا حسن السيرة، روى عنه أشياخنا، وتوفي في هذه
السنة.
3557- الحسن بن محمد بن القاسم، أبو علي بن زينة
[6] .
سمع من هلال الحفار، وأبي الحسن الحمامي، وغيرهما، روى عنه شيخنا
أبو محمد المقرئ. توفي في صفر هذه السنة.
__________
[1] في الأصل: «بعشرين ألف دينار» .
[2] القطّان: بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة وفي آخرها نون. هذه
النسبة إلى بيع القطن (الأنساب 10/ 184) .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 363. وتاريخ نيسابور ت 318) .
[6] في ت: «بن رينة» .
(16/261)
3558- ختلغ بن كنتكين، أبو منصور أمير
الحاج
[1] .
كان شجاعا، وله وقعات مع عرب البرية، وكانوا يخافونه، وكان حسن
السيرة محافظا على الصلوات في جماعة، يختم القرآن كل يوم، ويختص به
العلماء والقراء، وله آثار جميلة في المشاهد والمساجد والمصانع بين
مكة والمدينة، ولبث في إمرة الحاج اثنتي عشرة سنة، توفي في يوم
الخميس بين الظهر والعصر سابع جمادى الأولى من هذه السنة، فبلغ ذلك
النظام فقال: مات ألف رجل.
3559- صافي عتيق القائم بأمر الله
[2] .
قرأ القرآن، وصاحب الأخيار، وتبع أبا علي بن موسى الهاشمي الحنبلي،
فأخذ 127/ ب من هديه، وكان متورعا له تهجد وعبادات/ وبر وصدقات،
وأعتق عند موته عبيده وإماءه، وأوصى لكل منهم بجزء من ماله، ووقف
على أبواب البر، وأجاز ذلك المقتدي، وصلى عليه ثم حمل إلى تربة
الطائع فقبر هناك.
3560- عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ [عبد الصمد] [3] بن المهتدي، أبو جعفر أبو أبي الفضل
[4] .
سمع أبا القاسم بن بشران وغيره، روى عنه شيخنا أبو القاسم
السمرقندي، وكان من ذوي الهيئات النبلاء والخطباء الفصحاء، وكان
صاحب مفاكهة وأشعار، وطرف وأخبار، توفي في شعبان هذه السنة، ودفن
في مقبرة جامع المدينة.
3561- عبد الخالق بن هبة الله بن سلامة بن نصر، أبو عبد الله
المفسر الواعظ
[5] .
ولد سنة تسعين وثلاثمائة، وسمع أباه وأبا علي بن شاذان وغيرهما،
وكان له
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 132، وفيه: «جنفل قنلغ»
هكذا محرفا. والكامل 8/ 452 وفيه: «قنلغ أمير الحاج» ) .
[2] في ت: «صافي عتيق القائم» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «أبو جعفر أبو الفضل» .
[5] في ت: «الواغض» .
(16/262)
سمت [1] ووقار، وكان كثير التهجد والتعبد.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة وهو ابن أربع وتسعين، ودفن
بمقبرة الجامع.
3562- عبد الواحد بن محمد [2] بن عبد السميع، أبو الفضل العباسي
[3] .
من ولد الواثق، روى الحديث، وكان ثقة صالحا.
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة عن نيف وتسعين، ودفن بمقبرة
الجامع.
3563- علي بن أبي نصر بن ودعة.
كان يؤثر عنه الخير والأمانة والديانة، وكان رئيس التجار بالموصل.
توفي ببغداد، وحملت جنازته إلى الموصل فكان يوما مشهودا [4] .
3564- علي بن فضال، أبو الحسن المجاشعي النحوي
[5] .
سمع الحديث، وكان له علم غزير وتصانيف حسان، إلا أنه مضعَّف [6] في
الرواية، توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بباب أبرز.
3565- علي بن أحمد بن علي، أبو القاسم، المعروف: بابن الكوفي
[7] .
سمع ابن شاذان/، وابن غيلان، وغيرهما، وقرأ القرآن على أبي العلاء
128/ أالواسطي وغيره، وولي النظر بالمارستان العضدي، فأحسن مراعاة
المرضي.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
__________
[1] في الأصل: «وكان له سمعت ووقار» خطأ.
