المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة احدى عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[زلزلة الأرض ببغداد يوم عرفة]
أنه زلزلت الأرض ببغداد يوم عرفة، وكانت الستور والحيطان تمر وتجيء، ووقعت دور ودكاكين في الجانب الغربي، فلما كان بعد أيام وصل الخبر بموت السلطان محمد بن ملك شاه.
قال شيخنا أبو الفضل [بن ناصر:] [1] كانت هذه الزلزلة وقعت الضحى وكنت في المسجد الذي على باب درب الدواب قاعدا في السطح مستندا إلى سترة تلى الطريق، فتحركت السترة حتى خرجت من الحائط مرتين، قال: وبلغني أن دكاكين وقعت بالجانب الغربي في القرية، ثم كان عقيبها موت السلطان محمد، موت المستظهر، ثم ما جرى من الحروب والفتن للمسترشد باللَّه مع دبيس بن مزيد، وغلا السعر حتى بلغ الكر ثلاثمائة دينار ولم يوجد، ومات الناس جوعا وأكلوا الكلاب والسنانير.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3850-/ أحمد القزويني
[2] :
[كان] [3] من الأولياء المحدثين، توفي في رمضان هذه السنة فشهده أمم لا تحصى، وقبره ظاهر يتبرك به في الطريق إلى معروف الكرخي.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل، ت: «العريني» وفي الكامل: العربيّ» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/156)


3851- الحسن بن أحمد [1] بن جعفر، أبو عبد الله الشقاق الفرضي الحاسب، صاحب أبى حكيم الطبري
[2] :
سمع أبا الحسين ابن المهتدى [3] وغيره، وتوحد في علم الحساب والفرائض.
وتوفي يوم الاثنين حادى عشرين ذي الحجة.
3852- الحسين بن الحسن، أبو القاسم القصار:
سمع الجوهري، وأبا يعلى ابن الفراء، وأبا الحسين بن المهتدى [4] ، وكان سماعه صحيحا، وتوفي في رجب.
3853- عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف
[5] :
سمع ابن المذهب، والبرمكي وغيرهما. وكان ثقة. حدثنا عنه أشياخنا، وتوفي ليلة الأحد عاشر شوال فجأه وقت صلاة المغرب، ودفن بمقبرة باب حرب في تربة أبى الحسين السوسنجردي [6] .
3854- علي بن أحمد ابن أبي منصور المطوعي الطبري، أبو الحسن:
سمع أبا جعفر، وحدث عنه.
وتوفي يوم الثلاثاء ثالث [7] جمادى الآخرة ودفن بباب أبرز.
3855- علي بن أحمد، أبو الحسن الطبري:
سمع من ابن غيلان وغيره، وكان مستورا، وكان سماعة صحيحا.
وتوفي في ذي القعدة، وبعضهم يقول: إنما توفي سنة اثنتي عشرة.
__________
[1] في ت: «الحسين بن أحمد» .
[2] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 171) .
[3] في الأصل: «أبا الحسين ابن المهتدى» .
[4] «وغيره، وتوحد في علم الحساب ... وأبا الحسين بن المهتدي» . ساقطة من ت، وكتب على هامشها.
[5] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1251، وشذرات الذهب 4/ 31) .
[6] في الأصل: «تربة أبي الحسن السوسنجري» .
[7] في ص: مكان «ثالث» بياض.

(17/157)


3856- لؤلؤ الخادم صاحب حلب
[1] فتك به قوم من الأتراك كانوا في جملته، وهو متوجه إلى قلعة جعبر.
3857- محمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان، أبو علي الكاتب
[2] :
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسين بن الصابي جده لأمه، وأبا علي بن دوما، وبشرى، وهو آخر من حدث عنهم، وانتهى إليه الإسناد حدثنا عنه أشياخنا [3] .
63/ أقال شيخنا ابن ناصر: إلا أنه تغير قبل موته بسنتين/ وبقى مطروحا على فراشه لا يعقل، فمن سمع منه في تسع وعشر [4] فسماعه باطل، وكان يتهم بالرفض.
توفي ليلة الأحد سابع شوال، ودفن في داره بالكرخ.
قال شيخنا أبو الفضل: سمعته يقول مولدي سنة إحدى عشرة واربعمائة، ثم سمعته [مرة أخرى] [5] يقول مولدي سنة خمس عشر وأربع مائة فقلت له في ذلك، فقال:
أردت أن أدفع عنى العين لأجل علو السن، وإلا فمولدي سنة إحدى عشرة، فبلغ مائة سنة.
أنبأنا شيخنا أبو الفضل بن ناصر، قال: أنشدنا أبو على بن نبهان لنفسه في قصيدة:
لي أجل قدره خالقي ... نعم ورزق أتوفاه
حتى إذا استوفيت منه الذي ... قدر لي لم أتعداه
قال حرام كنت ألقاه ... في مجلس قد كنت أغشاه
صار ابن نبهان إلى ربه ... يرحمنا الله وإياه
__________
[1] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 170) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 181، وفيه: «محمد بن سعد بن نبهان» ، وتذكرة الحفاظ 1252، والكامل 9/ 171) .
[3] في ص، ط: «حدث عنه أشياخنا» .
[4] في ص، ط: فمن سمعه في تسع وعشر» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/158)


3858- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ [1] بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن محمد بن أحمد، أبو بكر الخطيب السجزي ثم البلخي:
ولى الخطابة ببلخ، وسمع من أبيه وغيره، وسمع بأصبهان من أحمد وغيره [2] ، وبنيسابور من أبى الفتح الطوسي، وبالعراق من عاصم وغيره، وكان فقيها فاضلا.
وتوفي في هذه السنة.
3859- محمد بن على بن أبي طالب [3] بن محمد، أبو الفضل بن أبي الغنائم المعروف بابن زبيبا
[4] :
ولد سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وسمع من القاضي أبى يعلى، والجوهري، وابن المذهب وغيرهم. وكان أبوه من أصحاب القاضي.
قال شيخنا ابن ناصر: لم يكن بحجة، لأنه كان على غير السمت المستقيم.
3860- محمد بن ملك شاه، السلطان
[5] :
توفي بأصبهان في ذي الحجة من هذه السنة، عن سبع وثلاثين سنة، وقام بالسلطنة ابنه محمود، وفرق خزانته في العسكر/ وقيل كانت أحد [6] عشر ألف ألف 63/ ب دينار عينا، وما يناسب ذلك من العروض.
3861- المبارك بن طالب، أبو السعود الحلاوي المقرئ
[7] :
قرأ القرآن على أبى على ابن البناء، وأبي منصور الخياط وغيرهما، وسمع
__________
[1] في ت: «محمد بن عبد الرحمن» .
[2] في المطبوعة: «وسمع بأصبهان من حمد وغيره» .
[3] في ت: «ابن طالب» .
[4] في ط: «ابن أبي القاسم» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 31) .
[5] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 167) .
[6] في ص: «قيل كانت أه عشر ألف» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 182) .

(17/159)


الحديث من الصريفيني وغيره، سمع منه أشياخنا، وكان نقي العرض آمرا بالمعروف، وانتقل من نهر معلى لكثرة المنكر بها، وأقام بالحربية حتى توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3862- يمن بن عبد الله، الجيوشي أبو الخير:
أحد خدم المستظهر باللَّه، كان مهيبا جوادا، حسن التدبير، ذا رأى وفطنه ثاقبة، وارتقت به الأمور العالية حتى فوضت إليه إمارة الحاج، وبعث رسولا إلى السلطان من حضرة أمير المؤمنين مرارا، وسمع أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي بإفادة أبى نصر الأصبهاني، وكان يؤم به في الصلوات، وحدث بأصبهان لما قدمها رسولا.
وتوفي بِهَا فِي ربيع الآخر من هَذِهِ السنة، ودفن هناك، وقد ذكرنا في حوادث السنة المتقدمة عن ابن عقيل في حقه كلاما يتعلق بالحج.

(17/160)


ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[خطب للسلطان محمود بن محمد بن ملك شاه]
أنه خطب للسلطان محمود بن محمد بن ملك شاه أبى القاسم يوم الجمعة ثالث عشرين محرم.
[احتراق سوق الريحانيين]
وفي ربيع الآخر: احترقت سوق الريحانيين وسوق عبدون، وكان حريقا مشهودا وكان من عقد الحديد وعقد حمام السمرقندي إلى باب دار الضرب وخان الدقيق والصيارف.
[وفاة المستظهر باللَّه]
وفي هذا الشهر: توفي المستظهر باللَّه وولى ابنه المسترشد.
باب ذكر خلافة المسترشد باللَّه
/ واسمه الفضل، ويكنى أبا منصور، ومولده ليلة الأربعاء [1] رابع ربيع الأول سنة 64/ أأربع وثمانين وأربعمائة، وقيل: خمس وثمانين، وقيل: ست وثمانين، وسمع الحديث من مؤدبه أبى البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي، ومن أبى القاسم على بن بيان وحدث، قرأ عليه أبو الفرج محمد بن عمر ابن الأهوازي وهو سائر في موكبه إلى الحلبة
__________
[1] في ص، ط: «ومولده يوم الأربعاء» .

