المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة احدى وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[شروع أهل باب البصرة ببناء القنطرة الجديدة]
أن أهل باب البصرة شرعوا في بناء القنطرة الجديدة في صفر، ونقلوا الآجر في أطباق الذهب والفضة وبين أيديهم البوقات والدبادب، وجاء إليهم أهل المحال وأهل باب الأزج فاجتازوا بامرأة تسقي الماء، فجعلوا يتناولون منها ويقولون: السبيل [فاتفق أنه] [1] جاز سعد الدولة [2] ، فاستغاثت المرأة إليه، فأمر [3] بإبعادهم عنها، فضربهم الأتراك بالمقارع، فجذبوا سيوفهم وضربوا وجه فرس بنمياز حاجبه فرمته، فحمل سعد الدولة الحنق فصعد من سميريته راجلا ومعه النشاب، فحمل عليهم أحدهم، فطعنه بأسفل القطعة فخبطه في الماء والطين، وحرصوا أن يقع هذا الرجل فما قدروا عليه، وأخذ ثمانية من القوم لم يكن معهم سلاح فقتل واحد، وقطعت أعصاب ثلاثة.
[بناء أهل الكرخ عقدا لأنفسهم]
وفي ربيع الآخر: بنى أهل الكرخ عقدا لأنفسهم.
وفي هذا الشهر: ابتاع تركي من أصحاب خاتون زوجة الخليفة من طواف شيئا، فتنابذا فضربه [التركي] [4] فشجه، فاستغاثت العامة، فخرج توقيع الخليفة بإبعاد
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فاجتاز سعد الدولة» .
[3] في الأصل: «فاستغاثت به فأمر»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/277)


الأتراك أصحاب خاتون من الحريم، وأن لا يبيت أحد منهم فيه. فأخرجوا من ساعتهم على أقبح صورة، فباتوا بدار المملكة.
وفي هذه السنة: فتح ملك شاه سمرقند.
وفيها: حج الوزير أبو شجاع واستناب ابنه أبا منصور وطراد بن محمد الزينبي.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
134/ ب
3586- أحمد بن أبي حاتم، عبد الصمد بن أبي الفضل التاجر الغورجي الهروي، أبو بكر
[1] .
سمع أبا محمد الجراحي، حدثنا عنه أبو الفتح الكروخي.
وتوفي في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي الحجة فجأة.
3587- أحمد بن محمد بن الحسن بن الخضر، أبو طاهر الجواليقي، والد شيخنا أبي منصور
[2] .
سمع أبا القاسم عبد الملك بن بشران، وروى عنه شيخنا عبد الوهاب.
قَالَ شيخنا ابن ناصر: كان شيخا صالحا متعبدا من أهل البيوتات القديمة ببغداد، ذا مذهب حسن وتعبد، وكان جده الخضر صاحب قرى وضياع، ودخل كثير.
وتوفي أبو طاهر فجأة في رجب هذه السنة.
3588- عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن جعفر، أبو إسماعيل الأنصاري الهروي
[3] .
ولد في ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وكان كثير السهر بالليل، وحدث وصنف، وكان شديدا على أهل البدع، قويا في نصرة السنّة، حدثنا عنه أبو الفتح الكروخي.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 365. والكامل 8/ 456)
[2] انظر ترجمته في: (الأنساب 3/ 336، 337) الجواليقيّ: هذه النسبة إلى الجواليق، وهي جمع جوالق، ولعل بعض أجداد المنتسب إليها كان يبيعها أو يعملها. (الأنساب 3/ 335)
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 135. والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 64. والأعلام 4/ 122. والكامل 8/ 456) .

(16/278)


وأنبأنا محمد بن ناصر عن المؤتمن بن أحمد الحافظ قَالَ: كان عبد الله الأنصاري لا يشد على الذهب شيئا، ويتركه كما يكون ويذهب إلى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ» وكان لا يصوم رجب، وينهى عن ذلك ويقول: ما صح في فضل رجب وفي صيامه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يملي في شعبان وفي رمضان، ولا يملي في رجب، توفي بهراة في يوم الجمعة وقت غروب الشمس رابع عشرين ذي الحجة من هذه السنة.
3589- عبد الملك بن أحمد، أبو طاهر السيوري
[1] .
سمع أبا القاسم بن بشران وغيره، روى عنه أشياخنا، وكان شيخا صالحا دينا خيرا، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن من الغد بمقبرة باب الدير.
3590- عبد العزيز بن طاهر بن الحسين بن علي، أبو طاهر الصحراوي [2] ، من أهل باب البصرة
[3] .
حدث عن ابن رزقويه [4] وغيره بشيء يسير، وكان صالحا زاهدا فآثر العزلة، واشتغل بالتعبد، وكان مقيما في جامع المدينة. 135/ أوتوفي في/ شعبان هذه السنة، ودفن في المقبرة الشونيزية.
3591- محمد بن أحمد بن محمد بن علي، أبو الحسين ابن الآبنوسي
[5] :
ولد في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وسمع من الدار الدارقطني، وابن شاهين، وابن حبابة، والكتاني، والمخلص، وغيرهم، وكان سماعه صحيحا، حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي في ليلة الاثنين تاسع عشرين شوال هذه السنة [6] ، ودفن في مقبرة باب حرب.
__________
[1] السّيوري: هذه النسبة إلى عمل السيور، وهي جمع السير، وهي أن تقطع الجلود الدقاق، ويحاط بها السروج (الأنساب 7/ 231، 232)
[2] في الأصل: «السحراوي» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 456) .
[4] في الأصل: «ابن رزقونة»
[5] انظر ترجمته في: (الأنساب 1/ 93) الأبنوسي: هذه النسبة إلى أبنوس، وهو نوع من الخشب البحري يعمل منه أشياء، وانتسب جماعة إلى تجارتها ونجارتها (الأنساب 1/ 93)
[6] في الأصل: «هذه السنة وتوفي في»

(16/279)


3592- محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن جعفر، أبو الحسن الباقرحي
[1] :
ولد في شعبان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وسمع من أبي الحسين [2] ابن المتيم، وأبي الحسن بن رزقويه، وابن شاذان، وغيرهم، وحدثنا عنه أشياخنا، وهو من الثقات أهل بيت الحديث والعلم والعدالة، من ظراف البغداديين.
وتوفي في يوم الأحد ثاني رمضان هذه السنة [3] ودفن في باب حرب.
3593- محمد بن أحمد بن محمد، أبو جابر الزهري من ولد عبد الرحمن بن عوف
[4] .
سمع أبا عبد الله أحمد بن عبد الله المحاملي، وأبا علي الحسين بن علي بن بطحاء وغيرهما، روى عنه شيخنا أبو القاسم السمرقندي.
توفي في يوم الأربعاء عاشر شوال هذه السنة.
3594- محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن محمود، أبو يعلى السراج
[5] :
من أهل همذان، سمع صحيح البخاري من كريمة بنت أحمد بن محمد بن أبي حاتم المروزية بمكة، وبمصر من أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وحدث عن أبي محمد الجوهري، وتوفي في صفر هذه السنة.
3595- محمد [6] بن القاسم بن محمد بن عامر القاضي الأزدي، من ولد المهلب بن أبي صفرة
[7] .
سمع أبا محمد الجراحي، روى عنه أبو الفتح الكروخي.
وتوفي في جمادى الآخرة بهراة.
__________
[1] هذه الترجمة سقطت من ت. انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 456)
[2] في الأصل: «أبي الحسن»
[3] «هذه السنة» سقطت من ص، ت.
[4] الزهري: هذه النسبة إلى زهرة بن كلاب بم مرة بن كعب بن لؤيّ، وهي من قريش (الأنساب 6/ 328)
[5] السرّاج: بفتح السين وتشديد الراء، وفي آخرها جيم. هذا منسوب إلى علم السرج، وهو الّذي يوضع على الفرس (الأنساب 7/ 65)
[6] في ت: «محمود بن القاسم»
[7] الأزدي: هذه النسبة إلى أزد شنوءة. بفتح الألف وسكون الزاي وكسر الدال المهملة، وهو أزد بن الغوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ (الأنساب 1/ 197)

(16/280)


ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين واربعمائة
135/ ب فمن الحوادث فيها:
[درس أبو بكر الشاشي في المدرسة التي بناها تاج الملك وسمّاها التاجية]
أنه في تاسع عشر المحرم درس أبو بكر الشاشي في المدرسة التي بناها تاج الملك أبو الغنائم بباب أبرز، ووقفها علي أصحاب الشافعي، وسماها: التاجية.
وفي ثالث صفر: ورد إلى بغداد بزان وصواب بعثهما السلطان إلى المقتدي، فطلبا تسليم خاتون إليهما، وكانت خاتون قد أكثرت الشكاية إلى أبيها من أعراض الخليفة عنها، فأجاب الخليفة إلى ذلك، وخرجت وأصحبها الخليفة النقيبين الكامل والطاهر وجماعة من الخدم، وخرج معها ابنها الأمير أبو الفضل جعفر بن المقتدي، وكان خروجها يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول، وخرج الوزير عشية الخميس مشيعا لهم إلى النهروان، وكان بين يدي محفة الأمير [1] أبي الفضل، ووصل الخبر في ثاني شوال بموتها بأصفهان بالجدري، فجلس الوزير أبو شجاع بباب الفردوس [2] للعزاء بها سبعة أيام، ووصل النقيبان من أصبهان في ثالث عشر شوال.
[خروج أبي محمد التميمي وعفيف لتعزية السلطان]
وفي سلخ ذي الحجة: خرج أبو محمد التميمي وعفيف لتعزية السلطان، فأما التميمي فعاد من أصبهان لأن السلطان توجه إلى ما وراء النهر وأكبر الخليفة عوده بغير إذن، ويمم عفيف إلى السلطان.
[كبس أهل باب البصرة الكرخيين]
وفي عشية الجمعة تاسع عشر صفر: كبس أهل باب البصرة الكرخيين، فقتلوا
__________
[1] في الأصل: «محفتها الأمير»
[2] «بباب الفردوس» سقطت من ص، ت.

(16/281)


رجلا وجرحوا آخر، فأغلقت أسواق الكرخ، ورفعت المصاحف علي القصب، وما زالت الفتن تزيد وتنقص إلى جمادى الأولى، فقويت نارها، وقتل خلق كثير، واستولى أهل المحال على قطعة كبيرة من الكرخ فنهبوها، فنزل خمار تاش نائب الشحنة على دجلة ليكف الفتنة فلم يقدر، وكان أهل الكرخ يخرجون إليه وإلى أصحابه الإقامة، 136/ أوكان أهل باب البصرة يأتون/ ومعهم سبع أحمر يقاتلون تحته، وعزموا على قصد باب التبن فمنعهم أهل الحربية والهاشميون من ذلك، وركب حاجب الخليفة وخدمه، والقضاة: أبو الفرج بن السيبي [1] ، ويعقوب البرزبيني [2] ، وأبو منصور ابن الصياغ، والشيوخ: أبو الوفاء بن عقيل، وأبو الخطاب، وأبو جعفر بن الخرقي المحتسب، وعبروا إلى الشحنة وقرءوا منشورا بالكرخ من الديوان وفيه: قد حكى عنكم أمور فيجب أن نأخذ علماءكم على أيدي سفهائكم، وأن يدينوا بمذهب أهل السنة، فأذعنوا بالطاعة.
فبينا هم علي ذلك جاء الصارخ من نهر [3] الدجاج: الحقونا. ونصب أهل الكرخ رايتين على باب المساكين، وكتبوا على مساجدهم: خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
وفي غد يوم القتال نهب أهل الكرخ شارع ابن أبي عوف، وكان في جملة ما نهب دار أبي الفضل بن خيرون، فقصد الديوان مستنفرا ومعه الناس، ورفع العامة الصلبان على القصب، وتهجموا [4] على الوزير أبي شجاع في حجرته [من الديوان] [5] وكثروا من الكلام الشنيع، ولم يصل حاجب الباب في جامع القصر [6] إشفاقا من العامة، وكان قد مات يومئذ هاشمي من أهل باب الأزج بنشابة وقعت فيه، فقتل العامة علويا ورموه في خربة الحمام، وزاد أمر الفتنة وأمر الخليفة بمكاتبة سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن
__________
[1] في الأصل: «النسبي» .
[2] في الأصل: «الزينبي» .
[3] في ص: «وجاء الصارخ من نحو الدجاج»
[4] في الأصل: «فهجموا»
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «من جامع البصرة» .

(16/282)


مزيد بإنفاذ جند، ففعل وخلع عليهم، وجعل عليهم، أبو الحسن الفاسي، فنقض دور الذين قتلوا العلوي، وحلق شعور من ليس بشريف ولا جندي/، وقتل قوم، ونفي قوم، 136/ ب فسكنت الفتنة.
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: عظمت الفتنة الجارية بين السنة وأهل الكرخ، فقتل فيها نحو مائتي قتيل، ودامت شهورا من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وانقهر الشحنة، واتحش السلطان، وصار العوام يتبع بعضهم بعضا في الطرقات والسفن، فيقتل القوى الضعيف، ويأخذ ماله، وكان الشباب قد أحدثوا الشعور والجمم، وحملوا السلاح، وعملوا الدروع، ورموا عن القسي بالنشاب والنبل، وسب أهل الكرخ الصحابة وأزواج رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم على السطوح، [وارتفعوا إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم] [1] ، ولم أجد من سكان الكرخ من الفقهاء والصلحاء من غضب ولا انزعج عن مساكنتهم، فنفر المقتدي إمام العصر نفرة قبض فيها على العوام، وأركب الأتراك، وألبس الأجناد الأسلحة، وحلق الجمم والكلالجات، وضرب بالسياط، وحبسهم في البيوت [2] تحت السقوف، وكان شهر آب، فكثر الكلام على السلطان وقال العوام:
هلك الدين مات السنة، ونصبت البدعة، ونرى أن الله ما ينصر إلا الرافضة فنرتد عن الإسلام.
قَالَ ابن عقيل: فخرجت إلى المسجد وقلت: بلغني أن أقواما يتسمون بالإسلام والسنة قد غضبوا على الله وهجروا شريعته، وعزموا على الارتداد وقد ارتدوا، فإن المسلمين أجمعوا على أن العزم على الكفر كفر، فلقد بلغ الشيطان منهم كل مبلغ حيث دلس عليهم نفوسهم، وغطى عيوبهم، وأراهم أن إزالة النصرة عنهم مع استحقاقهم لها، ولم يكشف عن عوار أديانهم حيث صب عليهم النعم صبا، وأرخص أسعارهم، وأمن ديارهم، وجعل سلطانهم، رحيما لطيفا، وجعل لهم [3] وزيرا صالحا يجتهد في 37/ أإخراج الحكومات المشتبهة إلى الفقهاء ليخلص [4] دينه من التبعات، ويأخذ الإجماع
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وحبسهم في العوق» .
[3] في الأصل: «وجعل له»
[4] في ص، ت: «ليسلم»

(16/283)


في أكثر العبادات، ولا يتكبر ولا يحتجب، فأمرجوا في المعاصي، ثم انتقلوا إلى بناء العقود بالطبول، ولهج منهم قوم بسب، فلما نهض السلطان بعصبية دينية أو سياسة، وقد استحقوا قطع الرءوس، وتخليد الحبوس، فقعد الحمقى في مأتم النياحة يقولون:
هل رأيتم في الزمن الماضي مثل ما جرى على أهل السنة في هذه الدولة، طاب والله الانتقال عن الإسلام لو كان ما نحن فيه حقا لنصره الله. وحملوا الصلبان في حلوقهم، ودعوا بشعار الرفض، وقالوا: لا دين إلا دين أهل الكرخ، وهل كانوا على الدين فيخرجوا، وهل الدين النطق باللسان من غير تحقيق معتقد، وأس المعتقد من قوم تناهوا في العصيان والشرود عن الشرع، وسفكوا الدماء، فلما فرضوا بعذاب ردعا لهم ليقلعوا أنكروا وتسخطوا، فأردتم أن يتبع الحق أهواء كم ويسكت السلاطين عن قبيح أفعالكم، حتى تفانون بالخصومة والمحاربة [1] ، فلا في أيام السعة والدعة شكرتم النعم، ولا في أيام التأديب سلمتم للحكيم الحكم، فليتكم لما فسدت دنياكم أبقت بقية من أمر أديانكم [2] .
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3596- أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد بن أحمد، أبو نصر النيسابورىّ
[3] :
137/ ب ولد سنة عشر وأربعمائة، وسمع بنيسابور/ من جده أبي العلاء صاعد بن محمد، ومن أبيه محمد بن صاعد، وعمه إسماعيل بن صاعد، وأبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وسمع ببخارا من أبي سهل الكلاباذي، وأبي ثابت البخاري، وسمع ببغداد من أبي الطيب الطبري وغيره. روى عنه أشياخنا، وكان في صباه من أجمل الشباب وأجمعهم لأسباب السيادة من الفروسية والرمي، وصار رئيس نيسابور، وأملى الحديث، وتوفي في شعبان هذه السنة، ودفن بنيسابور.
__________
[1] في الأصل: «تفانون بالمخاصمة والمضاربة»
[2] في الأصل: «دينكم»
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 366) .
والكامل 8/ 462، 463، وتاريخ نيسابور ت 246) .

(16/284)


3597- أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو الفتح المقرئ
[1] .
مقرى أصبهان، قرأ القراءات على جماعة، وسمع الحديث من جماعة.
وتوفي في هذه السنة.
3598- أحمد [2] بن محمد بن أحمد، أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة
[3] .
سمع من أبي طالب بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وأبي محمد الجوهري، وغيرهم، وكان رجلا جلدا ذكيا، وتوفي في هذه السنة في طريق البصرة.
3599- عبد العزيز بن محمد بن علي [4] بن إبراهيم بن ثمامة، أبو نصر الهروي
[5] .
سمع أبا محمد الجراحي، وتوفي في رمضان بهراة.
3600- عبد الصمد بن أحمد بن علي، أبو محمد السليطي، المعروف بطاهر النيسابوري
[6] .
رازي المولد والمنشأ، نيسابوري الأصل، رحل البلاد، وسمع الحديث الكثير ونسخ الكثير [7] ، وجود الضبط، وكان أحد الحفاظ وأوعية العلم، سمع من ابن المذهب، وأبي الحسن الباقلاوي، وأبي الطيب الطبري، وأبي محمد الجوهري، وخرج له الأمالي، وكان صدوقا، توفي بهمذان في هذه السنة.
3601- علي بن أبي يعلي بن زيد، أبو القاسم الدبوسي
[8] .
من أهل دبوسة بلدة بين سمرقند وبخارا، ولي التدريس بالنظاميّة في بغداد،
__________
[1] في ت: «البغوي»
[2] في ت: «عبد العزيز بن محمد»
[3] انظر ترجمته في: «طبقات السبكي 3/ 31. والأعلام 1/ 214) .
[4] «بن علي» سقطت من ت.
[5] في ت: «المروي» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 135.
وتاريخ نيسابور ت 1161)
[7] «ونسخ الكثير» سقطت من ت، ص.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 135. والكامل 8/ 463)

(16/285)


138/ أوتوحد في الفقه والجدل، وسمع الحديث، وتوفي ببغداد في شعبان هذه السنة.
3602- علي بن محمد بن علي الطراح أبو الحسن [1] المدير.
توفي في ذي الحجة [2] .
3603- أبو الحسن [3] بن [علي بن] [4] المعوج.
كاتب الزمام [5] توفي في هذه السنة.
3604- عاصم بن الحسن بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران أبو الحسين العاصمي
[6] .
ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وهو من أهل الكرخ، يسكن باب الشعير، من ملاح البغداديين وظرفائهم، له الأشعار الرائقة النادرة المستحسنة، وكان من أهل الفضل والأدب، وسمع أبا عمر عبد الواحد بن مهدي، وأبا الحسين بن المتيم، وأبا الحسين بن بشران وغيرهم، وحدث عن أبي بكر الخطيب [7] ، وكان ثقة متقنا، حدثنا عنه أشياخنا كثيرا.
وأنشدونا من شعره:
ماذا على متلون الأخلاق ... لو زارني وأبثه أشواقي
وأبوح بالشكوى إليه تذللا ... وأفض ختم الدمع من آماقي
فعساه يسمح بالوصال لمدنف ... ذي لوعة وصبابة مشتاق
أسر الفؤاد ولم يرقّ لموثق ... ما ضره لو جاد بالإطلاق
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسين»
[2] في ت: «توفي بذي الحجة»
[3] في الأصل: «أبو الحسين»
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ص.
[5] في ت: «الرمام»
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136. واللباب 2/ 105. والأعلام 3/ 248. والكامل 8/ 463) .
[7] في الأصل: «عن المثنى عن أبي بكر الخطيب»

(16/286)


إن كان قد لسعت عقارب صدغه ... قلبي فإن رضابه درياقي
يا قاتلي ظلما بسيف صدوده ... حاشاك تقتلني بلا استحقاق
ما مذهبي شرب السلاف وإنني ... لأحب شرب سلافة الأرياق
وسقيتني دمعي وما يروى به ... ظمأى ولكن لا عدمت الساقي
ومن شعره الرائق:
لهفي على قوم بكاظمة ... ودعتهم والركب معترض
لم تترك العبرات مذ بعدوا ... لي مقلة ترنو وتغتمض
رحلوا [1] فطرفي دمعه هطل ... جار وقلبي حشوه مرض
وتعوضوا لا ذقت فقدهم ... عني وما لي عنهم عوض 138/ ب
أقرضتهم قلبي على ثقة ... بهم فما ردوا الذي اقترضوا
وله:
أتعجبون من بياض لمتي ... وهجركم قد شيب المفارقا
فإن تولت شرتي فطالما ... عهدتموني مرخيا غرانقا
لما رأيت داركم خالية ... من بعد ما ثورتم الأيانقا
بكيت في ربوعها صبابة ... فأنبتت مدا معي شقائقا
[أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي، قَالَ: أنشدنا عاصم بن الحسن لنفسه:] [وله أيضا:
] [2] قَالَ المصنف رحمه الله: سمعت شيخنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي يقول:
قَالَ عاصم: مرضت فغسلت شعري، وكان [غسلي] [3] له في المرض.
__________
[1] في الأصل: «دخلوا»
[2] في ت زيادة عدة أبيات غير مقروءة أثبتنا منه ما استطعنا، ولم نستطع قراءة الباقي، وهذه الأبيات ساقطة من جميع النسخ سوى ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/287)


توفي عاصم في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن في مقبرة جامع المدينة.
3605- محمد بن أحمد بن حامد بن عبيد، أبو جعفر البخاري البيكندي المتكلم، المعروف: بقاضي حلب
[1] .
داعية إلى الاعتزال، ورد بغداد في أيام أبي منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف فمنعه أن يدخلها. فلما مات [ابن يوسف] [2] دخلها وسكنها، ومات بها.
قَالَ شيخنا عبد الوهاب: كان كذابا.
توفي في هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3606- محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل، أبو الفتح الأصبهاني، ويعرف: بسمكويه
[3] .
ولد بأصبهان سنة تسع وأربعمائة، ثم نزل هراة مدة، ثم خرج عنها، وكان من الحفاظ المعروفين بالطلب والرحلة، وسمع الكثير، وجمع الكتب، وورد بغداد، فسمع أبا محمد الخلال وغيره، ثم خرج إلى ما وراء النهر، وكتب بها ورجع إلى هراة فتديرها، وكان على رأى العلماء والصالحين مشغولا بنفسه عمّا لا يعنيه.
وتوفي بنيسابور ليلة الأربعاء سابع عشر ذي الحجة من هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136. والجواهر المضية 2/ 8. ولسان الميزان 5/ 61.
والأعلام 5/ 315)
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136، وفيه: «المعروف بمسلرفة» . وشذرات الذهب 3/ 3661. وتاريخ نيسابور ت 139) .