[2] «بن محمد» سقطت من ت.
[3] في ت: «العباس» .
[4] في ت: «يوما مشهورا» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 132.
وشذرات الذهب 3/ 363. وبغية الوعاة 345.
ولسان الميزان 4/ 249. وإرشاد الأريب 5/ 289.
وإرشاد الأريب 289. وإنباه الرواة 2/ 299. والأعلام 4/ 319.
والكامل 8/ 450)
[6] في ص: «يضعف» .
[7] في ت: «المعروف بالكوفي»
(16/263)
3566- محمد بن أحمد، أبو علي التستري
[1] .
كان متقدم البصرة في الحال والمال وله مراكب في البحر، حفظ القرآن،
وسمع الحديث، وانفرد برواية سنن أبي داود عن أبي عمر، وكان حسن
المعتقد، صحيح السماع، وتوفي في رجب هذه السنة.
3567- مُحَمَّد بن أحمد بن [2] القزاز المطيري
[3] .
روي الحديث، ونظم الشعر، وكانت له يد في القراءات إلا أنهم حكوا
عنه تسمحا في الرواية، توفي المطيري عن مائة وثلاث عشرة سنة.
3568- محمد [بن محمد] [4] بن أحمد ابن المسلمة، أبو علي بن أبي
جعفر.
ولد سنة إحدى وأربعمائة، وروى عن هلال [5] الحفار وغيره، فروى عنه
أشياخنا، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن بباب حرب، وكان زاهدا
صموتا ثقة.
3569- محمد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بْن
سليمَان بْن عبد الله بْن محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس بن عبد المطلب [6] ، أبو
نصر بن أبي طاهر بن علي
[7] .
ولد في صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة [8] ، وسمع من المخلص وأبي
بكر بن
__________
[1] في الأصل: «الشيرى» .
انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 363 وفيه: «أبو علي التستري علي
بن أحمد بن علي البصري السقطي» .
والكامل لابن الأثير 8/ 450، وفيه: «أبو علي محمد بن أحمد الشيرى
البصري» . والبداية والنهاية 12 12/ 132، وفيه: «علي بن أحمد
التستري» )
[2] «ابن» سقطت من ت.
[3] في ت: «الطيري»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت.
[5] في ت: «هلال الخفار» .
[6] «بن عبد المطلب» سقطت من ت.
[7] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 364)
[8] في الأصل، ص: «سبع وثمانين وثلاثمائة»
(16/264)
زنبور، وأبي الحسن الحمامي وغيرهم، وتزهد
[في شبابه] [1] فانقطع في رباط أبي سعد الصوفي، ثم انتقل إلى
الحريم الطاهري، وكان ثقة، وعاش ثلاثا وتسعين سنة، فلم يبق في
الدنيا من سمع أصحاب البغوي [2] غيره، وكان آخر من حدث عن المخلص،
وحدثنا عنه أشياخنا، وآخر من حدثنا عنه سعيد [3] بن أحمد بن
البناء، وتوفي في ليلة 128/ ب السبت الحادي والعشرين من جمادى
الآخرة، وصلى عليه أخوه الكامل، ودفن في مقابر الشهداء قريبا من
باب حرب.
3570- محمد بن عبد القادربن محمد بن يوسف، أبو بكر.
سمع الكثير من أبي [الحسين بن بشران، وأبي] [4] الحسن الحمامي،
وابن أبي الفوارس وغيرهم، روي عنه أشياخنا وكان رجلا صالحا، قليل
المخالطة لا يخرج إلا في أوقات الصلوات، يتشدد في السنة، حضر أخوه
مجلس أبي نصر القشيري فهجره.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان عالما متقنا ذا ورع وتقى وثقة كثير
السماع.
توفي ليلة الخميس ثالث ربيع الأول، ودفن بمقبرة باب حرب.
3571- مطلب الهاشمي
كان خطيبا قديما ثم اقتطعه القائم بأمر الله إلى إمامته، فكان يصلي
به، وكان خيرا [5] حسن المعتقد، يذهب إلى مذهب أحمد بن حنبل.
توفي في رمضان هذه السنة وهو في عشر السبعين.