(17/161)


فسمع ذلك جماعة وقرئ عنهم [وروى] عنه وزيره على بن طراد وأبو على بن الملقب، وكان شجاعا بعيد الهمة، وكانت بيعته بكرة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، فبايعه إخوته وعمومته والفقهاء والقضاة وأرباب الدوله، وكان قاضى القضاة أبو الحسن على بن محمد الدامغاني هو المتولى لأخذ البيعة، لأنه كان ينوب في الوزارة.
قال المصنف: ونقلته من خط أبى الوفاء بن عقيل، قال: لما ولى المسترشد باللَّه تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم، قد طلبك أمير المؤمنين، فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه: طلبك [1] مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ثم مددت يدى فبسط لي يده الشريفة فصافحت بعد السلام وبايعت، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد باللَّه على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع، وعلى الطاعة منى، وقبلت يدى وتركتها على عيني زيادة على ما فعلت في بيعة 64/ ب المستظهر تعظيما له/ وحده من بين سائر الخلفاء فيما نشأ عليه من الخير والخصال المحمودة [2] ، وتميزه بطريقة جده القادر، فبعثوا إلى مبرة عشرة دنانير، وكان رسمي في البيعة خمسين دينارا.
وبرز تابوت المستظهر يوم بيعة المسترشد بين الصلاتين فصلى عليه المسترشد، وكبر أربع تكبيرات، وجلس قاضي القضاة للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام، ونزل الأمير أبو الحسن بن المستظهر عند تشاغلهم بالمستظهر من التاج في الليل وأخذ معه رجلا هاشميا من الحماة الذين يبيتون تحت التاج، فمضى إلى الحلة إلى دبيس صدقة فبقي عنده مدة فأكرمه، وأفرد له دار الذهب على أن يدخل عليه [3] كل يوم مرة ويقبل الأرض ويستعرض حوائجه، وبعث المسترشد نقيب النقباء أبا القاسم على بن طراد ليأخذ البيعة على دبيس، ويستعيد أخاه، فأعطى [دبيس] [4] البيعة، وقال: هذا عندي ضيف ولا يمكنني إكراهه على الخروج، فدخل النقيب على الأمير أبي الحسن وأدى رسالة
__________
[1] مكان «طلبك» بياض في ص، وفي ت: «قد طلبك» .
[2] في ص، ط: «من الخير ودحض أدوات اللهو» .
[3] في ص: «وكان يدخل عليه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/162)


الخليفة إليه ومعها خط الخليفة بالأمان على ما يجب وخاتمه ليعود فلم يجب فرجع ووزر أبو شجاع [1] محمد بن أبي منصور بن [أبي] [2] شجاع، وكان عمره عشرين سنة صانعه لأبيه لأنه كان وزيرا للسلطان محمود، واستنيب له أبو القاسم على بن طراد، فكتب إلى الوزير أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
هنيئا لك الفخر فافخر هنيا ... كما قد رزقت مكانا عليا
رقيت كآبائك [3] الأكرمين ... لدست الوزارة كفؤا رضيا
تقلدت أعباءها يافعا ... كما أوتي الحكم يحيى صبيا
/ وفي جمادي الآخرة: قبض على صاحب المخزن أبي طاهر ابن الخرزي، 65/ أوعلى ابن كمونة، وابن غيلان القاضي، وجماعة، وأرجف بأن هؤلاء كتبوا إلى الأمير أبي الحسن [يأمرونه] [4] بأن لا يطيع.
وتوفي ولد المسترشد الأكبر فدفن في الدار مع المستظهر، ثم توفي ولد له آخر [بالجدري] [5] فبكى عليه المسترشد حتى أغمي عليه.
وطولب ابن حمويه بمال فباع في يوم ثلاثة آلاف قطعة ثياب غير الأثاث والقماش، وأخرج ابن بكري من الحبس وقرر عليه ثلاثة آلاف دينار وخمسمائة، وتقدم ببيع أملاكه ليوفي، وأضيفت دار سيف الدولة إلى الجامع، وكتب دبيس ابن مزيد فتوى في رجل اشترى دارا فغصبها منه رجل [6] وجعلها مسجدا، هل يصح له ذلك أم يجب إعادتها إلى مكانها [7] ؟ فكتب قاضي القضاة وجماعة من الفقهاء: يجب ردها إلى مالكها وينقض وقفها، فرفع ذلك إلى المسترشد وطالب بداره التي أضيفت إلى الجامع، فأظهر
__________
[1] في الأصل: «وولي الوزير أبو شجاع» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «رتبا كآبائك» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فغصبها منه إنسان» .
[7] في الأصل: «أم يجب إعادتها كما مكانها» .

(17/163)


بها كتابا مثبتا في ديوان الحكم أنه اشتراها أبوه من وكيل المستظهر بخمسة عشر ألف دينار وانفق عليها ثمانية عشر ألف دينار.
وفي رجب: خلع المسترشد على دبيس جبه وفرجيه وعمامه وطوقا وفرسا ومركبا وسيفا ومنطقة ولواء، وحمل الخلع نقيب النقباء وابن السيبي ونجاح، وكان يوما مشهودا.
وفي رابع ذي القعدة: خلع المسترشد على نظر، ولقبه أمير الحرمين، وأعطى حقيبتين ولوائين وسبعة أحمال كوسات، وسار للحج.
65/ ب وفي ذي الحجة/ صرف أبو جعفر ابن الدامغاني عن حجبة الباب، وجلس أبو غالب ابن المعوج ثم خرج أبو الفرج بن طلحة [1] ، فجلس بباب النوبي وجلس ابن المعوج نائبه.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3863- أحمد بن محمد، أبو العباس الهاشمي، يعرف بابن الزوال العدل
[2] :
ولد يوم عرفة سنة [اثنتين و] [3] أربعين، وسمع أبا الحسين بن المهتدي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا يعلى بن الفراء، وغيرهم روى عنه شيوخنا، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، وكان يسلك طريقة الزهد والتقشف.
وتوفي ليلة الخميس وقت العتمة تاسع عشرين محرم، ودفن بمقبرة باب حرب.
3864- أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد، أبو منصور الحارثي:
ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه شيخنا عمر بن محمد البسطامي [4] ، وكان له فضل، وتقدم ورياسة عريضة وجاه كثير، وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] في ص: «أبو الفتح بن طلحة» . وفي ت: «أبو الفتح بن طلحة» .
[2] في ت: «المعروف بابن الزوال» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «عمر بن محمد النظامي» .

(17/164)


3865- أحمد المستظهر باللَّه، أمير المؤمنين ابن المقتدي
[1] :
بدأت به علة التراقي فمرض ثلاثة عشر يوما، وتوفي ليلة الخميس سادس عشرين ربيع الآخر من هذه السنة وكانت مدة عمره [2] إحدى وأربعين سنة وستة أشهر وسبعة أيام، وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما.
قال المصنف رحمه الله: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي قال: توفي المستظهر نصف الليل، وغسله أبو الوفاء بن عقيل، وابن السيبي، وصلى عليه الإمام المسترشد باللَّه، ودفن في الدار، ثم أخرج في رمضان.
قال شيخنا أبو الحسن الزاغوني: إنما عجل إخراجه لأنه قيل إن المسترشد رآه في المنام وهو يقول له: أخرجني من/ عندك وإلا أخذتك إلى عندي. 66/ أ
3866- أرجوان جارية الذخيرة، أم المقتدي بأمر الله، تدعى [3] قرة العين:
كانت جارية أرمنية، وكان لها بر ومعروف، وحجت ثلاث حجج أدركت خلافة ابنها المقتدي وخلافة ابنه المستظهر وخلافة ابنه المسترشد، ورأت للمسترشد ولدا وتوفيت في هذه السنة.
3867- بكر بن محمد بن علي بن الفضل بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن عثمان بن جعفر بْن عبد الله بْن جعفر بْن جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو الفضل الزرنجري
[4] :
وزرنجر قرية من قرى بخارى على خمسة فراسخ منها، سمع الحديث الكثير من
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 182، وتذكرة الحفاظ 1249، وشذرات الذهب 4/ 33، والكامل 9/ 173) .
[2] في الأصل: «وكانت عدة عمره» .
[3] في ت: «أرجوان جارية الذخيرة ابن القائم بأمر الله، أم المقتدي بأمر الله» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183) .
[4] الزرنجري: نسبة إلى زرنجرى، ويقال لها زرنكرى، وهي قرية من قرى بخارى.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183، وتذكرة الحفاظ 1249، وشذرات الذهب 4/ 33، والكامل 9/ 179) .

(17/165)


جماعة يكثر عددهم، وتفرد بالرواية عن جماعة [1] منهم لم يحدث عنهم، وتفقه على أبي مُحَمَّد عبد العزيز [2] بن أحمد الحلواني، وبرع في الفقه، فكان يضرب به المثل.
وحفظ مذهب أبي حنيفة، ويقولون: هو أبو حنيفة الصغير، ومتى طلب المتفقه منه الدرس ألقى عليه من أي موضع أراد من غير مطالعة ولا مراجعة لكتاب، وكان الفقهاء إذا أشكل عليهم شيء رجعوا إليه وحكموا بقوله ونقله، وسئل يوما عن مسألة فقال:
كررت هذه المسألة ليلة في برج من حصن بخارى أربعمائة مرة.
وتوفي في شعبان هذه السنة ببخارى.
3868- الحسين بن محمد، بن علي بن الحسن [بن محمد] [3] بن عبد الوهاب، أبو طالب الزّينبي:
[4] ولد في سنة عشرين وأربعمائة، وقرأ القرآن على أبي الحسين ابن البروي [5] وسمع من أبي طالب بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وأبي الحسين ابن المهتدي وغيرهم. وانفرد في بغداد برواية الصحيح عن كريمة، وتفقه على أبي عبد الله الدامغاني، وبرع في الفقه وأفتى ودرس، وانتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة/ 66/ ب ببغداد، ولقب نور الهدى ولم يزل واليا للمدرسة التي بناها شرف الملك أبو سعد تدريسا، ونظرًا، وترسل إلى ملوك الأطراف من البلاد من قبل الخليفة وولي نقابة الطالبيين والعباسيين، وكان شريف النفس، كثير العلم، غزير الدين، فبقي في النقابة شهورا ثم حمل إليه هاشمي قد جنى جناية تقتضي معاقبته، فقال ما يحتمل قلبي أن
__________
[1] «يكثر عددهم، وتفرد بالرواية عن جماعة» . ساقطة من ص، ط.
[2] في ص، ط: «على أبي بكر عبد العزيز» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] قال السمعاني في نسبة الزينبي: «هذه النسبة إلى زينب بنت سليمان بن علي، وظني أنها زوجة إبراهيم الإمام أم أحمد بن محمد بن علي، والمنتسب إليها بيت قديم ببغداد» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183، وفيه: «الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الزينبي» ، وتذكرة الحفاظ 1249، وشذرات الذهب 4/ 34، والكامل 9/ 179) .
[5] هكذا في الأصول، وجاءت في المطبوعة: «أبي الحسين ابن التوزي» . وفي الهامش: هو أحمد بن علي بن الحسين المحتسب، توفي سنة 442» .