(16/288)


ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين واربعمائة
139/ أفمن الحوادث فيها:
أنه ورد أبو عبد الله الطبري الفقيه في المحرم بمنشور من نظام الملك بتولية التدريس بالنظامية، فدرس بها، ثم وصل في ربيع الآخر أبو محمد عبد الوهاب الشيرازي ومعه منشور بالتدريس بها، فتقرر أن يدرس فيها هذا يوما وهذا يوما.
وفي ربيع الآخر: خلع على أبي القاسم علي بن طراد، وكتب له منشور بنقابة العباسيين بعد أبيه.
[ورد البصرة رجل كان ينظر في علم النجوم]
وفي جمادى الأولى: ورد البصرة رجل كان ينظر في علوم النجوم يقال له: تليا، واستغوى جماعة، وادعى أنه الإمام المهدي، وأحرق البصرة فأحرقت دار كتب عملت قبل عضد الدولة، وهي أول دار [كتب] [1] عملت في الإسلام، وخربت وقوف البصرة التي وقفت على الدواليب التي تدور، وتحمل الماء فتطرحه في قناة الرصاص الجارية إلى المصانع التي أماكنها على فرسخ من الماء.
وحكى طالوت بن عباد: أنه رأى محمد بن سليمان أمير البصرة في المنام فَقَالَ لَهُ: مَا فعل الله بك؟ فَقَالَ: غفر لي ولولا حوض المربد لهلكت.
وكان محمد قد ابتدأ بهذا المصنع عند خروجه إلى مكة، وعاد إلى البصرة، فاستقبل بمائة فشربه وصلى على جانبه ركعتين شكرا للَّه تعالى على تمام هذه
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/289)


المصلحة، فأصبح طالوت، فعمل مصنعا وقف عليه وقوفا.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل: استفتى على المعلمين في سنة ثلاث 139/ ب وثمانين فأخرجهم/ ظهير الدين- يعني من المساجد- وبقي خالوه مجيرا، وكان رجلا صالحا من أصحاب الشافعي في مسجد كبير يصونه ويصلي فيه بهم. وينظفه، فاستثنى بالسؤال فيه فقال قائل: لم يخص هذا.
قَالَ ابن عقيل: قد ورد التخصيص بالفضائل في المساجد خاصة، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُدُّوا هَذَهِ الْخَوْخَاتِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ إِلا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ» وَلا نَشُكُّ أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ لِسَابِقَتِهِ، وَهَذَا فَقِيهٌ يَدْرِي كيف يصان المساجد، وله حرمة، وهو فقير لا يقدر على استئجار منزل فجاز تخصيصه بهذا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3607- جعفر بن محمد بن جعفر بن المكتفي باللَّه [أبو محمد]
[1] .
سمع أبا القاسم بن بشران، حدث عنه شيخنا عبد الوهاب وأثنى عليه ووصفه بالخيرية، وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وبلغ تسعا وستين سنة.
3608- محمد بن أحمد بن عمر [2] ، أبو يعلى المؤذن
[3] .
سمع أبا الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الهاشمي، وكان شيخنا صالحا خيرا، روى عنه أشياخنا.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة الخلد على شاطئ الفرات.
3609- محمد بن محمد بن جهير، أبو نصر
[4] .
وزر للقائم والمقتدي، ولد بالموصل، ثم أعادته الأقدار إلى الموصل، فمات بها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «ابن عمر» سقطت من ت.
[3] في ت: «المؤدب» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 136. وشذرات الذهب 3/ 369، 370، 371. والوافي بالوفيات 1/ 272. والأعلام 7/ 22. والكامل 8/ 464)

(16/290)


3610- محمد بن علي بن الحسن أبو طالب الواسطي
[1] .
حدث عن القاضي أبي الحسين بن المهتدي وغيره. سمع منه صاعد بن 140/ أسيار. وكان الرجل من أهل بغداد فخرج إلى خراسان فتوفي بها في صفر.
3611- محمد بن علي بن محمد بن جعفر، أبو سعد الرسيم
[2] .
ولد في سنة أربعمائة، وسمع من أبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن القطان وغيرهما، روى عنه شيخنا عبد الوهاب، وأثنى عليه وقال: كان رجلا فيه خير، وتوفي في هذه السنة، ودفن فِي مقبرة جامع المدينة.
3612- محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن أبي عثمان عمر بن محمد بن عثمان ابن المنتاب الدقاق، وهو أخو أبي محمد، وأبي تمام، وهو أصغرهم
[3] .
سمع أبا عمر بن مهدي، وأبا الحسين بن بشران، وابن رزقويه وغيرهم، حدثنا عنه أشياخنا، وكان ثقة دينا.
وتوفي في يوم الأربعاء للنصف من جمادى الآخرة، ودفن في مقبرة الشونيزية.
3613- محمد بن أحمد بن محمد بن اللحاس [4] العطار، ويعرف: بابن الجبان
[5] .
سمع ابن رزقويه، وابن بشران، وابن أبي الفوارس وغيرهم، حدثنا عنه عبد الوهاب وقال: كان رجلا صالحا وكان مزاحا.
وتوفي يوم الجمعة ثامن رجب في هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3614- محمد بن أحمد [بن محمد] [6] بن عمر، أبو يعلي.
سمع أبا الحسن علي بن عبد الله الهاشمي العيسوي، روى عنه أشياخنا، وتوفي في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة، ودفن في مقبرة الخلد على شاطئ الفرات.
__________
[1] في ت: «الوسطي» .
[2] في ت: «الرسمي» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 369)
[4] في ت: «ابن محمد اللحاس»
[5] في ت: «بابن الحيان»
[6] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/291)


ثم دخلت سنة اربع وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
140/ ب/ أنه لما أحرق المُنَجِّمُ البصرةَ كتب إلى واسط يدعوهم إلى طاعته ويقول: أنا الإمام المهدي صاحب الزمان، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأهدي الخلق إلى الحق، فإن صدقتم بي أمنتكم من العذاب، وإن عدلتم عن الحق خسفت بكم فآمنوا باللَّه وبالإمام المهدي.
وفي رابع عشر صفر: خرج توقيع الخليفة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والزنار، والدرهم الرصاص المعلق في أعناقهم مكتوب عليه: ذمي، وأن تلبس النساء مثل هذا الدرهم في حلوقهن عند دخول الحمام ليعرفن، وأن تلبس الخفاف فردا أسود وفردا أحمر، وجلجلا في أرجلهن، وشدد الوزير أبو شجاع في هذا، فأجابه المقتدي إلى ما أشار به، وأسلم حينئذ أبو سعد بن الموصلا يا كاتب الإنشاء، وابن أخته أبو نصر هبة الله بحضرة الخليفة.
[قدوم أبي حامد الغزالي للتدريس بالنظاميّة]
وفي جمادى الأولى: قدم أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي من أصبهان إلى بغداد للتدريس بالنظامية، ولقبه نظام الملك: بزين الدين، شرف الأئمة، وكان كلامه معسولا وذكاؤه شديدا.
وفي يوم الخميس تاسع رمضان: خرج التوقيع بعزل الوزير أبي شجاع، وكان السبب أن أصحاب السلطان [1] شكوا منه، فصادف ذلك غرض النظام في عزله، فأكد
__________
[1] في الأصل: «أن قوما شكوا»

(16/292)


نوبته، وكتب السلطان إلى الخليفة يشكو منه، فصادف ذلك ضجرا من الخليفة من أفعاله التي تصدر عن قلة رغبة في الخدمة، فعزله وكان يكسر أعراض الديوان والعسكر متابعة للشرع، حتى إنه لما فتحت سمرقند على يدي ملك شاه جاء البشير/ فخلع عليه 141/ أفقال: وأي بشارة هذه، كأنه قد فتح بلدا من بلاد الكفر، وهل هم إلا قوم مسلمون استبيح منهم ما لا يستباح من المسلمين. فبلغ هذا السلطان مع ما في قلب الخليفة فعزله وهو في الديوان، فانصرف إلى داره على حالته مع حواشيه، وأنشد حينئذ:
تولاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديق
فلما كان يوم الجمعة عاشر الشهر: خرج إلى الجامع من داره بباب المراتب ماشيا متلفعا بمنديل من قطن مع جماعة من العلماء والزهاد، فعظمت العامة ذلك وشنعوا، وقال الأعداء: إنما قصد الشناعة، فأنكر عليه أشد الإنكار، وألزم منزله، وأخذ الجماعة الذين مشوا معه فأهينوا، ثم وردت كتب النظام بأن يخرج من بغداد فأخرج إلى در أورد وهو موطنه قديما، فأقام هناك مدة، ثم استأذن في الحج فأذن له، فجاء إلى النيل فأقام بها، فلم تطب له لكثرة منكرها، فمضى [1] إلى مشهد علي عليه السلام، ثم سافر إلى مكة، فلما أراد الخروج إلى مكة صلحت له نية نظام الملك، فبعث إليه يقول: أنا أسألك أن أكون عديلك، وكان النظام قد استعد ذلك، لكن لم يقدر له، فقال للرسول:
تخدم عنى وتقول منذ أطبق دواتي أمير المؤمنين لم أفتحها، ولولا ذلك لكتبت الجواب، وأنا أعادل بالدعاء، وناب ابن الموصلايا، ولقب: أمين الدولة، وخلع عليه، وتقدم إلى أبي محمد التميمي، ويمن الخادم بالخروج إلى باب السلطان لاستدعاء أبي 141/ ب منصور بن جهير، وتقرير وزارته.
وفي خامس عشرين رمضان: رضي الخليفة عن أبي بكر الشامي قاضي القضاة، وخرج إليه توقيع يأمره فيه بالإغضاء عما كان من الشهود والوكلاء في حقه، كانوا قد بالغوا في عداوته، وخرج الشهود في صحبته لتلقي السلطان مع ابن الموصلايا، ومعه فتيت لإفطاره، ولم يقبل من أحد شيئا [2] .
__________
[1] في الأصل: «فجاء إلى مشهد»
[2] في ص: «ولم يقبل ما يحمل إليه»

(16/293)


وفي رمضان دخل السلطان ملك شاه إلى بغداد وخرج لتلقيه ابن الموصلايا، ونزل نظام الملك بدار ولده مؤيد الملك.
وفي ذي القعدة: خرج ملك شاه وابنه وابن بنته الذي أبوه المقتدي في خلق عظيم وزي عظيم إلى الكوفة.
وفي ذي القعدة: استوزر أبو منصور بن جهير- وهي النوبة الثانية من وزارته- للمقتدي وخلع عليه، وركب إليه نظام الملك إلى دار بباب العامة فهنأه.
وفي ذي الحجة عمل السلطان ملك شاه الصدق بدجلة، وهو إشعال النيران والشموع العظيمة في السميريات، والزواريق الكبار، وعلى كل زورق قبة عظيمة، وخرج أهل بغداد للفرجة، فباتوا على الشواطئ وزينت دجلة بإشعال النار، وأظهر أرباب المملكة كنظام الملك وغيره من زينتهم ما قدروا عليه، وحملوا [1] في السفن بأنواع الملاهي، وأخذوا السفن الكبار فألقوا فيها الحطب وأضرموا فيها النار، 142/ أوأحدروها [2] من/ مسناة دار معز الدولة إلى دار نظام الملك، ونزل أهل محال الجانب الغربي كل واحد معه شمعة واثنتان، وكان على سطح دار المملكة إلى دجلة حبال قد أحكم شدها، وفيها سميرية [3] يصعد بها رجل في الحبال، ثم ينحدر بها وفيها نار، وصف الشعراء ما جرى تلك الليلة فقال أبو القاسم المطرز:
وكل نار على العشاق مضرمة ... من نار قلبي أو من ليلة الصدق
نار تجلت بها الظلماء واشتبهت ... بسدفة الليل فيها غرة الفلق
وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا ... على الكواكب بعد الغيظ والحنق
مدت على الأرض بسطا من جواهرها ... ما بين مجتمع وار ومفترق
مثل المصابيح إلا أنها نزلت ... من السماء بلا رجم ولا حرق
أعجب بنار ورضوان يسعرها ... ومالك قائم منها على فرق
__________
[1] في الأصل: «وعلموا من السفن»
[2] في ص، ت: «وأحدروا من مسناة»
[3] في الأصل: «سمارية»

(16/294)


في مجلس ضحكت روض الجنان له ... لما جلت ثغرة عن واضح يقق
وللشموع عيون كلما نظرت ... تظلمت من يديها أنجم الغسق
من كل مرهفة الأعطاف كالغصن ... المياد لكنه عار من الورق
إني لأعجب منها وهي وادعة ... تبكي وعيشتها في ضربة العنق]
[1] ومن غد تلك الليلة أخرج تليا المنجم وشهر وعلى رأسه طرطور بودع، والدرة تأخذه وهو على جمل يشتم الناس ويشتمونه.
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قَالَ: لما دخل جلال الدولة أي نظام الملك في هذه السنة قَالَ: أريد استدعي بهم وأسألهم عن مذهبهم، فقد قيل لي إنهم مجسمة- يعني الحنابلة- فأحببت أن أسوغ كلاما يجوز أن يقال إذا سأل فقلت:
ينبغي لهؤلاء الجماعة يسألون عن صاحبنا، فإذا أجمعوا على حفظه لأخبار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلموا أنه كان ثقة فالشريعة ليست بأكثر من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله إلا ما كان للرأي فيه مدخل من الحوادث الفقهية، فنحن على مذهب ذلك الرجل الذي أجمعوا على تعديله كما أنهم على مذهب قوم أجمعنا على سلامتهم من البدعة، فإن وافقوا أننا على مذهبه فقد أجمعوا على سلامتنا معه، لأن متبع السليم سليم وإن ادعى علينا أنا تركنا مذهبه وتمذهبنا بما يخالف الفقهاء، فليذكروا ذلك ليكون الجوانب بحسبه، وإن قالوا أحمد ما شبه وأنتم شبهتم، قلنا: الشافعي لم يكن أشعريا، وأنتم أشعرية، فإن كان مكذوبا عليكم فقد كذب علينا، ونحن/ نفزع في التأويل مع نفسي التشبيه، فلا يعاب 142/ ب علينا إلا ترك الخوض والبحث، وليس بطريقة السلف، ثم ما يريد الطاعنون علينا ونحن لا نزاحمهم على طلب الدنيا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3615- عبد الرحمن بن أحمد بن علك، أبو طاهر
[2] .
ولد بأصبهان، وسمع الحديث، وتفقه بسمرقند، وهو كان السبب في فتحها،
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 138. وشذرات الذهب 3/ 372. والكامل 8/ 475، 476)

(16/295)


وكان من رؤساء الشافعية حتى قَالَ يحيى بن عبد الوهاب بن منده: لم نر فقيها في وقتنا أنصف منه ولا أعلم، وكان بهيج المنظر، فصيح اللهجة، ذا مروءة [1] وكانت له حال عظيمة، ونعمة كبيرة، وكان يقرض الأمراء الخمسين ألف دينار وما زاد، وتوفي ببغداد، فمشى تاج الملك وغيره في جنازته من [المدرسة] [2] النظامية إلى باب أبرز، ولم يتبعه راكب سوى نظام الملك، واعتذر بعلو السن، ودفن بتربة أبي إسحاق إلى جانبه، وجاء السلطان عشية ذلك اليوم إلى قبره.
قَالَ ابن عقيل: جلست إلى جانب نظام الملك بتربة أبي إسحاق والملوك [3] قيام بين يديه، واجترأت على ذلك بالعلم، وكان جالسا للتعزية بابن علك، فقال: لا إله إلا الله، دفن في هذا المكان أرغب أهل الدنيا في الدنيا يعني ابن علك وأزهدهم فيها يعني أبا إسحاق ورئي ليلة دفن عنده أبو طاهر كأنه قد خرج من قبره وجلس على شفير القبر، وهو يحرك أصبعه المسبحة ويقول: يا بني الأتراك يا بني الأتراك. فكأنه يستغيث من جواره.
143/ أ
3616- علي بن أحمد بن عبد الله بن النظر أبو طاهر/ الدقاق
[4] .
توفي يوم الأربعاء سادس عشر صفر.
3617- علي بن الحسين بن قريش، أبو الحسن البناء.
ولد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة ودفن بباب حرب.
3618- عفيف القائمي.
كان له اختصاص بالقائم، وكانت فيه معان.
3619- محمد بن عبد السلام بن علي بن عمر بن عفان، أبو الوفاء الواعظ.
__________
[1] في الأصل: «ذابر»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «بتربة أبي إسحاق إلى جانبه والملوك»
[4] الدقاق: بفتح الدال المهملة والألف بين القافين الأولى مشددة. هذه النسبة إلى الدقيق وعمله وبيعه.
(الأنساب 5/ 325)

(16/296)


سمع أبا علي بن شاذان حدثنا عنه أشياخنا، وكان يسكن نهر طابق ويعظ، وله قبول، ولما رأى أصحاب أحمد بن حنبل ابن عفان قد مالأ الأشاعرة في أيام ابن القشيري هجروه، وتوفي يوم الأحد رابع عشر [1] جمادى الآخر، ودفن في داره بقطيعة عيسى.
3620- محمد بن عبد السلام بن علي بن نظيف، أبو سعد الصيدلاني
[2] .
سمع أبا طالب الزهري، وأبا الحسين النهرواني، حدثنا عنه أشياخنا.
توفي في يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة.
3621- محمد بن أحمد بن علي بن حامد، أبو نصر المروزي
[3] 144/ أ.
كان إماما في القراءات، أوحد وقته [4] ، وصنف فيها التصانيف، وسافر الكثير في طلب علم القرآن، وغرق مرة في البحر فذكر أنه كان الموج يلعب به، فنظر إلى الشمس وقد زالت، ودخل وقت الظهر فغاص في الماء، ونوى الظهر، وشرع في الصلاة [على حسب الطاقة] [5] فخلص ببركة ذلك. وتوفي في يوم الأحد ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة، وهو ابن نيف وتسعين سنة.
3622- مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن الحسين، أبو بكر الناصح الحنفي قاضي قضاة الري
[6] .
سمع وحدث، وكان فقيها مناظرا متكلما يميل إلى الاعتزال، وكان وكلاء مجلسه يميلون إلى أخذ الرشى، فصرف عن قضاء نيسابور، وتوجه إلى الري قاضيا، وتوفي في رجب هذه السنة.
__________
[1] في ت، ص: «الأحد رابع جمادى»
[2] الصيدلاني: بفتح الصاد المهملة، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح الدال المهملة، وبعدها اللام ألف، والنون. هذه النسبة لمن يبيع الأدوية والعقاقير، واشتهر بهذه النسبة جماعة كثيرة (الأنساب 8/ 122)
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 138. والأعلام لابن قاضي شهبة وفيات 484 هـ. وإرشاد الأريب 6/ 338. واللباب 3/ 36 وفيه توفي سنة 481 هـ. والأعلام 5/ 316)
[4] في الأصل: «أوجد عقيده»
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 138. وشذرات الذهب 3/ 372. والفوائد البهية 179.
والجواهر المضية 2/ 64. والأعلام 6/ 228. والكامل 8/ 476) .