3572- هبة الله ابن القاضي [6] محمد بن علي بن المهتدي، أبو الحسن
الخطيب.
ولد في سنة تسع عشرة وأربعمائة، وروى عن البرقاني وغيره، وكان إليه
القضاء
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «المقرئ» .
[3] في ت: «سعد»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[5] في ت: «وكان حيزا» .
[6] في الأصل، ت: «أبي الحسن» وقد ذكرت كنيته في نهاية اسمه في ص
كما أثبتناها.
(16/265)
بعد أبيه، وخرج في أيام الفتنة بين أهل
الكرخ وباب البصرة، فوقع فيه سهم [1] فمات ودفن يوم الجمعة تاسع
عشر صفر عند أبيه خلف القبة الخضراء.
3573- يحيى بن الحسين بن إسماعيل بن زيد، أبو الحسين الحسني
[2] .
وكان مفتي طائفته علي مذهب زيد بن علي، وكان له معرفة 129/
أبالأصول/ والحديث.
__________
[1] في ت: «سم» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 132، وفيه: «يحيى بن
إسماعيل الحسيني» ) .
(16/266)
ثم دخلت سنة ثمانين
واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه نودي في يوم الخميس غرة المحرم برفع الضرائب والمكوس بتوقيع
شريف صدر عن المقتدي بأمر الله، وكتبت ألواح ألصقت علي الجوامع
بتحريم ذلك.
[خروج السلطان ملك شاه إلى ناحية
الكوفة للصيد]
وخرج السلطان ملك شاه في رابع المحرم إلى ناحية الكوفة للصيد
فاصطاد هو وعسكره ألوفا حتى بني من حوافرها منارة كبيرة عند الرباط
الذي أمر ببنائه بالسبيعي بقرب الرحبة في طريق مكة، وهي باقية إلى
الآن، وتسمى: منارة القرون، وقيل إنه كان فيها أربعة آلاف رأس.
وخرج نظام الملك إلى المشهد بالكوفة والحائر فزارهما.
وفي يوم السبت سابع عشر المحرم: بعث المقتدي ظفر الخادم فاستدعى
السلطان ملك شاه [1] ، فأنفذ إليه الطيار، فلما وصل السلطان إلى
باب الغربة قدم إليه مركوب الخليفة بمركب جديد صيني وسرج من لبد
أسود، فركبه ووصل إلى الخليفة فأمره بالجلوس فامتنع، فأمره ثانيا
وأقسم عليه حتى جلس، وتقدم بإضافة الخلع عليه، ولم يزل نظام الملك
يأتي بأمير أمير إلى تجاه السدة فيقول للأمير بالفارسية: هذا أمير
المؤمنين، ثم يقول للخليفة: هذا العبد الخادم/ فلان بن فلان ولايته
كذا، وعسكره 129/ ب كذا، وذلك الأمير يُقَبِّل الأرض، وكانوا أكثر
من أربعين أميرًا، وكان في جملة الأمراء
__________
[1] «ملك شاه» سقطت من ص.
(16/267)
آيتكين خال السلطان، فلما حضر استقبل
القبلة، وصلي بإزاء الخليفة ركعتين، واستلم الحيطان، ومسح بيده
وجسمه، وعاد السلطان وعلية الخلع والتاج والطوقان، وكمشتكين
الجامدار يرفع ذيله عن يمينه، وسعد الدولة يرفعه عن شماله، فمثل
بين يدي السدة وقبَّل الأرض دفعات، فقلده سيفين فقال الوزير أبو
شجاع: يا جلال الدولة، هذا سيدنا ومولانا أمير المؤمنين الذي
اصطفاه الله بعز الإمامة، واسترعاه الأمة، فقد أوقع الوديعة عندك
موقعها، وقلدك سيفين لتكون قويا علي أعداء الله. فسأل تقبيل يد
الخليفة فلم يجبه، فسأل تقبيل خاتمه فأعطاه إياه فقبله ووضعه علي
عينه، وحضر الناس بأجمعهم فشاهدوا الخليفة والسلطان، ثم انكفأ وحمل
بين يديه ثلاثة ألوية، وثلاث أفراس في السفن، وأربعة علي الطريق،
واستقبل من داره بالدبادب والرايات، ونثرت الدراهم والدنانير،
وأنفذ إليه الخليفة سريرا مذهبا ومخادًا.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر محرم: جاء نظام الملك إلى دار ابنة مؤيد
الملك، فبات بها وجاء من الغد إلى المدرسة، ولم يكن رآها نهارا،
وجلس بها وقرئ عليه فيها الحديث، وأملى أيضا الحديث، وبات بدار
ولده، وعاد إلى الزاهر من الغد.
