المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ثم دخلت سنة احدى
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[تجديد الخلع المستظهرية]
أنه جددت الخلع المستظهرية في أول المحرم على الوزير أبي المعالي هبة
الله بن محمد بن المطلب، ووصل إلى الخليفة وشافهه بما رفع قدره ولم يصل
معه إلا أبو القاسم بن الحصين صاحب المخزن.
[دخول السلطان محمد إلى بغداد]
وفي ربيع الآخر: دخل السلطان محمد إلى بغداد واصطاد في طريقه صيدا
كثيرا، وبعث أربع جمازات عليها أربعون ظبيا هدية إلى دار الخلافة، وكان
على الظباء وسم السلطان جلال الدولة ملك شاه فإنه كان يصيد الغزلان
فيسمها ويطلقها.
ومضى الوزير أبو المعالي في الموكب لخدمة السلطان وحمل معه شيئا من
ملابس الخليفة، وأخرج مجلدا بخط الخليفة يشتمل على دعاء رواه العباس،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقام السلطان فدعا وشكر هذا الاهتمام،
وانصرف الوزير وصاحب المخزن إلى دار نظام الملك وقد كان حاضرا أداء
الرسالة إلى السلطان لكنه سبق إلى داره، فأدى الوزير رسالة عن الخليفة
تتضمن مدح بيته وسلفه، فقام وقبل الأرض ودعا وشكر، وخرج السلطان إلى
مشهد أبي حنيفة فدخل فاجتمع إليه الفقهاء، فقال: هذا يوم قد انفردت فيه
مع الله تعالى فخلوا بيني وبين المكان، فصعدوا إلى أعاليه، فأمر غلمانه
بغلق الأبواب، وأن لا يمكنوا الأمراء من الدخول، وأقام يصلي ويدعو
ويخشع، وأعطاهم خمسمائة دينار، وقال: اصرفوا هذه في مصالحكم وادعوا لي.
ومرض نحو عشرة من غلمانه الصغار، فبعث بهم المتولى لأمورهم إلى
المارستان، فلما علم بعث
(17/107)
مائة دينار فصرفت في مصالح المكان، وخرج
يوما فرأى الفقهاء حول داره وهم نحو من أربعمائة، فأمر بكسوتهم جميعا،
وحملت إليه قسي بندق فلما رآها قال: قد ذكرت بها شيخا من الأتراك قد
تعطل فأتوه به فأعطاه ثلاثين دينارا، وكان أصحابه لا يظلمون أحدا ولا
يتعرضون بأذى، ولقد جاء بعض الصبيان الأتراك إلى بعض البيادر فقال:
بيعوني تبنا، فقالوا: التبن عندنا مبذول للصادر والوارد فخذ منه ما
أحببت، فأبى، وقال: ما كنت لأبيع رأسي بمخلاة تبن فإن أخذتم ثمن ذلك
وإلا انصرفت، فباعوه بما طلب، ثم كثر الفساد فعاثوا وصعب ضبطهم.
وكان صدقة بن مزيد قد باين هذا السلطان، وكان السبب أن سرخاب الديلمي
عصى على السلطان فاستجار بصدقة، فطلبه فامتنع من تسليمه، فسار السلطان
إليه وآل الأمر إلى الحرب، وصار مع صدقة أكثر من عشرين ألفا فالتقوا
وكانت الوقعة في رجب، فصف صدقة عسكره فجعل في ميمنته ابنه دبيس، وسعيد
بن حميد ومعهما خفاجة وجماعة من الأكراد، وفي مقابلتهم من العسكر
السلطاني البرسقي والسعدية. وكان في ميسرته ابنه بدران ومعه عبادة
بأسرها، وفي مقابلتهم من العسكر السلطاني الأمير أحمد بك وجماعة من
الأمراء، وكان سيف الدولة في قلب عسكره ومعه سرخاب الديلمي، وأبو
المكارم حماد بن أبي الجبر، فأما خفاجة وعبادة فلزمت مواضعها وحمل قلب
عسكر سيف الدولة وحمل معهم فحصلت خيولهم في الطين والماء، وكانت
الأتراك تخرج من أيديهم في رمية واحدة عشرة آلاف نشابة، وتقاعد عن صدقة
جماعة من العرب فصاح صدقة: يال خزيمة، يال ناشرة، يال عوف، وجعل يقول:
أنا تاج الملوك، أنا ملك العرب، فأصابه سهم في ظهره وأدركه غلام اسمه
بزغش [1] من السعدية أحد أتباع الأتراك الواسطيين، وهو لا يعرفه، فجذبه
عن فرسه فسقطا إلى الأرض جميعا، فقال له صدقة- وهو بارك بين يديه يلهث
لهثا شديدا: ارفق. فضربه فرمى قحفه ثم حز رأسه وحمله، وانهزم أصحابه
وأسر منهم حماد بن أبي الجبر، ودبيس بن صدقة، وسرخاب الديلمي الذي نشأت
الفتنة بسببه، وأخذ دبيس فحلف على خلوص النية،
__________
[1] في ص: «أدركه غلام اسمه برغش» .
(17/108)
وأطلق وزادت القتلى على ثلاثة آلاف، وأخذ
من زوجته خمسمائة دينار وجواهر، وكانت الوقعة بعد صلاة الجمعة تاسع عشر
رجب.
[عزل أبي سعد ابن الحلواني]
وفي رمضان: عزل أبو سعد ابن الحلواني عن الحسبة، وعول على القاضي أبي
العباس ابن الرطبي.
[عزل الوزير ابن المطلب]
وفي هذا الشهر عزل الوزير ابن المطلب،
وعول على نقيب النقباء أبي القاسم وقاضي القضاة أبي الحسن في النيابة
في الديوان والاشتراك في النظر، وقبض على الوكيل أبي القاسم بن الحصين،
وحمل إلى القلعة ثم أعيد الوزير.
[عزل مهذب الدولة عن حجبة الباب]
وفي يوم الفطر: عزل مهذب الدولة أبو جعفر ابن الدامغاني عن حجبة الباب،
واستنيب أبو العز المؤيدي.
وفي ذي الحجة: وقع حريق في خرابة ابن جردة وبقي مقدار منا بين
الصلاتين، وذهب من العقار ما تزيد قيمته على ثلاثمائة ألف دينار، وتلفت
نفوس كثيرة وتخلص قوم بنقوب نقبوها في سور المحلة، وخرجوا إلى مقابر
باب أبرز، وكان هذا المكان قد احترق في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة
وعمره أهله، ثم أتى عليه هذا الحريق، ثم عاد الحريق في عدة أماكن بدرب
القيار وغيره مرارا متوالية فارتاع الناس لذلك وأقاموا على سطوحهم من
يحفظها، ونصب بعضهم الخيم في أعاليها، وذلك في حر شديد، وأعدوا في
السطوح حباب الماء وبقوا على ذلك أياما حتى تعطلوا عن معايشهم.
وظهر على جارية قوم أحبت رجلا فوافقته على المبيت في دار مولاها
مستترا، وعول بأن يأخذ زنفليجة كانت هناك، فلما أخذها طرحا النار
وخرجا، فأظهر الله تعالى أمرهما فافتضحا.
وظهر في هذه السنة صبية عمياء تتكلم في أسرار الناس، وبالغ الناس في
التحيل لعلم حالها فلم يعلموا، قال ابن عقيل: وأشكل أمرها على العلماء
والخواص والعوام حتى إنها كانت تسأل عن نقوش الخواتيم وما عليها وألوان
الفصوص وصفات الأشخاص وما في دواخل البنادق من الشمع والطين من الحب
المختلف والخرز، وبالغ أحدهم في ترك يده على ذكره فقيل لها: ما الذي في
يده؟ فقالت: يحمله إلى أهله وعياله. وثبت
(17/109)
بالتواتر أن جميع ما يتكلم به أبوها في
السؤال لها: «ما في يد فلان؟ وما الذي قد خبأه هذا الرجل؟» فتقول في
ذلك تفاصيل لا يدركها البصر، فاستحال أن يكون بينها وبين أبيها ترجمة
لأمور مختلفة.
قال ابن عقيل: ليس في هذا إلا أنه خصيصة من الله سبحانه كخواص النبات
والأحجار فخصت هذه بإجراء ما يجري على لسانها من غير اطلاع على
البواطن.
قال المصنف رحمه الله: وقد حكى إبراهيم بن الفراء أنه أخذ شيئا يشبه
الحنطة وليس بحنطة فأخطأت هذه المرة في حزره.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3773- إبراهيم بن مياس بن مهدي بن كامل، أبو إسحاق القشيري
[1] :
من أهل دمشق، سمع الكثير وأكثر عن الخطيب وكتب من تصانيفه، وورد بغداد،
فسمع من ابن النقور. وكان ثقة.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
3774- إسماعيل بن عمرو بن محمد، أبو سعيد البحيري
[2] :
من أهل نيسابور، ومن بيت الحديث، سمع الكثير، وكان ثقة دينا، وكان يقرأ
الحديث للغرباء، قرأ صحيح مسلم على عبد الغفار عشرين مرة.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة.
3775- أحمد بن عبد الله بن منصور القيروانيّ، أبو بكر
[3] :
توفي في رمضان، ودفن في باب أحرب، وحدث عن الجوهري وغيره.
__________
[1] هذه النسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، قبيلة
كبيرة ينسب إليها كثير من العلماء.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 123) .
[2] في ص: «أبو سعد البختري» ، وفي المطبوعة «أبو سعد النجيرمي» .
والتصحيح من تاريخ نيسابور.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 123، وتاريخ نيسابور 339، والكامل 9/ 123)
.
[3] القيرواني: نسبة إلى القيروان، وهي بلدة بالمغرب عند افريقيا، وهي
كلمة فارسية.
(17/110)
3776- حيدرة بن أبي الغنائم المعمر [1] بن
عبد الله، أبو الفتوح العلوي نقيب الطالبيين:
وكان عفيفا متشاغلا بالعلوم، غزير الأدب، مليح الصورة، توفي في هذه
السنة وعمره ثمان وثلاثون سنة، ومدة ولايته النقابة اثنتا عشرة سنة
وثلاثة أشهر، وولى بعده أخوه أبو الحسن علي.
3777- صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو الحسن الأسدي الملقب
بسيف الدولة
[2] :
كان كريما، ذا ذمام عفيفا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبا من
الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قط ولا تسرى، وقيل: أنه لم يشرب مسكرا
ولا سمع غناء ولا قصد التسوق في طعام، ولا صادر أحدا من أصحابه، وكان
تاريخ العرب والأماجد كرما ووفاء، وكانت داره ببغداد حرم الخائفين،
فلما خرج سرخاب الحاجب عن طاعة السلطان محمد التجأ إليه فأجاره، ثم
طلبه السلطان منه فلم يسلمه، فجاء السلطان محاربا له على ما سبق ذكره
في هذه السنة وهو ابن خمس وخمسين سنة، وكانت إمارته اثنتين وعشرين سنة
غير أيام، وحمل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام.
__________
[1] في ص: «بن أبي الغنائم بن المعمر» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 2، البداية والنهاية 12/ 170،
والكامل 9/ 113) .
(17/111)
ثم دخلت سنة اثنتين
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه شرع في عمارة جامع السلطان، وأتمه بهروز الخادم، وفوض إليه السلطان
محمد عمارة دار المملكة وملاحظة الأعمال بالعراق، فحفر السواني وعمر،
فرخصت الأسعار، وبنى رباطا للصوفية قريبا من النظامية، ومنع النساء أن
يعبرن مع الرجال في السميريات، ثم وقع الغلاء فبيعت الكارة بثمانية
دنانير.