(17/166)


أسمع المعاقبين وما أراهم، فاستعفي فأعفي واستحضر أخوه طراد من الكوفة، وكان نقيبها فولي النقابة على العباسيين.
وتوفي يوم الاثنين حادي عشر صفر هذه السنة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي، وحضره الأعيان وأرباب الدولة والعلماء، وحمل إلى مقبرة أبي حنيفة، فدفن داخل القبة، ومات عن اثنتين وتسعين سنة، قال ابن عقيل: كان نور الهدي يقول: بلغ أبي العلم إلى ما لا أبلغه من العلم.
3869- رابعة بنت أبي حكيم إبراهيم، ابن عبيد الله الجيزي
[1] .
والدة شيخنا ابن ناصر، سمعت من الجوهري، وابن المسلمة، وابن النقور وغيرهم. وحدثت وروي عنها ولدها وغيره، وكانت خيرة.
توفيت يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة ودفنت بمقبرة باب أبرز. [2]
3870- طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن بادي بن الحارث بن قيس بن الأشعث بن قيس الكندي:
[3] ولد بدير العاقول بعد صلاة الجمعة الثالث والعشرين من شعبان سنة اثنتين.
وخمسين، وسمع من أبي محمد الجوهري في سنة ثلاث وخمسين، ومن القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وأبي الحسين ابن المقتدى [4] / وأبي الحسين ابن النرسي، وأبي 67/ أجعفر ابن المسلمة، وابن المأمون، وابن النقور [5] ، والصريفيني، وابن الدجاجي، وابن البسري وقرأ الفقه على يعقوب البرزباني، وكان عارفا بالمذهب، حسن المناظرة، وكانت له حلقة بجامع القصر للمناظرة.
__________
[1] في ص: «رابعة بنت أبي حكيم ابن أبي عبد الله الحيريّ» .
وفي ت: «رابعة بنت أبي حكيم إبراهيم بن عبد الله الخبرتي» .
[2] في الأصل: «وكانت خيرة دفنت بعد وفاتها يوم الأحد حادي عشر ذي القعدة بمقبرة باب أبرز» .
[3] في شذرات الذهب: «أبو البركات العاقولي طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين بن سليمان الفقيه الحنبلي القاضي» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 34) .
[4] في ص: «وأبي الحسين بن المهتدي» .
[5] في الأصل: «وابن البقور» .

(17/167)


وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة البلد [1] قريبا من أبي بكر عبد العزيز.
3871- محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر الأرسابندي [2] القاضي:
من قرية من قرى مرو، سمع الحديث ببخارى، وتفقه هناك على صاحب أبي زيد، ونظر في الأدب، وبرع في النظر، وولى القضاء، وكان حسن الأخلاق متواضعا جوادا، وورد بغداد فسمع بها أبا محمد التميمي وغيره إلا أنه يروى عنه التحريف في الرواية، فإنه كان يقول: عندنا أنه من صنف شيئا فقد أجاز لكل من يروى عنه ذلك.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة. وكتب على قبره:
من كان معتبرا ففينا معتبر ... أو شامتا فالشامتون على الأثر
3872- محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن، أبو الحسن [3] الطائي.
من أهل طوس، ورد نيسابور وتفقه على الجويني، ثم سافر إلى البلاد إلى المشايخ، فسمع بها الحديث الكثير، ورجع إلى نيسابور، فتوفي بها في هذه السنة، وكان فقيها خيرا ذا كياسة.
3873- محمود بن الفضل بن محمود، أبو نصر [4] الأصفهاني:
سمع الكثير وكتب، وكان حافظا ضابطا ثقة مفيدا لطلاب العلم.
وتوفي يوم الاثنين سابع عشرين جمادي الأولى، ودفن بباب حرب قريبا من بشر الحافي.
3874- يوسف بن أحمد، أبو طاهر [5] الخرزي.
67/ ب/ كان صاحب المخزن للمستظهر، وكان لا يوفي المسترشد حق التعظيم وهو
__________
[1] في ط: «ودفن بمقبرة الفيل» .
[2] الأرسابندي: نسبة إلى أرسابند من قرى مرو على فرسخين منها.
وانظر ترجمته في: (الأنساب للسمعاني 1/ 184) .
[3] في ت: «أبو الحسين الطائي» .
[4] انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 1250) .
[5] في الأصل: «يوسف بن حامد» . والخرزي نسبة إلى الخرز وبيعها.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183، وفيه: «ويعرف بابن الجزري» ) .

(17/168)


ولي عهد، فلما ولى أقره مديدة ثم قبض عليه في جمادي الأولى من هذه السنة وهلك.
وحدثني عبد الله بن نصر البيع، عن أبي الفتوح بن طلحة صاحب المخزن، قال:
كنا نخدم مع المسترشد وهو ولي عهد، وكان يقصر في حقه ابن الخرزي ويقف في حوائجه، فكنت ألزمه فأقول: لا تفعل، فيقول: أنا أخدم شابا في أول عمره يشير إلى المستظهر، وما أبالي، وكان المسترشد حنقا عليه يقول: لئن وليت لأفعلن به، فلما ولي خلا بي ابن الخرزي وأمسك ذيلي، وقال: الصنيعة، فقلت له: الآن وقد فعلت في حقه ما فعلت، فقال: انظر ما نفعل، فقلت: هذا رجل قد ولى ولا مال عنده فاشتر نفسك منه بمال، فقال: كم؟ فقلت: عشرين ألفا، فقال: والله ما رأيتها قط، قلت: لا تفعل، فلم يقبل، فانتظرنا البطش به فخلع عليه، ثم بعد أيام خلع عليه فكتبت إلى المسترشد [أقول] : [1] أليس هو الذي فعل كذا وكذا؟ فكتب في مكتوبي: خُلِقَ الْإِنْسانُ من عَجَلٍ 21: 37 [2] ثم عاد وخلع عليه، ثم تقدم بالقبض عليه، فأخذنا من داره ما يزيد على مائة ألف دينار من المال وأواني الذهب والفضة، ثم أخذنا مملوكا له كان يعرف باطنه، فضربناه فأومأ إلى بيت في داره فاستخرجنا منه دفائن أربعمائة ألف دينار، ثم تقدم إلينا بقتله.
3875- يحيى بن عثمان ابن الشواء، أبو القاسم الفقيه
[3] :
سمع أبا يعلى بن الفراء، وأبا الحسين بن النقور، وابن المهتدي وابن المسلمة، والجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى، ثم على القاضي يعقوب، وكان فقيها حسنا، وسماعه صحيح، وقرأ بالقراءات.
وتوفي/ ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادي الآخره ودفن في باب حرب.
68/ أ
3876- يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم بن الوليد، ويعرف بابن منده، ومنده لقب إبراهيم، ويكنى يحيى أبا زكريا:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] سورة: الأنبياء، الآية: 37.
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 35، وفيه: «أبو القاسم ابن الشرا يحيى بن عثمان بن عبد الله البيع الأزجي الفقيه الحنبلي» ) .

(17/169)


[1] ولد سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وكان محدثا وأبوه وجده وأبو جده وجد جده وأبوه، وسمع يحيى الكثير، وكان ثقة حافظا صدوقا، وصنف وجمع، وقدم بغداد فأملى بها، وحدثنا عنه أشياخنا.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة. ولم يخلف في بيت ابن منده مثله، وقيل في سنة إحدى عشرة [2] .
3877- أبو الفضل ابن الخازن
[3] :
كان أديبا لطيفا ظريفا.
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي الحراني، قال: حكى لي أبو الفتح بن زهمونة، قال: سافرت إلى أصبهان سنة ست وخمسمائة، فاتفق معي أبو الفضل ابن الخازن فقصدنا يوما دار شمس الحكماء أبي القاسم الأهوازي الطبيب لزيارته لمودة كانت بيننا، ولم يكن حاضرا. فدخلنا إلى حمام في الدار وخرجنا منه، فجلسنا في بستان فيها، فأنشدني الخازن ارتجالا:
وافيت منزله فلم أر صاحبا ... إلا تلقاني بوجه ضاحك
والبشر في وجه الغلام نتيجة ... لمقدمات ضياء وجه المالك
ودخلت جنته وزرت جحيمه ... فشكرت رضوانا ورأفة مالك
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1250، وفيه وفاته سنة 511، والكامل 9/ 180) .
[2] «وقيل في سنة احدى عشرة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 183) .

(17/170)


ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[خوطب الأكمل الزينبي بقضاء القضاة]
أنه في المحرم خوطب الأكمل الزينبي بقضاء القضاة/ وحكم في خامس عشرين 68/ ب محرم، وخلع في صفر بالديوان، ومضى إلى جامع المنصور للتثبيت.
[انفصال الأمير أبي الحسن بن المستظهر عن الحلة ودعوته لنفسه]
وفيها: أن الأمير أبا الحسن بن المستظهر انفصل عن الحلة في صفر، ومضى إلى واسط، ودعا إلى نفسه واجتمع معه الرجالة والفرسان بالعدة والسلاح وملكها وسوادها، وهرب العمال، وجبي الخراج، فشق ذلك على الخليفة، فبعث ابن الأنباري كاتب الإنشاء إلى دبيس وعرفه ذلك، وقال: أمير المؤمنين معول عليك في مبادرته، فأجاب بالسمع والطاعة وأنفذ صاحب جيشه عنان في جمع كثير، فلما سمع الأمير أبو الحسن ذلك رحل من واسط منهزما مع عسكره بالليل فضلوا الطريق وساروا ليلهم أجمع، ثم رجعوا إلى ناحية واسط حتى وصلوا إلى عسكر دبيس، لما لاح لهم العسكر انحرف الأمير أبو الحسن عن الطريق فتاه في البرية في عدد من خواصه، وذلك في شهر تموز، ولم يكن معهم ماء وكان بينهم وبين الماء فراسخ فأشرف على الهلاك حتى أدركه نصر بن سعد الكردي [1] فسقاه الماء وعادت نفسه إليه، ونهب ما كان معه من المال والتجمل [2] ، وحمل إلى دبيس وكان نازلا بالنعمانية فأصعد به إلى بغداد وخيم بالرقة، وبعث به إلى المسترشد بعد تسليم عشرين ألف دينار إليه قررت عنه، وكانت مدة
__________
[1] في الأصل: «أدركه نصر بن سعد الكردي» .
[2] في الأصل: «كان معه من مال وتجمل» .