130/ أوأنفذ السلطان في ثامن عشر المحرم إلى الخليفة صندوقين/
فيهما مال وعمل للأمراء سماطا، ثم اجتاز السلطان في الحريم ولم يكن
رآه، وخرج إلى الحلبة، ثم عاد بعد أيام فجاز فيه، فنثرت عليه
الدراهم والدنانير وأثواب الديباج وغلق البلد لذلك، ثم عبر في هذا
اليوم إلى الجانب الغربي، فدخل العطارين والقطيعتين، ومضي إلى
الشونيزي والتوثة، ونزل دجلة.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قَالَ: دخل نظام الملك بغداد
أواخر سنة ثمانين، فلم يدرك رجلا يومئ إليه من أهل العلم.
وفي يوم الأحد خامس عشرين محرم: أمر الناس بتعليق وتزيين البلد
لأجل زفاف خاتون بنت ملك شاه إلى المقتدي، وكان الزفاف في مستهل
صفر، ونقل الجهاز على مائة وثلاثين جملا، وبين يديه البوقات
والطبول والخدم في نحو ثلاثة آلاف فارس، ونثر عليه بغداد، ثم نقل
بعد ذلك شيء آخر على أربعة وسبعين بغلا، وكان على ستة منها
(16/268)
الخزانة وهي اثنا عشر صندوقا من فضة، وبين
يديها ثلاثة وثلاثون فرسا، والخدم والأمراء بين يدي ذلك.
فلما كانت عشية الجمعة سلخ محرم ركب الوزير أبو شجاع إلى خاتون
زوجة السلطان فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 4: 58 [1] وقد أذن في نقل الوديعة إلى
الدار العزيزة. فقالت: السمع والطاعة للمراسم الشريفة [2] ، فجاء
نظام الملك وأبو سعد المستوفي والأمراء وكل واحد معه الأمناء
الكثيرة [3] ، ثم جاءت خاتون الخليفة من وراء ذلك كل في محفة مرصعة
بالجوهر وقد أحاط عجفتها مائتا جارية من خواصها 130/ ب بالمراكب
العجيبة، فوصلت إلى الخليفة فأهديت إليه تلك الليلة.
فلما كان يوم السبت مستهل صفر صبيحة البناء أحضر الخليفة عسكر
السلطان على سماط استعمل فيه أربعون ألفا منّا سكرا، وخرج السلطان
ليلة الزفاف إلى الصيد على عادة الملوك فغاب ثلاثة أيام.
[تقدم السلطان بالنداء لا حريم إلا
لأمير المؤمنين]
وفي خامس صفر: تقدم السلطان بالنداء في سوق المدرسة: لا حريم إلا
لأمير المؤمنين، وهذا الموضع داخل في حريمه.
وفي هذا اليوم: هرب تركي إلى دار الخليفة من أجل أنه أخذ صبيا
فأدخل في دبره دبوسا فمات، فسلمه الخليفة إلى أصحاب الملك فصلب.
وفي نصف صفر: خرج ملك شاه من بغداد نحو أصفهان ومعه نظام الملك،
وخرج الوزير أبو شجاع فودعه بالنهروان.
[ولد للسلطان ولد سماه محمودا]
وفي هذا الشهر: ولد للسلطان ولد سماه
محمودا، وهو الذي خطب له بالمملكة بعده، وحضر الناس صبيحة
ذلك اليوم فحملوا الأموال، وجلس للتهنئة، ونفذ إليه الموكب يهنئه.
[وقع حريق في أحطاب جمعت لشواخير الآجر]
وفي ربيع الأول: وقع حريق في أحطاب جمعت في أشهر لشواخير الآجر
__________
[1] سورة: النساء، الآية: 58.