وفي هذه السنة: عزل الوزير ابن المطلب في حادي عشرين رجب، وكان أبو
القاسم علي بن جهير بأصفهان فاستدعى للوزارة بإذن السلطان، وجلس في
وزارة المستظهر في شوال.
وفي يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان: تزوج المستظهر بخاتون بنت
ملك شاه، وكانت الوكالة للوزير نظام الدين أحمد بن نظام الملك أخي
الوزير أحمد، والخطيب أبو العلاء صاعد بن محمد الفقيه الحنفِي.
ذكر من توفي فِي هذه السنة من الأكابر
3778- الحسن العلويّ، أبو هاشم رئيس همذان
[1] :
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 170) .
(17/112)
وكان قد صادره السلطان على تسعمائة ألف
دينار فأداها في نيف وعشرين يوما، ولم يبع فيها ملكا ولا عقارا.
3779- صاعد بن محمد بن عبد الرحمن، أبو العلاء البخاري القاضي
[1] :
من أهل أصبهان، ولد بها في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث
بها وببغداد ومكة، وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وبرع حتى صار مفتي البلد،
وكان متدينا.
وقتل في الجامع يوم الفطر من هذه السنة.
3780- عبيد الله بن علي [2] ، أبو إِسْمَاعِيل الخطبي:
قاضي أصفهان، قتله الباطنية بها.
3781- عبد الواحد بن إسماعيل، بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الروياني
[3] :
من أهل آمل طبرستان، ولد سنة خمس عشرة وأربعمائة، ورحل إلى الأقطار،
وعبر ما وراء النهر، وسمع الحديث، واقتبس العلوم، وتفقه، وكان يحفظ
مذهب الشافعيّ، ويقول: لو احترقت كتب الشافعيّ لأمليتها من حفظي، وله
مصنفات في المذهب والخلاف.
توفي شهيدا مقتولا ظلما يوم عاشوراء هذه السنة بآمل في الجامع يوم
الجمعة.
3782- محمد بن عبد الكريم بن محمد بن خشيش، أبو سعيد الكاتب
[4] :
ولد سنة أربع عشرة وأربعمائة، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسن بن
مخلد وغيرهما، وروى عنه أشياخنا، وكان ثقة خيرا صحيح السماع، وتوفي في
ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 4، والكامل 9/ 133) .
[2] في ص: «عبد الله بن علي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 4،. والبداية والنهاية 12/ 170) .
[3] الروياني: نسبة إلى رويان، وهي بلدة بنواحي طبرستان.
[4] في ص: «أبو سعد الكاتب» .
(17/113)
3783- محمد بن عبد القادر بن أحمد بن
الحسين، أبو الحسين ابن السماك الواعظ المعدل
[1] :
روى عن أبي القاسم الأزجي، والتوزي وغيرهم، روى لنا عنه أشياخنا، وقال
شيخنا أبو الفضل بن ناصر: لا تحل الرواية عنه لأنه كان كذابا، ولم يكن
في عدالته بمرضى.
توفي في رجب هذه السنة، ودفن في داره بنهر معلى.
3784- هبة الله بن أحمد بن محمد بن علي بن إبراهيم بن سعد، أبو عبد
الله البزدوي الموصلي
[2] :
ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا القاسم بن بشران وغيره، روى
عنه أشياخنا وكان فاضلا صالحا صحيح السماع، عمر حتى انتشرت عنه
الرواية، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3785- يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام الشيباني التبريزي، أبو
زكريا
[3] :
أحد أئمة اللغة، كانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة، قرأ على أبي العلاء
وغيره، وتخرج به جماعة من أهل اللغة، وصاحبه الأكبر شيخنا أبو منصور
ابن الجواليقي، وقال شيخنا أبو منصور ابن خيرون: ما كان أبو زكريا
بمرضى الطريقة، قال شيخنا ابن ناصر: ولكنه كان ثقة فيما يرويه. وصنف
التصانيف الكثيرة، وتوفي فجاءة في
__________
[1] في ت: «الواعظ العدل» .
[2] البزدوي: هذه النسبة إلى بزدة، وهي قلعة حصينة على ستة فراسخ من
نسق على طريق بخارى.
[3] التبريزي: نسبة إلى تبريز، وهي من بلاد أذربيجان، أشهر بلدة بها.
وانظر ترجمته في: (الأنساب 3/ 21، وشذرات الذهب 4/ 5، وابن خلكان 2/
233، وآداب اللغة 3/ 37، ومفتاح السعادة 1/ 175، وإرشاد الأريب 7/ 286،
ومرآة الجنان 3/ 172، والأعلام 8/ 157، 158، والبداية والنهاية 12/
171، والكامل 9/ 134) .
(17/114)
جمادي الآخرة من هذه السنة، وصلى عليه أبو
طالب الزينبي، ودفن إلى جانب تربة أبي إسحاق الشيرازي بباب أبرز.
أنبأنا أبو منصور ابن الجواليقي، قال: أنشدنا أبو زكريا قال: كتب إلى
العميد الفياض:
قل ليحيى بن علي ... والأقاويل فنون
غير أني لست من يكذب ... فيها ويخون
أنت عين الفضل إن مد ... ت إلى الفضل العيون
أنت من عزبه الفضل ... وقد كان يهون
فقت من كان وأتعبت ... لعمري من يكون
وإذا قيس بك الكل ... فصحو ودجون
وإذا فتش عنهم ... فالأحاديث شجون
قد سمعنا ورأينا ... فسهول وحزون
ووزنا بك من كان ... فقيل وقيون
إنك الأصل ومن ... دونك في العلم غصون
إنك البحر وأعياني ... ن ذوى الفضل عيون
ليس كالسيف وإن حلى ... في الحكم الجفون
ليس كالفذ المعلى ... ليس كالبيت الحجون
ليس كالجد وإن ... آنس هزل ومجون
ليس في الحسن سواء ... أبدا بيض وجون
ليس كالأبكار في اللطف ... وإن راقتك عون
إن ودى لك عما ... يصم الود مصون
ليس لي منه ظهور ... تتنافي وبطون
بل لقلبي منه صب ... بالمعافاة مكون
غلق الرهن وقد يغلق ... في الحب الرهون
ومن الناس أمين ... في هواه وخؤون
(17/115)
قال أبو زكريا: فكتبت إليه:
قل للعميد أخي العلا الفياض ... أنا قطرة من بحرك الفياض
شرفتني ورفعت ذكرى بالذي ... ألبستنيه من الثنا الفضفاض
إني أتيتك بالحصى عن لؤلؤ ... أبرزته عن خاطر مرتاض
ولخاطري عن مثل ذاك توقف ... ما إن يكاد يجود بالأنقاض
أيعارض البحر الغطامط جدول ... أم درة تقتاس بالرضراض
يا فارس النظم المرصع جوهرا ... والنثر يكشف غمة الأمراض
لا تلزمني من ثنائك موجبا ... حقا فلست لحقه بالقاضي
ولقد عجزت عن القريض وربما ... أعرضت عنه أيما أعراض
أنعم علي ببسط عذري إنني ... أقررت عند نداك بالانفاض] [1]
__________
[1] إلى هنا انتهى السقط في نسخة أحمد الثالث (الأصل) والّذي بدأ ترجمة
«محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي» في وفيات سنة 500،
والاستدراك من ص، ط، وهو ساقط من ت أيضا.
(17/116)
ثم دخلت سنة ثلاث
وخمسمائة
44/ ب فمن الحوادث فيها:
[أخذ الإفرنج طرابلس]
أخذ الإفرنج طرابلس.
وفيها: أن الوزير أبا المعالي بن المطلب خرج مستترا في أزار وخف من دار
الخلافة ومعه ولداه، فنزل دجلة وصعد دار السلطان فاستجار بها.
[دخول السلطان بغداد]
وفي ربيع الآخر: دخل السلطان بغداد وعزل ابن قضاعة عن عمارة بغداد،
وولي مكانه عميد الدولة بن صدقة أبو علي.
وفي شعبان: نزل الوزير نظام الدين أحمد بن نظام الملك إلى السميرية
فضربه باطني في عنقه بسكين فبقى مريضا مدة وسلم، وقبض على الباطني وسقى
الخمر فلما سكر أقر على جماعة من الباطنية بمسجد في محلة المأمونية
فقتلوا وقتل معهم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3786- أحمد بن علي [بن أحمد] ، أبو بكر العلثي
[1] :
كان في حداثته يجصص الحيطان ويتنزه عن عمل النقوش والصور، وكان لا يقبل
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 6، وفيه: «العلبي، أبو بكر الزاهد
الحنبلي» ، والبداية والنهاية 12/ 171، وفيه: «أبو بكر العلويّ» ) .
(17/117)
من أحد شيئا عفافا وقناعة، وكان له عقار قد
ورثة من أبيه، وكان يبيع منه شيئا فشيئا ويتقوت به، واشتغل بالعبادة،
وصحب القاضي أبا يعلى وقرأ عليه طرفا من الفقه، وسمع منه الحديث، وحدث
عنه بشيء يسير، وكان إذا حج يزور القبور بمكة ثم يجيء إلى قبر الفضيل
فيخط بعصاه الأرض، ويقول: يا رب ها هنا، فقدر له أن حج في سنة ثلاث
وخمسمائة فوقع من الجمل مرتين وشهد عرفة محرما، وتوفي عشية ذلك اليوم
في 45/ أعرفات، / فحمل إلى مكة وطيف به حول البيت، ودفن يوم النحر عند
قبر الفضيل، ولما بلغ خبره إلى بغداد صلى الناس عليه صلاة الغائب
فامتلأ الجامع من الناس.
3787- أحمد بن المظفر بن الحسين بن عبد الله بن سوسن، أبو بكر التمار
[1] :
ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة روى عنه جماعة، وحدثنا عنه أشياخنا.
قال شجاع بن فارس الذهلي: كان ضعيفا جدا، قيل له: بماذا ضعفتموه؟ فقال:
بأشياء ظهرت منه دلت على ضعفه، منها أنه كان يلحق سماعاته في الأجزاء.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3788- عمر بن عبد الكريم بن سعدويه، [2] أبو الفتيان الدهستاني
[3] :
رحل وطلب الحديث، فدار الدنيا، وخرج على المشايخ وانتخب، وكان ممن يفهم
هذا الشأن، وكان ثقة، سمع أبا يعلى بن الفراء وغيره [4] ، وصحح عليه
الصحيحين أبو حامد الغزالي، وتوفي بسرخس في هذه السنة.
3789- محمد ويعرف بأخي حمادي
[5] :
قال المصنف: قرأت بخط أبي شجاع الذهلي مات محمد ويعرف بأخي حمادي
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 7، وتذكرة الحفاظ 1239) .
[2] في الأصل: «عبد الكريم بن سعيدويه» .
[3] الدّهستاني: نسبة إلى دهستان، وهي بلدة مشهورة عند مازندران وجرجان
بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المهدي. وانظر ترجمته في: (شذرات
الذهب 4/ 7، وتذكرة الحفاظ 1237، والبداية والنهاية 12/ 171، 172،
وفيه: « ... بن سعدويه الفتيان الدهقاني» ) .
[4] في الأصل: «سمع أبا يعلى بن الفراء وغيرهما» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 172) .
(17/118)
من أهل الجانب الشرقي يوم الخميس سادس محرم
سنة ثلاث وخمسمائة، وكان رجلا صالحا كان له مرض شارف منه التلف،
فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منامه فعوفي
من ذلك المرض، فانقطع عن مخالطة الناس، فلزم المسجد نحو أربعين سنة،
وكان لا يخرج منه إلا في أيام الجمعات لصلاة الجمعة، ثم يعود إليه.
وحدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ، عن أخي حمادي قال: خرجت في
يدي عيون فانتفخت فأجمع الأطباء على قطعها، فبت ليلة على سطح قد رقيت
إليه، فقلت: في الليل يا صاحب هذا الملك/ الذي لا ينبغي لغيره هب لي
شيئا بلا شيء، 45/ ب فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في
المنام، فقلت: يا رسول الله يدي أنظر إليها فقال:
مدها، فمددتها فأمر يده عليها وأعادها، وقال: قم، فقمت وانتبهت والخرق
التي قد شدت بها مخانق، فقمت في الليل ومضيت إلى باب الأزج إلى قرابة
لي، فطرقت الباب، فقالت المرأة لزوجها: قد مات فلان، تعنيني وظنت أني
مخبر قد جاء يخبرها بذلك، فلما فتحت الباب فرأتني تعجبت ورجعت إلى باب
الطاق فرأيت الناس من عند دار السلطان إلى منزلي خلقا لا يحصى معهم
الجرار والأباريق، فقلت: ما لكم؟ فقالوا: قيل لنا أن رجلا قد رأى النبي
صلى الله عليه وسلم ها هنا يتوضأ من بئر، فقلت في نفسي: إن مضيت لم يكن
لي معهم عيش، فاختفيت في الخرابات طول النهار.
قال المصنف: هذا الرجل مدفون في زاوية كانت له بالجانب الشرقي مما يلي
قبر أبي حنيفة، وقد زرت قبره.
3790- هبة الله بن محمد بن علي الكرماني، أبو المعالي بن المطلب
الوزير:
ولد سنة أربعين وأربعمائة وسمع من أبي الحسين بن المهتدي.
وتوفي يوم الأحد ثاني شوال هذه السنة، ودفن بباب أبرز.
(17/119)
ثم دخلت سنة اربع
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وصول الخبر بأن الافرنج ملكوا الشام]
أنه وصل الخبر بأن الإفرنج ملكوا الشام، فقام التجار فمنعوا الخطبة في
جامع السلطان، فقال السلطان: لا تعارضوهم، وبعث عبيدا ومعهم ولد
للسلطان.
وخرج شيخنا أبو الحسن الزاغوني إلى الغزاة، ورافقه جماعة فبلغني أنهم
ساروا إلى بعض الأماكن ورجعوا [1] .
[جلوس ابن الشجري في حلقة النحويين]
46/ أوجلس الشريف أبو السعادات/ ابن الشجري في حلقة النحويين بجامع
المنصور، وحضر عنده الأكابر.
وخرج زين الإسلام أبو سعد الهروي لاستدعاء خاتون بنت ملك شاه زوجة
الخليفة المستظهر، فدخلت بغداد يوم السبت ثامن عشرين رجب من هذه السنة،
ونزلت بدار المملكة عند أخيها السلطان محمد، وزينت بغداد، ونقل جهازها
في رمضان، فكان على مائة واثنين وستين جملا وسبعة وعشرين بغلا، وجاءت
النجائب [2] والمهور والجواري المزينات، وغلقت الأسواق، ونصبت القباب،
وتشاغل الناس بالفرح، وكان الزفاف في ليلة العاشر من رمضان.
وجلس أبو بكر الشاشي يدرس في [المدرسة] النظامية في شعبان، وحضر عنده
وزير السلطان وأرباب الدولة.
__________
[1] في ص، ط: «إلى بعض الأماكن وعادوا» .
[2] في الأصل، ص: وجاءت الجنائب» .
(17/120)
ووصل إلى بغداد حاج خراسان، ثم رحلوا إلى
الكوفة، فقيل لهم: أن الطريق ليس بها ماء، فعادوا ولم يحج منهم أحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3791- أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن الكاتب، أبو المكارم،
ويعرف بابن السكري
[1] :
ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وسمع الأمير أبا محمد الحسن بن علي بن
المقتدر [2] ، وروى عنه شيخنا عبد الوهاب الأنماطي.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في مقبرة باب حرب.
3792- إِسْمَاعِيل بن محمد بن عبد الغافر، أبو عبد الله بن أبي الحسين
الفارسي
[3] :
من أهل نيسابور المحدث ابن المحدث، ولد سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة،
وسمع من أبي حسان المزكي وغيره. وقدم بغداد فسمع من ابن المهتدي،
والجوهري، وأبي الغنائم ابن المأمون. روى عنه شيخنا البسطامي، وغيره.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
3793- إدريس بن حمزة/ بن علي، أبو الحسن الشامي الرمليّ العثماني
[4] : 46/ ب من أهل الرملة، بلدة من بلاد فلسطين، تفقه علي أبي الفتح
نصر بن إبراهيم المقدسي، ثم ببغداد على أبي إسحاق الشيرازي، ودخل إلى
بلاد خراسان، وخرج إلى وراء النهر، وسكن سمرقند، وفوض إليه التدريس بها
إلى أن توفي في هذه السنة، وكان من فحول المناظرين.
__________
[1] في ت: «ويعرف بابن اليشكري» .
[2] في ص، ط: «الحسن بن عيسى بن المقتدر» .
[3] انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 340، وفيه: «إسماعيل بن عبد
الغافر، أبو عبد الله الفارسيّ» ، وشذرات الذهب 4/ 7) .
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 172، وفيه: «أبو الحسن
الشاشي» ، والكامل 9/ 142) .
(17/121)
3794- عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي
[1] ، أبو الفرج مؤدب ولد الخليفة المقتفي
[2] :
روى عنه المقتفي الحديث، وتوفي يوم السبت عشرين محرم هذه السنة عند
عوده من الحج قبل وصوله إلى المدينة بيوم، وحمل إلى المدينة فصلى عليه
بها، ودفن بالبقيع.
3795- علي بن محمد بن علي، أبو الحسن الطبري الهراسي، ويعرف بإلكيا
[3] :
ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعمائة، وتفقه على أبي المعالي الجويني،
وكان حافظا للفقه، كان يعيد الدرس في ابتدائه بمدرسة نيسابور على كل
مرقاة من مراقي مسمع مرة، وكانت المراقي سبعين، وسمع الحديث، وكان
فصيحا جهوريّ الصوت [4] ، ودرس بالنظاميّة بغداد مدة، واتهم برأي
الباطنية، فأخذ فشهد له جماعة بالبراءة من ذلك منهم أبو الوفاء بن
عقيل.
وتوفي يوم الخميس غرة محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب أبرز، عند الشيخ
أبي إسحاق الشيرازي.
__________
[1] في الأصل: «ابن اسبتي» .
[2] في ص: «ولد الخليفة» بإسقاط «المقتفي» .
[3] انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان 1/ 327، وفيه: «الكيا بكسر الكاف
في اللغة الأعجمية: الكبير القدر» ، وطبقات الشافعية 4/ 281، وشذرات
الذهب 4/ 8، والأعلام 4/ 329، البداية والنهاية 12/ 172، 173، الكامل
9/ 142) .
[4] في الأصل: «وكان فصيحا جوهري الصوت» .
(17/122)
ثم دخلت سنة خمس
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[بعث السلطان محمد إلى الإفرنج الأمير مودود]
أنه كان قد بعث السلطان محمد إلى الإفرنج
الأمير مودود في خلق عظيم، فخرج فوصل إلى جامع دمشق، فجاء باطني
في زي المكدين فطلب منه شيئا فضربه في فؤاده فمات.
[الخلع على ابن الخزري]
وفي ربيع الأول: خلع على ابن الخزري بباب الحجرة، وخرج إلى/ الديوان
47/ أونثر عليه دنانير.
ووجد رجل أعمى على سطح الجامع ومعه سكين مسمومة، وذكر أنه أراد
الخليفة.
[ولد للخليفة ولد من بنت السلطان]
وولد للخليفة ولد من بنت السلطان، وضربت الدبادب والبوقات، وقعد الوزير
للهناء في باب الفردوس وتوفي أخ للمستظهر فقطع ضرب الطبل أياما وجلس
للعزاء [1] به بباب الفردوس [2] .
وعزل أحمد بن نظام الملك عن الوزارة في تاسع رمضان، وكانت مدة وزارته
أربع سنين واحد عشر شهرا.
__________
[1] في ص: «وقعد أياما» .
[2] العبارة: «وتوفي أخ للمستظهر ... بباب الفردوس» جاءت في الأصل في
آخر الترجمة.
(17/123)
ذكر من توفي في هذه
السنة من الأكابر
3796- الحسن بن عبد الواحد بن الحصين، أبو القاسم
[1] :
صاحب مخزن الخليفة المستظهر باللَّه، تمكن من الدولة تمكنا كثيرا، وكان
يعزل ويولي من الوزير إلى من دونه، فقبض عليه السلطان محمد وحمله إلى
القلعة بكنجة، فتوفي في هذه السنة.
3797- علي بن محمد بن علي بن محمد بن يوسف، أبو الحسن ابن العلاف
[2] :
ولد سنة ست وأربعمائة، وروي عن أبي القاسم بن بشران، وأبي الحسن
الحمامي، وغيرهما. وكان سماعه صحيحا، ومتع بسمعه وبصره وجوارحه إلى أن
توفي في هذه السنة [عن ثمان وتسعين سنة [3] .
3798- عبد الملك بن محمد بن الحسين [4] ، أبو محمد البوزجاني:
سمع أبا الحسن القزويني، وروى عنه أشياخنا، وكان شيخا صالحا.
وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب [5] .
3799- محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي
[6] :
ذكر أنه ولد سنة خمسين وأربعمائة، وتفقه على أبي المعالي الجويني،
وبرع/ 47/ ب في النظر في مدة قريبة، وقاوم الأقران وتفقه وتوحد، وصنف
الكتب الحسان في الأصول
__________
[1] في ص: «ابن عبد الواحد بن الحسين» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 10) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «بن محمد بن الحسن» .
[5] «ودفن في مقبرة باب حرب» : ساقطة من ص، ط.
[6] في الأصل: «محمد أبو حامد بن محمد بن محمد الغزالي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 10: 13، ووفيات الأعيان 1/ 463،
وطبقات الشافعية 4/ 101، والوافي بالوفيات 1/ 277، ومفتاح السعادة 2/
191- 210، وآداب اللغة 3/ 97، والأعلام 7/ 22، 23، والبداية والنهاية
12/ 173، 174) .
(17/124)
والفروع التي انفرد بحسن وضعها وترتيبها
وتحقيق الكلام فيها، حتى أنه صنف في حياة أستاذه الجويني، فنظر الجويني
في كتابه المسمى «بالمنخول» ، فقال له: دفنتي وأنا حي هلا صبرت حتى
أموت؟ وأراد أن كتابك قد غطى على كتابي، ووقع له القبول من نظام الملك،
فرسم له التدريس بمدرسته ببغداد، فدخل بغداد في سنة أربع وثمانين ودرس
بها وحضره الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب، وتعجبوا من كلامه
واعتقدوه فائدة، ونقلوا كلامه في مصنفاتهم، ثم إنه ترك التدريس
والرئاسة، ولبس الخام الغليظ، ولازم الصوم، وكان لا يأكل إلا من أجرة
النسخ، وحج وعاد ثم رحل إلى الشام، وأقام ببيت المقدس ودمشق مدة يطوف
المشاهد، وأخذ في تصنيف كتاب «الإحياء» في القدس، ثم أتمه بدمشق إلا
أنه وضعه على مذهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، مثل أنه ذكر في محو
الجاه، ومجاهدة النفس أن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب
غيره ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي على مهل حتى لحقوه فأخذوها منه
وسمي سارق الحمام.
وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح لأن الفقه يحكم بقبح هذا،
فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض
لأمر يأثم الناس به في حقه.
وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في
عنقه ومشى.
وهذا في غاية القبح/ ومثله كثير ليس هذا موضعه. 48/ أوقد جمعت أغلاط
الكتاب وسميته «إعلام الإحياء بأغلاط الإحياء» [1] وأشرت إلى بعض ذلك
في كتابي المسمى «بتلبيس إبليس» مثل ما ذكر في كتاب النكاح أن عائشة
رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تزعم أنك رسول
الله، وهذا محال، وإنما كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه أنه
صحب الصوفية فرأى حالتهم الغاية، وقال: إني أخذت الطريقة من أبي علي
الفارمذي، وامتثلت ما كان يشير به من
__________
[1] في ص: «وسميته أغلاط الإحياء بأغلاظ الأحياء» .
(17/125)
وظائف العبادات واستدامة الذكر إلى أن جزت
تلك العقابت وتكلفت تلك المشاق وما حصلت ما كنت أطلبه.
ثم أنه نظر في كتاب أبي طالب المكي وكلام المتصوفة القدماء فاجتذبه ذلك
بمرة عما يوجبه الفقه، وذكر في كتاب الإحياء من الأحاديث الموضوعة وما
لا يصح غير قليل، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل، فليته عرض تلك الأحاديث
على من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل.
وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية، وذكر في آخر مواعظ
الخلفاء، فقال: روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم ابعث إلى
من إفطارك، فبعث إليه نخالة مقلوة، فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثم
أفطر عليها، وجامع زوجته فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن
عبد العزيز.
وهذا من أقبح الأشياء، لأن عمر ابن عم سليمان، وهو الذي ولاه فقد جعله
ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا.
وكان بعض الناس شغف بكتاب الإحياء فاعلمته بعيوبه، ثم كتبته له فأسقطت
ما 48/ ب يصلح إسقاطه/ وزدت ما [يصلح أن] [1] يزاد.
ثم أن أبا حامد عاد إلى وطنه مشتغلا بتعبده، فلما صار الوزارة إلى فخر
الملك أحضره وسمع كلامه وألزمه بالخروج إلى نيسابور، فخرج ودرس، ثم عاد
إلى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطا للصوفية [2] ، وبنى دارا حسنة،
وغرس فيها بستانا، وتشاغل بحفظ القرآن وسمع الصحاح.
سمعت إِسْمَاعِيل بن علي الموصلي الواعظ يحكى عن أبي منصور الرزاز
الفقيه، قال: دخل أبو حامد بغداد فقومنا ملبوسه ومركوبة خمسمائة دينار،
فلما تزهد وسافر وعاد إلى بغداد فقومنا ملبوسه خمسة عشر قيراطا.
وحدثني بعض الفقهاء، عن أنوشروان- وكان قد وزر للخليفة-، أنه زار أبا
حامد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «ورباطأ للمتصوفة» .
(17/126)
الغزالي، فقال له أبو حامد: زمانك محسوب
[عليك] [1] وأنت كالمستأجر فتوفرك على ذلك أولى من زيارتي، فخرج
أنوشروان، وهو يقول: لا إله إلا الله، هذا الذي كان في أول عمره
يستزيدني فضل لقب في ألقابه كان يلبس الذهب والحرير فآل أمره إلى هذا
الحال.
توفي أبو حامد يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة من هذه السنة بطوس،
ودفن بها وسأله قبيل الموت بعض أصحابه: أوص، فقال: عليك بالإخلاص، فلم
يزل يكررها حتى مات.
3800- محمد بن علي بن محمد، أبو الفتح الحلواني:
سمع أبا الحسين بن المهتدي وغيره، وتفقه على الشريف أبي جعفر، وحدث
بشيء يسير.
توفي يوم عيد الأضحى من هذه السنة، ودفن بباب حرب.
3801- مودود الأمير:
قد ذكرنا في الحوادث كيفية قتله، وكيف قتله الباطنية في دمشق.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(17/127)
ثم دخلت سنة ست
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن أبا علي المغربي كان من الزهاد معروفا بين الصوفية بالزهادة
والقناعة، كان يأتيه كل يوم روزجاري برغيفين من كد يده فيأكلهما ثم عن
له أن يشتغل بصنعة الكيمياء فأخذ إلى دار الخلافة وانقطع خبره.
[جلوس ابن الطبري مدرسا بالنظاميّة]
وفي جمادي الآخرة: جلس ابن الطبري بالنظامية مدرسا، وعزل الشاشي.
[دخول يوسف بن أيوب الهمذاني الواعظ إلى بغداد]
ومن الحوادث: دخول يوسف بن أيوب الهمذاني
الواعظ إلى بغداد، وكان قد دخلها بعد الستين والأربعمائة، فتفقه
على الشيخ [1] أبي إسحاق حتى برع في الفقه، ثم عاد إلى مرو فاشتغل
بالتعبد، واجتمع في رباطه خلق زائد عن الحد من المنقطعين إلى الله
تعالى، وعاد إلى بغداد في هذه السنة فوعظ بها، فوقع له القبول، وقام
إليه رجل متفقه يقال له ابن السقاء، فآذاه في مسألة، فقال له: اجلس
فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير دين الإسلام فاتفق
[2] بعد مديدة أن ابن السقاء خرج إلى بلاد الروم وتنصر، وقام إليه ابنا
أبي بكر الشاشي، فقالا له: إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فلا
تتكلم، فقال: اجلسا لا متعكما الله بشبابكما، فماتا ولم يبلغا
الشيخوخة.
__________
[1] «الشيخ» : ساقطة من ص، ط.
[2] «فاتفق» : ساقطة من ص، ومكانها بياض في ط.
(17/128)
قال المصنف: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن
عبد الباقي البزاز، قال: في يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة من سنة ست
وخمسمائة سمع صوت هذه عظيمة/ في 49/ ب أقطار بغداد بالجانبين الشرقي
والغربي، وسمعت أنا صوتها وأنا جالس في المارستان حتى ظننت أنه صوت
حائط قد ذهب بالقرب منا، ولم يعلم ما هو ولم يكن في السماء غيم، فيقال:
صوت رعد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3802- أحمد بن الفرج [بن عمر] ، أبو نصر الدينَوَريّ والد شيختنا شهدة
[1] :
سمع القاضي أبا يعلى، وابن المأمون، وابن المهتدي، وابن النقور، وابن
المسلمة، وأبا بكر الخطيب. روى عنه جماعة منهم ابنته شهدة، وكان خيرا
متزهدا حسن السيرة.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة [2] .
3803- صاعد بن منصور بن إِسْمَاعِيل بن صاعد، أبو العلاء الخطيب
[3] :
من أهل نيسابور، سمع الحديث الكثير، وروى عنه شيخنا أبو شجاع النظامي
[4] ، وكان الجويني يثني عليه، وخلف أباه في الخطابة والتدريس
والتذكير. ولي قضاء خوارزم، وأملى الحديث.
وتوفي في رمضان هذه السنة.
3804- عبد الملك بْن عبد الله بن أحمد بن رضوان، أبو الحسين:
حدث عن أبي محمد الجوهري، وروى عنه أبو المعمر الأنصاري [5] ، وكان
خيرا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 148) .
[2] في ص، ط: «وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 2/ 175، الكامل 9/ 148) .
[4] في ط: «أبو شجاع البسطامي» .
[5] في الأصل: «أبو معمر الأنصاري» .
(17/129)
صالحا كثير الصدقة والبر، وكان كاتب
المستظهر باللَّه على ديوان الرسائل.
وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3805- محمد بن الحسين بن إِسْمَاعِيل أبو جعفر البرزائي:
من أهل طبرستان، رحل في طلب الحديث، وسمع الكثير بالعراق والحجاز
والجبال، وكان صالحا صدوقا. وتوفي في هذه السنة.
3806- محمد بْن محمد بن أيوب أبو محمد القطواني:
من أهل سمرقند، وقطوان على خمسة فراسخ منها، سافر البلدان، وسمع 50/
أالكثير، وكان/ إماما واعظا فاضلا، له القبول التام بين الخواص
والعوام، وحظي عند الملوك، وكان يأمرهم بالمعروف من غير محاباة، ووعظ
يوما في الجامع وصلى العصر، ثم ركب فرسا له فسقطت قطعة من السور فنفر
الفرس ورماه، فاندقت عنقه فحمل إلى داره فتوفي [وقت الفجر] [1] يوم
السبت سادس رجب سنة ست وخمسمائة.
3807- المعمر بن علي بن المعمر، أبو سعد بن أبي عمامة الواعظ
[2] :
ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع ابن غيلان والخلال والجوهري
وغيرهم، وكان يعظ وجمهور وعظه حكايات السلف، وكان له خاطر حاد وذهن
بغدادي وتماجن، وكان يحاضر المستظهر باللَّه، قال يوما في وعظه: أهون
ما عنده أن يجعل لك أبواب الوصي توابيت.
ولما دخل نظام الملك وزير السلطان ملك شاه إلى بغداد صلى في جامع
المهدي الجمعة، فقام أبو سعد بن أبي عمامة، فقال: الحمد الله ولي
الأنعام، وصلى الله على من هو للأنبياء ختام، وعلى آله سرج الظلام،
وعلى أصحابه الغر الكرام، والسلام على صدر الإسلام ورضي الإمام زينه
الله بالتقوى وختم عمله بالحسنى وجمع له بين خير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 14. وفيه: «أبو سعد بن أبي عمارة»
، والبداية والنهاية 12/ 175، وفيه: «أبو سعد بن أبي عمار الواعظ» ) .
(17/130)
الآخرة والدنيا معلوم، يا صدر الإسلام أن
آحاد الرعية من الأعيان مخيرون في القاصد والوافد إن شاءوا وصلوه، وإن
شاءوا قطعوه، [1] فأما من توشح بولائه وترشح لآلائه فليس مخيرا في
القاصد والوافد، لأن من هو على الحقيقة أمير فهو في الحقيقة أجير، قد
باع نفسه وأخذ ثمنه، فلم يبق له من نهاره ما يتصرف فيه على اختياره،
ولا له أن يصلى نفلا ولا يدخل معتكفا دون التبتل لتدبيرهم، / والنظر في
أمورهم، لأن ذلك فضل وهذا 50/ ب فرض لازم، وأنت يا صدر الإسلام وإن كنت
وزير الدولة، فأنت أجير الأمة استأجرك جلال الدولة بالأجرة الوافرة
لتنوب عنه في الدنيا والآخره، فأما في الدنيا ففي مصالح المسلمين [2] ،
وأما في الآخرة فلتجيب عند رب العالمين، فإنه سيقفه بين يديه ويقول له:
ملكتك البلاد وقلدتك أزمة العباد فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة
العدل؟ فلعله يقول: يا رب اخترت من دولتي شجاعا عاقلا حازما وسميته
قوام الدين نظام الملك وها هو قائم في جملة الولاة، وبسطت يده في السوط
والسيف والقلم، ومكنته من الدينار والدرهم، فاسأله يا رب ماذا صنع في
عبادك وبلادك؟ أفتحسن أن تقول في الجواب نعم تقلدت أمور العباد وملكت
أزمة العباد فبثثت النوال وأعطيت الأفضال حتى إنى أقربت من لقائك ودنوت
من تلقائك اتخذت الأبواب والنواب والحجّاب والحجاب ليصدوا عنى القاصد
ويردوا عنى الوافد، فاعمر قبرك كما عمرت قصرك، وانتهز الفرصة ما دام
الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر فما ثم من يقبل عذرك، وهذا ملك الهند وهو
عابد صنم ذهب سمعه فدخل عليه أهل مملكته يعزونه في سمعه، فقال: ما حزني
لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن لصوت المظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه، ثم
قال: إن كان قد ذهب سمعي فما ذهب بصرى، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس
الأحمر حتى إذا رأيته عرفته فأنصفته.