(16/297)


ثم دخلت سنة خمس وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان ملك شاه تقدم في المحرم ببناء سوق المدينة لمقاربة داره التي بمدينة طغرلبك، وبنى فيها خانات الباعة، وسوقا عنده، ودروبا، وآدر، وبنت خاتون حجرة لدار الضرب، ونودي أن لا تعامل إلا بالدنانير، ثم بعمارة الجامع الذي تمم بأخرة على يدي بهروز الخادم في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتولى السلطان تقدير هذا الجامع بنفسه وبدرهم منجمه وجماعة من الرصديين، وأشرف على ذلك قاضي القضاة أبو بكر الشامي، وجلبت أخشابه من جامع سامرا، وكثرت العمارة بالسوق، واستأجر نظام الملك بستان الجسر وما يليه من وقوف المارستان [مدة خمسين سنة] [1] وتجرد لعمارة ذلك دارا وأهدى له أبو الحسن الهروي خانه، وتولى عمارة ذلك أبو سعد بن سمحا اليهودي، وابتاع تاج الملك أبو الغنائم دار الهمام وما يليها بقصر بني المأمون، ودار ختلغ أمير الحاج، وبنى جميع ذلك دارا، وتولى عمارتها الرئيس أبو طاهر ابن الأصباغي.
وفي المحرم: قصد الأمير جعفر بن المقتدي أباه أمير المؤمنين ليلا فزاره ثم عاد.
وفي المحرم: مرض نظام الملك فكان يداوي نفسه بالصدقة، فيجتمع عنده خلق من الضعفاء فيتصدق عليهم، فعوفي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/298)


وفي النصف من ربيع الأول: توجه السلطان خارجا إلى أصفهان، وخرج صحبته الأمير أبو الفضل بن المقتدي.
[وقوع حريق بنهر معلى]
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى: وقع الحريق بنهر معلى في الموضع المعروف بنهر الحديد إلى خرابة الهراس/ وإلى باب دار الضرب، واحترق سوق الصاغة، والصيارف، والمخلطيين، والريحانيين من الظهر إلى العصر، وهلك خلق كثير من الناس، ومن جملتهم الشيخ مالك البانياسي المحدث، وأبو بكر بن أبي الفضل الحداد، وكان من المجودين في علم القرآن، وأحاطت النار بمسجد الرزاقين ولم يحترق، وتقدم الخليفة إلى عميد الدولة أبي منصور بن جهير، فركب وو وقف عند مسجد ابن جردة، وتقدم بحشر السقاءين والفعلة، فلم يزل راكبا حتى طفئت النار.
وفي مستهل رمضان: توجه السلطان من أصفهان إلى بغداد بنية غير مرضية، ذكر عنه أنه أراد تشعيث أمر المقتدي، وكان معه النظام، فقتل النظام في عاشر رمضان في الطريق، ووصل نعيه إلى بغداد في ثامن عشر رمضان، فلما قارب السلطان بغداد خلع المقتدي على وزيره عميد الدولة أبي منصور تشرفا له وجبرا لمصابه بنظام الملك، فإنه كان يعتضد به [1] ، وهو الذي سفر له في عوده إلى منصبه، وكان عميد الدولة قد تزوج بنت النظام، فخرج في الموكب للتلقي يوم الخميس ثاني عشرين رمضان، وسار إلى النهروان، وأقام إلى العصر من يوم الجمعة، ودخل ليلة السبت [ودخل السلطان إلى دار المملكة يوم السبت] [2] ومنع تاج الملك العسكر أن ينزل في دار أحد وركب عميد الدولة وأربها معه إلى دار السلطان، فهنأه عن الخليفة بمقدمة وبعث السلطان إلى الخليفة يقول: لا بد أن تترك لي بغداد وتنصرف إلى أي البلاد شئت، فانزعج الخليفة من هذا انزعاجا شديدا، ثم قَالَ: أمهلني شهرا. فعاد الجواب: لا يمكن أن تؤخر ساعة. فقال الخليفة لوزير السلطان: سله أن يؤخرنا عشرة أيام. فجاء إليه فقال: لو أن رجلا من العوام أراد أن ينتقل من دار تكلف/ للخروج، فكيف بمن يريد أن ينقل أهله 144/ ب ومن يتعلق به، فيحسن أن تمهله عشرة أيام. فقال: يجوز. فلما كان يوم عيد الفطر صلى
__________
[1] في الأصل: «كان يقتدي به»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/299)


السلطان بالمصلى [1] العتيق، وخرج إلى الصيد فافتصد، فأخذته الحمى، وكان قد فوض الأمر إلى تاج الملوك أبي الغنائم، وأوقع عليه اسم الوزارة واستقر أن تفاض عليه الخلع يوم الاثنين رابع شوال فمنع هذا الأمر الذي جرى، وركب عميد الدولة مع الجماعة إلى السلطان فلم يصلوا إليه، ونقل أرباب الدولة أموالهم إلى حريم الخليفة، وتوفي السلطان فضبطت زوجته زبيدة خاتون العسكر بعد موته أحسن ضبط، فلم يلطم خد، ولم يشق ثوب، وبعثت بخاتم السلطان مع الأمير قوام الدولة صاحب الموصل إلى القلعة التي بأصبهان تأمر صاحبها بتسليمها، وأتبعته بالأمير قماج، فاستوليا على أمور القلعة، وساست الأمور سياسة عظيمة. وأنفقت الأموال التي جمعها ملك شاه فأرضت بها العسكر، وكانت تزيد على عشرين ألف ألف دينار، واستقر مع الخليفة ترتيب ولدها محمود في السلطنة وعمره يومئذ خمس سنين وعشرة أشهر، وخطب له على منابر الحضرة، وترتب لوزارته تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو، وجاء عميد الدولة بخلع من الخليفة فأفاضها على محمود، ودخل إلى أمه فعزّاها وهنأها عن الخليفة، ثم خرج العسكر وخاتون وولدها المعقود له السلطنة ووزيره هذا يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شوال، وحمل الأمير أبو الفضل جعفر بن المقتدي إلى أبيه، ودخل أولئك إلى أصبهان، وخطب لمحمود بالحرمين، وراسلت أمّه الخليفة أن يكتب له عهدا، فجرت في ذلك محاورات إلى أن اقتضى الرأي أن يكتب له عهد باسم السلطنة و [راسلت أمّه الخليفة أن يكتب له عهدا باسم السلطنة] [2] خاصة، ويكتب للأمير أنر عهد في تدبير الجيوش، ويكتب لتاج الملك عهد بترتيب العمال وجبايات الأموال، فأبت الأم إلا أن يستند ذلك كله إلى ابنها [محمود] [3] فلم يجب الخليفة وقال: هذا لا يجيزه الشرع واستفتى الفقهاء، فتجرد أبو حامد الغزالي وقال: لا يجوز إلا 145/ أما قاله/ الخليفة، وقال المشطب بن محمد الحنفي: يجوز ما قالته [4] الأم، فغلب قول الغزالي.
__________
[1] في ص: «صلى الصلاة بالمصلى»
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: «ما رامته الأم»

(16/300)


وفي شوال: قتل ابن سمحا اليهودي.
وفي ذي القعدة: طمع بنو خفاجة في الحاج لموت السلطان، وبعد العسكر، فهجموا عليهم حين خرجوا من الكوفة، فأوقعوا عَلَى ابن ختلغ [1] الطويل [أمير الحاج] [2] وقتلوا أكثر العسكر، وانهزم باقيهم إِلَى الكوفة، فدخل بنو خفاجة الكوفة فأغاروا وقتلوا، فرماهم الناس بالنشاب فأعروا الرجال والنساء، فبعث من بغداد عسكر، فانهزم بنو خفاجة ونهبت أموالهم، وقتل منهم خلق كثير.
فأما مماليك النظام فإنهم بعده أووا إِلَى بركيارق ابن السلطان ملك شاه الكبير، وخطبوا له بالري، وانحاز إليه أكثر العسكر سوى الخاصكية، فإنّهم التجئوا إِلَى خاتون، ففرقت عليهم ثلاثة آلاف ألف دينار، وأنفذتهم إلى قتال بركيارق، وكان مدبر العسكر وزعيمه الوزير تاج الملك، فالتقى الفريقان في سادس عشر ذي الحجة بقرب بروجرد، فاستأمن أكثر الخاصكية إِلَى بركيارق، ووقعت الهزيمة، وأسر تاج الملك وقتل.
وجاء الخبر بما نزل بأهل البصرة من البرد الَّذِي في الواحدة منه خمسة أرطال، وبلغ بعضه ثلاثة عشر رطلا، فرمى الأبراج المبنية بالجص والآجر، وقصف قلوب النخل وأحرقها، وكان معه ريح فقصف عشرات ألوف من النخل، واستدعى قاضي واسط ابن حرز إِلَى بغداد فعزل وقلد القضاء أبو علي الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقي، ووصل إِلَى واسط في جُمَادَى الأولى.
ذكر من تُوُفّي في هذه السنة من الأكابر
3623- أحمد بن إبراهيم بْن عُثْمَان، أبو غالب الآدمي القاري
[3] .
سمع أبا علي/ بن شاذان وغيره، روى عنه شيخنا عبد الوهاب، وأثنى عليه ووصفه 145/ ب
__________
[1] في الأصل: «فأوقعوا بهم بمحمد ابن ختلع الطويل» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] الآدمي: بمد الألف وفتحها وفتح الدال المهملة وفي آخرها الميم. هذه النسبة إلى آدم وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه وإن كانت هذه النسبة لجميع ولد آدم عليه السلام عامة (الأنساب 1/ 97)

(16/301)


بالخير، وكان حسن التلاوة لكتاب الله العزيز، يقرأ بين أيدي الوعاظ، توفي في ذي الحجة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز.
3624- جعفر بن يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أبو الفضل التميمي المعروف بالحكاك من أهل مكة
[1] .
ولد سنة سبع عشرة، وقيل: سنة ست وأربعمائة، ورحل في طلب الحديث إلى الشام، والعراق، وفارس، وخوزستان، والجبل، وأصبهان. وسمع من خلق كثير منهم: أبو نصر السجزي، وأبو ذر الهَرَويّ [2] وأكثر عن العراقيين، وخرج لأبي الحسين ابن النقور أجزاء من مسموعاته، وتكلم على الأحاديث بكلام حسن، وكان حافظا متقنا أديبا فهما ثقة صدوقا خيرا، وكان يترسل عن ابن أبي هاشم أمير مكة إلى الخلفاء والأمراء، ويتولى ما يوقع له من مال وكسوة، وكان من ذوي الهيئات النبلاء، حدثنا عنه أشياخنا وآخر من حدث عنه أبو الفتح ابن البطي، توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر حين قدم من الحج، وكانت وفاته بالكوفة، ودفن في مقبرة البيع [3] .
3625- الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس، أبو علي الطوسي، الملقب: نظام الملك وزير السلطانين ألب أرسلان وولده ملك شاة نسقا متتاليا تسعا وعشرين [4] سنة.
ولد بطوس، وكان من أولاد الدهاقين وأرباب الضياع بناحية بيهق، كان عالي الهمة إلا أنه كان فقيرا مشغولا بالفقه والحديث، ثم اتصل بخدمة أبي علي بن شاذان المعتمد عليه ببلخ، فكان يكتب له، وكان يصادره كل سنة، فهرب منه فقصد داود بن ميكائيل والد السلطان ألب أرسلان، وعرفه رغبته في خدمته، فلما دخل عليه أخذ بيده فسلمه إلى ولده ألب أرسلان، وقال: هذا حسن الطوسي، فتسلمه واتخذه والدا لا
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 140. وشذرات الذهب 3/ 373. والعقد الثمين 3/ 433.
والعبر للذهبي 3/ 307 وتذكرة الحفاظ 4/ 12. والأعلام 2/ 130) .
[2] «والجبل، وأصبهان. وسمع من خلق كثير منهم أبو نصر الجزي وأبو ذر الهروي» ساقطة من ص.
[3] في الأصل: «من مقبرة السبيع» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 140. وشذرات الذهب 3/ 373، 374. ووفيات الأعيان 2/ 128. والكامل 8/ 478: 481. والروضتين 1/ 25. والأعلام 2/ 202. وتاريخ دولة آل سلجوق)

(16/302)


تخالفه، وقيل: بل خدم ابن شاذان/ إلى أن توفي فأوصى به إلى ألب أرسلان فلما صار 146/ أالملك إِلَى ألب أرسلان [1] دبر له الملك فأحسن التدبير، فبقي في خدمته عشر سنين ثم مات، وازدحم أولاده على الملك، وطغى الخصوم، فدبر الأمور، ووطد الملك لملك شاة فصار الأمر كله إليه وليس للسلطان إلا التخت والصيد، فبقي على هذه عشرين سنة ودخل على المقتدي، فأذن له في الجلوس بين يديه وقال له: يا حسن رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين وأهل الدين [2] عنك، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل التدين حتى كانوا يشغلونه عن مهمات الدولة، فقال له بعض كتابه: هذه الطائفة من العلماء قد بسطتهم في مجلسك حتى شغلوك عن مصالح الرعية ليلا ونهارا، فإن تقدمت أن لا يوصل أحد منهم [3] إلا بإذن، وإذا وصل جلس بحيث لا يضيق عليك مجلسك. فقال: هذه الطائفة أركان الإسلام، وهم جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلست كلا منهم على رأسي لاستقللت لهم ذلك [4] .
وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني يقوم لهما ويجلسهما في مسند ويجلس في المسند على حالته.
فإذا دخل عليه أبو علي الفارمذي قام وأجلسه في مكانه وجلس بين يديه، فامتعض من هذا الجويني فقال لحاجبه في ذلك فأخبره، فقال: هو والقشيري وأمثالهما قالوا لي: أنت أنت، وأطروني بما ليس في، فيزيدني كلامهم تيها، والفارمذي يذكر لي عيوبي، وظلمي فأنكر [5] وأرجع عن كثير مما أنا فيه. وكان المتصوفة تنفق عليه حتى إنه أعطى بعض متمنيهم [6] في مرات ثمانين ألف دينار.
أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قَالَ: سالت نظام الملك عن سبب
__________
[1] «فلما صار الملك إلى ألب أرسلان» سقطت من ص.
[2] «وأهل الدين» سقطت من ص، ت.
[3] في ص، ت: «أحد إلا بإذن» .
[4] في الأصل: «لاستقللت له ذلك» .
[5] في الأصل: «فانكسر» .
[6] في الأصل: «متمنيهم» .

(16/303)


146/ ب تعظيمه الصوفية فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة/ بعض الأمراء، فوعظني وقال:
أخدم من تنفعك خدمته، ولا تشتغل بما تأكله الكلاب غدا فلم أعرف معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد، وكانت له كلاب كالسباع تفرس الغرباء بالليل، فغلبه السكر وخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك فأنا أطلب أمثاله.
وكان للنظام من المكرمات ما لا يحصى كلما سمع الأذان أمسك عما هو فيه، وكان يراعي أوقات الصلوات، ويصوم الاثنين والخميس، ويكثر الصدقة، وكان له الحلم والوقار وأحسن خلاله مراعاة العلماء، وتربية العلم، وبناء المدارس والمساجد والرباطات والوقوف عليها، وأثره العجيب ببغداد هذه المدرسة وسقوفها الموقوف عليها، وفي كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا، وكذلك الأملاك الموقوفة عليها شرط فيها أن يكون على أصحاب الشافعي أصلا وفرعا، وكذلك شرط في المدرس الذي يكون بها والواعظ الذي يعظ بها ومتولي الكتب، وشرط أن يكون فيها مقرئ القرآن، ونحوي يدرس العربية، وفرض لكل قسطا من الوقف، وكان يطلق ببغداد كل سنة من الصلات مائتي كر، وثمانية عشر ألف دينار.
ولما طالت ولايته تقررت قواعده قبل قدره، ولما عبر في جيحون [1] وقع للملاحين بأجرتهم على عامل أنطاكية بعشرة آلاف دينار، وملك من الغلمان الأتراك ألوفا، وحدث بمرو، ونيسابور، والري، وأصبهان، وبغداد، وأملى في جامع المهدي، وفي مدرسته، وكان يقول: إني لأعلم أنى لست أهلا للرواية، ولكني أريد أن أربط نفسي على قطار النقلة لحديث/ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحدث عنه جماعة من شيوخنا منهم أبو الفضل الأرموي، وآخر من روى عنه أبو القاسم العكبري، وكان النظام يقول: كنت أتمنى أن يكون لي قرية ومسجد أتخلى فيه بطاعة ربي، ثم تمنيت بعد ذلك قطعة من الأرض بشربها أقوت برفعها، وأتخلى في مسجد في جبل، ثم الآن أتمنى أن يكون لي رغيف كل يوم وأتعبد [2] في مسجد.
__________
[1] في الأصل: «ولقد عبر في جيحون» .
[2] في ت، ص: «لي رغيف وأتعبد»

(16/304)


وقال: رأيت إبليس في النوم-[1] فقلت له: ويلك، خلقك الله ثم أمرك بسجدة فلم تفعل، وأنا الحسن أمرني بالسجود فأنا أسجد له كل يوم سجدات فقال:
من لم يكن للوصال أهلا ... فكل إحسانه ذنوب
وكان له أولاد جماعة وزر منهم خمسة للسلاطين، وزر أحمد بن النظام لمحمد ابن ملك شاة وللمسترشد، خرج النظام مع ملك شاة يقصد العراق من أصفهان يوم الخميس غرة رمضان وكان آخر سفرة سافرها فلما أفطر ركب في محفة وسير به فبلغ إلى قرية قريبة من نهاوند فقال: هذا الموضع قتل فيه جماعة من الصحابة زمن عمر، فطوبى لمن كان معهم [2] ، فقتل تلك الليلة اعترضه صبي ديلمي على صفة الصوفية معه قصة، فدعا له وسأل تناولها فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده، فحمل إلى مضربه فمات، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب فعثر بطنب خيمة فوقع، فركب السلطان إلى معسكره فسكنهم، وذلك في ليلة السبت عاشر رمضان، وكان عمره ستا وسبعين سنة، وعشرة أشهر، وتسعة عشر يوما.
وشاع بين الناس أن السلطان سئم طول عمره وصور له أعداؤه كثرة ما يخرج من الأموال، وقد كان عثمان بن النظام رئيس مرو فأنفذ السلطان مملوكا له كبيرا قد جعله شحنة فاختصما، فقبض عليه عثمان وأخرق به، فلما أطلقه/ قصد السلطان مستغيثا، 147/ ب فاستدعى السلطان أرباب الدولة وقال: امضوا إلى خواجه حسن وقولوا له إن كنت شريكي في الملك فلذلك حكم، وان كنت تابعي فيجب أن تلزم حدك، وهؤلاء أولادك قد استولوا على الدنيا، ولا يقنعهم حتى يخرجوا من الحرمة [3] . فلما أبلغوه قَالَ لهم:
قولوا له أما علم أني شريكه في الملك، وأنه ما بلغ إلا بتدبيري، أو ما يذكر حين قتل أبوه كيف جمعت الناس عليه، وعبرت بالعساكر النهر، وفتحت الأمصار، وصار الملك بحسن تدبيري بين راج للرأفة ووجل من المخافة، وبعد هذا فقولوا له وعرفوه [4] أن
__________
[1] في الأصل: «رأيت إبليس في المنام»
[2] في الأصل: «لمن كان منهم»
[3] في الأصل: «فيجب قوا الحرمة» .
[4] في ت، ص: «فقولوا له أن ثبات القلنسوة» .

(16/305)


ثبات القلنسوة مصدوق بفتح هذه الدواة، ومتى أطبقت هذه زالت تلك فحكى ذلك للسلطان، فما زال يدبر عليه فيقال إنه ألف عليه بمواطأة تاج الملك أبي الغنائم من قتله، فلم تطل مدة السلطان بعده، وإنما كان بينهما خمسة وثلاثون يوما، فكان في ذلك عبرة، فكان الناس يتحدثون أن السلطان إنما رضي بقتله لأن السلطان كان قد عزم على تشعيث أمر المقتدي، ودبر ذلك تاج الملك وخاتون زوجة السلطان لأنها أرادت من السلطان أن ينص على ولدها محمود فثناه عن رأيه النظام، فخشوا من النظام تثبيطا عن مرادهم.
ووصل نعي نظام الملك إلى بغداد يوم الأحد ثامن عشر رمضان، فجلس عميد الدولة للعزاء به في الديوان ثلاثة أيام، وحضر الناس على طبقاتهم، وخرج التوقيع يوم الثالث. وفي آخره، وفي بقاء معز الدولة [1] مما يجبر المسلمين، ويعضد أمير المؤمنين.
قَالَ المصنف: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل قال: رأينا في أوائل أعمارنا [ناسا] [2] طاب العيش معهم، من العلماء والزهاد وأعيان الناس، وأما النظام فإن سيرته بهرت العقول جودا وكرما وحشمة وإحياء لمعالم الدين، فبنى المدارس، ووقف عليها 148/ أالوقوف/ ونعش العلم وأهله، وعمر الحرمين، وعمر دور الكتب، وابتاع الكتب فكانت سوق العلم في أيامه قائمة، والعلماء مستطيلين على الصدور من أبناء الدنيا، وما ظنك برجل كان الدهر في خفارته، لأنه كان قد أفاض من الإنعام ما أرضى الناس، وإنما كانوا يذمون الدهر لضيق أرزاق واختلال أحوال، فلما عمهم إحسانه امسكوا عن ذم زمانهم.
قَالَ ابن عقيل: بلغت كلمتي هذه وهي قوله كان الدهر في خفارته جماعة من الوزراء والعمداء فسطروها [3] واستحسنها العقلاء الذين سمعوها.
قَالَ ابن عقيل: وقلت مرة في وصفه ترك الناس بعده موتى أما أهل العلم والفقراء
__________
[1] في الأصل: «معز الدولة» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «فشطروها» .