(17/171)


خروجه إلى ان أعيد أحد عشر شهرا، وكان مديره ابن زهمونه فشهر ببغداد على جمل وقد ألبس قميصا أحمر وترك في رقبته مخانق برم وخرز ووراءه غلام يضربه بالدرة، ثم قتل في الحبس وشفع في سعد الله بن الزجاجي فعفي عنه.
وصرف ولد الربيب عن الوزارة، ووزر أبو علي ابن صدقة، وخطب في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول [1] من هذه السنة على منابر بغداد لولد الامام المسترشد 69/ أباللَّه، فقيل في الخطبة: اللَّهمّ أنله من الأمل/ العدة، وما ينجز له به موعوده في سلالته الطاهرة في مولانا الأجل عدة الدين المخصوص بولاية العهد في العالمين أبي جعفر منصور ابن أمير المؤمنين.
[ورود سنجر إلى الري وملكها]
وفي هذه السنة: ورد سنجر إلى الري فملكها، وحاربه ابن أخيه محمود فانهزم، وكان مع سنجر خمسة ملوك على خمسة أسرة منهم ملك غزنة، وكان معه من الباطنية ألوف، ومن كفار الترك ألوف، وكان معه نحو أربعين فيلا، ثم إن محمودا حضر عند سنجر فخدمه، [2] وعزل القاضي أبو علي الحسن بن إبراهيم الفارقي عن قضاء واسط، وولى أبو المكارم علي بن أحمد البخاري.
وفي ربيع الأول: قبلت شهادة الأرموي، وابن الرزاز، والهيتي، وأبي الفرج بن أبي خازم بن الفراء، وانفرد الإمام المسترشد أياما لا يخرج من حجرته الخاصة هو ووالدته وجارية، حتى أرجف عليه، وكان السبب مرضًا [3] وقيل: بل شغل قلبه.
وفي جمادي الأولى خلع علي أبي علي بن صدقة، ولقب جلال الدين، وظهر في هذا الشهر غيم عظيم، وجاء مطر شديد، وهبت ريح قوية أظلمت معها السماء، وكثر الضجيج والاستغاثة حتى ارتج البلد.
وذكر أن دبيسا راسل المسترشد: أنه كان من شرطي في إعادة الأمير أبي الحسن
__________
[1] في الأصل: «ثاني شهر ربيع الأول» .
[2] في الأصل: «أن محمودا خدم عند سنجر فخدمه» .
[3] «مرض» ساقطة من ص.

(17/172)


أنى أراه أي وقت أردت، وقد ذكر أنه على حالة صعبة، فقيل له: إن أحببت أن تدخل إليه فافعل أو تنفذ من يختص بك فيراه، أو يكتب إليك بخطه، فأما أن يخرج هو فلا، وكان قد ندم على تسليمه.
وورد كتب من سنجر فيها إقطاع للخليفة بخمسين ألف دينار، وللوزير/ بعشرة 69/ ب آلاف، ورد إلى الوزير العمارة والشحنكية ووزارة خاتون.
وفي شعبان وصل ابن الطبري بتوقيع من السلطان بتدريس النظامية.
وعلى استقبال شوال بدئ بالبناء في التاج، وفي العشرين من شوال [1] وصل القاضي الهروي وتلقاه الوزير [2] بالمهد واللواء ومعه حاجب الباب والنقيبان وقاضي القضاة والجماعة، وحمل على فرس من الخاص، ونزل باب النوبي، وقبل الأرض، ثم حضر في اليوم الثالث والعشرين فوصل إلى المسترشد فأوصل له كتبا، وحمل من سنجر ثلاثين تختا من الثياب، وعشرة مماليك وهدايا كثيرة.
وفي العشر الأوسط من ذي الحجة: اعتمد أبو الحسين أحمد بن قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني إلى امرأة فأشهد عليها بجملة من المال دينا له عليها، وقال: هذه أختي زوجة ابن يعيش، وشهد عليهما شاهدان الأرموي والمنبجي، فلما علمت أخته وزوجها أنكرا ذلك وشكيا إلى المسترشد [فكشفت الحال] [3] فقال: إني أخطأت في اسمها، وإنما هي أختي الصغرى فأبدل اسم باسم، فوافقه على ذلك المنبجي، وأما الأرموي فقال: ما شهدت إلا على الكبرى، وكشط من الكتاب الكبرى، وكتب اسم الصغرى، فصعب هذا عند الخليفة، [4] وتقدم في حقه بالعظائم، واختفى أبو الحسين فحضر أخوه تاج القضاة عند شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل، وأحضر كتابا فيه إقرار بنت الزينبي [زوجة] [5] الوزير عميد الدولة [بن صدقة] [6] لأخيها قاضي القضاة الأكمل بجملة كبيرة
__________
[1] «بدئ بالبناء ... من شوال» : ساقطة من ص، ط.
[2] من هنا أعاد الناسخ في ت الأربع ورقات الساقطة أثناء أحداث سنة 498 هـ.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فصعب هذا عند المسترشد» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/173)


من المال إما ثلاثة آلاف أو نحوها وفيه خطوط اثنى عشر شاهدا، وأنه ثبت على قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني أنه زور على أخته. وظهر هذا للشهود حتى رجعوا عن الشهادة، فإن كان أخي قد أخطأ ومعه شاهد واحد وخالفه شاهد واحد فهذا قاضي 70/ أالقضاة اليوم يكذبه اثنا عشر شاهدا، فكتب شيخ الشيوخ إلى الخليفة بالحال، / فخرج التوقيع بالسكوت عن القصتين جميعا، ذكر هذا شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني في تاريخه.
وفي هذه السنة: شدد التضييق على الأمير أبي الحسن وسد الباب وأبقى منه موضع تصل منه الحوائج ثم أحضره، وقال له: قد وجد في قبة دارك تشعيث ولعله منك وأنك قد عزمت على الهرب مرة أخرى، وجرى بينهما خطاب طويل وحلف أنه لم يفعل، وتنصل ثم أعيد إلى موضعه على التضييق.
وورد الخبر بان دبيس بن مزيد كسر المنبر الذي في مشهد علي عليه السلام والذي في مشهد الحسين، وقال: لا تقام ها هنا جمعة ولا يخطب لأحد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3878- إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف، أبو غالب النوبندجاني [1] الصوفي:
ونوبندجان من نواحي فارس، سمع من ابن المهتدي، وابن النقور وغيرهما، وحدث، وكان صالحا دينا.
وتوفي يوم الأحد خامس رجب، ودفن بمقابر الشهداء.
3879- أحمد بن محمد بن شاكر، أبو سعد صاحب ابن القزويني
[2] .
سمع منه ومن العشاري، والجوهري، وكان صالحا.
وتوفي يوم الثلاثاء خامس عشر صفر، ودفن بباب حرب.
3880- أحمد بن الحسن بن طاهر بن الفتح، أبو المعالي:
[3]
__________
[1] في الأصل: «النوبيدخان الصوفي» .
[2] في المطبوعة: «ابن شاكر الجزاء» . وفي ت: «ابن شاكر الحربي، أبو سعد صاحب ابن القزويني» .
[3] في ص: «أبو العالي» .

(17/174)


ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وسمع أبا الطيب الطبري، وأبا يعلى، وابن المهتدي، وابن المسلمة وغيرهم. وكان سماعه صحيحا.
وتوفي يوم الأحد خامس رجب، ودفن بمقابر الشهداء.
3881- علي بن محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الملك بن حموية [1] الدامغاني، أبو الحسن بن أبي عبد الله قاضي القضاة ابن قاضي القضاة
[2] :
ولد في رجب سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وشهد عند أبيه/ أبي عبد الله في سنة 70/ ب ست وستين، وفوض إليه القضاء بباب الطاق، وما كان إلى جده أبي أمه القاضي أبي الحسن بن أبي جعفر السمناني من القضاء، وكان يوم تقلد القضاء وعدل ابن ست عشرة سنة، ولم يسمع أن قاضيا تولى أصغر من هذا، وولي القضاء لأربعة خلفاء: القائم والمقتدي إلى أن مات أبوه، ثم ولى الشافعي فعزل نفسه، وبعث إليه الشامي يقول له:
أنت على عدالتك وقضائك، فنفذ إليه يقول: أما الشهادة فإنها استشهدت، وأما القضاء فقضي عليه، وانقطع عن الولاية، واشتغل بالعلم، فقلده المستظهر قضاء القضاة في سنة ثمان وثمانين وكان عليه اسم قاضي القضاة وهو معزول في المعنى بالسيبي والهروي، ولم يكن إليه إلا سماع البينة في الجانب الغربي، لكنه كان يتطرى جاهه بالأعاجم ومخاطبتهم في معناه، ثم ولي المسترشد فأقره على قضاء القضاة ولا يعرف بأن قاضيا تولى لأربع خلفاء غيره، وغير شريح إلا أبا طاهر محمد بن أحمد بن الكرخي، قد رأيناه ولي القضاء لخمسة خلفاء، وإن كان مستنابا: المستظهر، والمسترشد، والراشد، والمقتفي، والمستنجد. [وناب] [3] أبو الحسن الدامغاني عن الوزارة في الأيام المستظهرية والمسترشدية بمشاركة غيره معه، وتفرد بأخذ البيعة وللمسترشد، وكان فقيها متدينا ذا مروءة وصدقات وعفاف، وكان له بصر جيد بالشروط والسجلات، وسمع الحديث من القاضي أبي يعلى بن الفراء، وأبي بكر الخطيب، والصريفيني وابن النقور، وحدث.
__________
[1] في ت: «ابن الحسن بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حمويه» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 185، شذرات الذهب 4/ 40، والكامل 9/ 189) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/175)