وهذا أنوشروان قال له رسول/ ملك الروم: لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل
الوصول إليك، فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة وأقضى حاجة، وأنت
يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعد
جوابا لتلك المسأله، فإنه الله الذي تكاد السموات يتفطرن منه في موقف
ما فيه إلا خاشع أو خاضع
__________
[1] في ص، ط: «إن شاءوا فصلوه» .
[2] في الأصل: «في الدنيا فلمصالح المسلمين» .
(17/131)
أو مقنع، ينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرب،
ويعظم الكرب، ويشيب الصغير، ويعزل الملك والوزير: يَوْمَئِذٍ
يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى 89: 23 [1] يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ
مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً
3: 30 [2] وقد استجلبت لك الدعاء وخلدت لك الثناء مع براءتي من التهمة،
فليس لي في الأرض ضيعة ولا قرية ولا بيني وبين أحد حكومة ولا بي بحمد
الله فقر ولا فاقة.
فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء طويلا وأمر له بمائة دينار
فلم يأخذها [3] ، وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين ومن يكون في ضيافته
يقبح أن يأخذ عطاء غيره، فقال له: فضها على الفقراء، فقال: الفقراء على
بابك أكثر منهم على بابى. ولم يأخذ شيئا.
توفي أبو سعد في ربيع الأول من هذه السنة.
__________
[1] سورة: الفجر، الآية: 23.
[2] سورة: آل عمران، الآية، 30.
[3] في ص، ط: «بمائة دينار فأبى أن يأخذ» .
(17/132)
ثم دخلت سنة سبع
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[الوقعة الكبرى بين المسلمين والإفرنج]
الوقعة الكبيرة بين المسلمين والإفرنج، قتل من الإفرنج ألف وثلاثمائة،
وغنم المسلمون منهم الغنيمة العظيمة، واستولوا/ على جميع سوادهم، وفوضت
شحنكية 51/ ب بغداد إلى بهروز، ووزر للمستظهر أبو منصور الحسين بن
الوزير أبى شجاع.
وفي هذه السنة حج بالناس زنكي بن برسق.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3808- أحمد بن على بن بدران، أبو بكر الحلواني المقرئ الزاهد المعروف
بخالوه:
[1] سمع أبا الطيب الطبري، وأبا محمد الجوهري، والعشاري، وابن النقور،
وقرأ بالقراءات، وحدث، وخرج له الحميدي مشيخة قرئت عليه، وكان من أهل
الخير والدين، وتوفي ليله الأربعاء منتصف جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
3809- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمروس، أبو
العباس [2] المالكي:
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 16، وفيه: «ويعرف بحالوية» وتذكرة
الحفاظ 1241، والكامل 9/ 151) .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1241، وفيه: «أحمد بن محمد بن عروس»
) .
(17/133)
أحد الفقهاء المالكية، ولد في سنة ثلاث
عشرة وأربعمائة، وكانت له إجازة من أبى على ابن شاذان، وكان صدوقا
متيقظا صالحا.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وصلى عليه شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي
البزاز.
3810- إِسْمَاعِيل بن أحمد بن الحسين بن على بن موسى، أبو علي بن بكر
[1] البيهقي:
ولد سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ووالده العالم المعروف صاحب التصانيف،
وسمع هو من أبيه، وأبى الحسن عبد الغافر، وأبى عثمان الصابوني، وسافر
الكثير، وسكن خوارزم قريبا من عشرين سنة، ودرس بها ثم مضى إلى بلخ،
فأقام بها مدة، وورد بغداد وحدث بها، وورد نيسابور في هذه السنة
[فسمعوا منه، ثم خرج إلى بيهق.
فتوفي بها في هذه السنة] [2] وكان فاضلا مرضى الطريقة.
52/ أ
3811- شجاع بن أبي شجاع، فارس/ بن الحسين [بن فارس بن الحسين] [3] بن
غريب بن زنجويه بن بشير بن عبد الله بن المنخل بن شريك بن محكان بن ثور
بن سلمة بن شعبة بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة
بن صعب بن على بن بكير بن وائل بن قاسط هيت بن قصي [4] بن دعمى بن
جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، أبو غالب الذهلي [5]
الحافظ:
ولد في رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة، وسمع أباه، وأبا القاسم الأزجى،
وأبا الحسن بن المهتدى، والجوهري، والبرمكي، والتنوخي، وأبا طالب ابن
غيلان، والعشاري، وغيرهم. وكتب الكثير، وكان ثقة مأمونا ثبتا فهما،
وكان يورق للناس.
__________
[1] انظر ترجمته في: (تاريخ نيسابور 341، وفيه: «أبو علي الخسروجردي» ،
والبداية والنهاية 176.
والكامل 9/ 151) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «ابن قاسط بن هنب بن أفصى» .
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 16، والبداية والنهاية 12/ 176،
وتذكرة الحفاظ 1240، والكامل 9/ 151) .
(17/134)
قال شيخنا عبد الوهاب: دخلت عليه، فقال:
توبني، قلت: من إيش؟ قال: قد كتبت شعر ابن الحجاج سبع مرات، وأنا أريد
أتوب.
وكان مفيد أهل بغداد والمرجوع إليه في معرفة الشيوخ، وشرع في تتمة
تاريخ بغداد، ثم غسل ذلك قبل موته بعد أن أرخ بعد الخطيب، وتوفي في
عشية الأربعاء ثاني جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب قريبا من ابن
سمعون.
3812- علي بن محمد بن علي، أبو منصور [1] الأنباري:
سمع الحديث من ابن غيلان، ولجوهري، وأبى يعلى بن الفراء، وتفقه عليه.
وأفتى ووعظ بجامع القصر، وجامع المنصور، وجامع المهدى، وشهد عند أبى
عبد الله الدامغاني، وولى قضاء باب الطاق.
وتوفي في جمادى الآخرة [من هذه السنة] . [2]
3813- محمد الأبيوردي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن
الحسن بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عتبة بن عنبسة بن أبي
سفيان صخر بن حرب، أبو المظفر/ بن أبي العباس:
[3] كانت له معرفة حسنة باللغة والنسب، سمع إِسْمَاعِيل بن مسعدة، وأبا
بكر بن خلف، وأبا محمد السمرقندي، وأبا الفضل بن خيرون وغيرهم، وصنف
«تاريخ أبيورد» و «المختلف والمؤتلف في أنساب العرب» وغير ذلك، وكان له
الشعر الرائق غير أنه كان فيه تية وكبر زائد يخرج [4] صاحبه إلى
الحماقة، فكان إذا صلى يقول: اللَّهمّ ملكني مشارق الأرض ومغاربها.
وكتب مرة إلى الخليفة قصة وكتب على رأسها الخادم المعاوي يعنى معاوية
بن محمد بن عثمان لا معاوية بن أبي سفيان، فكره الخليفة النسبة إلى
معاوية فأمر بكشط الميم ورد القصة [5] فبقيت الخادم العاوي.
__________
[1] الأنباري: نسبة إلى الأنبار، وهي بلدة قديمة على الفرات بينها وبين
بغداد عشرة فراسخ.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 176، وتذكرة الحفاظ 1241،
وشذرات الذهب 4/ 18) .
[4] في الأصل: «وكان فيه نية وعجب زائد يخرج» .
[5] في ص، ط: «فرد البقية» .
(17/135)
قال أحمد بن سعد العجلى: كان السلطان نازلا
على باب همذان، فرأيت الأديب الأبيوردي راجعا من عندهم، فقلت له: من
أين؟ فانشأ يقول ارتجالا. [1]
ركبت طرفي فأذرى دمعه أسفا ... عند انصرافي منهم مضمر الياس
وقال حتّى م تؤذيني فإن سنحت ... حوائج لك فاركبني إلى الباس
ومن شعره:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني ... أعز وأحداث الزمان تهون
فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وبت أريه الصبر كيف يكون
توفي الأبيوردي بأصبهان في هذه السنة.
3814- محمد بن الحسن بن وهبان، أبو المكارم الشيباني:
[2] حدث عن الجوهري، والماوردي، وأبي الطيب الطبري، إلا أن علماء النقل
طعنوا فيه، وكان السبب أنه سمع لنفسه من ابن غيلان في سنة خمسين
وأربعمائة.
وابن غيلان توفي سنة أربعين، ومات يوم الأربعاء رابع عشر صفر، ودفن
برباطه بالمقتدية.
53/ أ
3815- محمد بن طاهر بن علي بن أحمد/ أبو الفضل المقدسي [3] الحافظ.
ولد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وأول ما سمع وكتب في سنة ستين، وسافر
وكتب الكثير، وكان له حفظ الحديث ومعرفة به، وصنف فيه إلا أنه صنف
كتابا سماه «صفوة التصوف» يضحك منه من يراه ويعجب من استشهاده على
مذاهب الصوفية بالأحاديث التي لا تناسب ما يحتج له من نصرة الصوفية،
وكان داودي المذهب، فمن أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث ومعرفته به وإلا
فالجرح أولى به، ذكره أبو سعد ابن
__________
[1] في الأصل: «فأنشأ فقال ارتجالا» .
[2] الشيبانيّ: نسبة إلى شيبان، وهي قبيلة معروفة في بكر بن وائل، وهو
شيبان بن ذهل بن ثعلبة.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 176، 177، وتذكرة الحفاظ
1241، 1242، وشذرات الذهب 4/ 18) .
(17/136)
السمعاني وانتصر له بغير حجة بعد أن قال:
سألت شيخنا إِسْمَاعِيل بن أحمد الطلحي الحافظ عن محمد بن طاهر فأساء
الثناء عليه، وكان سيّئ الرأي فيه.
قال: وسمعت أبا الفضل ابن ناصر يقول محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف
كتابا في جواز النظر إلى المرد، وأورد فيه حكاية عن يحيى بن معين،
[قال] [1] : رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها فقيل له تصلى عليها؟
فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح [2] ثم قال: كان يذهب مذهب الإباحة.
قال ابن السمعاني: وذكره أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد
الدقاق الحافظ فأساء الثناء عليه جدا، إلى أشياء ثم انتصر له السمعاني،
فقال: لعله قد تاب.
فوا عجبا ممن سيره قبيحة فيترك الذم لصاحبها لجواز أن يكون قد تاب، فما
أبله هذا المنتصر، ويدل على صحة ما قاله ابن ناصر من أنه كان يذهب مذهب
الإباحة.
ما أنبأنا به أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال أنشدنا أبو
الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه:
دع التصوف والزهد الذي اشتغلت ... به جوارح أقوام من الناس
/ وعج على دير داريا فإن به ... الرهبان ما بين قسّيس وشماس 53/ ب
فاشرب معتقة من كف كافرة ... تسقيك خمرين من لحظ ومن طاس
ثم استمع رنة الأوتار من رشأ ... مهفهف طرفة أمضى من الماس
غنى بشعر امرئ في الناس مشتهر ... مدون عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بذكراكم يروحني ... لكنت محترقا من حر أنفاسي
قال المصنف رحمه الله: فالعجب من ابن السمعاني قد روى عنه هذه القصيدة،
وطعن الأكابر فيه ثم رد ذلك بلا شيء.