(16/306)


ففقدوا العيش بعده بانقطاع الأرزاق [1] ، وأما الصدور والأغنياء فقد كانوا مستورين بالغناء عنهم، فلما عرضت [2] الحاجات إليهم عجزوا [3] عن تحمل بعض ما عود [4] من الإحسان، فانكشفت معايبهم من ضيق الصدور [5] ، فهؤلاء موتى بالمنع وهؤلاء موتى بالذم [6] ، وهو حي بعد موته بمدح الناس لأيامه، ثم ختم له بالشهادة فكفاه الله أمر آخرته كما كفى أهل العلم أمر دنياهم، ولقد كان نعمة من الله علي أهل الإسلام فما شكروها فسلبوها.
قَالَ المصنف رحمه الله: وقد رثاه مقاتل بن عطية [المسمى بشبل الدولة] [7] فذكر هذا المعنى:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... يتيمة صاغها الرحمان من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردها غيرة منه إلى الصدف
3626- عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا، أبو القاسم الشاعر
[8] .
من أهل الحريم الطاهري، ولد سنة عشر وأربعمائة، وسمع أبا القاسم الخرقي وغيره، وكان أديبا حدث عنه أشياخنا، ورموه بأنه كان يرى رأي الأوائل، ويطعن على الشريعة، / وقال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي: ما كان يصلي، وكان يقول في السماء 148/ ب نهر من خمر، ونهر من لبن، ونهر من عسل ما سقط منه شيء قط سقط [9] هذا الذي يخرب البيوت ويهدم السقوف.
توفي في محرم هذه السنة، ودفن بباب الشام، وأنبأنا عمر بن ظفر المغازلي قال:
__________
[1] في الأصل: «الارفاق» .
[2] في الأصل: «عرفت»
[3] في ص: «الحاجات عجزوا»
[4] في الأصل: «ما حمل من الإحسان»
[5] في ص: «من ضيق الأخلاق» .
[6] في الأصل: «موتى بالذم، وهؤلاء موتى بالمنع»
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 141 وفيه: «بن ياقيا» . والكامل 8/ 486) .
[9] في ص: «شيء قط هذا الّذي»

(16/307)


سمعت أبا الحسن علي بن محمد الدهان يقول: دخلت على أبي القاسم بن ناقيا بعد موته لأغسله فوجدت يده مضمومة فاجتهدت على فتحها فإذا فيها مكتوب.
نزلت بجار لا يخيب ضيفه ... أرجى نجاتي من عذاب جهنم
وإني على خوفي من الله واثق ... بإنعامه والله أكرم منعم
3627- عبد الرحمن بن محمد، أبو محمد العماني
[1] .
كان يتولى قضاء ربع الكرخ ببغداد ثم ولي قضاء البصرة.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
3628- مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم، أبو عبد الله البانياسي
[2] .
وبانياس بلد من بلاد الغور قريب من فلسطين، ولد سنة ثمان وتسعين، وهذا الرجل له اسمان وكنيتان يقال له: أبو عبد الله مالك، وأبو الحسن على، وكان يقول سماني أبي مالكا، وكناني بابي عبد الله، وأسمتني أمي عليا، وكنتني بأبي الحسن، فأنا أعرف بهما لكنه اشتهر بما سماه أبوه، سمع أبا الحسن بن الصلت وهو آخر من حدث عنه في الدنيا، وسمع من أبي الفضل بن أبي الفوارس، وأبا الحسين بن بشران، وحدثنا عنه مشايخنا آخرهم أبو الفتح ابن البطي، وكان ثقة.
واحترق بسوق الريحانيين يوم الثلاثاء بين الظهر والعصر تاسع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة [وهلك فيه جماعة من الناس] [3] فاحترق فيه مالك البانياسي، وكان في غرفته [4] ودفن يوم الأربعاء.
3629- ملك شاه، ويكنى: أبا الفتح بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان ابن داود بن ميكائيل بن سلجوق الملقب جلال الدولة
[5] .
__________
[1] العمّاني: بفتح العين المهملة، والميم المشددة، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى «عمّان» وهو موضع بالشام (الأنساب 9/ 52)
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 142. وشذرات الذهب 3/ 376)
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ص: عشرقبه»
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 142. وشذرات الذهب 3/ 376. والكامل 8/ 481: 484.
ووفيات الأعيان 5/ 283: 289)

(16/308)


عمر القناطر، وأسقط المكوس والضرائب وحفر الأنهار الخراب، وبنى الجامع الذي يقال له جامع السلطان الّذي يقال له/ انه جدد بناه [1] ببغداد، وبنى مدرسة أبي 149/ أحنيفة والسوق، وبنى منارة القرون من صيودة، وهي التي بظاهر الكوفة، وبنى مثلها وراء النهر، وتذكر ما اصطاده بنفسه، فكان عشرة آلاف فتصدق بعشرة آلاف دينار، وقال: إني خائف من الله سبحانه من إرهاق روح لغير مأكله، وخطب له من أقصى بلاد الترك إلى أقصى بلاد اليمن، وراسله الملوك حتى قَالَ النظام: كم من يوم وقعت بإطلاق إذ مات لرسل ملك الروم، واللان، والخزر، والشام، واليمن، وفارس وغير ذلك. قال:
وإن خرج هذا السلطان في السنة أكثر [2] من عشرين ألف ألف دينار، وكانت السبل في زمانه آمنة، وكانت نيته في الخير جميلة، وكان يقف للمرأة والضعيف ولا يبرح إلا بعد إنصافهم.
ومن محاسن ما جرى له في ذلك أن بعض التجار قَالَ: كنت يوما في معسكره، فركب يوما إلى الصيد، فلقيه سوادي يبكي فقال له: مالك؟ [فقال له] [3] يا خيلباشي كان معي حمل بطيخ هو بضاعتي فلقيني ثلاثة غلمان فأخذوه. فقال له: امض إلى العسكر، فهناك قبة حمراء، فاقعد عندها ولا تبرح إلى آخر النهار، فأنا أرجع وأعطيك ما يغنيك. فلما عاد قَالَ للشرابي قد اشتهيت بطيخا ففتش العسكر وخيمهم ففعل، فأحضر البطيخ فقال: عند من رأيتموه؟ فقال: في خيمة فلان الحاجب. فقال: أحضروه فأحضر [4] فقال له: من أين لك هذا البطيخ؟ فقال: جاء به الغلمان. فقال: أريدهم هذه الساعة. فمضى وقد أحس بالشر، فهرب الغلمان خوفا من ان يقتلهم، وعاد وقال: قد هربوا لما علموا ان السلطان يطلبهم فقال: احضروا السوادي، فأحضر فقال له: هذا بطيخك الذي أخذ منك؟ قَالَ: نعم فقال: هذا الحاجب مملوك أبي ومملوكي، وقد سلمته إليك [و] وهبته لك، ولم يحضر الذين أخذوا مالك، وو الله لئن تركته لا ضربن رقبتك. / فأخذ السوادي بيد الحاجب وأخرجه، فاشترى الحاجب نفسه منه بثلاثمائة 149/ ب دينار، فعاد السوادي إلى السلطان فقال: يا سلطان قد بعت المملوك الذي وهبته لي بثلاثمائة دينار. فقال: قد رضيت بذلك؟ قَالَ: نعم. فقال: اقبضها وامض مصاحبا.
__________
[1] «الّذي يقال له أنه جدد بناه» سقطت من ص.
[2] في ص: «نجو من» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] «فأحضر» سقطت من ص.

(16/309)


ومن محاسن أفعاله أنه لقي إنسانا تاجرا على عقبة معه بغال عليها متاع فذهب أصحابه ينحون البغال إلى صاحب الخيل، [1] فقال: لا تفعلوا نحن على خيل يمكننا أن نصعد إلى هناك، وهذه البغال عليها أثقال وفي ترقيتها خطر، فصعد على الجادة إلى أن مضى التاجر بأحماله، ثم عاد، ولقي امرأة تمشي فقال لها: إلى أين؟ قالت: إلى الحج. قال: كيف تقدرين على ذلك؟ قالت: أمشي إلى بغداد واطرح نفسي هناك على من يحملني لطلب الثواب، فأخرج ما كان في خريطته من الدنانير فطرحه في إزارها، وقال: خذي هذا فاشتري منه مركوبا، واصرفي بقيته في نفقتك، ولما توجه إلى حرب أخيه تكش اجتاز بمشهد على بن موسى الرضا بطوس فدخل للزيارة ومعه النظام، فلما خرجا قَالَ له: يا حسن، بما دعوت؟ فقال: دعوت الله أن يظفرك بأخيك فقال: إنني لم اسأل ذلك، وإنما قلت: اللَّهمّ إن كان أخي أصلح للمسلمين منى فظفره بي، وإن كنت أصلح لهم فظفرني به.
وجاء إليه تركماني قد لازم تركمانيا فقال له: إني وجدت هذا قد ابتنى بابنتي، وأريد أن تأذن لي في قتله. فقال: لا تقتله ولكنا نزوجها به، ونعطي المهر من خزانتنا عنه. فقال: لا أقنع إلا بقتله. فقال: هاتوا سيفا. فجيء به فأخذه وسله وقال للرجل:
تعال. فتعجب الناس وظنوا أنه يقتل الأب، فلما قرب منه أعطاه السيف وأمسك بيده الجفن، وأمره أن يعيد السيف إلى الجفن فكلما رام [2] الرجل ذلك قلب السلطان 150/ أالجفن فلم يمكنه من إدخال السيف فيه، فقال: ما لك لا تدخل السيف؟ / فقال: يا سلطان، ما تدعني. فقال: كذلك ابنتك لو لم ترد ما فعل بها هذا الرجل، ولما أمكنه غصبها وقهرها، فإن كنت تريد قتله [لأجل فعله] [3] فاقتلهما جميعا، فبقى الرجل لا يرد جوابا، وقال: الأمر للسلطان. فأحضر من زوجه بها [4] وأعطى المهر من الخزانة.
ودخل على هذا السلطان واعظ فحكى له أن بعض الأكاسرة انفرد عن عسكره،
__________
[1] في الأصل: «جانب الخيل»
[2] في الأصل: «فكل رام»
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «من زوجها به»

(16/310)


فجاز على بستان فطلب منه ماء ليشرب، فأخرجت له صبية إناءً فيه ماء قصب السكر والثلج فشربه، فاستطابه فقال: هذا كيف يعمل؟ فقالت: من قصب السكر يزكو عندنا حتى نعصره بأيدينا فيخرج منه هذا الماء. فقال: احضريني شيئا آخر منه [فمضت وهي لا تعرفه] [1] فنوى في نفسه اصطفاء المكان لنفسه وتعويضهم عنه، فما كان بأسرع من أن خرجت باكية فقال لها: ما لك؟ فقالت. نية سلطاننا قد تغيرت علينا. فقال لها: من أين علمت؟ قالت كنت آخذ من هذا الماء ما أريد من غير تعسف، والآن فقد اجتهدت في العصر فلم يسمح ببعض ما كان يخرج عفوا. فعلم صدقها فقال: ارجعي الآن فإنك تلقين الغرض، ونوى أن لا يفعل ما عزم عليه، فخرجت ومعها ما شاءت وهي مستبشرة.
فلما حكى الواعظ هذا قَالَ له السلطان: أنت تحكي لي مثل هذا فلم لا تحكي للرعية أن كسرى اجتاز وحده على بستان فقال للناطور: ناولني عنقودا من الحصرم [فقد كظني العطش واستولت على الصفراء] [2] فقال له: ما يمكنني، فإن السلطان لم يأخذ حقه منه فما يمكنني جنايته، فعجب من حضر وكان فيهم نظام الملك، من مقابلة السلطان تلك الحكاية بهذه، واستدلوا على قوة فطنته، وقد سار هذا السلطان من أصبهان إلى أنطاكية، وعاد إلى بغداد، فما نقل أن أحدا من عسكره أخذ شيئا بغير حق ودخل إلى بغداد ثلاث مرات وكان الناس يخافون الغلاء فيظهر الأمر/ بخلاف ما ظنوا، وكانت 150/ ب السوقة تخترق عسكره ليلا ونهارا، والسوادي يطوف بالتين والدجاج في وسط العسكر ولا يخافون ولا يبيعون إلا بما يريدون. وتقدم بترك المكوس فقال له أحد المستوفين يا سلطان، العام قد أسقطت من خزائن أموالك ستمائة ألف ونيفا فيما هذا سبيله، فقال:
المال مال الله، والعبيد عبيده، والبلاد بلاده، وإنما يبقى في ذلك، فمتى راجعني أحد في ذلك تقدمت بضرب عنقه.
وذكر هبة الله بن المبارك بن يوسف السقطى في تاريخه قَالَ: حدثني عبد السميع بن داود العباسي قَالَ: قصد ملك شاه رجلان من أهل البلاد السفلي من أرض العراق يعرفان: بابني غزال، من قرية تعرف بالحدادية، فتعلقا بركابه وقالا: نحن من
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(16/311)


أسفل واسط من قرية تعرف بالحدادية [1] ، مقطعة لخمارتكين الحلبي، صادرنا على ألف وستمائة دينار، وكسر ثنيتي أحدنا والثنيتان بيده، وقد قصدناك أيها الملك لتقتص لنا منه، فقد شاع من عدلك ما حملنا على قصدك، فإن أخذت بحقنا كما أوجب الله عليك وإلا فاللَّه الحاكم بالعدل بيننا. وفسر على السلطان ما قالاه. قَالَ عبد السميع:
فشاهدت السلطان وقد نزل عن فرسه وقال: ليمسك كل واحد منكما بطرف كمي واسحباني إلى دار حسن هو نظام الملك [فأفزعهما] [2] ذلك، ولم يقدما عليه، فأقسم عليهما إلا فعلا، فأخذ كل واحد منهما بطرف كمه وسارا به إلى باب النظام، فبلغه الخبر، فخرج مسرعا وقبل الأرض بين يديه وقال أيها السلطان المعظم، ما حملك على هذا؟ فقال: كيف يكون حالي غدا بين يدي الله [3] إذا طولبت بحقوق المسلمين وقد قلدتك هذا الأمر لتكفيني مثل هذا الموقف، فان تطرق على الرعية ثلم لم يتطرق إلا بك وأنت المطالب، فانظر بين يديك، فقبل/ الأرض وسار في خدمته، وعاد من وقته، فكتب بعزل خمارتكين وحل إقطاعه، ورد المال إليها [4] وقلع ثنيتيه إن ثبت عليه البينة، ووصلهما بمائة دينار، وعادا من وقتهما.
واستحضر ملك شاه مغنية مستحسنة بالري فأعجبته بغنائها واستطابه، فتاقت نفسه إليها فقالت له: يا سلطان، إني أغار على هذا الوجه الجميل أن يعذب بالنار وإن بين الحلال والحرام كلمة. فقال: صدقت. واستدعى القاضي فزوجه إياها وكان هذا السلطان قد أفسد عقيدته الباطنية، ثم رجع إلى الصلاح.
قَالَ المصنف: نقلت من خط ابن عقيل قَالَ: كان الجرجاني الواعظ مختصا بجلال الدولة فاستسرني أن الملك قد أفسده الباطنية، فصار يقول لي: أيش هو الله؟
وإلى ما تشيرون بقولكم الله؟ فبهت وأردت جوابا حسنا فكتبت: اعلم أيها الملك أن هؤلاء العوام والجهال يطلبون الله من طريق الحواس، فإذا فقدوه جحدوه، وهذا لا يحسن بأرباب العقول الصحيحة، وذلك أن لنا موجودات ما نالها الحس، ولم يجحدها العقل، ولم يمكننا جحدها لقيام دلالة العقل على إثباتها، فان قَالَ لك أحد من هؤلاء:
__________
[1] «تعرف بالحدادية» سقطت من ص، ت.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في ص: «عند الله»
[4] في ص: «ورد المال عليهما وقال: وقلع ... »

(16/312)


لا يثبت إلا ما نرى فمن هاهنا دخل الإلحاد على جهال العوام الذين يستثقلون الأمر والنهي، وهم يرون أن لنا هذه الأجساد الطويلة العميقة التي تنمي ولا يعد [1] وتقبل الأغذية وتصدر عنها الأعمال المحكمة كالطب، والهندسة، فعلموا أن ذلك صادر عن أمر وراء هذه الأجساد المستحيلة وهو الروح والعقل، فإذا سألناهم هل أدركتم هذين الأمرين بشيء من إحساسكم؟ قالوا: لا لكنا أدركناهما من طريق الاستدلال بما صدر عنهما من التأثيرات. قلنا: فما بالكم جحدتم الإله حيث فقدتموه حسا مع ما صدر عنه من إنشاء الرياح والنجوم، وإدارة الأفلاك، وإنبات الزرع، وتقليب الأزمنة؟ وكما أن لهذا الجسد روحا وعقلا بهما قوامه، ولا يدركهما الحس، لكن شهدت بهما أدلة العقل من حيث الآثار، كذلك الله سبحانه وتعالي، وله المثل الأعلى، ثبت بالعقل لمشاهدة الإحساس من آثار صنائعه، وإتقان أفعاله. قَالَ: فحكى لي أنه أعاده عليه فاستحسنه، وهش إليه، ولعن أولئك، وكشف إليه ما يقولون له [2] ثم إن السلطان ملك شاه قدم بغداد وبعت إلى الخليفة يقول له: تنح عن بغداد. فقال: أجلني عشرة أيام على ما سبق ذكره في حوادث [السنين] [3] فتوفي السلطان في ليلة الجمعة النصف من شوال، وقد ذكروا في سبب موته ثلاثة أقوال: أحدها: أنه خرج إلى الصيد بعد صلاة العيد فأكل من لحم الصيد وافتصد فحم فمات. والثاني: أنه طرقته حمى حادة فمات.
والثالث: أن خردك سمه في خلال هلك به، وكان عمره سبعا وثلاثين سنة، ومدة ملكه تسع عشرة سنة وأشهر، ودفن في الشونيزية، ولم يصل عليه أحد.
3630- المرزبان بن خسرو [4] ، أبو الغنائم الملقب [5] تاج الملك
[6] .
وهو الذي بنى التاجية ببغداد، وبنى تربة الشيخ [7] أبي إسحاق، وعمل لقبره
__________
[1] هكذا في ص، وفرت مطموسة، وهذا الجزء الّذي بين المعقوفتين ساقط من الأصل كما سنشير.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل فقط.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وفي الأصل: «على ما سبق ذكر في الحوادث»
[4] في ص، الأصل: «خسروه»
[5] في ص: «المسمى»
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 144)
[7] «الشيخ» سقطت من ص.

(16/313)


ملبنا، وكان قد زعم ملك شاه أن يستوزره بعد النظام فهلك ملك شاه، فتولى أمر ابنه محمود، وخرج ليقاتل بركيارق فقتل، وقطعه غلمان النظام إربا إربا لما كانوا ينسبون إليه من قتل النظام، ومثلوا به [1] وذلك في ذي الحجة من هذه السنة.
3631- هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد بن بوري، أبو القاسم الشيرازي
[2] .
أحد الرحالين في طلب الحديث، الجوالين في الآفاق، البالغين منه، سمع 151/ ب بخراسان/ والعراق، وقومس، والجبال، وفارس، وخوزستان، والحجاز، والبصرة، واليمن، والجزيرة، والشامات، والثغور، والسواحل، وديار مصر، وكان حافظا متقنا ثقة صالحا خيرا ورعا، حسن السيرة، كثيرة العبادة، مشتغلا بنفسه، وخرج التخاريج، وصنف، وانتفع جماعة من طالب الحديث بصحبته، وقد سمع من أبي يعلى بن الفراء، وأبي الحسين بن المهتدي، وأبي الغنائم بن المأمون، وأبي علي بن وشاح، وجابر بن ياسين، ودخل صريفين فرأى أبا محمد الصريفيني فسأله: هل سمعت شيئا من الحديث؟ فأخرج إليه أصوله فقرأها عليه وكتب إلى بغداد فأخبر الناس فرحلوا إليه، وكان هبة الله بن عبد الوارث يحكي عن والدته فاطمة بنت علي قالت: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد المعروف بابن أبي زرعة الطبري قَالَ: سافرت مع أبي إلى مكة فأصابتنا فاقة شديدة فدخلنا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وبتنا طاويين، وكنت دون البالغ، فكنت أجيء إلى أبي وأقول: أنا جائع. فأتى بي أبي إلى الحضرة وقال: يا رسول الله، أنا ضيفك الليلة. وجلس فلما كان بعد ساعة رفع رأسه وجعل يبكي ساعة، ويضحك ساعة. فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع في يدي دراهم، ففتح يده فإذا فيها دراهم وبارك الله فيها إلى أن رجعنا إلى شيراز وكنا ننفق منها. توفي هبة الله في هذه السنة.
152/ أبمرو، وكانت علته البطن، فقام/ في ليلة وفاته سبعين مرة أو نحوها، في كل مرة يغتسل في النهر إلى أن توفي على الطهارة. رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين [3] .
__________
[1] من الأصل: «إربا إربا ومثلوا به لما كانوا ينسبون إليه من قتل النظام، وذلك في ... »
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 144.
وشذرات الذهب 3/ 379 (وفيات سنة 486) وتذكرة الحفاظ 4/ 14، وفيه: «هبة الله بن عبد الرازق تصحيف. والأعلام لابن قاضي شهبة (وفيات سنة 485) . والأعلام 8/ 73. والكامل 8/ 486) .
[3] «رحمه الله وإيانا وجماعة المسلمين» سقطت من ص، ت.