وكان قد تقدم إليه المستظهر بسماع قول بعض الناس فلم يره أهلا لذلك، فلم يسمع قوله وحدثني أبو البركات [1] بن الجلاء الأمين، قال: حضر أبو الحسن الدامغاني وجماعة أهل الموكب باب الحجرة، فخرج الخادم فَقَالَ: انصرفوا إلا قاضي القضاة، 71/ أفلما انصرفوا قال له الخادم: [2] إن أمير المؤمنين/ يحب يسمع كلامك، يقول لك:
أنحن نحكمك أم أنت تحكمنا؟ قال: فقال: كيف يقال لي هذا وأنا بحكم أمير المؤمنين؟ فقال: أليس يتقدم إليك بقبول قول شخص فلا تفعل؟ قال: فبكى ثم قال [لأمير المؤمنين [3]] : يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة جيء بديوان ديوان فسئلت عنه، فإذا جيء بديوان القضاء كفاك أن تقول وليته لذاك المدبر ابن الدامغاني فتسلم أنت وأقع أنا، قال: فبكى الخليفة، وقال: أفعل ما تريد.
وقد روى رفيقنا أبو سعد السمعاني، قال: سمعت أبا الحسن علي بن أحمد الأزدي يقول: دخل أبو بكر الشاشي على قاضي القضاة الدامغاني زائرا له فما قام قاضي القضاة، فرجع الشاشي وما قعد، وكان ذلك في سنة نيف وثمانين، فما اجتمعا إلّا بعد سنة خمسمائة في عزاء لابن الفقيه، فسبق الشاشي فجلس، فلما دخل الدامغاني قام الكل إلا الشاشي [4] فإنه ما تزحزح، فكتب قاضي القضاة إلى المستظهر يشكو من الشاشي أنه ما احترم حرمة نائب الشرع، فكتب المستظهر: ماذا أقول له، أكبر منك سنا وأفضل منك وأورع منك، لو قمت له كان يقوم لك، وكتب الشاشي إلى المستظهر، يقول: فعل في حقي وصنع ووضع مرتبة العلم والشيوخة، وكتب في أثناء القصة:
حجاب وإعجاب وفرط تصلف [5] ... ومد يد نحو العلا بتكلف
فلو كان هذا من وراء كفاية ... لهان ولكن من وراء تخلف
فكتب المستظهر في قصته: يمشي الشاشي إلى الدامغانيّ ويعتذر، فمضى
__________
[1] في ص: «فلم يسمع قوله وسمع أبا البركات» .
[2] «فقال: انصرفوا إلا قاضي ... قال له الخادم» : هذه العبارة ساقطة من ص، ط.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «قام الكل سوى الشاشي» .
[5] في الأصل: «وفرط تكلف» .

(17/176)


امتثالا للمراسم، وكنا معه، فقام له الدامغاني قياما تاما، وعانقه واعتذر إليه، وجلسا طويلا يتحدثان، وكان القاضي يقول: تكلم والدي في المسألة الفلانية واعترض عليه فلان، وتكلم فلان في/ مسألة كذا وكذا واعترض عليه والدي إلى أن ذكر عدة مسائل، / 71/ ب فقال له الشاشي: ما أجود ما قد حفظت أسماء المسائل.
قال المصنف رحمه الله: وكان أبو الحسن ابن الدامغاني قصر أيضا في حق أبي الوفاء ابن عقيل، فكتب ابن عقيل إليه ما قرأته بخطه: «مكاتبة سنح بها الخاطر لتوصل إلى أبي الحسن الدامغاني قاضي القضاة يتضمن تنبيها له على خلال قد سولت له نفسه استعمالها، فهدت من مجد منصبه ما لا يتلافاه على طول الوقت في مستقبل عمره، لما خمره في نفوس العقلاء من ضعف رأيه وسوء خلقه الذي لم يوفق لعلاجه [1] ، وكان مستعملا نعمة الله تعالى في مداواة نقائصه. ومن عذيري ممن نشأ في ظل والد مشفق عليه قد حلب الدهر شطريه وأتلف في طلب العلم أطيبيه، أجمع أهل عصره على كمال عقله كما اجتمع العلماء على غزارة علمه، اتفق تقدمه في نصبه القضاء بالدولة التركمانية والتركية المعظمة لمذهبه، وفي عصره من هو أفضل منه بفنون من الفضل.
كأبي الطيب الطبري، وأخلق بالرياسة كالماوردي، وأبي إسحاق الفيروزآبادي، وابن الصباغ، فقدمه الزمان على أمثاله، ومن يربي عليه في الفضل والأصل فكان أشكر الناس لنعمة الله، فاصطنع من دونه من العلماء، وأكرم من فوقه من الفقهاء حتى أراه الله في نفسه فوق ما تمناه من ربه، وغشاه من السعادة ما لم يخطر بباله، حيث رأى أبا الطيب الطبري نظير أستاده الصيمري بين يديه شاهدا، وله في مواكب الديوان مانعا، / وتعجرف عليه أبو محمد التميمي فكان يتلافاه بجهده، ويأبى إلا إكرامه ويغشاه في تهنئة 72/ أوتعزية، حتى عرض عليه القائم الوزارة فأبى تعديه رتبة القضاء، فلما ولي ولده سلك طريقة عجيبة خرج بها عن سمت أبيه، فقدم أولاد السوقة، وحرم أولاد العلماء حقوقهم، وقبل شهادة أرباب المهن، وانتصب قائما للفساق الذين شهد بفسقهم لباسهم الحرير والذهب، ومنع أن يحكم ألا برأي أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وصاح في مجلسه بأعلى صوته أنه لم يبق في الأرض مجتهد، وهو لا يعلم ما تحت هذا الكلام من
__________
[1] في الأصل: «لم يوفق لفلاحه» .

(17/177)


الفساد، وهو إخراج عن الإجماع الذي هو آكد أدلة الشرع، وليس لنا دليل معصوم سواه، جعله الله في هذه الشريعة خلف النبوة حيث كان نبيها خاتم الأنبياء لا يخلفه نبي، فجعل اجتماع أمته بدلا من نبوة بعد نبوة، وقد علم أن المقدم عليه نقيب النقباء تقدم مميز، وترك النظر صفحا، وتعاطى أن لا يخاطب أحدا بما يقتضيه حاله من شيوخه أو علم أو نسب الآباء فعاد ممقوتا إلى القلوب، وأهمله من لا حاجة إليه له، أصلحه الله لنفسه فما أغنانا عنه» .
وكتب ابن عقيل يوبخه أيضا على تقصير في حقه «من عذيري ممن خص بولاية الأحكام وقضاء القضاة والحكم في جميع بلاد الإسلام، فكان أحق الناس بالإنصاف، والإنصاف لا يختص بأحكام الشرع بل حقوق الناس التي توجبها قوانين السياسة وآداب الرئاسة مما يقتضي إعطاء كل ذي حق حقه، ويجب أن يكون هو المعيار لمقادير الناس لا سيما أهل العلم الذي هو صاحب/ منصبهم، ونراه على استمرار عادته يعظم الأعاجم الواردين من الخراسانية تعظيما باللفظ وبالنهوض لهم، وينفخ فيهم بالمدح حال حضورهم ثقة بالسماع، والحكاية عنهم، وبطل الثناء بعد خروجهم فيحشمهم ذلك في نفوس من لا يعرفهم، ويتقاعد عند علماء بلده ومشيخة دار السلام الذين قد انكشفت له علومهم على طول الزمان، ويقصر بأولاد الموتى منهم مع معرفته بمقادير أسلافهم والناس يتلمحون أفعاله، وأكثر من يخصهم بالتعظيم لا يتعدون هذه المسائل الطبوليات، ليس عندهم من الروايات والفروعيات خبر، مفلوسون من أصول الفقه والدين، لا يعتمدون إلا على الألقاب الفارغة، وإذا لم يسلك إعطاء كل ذي حق حقه لم يطعن ذلك في المحروم بل في الحارم، أما من جهة قصور العلم بالموازنة، أو من طريق اعتماد الحرمان لأرباب الحقوق، وذاك البخس البحت، والظلم الصرف، وذلك يعرض بأسباب التهمة في التعديل فيما سوى هذا القبيل، ولا وجه لقول متمكن من منصبه: لا أبالي، فقد بالي من هو أكبر منصبا، فقال عليه السلام: «لولا أن يقال أن محمدا نقض الكعبة لأعدتها إلى قواعد إبراهيم» فتوقى أن يقول الذين قتلهم وكسر أصنامهم، وهذا عمر يقول: «لولا أن يقال أن عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف» . ومن فقهه قال: في حاشية المصحف، لأن وضع الآي كأصل الآي، لا

(17/178)


يجوز لأحد أن يضع آية في سورة من غير قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوحي ضعوها على رأس كذا، فأنبأ بقوله في حاشية المصحف على هذا الفقه الدقيق.
فإن قال: لا أبالي بمن قال من/ علماء العراق كان العتب متضاعفا، فيقال: قد 73/ أظهر من أعظامك [1] الغرباء زيادة على محلهم ومقدارهم طلبا لانتشار اسمك بالمدحة، وعلماء العراق هم بالقدح أقوم، كما أنهم بأسباب المدح أعلم، فاطلب السلامة تسلم، والسلام» .
توفي أبو الحسن الدامغاني ليلة الأحد رابع عشر محرم عن ثلاث وستين سنة وستة أشهر، ولي منها قضاء القضاة عشرين سنة [2] وخمسة أشهر وأياما، وصلى عليه وراء مقبرة الشونيزية، تقدم في الصلاة عليه ابنه أبو عبد الله محمد، وحضر النقيبان والأكابر، ودفن في داره بنهر القلائين في الموضع الذي دفن فيه أبوه، ثم نقل أبوه إلى مشهد أبي حنيفة.
3882- علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، أبو الوفاء الفقيه فريد دهره وإمام عصره:
[3] قال شيخنا أبو الفضل ابن ناصر: سألته عن مولده، فقال: ولدت في جمادي الآخرة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وكذا رأيته أنا بخطه، وكان حسن الصورة، ظاهر المحاسن، حفظ القرآن، وقرأ القراءات على أبي الفتح بن شيطا وغيره، وكان يقول:
شيخي في القراءة ابن شيطا، وفي الأدب والنحو أبو القاسم بن برهان، وفي الزهد أبو بكر الدينَوَريّ، وأبو منصور بن زيدان، أحلى من رأيت وأعذبهم كلاما في الزهد، وابن الشيرازي، ومن النساء الحرانية، وبنت الجنيد، وبنت الغراد المنقطعة إلى قعر بيتها لم تصعد سطحا قط، ولها كلام في الورع، وسيد زهاد عصره، وعين الوقت أبو الوفاء القزويني ومن مشايخي في آداب التصوف أبو منصور ابن صاحب الزيادة العطار شيخ
__________
[1] في الأصل: «قد كان ظهر من إعظامك» .
[2] في الأصل: «تسعا وعشرين سنة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 184، شذرات الذهب 4/ 35، والكامل 9/ 190) .