[2] في الأصل: «للمراسيم الشريفة»
[3] في الأصل: «معه الأضواء الكثيرة»
(16/269)
بالحلبة، قصد إيقاع النار فيها عدو
لأصحابها، فأصاب من تلك النار سطوح الناس والحريم كله، حتى كأن في
كل سطح شموعا، فخرج الناس لإطفائه فما قدر أحد أن يقاربه من
خمسمائة ذراع إلى أن انتهى الحطب فخمدت النار.
وفي ربيع الأول: غرق ستون مركبا ببحر الشام، وهلك فيها ثلاثمائة
رجل، ورمى 131/ أقوم أنفسهم/ إلى الماء فنجوا.
[وصول الكتب السلطانية تتضمن سؤال
الخدمة الشريفة]
وفي شعبان: وصلت الكتب السلطانية تتضمن سؤال الخدمة الشريفة أن
يتقدم إلى خطباء المنابر بذكر الأمير أحمد بن ملك شاه تالي ذكر
أبيه، وكان السلطان قد جعله ولي عهده وسار في ركابه، ففعل ذلك،
ونثرت الدنانير على الخطباء.
وفي هذا الشهر: زلزلت همذان وما داناها من أرض الجبل، فرجفت بهم
الأرض سبعة أيام، ووقعت منازل كثيرة، وهلك خلق كثير تحت الردم،
وسقط برجان من قلعة همذان، وهلك من سوادها ناحيتان، وخرج الناس إلى
الصحراء حتى سكنت ثم عادوا.
وفي رابع ذي القعدة: ولد للمقتدي من خاتون ابنة السلطان ولد فسماه
جعفرا، وكناه: أبا الفضل، وزين البلد لأجله، وجلس الوزير للهناء
بباب الفردوس، ونصبت القباب بنهر معلى [1] ، وزينت سوق الصيارفة
بأواني الذهب والفضة والجواهر، وأظهر الكافوريون تماثيل من
الكافور، وأظهر قوم من صناعتهم عجبا، فسير الملاحون سفينة على عجل،
وأظهر الطحانون أرحاء تطحن على وجه الأرض.
[وقوع القتال بين أهل الكرخ وأهل باب
البصرة]
وفي هذا الشهر: وقع القتال بين أهل الكرخ وأهل باب [البصرة] [2] ،
وأصعد أهل باب الأزج [3] ناصرين أهل باب البصرة بالزينة والسلاح
والأعلام، فقصدهم سعد الدولة، فمنعهم عن العبور وقاتلهم وأخذ
سلاحهم، فانطفأت الفتنة بذلك.
131/ ب/ وفي ذي الحجة: خرج المرسوم أنه قد أنهى حال يهود بطريق
خراسان وبلاد ابن مزيد لا يلبسون غيارا، ولهم شعور كالأتراك،
ويكنون بكنى المسلمين، فتقدم
__________
[1] في الأصل: «بباب معلى»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «باب الكرخ» .
(16/270)
بخروج من عين من العدول والفقهاء فهذبوا
نواحي بغداد، وقصدوا حلة ابن مزيد فهذبوها، وجاء رجل يدعى النبوة
وأنه خاطبه الجبل والملائكة، فتصفح حاله فإذا به من مهوسي العرب،
فكادوا يحملونه إلى المارستان ثم صفح عنه، وزود فرحل.
وفي هذه السنة: بنيت التاجية بباب أبرز، وجددت على الزاهر مسناة
كان لها أساس قائم، وغرس فيه نخل وشجر وسور عليها، وذلك بأمر
السلطان ملك شاه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3574- إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن سعيد، أبو القاسم السامري من
أهل نيسابور
[1] :
سمع الحديث الكثير من أبي بكر الحيري [2] ، وأبي سعيد الصيرفي [3]
، وابن باكويه وغيرهم، وسافر البلاد، وعبر وراء النهر. روى عنه
أشياخنا، وكان ثقة فاضلا له حظ من الأدب ومعرفة بالعربية، وتوفي في
جمادي الأولى من هذه السنة بنيسابور.
3575- شافع بن صالح بن حاتم، أبو محمد الجيلي
[4] :
سمع من أبي علي بن المذهب والعشاري، وأبي يعلى بن الفراء وعليه
تفقه.