(16/314)


خاتمة الناسخ
[1] آخر الجزء السادس عشر، يتلوه في الجزء السابع عشر دخول سنة ست وثمانين وأربع مائة.
وكان الفراغ منه في حادي عشر ربيع الآخر سنة ست وثمانمائة. أحسن الله نقضها بخير وعافية بمنه وكرمه وغفر لمن استكتبه وكتبه ولمن نظر فيه ودعا لهما بالمغفرة والرحمة وجميع المسلمين. آمين آمين آمين.
والحمد للَّه رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
[1] هذه الخاتمة في نسخة الأصل (أحمد الثالث) فقط.

(16/315)


[المجلد السابع عشر]
ثم دخلت سنة ست وثمانين واربعمائة
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم صلى الله على سيدنا مُحَمَّد وآله وصحبه فمن الحوادث فيها:
أنه كان قد قدم إلى بغداد في شوال سنة خمس وثمانين رجل من أهل مرو واسمه أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي، ثم خرج إلى الحج، فلما قدم جلس في النظامية سنة ست، وحضره أبو حامد الغزالي المدرس بها، وكان الغزالي يحاضره ويسمع كلامه منذ قدم بغداد، فلما جلس كثر الناس عليه حتى امتلأ صحن المدرسة وأروقتها وبيوتها وغرفها وسطوحها، وعجز المكان فكان يجلس في قراح ظفر، وفي كل مجلس يتضاعف الجمع وذرعت الأرض التي عليها الرجال خاصة فكان طولها مائة وسبعين ذراعا وعرضها [1] مائة وعشرين ذراعا، وكان النساء أكثر من ذلك، فكانوا على سبيل الحزر ثلاثين ألفا، وكان صمت هذا الرجل أكثر من نطقه، وكانت آثار الزهادة بينة عليه، وكان إذا تكلم كلمة ضجوا وهاموا، وترك أكثر الناس معايشهم، وحلق أكثر الصبيان شعورهم، وأووا إلى المساجد والجوامع، وتوفروا على الجماعات، وأريقت الأنبذة والخمور، وكسرت آلات الملاهي.
وحكي إسماعيل بن أبي سعد الصوفي قال [2] : كان العبادي ينزل رباطًا وكان في الرباط بركة كبيرة [3] يتوضأ فيها، فكان الناس ينقلون منها الماء بالقوارير والكيزان تبركا حتى كان يظهر فيها نقصان الماء.
__________
[1] في الأصل: «الرجال خاصة فكانت مائة وسبعين ذراعا طولا وعرضها» ..
[2] في الأصل: «بن أبي سعد الصيرفي.
[3] في ص: «كان العبادي ينزل في رباطنا بركة كبيرة» . وما أوردناه من الأصل، ت.

(17/3)


2/ ب وحدثني أبو منصور الأمين أنه قام إليه رجل ليتوب، فقال له: قف/ مكانك ليغسلك ماء المطر. فوقف، فوقع ماء المطر وأظنه قال: وليس في السماء قزعة. قال:
وقال يومًا: يا أبا منصور، أشتهي توثا شاميا وثلجا فإن حلقي قد تغير. قال: فعبرت إلى الجانب المغربي ولي ثم بساتين، فطفت واجتهدت فلم أجد [1] ، فرجعت قبيل الظهر، فدخلت إلى الدار وكان أصحابه فيها وهو منفرد في بيت، فقلت لأصحابه: من جاء اليوم؟ فقالوا: جاءت امرأة فقالت: قد غزلت غزلا وأحب أن تقبل مني ثمنه [2] ، فأخبرناه فقال: ليس لي بذلك عادة، فجلست تبكي فرحمها فقال: قولوا لها تشتري ما يقع في نفسها، فخرجت فاشترت توثا شاميا وثلجا وجاءت به.
وقال لي أبو منصور: ودخلت يوما عليه فقال لي: يا أبا منصور، قد اشتهيت أن تعمل لي دعوة فاشتريت الدجاج، وعقدت الحلوى، وغرمت أكثر من أربعين دينارا، فلما تم ذلك جلس يفرقه [و] [3] يقول: احمل هذا إلى الرباط الفلاني وإلى الموضع الفلاني. فلما انتهينا رآني كأني ضيق الصدر، إذ لم يتناول منه شيئا، فغمس إصبعه الصغرى في الحلوى، وقال: يكفي هذا. قال وكنت أراصده في الليل، فربما تقلب طول الليل على الفراش، ثم قام وقت الفجر فصلى بوضوئه. وكان معه طعام قد جاء به من بلدة، فلم يأكل من غلة بغداد.
وحكى لي عبد الوهاب بن أبي منصور الأمين عن أبيه قال: دخلت على العبادي وهو يشرب مرقة فقلت في قلبي: ليته أعطاني [4] فضلته لأشربها لعلي أحفظ القرآن.
قال: فناولني ما فضل منه، وقال: اشربه على تلك النية. فشربته ورزقني الله حفظ القرآن.
وحكى لي أن هذا الرجل تكلم في الربا وبيع القراضة بالصحيح، فمنع من الجلوس، وأمر بالخروج من البلد فخرج.
__________
[1] في الأصل: «فلم أجده» .
[2] في الأصل: «أن يقبل مني» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ليتني أعطاني» .

(17/4)


[خطبة تاج الدولة تتش لنفسه بالسلطنة]
وفي هذه السنة: خطب تاج الدولة تتش [لنفسه] [1] بالسلطنة، وقصد الرحبة ففتحها عنوة ودخل في/ طاعته آقسنقر صاحب حلب [2] ، وبوزان صاحب الرها [3] ، ووزر له الكافي ابن فخر الدولة بن جهير وملك ديار بكر والموصل وبعث إلى الخليفة يلتمس إقامة الخطبة له ببغداد، فتوقف وانفصل بعد ذلك عن تتش آقسنقر وبوزان، وتوجه بركيارق إلى حرب تتش [4] ، فاستقبلهم بباب حلب، فكسرهم وأسر بوزان وآقسنقر، وصلبهما.
[بدء الفتن بالجانب الغربي]
وفي جمادى الآخرة: بدأت الفتن في الجانب الغربي، وقطعت بها طرق السابلة، وقتل أهل النصرية مسلحيا يعرف بابن الداعي، وأنفذ سعد الدولة أصحابه فأحرقوا النصرية، وتتبع المفسدين فهربوا، ثم اتصلت الفتن بين أهل باب البصرة والكرخ، ووقع القتال على القنطرة الجديدة، وأنفذ سعد الدولة إلى الكرخ فنهبت وأحرقت.
[ولد الولد الخليفة ولد]
وفي شعبان: ولد الولد الخليفة ولد، وهو أبو منصور الفضل ابن ولي العهد أبي العباس أحمد المستظهر، والفضل هو المسترشد.
وفي يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة: خرج الوزير أبو منصور بن جهير في الموكب لتلقي السلطان بركيارق، فهنأه عن الخليفة بالقدوم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3632- جعفر بن المقتدي
[5] :
الّذي كان من خاتون بنت ملك شاه، توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى من هذه السنة، وجلس الوزير عميد الدولة للعزاء به ثلاثة أيام.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «آق سنقر صاحب حلب» .
[3] في الأصل: «وتوران» .
[4] في الأصل: «وتوجه إلى بركيارق وتوجه بركيارق إلى حرب تتش» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، والكامل 8/ 491) .

(17/5)


3633- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو العباس اللباد:
أبهري الأصل، أصبهاني المولد والمنشأ، أحد عدول أصبهان، رحل البلاد وسمع الكثير، وجمع الشيوخ، وكان ثقة، حسن الخلق سليم، مضت أموره على السداد، قتل في أيام الباطنية مظلوما في شوال هذه السنة.
3634-/ سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، أبو مسعود الأصبهاني
[1] :
ولد في رمضان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، ورحل في طلب الحديث، [وطلب] [2] وتعب وجمع ونسخ. وسمع أبا بكر بن مردويه، وأبا نعيم، وأبا علي بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، وخلقا كثيرا. سمع منه أبو نعيم، وأبو بكر الخطيب، وكان له معرفة بالحديث، وصنف التصانيف، وخرج على الصحيحين، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة بأصبهان.
3635- عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن المأمون، أبو القاسم
[3] :
حدث عنه شيخنا ابن ناصر، توفي في ربيع الآخر، ودفن في داره بقصر بني المأمون.
3636- عبد بن علي بن زكرى، أبو الفضل الدقاق
[4] :
سمع أبا الحسين بن بشران، وسمع منه أشياخنا، وتوفي يوم الثلاثاء.
3637- عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد، أبو القاسم العلاف
[5] :
سمع أبا الفرج الغوري [6] ، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وهو آخر من حدث
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1197: 1200، وفيه: «الأصبهاني الملخي» ، والبداية والنهاية 12/ 145، وشذرات الذهب 3/ 377) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «ابن علي بن المأمون بن القاسم» .
[4] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1199، وفيه: «عبد الله بن علي بن زكري» ، وشذرات الذهب 3/ 378، وفيه: «عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري» ) .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 3/ 378) .
[6] في الأصل: «أبو القاسم الغوري» .

(17/6)


عنهما. سمع منه أشياخنا، وتوفي يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
3638- عبد الواحد بن أحمد بن الحصين الدسكري، أبو سعد الفقيه
[1] :
صحب أبا إسحاق الشيرازي، وروى الحديث، ثم خدم في المخزن [2] ، وكان مألفا لأهل العلم، وكان يقول: ما غمر بدني [3] هذا في لذة قط، وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من رجب، ودفن بباب حرب.
3639- علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر.
توفي في هذه السنة.
3640- أبو الحسن الهكّاري
[4] :
والهكارية جبال فوق الوصل، فيها قرى، ابتنى أربطة وقدم [إلى] [5] بغداد فنزل في رباط الزوزني، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بشران، وأبي بكر الخياط، وغيرهما. وكان صالحا من أهل السنة كثير التعبد، وحدث فسمع منه أبو المظفر ابن التريكى الخطيب [6] ، وكان يقول: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام في المدرسة في الروضة فقلت: يا رسول الله، أوصني. فقال: «عليك باعتقاد مذهب أحمد بن حنبل، ومذهب الشافعي/، وإياك ومجالسة أهل البدع» توفي في محرم هذه السنة، وورد 4/ أالخبر بذلك إلى بغداد.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، وفيه: «عبد الواحد بن أحمد بن المحسن الدشكري» ، والكامل 8/ 491) .
[2] في ص: «ثم خرج في المخزن» .
[3] في الأصل: «ما عني بدني» . وفي البداية والنهاية: «وما مشي قدمي هاتين في لذة» .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، وفيه: «علي بن أحمد بن يوسف» ، وشذرات الذهب 3/ 378، 379، والكامل 8/ 491) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «المظفر بن البريكي الخطيب» .

(17/7)


3641- علي بن محمد بن محمد، أبو الحسن الخطيب الأنباري، ويعرف بابن الأخضر
[1] :
سمع أبا أحمد الفرضي، وهو آخر من حدث في الدنيا عنه، وتوفي بالأنبار في شوال، روى عنه أشياخنا آخرهم أبو الفتح ابن البطي، وبلغ من العمر خمسا وتسعين سنة.
3642- علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد بن دلف بن أبي دلف العجلي، أبو نصر بن ماكولا
[2] :
ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وكان حافظا للحديث، وصنف كتاب «المؤتلف والمختلف» فذكر فيه كتاب عبد الغني، وكتاب الدارقطني، والخطيب، وزاد عليهم زيادات كثير، وسماه: كتاب «الإكمال» وكان نحويا مبرزا [3] ، غزل الشعر، فصيح العبارة، وسمع من أبي طالب. قال أبو طالب الطبري [4] : وحدث كثيرا، وسمعت شيخنا عبد الوهاب يطعن فيدينه ويقول: العلم يحتاج إلى دين. وقتل في خوزستان في هذه السنة أو في السنة بعدها [5] .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 145، وتذكرة الحفاظ 1199، وشذرات الذهب 3/ 379) .
[2] انظر ترجمته في: (فوات الوفيات 2/ 93، وكشف الظنون 1637، ووفيات الأعيان 1/ 333، والكامل 8/ 491 وآداب اللغة 3/ 69، والمختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء 2/ 194، وتذكرة الحفاظ 1201 والنجوم الزاهرة 5/ 115، والأعلام 5/ 30) .
[3] في الأصل: «كان محدثا مبرزا» .
[4] في الأصل: «أبو الطيب الطبري» .
[5] في نسخة الأصل (أحمد الثالث) : «قال الناسخ:
ورأيت هاهنا بحاشية الأصل مكتوب ما مثاله: قد ورد أن ابن ماكولا قتل هذا في سنة خمس وسبعين وأربع مائة. وذكره ها هنا.
ثم وجدت بخط القدوة أبو الدرياقوت الحموي بحاشية الأصل مكتوب على سنة خمس وسبعين وأربعمائة موضع قتله ما مثاله: ابن ماكولا هذا مات سنة ست وثمانين.
وقد ذكره هناك، وذكره هاهنا وهم. هذا ما وجدت مكتوبا في الموضعين، والمكتوب في سنة ست وثمانين ليس بخط ياقوت الحموي، فعلى هذا يقع أنه قتل في هذه السنة لقول ياقوت والله أعلم بالصواب» .

(17/8)


3643- نصر بن الحسن بن القاسم بن الفضل، أبو الليث، وأبو الفتح التنكتي [1] وكان له كنيتان:
من أهل تنك بلدة عند الشاش ما وراء النهر، ولد سنة ست وأربعمائة، وطاف البلاد، وسار من الشرق/ إلى الغرب، وجال في بلاد الأندلس، وأقام بها مدة، وسمع 4/ ب من جماعة، وحدث بصحيح مسلم وبالمتفق لأبي بكر الجوزقي، حدثنا عنه شيوخنا، وكان نبيلا صدوقا أمينا ثقة، من أهل الثروة [2] ، كثير النعم، حسن الزي، مليح البشر، كريم الأخلاق، قومت تركته بعد موته مائة ألف وثلاثين ألف دينار.
توفي في ذي القعدة من هذه السنة بنيسابور، ودفن بالحيرة [3] .
3644- يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور، أبو علي البرزبيني
[4] :
سمع أبا إسحاق البرمكي، وتفقه على القاضي أبي يعلى ابن الفراء، ودرس في حياته وصنف، وحدث فروى عنه أشياخنا، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني في سنة ثلاث وخمسين هو والشريف أبو جعفر ورد إليه قضاء باب الأزج.
وتوفي في شوال هذه السنة عن سبع وسبعين سنة، ودفن بمقبرة [دار] [5] الفيل إلى جانب عبد العزيز غلام الخلال.
__________
[1] في الأصل: «وأبو الفتح التقتلي» .
وانظر ترجمته في: « (شذرات الذهب 3/ 379، وفيه: «أبو الفتح نصر بن الحسن السكشي» ،.
والكامل 8/ 492) .
[2] في الأصل: «من ذوي الثروة» .
[3] في الأصل: «ودفن بالحريم» .
[4] في الأصول: «أبو علي البرذباني» . وضبطه السمعاني كما أوردناه.
وفي بعض أصول الأنساب المخطوطة: «ابن أحمد بن منظور» .
وانظر ترجمته في: (ذيل طبقات الحنابلة، والكامل 8/ 492، لابن رجب 1/ 92، واللباب 1/ 111، وطبقات الحنابلة 2/ 245، وفيه: «أبو علي البرزيني» ، والأنساب السمعاني 2/ 147، وشذرات 3/ 3/ 384، والأعلام 8/ 194) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/9)


ثم دخلت سنة سبع وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما قدم السلطان بركيارق بن ملك شاه بغداد تقرر مع الخليفة المقتدي بأن يحمل السلطان إليه المال الذي ينسب إلى البيعة، وأن يخطب له بالسلطنة على رسم أبيه، وتقدم الخليفة إلى أبي سعد بن الموصلايا كاتب الإنشاء أن يكتب عهده، فكتب ورتبت الخلع وذلك يوم الجمعة رابع عشر محرم، وحمل العهد إلى الخليفة يوم الجمعة فوقع فيه، وتأمل الخلع، ثم قدم إليه الطعام فتناول منه وغسل يده، وأقبل على النظر في العهد وهو أكمل ما كان صحة وسرورا وبين يديه قهرمانته شمس النهار فقال لها: من هذه الأشخاص الذين قد دخلوا علينا بغير إذن؟ قالت: فالتفت فلم أر أحدا، ورأيته قد 5/ أتغيرت حالته استرخت يداه [1] ورجلاه، وانحلت قواه، وسقط إلى الأرض/ فظننتها غشية لحقته، ومرة غلبته، فحللت إزرار ثيابه فوجدته لا يجيب داعيا، فحققت موته، ثم أنها تماسكت وتشجعت وقالت لجارية كانت عنده: ليس هذا وقت يظهر فيه الهلع، فإن ظهر منك صياح قتلتك. وأفردتها في حجرة وأغلقت عليها الباب، ثم نفذت بمن استدعى يمنا الخادم وهو صهر القهرمانة على ابنتها، فلما حضر أمرته باستدعاء الوزير عميد الدولة ابن جهير، فمضى إليه عند اختلاط الظلام، فلما شعر به ارتاع وخرج إليه، فأمره بالحضور فحضر والأفكار تتلاعب به، فلما رأى القهرمانة أجلها زيادة على ما جرت به عادته معها [2] ، فدخلت الحجرة إلى أن قالت: قد عجزت عن الخدمة وقد عولت
__________
[1] في الأصل: «ورأيته قد تغيرت حالاه وارتخت يداه ورجلاه» .
[2] في الأصل: «ما جرت به العادة معها» .

(17/10)


على سؤال أمير المؤمنين أن يأذن لي في الحج، وأنت شفيعي إليه وأسألك أن تحفظني في مغيبي كما تحفظني في مشهدي، وأخذت عليه الأيمان أن يتوفر على مصالحها، فلما استوثقت منه استنهضته، فدخل على الخليفة فرآه مسجى فأجهش بالبكاء، وأحضروا ولي العهد المستظهر فعرّفوه الحال وعزوه عن المصيبة، وهنئوه بالخلافة، وبايعوه.
فقد بان بما ذكرنا أنه من حوادث هذه السنة موت المقتدي وخلافة المستظهر.
قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: كانت ببغداد زلزلة في محرم سنة سبع وثمانين بين العشائين، فحدث بعدها موت المقتدي، وخروج تتش وقتله، ومجيء بركيارق إلى بغداد [1] ، وغير ذلك من الفتن والحروب وغلاء السعر.
__________
[1] في ت، ص: «ومجيء ابن أبق إلى بغداد» .

(17/11)


باب ذكر خلافة المستظهر باللَّه
ولما بويع المستظهر وهو ابن ست عشرة سنة وشهرين، واسمه، أحمد بن المقتدي، ويكنى: أبا العباس، وأمه أم ولد، كان كريم الأخلاق، لين الجانب، سخي النفس، مؤثرا للإحسان، حافظا للقرآن، محبا للعلم، منكرا للظلم، فصيح اللسان، له شعر مستحسن/ منه قوله:
أذاب [حر] [1] الهوى في القلب ما جمدا ... يوما مددت على رسم الوداع يدا
فكيف أسلك نهج الاصطبار [2] وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا
قد أخلف الوعد بدر قد شغفت به ... من بعد ما قد وفي دهرا بما وعدا
إن كنت أنقض عهد الحب في خلدي ... من بعد هذا فلا عاينته أبدا
ولما بويع المستظهر استوزر أبا منصور ابن جهير، وقال له: الأمور مفوضة إليك والتعويل فيها عليك، فدبرها بما تراه. فقال: هذا وقت صعب، وقد اجتمعت العساكر ببغداد مع هذا السلطان الذي عندنا، ولا بد من بذل الأموال التي تستدعي إخلاصهم وطاعتهم. فقال له: الخزائن بحكمك فتصرف فيها عن غير استنجاز ولا مراجعة ولا محاسبة. فقال: ينبغي كتمان هذه الحال إلى أن يصلح نشرها، وأنا أستأذن في إطلاع ابني الموصلايا على الحال [3] فهما كاتبا الحضرة. فقال المستظهر: قد أذن في ذلك، وفي جميع ما تراه. فخرج إلى الديوان واستدعى ابني الموصلايا وقال لهما: قد حدث حادثة عظيمة. وتفاوضوا فيما يقع عليه العمل. فركب عميد الدولة باكرا إلى السلطان بركيارق يوم السبت وهو متشجع فخلع عليه [4] ، وعاد إلى بيت النوبة فأنهى الحال إلى المستظهر، وجرى الأمر في ذلك على أسدّ نظام إلا أن الإرجاف انتشر في هذا اليوم، ثم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «أسلك لهج الاصطبار» .
[3] في الأصل: «اطلاع ابني الموصلي على الحال» .
[4] في الأصل: «يوم السبت ومعه الموكب مستجمع فخلع عليه» .