(17/179)


زاهد مؤثر بما يفتح له فتخلق بأخلاق مقتدى الصوفية، ومن مشايخي في الحديث التوزي، وأبو بكر بن بشران، والعشاري، والجوهري، وغيرهم. ومن مشايخي في 73/ ب الشعر والترسل ابن شبل، وابن الفضل. وفي الفرائض/ أبو الفضل الهمذاني وفي الوعظ أبو طاهر ابن العلاف صاحب ابن سمعون، وفي الأصول أبو الوليد، وأبو القاسم ابن البيان، وفي الفقه أبو يعلى ابن الفراء المملوء عقلا وزهدا وورعا، قرأت عليه حين عبرت من باب الطاق لنهب الغز لها سنة أربع وأربعين، ولم أخل بمجالسته وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا، وفي ركابه إلى أن توفي، وحظيت من قربه لما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني، والشيخ أبو إسحاق [الشيرازي] [1] إمام الدنيا وزاهدها، وفارس المناظرة وواحدها، وكان يعلمني المناظرة، وانتفعت بمصنفاته، وأبو نصر ابن الصباغ، وأبو عبد الله الدامغاني، حضرت مجلس درسه ونظره من سنة خمسين إلى أن توفي، وقاضي القضاة الشامي انتفعت به غاية النفع، وأبو الفضل الهمذاني، 72/ ب وأكبرهم سنا وأكثرهم فضلا أبو الطيب الطبري حظيت برؤيته ومشيت في ركابه، وكانت صحبتي له حين انقطاعه عن التدريس والمناظرة فحظيت بالجمال والبركة.
ومن مشايخي أبو محمد التميمي كان حسنة العالم وماشطة بغداد، ومنهم أبو بكر الخطيب كان حافظ وقته، وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء وكان ذلك يحرمني علما نافعا، وأقبل علي أبو منصور بن يوسف فحظيت منه بأكثر من حظوة وقدمني في الفتاوى مع حضور من هو أسن مني، وأجلسني البرامكة بجامع المنصور لما مات شيخي سنة ثمان وخمسين، وقام بكل مؤنتي وتجملي فقمت من الحلقة أتتبع حلق 74/ أالعلماء لتلقط الفوائد، فأما أهل بيتي فإن بيت أبي فكلهم أرباب/ أقلام وكتابة وشعر وآداب، وكان جدي محمد ابن عقيل كاتب حضرة بهاء الدولة، وهو المنشئ لرسالة عزل الطائع وتولية القادر، ووالدي أنظر الناس، وأحسنهم جدلا وعلما، وبيت أمي بيت الزهري صاحب الكلام والمدرس على مذهب أبي حنيفة، وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى، ولا أزاحم فقيها في حلقة، ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة، وتقلبت على الدول فما أخذتني دولة السلطان ولا عاقة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/180)


عما اعتقد أنه الحق، فأوذيت من أصحابي حتى طل الدم، وأوذيت من دولة النظام بالطلب والحبس، فيا من خسرت الكل لأجله لا تخيب ظني فيك، وعصمني الله من عنفوان الشبيبة بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت ملعابا ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم.
وأفتى ابن عقيل ودرس، وناظر الفحول، واستفتى في الديوان في زمن القائم في زمرة الكبار، وجمع علوم الأصول والفروع، وصنف فيها الكتب الكبار، وكان دائم الاشتغال بالعلم حتى إني رأيت بخطه: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصرى عن مطالعة أعمل فكري في حال [1] راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين.
وكان له الخاطر العاطر والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى «بالفنون» مناظرا لخواطره وواقعاته، ومن تأمل واقعاته فيه عرف غور الرجل، وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة، فلما كانت سنة خمس وسبعين/ وأربعمائة جرت فيها فتن بين 74/ ب الحنابلة والأشاعرة فترك الوعظ واقتصر على التدريس، ومتعه الله بسمعه وبصره وجميع جوارحه.
قال المصنف: وقرأت بخطه، قال: «بلغت لاثنتي عشرة سنة وأنا في سنة الثمانين وما أرى نقصا في الخاطر والفكر والحفظ وحدة النظر وقوة البصر لرؤية الأهلة الخفية إلا أن القوة بالإضافة إلى قوة الشبيبة والكهولة ضعيفة» .
وكان ابن عقيل قوى الدين، حافظا للحدود، ومات ولدان له فظهر منه من الصبر ما يتعجب منه، وكان كريما ينفق ما يجد فلم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه فكانت بمقدار كفنه وقضاء دينه، وكان إذ طال عمره يفقد القرناء والإخوان. [2] قال المصنف رحمه الله: فقرأت بخطه: رأينا في أوائل أعمارنا أناسا طاب العيش
__________
[1] في الأصل: «أعملت فكري» .
[2] في الأصل: «طال عمره لفقدان القرناء والإخوان» .

(17/181)


معهم كالدينوري، والقزويني وذكر من قد سبق اسمه في حياته، ورأيت كبار الفقهاء كأبي الطيب وابن الصباغ وأبي إسحاق، ورأيت إِسْمَاعِيل والد المزكي تصدق بسبعة وعشرين ألف دينار، ورأيت من بياض التجار كابن يوسف وابن جرده وغيرهما، والنظام الذي سيرته بهرت العقول، وقد دخلت في عشر التسعين وفقدت من رأيت من السادات ولم يبق إلا أقوام كأنهم المسوخ صورا، فحمدت ربي إذ لم يخرجني من الدار الجامعة لأنوار المسار بل أخرجني ولم يبق مرغوب فيه فكفاني محنة التأسف على ما يفوت [1] ، لأن التخلف مع غير الأمثال عذاب، وإنما هون فقداني للسادات نظري [2] إلى الإعادة بعين اليقين، وثقتي إلى وعد المبدئ لهم [3] ، فلكأني أسمع داعي البعث وقد دعا كما 75/ أسمعت ناعيهم وقد نعى حاشي المبدئ لهم على تلك الأشكال والعلوم أن يقنع/ لهم في الوجود بتلك الأيام اليسيرة المشوبة بأنواع الغصص [4] وهو المالك، لا والله لا أقنع لهم إلا بضيافة تجمعهم على مائدة [تليق] [5] بكرمه، نعيم بلا ثبور، وبقاء بلا موت، واجتماع بلا فرقة، ولذات بغير نغصة.
وحدثني بعض الأشياخ أنه لما احتضر ابن عقيل بكى النساء، فقال: قد وقفت خمسين سنة فدعوني أتهنأ بلقائه.
توفي رضي الله عنه بكرة الجمعة ثاني عشر جمادي الأولى من هذه السنة، وصلى عليه في جامع القصر والمنصور، وكان الجمع يفوق الاحصاء. قال شيخنا ابن ناصر:
حزرتهم بثلاثمائة ألف، ودفن في دكة الإمام أحمد وقبره ظاهر [فما كان في مذهبنا أحد مثله.
وقال شيخنا أبو الحسن الزعفراني: دفن في الدكة بعد الخادم مخلص] [6] .
__________
[1] في ص: «فكفاني عنه التأسف على ما يفوت» .
[2] في الأصل: «فقداني السادات نظري» .
[3] في الأصل: «وثقتي إلى وعد المهدي» .
[4] في ت: «المشوبة بأنواع البعض»
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] «فما كان في مذهبنا ... الخادم المخلص» : الجملة ساقطة من الأصل، ص، ط، وأوردناها من ت.

(17/182)


3883- محمد بن أحمد بن الحسين، أبو عبد الله اليزدي
[1] :
ولد سنة خمس وخمسين، وسافر في طلب القراءات البلاد البائنة، وعبر ما وراء النهر، وكان إذا قرأ بكى الناس لحسن صوته، وحدث بشيء يسير عن أبي إسحاق الشيرازي، وتوفي في هذه السنة.
3884- محمد بن طرخان بن بلتكين، أبو بكر [2] التركي:
سمع الكثير، وكتب، وكان له معرفة بالحديث، والأدب، وسمع الصريفيني، وابن النقور، وابن البسري. روى عنه أشياخنا ووثقوه.
توفي في صفر هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
3885- محمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدوري
[3] :
ولد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وسمع الجوهري، والعشاري، وأبا بكر بن بشران، وغيرهم. وكان شيخا صالحا ثقة خيرًا. وتوفي في صفر هذه السنة.
3886- المبارك بن علي بن الحسين، أبو سعد المخرمي
[4] :
ولد في رجب سنة ست وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث من أبى الحسين ابن المهتدى، وابن المسلمة، وجابر بن ياسين، والصريفيني، وأبى يعلى ابن الفراء، وسمع منه شيئا من الفقه، ثم تفقه على صاحبه أبى جعفر الشريف، ثم على يعقوب/ البرزبيني [5] ، وأفتى ودرس وجمع كتبا كثيرة ولم يسبق إلى جمع مثلها، 75/ ب
__________
[1] في المطبوعة: «أبو عبد الله البردي» . وفي الأصل: «البردى» بدون نقط. وما أوردناه من ت.
[2] في ص: «ابن بنتكين أبو بكر» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 41) .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 41)
[4] في ت: «أبو سعيد المخرمي» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 185، وشذرات الذهب 4/ 40، وفيه: «المبارك بن علي بن الحسن بن بندار» ) .
[5] في الأصل: «البرينسي» .

(17/183)


وشهد عند أبى الحسن الدامغاني في سنة تسع وثمانين، وناب في القضاء عن السيبي والهروي، وكان حسن السيرة جميل الطريقة شديد الأقضية، وبنى مدرسة بباب الأزج ثم عزل عن القضاء في سنة إحدى عشرة، ووكل به في الديوان على حساب وقوف الترب، فأدى مالا.
ثم توفي في ثاني عشر محرم هذه السنة، ودفن إلى جانب أبى بكر الخلال عند رجلي الإمام أحمد بن حنبل.

(17/184)


ثم دخلت سنة اربع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[خطب للسلطانين سنجر بن ملك شاه وابن أخيه محمود بن محمد]
أنه في المحرم خطب للسلطانين [أبى الحارث] [1] سنجر بن ملك شاه، وابن أخيه أبى القاسم محمود بن محمد جميعا في موضع واحد، وسمى كل واحد منهما شاهنشاه.
[ترتيب أبي الفتوح حمزة بن علي وكيلا ناظرا]
وفي أول صفر: رتب أبو الفتوح حمزة بن علي بن طلحة وكيلا ناظرا في المخزن، وكان قبل ذلك ينظر في حجبة الباب، فبقي في الحجبة سنة وشهرا وأياما، ثم نقل إلى المخزن.
[تمرد العيارون]
وتمرد العيارون في هذا الأوان وأخذوا زواريق منحدرة من الموصل ومصعدة إلى غيرها، وفتكوا بأهل السواد فتكات متواليات، وهجموا على العتابيين فحفظوا أبواب المحلة [2] ، ودخلوا إلى دور عيونها فأخذوا ما فيها وما في موازين المتعيشين، فتقدم الخليفة إلى إخراج أتراك دارية لقتالهم، فخرجوا وحاصروهم في الأجمة خمسة عشر يوما، ثم إن العيارين نزلوا في سفن وانحدروا إلى شارع دار الرقيق [3] دخلوا المحلة، وأقبلوا منها إلى الصحارى وقصد أعيانهم دار الوزير ابن صدقة بباب العامة [4] في ربيع
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وهجموا على الفاس ودخلوا عليهم فحفظوا أبواب المحلة» .
[3] في ص: «إلى شارع دار الدقيق» .
[4] في الأصل: «وقصدوا باب الوزير بن صدقة بباب العامة» .