توفي في صفر هذه السنة.
3576- طاهر بن الحسين، أبو الوفاء البندنيجي الهمذاني
[5] :
كان شاعرا مبرزا، له قوة في لزوم ما لا يلزم، وله قصيدتان إحداهما
في مدح نظام
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133، وفيه: «إسماعيل بن
إبراهيم بن موسى» . والكامل 8/ 452، وفيه: «إسماعيل بن عبد الله بن
موسى بن سعد أبو القاسم الساوي» وتاريخ نيسابور ت 326، وفيه:
«إسماعيل بن عبد الله بن موسى أبو القاسم الساوي» )
[2] في الأصل: «أبي بكر الحري»
[3] في الأصل: «أبي بكر الصيرفي» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 364) .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133. والكامل 8/ 452)
(16/271)
132/ أالملك وهي/ نيف وأربعون بيتا غير
معجمة كلها أولها.
لاموا ولو علموا ما اللوم ما لاموا ... ورد لومهم هم وآلام
وأخرى معجمة كلها نحوها في العدد، وكان قويا في علم النحو واللغة
والعروض، ولم يمدح لابتغاء عرض، وكان يعد ذلك عارا.
توفي في رمضان هذه السنة عن نيف وسبعين سنة بالبندنيجين.
3577- عبد الله بن نصر، أبو محمد الحجادي
[1] .
سمع الحديث، وصحب الزهاد، وتفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وكان خشن
العيش في عبادته [2] ، وحج على قدميه بضع عشرة سنة ودفن في ربيع
الأول من هذه السنة [3] بباب حرب.
3578- عبد الملك بن الحسن بن خيرون بن إبراهيم، أبو القاسم [4]
الدباس، أخو أبي الفضل ابن خيرون أبو شيخنا أبي منصور
[5] .
كان رجلا صالحا من خيار البغداديين، روى عنه ابنه، وشيخنا عبد
الوهاب.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب.
3579- فاطمة بنت علي [6] المؤدب، المعروفة: ببنت الأقرع الكاتبة
[7] :
سمعت أبا عمر بن مهدي وغيره، حدثنا عنها أشياخنا، وكان خطها
مستحسنا في الغاية، وكانت تكتب على طريقة ابن البواب، وكتب الناس
على خطها، وأهلت لحسن
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 364)
[2] في الأصل: «في عبادته تفقه»
[3] «في ربيع الأول من هذه السنة» سقطت من ص، ت.
[4] «أبو القاسم» سقطت من ص.
[5] الدبّاس: بفتح الدال المهملة وتشديد الباء المنقوطة بواحدة وفي
آخرها السين المهملة. هذه الحرفة لمن يعمل الدبس أو يبيعه (الأنساب
5/ 267)
[6] في ت: «فاطمة بنت الحسن بن علي ... » .
[7] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 12/ 134. وشذرات الذهب 3/
365. والكامل 8/ 453)
(16/272)
خطها لكتابة كتاب «الهدنة» إلى ملك الروم
من الديوان العزيز، وسافرت إلى بلاد الجبل إلى عميد الملك أبي نصر
الكندري.
وسمعت شيخنا أبا بكر محمد بن عبد الباقي البزار يقول: الكاتبة
فاطمة بنت الأقرع تقول: كتبت ورقة لعميد الملك الكندري فأعطاني ألف
دينار.
وتوفيت في محرم هذه السنة، ودفنت بباب أبرز.
3580- محمد بن أمير المؤمنين المقتدى [بأمر الله]
[1] .
توفي عن جدري وقد قارب تسع سنين، فاشتدت الرزيئة فيه، وجلس للعزاء
بباب الفردوس ثلاثة أيام، وحضر الناس على طبقاتهم، فخرج التوقيع
يتضمن أن أمير المؤمنين أولى من اقتدى بكتاب الله وسنة رسول الله
صَلى اللهُ عَلَيه وسلم، / والله تعالى يقول: الَّذِينَ إِذا 2:
156 [132/ ب] أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [2] الآية.