توفي محمد بن طاهر في ربيع [الأول] [3] من هذه السنة، ودفن بمقبرة
العقبة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص: «صلى الله عليها وكان على مليح» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(17/137)
بالجانب الغربي عند رباط البسطامي، ولما
احتضر جعل يردد هذا البيت.
وما كنتم تعرفون الجفا ... فممن ترى قد تعلمتم
3816- محمد بن عبد الواحد بن الحسن، أبو غالب القزاز، ويعرف بابن زريق:
[1] سمع أبا إسحاق البرمكي، والقزويني، والعشاري، والجوهري، وقرأ
القرآن بالقراءات على ابن شيطا وغيره. وكان ثقة، توفي ليلة الخميس خامس
شوال.
3817- محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر، أبو بكر الشاشي [2] الفقيه:
ولد في محرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا يعلى بن الفراء، وأبا
بكر الخطيب، وأبا إسحاق الشيرازي، وكان معيد درسه، وقرأ على أبي نصر بن
الصباغ كتابه «الشامل» ، وصنف ودرس في النظامية، ثم عزل، وكان ينشد:
تعلم يا فتى والعود رطب ... وطينك لين والطبع قابل
فحسبك يا فتى شرفا وفخرا ... سكوت الحاضرين وأنت قائل
54/ أروى عنه أشياخنا، وكان أشعريا توفي في سحرة يوم السبت/ سادس عشر
شوال، ودفن عند أبى إسحاق بباب أبرز.
3818- محمد بن مكي بن عمر بن محمد، أبو بكر، المعروف بابن دوست:
[3] ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع العشاري، والجوهري. وأبا بكر
بن بشران، وكان سماعه صحيحا. روى عنه [4] أشياخنا.
وتوفي يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول، ودفن بمقبرة غلام الحلال بباب
الأزج.
3819- المؤتمن بن أحمد بن على بن الحسن بن عبيد الله، أبو نصر الساجي
المقدسي:
[5]
__________
[1] في ت: «ويعرف بابن رزيق» .
[2] انظر ترجمته في: «البداية والنهاية 12/ 177، 178، وشذرات الذهب 4/
16) .
[3] ويعرف بابن دوست» .
[4] إلى هنا آخر السقط من نسخة ترخانة (ت) الّذي بدأ في أثناء أحداث
سنة 499، وقد نبهنا عليه هناك.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 178، وتذكرة الحفاظ 1241،
1246، شذرات الذهب 4/ 20، والكامل 9/ 152) .
(17/138)
ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وتفقه على
أبي الشيرازي مدة، وسمع من أصحاب المخلص والكتاني، ورحل في طلب الحديث
إلى بيت المقدس، وأصبهان، وخراسان، والجبال، وقرأ على عبد الله
الأنصاري الحديث، وحصل الكثير منه، وكان حافظا عارفا بالحديث معرفة
جيدة خصوصا المتون، وكان حسن القراءة والخط، صحيح النقل، وما زال يسمع
ويستفيد إلى أن مات، كان فيه صلف نفس وقناعة وصبر على الفقر وصدق
وأمانة وورع، حدثنا عنه أشياخنا، وكلهم وصفه بالثقة والورع، وقد طعن
فيه محمد بن طاهر المقدسي، والمقدسي أحق بالطعن، وأين الثريا من الثرى؟
توفي المؤتمن يوم السبت ثامن عشر صفر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3820- هادي بن إِسْمَاعِيل، الحسيني العلوي الأصبهاني:
حدث عن أبي سعيد العيار، وروى عنه شيوخنا، وتوفي بعد عوده من الحج يوم
الخميس العشرين من ربيع الأول، ودفن بمقبرة باب التبن.
3821- محمد بن علي، أبو بكر النوري:
سمع أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسن الملطى في آخرين، وتوفي في سلخ
رجب.
(17/139)
ثم دخلت سنة ثمان
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه وقع في جمادى الأولى حريق عظيم في الريحانيين ومنظرة باب بدر، وهلك
فيه عقار جليل.
قال المصنف: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي البزاز، قال: ورد
إلى بغداد في يوم الخميس سابع عشر رجب من سنة ثمان وخمسمائة كتاب ذكر
فيه: أنه كان في ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة من هذه السنة زلزله
حدثت فوقع منها في مدينة الرها من سورها ثلاثة عشر برجا ووقع بعض سور
حران، ووقعت دور كثيرة على عالم فهلكوا، وأنه خسف بسميساط، وخسف بموضع،
وتساقط في بالس نحو مائة دار، وقلب بنصف القلعة وسلم نصفها.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3822- أحمد بن الحسن بن أحمد، أبو العباس المخلطي الدباس
[1] :
سمع أبا الحسن بن المهتدى [2] ، والقاضي أبا يعلى ابن الفراء، وهو
تلميذه وعليه تفقه، وأبا جعفر ابن المسلمة وغيرهم، وكان صالحا من أهل
القرآن والستر والصيانة والثقة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 22) .
[2] في الأصل: «أبا الحسين بن المهتدي» .
(17/140)
وتوفي في ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى
الآخرة [1] ، ودفن بمقبرة باب حرب.
3823- أحمد بن عبد العزيز بن بعراج، أبو نصر الشيخ الصالح:
سمع أبا محمد الخلال، وأبا الحسن القزويني، والبرمكي وغيرهم. وكان
سماعه صحيحا، وكان كثير التلاوة بالقرآن، وقرأ القراءات على أبى الخطاب
الصوفي.
توفي ليلة الاثنين/ عاشر محرم ودفن بمقبرة باب حرب.
55/ أ
3824- أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أبي الفتح أبو عبد الله [الدلال]
[2] المقرئ:
سمع أبا محمد الخلال، وأبا طالب بن غيلان، وأبا الفجر الطناجيري، وكان
صحيح السماع صالحا ستيرا.
وتوفي يوم السبت ثامن جمادى الأولى، ودفن بمقبرة معروف.
3825- دلال بنت أبي الفضل، محمد بن عبد العزيز بن المهتدي أخت أبى على
بن المهتدى
[3] :
سمعت أباها، وتوفيت في محرم، ودفنت بباب حرب.
3826- علي بن أحمد بن فتحان، أبو الحسن الشهرزوري البقال:
ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وسمع من ابن بشران، وابن المذهب
وغيرهم وحدث وكان شيخًا مستورًا من أهل القرآن [4] .
وتوفي يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى، ودفن بمقبرة باب حرب.
3827- علي بن محمد بن محمد بن جهير، أبو القاسم ويلقب بالزعيم
[5] :
كان في أيام القائم وبعض أيام المقتدى متولى كتابة ديوان الزمام، ووزر
__________
[1] في ص: «الأربعاء ثاني جمادى الأولى» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل- وفي ت: بن أبي الفتح أبو غالب»
.
[3] في ت: «دلال بنت أبي الفضيل» .
[4] «وكان شيخا مستورا من أهل القرآن» . الجملة ساقطة من ص، ط.
[5] في ص: «ويعرف بالزعيم» .
(17/141)
للمستظهر نوبتين فبقى في الوزارة الأولى
ثلاث سنين وخمسة أشهر وأياما، وولي بعده أبو المعالى بن المطلب ثم عزل،
وأعيد الزعيم إلى الوزارة فأقام فيها خمس [1] سنين وخمسة أشهر إلى أن
توفي المستظهر وتدرج في الولايات والمراتب خمسين سنة، وكان معروفا
بالحلم والرزانة وجودة الرأي وحسن التدبير.
وتوفي يوم الاثنين سابع عشرين ربيع الأول.
3828- محمد بن المختار بن المؤيد أبو العز الهاشمي الحنبلي المعروف
بابن الخص
[2] :
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا على بن المذهب، 55/
ب والجوهري، والعشاري/ في آخرين، وكان ثقة أثنى عليه شيخنا محمد بن
ناصر.
وتوفي الاثنين عاشر محرم.
3829- محمد بن أحمد بن محمد، أبو نصر القفال ابن بنت أبي بكر الأكفاني
[3] :
سمع أبا محمد الجوهري، وأبا الحسين بن الآبنوسي، وكان سبب موته أنه وقع
من سطح داره فمات، ودفن بمقابر الشهداء.
__________
[1] في ص: «إلى الوزارة فبقي فيهما خمس» .
[2] هذه الترجمة في ت جاءت بعد الترجمة التالية:
[3] في الأصل، ت: «ابن بنت أبي بكر الأقفالي» .
(17/142)
ثم دخلت سنة تسع
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه تكاملت عمارة الدار التي استجدها بهروز الخادم من الدار السلطانية،
وحمل إليها إعيان الدولة الفروش الحسنة والكسي الرائقة، واستدعى القراء
والفقهاء والقضاة والصوفية فقرءوا فيها القرآن ثلاثة أيام متوالية.
ووقع حريق في قراح أبي الشحم في جمادي الأولى، فهلكت فيه آدر ودكاكين
كثيرة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3830- إِسْمَاعِيل بن محمد بن أحمد بن ملة، أبو عثمان بن أبي سعيد
الأصبهاني
[1] :
سمع الكثير ووعظ، وقدم بغداد فحدث عن أبي بكر بن ريذة، وغيره [2] وأملى
بجامع المنصور ثلاثين مجلسا، وكان مستمليه شيخنا أبو الفضل بن ناصر،
ولم يكن شيخنا أبو الفضل راضيا عنه، وقال: وضع حديثا وأملاه، وكان
يخلط.
توفي بأصبهان في هذه السنة.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179، وفيه: «إسماعيل بن
أحمد بن علي أبو عثمان ... » ، شذرات الذهب 4/ 23، والكامل 9/ 161) .
[2] في الأصل: «أبي بكر بن زبدة وغيره» .
(17/143)
3831- منتخب بن عبد الله، أبو الحسن
الدوامي المستظهري
[1] :
كان رجلا حازما خيرا كثير الصلاح، شهد له بذلك شيخنا أبو الفضل بن
ناصر، 56/ أووقف كتبا على أصحاب الحديث منها مسند الإمام/ أحمد بن
حنبل.
توفي ليلة السبت السابع من ذي الحجة من هذه السنة، وصلى عليه أبو الحسن
ابن الفاعوس، ودفن عند منصور بن عمار بمقبرة أحمد.
3832- هبة الله بن المبارك بن موسى بن علي، أبو البركات السقطي
[2] :
أحد من طلب العلم والحديث [3] رحل في طلب الحديث إلى واسط والبصرة
والكوفة والموصل وأصبهان والجبال، وبالغ في الطلب وتعب في الجمع، وكان
فيه فضل ومعرفة وأنس بالحديث، فجمع الشيوخ وخرج التاريخ وأرخ لكنه أفسد
ذلك بأن ادعى سماعا ممن لم يره منهم أبو محمد الجوهري، فإنه لا يحتمل
سنه السماع منه، وسئل شيخنا ابن ناصر عنه، فقالوا: أثقة هو؟ فقال: لا
والله حدث بواسط عن شيوخ لم يرهم، فظهر كذبه عندهم. روى عنه أبو المعمر
الأنصاري.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وصلى عليه أبو الخطاب الكلواذاني،
ودفن عند قبر منصور بن عمار بمقبرة باب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179، وفيه «منجب بن عبد
الله) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179، وفيه «عبد الله بن
المبارك» ، 4/ 26) .
[3] «طلب العلم والحديث» : ساقطة من ص، ط، ت.