(17/185)


76/ أالأول وأظهروا/ التوبة، وخرج فريق منهم لقطع الطريق، فقتلهم أهل السواد بأوانا، وبعثوا رءوسهم إلى بغداد.
وفي ربيع الأول: ورد القاضي أبو جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي قاضي الكوفة والبلاد الميزيدية، وكان دبيس الملقب بسيف الدوله نفذ به إلى الأمير إيلغازي ابن أرتق، فخطب منه ابنته فزوجه بها ونقلها إليه، فوردت صحبة أبى جعفر الحلة.
ووقعت الخصومة بين السلطان محمود وأخيه مسعود ابني محمد، وكان مسعود هو العاصي عليه فتلطفه محمود فلم يصلح، وقامت الحروب في ربيع الأول فانحاز البرسقي إلى محمود، وانهزم مسعود وعسكره، واستولى على أموالهم، وقصد مسعود جبلا بينه وبين موضع الوقعة اثنا عشر فرسخا فأخفى نفسه وأنفذ بركابي إلى المعسكر يطلب الأمان، فحضر بين يدى السلطان فقال له: يا سلطان العالم إن من السعادة أن أخاك لم يجد مهربا عنك، وقد نفذ يطلب الأمان وعاطفتك اجل متوسل به إليك، فقال له: وأيان هو؟ قال: في مكان كذا، فقال السلطان: ما نويت غير هذا، وهل إلا العفو والإحسان. واستدعى بالبرسقي، وقال له: تمضى إلى أخي وتؤمنه وتستدعيه.
واتفق بعد انفصال الركابي أنه ظفر يونس بن داود البلخي بمسعود فاحتال عليه، وقيل له: إن حملته إلى أخيه فربما أعطاك ألف دينار أو أقل، وان حملته إلى دبيس أو إلى الموصل وصلت إلى ما شئت، فعول على ذلك فجاء البرسقي فلم يره، فسار خلفه فلحقه على ثلاثين فرسخا، فأخذه وعرفه أمان أخيه له وأعاده إلى العسكر، وخرج الأعيان فاستقبلوه [1] ، ونزل عند أمه، ثم جلس السلطان محمود فدخل إليه، فقبل الأرض بين يديه، فضمه إليه وقبل بين عينيه وبكى كل واحد منهما، فكان هذا من محاسن أفعال محمود.
76/ ب ولما بلغ عصيان مسعود/ إلى سيف الدوله دبيس أخذ في أذية بغداد، وحبس مال السلطان، وورد أهل نهر عيسى ونهر الملك مجفلين إلى بغداد بأهاليهم ومواشيهم فزعا من سيف الدوله، لأنه بدأ بالنهب في أطرافهم، وعبر عنان صاحب جيشه فبدأ
__________
[1] في الأصل: «وخرج الأعمام فاستقبلوه» .

(17/186)


بالمدائن فعسكر بها [1] ، وقصد يعقوبا وحاصرها، ثم أخذها عنوة، وسبيت الذراري، وافترشت النساء.
وكان سيف الدولة يعجبه اختلاف السلاطين ويعتقد أنه ما دام الخلاف قائما بينهم فأمره منتظم، كما استقام أمر والده صدقة عند اختلاف السلاطين، فلما بلغه كسر مسعود، وخاف مجيء محمود أمر بإحراق الأتبان والغلات، وانفذ الخليفة إليه نقيب الطالبيين أبا الحسن على بن المعمر فحذره وأنذره، فلم ينفع ذلك فيه، وبعث إليه السلطان بالتسكين، وأنه قد أعفاه من وطء بساطه، فلم يهتز لذلك، وتوجه نحو بغداد في جمادى الآخرة فضرب سرادقه بازاء دار الخلافة من الجانب الغربي، وبات أهل بغداد على وجل شديد وتوفيت والدة نقيب [2] الطالبيين فقعد في الكرخ للعزاء بها، فمضى إليه سيف الدولة فنثر عليه أهل الكرخ، وتهدد دار الخلافة، وقال: انكم استدعيتم السلطان فإن أنتم صرفتموه، وإلا فعلت وفعلت، فنفذ إليه أنه لا يمكن رد السلطان بل نسعى في الصلح فانصرف دبيس، فسمع أصوات أهل باب الأزج يسبونه، فعاد وتقدم بالقبض عليهم فأخذ جماعة منهم وضربوا بباب النوبي، ثم انحدر، ثم دخل السلطان محمود في رجب وتلقاه الوزير أبو على بن صدقة، وخرج إليه أهل باب الأزج، فنثروا عليه الدنانير وفوضت شحنكية [3] بغداد إلى برنقش الزكوي.
وفي شعبان هذه السنة بعث دبيس زوجته المسماة شرف خاتون بنت عميد الدولة ابن جهير إلى السلطان/ وفي صحبتها عشرون ألف دينار وثلاثة عشر رأسا من الخيل، 77/ أفما وقع الرضا عنه وطولب بأكثر من هذا، فأصر على اللجاج، ولم يبذل شيئا آخر، فمضى السلطان إلى ناحيته فبعث يطلب الأمان مغالطة لينهزم، فلما بعث إليه خاتم الأمان دخل البرية، فدخل السلطان الحلة فبات بها ليلة.
[تقدم المسترشد بإراقة الخمور]
وفي هذه السنة: تقدم المسترشد بإراقة الخمور التي بسوق السلطان ونقض بيوتهم.
__________
[1] في الأصل: «حبيشه فبدأ بالنهب في أطرفهم وبدأ بالمدائن فعسكر بها» .
[2] في ص، ط: «شديد ونعيت والدة نقيب» .
[3] في ص، ط: «الدنانير ونصت شحنكيته» .

(17/187)


وفيها: رد وزير السلطان السميرمي المكوس والضرائب، وكان السلطان محمد قد أسقطها في سنه احدى وخمسمائة.
ودخل السلطان محمود فتلقاه الوزير والموكب، وطالب بالإفراج عن الأمير أبى الحسن، فبذل له ثلاثمائة ألف دينار ليسكت عن هذا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3887- أحمد بن عبد الوهاب بن هبه الله بن عبد الله ابن السيبي، أبو البركات:
[1] سمع أبا الحسين بن النقور، وأبا محمد الصريفيني، وأبا القاسم ابن البسري، وغيرهم. وحدث عنهم وروى عنه الخليفة المقتفي، وكان يعلم أولاد المستظهر، فأنس بالمسترشد، فلما صارت الخلافة إليه وقبض على ابن الخرزي رد إلى هذا الرجل النظر في المخزن، فولى ذلك سنة وثمانية أشهر، وكان كثير الصدقة متعهدا لأهل العلم، وخلف مالا حزر بمائة ألف دينار، وأوصى بثلثي ماله، ووقف وقوفا على مكة والمدينة.
ومات عن ست وخمسين سنة وثلاثة أشهر، وصلى عليه بالمقصورة في جامع القصر الوزير أبو على بن صدقة، وأرباب الدولة، ودفن عند جده أبى الحسن القاضي بباب حرب.
3888- أحمد بن على بن محمد بن الحسن بن عبدون، أبو سعد المقرئ:
[2] 77/ ب سمع/ أبا محمد التميمي، وأبا الفضل بن خيرون، وأبا الحسين ابن الطيوري [3] ، وكان ستيرا صالحا، يصلى في المسجد المعروف بالوراقين، وتوفي في ربيع الآخر، ودفن بباب حرب.
3889- أحمد بن محمد بن على البخاري، أبو المعالي:
ولد سنة ثلاثين، وسمع أبا طالب بن غيلان، والجوهري وغيرهما، وسماعه صحيح، وكان مستورا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 187، والكامل 9/ 206، وفيه: «السبي» ) .
[2] في ت: «أبو سعيد المقرئ» .
[3] في الأصل: «وأبا الحسن ابن الطيوري» .

(17/188)


وتوفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3890- أحمد بن الخطاب، ويعرف بابن صوفان، أبو بكر الحنبلي:
سمع أبا بكر الخياط، وأبا على ابن البناء، وقرأ عليه القراءات، وكان صالحا مستورا، يقرئ القرآن، ويؤم الناس، وتوفي في ذي القعدة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3891- أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الضبي المحاملي العطار:
[1] كان يبيع العطر، وكان مستورا، سمع أبا الحسين ابن الآبنوسي، وأبا الحسين الملطى، وأبا محمد الجوهري، روى عنه أبو المعمر الأنصاري، وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، ودفن بباب الأزج.
3892- سعد الله بن علي بن الحسين بن أيوب، أبو محمد بن أبي الحسين:
[2] روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي الحسين ابن المهتدي، وأبي جعفر ابن المسلمة، وابن النقور في آخرين، وكان ستيرا صالحا، صحيح السماع، حسن الطريقة.
توفي في رجب ودفن بالشونيزي.
3893- عبيد الله بن نصر بن السري الزاغوني [أبو محمد] [3] المؤدب والد شيخنا أبي الحسن
سمع أبا محمد الصريفيني، وابن المهتدي، وابن المسلمة، وابن المأمون، وخلقا كثيرا. وكان من حفاظ القرآن وأهل الثقة والصيانة والصلاح، وجاوز الثمانين.
وتوفي يوم الاثنين عاشر صفر، ودفن بمقبرة باب حرب.
3894- عبد الرحمن بن محمد بن شاتيل، أبو البركات الدباس:
[4] سمع القاضي أبا يعلى، وأبا بكر الخياط، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن المهتدي، وابن النقور، والصريفيني وغيرهم. وكان مستورا من أهل القرآن والحديث، وسماعه صحيح.
__________
[1] في ت: «أبو الحسين» .
[2] في ت: «سعد الله بن علي بن الحسين» .
[3] في الأصل: «عبد الله بن نصر» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] الدبّاس: نسبة إلى بيع الدبس.