(17/12)


تكاثر في يوم الأحد، ثم زاد يوم الاثنين، فوقع الوزير إلى أرباب المناصب بالحضور، فحضر طراد بن محمد من باب البصرة في الزمرة العباسية مظهرين شعار المصيبة، وجاء/ نقيب الطالبيين المعمر على مثل ذلك في زمرة العلويّة، فضجّ الناس بالبكاء، 6/ أثم اظهر موت المقتدى بعد ثلاثة أيام، وذلك يوم الثلاثاء ثامن عشر المحرم، فأخرج في تابوت وصلى عليه المستظهر، ولم يحضر السلطان بل حضر أعيان دولته، وأرباب المناصب، وأهل العلم مثل الغزالي، والشاشي، وابن عقيل، فبايعوه وكان المتولى لأخذ البيعة على الكل الوزير أبو منصور بن جهير.
وكان المستظهر كريما فحكى أبو الحسن المخزني قال: أخرج إلينا من الدار أربع عشرة جبة طلساء قد تدنست أزياقها تزيد قيمتها على خمسمائة دينار، فسلمها إلى مطري، وظننت أن كتاب المخزن قد أثبتوها، ولم تطلب مني ولا ذكرت بها، واتصلت أشغالي ومضى على هذا حدود من ثلاث سنين، فخرج إلينا من طلب الجباب، فأنكرت الحال، وقلت: متى كان هذا وفي أي وقت؟ فذكروني الوقت ومن جاء بها، فتذكرت وما علمت إلى من سلمتها، فاستدعيت كل مطري جرت عادته بخدمة المخزن فحضروا وفيهم الذي سلمتها إليه، فتأملته وقد استحال لونه، فقلت له: أين الجباب؟ فلم ينطق، فعاودته فسكت، فأمرت بضربه فقال: أصدقك، لما أصلحت الجباب لم تلتمس مني، وبقيت سنة وعملت بعدها أعمالا كثيرة للمخزن، وما ذكرت لي فعلمت أنها قد نسيت، وكان علي دين، فبعت واحدة، ثم مضى زمان فلم تطلب فبعت أخرى، ثم أخرى، إلى أن بقي عندي منها ست جباب فبعتها جملة وجهزت ابنة لي، والله ما في يدي منها خيط [1] ، ولا من ثمنها حبة، وما لي سوى ثمن دويرة البنت والرحل الذي جهزتها به، فقلت: ويلك/، خاطرت بدمي، وعرضتني للتهمة، ودخلت على أبي القاسم بن 6/ ب الحصين صاحب المخزن، فعرفته فتقدم بتقييده وحمله إلى الحبس، ثم طولع المستظهر بالحال، وترقب أن يتقدم بقطع يده إظهارا للسياسة، فوقع أن أمر بالجواب:
كانت المقابلة لمن فرضه الحفظ إذ فرط، فالذنب للراعي إذ نعس لا للذئب إذ اختلس [2] ، والذي انصرف فيه ثمن الثياب أنفع لأربابها منها، فليخل سبيل هذا، ولا
__________
[1] في الأصل: «والله ما في بيتي منها خيط» .
[2] في الأصل: «لا المذنب إذ اختلس» .

(17/13)


يعرض لدار بنته ورحلها، [والله المعين] [1] .
وفي ربيع الآخر: رأى بعض اليهود مناما: أنهم سيطيرون فجاء فأخبرهم فوهبوا أموالهم وذخائرهم وجعلوا ينتظرون الطيران فلم يطيروا، فصاروا ضحكة بين الأمم.
وفي ثالث عشر شعبان: ولي أبو الحسن الدامغاني قضاء القضاة، ولاه الوزير عميد الدولة شفاها، وتقدم بإفاضة الخلع في الديوان، وعبر بنهر القلائين ومعه النقيبان وحجاب الديوان، وأتي محلته والفتنة قائمة فسكنت، فجلس وحكم، وولي أخاه أبا جعفر القضاء بالرصافة، وباب الطاق، ومن أعلى بغداد إلى الموصل، وغيرها من البلاد، بعد أن قبل شهادته، وكانت الفتنة بين أهل نهر طابق وأهل باب الأرحاء، فاحترقت نهر طابق وصارت تلولا، فلما احترقت نهر طابق عبر يمن وصاحب الشرطة، فقتل رجلا مستورا، فنفر الناس عنه، وعزل في اليوم الثالث من ولايتة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3645- عبد الله المقتدي باللَّه، أمير المؤمنين
[2] :
7/ أتوفي فجأة ليلة/ السبت خامس عشر محرم هذه السنة، وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة [3] وثمانية أشهر وسبعة أيام، وكانت مدة خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر إلا يومين.
3646- خاتون
[4] :
زوجة السلطان ملك شاه، تسمى تركان وهي بنت طراج، وأبوها من نسل أفراسياب ملك الفرس، وكانت حازمة حافظة شهمة، وكان معها من الأتراك إلى حين وفاتها عشرة آلاف، وقد ذكرنا كيف زمت الأمور حين وفاة السلطان وحفظت أموال السلطان فلم يذهب منها شيء، وهي صاحبة أصبهان باشرت الحروب ودبرت الجيوش وقادت العساكر، وتوفيت في رمضان هذه السنة، فانحل أمر ابنها محمود بموتها، وعقد الأمر لبركيارق بن ملك شاه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 8/ 493، والبداية والنهاية 12/ 146، وشذرات الذهب. 38، 381) .
[3] في ص، والمطبوعة: «ثمانيا وعشرين سنة» .
[4] انظر ترجمتها في: (البداية والنهاية 2/ 148) .

(17/14)


ثم دخلت سنة ثمان وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورود يوسف بن أبق إلى بغداد]
ورود يوسف بن أبق التركماني إلى بغداد في صفر أنفذه تاج الدولة أبو سعيد تتش بن محمد ألب أرسلان لإقامة الدعوة له، فأخرج إليه من الديوان حاجب، فلما لقيه ضربه وأراد خروج الوزير، فعلم أنه طالب مكيدة، ودخل بغداد فاستدعى سيف الدولة صدقة بن منصور وكان نافرا من تاج الدولة، ولم يغير الخطبة في بلاده لبركيارق لما غيرها الديوان فخيم سيف الدولة بباب الشعير، فرحل ابن ابق فنهب باجسرى، وقرر على شهربان ثلاثة آلاف دينار، ونهب طريق خراسان، فقال الوزير لحاجبه: قل للورامية استلأموا بسدفة- يريد ألبسوا السلاح/ في ظلمة الليل- فقال لهم 7/ ب الحاجب: قال لكم مولانا ناموا في الصفة.
فقال ورام بن أبي فراس: فكأنا برحنا من الصفة. فعاد الحاجب فقال له الوزير:
ما الذي قلت؟ فأخبره، فضحك وقال: شر المصائب ما يضحك. ثم إن الخليفة ستدعى ابن أبق فدخل فقبل الأرض خارج الحلبة ونزل بدار المملكة، واستعد أهل بغداد السلاح وتحارسوا، لأنه كان عازما على نهب بغداد، فوصل أخو يوسف [1] فأخبره بقتل تاج الدولة، فانهزم قاصدا إلى حلب. وكانت الوقعة بين تاج الدولة وبركيارق يوم الأحد سابع عشر صفر سنة ثمان وثمانين بموضع بقرب الري، وكان تاج الدولة في القلب فقتل في أول من قتل.
__________
[1] في الأصل: «أخوه يوسف» .

(17/15)


وفي يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول: خطب لولي العهد أبي منصور الفضل ابن المستظهر باللَّه، ولقب عمدة الدين.
[خروج الوزير عميد الدولة أبي منصور]
وفي ثامن عشر ربيع الآخر: خرج الوزير عميد الدولة أبو منصور فخط السور على الحريم وقدره ومعه المساح، وتقدم بجبايات المال الذي يحتاج إليه عقارات الناس ودورهم، وأذن للعوام في الفرجة والعمل، وحمل أهل المحال السلاح والأعلام والبوقات والطبول، ومعهم المعاول والسبسلات وأنواع الملاهي من الزمور والحكايات والخيالات، فعمل أهل [باب] [1] المراتب من البواري المقيرة [2] على صورة الفيل وتحته قوم يسيرون [3] به، وعملوا زرافة كذلك، وأتى أهل قصر عيسى 8/ أبسميرة/ كبيرة [4] فيها الملاحون يجدفون وهي تجري على هاذور، وأتى أهل سوق يحيى بناعورة تدور معهم في الأسواق، وعمل أهل سوق المدرسة قلعة خشب تسير على عجل، وفيها غلمان يضربون بقسي البندق والنشاب، وأخرج قوم بئرا على عجل وفيها حائك ينسج، وكذلك السقلاطونيون، وكذلك الخبازون، جاءوا بتنور وتحته ما يسير به والخباز يخبز ويرمي الخبز إلى الناس.
وكتب أبو الوفاء بن عقيل إلى الوزير ابن جهير إِحراق العوام بالشريعة في بناء السور، فكان فيه مما نقلته من خطه: لولا اعتقادي صحة البعث، وأن لنا دارا أخرى لعلى أكون فيها على حال أحمدها لما بغضت نفسي [5] إلى مالك عصري، وعلى الله أعتمد في جميع ما أورده بعد أن أشهده أني محب متعصب، لكن إذا تقابل دين محمد ودين بني جهير فو الله ما أزن هذه بهذه، ولو كنت كذلك كافرا، فأقول: ان كان هذا الخرق الذي جرى بالشريعة عن عمد لمناصبة واضعها فما بالنا نعتقد الختمات ورواية الأحاديث، وإذا نزلت بنا الحوادث تقدمنا مجموع الختمات والدعاء عقيبها ثم بعد ذلك
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «المراتب من السواري المقيرة» .
[3] في الأصل: «وبجنبه قوم يسيرون» .
[4] في الأصل: «بسميرية كبيرية» .
[5] في الأصل: «فيها على حال أمورها لما نعيت نفسي» .

(17/16)


طبول وسواني ومخانيث وخيال وكشف عورات الرجال مع حضور النساء إسقاطا لحكم الله، وما عندي يا شرف الدين [أن فيك] [1] أن تقوم لسخطه من سخطات [2] الله، ترى بأي وجه تلقى محمدا صلى الله عليه وسلم، بل لو رأيته في المنام مقطبا كان ذلك يزعجك/ في 8/ ب يقظتك، وأي حرمة تبقى لوجوهنا وأيدينا وألسنتنا عند الله إذا وضعنا الجباه ساجدة، ثم كيف نطالب الأجناد تقبيل عتبة ولثم ترابها، ونقيم الحد في دهليز الحريم صباحا ومساء على قدح نبيذ مختلف فيه، ثم تمرح العوام في المنكر المجمع على تحريمه، هذا مضاف إلى الزنا الظاهر بباب بدر، ولبس الحرير على جميع المتعلقين والأصحاب [3] ، يا شرف الدين اتق سخط الله فإن سخطه لا تقاومه سماء ولا أرض، [4] فإن فسدت حالي بما قلت [5] ، فلعل الله يلطف بي ويكفيني حوائج الطباع، ثم لا تلمنا على ملازمة [6] البيوت والاختفاء عن العوام، لأنهم إن سألونا لم نقل إلا ما يقتضي الإعظام [7] لهذه القبائح، والإنكار لها والنياحة على الشريعة، أترى لو جاءت معتبة من الله سبحانه في منام، أو على لسان نبي أن لو كان قد بقي للوحي نزول، أو ألقى إلى روع مسلم بإلهام، هل كانت إلا إليك، فاتق الله تقوى من علم مقدار سخطه، فقد قال:
فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ 43: 55 [8] وقد ملأتكم في عيونكم مدائح الشعراء، ومداجاة المتمولين بدولتكم، الأغنياء الذين خسروا الله فيكم فحسنوا لكم طرائقكم، والعاقل من عرف نفسه، ولم يغيره مدح من لا يخبرها.
وفي شعبان: شهد أبو الخطاب الكلوذاني وأبو سعيد المخرمي.
[جرح السلطان بركيارق]
وفي رمضان جرح السلطان بركيارق، جرحه رجل سجزي كان ستريا على بابه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لسخطة من سخط الله» .
[3] في الأصل: «على جميع المتدلقين والأصحاب» .
[4] في الأصل: «فإن سخطه لا يقاومه سماء ولا أرض» .
[5] في الأصل: «فإن فسدت حالي بها قلت» .
[6] في الأصل: «ثم لا تلومونا على ملازمة» .
[7] في الأصل: «إن سألونا لو فعل إلا ما فيقتضي الإعظام» .
[8] سورة: الزخرف، الآية: 55.

(17/17)


9/ أبعد الإفطار، فأخذ الجارح وأقر على رجلين سجزيين أنهما أعطياه مائة دينار/ ليقتله، فقتل وقررا فاعترفا، فضربا فلم يقرا على من أمرهما بذلك، [وعذّبا بأنواع العذاب فلم يذكرا من [1] وضعهما] فترك أحدهما تحت يد الفيل فقال: خلصوني حتى أقر بالحال.
فلما خلى التفت إلى رفيقه فقال له: يا أخي، لا بد من هذه القتلة فلا تفضح أهل سجستان بإفشاء الأسرار، فقتلا وبعث يمن الخادم إلى السلطان مهنئا له بالسلامة.
وفي ذي القعدة: خرج أبو حامد الغزالي من بغداد متوجها إلى بيت المقدس تاركا للتدريس في النظامية، زاهدا في ذلك، لابسا خشن الثياب بعد ناعمها، وناب عنه أخوه في التدريس، وعاد في السنة الثالثة من خروجه وقد صنف كتاب «الإحياء» فكان يجتمع إليه الخلق الكثير كل يوم في الرباط فيسمعونه منه، ثم حج في سنة تسعين، ثم عاد إلى بلده.
وفي يوم عرفة: خلع على القاضي أبي الفرج عبد الوهاب بن هبة الله السيبي، ولقب بشرف القضاة، ورد إليه ولاية القضاء بالحريم وغيره.
وفي هذه السنة: اصطلح أهل الكرخ مع بقية المحال، وتزاوروا وتواكلوا وتشاربوا، وكان هذا من العجائب.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3647- أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون، أبو الفضل الباقلاوي
[2] :
ولد لثلاث بقين من جمادي الآخرة سنة ست وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير وكتبه، وله به معرفة حسنة، روى عنه أبو بكر الخطيب، وحدثنا عنه أشياخنا، وكان من الثقات، / وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، ثم صار أمينا له، ثم ولي إشراف خزانة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 149، وفيه: «الحسن بن أحمد بن خيرون أبو الفضل، المعروف بالباقلاني» ، وتذكرة الحفاظ 1207: 1209، وفيهما: «الباقلاني ... ، وشذرات الذهب 3/ 383، والكامل 8/ 507) .

(17/18)


الغلات، وتوفي ضحوة يوم الخميس رابع عشر رجب هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3648- تتش بن ألب أرسلان
[1] :
قتل في وقعة كانت بينه وبين بركيارق ابن ملك شاه، وكان وزير تتش أبو المظفر علي بن نظام الملك، فأسر في الوقعة، وكان وزير بركيارق أبو بكر عبد الله بن نظام [2] الملك، فأطلق له أبا المظفر فعزله بركيارق واستوزر أبا المظفر.
3649- حمد بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن مسهرة، أبو الفضل الحداد الأصبهاني
[3] :
سمع خلقا كثيرا، وقدم بغداد في سنة خمس وثمانين، فروى «الحلية» عن أبي نعيم وغيره، وكان أكبر من أخيه أبي علي المعمر، وكان إماما فاضلا عالما، صحيح السماع، محققا في الأخذ. توفي في هذه السنة.
3650- رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن إبراهيم بن عبد الله [بن الهيثم بن عبد الله]
[4] :
وكان عبد الله اسمه: عبد اللات، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وعلمه وأرسله إلى اليمامة والبحرين ليعلمهم أمر دينهم، وقال: «نزع الله من صدرك وصدر ولدك الغل والغش إلى يوم القيامة» .
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 149، والكامل 8/ 494، شذرات الذهب 3/ 384) .
[2] في الأصل: «عبيد الله بن نظام الملك» .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1199، وأرخ وفاته في سنة 486، وقال: «وقيل في سنة ثمان» .)
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (المنهج الأحمد 2/ 164، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 77، والعبر 3/ 104، 320، والكامل 8/ 507، وشذرات الذهب 3/ 384، وهدية العارفين 1/ 367، والأعلام 3/ 19، والبداية والنهاية 12/ 150، وفيه: «رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز، أبو محمد التميمي» ) .

(17/19)


أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: [سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أبي يقول: سمعت أبي يقول] [1] : سمعت علي بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ:
هَتَفَ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ، فإن أجابه وإلا رحل.
10/ أولد أبو محمد رزق الله سنة أربعمائة، وقيل: سنة إحدى وأربعمائة، / وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي، وقرأ بالقراءات السبع وسمع أبا عمر بن مهدي، وابن البادا وابني بشران [2] ، وأبا علي بن شاذان [3] ، وخلقا كثيرا، وأخذ الفقه عن القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي، وشهد عند أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا قاضي القضاة في يوم السبت النصف من شعبان هذه السنة، ولم يزل شاهدا إلى أن ولي قضاء القضاة أبو عبد الله الدامغاني بعد موت ابن ماكولا، [فترك الشهادة] [4] ترفعا عن أن يشهد عنده، فلم يخرج له، فجاء قاضي القضاة إليه مستدعيا لمودته وشهادته عنده، فلم يخرج له عن موضعه، ولم يصحبه مقصوده، وكان قد اجتمع للتميمي القرآن [5] ، والفقه، والحديث، والأدب، والوعظ، وكان جميل الصورة، فوقع له القبول بين الخواص والعوام، وجعله الخليفة رسولا إلى السلطان في مهام الدولة، وله الحلقة في الفقه والفتوى والوعظ بجامع المنصور، فلما انتقل إلى باب المراتب كانت له حلقة في جامع القصر، يروي فيها الحديث ويفتي، وكان يجلس فيها شيخنا ابن ناصر، وكان يمضي في السنة أربع دفعات في رجب، وشعبان، وعرفة، وعاشوراء، إلى مقبرة الإمام أحمد ويعقد هناك مجلسا للوعظ، حدثنا عنه أشياخنا، وقال ابن عقيل: كان سيد الجماعة من أصحاب أحمد يمنا ورياسة وحشمة أبو محمد التميمي، وكان أحلى الناس عبارة في النظر وأجرأهم قلما في الفتيا وأحسنهم وعظا.
أنشدنا ابن ناصر قال: أنشدنا أبو محمد التميمي لنفسه:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «المادا وابني بشران» .
[3] في الأصل: «وأبا علي بن بشران» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «وكان قد اجتمع للتميمي القراءات» .

(17/20)


أفق يا فؤادي من غرامك واستمع ... مقالة محزون عليك شفيق
علقت فتاة قلبها متعلق ... بغيرك فاستوثقت غير وثيق
فأصبحت موثوقا وراحت طليقة ... فكم بين موثوق وبين طليق/
10/ ب وتوفي ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه ابنه أبو الفضل عبد الواحد، ودفن في داره بباب المراتب بإذن المستظهر، ولم يدفن بها أحد قبله، ثم توفي ابنه أبو الفضل سنة إحدى وتسعين، فنقل معه والده إلى مقبرة باب حرب [1] ، ودفن إلى جانب أبيه وجده وعمه بدكة الإمام أحمد عن يمينه.
3651- عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار، أبو يوسف القزويني
[2] :
أحد شيوخ المعتزلة المجاهرين بالمذهب الدعاة، قرأ على عبد الجبار الهمذاني، ورحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة، وحصل أحمالا من الكتب، فحملها إلى بغداد، وكان قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني يكرمه ويقوم له، وروى الحديث ببغداد عن أبي عمر بن مهدي، وفسّر القرآن في سبعمائة مجلد، وجمع فيه العجب، حتى أنه ذكر قوله تعالى: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ» 2: 102 [3] في مجلد، قال ابن عقيل:
كان رجلا طويل اللسان، يعلم تارة ويسفه أخرى، ولم يكن محققا في علم، وكان يفتخر ويقول: أنا معتزلي، وكان ذلك جهلا منه، لأنه يخاطر بدمه في مذهب لا يساوي، قال:
وبلغني عنه أنه لما وكل به الأتراك مطالبة بما اتهموه به من إيداع بني جهير الوزراء عنده أموالا، قيل له: ادع الله. فقال: ما للَّه في هذا شيء، هذا فعل الظلمة.
قال ابن عقيل: هذا قول خرف، لأنه أن قصد بذلك التعديل ونفي الجور فقد
__________
[1] في الأصل: «فنقل معه ولد إلى مقبرة» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 150، وتاريخ قزوين 358، وتذكرة الحفاظ 1208، والجواهر المضيئة 1/ 315، وطبقات السكبي 5/ 121، وطبقات المفسرين للسيوطي 19، والعبر 3/ 321، وشذرات الذهب 3/ 385، والكامل 8/ 507، ولسان الميزان 4/ 11، والنجوم الزاهرة 5/ 156، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 308، والأعلام 4/ 7، ودول الإسلام 2/ 12، وكتاب الروضتين 1/ 28) .
[3] سورة: البقرة، الآية: 105.