(17/144)
ثم دخلت سنة عشر
وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[وقوع النار في حضائر الحطب]
أنه وقعت النار في حضائر الحطب، ودكاكين الحطب التي على دجلة [1] ،
وأكلت النار الأعواد الكبار وجذوع النخل، وتطاير النار إلى دروب [2]
باب المراتب فأحرق كنائسها، واحترقت الدور التي بدرب السلسلة، والدور
الشارعة على دجلة من جملتها دار نور الهدى أبي [طالب] [3] الحسين بن
محمد الزينبي، ورباط بهروز الذي بناه للصوفية، ودار الكتب التي
بالنظامية إلا ان الكتب سلمت، وحملها الفقهاء إلى مكان يؤمن فيه من/
النار، وهذا الحريق كان بين العشائين.
56/ ب
[إقامة السلطان ببغداد طول السنة]
وأقام السلطان طول السنة [4] ببغداد، وقد كانت عادته المقام بباب همذان
في زمان الصيف، وأجرى النهر البارع من نهر الجبل إليها، ورحل إلى
النهروان وبعث إلى الخليفة [5] بغلة وأربعة أرؤس من خيل، وألف دينار
مغربية مثقبة، وخمسة أمناء كافور، ومثلها مسكا وأربعين ثوبا سقلاطون،
وطلب من الخليفة شيئا من ملبوسه ولواء ومصحفا.
__________
[1] في الأصل: «ودكاكين الحطب الّذي على دجلة» .
[2] في ص: «وتطاير الناس إلى دروب» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «وأقام السلطان أول السنة» .
[5] في ص: «ونفذ إلى الخليفة بغلة» .
(17/145)
وفي جمادي الأولى من هذه السنة: رتب القاضي
أبو العباس الرطبي على باب النوبي إلى جانب حاجب الباب، وخلع عليه بعد
ذلك خلعة جميلة.
وفيها: دخل أمير الجيوش إلى مكة قاهرا لأميرها مذلا له، قال ابن عقيل:
فحكى لي أمير الجيوش أنه دخل إلى مكة بخفق البنود وضرب الكوسات ليذل
السودان وأميرهم، قال: وحكاه لي متبجحا بذلك ذاهلا عن حرمة المكان
فسمعته منه متعجبا وشهد قلبي أنه آخر أمره لتعاظم الكعبة عندي، وقلت:
لما رجعت إلى بيتي أنظر إلى جهل هذا الحبشي ولم ينبهه أحد ممن كان معه
من عالم بالشرع أو بالسير، وذكرت قوله خلأت القصواء، فَقَالَ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ،
فَلَمَّا أَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا أُطْلِقَتُ نَاقَتُهُ، وَقَدْ
صِينَ الْمَسْجِدُ عَنْ إِنْشَادِ ضَالَّةٍ حَتَّى قِيلَ لِطَالِبِهَا
لا وَجَدْتَ، فَكَيْفَ بِحَبَشِيٍّ يَجِيءُ بِدَبَادِبِهِ مُعَظِّمًا
لِنَفْسِهِ. فَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا، وَأَعْقَبَهُ اللَّه
[سُبْحَانَهُ] [1] النَّكَالَ وَالاسْتِئْصَالَ.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3833-/ إبراهيم بن أحمد، أبو الفضل الخرمي:
سمع أبا محمد الصريفيني [2] ، وأبا الحسين بن النقور، نزل إلى دجلة
ليتوضأ فلحقه شبه الدوار [3] فوقع في الماء فأخرج فحمل إلى بيته فمات.
قال شيخنا ابن ناصر: كان رجلا صالحا مستورا كثير تلاوة القرآن، محافظا
على الجماعات، وحضرت غسله فرأيت النور عليه، فقبلت بين عينيه.
وتوفي في ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب
حرب.
3834- أحمد بن قريش بن حسين، أبو العباس
[4] :
سمع أبا طالب بن غيلان، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا محمد الجوهري وأبا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] «المخرمي» : ساقطة من ص.
[3] في ص: «أبا محمد الصيرفي» .
[4] في الأصل: «أحمد بن حسين بن قراش» . وفي ت: «أحمد بن الحسين بن
قريش» .
(17/146)
الحسن القزويني، وغيرهما. وكان صحيح
السماع، حدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي يوم الأحد حادي عشر رجب، ودفن بباب حرب.
3835- أحمد بك الأمير
[1] :
كان إقطاعه في كل سنة أربعمائة ألف دينار، وجنده خمسة آلاف فارس، جاءه
رجل ومعه قصة وهو يبكي وينتحب ويشكو الظلم، فسأله أن يوصل قصته إلى
السلطان فتناولها منه، فضربه بسكين كانت معه فوثب عليه الأمير فتركه
تحته، فجاء آخر فضرب الأمير بسكين فقطعه قطعا، فجاء ثالث فتمم الأمير.
3836- جاولي:
صاحب فارس، كانت له فيها حروب مع الكرمانية، وكان رجل الترك ورأسا
فيهم.
3837- عبد الله بن يحيى بن محمد بن بهلول، أبو محمد السرقسطي الأندلسي:
من أهل سرقسطة من بلاد الأندلس، كان فقيها فاضلا لطيف الطبع مليح
الشعر، ورد بغداد في حدود هذه السنة، ومن شعره:
/ ومهفهف يختال في أبراده ... مرح القضيب اللدن تحت البارح
أبصرت في مرآة فكري خده ... فحكيت فعل جفونه بجوارحي
ما كنت أحسب أن فعل توهمي ... يقوى تعديه فيجرح جارحي
لا غرو أن جرح التوهم خده ... فالسحر يعمل في البعيد النازح
3838- علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن بيان أبو القاسم الوزان
[2] :
ولد في ليله الاثنين ثالث عشر صفر سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وسمع أبا
الحسن بن مخلد، وهو آخر من حدث عنه، وحدث عنه بجزء الحسن بن عرفة، وهو
آخر من حدث بهذا الجزء، فألحق الصغار بالكبار، فكان يأخذ عنه دينارا من
كل واحد،
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل، وفيه: «أحمد يل» ) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180، وفيه: «علي بن أحمد بن
محمد بن الرزاز» ، وتذكرة الحفاظ 1261، وفيه: «أبو القاسم الرزاز» ،
وشذرات الذهب 4/ 27، والكامل 9/ 166) .
(17/147)
وسمع أبا القاسم بن بشران، وهو آخر من حدث
عنه، وسمع خلقا كثيرا.
وتوفي ليلة الأربعاء سادس شعبان، ودفن بمقبرة باب حرب.
3839- عقيل بن على بن عقيل بن محمد بن عقيل، أبو الحسن ابن الإمام أبي
الوفاء
[1] :
ولد ليلة إحدى وعشرين من رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وتفقه،
وكان له فهم وحفظ حسن، سمع الحديث، وشهد عند قاضي القضاة محمد بن على
الدامغاني، وتوفي في منتصف المحرم عن سبع وعشرين سنة، ودفن في داره
بالظفرية، ثم نقل لما توفي أبوه فدفن في دكة أحمد بن حنبل.
وظهر من أبيه صبر جميل، دخل عليه بعض أصحابه وهو جالس يروحه بعد موته
[2] فكأنه أحس من الداخل بإنكار ذلك، فقال له: انها جثة على كريمة فما
دامت بين يدى لم يطب قلبي إلا بتعاهدها [3] ، فإذا غابت فهي في استرعاة
من هو لها خير مني.
58/ أوقال: / لولا أن القلوب توقن باجتماع يا بني لتفطرت المرائر لفراق
الأحباب.
قال المصنف: ونقلت من خطه قال: لما أصبت بولدي عقيل خرجت إلى المسجد
إكراما لمن قصدني من الناس والصدور فجعل قارئ يقرأ: يا أَيُّهَا
الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً 12: 78 [4] فبكى الناس
وضج الموضع بالبكاء، فقلت له: يا هذا إن كان قصدك بهذا تقبيح الأحزان
فهو نياحة بالقرآن، وما نزل القرآن للنوح، إنما نزل ليسكن الأحزان،
فأمسك.
ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل، قال: ثكلت ولدين نجيبين أحدهما حفظ
القرآن وتفقه مات دون البلوغ- يشير إلى ولده أبى منصور وقد ذكرنا وفاته
في سنة ثمان وثمانين- والآخر مات وقد حفظ كتاب الله وخط خطا حسنا يشار
إليه، وتفقه وناظر في الأصول والفروع، وشهد مجلس الحكم، وحضر الموكب
وجمع أخلاقا حسنة ودماثة
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 179) .
[2] «بعد موته» : ساقطة من ص، ط.
[3] في الأصل: «بين يدي لم أزل تعاهدها» .
[4] سورة: يوسف، الآية: 78.
(17/148)
وأدبا، وقال شعرا جيدا- يشير إلى عقيل هذا-
قال: فتعزيت بقصة عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله على عليه السلام،
فقالت أمه ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يقاد به ... من كان يدعى أبوه بيضة البلد
[1] فقلت سبحان الله:
كذبت وبيت الله لو كنت صادقا ... لما سبقتني بالعزاء النساء
كما قال الشاعر:
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم
[2] وذاك أن أم عمرو كانت يسليها ويعزيها جلالة القاتل والافتخار بأن
ابنها مقتوله فهلا نظرت إلى قاتل ولدي وهو الأبدي/ الحكيم المالك
الأعيان المربى [بأنواع] [3] 58/ ب الدلال [4] ، فهان القتيل والمقتول
بجلاله القاتل، وقتله إحياء في المعنى إذ كان إماتهما على أحسن خاتمة،
الأول لم يجر عليه قلم والآخر وفقه للخير وختم له بلوائح وشواهد دلت
على الخير.
قال ابن عقيل: وسألني رجل فقال: هل للطف من علامة؟ فقلت: أخبرك بها عن
ذوق، كانت عادتي التنعم فلما فقدت ولدي تبدلت خشن العيش. ونفسي راضية.
3840- محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار، أبو بكر بن [أبي] [4]
المظفر السمعاني
[5] :
من أهل مرو، ولد سنة ست وستين وأربعمائة، سمع الحديث من أبيه وجماعة،
__________
[1] المشهور أنها أخته.
[2] في الأصل: «لو كنت عاشقا لما سبقتني بالنساء الحمائم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180، وتذكرة الحفاظ 1266،
وشذرات الذهب 4/ 29، والكامل 9/ 166) .
(17/149)
ثم رحل إلى نيسابور، فسمع بها وبالري
وهمذان وبغداد والكوفة ومكة، وروى الحديث وورد بغداد ووعظ في النظامية،
وخرج إلى أصبهان، فسمع بها وعاد إلى مرو، وأملى بها مائة وأربعين مجلسا
في جامعها، وقد رأيت من إملائه فإنه لم يقصر، وكان علامة في الحديث
والفقه [1] والأدب والوعظ، وطلب يوما للقراء في مجلس وعظه فأعطوه ألف
دينار، قال شعرا كثيرا ثم غسله فلم يبق منه إلا القليل، وكتبت إليه
رقعة فيها أبيات شعر، فكتب الجواب، وقال: فأما الأبيات فقد أسلم شيطان
شعري.
وأدركته المنية وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وأشهر، وتوفي في صفر هذه
السنة، ودفن عند قبر أبيه بمرو.
3841- محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله ابن البناء، أبو نصر بن أبي
علي
[2] :
سمع الجوهري وغيره، وكان له علم ومعرفة، وخلف أباه في حلقته بجامعي
القصر والمنصور، وكان سماعه صحيحا، وكان ثقة/.