وذكر حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما
مات ولده إبراهيم، وقد عزى أمير المؤمنين نفسه بما عزى الله تعالى
به الأمة بعد نبيه بقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ 33: 21 [3] فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، تسليما
لحكمه ورضا بقضائه، فليعلم الحاضرون ما رجع إليه أمير المؤمنين وأن
العلم الشريف محيط بحضورهم، وليؤذن لهم في الانكفاء.
3581- محمد بن [محمد] [4] بْن زيد [بْن علي بن موسى] [5] بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني، ذو
الكنيتين: أبو المعالي وأبو الحسن، الملقب: بالمرتضى [ذو الشرفين]
[6] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133)
[2] سورة: البقرة، الآية: 156.
[3] سورة: الأحزاب، الآية: 21.
[4] «بن محمد» سقطت من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 133. وشذرات الذهب 3/ 365)
(16/273)
ولد سنة خمس وأربعمائة، وسمع الحديث
الكثير، وصحب أبا بكر الخطيب، وتلمذ له وأخذ عنه [1] علم الحديث،
فصارت له به معرفة حسنة، وسمع بقراءته الكثير من شيوخه، وروى عنه
الخطيب في مصنفاته، وكان بغدادي المولد والمنشأ، ثم سكن سمرقند،
وأملى الحديث بأصبهان وغيرها، وكان يرجع إلى عقل كامل، وفضل وافر،
ورأي صائب، وصنف فأجاد، وكان له دنيا وافرة، وكان يملك نحو أربعين
قرية بنواحي كش، وكان يخرج زكاة ماله ثم يتنفل بالصدقة الوافرة،
فكان ينفذ إلى جماعة من الأئمة الأموال إلى كل بلد واحد من ألف
دينار إلى خمسمائة إلى سبعمائة [2] ، فربما بلغ ببعثه عشرة آلاف
دينار، وكان يقول: هذه زكاة مالي، وأنا غريب لا أعرف الفقراء
ففرقوها أنتم عليهم، وكل من أعطيتموه شيئا من المال فابعثوه إلى
حتى أعطيه عشر الغلة، وكان يصرف أمواله إلى سبل البر [3] .
وحسده قاضي البلد فقال للخضر بن إبراهيم وهو ملك ما وراء النهر: إن
له بستانا ليس للملوك مثله. فبعث إليه أني أريد أن أحضر بستانك.
فقال للرسول: لا سبيل إلى 133/ أذلك، لأني عمرته من المال الحلال
ليجتمع عندي فيه/ أهل الدين، فلا أمكنه من الشرب فيه. فأخبر الأمير
فغضب، وأعاد الرسول فأعاد الشريف الجواب، وأراد أن يقبض عليه
فاختفى، وطلب فلم ير، فأظهروا أن الخضر قد ندم على ما كان فعل،
فظهر فبعث إليه الأمير بعد مدة نريد أن نشاورك في مهمات، فحضر
فحبسه واستولى على أمواله.
فحكى بعض وكلائه قَالَ: توصلت إليه وقلت إنهم يأخذون مالك من غير
اختيارك فأعطهم ما يريدون وتخلص. فقال: لا أفعل وقد طاب لي الحبس
والجوع، فإني كنت أفكر في نفسي منذ مدة وأقول من يكون من أهل [4]
بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لا بد أن يبتلى في ماله
ونفسه، وأنا قد ربيت في النعم والدولة، فلعل في خللا، فلما وقعت
هذه الواقعة
__________
[1] في الأصل: «وأحدث عنه»
[2] في الأصل: «سبعمائة إلى خمسمائة»
[3] في الأصل: «إلى جهة البر» .
[4] «أهل» سقطت من ص، ت.
(16/274)
فرحت بها، وعلمت أن نسبي صحيح متصل
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أفعل
شيئا إلا برضى الله تعالى، فمنعوه من الطعام فمات.
وكان هذا في هذه السنة، وأخرج في الليل من القلعة، فلما علم ولده
نقله إلى موضع آخر، فقبره هناك يزار.
وحكى أبو العباس جعفر بن أحمد الطبري قَالَ: رأيت المرتضى أبا
المعالي بعد موته وهو في الجنة بين يديه مائدة طعام موضوعة. فقيل
له: ألا تأكل؟ قَالَ: لا حتى يجيء ابني فإنه غدا يجيء، فلما انتبهت
من نومي قتل ابنه الظهر في ذلك اليوم.