(17/21)


أخرج الله سبحانه وتعالى عن التقدير، ثم هب أنه ليس هو المقدر لذلك أليس بقادر على المنع والدفع.
قال شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي: دخل أبو يوسف على نظام الملك وعنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعري، فقال له: أيها الصدر، قد اجتمع عندك رءوس أهل النار. فقال: كيف؟ فقال: أنا معتزلي وهذا مشبه [1] ، وذاك أشعري، وبعضنا يكفّر بعضا.
11/ أتوفي أبو يوسف/ في ذي القعدة من هذه السنة [وقد بلغ ستا وتسعين سنة] [2] ، وما تزوج إلا في آخر عمره، ودفن بمقبرة الخيزران قريبا من أبي حنيفة.
3652- محمد بن حسين بن [3] عبد الله بن إبراهيم، أبو شجاع الوزير ابن الوزير الروذراوريّ [4] الأصل- بلدة من ناحية همذان- أهوازي [5] المولد:
الوزير ابن الوزير، لأن أبا يعلى الحسين [6] كاتبه القائم وهو بالأهواز بوزارته، وخاطبه بها فوصله الكتاب يستدعي له وهو ميت، وكان أبو شجاع قد قرأ الفقه والعربية، وسمع الحديث من جماعة منهم: أبو إسحاق الشيرازي، وصنف كتبا منها كتابه الذي ذيله على «تجارب الأمم» ووزر للمقتدي سليما من طمع، وكان يملك حينئذ عينا ستمائة ألف دينار، فأنفقها في الخيرات والصدقات.
وقال أبو جعفر بن الخرقي: كنت أنا من أحد عشر يتولون إخراج صدقاته، فحسبت ما خرج على يدي فكان مائة ألف دينار، ووقف الوقوف، وبنى المساجد، وأكثر الأنعام على الأرامل واليتامى، وكان يبيع الخطوط الحسنة، ويتصدق بثمنها ويقول:
__________
[1] في الأصل: «أنا معتزلي وهذا شبهي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[4] في الأصل: «الروتداوري» . وفي المطبوعة: «الروذراوريّ» . وما أوردناه من باقي المراجع.
[5] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 2/ 69، والوافي بالوفيات 3/ 3، وطبقات السبكي 3/ 56، والأعلام 6/ 101، والبداية والنهاية 12/ 150، 151، والكامل 8/ 505) .
[6] في الأصل: «أبا يعلى الحسن» .

(17/22)


أحب الأشياء إلي الدينار والخط الحسن، فأنا أخرج للَّه محبوبي. ووقع مرض في زمانه، فبعث إلي جميع أصقاع البلد أنواع الأشربة والأدوية، وكان يخرج العشر من جميع أمواله النباتية على اختلاف أنواعه، وعرضت عليه رقعة من بعض الصالحين يذكر فيها: أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام، وهم عراة جياع. فقال للرجل: امض الآن إليهم، واحمل معك ما يصلحهم، ثم خلع أثوابه وقال: والله لا لبستها ولا دفئت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم، فمضى وعاد فأخبره وهو يرعد من البرد.
حكى حاجبه الخاص به قال: [استدعاني ليلة، وقال:] [1] إني أمرت بعمل قطائف، فلما حضر بين يدي ذكرت نفوسا تشتهيه فلا تقدر عليه، فنغص ذلك علي أكله، ولم أذق منه/ شيئا، فأحمل هذه الصحون إلى أقوام فقراء. فحملها الفراشون 11/ ب معه، وجعل يطرق أبواب المساجد بباب المراتب، ويدفع ذلك إلى الأضراء المجاورين بها.
وكان يبالغ في التواضع، حتى ترك الاحتجاب فيكلم المرأة والطفل، وأوطأ العوام والصالحين مجلسه، وكان يحضر الفقهاء الديوان في كل مشكل، وكانوا إذا أفتوا في حق شخص بوجوب حق القصاص عليه سأل أولياء الدم أخذ شيء من ماله وأن يعفوا، فإن فعلوا وإلا أمر بالقصاص، وأعطى ذلك المال ورثة المقتول الثاني، ولقد جرت منه عصبية مرة في ليل الغيم فأمر ابن الخرقي المحتسب أن يجلس بباب النوبي ويكرم الناس بالإفطار، وأحضر أطباقا فيها لوز وسكر، وبعث إلى أبي إسحاق الخزاز بباب المراتب ليمنعه من صلاة التراويح تلك الليلة فلم يمتنع ذلك وقرأ «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» 96: 9- 10 [2] فعدد في هذا الشهر أن صام الناس ثمانية وعشرين يوما فأسقط في يده وذبح البقر، وصدق بصدقات وافرة، وعاهد الله سبحانه أن لا يتعصب في الفروع أبدا.
وفي زمانه أسقطت [3] المكوس، وألبس أهل الذمة الغيار، وتقدم إلى ابن
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: العلق، الآية: 9.
[3] في الأصل: «وفي زمانه سقطت» .

(17/23)


الخرقي المحتسب أن يؤدب كل من فتح دكانه يوم الجمعة ويغلقه يوم السبت من البزازين وغيرهم، وقال: هذه مشاركة لليهود في حفظ سبتهم. وكان قد سمع أن النفاطين والكلابزية يقفون على دكاكين [1] المتعيشين فيأخذون منهم كل أسبوع شيئا، فنفذ من يمنعهم من الاجتياز بهم. وحج في وزارته سنة ثمانين، فبذل في طريقه الزاد والأدوية، وعم أهل الحرمين بصدقات، وساوى الفقراء في إقامة المناسك والتعبد، وكانت به وسوسة في الطهارة.
قال المصنف رحمه الله: ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل أنه كتب إليه لأجل وسوسته: أما بعد، فإن أجل محصول عند العقلاء بإجماع الفقهاء الوقت، فهو غنيمة 12/ أينتهز فيها الفرص [2] ، والتكاليف كثيره، والأوقات خاطفة، وأقل متعبد به/ الماء، ومن اطلع على أسرار الشريعة علم قدر التخفيف، فمن ذلك قوله: «صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء» [3] وقوله في المنى: «أمطه عنك بأذخرة» وقوله في الخف: «طهوره إن تدلكه بالأرض» وفي ذيل المرأة: «يطهره ما بعده» [4] وقوله عليه السلام: «يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام» [5] وكان يحمل بنت أبي العاص في الصلاة، ونهى الراعي عن إعلام السائل له عن الماء، وما يرده وقال: «ائت لنا طهورا» وقال: «يا صاحب البراز لا تخبره» فإن خطر بالبال نوع احتياط في الطهارة كالاحتياط في غيرها من مراعاة الإطالة وغيبوبة الشمس والزكاة، فإنه يفوت من الأعمار ما لا يفي به الاحتياط في الماء، الذي أصله الطهارة وقد صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب، وركب الحمار، وما عرف من خلقه التعبد بكثرة الماء الّذي أصله الطهارة وقد توضأ من سقاية المسجد، ومعلوم حال الأعراب الذين بان من أحدهم الإقدام على البول في المسجد، وتوضأ من جرة نصرانية، وما احترز تعليما لنا وتشريعا وإعلاما أن الماء على أصل الطهارة، وتوضأ من
__________
[1] في الأصل: «الكلابزية يقفوا» .
[2] في ص: «ينتهز فيها الغرض» .
[3] راجع تلخيص الحبير 1/ 31.
[4] أخرجه أبو داود في السنن 383، والترمذي 143، وابن ماجة 531، وأحمد بن حنبل 6/ 290، والبيهقي في السنن 2/ 406، وسنن الدارميّ 1/ 189، ومصنف ابن أبي شيبة 1/ 56.
[5] أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1488.

(17/24)


غدير كان ماؤه نقاعة الحناء، فأما قوله: «تنزهوا من البول» [1] فإن للتنزه حدا معلوما، فإما الاستشعار فإنه إذا علق نما وانقطع الوقت بما لا يقتضى بمثله الشرع.
قال ابن عقيل: كان الوزير أبو شجاع كثير البر للخلق، كثير التلطف بهم، فقدم من الحج وقد اتفق نفور العوام نفورا أريقت فيها الدماء، وانبسط حتى هجموا على الديوان، وبطشوا بالأبواب والستور، فخرج من الخليفة إنكار عليه، وأمره أن يلبس أخلاق السياسة لتنحسم مادة الفساد، فأدب وضرب وبطش، فانبسطت فيه الألسنة بأنواع التهم، حتى قال قوم: ها هو إسماعيلي وهبط عندهم ما تقدم من إحسانه. قال ابن عقيل: فقلت لنفسي: أفلس من الناس كل الإفلاس، ولا تثقي/ بهم، فمن يقدر 12/ ب على إحسان هذا إليهم وهذه أقوالهم عنه. قال ابن عقيل: وقد رأيت أكثر أعمال الناس لا يقع إلا للناس إلا من عصم الله من ذاك، إني رأيت في زمن أبي يوسف [2] كثيرا من أهل القرآن والمنكرون لإكرام أصحاب عبد الصمد، وكثر متفقهة الحنابلة، ومات فاختل ذلك فاتفق ابن جهير، فرأيت من كان يتقرب إلى الشيخ بالصلاح يتقرب إلى ابن جهير برفع أخبار العاملين [3] ، ثم جاءت الدولة النظام، فعظم الأشعرية، فرأيت من كان يتسخط على بنفي التشبيه غلوا في مذهب أحمد، وكان يظهر بغضي يعود [علي] [4] بالغمض على الحنابلة، وصار كلامه ككلام رافضي وصل إلى مشهد الحسين فأمن وباح، ورأيت كثيرا من أصحاب المذاهب انتقلوا ونافقوا، وتوثق بمذهب الأشعري والشافعي طمعا في العز والجرايات، ثم رأيت الوزير أبا شجاع يدين بحب الصلحاء والزهاد، فانقطع البطالون إلى المساجد، وتعمد خلق للزهد، فلما افتقدت ذلك قلت لنفسي: هل حظيت من هذا الافتقاد بشيء ينفعك؟ فقالت البصيرة: نعم، استفدت أن الثقة خيبة، فالغنى بهم إفلاس وليس ينبغي [5] أن يعول على غير الله.
__________
[1] أخرجه الدار الدّارقطنيّ في سننه 1/ 127، وراجع نصب الراية 1/ 128.
[2] في الأصل: «في زمن ابن يوسف» .
[3] في ص: «كان يتقرب إلى ابن جهير يرفع أخبار العاملين» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «ولكن ينبغي» .

(17/25)


قال المصنف: ولما عزل الوزير أبو شجاع خرج إلى الجامع [يوم الجمعة] [1] فانثالت عليه العامة تصافحه وتدعو له، فكان ذلك سببا لالتزامه بيته، والإنكار على من صحبه، وبني في دهليز داره مسجدا وكان يؤذن ويصلي فيه، ثم وردت كتب نظام الملك بإخراجه من بغداد، فأخرج إلى بلدة، [فأقام مدة] [2] ، ثم استأذن في الحج فأذن له فخرج.
قال أبو الحسن [بن] [3] عبد السلام: اجتمعت به في المدينة فقبل يدي فأعظمت ذلك، فقال لي: قد كنت تفعل هذا بي فأحببت أن أكافئك. وجاور بالمدينة، فلما مرض مرض الموت حمل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فوقف بالحضرة وبكى وقال: يا رسول الله، قال الله عز وجل «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ 4: 64 13/ ألَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله/ تَوَّاباً رَحِيماً» 4: 64 [4] وقد جئت معترفا بذنوبي وجرائمي أرجو شفاعتك، وبكى.
وتوفي من يومه ودفن بالبقيع عند قبر إبراهيم عليه السلام بعد أن صلى عليه بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوّر به الحضرة وذلك في منتصف جمادي الآخرة من هذه السنة وهو ابن إحدى وخمسين سنة، وكان له شعر حسن، فمنه قوله:
ما كان بالإحسان أولاكم ... لو زرتم من [كان] [5] يهواكم
احباب قلبي ما لكم والجفا ... ومن بهذا الهجر أغراكم
ما ضركم لو عدتم مدنفا ... ممرضا من بعد قتلاكم
أنكرتمونا مذ عهدناكم ... وخنتمونا مذ حفظناكم
لا نظرت عيني سوى شخصكم ... ولا أطاع القلب إلاكم
جرتم وخنتم وتحاملتم ... على المعنى في قضاياكم
يا قوم ما أخونكم في الهوى ... وما على الهجران أجراكم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] سورة: النساء، الآية: 64.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/26)


حولوا وجوروا وانصفوا أو اعدلوا ... في كل حال لا عدمناكم
ما كان أغناني عن المشتكى ... إلى نجوم الليل لولاكم
سلوا حداة العيس هل أوردت ... ماء سوى دمعي مطاياكم
أو فاسألوا طيفكم هل رأى ... طرفي أغفي بعد مسراكم
أحاول النوم عسى أنني ... في مستلذ النوم ألقاكم
ما آن أن تقضوا غريما لكم ... يخشاكم أن يتقاضاكم
يستنشق الريح إذا ما جرت ... من نحو نجد أين مسراكم
وله أيضا:
لو أنكم عاينتم بعد مسراكم ... وقوفي على الأطلال أندب مغناكم
أنادي وعيني قد تفيض بذكراكم ... أيا خلتي لم أبعد البين مرماكم
ولم غبتم عن ناظري بعد رؤياكم ... ولم نعب البين المشتّ وأقصاكم/ 13/ ب
3653- محمد بن المظفر بن بكران الحموي [1] الشامي:
ولد سنة أربعمائة، وحج في سنة سبع عشرة وأربعمائة، وتفقه ببلده بعد حجه، ثم قدم إلى بغداد فتفقه على أبي الطيب الطبري، وسمع من أبي القاسم بن بشران، وغيره، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين [2] ، وزكاة القاضي أبو يعلى بن الفراء، وأبو الحسن [3] بن السمناني، وناب عنه في القضاء بربع المدينة. حدثنا عنه أشياخنا، وكان حسن الطريقة، خشن الأخلاق وفيه حدة، وكان ثقة عفيفا نزها لا يقبل من سلطان عطية ولا من صديق هدية، ولازم مسجدا بقطيعة [أم] [4] الربيع، يؤم أهله، ويدرس ويقرأ عليه الحديث زائدا على خمس وخمسين سنة، ولما مات أبو عبد الله الدامغاني أشار به الوزير أبو شجاع على المقتدي
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 151، وفيه: «أبو بكر الشاشي» ، وشذرات الذهب 3/ 391، والكامل 8/ 507، وفيه: «محمد بن المظفر الشاشي» ) .
[2] في الأصل: «في ربيع الأول من هذه السنة سنة اثنتين وخمسين» .
[3] في الأصل: «أبو الحسين» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/27)


فقلده قضاء القضاة في رمضان سنة ثمان وسبعين، وخلع عليه، وقرئ عهده ولم يرتزق على القضاء شيئا، ولم يغير ملبسه ومأكله وأحواله قبل القضاء، وكان يتولى القضاء بنفسه، ولا يستنيب أحدا ولا يحابي مخلوقا، فلما أقام الحق نفرت عنه قلوب المبطلين، ولفقوا له معايب لم يلصق به منها شيء، وكان غاية تأثيرها أنه سخط عليه الخليفة، ومنع الشهود من إتيان مجلسه، وأشاع عزله فقال: لم يطر على فسق استحق به العزل. فبقي كذلك سنتين وشهورا، وأذن لأبي عبد الله محمد بن عبيد الله الدامغاني في سماع البينة، فنفذ من العسكر بأن الخبر قد وصل إلينا أن الديوان قد استغنى عن ابن بكران، ونحن بنا حاجة إليه، فيسرح إلينا، فوقع الامساك عنه، ثم صلح رأي الخليفة فيه، وأذن للشهود في العود إلى مجلسه، فاستقامت أموره، وحمل إليه يهودي جحد مسلما ثيابا ادعاها عليه، فأمر ببطحه وضربه فعوقب فأقر، فعاقبه الوزير أبو شجاع على ذلك، واغتنم أعداؤه الفرصة في ذلك، فصنف أبو بكر الشاشي كتابا في الرد عليه 14/ سماه: «الرد على من حكم بالفراسة [1] / وحققها بالضرب والعقوبة» وقد ذكر أن الذي فعله له وجه ومستند من كلام الشافعي.
قال المصنف: نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال: أخذ قوم يعيبون على الشامي ويقولون: كان يقضي بالفراسة ويواقعه، قال: فضرب كرديا حتى أقر بمال أخذه غصبا وكان ضربه بجريدة من نخلة داره، فقلت: أعرف دينه وأمانته، ما كان ذلك بالفراسة، لكن بأمارات، واذا تأملتم الشرع وجدتم أنه يجوز التعويل على مثلها، فإنه إذا رأى صاحب كلالجات ورعونة يقال إنه رجم سطحا لإجل طائر، فكسر جرة، وكان عنده خبر أنه يلعب بالطيور، فقال: بل هذا الشيخ رجم. وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم على ما حكاه بعض الفقهاء، وذلك يستند إلى قوله: «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ من قُبُلٍ» 12: 26 [2] ومن حكمنا بعقد الأزج، وكثرة الخشب، ومعاقد القمط، وما يصلح للمرأة وما يصلح للرجل، والدباغ والعطار إذا تخاصما في جلد، وهل اللوث في القسامة إلى نحو هذا.
__________
[1] في الأصل: «على من حكم بالسياسة» .
[2] سورة: يوسف، الآية: 26.

(17/28)


وحمل يوما إلى دار السلطان ليحكم في حادثة، فشهد عنده المشطب بن محمد بن أسامة الفرغاني الإمام، وكان فقيها من فحول المناظرين، فرد شهادته [فقال:
ما أدري لأي علة رد شهادتي [1] ؟] فقال الشامي: قولوا له كنت أظن أنك عالم فاسق، والآن أنت جاهل فاسق، أما تعلم أنك تفسق باستعمال الذهب؟ وكان يلبس خاتم الذهب والحرير، وادعى عنده بعض الأتراك على رجل شيئا فقال: ألك بينة؟ قال:
نعم. قال: من؟ قال: فلان والمشطب. فقال: لا أقبل شهادته لانه يلبس الحرير. فقال التركي: السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير! فقال الشامي: ولو شهدا عندي في باقة بقل ما قبلت شهادتهما.
توفي الشامي يوم الثلاثاء عاشر شعبان هذه السنة، ودفن بتربة له عند قبر أبي العباس بن سريج على باب قطيعة الفقهاء من الكرخ.
3654- محمد بن أبي نصر، فتوح بن عبد الله [2] بن حميد، أبو عبد الله الحميدي [3] الأندلسي:
من أهل المغرب، من جزيرة يقال لها ميرقة قريبة من الأندلس/ ولد، قبل 14/ ب العشرين وأربعمائة، وسمع ببلده الكثير، وبمصر، وبمكة، وبالشام، وورد بغداد فسمع من أصحاب الدار الدارقطني وابن شاهين، وكان حافظا دينا نزها عفيفا، كتب من مصنفات ابن حزم الكثير، وكتب تصانيف الخطيب، وصنف فأحسن، ووقف كتبه على طلبه العلم فنفع الله بها، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة، ودفن بمقبرة باب أبرز، ثم نقل في
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فتوح بن أبي عبد الله» .
وجاء اسمه في الأعلام: «محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحميدي، أبو عبد الله بن أبي نصر» .
[3] انظر ترجمته في: (ابن خلكان 1/ 458، وبغية الملتمس 113، ومفتاح السعادة 1/ 13، ونفح الطيب 1/ 381، والكامل 8/ 508، والبداية والنهاية 12/ 152، وشذرات الذهب 3/ 392، الأعلام 6/ 327، 328، تذكرة الحفاظ 1218) .

(17/29)


صفر سنة إحدى وتسعين إلى باب حرب، فدفن في دكة بشر الحافي.
3655- هبة الله بن علي بن عقيل، أبو منصور بن أبي الوفاء
[1] :
ولد في ذي الحجة سنة أربع وسبعين، وتوفي وهو ابن أربع عشرة سنة، وكان قد حفظ القرآن وتفقه، وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم، وكان هذا الصبي قد طال مرضه، وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ، قرأت بخط أبيه أبي الوفاء قال:
قال لي ابني لما تقارب أجله: يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية والطب والأدعية، وللَّه سبحانه في اختيار، فدعني مع اختيار الله، قال: فو الله [ما] [2] أنطق الله سبحانه ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحاق لإبراهيم «افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ» 37: 102 [3] إلا وقد اختار الله له الحظوة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 152) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] سورة: الصافات، الآية: 102.

(17/30)


ثم دخلت سنة تسع وثمانين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في ربيع الأول كثر العبث من بني خفاجة، وأتوا إلى المسجد بالحائر، فتظاهروا فيه بالمنكر، فوجه إليهم سيف الدولة عسكرا فكبسوهم في المشهد، وأخذوا عليهم أبوابه، وقتل منهم خلق عند الضريح، ومن أعجب العجائب [1] أن أحدهم ركب فرسه وصعد إلى سور المشهد، وألقى نفسه وفرسه، فنجوا جميعا.
حكم المنجمون بطوفان يكون في الناس
وفي هذه السنة: حكم المنجمون بطوفان يكون في الناس، يقارب طوفان نوح، / وكثر الحديث فيه، فتقدم المستظهر باللَّه بإحضار ابن عيشون المنجم [2] ، فقال: إن 15/ أطوفان نوح عليه السلام اجتمع في برج الحوت الطوالع السبعة، والآن فقد اجتمع في برج الحوت من الطوالع ستة وزحل لم يجتمع معهم، فلو اجتمع معهم [3] كان طوفان نوح، ولكن أقول إن مدينة أو بقعة من البقاع يجتمع فيها عالم من بلاد كثيرة فيغرقون ويكون من كل بلد الواحد والجماعة، فقيل: ما يجتمع في بلد ما يجتمع في بغداد، وربما غرقت، فتقدم بأحكام المسنيات والمواضع [4] التي يخشى منها الانفجار، وكان الناس ينتظرون الغرق، فوصل الخبر بأن الحاج حصلوا في وادي المناقب بعد نخلة،
__________
[1] في الأصل: «ومن العجب» .
[2] في الأصل، والكامل: بإحضار ابن عيسون المنجم» ، وفي البداية: «عبسون» .
[3] في ص: «فلو كان معهم» .
[4] في ص: «المسنات والمواضع» . وفي البداية والنهاية: «المسيلات» . وما أوردناه عن الأصل، ت، والكامل.