59/ أوتوفي ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول، ودفن بمقبرة باب حرب.
3842- محمد بن علي بن محمد، أبو بكر النسوي
[3] :
سمع وحدث، وكان تزكية الشهود إليه بنسا، وكان فقيها على مذهب الشافعي
دينا. وتوفي ببلده في هذه السنة.
3843- محمد بن علي الأصبهاني، أبو المكارم القصار، يعرف بمكرم:
سمع من الجوهري، والقزويني، وابن لؤلؤ، وحدث عنهم.
وتوفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب، ودفن في داره بالمقتدية.
3844- محمد بن علي بن ميمون بن محمد، أبو الغنائم النرسي ويعرف بأبي
الكوفي [4] : لأنه كان جيد القراءة في زمان الصبوة فلقبوه بأبيّ.
__________
[1] في ص: «عالما بالحديث» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 28) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180) .
[4] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1260، وشذرات الذهب 4/ 29) .
(17/150)
ولد في شوال سنة أربع وعشرين، وسمع الكثير
وأول سماعه سنة سبع وثلاثين [1] ، وكتب وسافر ولقي أبا عبد الله
العلويّ العلامة، وهو مُحَمَّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي
[2] . وكان هذا العلوي يعرف الحديث، وكان صالحا، سمع ببيت المقدس وحلب
ودمشق والرملة، ثم قدم بغداد فسمع البرمكي، والجوهري، والتنوخي،
والطبري، والعشاري، وغيرهم. وكان يورق للناس بالأجرة، وقرأ القرآن
بالقراءات، واقرأ، وصنف، وكان ذا فهم ثقه، ختم به علم الحديث ببلده.
أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي، قال: سمعت أبا الغنائم ابن النرسي
يقول: ما بالكوفة أحد من أهل السنة والحديث إلا أبيا، وكان يقول: توفي
بالكوفة ثلاثمائة وثلاثة عشر/ رجلا من الصحابة لا يتبين قبر أحد منهم
إلا قبر علي عليه السلام، وقال: جاء 59/ ب جعفر بن محمد، ومحمد بن علي
بن الحسين فزارا الموضع من قبر أمير المؤمنين علي، ولم يكن إذ ذاك
القبر، وما كان إلا الأرض حتى جاء محمد بن زيد الداعي وأظهر القبر.
وقال شيخنا ابن ناصر: ما رأيت مثل أبي الغنائم في ثقته وحفظه، وكان
يعرف حديثه بحيث لا يمكن أحدا أن يدخل في حديثه ما ليس منه، وكان من
قوام الليل.
ومرض ببغداد وانحدر فأدركه أجله بحلة ابن مزيد يوم السبت سادس عشر
شعبان، فحمل إلى الكوفة.
3845- محمد بن أحمد بن طاهر بن منصور [يعرف بخازن دار الكتب القديمة
[3] .
ومن ساكني درب المنصور [4]] بالكرخ، سمع ابن غيلان، والتنوخي، وغيرهما.
__________
[1] في ص: «سنة سبع وثمانين» .
[2] «العلامة، وهو مُحَمَّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلويّ» :
العبارة ساقطة من ص، ط.
[3] في ت: «محمد بن أحمد بن عامر بن أحمد، أبو منصور الخازن بدار الكتب
النظامية من ساكني درب منصور» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(17/151)
وكان سماعه صحيحا، روى عنه أشياخنا إلا أنه
كان يذهب مذهب الإمامية، وهو فقيه في مذهبهم ومفتيهم كذلك.
قال شيخنا ابن ناصر: وتوفي يوم السبت ثالث عشر شعبان، ودفن بمقابر
قريش.
3846- محمد بن أبي الفرج، أبو عبد الله المالكي المعروف بالزكي المغربي
[1] :
من أهل صقلية، كان عارفا بالنحو واللغة، وورد العراق، وخرج إلى خراسان
فجال فيها، ثم خرج إلى غزنة وبلاد الهند، ومات بأصبهان، وجرت بينه وبين
جماعة من الأئمة مخاصمات آلت أن طعن فيهم، وكان يقول: الغزالي ملحد،
وإذا ذكره قال:
الغزالي المجوسي.
3847- المبارك بن الحسين بن أحمد، أبو الخير الغسال المقرئ سبط الخواص
[2] :
ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وسمع أبا الحسن ابن المهتدي، وأبا محمد
60/ أالخلال، وأبا جعفر ابن المسلمة، / وأبا يعلى بن الفراء وخلقا
كثيرا، وقرأ [القرآن] [3] بالقراءات وأقرأ وحدث كثيرا، وكان ثقة.
وتوفي في غرة جمادي الأولى [4] ، ودفن بباب حرب.
3848- المبارك بن محمد، أبو الفضل بن أبي طالب الهمذاني المؤدب
[5] :
سمع القاضي أبا يعلى، وأبا جعفر ابن المسلمة. وكان من أهل السنة. قال
شيخنا ابن ناصر: كان ثقة [6] . وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الآخر.
3849- محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أبو الخطاب
[7] :
ولد في شوال سنة اثنتين وثلاثين واربعمائة، وسمع أبا محمد الجوهري،
__________
[1] في المطبوعة: «محمد بن أبي الفوج» .
[2] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1261، وشذرات الذهب 4/ 27) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ط: «وتوفي في عشر جمادى الأولى» .
[5] في ت: «ابن محمد بن الفضل» .
[6] في ص، ط: «وكان شيخنا ابن ناصر يثني عليه.
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 180، وتذكرة الحفاظ 1261،
وشذرات الذهب 4/ 27، والكامل 9/ 166) .
(17/152)
والعشاري، وابن المسلمة، والقاضي أيا يعلى،
وتفقه عليه وقرأ الفرائض [على الونى] [1] ، وصنف وانتفع بتصنيفه، وحدث
وأفتى ودرس، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني، وكان ثقة
ثبتا غزير الفضل والعقل، وله شعر مطبوع، حدثنا عنه أشياخنا.
أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ، قَالَ أنشدنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد
لنفسه:
دع عنك تذكار الخليط المنجد ... والشوق نحو الآنسات الخرد
والنوح في أطلال سعدى إنما ... تذكار سعدى شغل من لم يسعد
واسمع مقالي إن أردت تخلصا ... يوم الحساب وخذ بهديي تهتد
واقصد فإني قد قصدت موفقا ... نهج ابن حنبل الإمام الأوحد
[خير البرية بعد صحب محمد ... والتابعين إمام كل موحد] [2]
/ ذي العلم والرأي الأصيل ومن حوى ... شرفا علا فوق السها والفرقد 60/
ب
واعلم بأني قد نظمت مسائلا ... لم آل فيها النصح غير مقلد
وأجبت عن تسآل كل مهذب ... ذي صولة عند الجدال مسود
هجر الرقاد وبات ساهر ليله ... ذي همة لا يستلذ بمرقد
قوم طعامهم دراسة علمهم ... يتسابقون إلى العلا والسؤدد
قالوا بما عرف المكلف ربه؟ ... فأجبت بالنظر الصحيح المرشد
قالوا فهل رب الخلائق واحد؟ ... قلت الكمال لربنا المتفرد
قالوا فهل للَّه عندك مشبه؟ ... قلت المشبه في الجحيم الموصد
قالوا فهل تصف الإله؟ أبن لنا ... قلت الصفات لذي الجلال السّرمد
قالوا فهل تلك الصفات قديمة ... كالذات؟ قلت كذاك لم تتجدد
/ قالوا فأنت تراه جسما مثلنا [3] ؟ ... قلت المجسم عندنا كالملحد 61/
أ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «تراه جسما مثلنا» .
(17/153)
قالوا فهل هو في الأماكن كلها؟ ... فأجبت
بل في العلو مذهب أحمد
قالوا أتزعم أن على العرش استوى؟ ... قلت الصواب كذاك أخبر سيدي
قالوا فما معنى استواه؟ أبن لنا ... فأجبتهم هذا سؤال المعتدي
قالوا النزول؟ فقلت ناقلة له ... قوم تمسكهم بشرع محمد
قالوا فكيف نزوله؟ فأجبتهم ... لم ينقل التكييف لي في مسند
قالوا فينظر بالعيون؟ أبن لنا ... فأجبت رؤيته لمن هو مهتدي
[قالوا فهل للَّه علم؟ قلت ما ... من عالم إلا بعلم مرتدي] [1]
قالوا فيوصف أنه متكلم؟ ... قلت السكوت نقيصة المتوحد
قالوا فما القرآن؟ قلت كلامه ... من غير ما حدث وغير تجدد
قالوا الذي نتلوه؟ قلت كلامه ... لا ريب فيه عند كل مسدد
قالوا فأفعال العباد؟ فقلت ما ... من خالق غير الإله الأمجد
قالوا فهل فعل القبيح مراده؟ ... قلت الإرادة كلها للسيد
لو لم يرده لكان ذاك نقيصة ... سبحانه عن أن يعجز في الردي
قالوا فما الإيمان؟ قلت مجاوبا ... عمل وتصديق بغير تبلد
قالوا فمن بعد النبي خليفة؟ ... قلت الموحد قبل كل موحد
حاميه في يوم العريش ومن له ... في الغار مسعد يا له من مسعد
خير الصحابة والقرابة كلهم ... ذاك المؤيد قبل كل مؤيد
61/ ب/ قالوا فمن صديق أحمد؟ قلت من ... تصديقه بين الورى لم يجحد
قالوا فمن تالي أبي بكر الرضا؟ ... قلت الإمارة في الإمام الأزهد
فاروق أحمد والمهذب بعده ... نصر الشريعة باللسان وباليد
قالوا فثالثهم؟ فقلت مسارعا ... من بايع المختار عنه باليد
صهر النبي على ابنتيه ومن حوى ... فضلين فضل تلاوة وتهجد
أعني ابن عفان الشهيد ومن دعى ... في الناس ذا النورين صهر محمد
قالوا فرابعهم؟ فقلت مبادرا ... من جاز دونهم أخوة أحمد
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(17/154)
زوج البتول وخير من وطئ الحصى ... بعد
الثلاثة والكريم المحتد
أعني أبا الحسن الإمام ومن له ... بين الأنام فضائل لم تجحد
ولعم سيدنا النبي مناقب ... لو عددت لم تنحصر بتعدد
أعني أبا الفضل الذي استسقى به ... عمر أوان الجدب بين الشهد
ذاك الهمام أبو الخلائف كلهم ... نسقا إلى المستظهر بن المقتدي
صلى الإله عليه ما هبت صبا ... وعلى بنيه الراكعين السجد
وأدام دولتهم علينا سرمدا ... ما حن في الأسحار كل مغرد
قالوا أبان الكلوذاني الهدى ... قلت الذي فوق السماء مؤيدي
وله [أيضا] [1] :
ومذ كنت من أصحاب أحمد لم أزل ... أناضل عن أعراضهم وأحامي
وما صدني عن نصرة الحق مطمع ... ولا كنت زنديقا حليف خصام
/ ولا خير في دنيا تنال بذلة ... ولا في حياة أولعت بسقام 62/ أ
ومن جانب الأطماع عز وإنما ... مذلته تطلابه لحطام
توفي أبو الخطاب ليله الخميس الرابع والعشرين من جمادي الآخرة من هذه
السنة، وصلى عليه بجامع القصر، وكان المتقدم في الصلاة عليه أبو الحسن
بن فاعوس، ثم حمل إلى جامع المنصور فصلى عليه ثم [دفن] [2] إلى جانب
أبى محمد التميمي في دكة أحمد بن حنبل.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
(17/155)
|