3582- محمد بن أبي سعد، أحمد بن الحسن بن علي بن سليمان بن الفرج،
أبو الفضل المعروف بالبغدادي، وهو من أهل أصبهان.
ولد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وسمع وحدث ووعظ، وكان يوصف
بالفصاحة والعلم بالتفسير والمعاني. روى عنه ولده أبو سعد شيخنا
وعبد الوهاب الحافظ. توفي ببغداد [1] عند رجوعه من الحج في صفر هذه
السنة.
3583- محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم، أبو الحسن الصابي، /
الملقب: 133/ ب بغرس النعمة
[2] .
سمع أباه وأبا علي بن شاذان. وذيل على تاريخ والده الذي ذيله أبوه
على تاريخ ثابت بن سنان الذي ذيله على تاريخ ابن جرير، وكان له
صدقة ومعروف، وخلف سبعين ألف دينار [3] . توفي في ذي القعدة من هذه
السنة ودفن في داره بشارع ابن عوف، ثم نقل إلى مشهد علي عليه
السلام.
قَالَ المصنف [رحمه الله] [4] : ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل
قَالَ: حضرنا عند بعض الصدور فقال: هل بقي ببغداد مؤرخ بعد ابن
الصابي؟ فقال القوم: لا!
__________
[1] في ت: «توفي في بغداد»
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 134. ونفحة الشام 114.
وحلية البشر 1522. ومقدمة ديوانه والأعلام 7/ 132. والكامل 8/ 453)
[3] في أول: «توفي في ذي القعدة» حتى: «وكان هذا ستر عورة» مكانه
في ت في آخر الترجمة.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(16/275)
فقال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، يخلو
هذا البلد العظيم من مؤرخ حنبلي- يعنى ابن عقيل نفسه- هذا مما يجب
حمد الله عليه، فإنه لما كان البلد مملوءًا بالأخيار وأهل المناقب
قيض الله لها من يحكيها، فلما عدموا وبقي المؤذي والذميم الفعل
أعدم المؤرخ، وكان هذا ستر عورة.
وحكى عنه هبة الله بن المبارك السقطي: أنه كان يجازف في تاريخه،
ويذكر ما ليس بصحيح، قَالَ: وقد ابتنى بشارع ابن أبي عوف دار كتب،
ووقف فيها نحوًا من أربعمائة مجلد في فنون العلوم، ورتب بها خازنا
يقال له: ابن الأقساسي العلوي، وتكرر العلماء إليها سنين كثيرة ما
لم تزل له أجرة، فصرف الخازن وحك ذكر الوقف من الكتب وباعها،
فأنكرت ذلك عليه فقال: قد استغنى عنها بدار الكتب النظامية.
قَالَ المصنف: فقلت بيع الكتب بعد وقفها محظور. فقال: قد صرفت
ثمنها في الصدقات.
3584- هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد المحلى، أبو نصر
[1] :
سمع ابن المهتدي، وابن المأمون، والخطيب وخلقا كثيرا، وكتب الكثير،
وكان حلو الخط، وصنف وجمع وأنشأ الخطب والمواعظ، وأدركته المنية
قبل بلوغ [2] زمان الرواية، وإنما سمع منه القليل، فتوفي في هذه
السنة ودفن بمقبرة جامع المنصور.
3585- أبو بكر بن عمر
[3] .
أمير الملثمين، كان بأرض غانة في مجاهدة الكفار، وقام له ناموس لم
يقم مثله لأحد بالدين والزهد، وكان يركب إذا ركب أصحابه، ويطعم إذا
طعموا، ويجوع إذا 134/ أجاعوا/ وقد قيل إنه لم يتوجه في وجه من
مجاهدة أو دفع عدو في أقل من خمسمائة ألف كل يعتقد طاعة الله تعالى
في طاعته، وكان يحفظ الحرمات، ويراعي قوانين الإسلام مع صحة
المعتقد، وموالاة الدولة العباسية، فأصابته نشابة في حلقه فمات بها
في هذه السنة عن نيف وستين سنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 134 وفيه: «المجلي» ) .
[2] «بلوغ» سقطت من ص، ت.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 134)
(16/276)