(17/31)


فأتاهم سيل عظيم، فنجا منهم من تعلق برءوس الجبال، واذهب الماء الرحال والرجال، فخلع على ذلك المنجم وأجرى له جراية.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3656- أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خداداد الكرخي الباقلاوي، أبو طاهر بن أبي علي
[1] :
سمع من أبى على بن شاذان، وأبى القاسم بن بشران، وأبى بكر البرقاني، وغيرهم. وكان ثقة ضابطا، وكان جميل الخصال، مقبلا على ما يعنيه، زاهدا في الدنيا، حدث عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره من أشياخنا. قال شيخنا عبد الوهاب:
كان يتشاغل يوم الجمعة بالتعبد ويقول: لأصحاب الحديث من السبت إلى الخميس ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي للتكبير إلى الصلاة وقراءة القرآن، وما قرئ عليه في الجامع حديث قط. قال: ولما قدم نظام الملك إلى بغداد أراد أن يسمع من شيوخها فكتبوا له أسماء الشيوخ، وكتبوا في جماعتهم اسم أبي طاهر، وسألوه أن يحضر داره، 15/ ب فامتنع فألحوا فلم/ يجب. قال أبو الفضل بن خيرون: قرابتي وما أنفرد أنا بشيء عنه ما سمعته قد سمعه، وأنا في خزانه الخليفة فما يمتنع عليكم، فأما أنا فلا أحضر.
وتوفي ليله الاثنين الرابع من ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3657- أحمد بن عمر بن الأشعث، أبو بكر السمرقندي والد شيخنا أبى القاسم
[2] :
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وقرأ القرآن على أبي علي الأهوازي بالقراءات التي صنفها، وكان مجودا، وكان ينسخ المصاحف، وسمع الحديث الكثير، وروى عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الأحد سابع عشرين من رمضان [3] ، ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب إلى جانب أبي بكر الدينَوَريّ الزاهد.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1227، وفيه: «الباقلاني» ، وشذرات الذهب 3/ 392) .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1227) .
[3] في ص: «الأحد سادس عشرين من رمضان» .

(17/32)


3658- إبراهيم بن الحسين، أبو إسحاق الخزاز
[1] :
كان من الزهاد،. توفي يوم السبت تاسع ربيع الآخر، ودفن بمقبرة باب حرب.
ونقلت من خط أبى الوفاء بن عقيل [قال [2] : كان الشيخ أبو إسحاق الخزاز شيخا صالحا بباب المراتب، وهو أول من لقنني كتاب الله بدرب الديوان بالرصافة، وكان من عادته الامساك عن الكلام في رمضان، وكان يخاطب بآي القرآن في أغراضه وسوانحه وحوائجه، فيقول في إذنه: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ 5: 23، ويقول لابنه في عشية الصوم من بَقْلِها وَقِثَّائِها 2: 61 آمرا له بشراء البقل، فقلت له: هذا تعتقده عباده، وهو معصية فصعب عليه فبسطت الكلام، وقلت: ان هذا القرآن العزيز نزل في بيان أحكام الشريعة فلا يستعمل في أغراض دنيوية وما عندي أن هذا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف أو توسدك له فهجرني وهجرته مدة.
3659- حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن إِسْمَاعِيل بن عامر [3] بن عبيد الله بن الزبير بن العوام القرشي، أبو القاسم
[4] :
ولد سنة ثمان وأربعمائة، وسكن نهر الدجاج، وسمع أبا القاسم الخرقى، وأبا علي بن شاذان. روى عنه مشايخنا، وكان صالحا دينا ثقة.
وتوفي يوم الجمعة ثاني شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية.
3660- سليمان بن أحمد بن محمد أبو الربيع السرقسطي
[5] :
من أهل الأندلس دخل بغداد، وأقام بها وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا العلاء الواسطي ومن بعدهما كأبي بكر الخطيب، وغيره. وكانت له معرفة باللغة. وروى عنه أشياخنا لكنهم جرحوه، فقال أبو منصور بن خيرون: نهاني عمي أبو الفضل أن أقرأ عليه
__________
[1] الخزاز: بفتح الخاء، وتشديد الزاي الأولى.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «بن إبراهيم بن أسعد» .
[4] في ت: «القرشي ابن القاسم» .
[5] السرقسطي: نسبة إلى سرقسطة، وهي بلدة ساحل البحر من بلاد الأندلس.
وانظر ترجمته في: (الأنساب 7/ 72) .

(17/33)


القرآن، وقال ابن ناصر: كان كذابا يلحق سماعاته.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة.
3661- عبد الله بن إبراهيم، بن عبد الله، أبو حكيم الخبري
[1] :
وخبر [2] إحدى بلاد فارس، وهو جد شيخنا أبي الفضل بن ناصر لأمة، تفقه على أبى إسحاق، وسمع من الجوهري وغيره، وكانت له معرفة تامة بالفرائض، وله فيها تصنيف وله معرفة بالأدب واللغة، وكان مرضى الطريقة، وحدثني عنه شيخنا أبو الفضل بن ناصر، قال: كان يكتب المصاحف فبينا هو يوما قاعدا مستندا يكتب وضع القلم من يده واستند، وقال: والله ان كان هذا موتا فهذا موت طيب ثم مات.
3662- عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد، أبو منصور الشيحي [3] التاجر:
ويعرف بابن شهدانكة، من أهل النصرية، وسمع ببغداد أبا طالب ابن غيلان، وأبا القاسم التنوخي، وأبا الحسن القزويني، وأبا إسحاق البرمكي، والجوهري، ورحل إلى الشام وديار مصر فسمع بها من جماعة وأكثر عن أبى بكر الخطيب بصور، وأهدى إليه الخطيب تاريخ بغداد بخطه، وقال: لو كان عندي أعز منه لأهديته له لانه حمل الخطيب من الشام إلى العراق، وروى عنه الخطيب في تصانيفه فسماه عبد الله، وكان يسمى عبد الله وكان ثقة خيرا دينا.
توفي يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3663- عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد] [4] الهمذاني
[5] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 153، وفيه: «عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله، أخو حكيم الخيريّ» ) .
[2] في ت، ص: «أبو حكيم الخيريّ. وخير» .
والتصويب من الأنساب.
[3] في الأصل: «أبو منصور الشيخى» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 153، وفيه: «عبد المحسن بن علي بن أحمد الشبخي التاجر» ، وشذرات الذهب 3/ 392) .
[4] انتهى السقط من الأصل الّذي بدأ أثناء ترجمة إبراهيم بن الحسين، وقد وضعناه بين معقوفتين.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 153، والكامل 9/ 6) .

(17/34)


سمع أبا على الحسن بن على الشاموخي [1] وغيره. روى عنه أشياخنا، وكان يعرف العلوم الشرعية والأدبية، إلا أن علم الفرائض والحساب انتهى إليه [2] ، وكان قد تفقه على أقضى القضاة أبى الحسن الماوردي، وكان يحفظ «غريب الحديث» لأبي عبيد، و «المجمل» لابن فارس، وكان عفيفا زاهدا، وكان يسكن درب رياح، وكان الوزير أبو شجاع قد نص عليه لقضاء القضاة فأجابه المقتدى، فاستدعاه فأبى أشد الإباء، واعتذر بالعجز وعلوّ السن، وعاود الوزير أن لا يعاود ذكره في هذا الحال.
أنبأنا شيخنا عبد الوهاب الأنماطي قال: سمعت أبا الحسن بن أبي الفضل الهمذاني يقول: كان والدي إذا أراد أن يؤدبني يأخذ العصا بيده ويقول: نويت أن أضرب ابني تأديبا كما أمر الله، ثم يضربني. قال أبو الحسن: وإلى أن ينوى ويتم النية كنت أهرب.
توفي يوم الأحد تاسع عشر رمضان من هذه السنة، ودفن عند قبر ابن سريج.
3664- محمد بن أحمد بن عبد الباقي/ بن منصور، أبو بكر، ويعرف بابن الخاضبة 16/ أالدقاق
[3] :
كان معروفا بالإفادة، وجودة القراءة، وحسن الخط، وجودة النقل، وجمع علم القراءات والحديث، وأكثر عن أبى بكر الخطيب، وأصحاب المخلص، والكتاني.
حدثنا عنه شيوخنا وكانوا يثنون عليه، وعاجلته المنية قبل الرواية. توفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول، ودفن في المقبرة المعروفة بالأجمة المتصلة بباب [4] أبرز.
أنبأنا أبو زرعة، عن أبيه محمد بن طاهر قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد الدقاق المعروف بابن الخاضبة يقول [5] : لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي
__________
[1] في الأصل: الحسن بن علي الشامرخي» وفي ت: «الحسن بن علي السامرخي» .
[2] في الأصل: «والحساب انتقل إليه» .
[3] في الأصل: «ويعرف بابن الحاضنة» . والتصحيح من ت، ص، وتذكرة الحفاظ.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1224: 1227، والبداية والنهاية 12/ 153، وفيه: «المعروف بابن الحاضنة» ، وشذرات الذهب 3/ 393) .
[4] في ص: «بالأجمة بباب أبرز» بإسقاط: «المتصلة» .
[5] في الأصل: «المعروف بابن الحاضنة» .

(17/35)


وكتبي، ولم يبق لي شيء، وكانت لي عائلة، وكنت أورق للناس، فكتبت صحيح مسلم تلك السنة سبع مرات، فنمت ليلة فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت ومناد ينادى:
أين ابن الخاضبة؟ فأحضرت فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت استلقيت على فراشي، ووضعت إحدى رجلي على الأخرى، وقلت: استرحت والله من النسخ.
3665- محمد بن على بن عمير، أبو عبد الله القهندزي [1] العميري:
خرج من هراة إلى الحجاز سنة عشرين وأربعمائة، وركب البحر، وخرج إلى عدن، وزبيد، ووصل إلى مكة بعد سنتين، وسمع بها، ثم انصرف إلى بغداد وسمع بها، وبهراة، ونيسابور، وسجستان، وغير ذلك من البلاد، سمع المؤتمن وغيره، وكان متقنا [فهما] [2] فقيها فاضلا دينا خيرا ورعا زاهدا، حدث بالكثير.
وتوفي فِي محرم هَذِهِ السنة.
3666- محمد بْن علي بن محمد، أبو ياسر الحمامي
[3] :
قرأ على أبى بكر الخياط وغيره، وكتب الكثير من علوم القرآن والحديث، وسمع من أبى محمد الخلال، وأبي جعفر ابن المسلمة، والصريفيني، وغيرهم، وكان ثقة إماما في القراءات والحديث، سمع أشياخنا منه.
وتوفي يوم الثلاثاء تاسع المحرم ودفن بمقبرة باب حرب.
16/ ب أنشدني أبو الفتح/ بن أبي السعادات الوكيل قال: أنشدنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن الحسين المدنى، قال: أنشدني أبو ياسر الحمامي:
دحرجني الدهر [4] إلى معشر ... ما فيهم للخير مستمتع
إن حدثوا لم يفهموا لفظة ... أو حدثوا ضجوا فلم يسمعوا
__________
[1] في ت: «أبو عبد الله القهدري» . وفي الأنساب 10/ 274: «نسبة إلى قهندز، بلا دشتى» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ت: «ابن ياسر الحمامي» .
[4] في الأصل: «وحرجني الدهر» .

(17/36)


3667- محمد بن أحمد بن محمد [1] ، أبو نصر الرامشي
[2] :
من أهل نيسابور، ولد سنة أربع وأربعمائة، وسافر الكثير، وسمع الكثير، ورحل في طلب القراءات والحديث، وكان مبرزا في علوم القرآن، وله حظ في علم العربية، وأملى بنيسابور [سنين] [3] وتوفي في هذه السنة.
3668- منصور بن محمد بن عبد الجبار [بن أحمد] [4] بن محمد، أبو المظفر السمعاني
[5] :
من أهل مرو، تفقه على أبيه أبى منصور على مذهب أبى حنيفة حتى برع في الفقه وبرز على أقرانه من الشبان، ثم ورد بغداد في سنة إحدى وستين، وسمع الحديث الكثير بها، واجتمع بأبي إسحاق الشيرازي، وأبى نصر بن الصباغ، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، فلما رجع إلى بلده اضطرب أهل بلده، وجلب عليه العوام، وقالوا طريقة ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة ثم تحول عنها، فخرج إلى طوس [6] ، ثم قصد نيسابور، ووعظ وصنف «التفسير [7] » و «البرهان» ، و «الاصطلام [8] » ، وكتاب «القواطع»
__________
[1] في ت: «محمد بن محمد بن أحمد» .
[2] في الأصل: «أبو نصر المارشي» . والتصحيح من الأنساب. «والرامشي: نسبة إلى رامش، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه» .
وانظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 6/ 50، وفيه: «محمد بن محمد بن محمد بن هميماه الرامشي» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من ت.
[5] هو جد السمعاني صاحب الأنساب.
وانظر ترجمته في: (النجوم الزاهرة 5/ 160، ومفتاح السعادة 2/ 191، واللباب 1/ 563، وتذكرة الحفاظ 1227، وشذرات الذهب 3/ 393، والطبقات الكبرى للسبكي 4/ 21، وفيه: «منصور بن أحمد» ، والأعلام 7/ 303، 304، والبداية والنهاية 12/ 153، 154، والعبر 3/ 326، ومرآة الجنان لليافعي 3/ 151، والأنساب لحفيده السمعاني 7/ 139، وطبقات المفسرين للداوديّ 651) .
[6] في الأصل: «فخرج إلى الطوس» .
[7] «التفسير» : ساقطة من ص. وكتابه التفسير هذا مخطوط في ثلاث أجزاء.
[8] وهو في الرد على أبي زيد الدبوسي، وهو مخطوط توجد منه نسخة في معهد المخطوطات.

(17/37)


في أصول الفقه، وكتاب «الانتصار» في الحديث، وغير ذلك، وأملى الحديث، وكان يقول: ما حفظت شيئا فنسيته. وسئل عن أخبار الصفات فقال: عليكم بدين العجائز، وسئل عن قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى 20: 5 [1] فقال:
جئتماني لتعلما سر سعدى ... تجداني بسر سعدى شحيحا
إن سعدى لمنية المتمني ... جمعت عفة ووجها صبيحا
توفي أبو المظفر في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن في مقبرة مرو، رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين.
__________
[1] سورة: طه، الآية: 5.

(17/38)


ثم دخلت 17/ أسنة تسعين واربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[كبس على أبي نصر في يوم عاشوراء]
أنه في يوم عاشوراء كبس على أبى نصر بن جلال الدولة أبي طاهر ابن بويه، وكان يلقب: بهاء الدولة، وكان قد أقطعه جلال الدولة ملك شاه المدائن، ودير العاقول، وغيرهما، فلما كبس عليه هرب إلى بلد سيف الدولة صدقة، ثم تنقل في البلاد، وكان قد ثبت عليه عند القاضي أمور أوجبت إراقة دمه [1] ، وقضت بارتداده، وبنيت داره بدرب القيار [2] مسجدين أحدهما لأصحاب الشافعيّ، والآخر لأصحاب أبي حنيفة.
[في ربيع الآخر تظاهر العيارون]
وفي ربيع الآخر: تظاهر العيارون بالفتك في الجانب الغربي.
[قتل إنسان باطني على باب النوبي]
وفي شوال: قتل إنسان باطني على باب النوبي أتى من قلاعهم بخوزستان، وشهد عليه بمذهبه شاهدان دعاهما هو إلى مذهبه، فأفتى الفقهاء بقتله منهم ابن عقيل، وكان من أشدهم عليه، فقال له الباطني: كيف تقتلوني وأنا أقول لا إله إلا الله؟ قال ابن عقيل: أنا اقتلك. قال: بأي حجة؟ قال: بقول الله عز وجل: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا 40: 84- 85 [3] .
__________
[1] في الأصل: «أوجبت سفك دمه» .
[2] في الأصل: «داره بدار القيار» .
[3] سورة: غافر، الآية: 84، 85.

(17/39)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3669- أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن زكريا بن دينار، أبو يعلى البصرى العبدي [1] ، يعرف بابن الصواف
[2] :
ولد سنة أربعمائة، وكان ينزل القسامل [3] إحدى محال البصرة، دخل بغداد في سنة إحدى وعشرين، وسمع أبا على بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، وسمع بالبصرة من 17/ ب أبى عبد الله بن داسة وغيره، وكان/ فقيها مدرسا زاهدا خشن العيش متصونا ذا سمت ووقار وسكينة، وكان إماما في عشرة علوم. وتوفي في رمضان هذه السنة.
3670- إبراهيم بْن عبد الوهاب بن مُحَمَّد بن إسحاق، [أبو إسحاق] [4] بن أبي عمر بن أبي عبد الله بن [5] منده.
ولد في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وسمع من أبيه وغيره، وكان كثير التعبد والتهجد، وتوفي في بادية الكوفة متوجها إلى مكة في هذه السنة.
3671- محمد بن على بن الحسين، أبو عبد الله القطيعي الكاتب
[6] .
سمع أبا القاسم بن بشران، وحدث وروى عنه شيوخنا، وتوفي في يوم الجمعة ثالث رمضان، ودفن في مقبرة باب حرب.
3672- محمد بن محمد بن عبيد الله، أبو غالب [7] البقال:
سمع أبا على بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وأبا القاسم الخرقى وغيرهم، حدثنا عنه أشياخنا، وكان صدوقا، نزل إلى دجلة ليتوضأ فغرق في يوم الاثنين سادس
__________
[1] في الأصل: «العبديّ البصري» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 154، وشذرات الذهب 3/ 394) .
[3] في الأصل: «كان ينزل السامل» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت.
[5] في ت: «أبو عمر بن أبي عبد الله» .
[6] القطيعي: نسبة إلى القطيعة، وهي مواضع وقطائع في مجال متفرقة ببغداد.
[7] هذه الترجمة ساقطة من ت.

(17/40)


عشرين رجب [1] فأخرج، وحمل إلى داره، واخرجت جنازته من الغد فصلى عليه، ثم حمل إلى مقبرة باب حرب.
3673- المعمر بن محمد بن المعمرين أحمد بن محمد، أبو الغنائم [2] الحسيني الطاهر، ذو المناقب، نقيب الطالبيين
[3] :
وكان جميل الصورة، كريم الأخلاق، كثير التعبد، لا يحفظ عنه أنه آذى مخلوقا، ولا شتم حاجبا [4] ، وسمع الحديث ورواه، وتوفي بداره بالكرخ بنهر البزازين ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأول، وحمل من الغد إلى الجامع المنصور فصلى عليه، ثم حمل إلى مشهد مقابر قريش فدفن به، ومات عن اثنتين وسبعين سنة، ولى النقابة منها اثنتين وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، وتولى مكانه ابنه أبو الفتوح حيدرة، ولقب بالرضى ذي الفخرين، ورثاه أبو عبد الله بن عطية بأبيات منها:
هل ينفعن من المنون [5] حذار ... أم للإمام من الردى أنصار
هيهات ما دون الحمام إذا دنا ... وزر ولا يسطاع منه حذار
نفذ القضاء على الورى من عادل ... في حكمه وجرت به الأقدار
ما لي أرى الآمال تخدع بالمنى ... عدة تطول وتقصر الأعمار
والناس في شغل وقد أفناهم ... ليل يكر عليهم ونهار
ويد المنية شثنة مبسوطة ... في كل أنملة لها أظفار
لو كان يدفع بطشها [6] عن مهجة ... ويرد حتفا معقل وجدار
لفدت ربيعة ذا المناقب واشترت ... حُبًّا له طول البقاء نزار
خرجت ذرى المجد المنيف وأصبحت ... عرصات ربع المجد وهي قفار
__________
[1] في ص: «سادس عشر رجب» .
[2] في المطبوعة: «أبو القائم» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 155) .
[4] في الأصل: «ولا شتم صاحبا» .
[5] في الأصل: «هل يشفعن من المنون» .
[6] في الأصل: «لو كان يرفع بطشها» .

(17/41)


وخلا مقام النسك من تسبيحه ... وبكت على صلواته الأسحار
[1]
3674- يحيى بن [أحمد بن أحمد بن محمد بن] علي السيبي
[2] :
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة [3] ، فرحل الناس إليه، وكان صالحا ثقة صدوقا دينا، وتوفي ليلة السبت خامس عشرين ربيع الآخر، وكان عمره مائة وثلاثا وخمسين سنة وثلاثة أشهر وأياما، وكان صحيح الحواس، قرأ عليه القرآن والحديث.
__________
[1] في ص، والأصل: «وبكت على صلحائه الأشعار» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وقال السمعاني: «السيبي بكسر السين المهملة، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة، هذه النسبة إلى سيب، وظني أنها قرية بنواحي قصر ابن هبيرة. (الأنساب 7/ 215) .
وانظر ترجمته في: (الأنساب 7/ 216، والبداية والنهاية 12/ 155، وفيه: «يحيى بن أحمد بن محمد بن علي البستي» ، وشذرات الذهب 3/ 396، وفيه: «السبتي» ، والكامل 9/ 12) .
[3] في ص: «ولد سنة ثلاث وثلاثين، وثلاثمائة» .

(17/42)