(17/189)


78/ أوتوفي في ليلة الاثنين سابع ذي القعدة، / ودفن بمقبرة باب حرب.
3895- عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة، أبو نصر ابن القشيري:
[1] قرأ على أبيه، فلما توفي سمع من أبي المعالي الجويني وغيرهما، وسمع الحديث من جماعة، وكان له الخاطر الحسن والشعر المليح، وورد إلى بغداد، ونصر مذهب الأشعري، وتعصب له أبو سعد الصوفي عصبية زائدة في الحد إلى أن وقعت الفتنة بينه وبين الحنابلة، وآل الأمر إلى أن اجتمعوا في الديوان فأظهروا الصلح مع الشريف أبي جعفر، وحبس الشريف أبو جعفر في دار الخلافة، ونفذ إلى نظام الملك وسئل أن يتقدم إلى ابن القشيري بالخروج من بغداد لإطفاء الفتنة، فأمره بذلك، فلما وصل إليه أكرمه وأمره بالرجوع إلى وطنه.
قال ابن عقيل: كان النظام قد نفذ ابن القشيري إلى بغداد فتلقاه الحنابلة بالسب، وكان له عرض فأنف من هذا فأخذه النظام إليه، ونفذ لهم البكري، وكان ممن لا خلاق له، وأخذ يسب الحنابلة ويستخف بهم.
توفي أبو نصر ابن القشيري في جمادي الآخرة من هذه السنة بنيسابور، وأقيم له العزاء في رباط شيخ الشيوخ.
3896- عبد العزيز بن علي بن عمر، أبو حامد الدينَوَريّ:
[2] كان أحد أرباب الأموال الكثيرة، وعرف بفعل الخير والإحسان إلى الفقراء، وكانت له حشمة، وتقدم عند الخليفة وجاه عند التجار، سمع أبا محمد الجوهري، روى عنه أبو المعمر الأنصاري.
وتوفي في هذه السنة بهمذان.
3897- محمد بن محمد بن علي بن الفضل، أبو الفتح الخزيمي:
[3]
__________
[1] في ت: «أبو نصر بن أبي القاسم» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 187، وفيه: «عبد الرحيم بن عبد الكبير بن هوازن» ، وشذرات الذهب 4/ 45، والكامل 9/ 206) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 188) .
[3] في ت: «الحرتمي» .

(17/190)


دخل بغداد سنة تسع وخمسمائة، فحدث عن أبي القاسم القشيري وجماعة من نظرائه ووعظ، وكان مليح الإيراد، حلو المنطق، ورأيت من مجالسه أشياء قد علقت عنه فيها كلمات، ولكن أكثرها ليس بشيء، فيها أحاديث موضوعة، وهذيانات فارغة يطول ذكرها. فكان مما قال: أنه روى في الحديث المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة فرأى بكشحها بياضا فقال: «ألحقي بأهلك» فزاد فيه: «فهبط جبريل، وقال: العلي الأعلى يقرئك/ السلام ويقول لك بنقطة واحدة من العيب ترد عقد النكاح ونحن بعيوب 78/ ب كثيرة لا نفسخ عقد الإيمان مع أمتك لك نسوة تمسكهن لأجلك امسك هذه لأجلي.
قال المصنف: وهذا كذب فاحش على الله تعالى وعلى جبريل، فإنه لم يوح إليه شيء من هذا، ولا عوتب في فراقها، فالعجب من نفاق مثل هذا الكاذب في بغداد ولكن على السفساف والجهال.
وكذلك مجالس أبى الفتوح الغزالي، ومجالس ابن العبادي فيها العجائب والمنقولات المتخرصة والمعاني التي لا توافق الشريعة، وهذه المحنة تعم أكثر القصاص، بل كلهم لبعدهم عن معرفة الصحيح، ثم لاختيارهم ما ينفق على العوام كيف ما اتفق.
احتضر الخزيمي بالري فأدركه حين نزعه قلق شديد، قيل له: ما [هذا الانزعاج العظيم؟] [1] فقال: الورود على الله شديد [2] ، فلما توفي دفن بالري عند قبر إبراهيم الخواص.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «فقال: القدوم على الله شديد» .

(17/191)


ثم دخلت سنة خمس عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن السلطان محمودا خرج من بغداد متصيدا، فورد الخبر إليه بوفاة جدته أم أبيه، فعاد عن متصيده وجلس للعزاء بها في حجرة من دار المملكة هو وخواصه، وجلس وزيره أبو طالب على بن أحمد وكافة أرباب الدولة واعيان العسكر في صحن الدار، وحضر عندهم الوزير أبو علي بن صدقة والموكب في الأيام الثلاثة بثياب العزاء، ونصب كرسي للوعظ، فتكلم عليه أبو سعد إِسْمَاعِيل بن أحمد، وأبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي إلى الطوسيان، وجاء ابن صدقة في اليوم الرابع ومعه الموكب لإقامة السلطان من العزاء وإفاضة الخلع عليه، ففعل ذلك وعزم السلطان محمود على الخروج من بغداد فقيل له: من دار الخلافة ينبغي أن تقيم في هذا الصيف عندنا، وكان ذلك من 79/ أخوف سيف الدولة، فقال/: إن معي هذه العساكر، فقيل له: أنا لا نترك غاية فيما يعود إلى الإقامة، واستقر أن يزيحوا العلة في نفقة أربعة أشهر، ففرغت خزائن الوكلاء، واستقر أن يؤخذ من دور الحريم ودكاكينه ومساكنه أجرة شهر، فكتبت بذلك الجرائد، ورتب لذلك الكتاب والمشرف والجهبذ، وجبي من ذلك مبلغ وافر في مدة ثلاثة أيام، فكثرت الشكايات، فنودي برفع ذلك وإعادة ما جبى على أربابه، والتفت إلى الاستقراض من ذوي الأموال.
وفي صفر: وجد مقتولًا بالمختارة، فجاء أصحاب الشحنة فكبسوا المحلة وطلبوا الحامي، فهرب فجاء نائب الشحنة إلى باب العامة بالعدد الكثيرة والسلاح الظاهر،

(17/192)


وتوكل بدار ابن صدقة الوزير ووكل به عشرة، وبدار ابن طلحة صاحب المخزن، وبدار حاجب الباب ابن الصاحب، وقال: أنا أطالبكم بجناية المقتول.
وفي ربيع الآخر: أعيدت المطالبة بما ينسب إلى حق البيعة، وتزايد الأمر في ذلك وكثر الأذى.
وفي يوم الجمعة ثامن ربيع الأول: استدعى على بن طراد النقيب بحاجب من الديوان، فلما حضر قرأ عليه الوزير ابن صدقة توقيعا مضمونه: قد استغنى عن خدمتك، فمضى وأغلق بابه وكانت ابنته متصلة بالأمير أبى عبد الله بن المستظهر وهو المقتفي، فكان الوزير ابن صدقة يتقرب منه ولا يباسطه في دار الخلافة، فلما كان يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول انحدر الوزير أبو طالب السمري متفرجا، فلما حاذى باب الأزج عبر إليه على بن طراد وذكر له الحال فوعده ثم خاطبه في حقه فرضي عنه، وأعيد إلى النقابة في ثاني ربيع الآخر.
وفي عشية [يوم] [1] الثلاثاء خامس ربيع الأول انقض كوكب، وصارت منه أعمدة عند انقضاضه وسمع عند ذلك صوت هزة عظيمة كالزلزلة [2] .
وفي ليلة النصف من ربيع الأول [3] خلع في دار السلطان على القاضي/ أبي 79/ ب سعد الهروي، وركب إلى داره بقراح ابن رزين، ومعه كافة الأمراء، ونفذ أمره في القضاء بجميع الممالك سوى العراق مراعاة لقاضي القضاة أبي القاسم الزينبي [4] لما يعلم من ميل المسترشد إليه، وخرج الهروي في هذا الشهر إلى سنجر برسالة من المسترشد ومن السلطان محمود وأصحب تشريفات وحملانا، وسار في تجمل كثير.
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادي الأولى: صرف كاتب ديوان الزمام عنه، وهو شمس
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وسمع عند ذلك صوت هذه الزلزلة» .
وما أوردناه من ت.
[3] «انقض كوكب ... النصف من ربيع الأول» : العبارة ساقطة من ص، ط.
[4] في ص، ط: «أبي عبيد الله الزينبي» ..

(17/193)


الدولة أبو الحسن على بن هبة الله ابن الزوال، ووقع بذلك بالنظر في ديوان الزمام مضافا إلى ديوان الإنشاء.
[وقوع حريق في دار المملكة]
وفي عتمة يوم الأحد رابع جمادى الآخرة: وقع الحريق في دار المملكة، فاحترقت الدار التي استجدها بهروز الخادم، وكان السبب أن جارية كانت تختضب بالحناء في الليل، وقد أسندت الشمعة إلى خيش، فعلقت به النار، فما تجاسرت أن تنطق فاحترقت الدار، وكان السلطان نائما على السطح فنزل وهرب إلى سفينة، ووقف وسط دجلة، وقيل: أنه مضى إلى دار برنقش الزكوي، وذهب من الفرش والآلات والأواني واللؤلؤ والجوهر ما يزيد على قيمة ألف ألف دينار، وغسل غسالون التراب فظفروا بالذهب والحلي سبائك، ولم يسلم من الدار شيء ولا خشبة واحدة، وعاد السلطان إلى دار المملكة، وتقدم ببناء دار له على المسناة المستجدة، وأن تعمل آزاجا استظهارا، وأعرض عن الدار التي احترقت، وقال: إن أبي لم يتمتع بها ولا امتد بقاؤه بعد انتقاله إليها، وقد ذهبت أموالنا فيها فلا أريد عمارتها، ومضى الوزير ابن صدقة إليه مهنئا بسلامة نفسه.
[وصول الخبر بحريق جامع أصفهان]
ثم وصل الخبر من أصفهان بعد يومين بحريق جامع أصفهان، وأن ذلك كان في الليلة السابعة [والعشرين من ربيع الآخر] [1] قبل حريق الدار السلطانية بثمانية أيام، وهذا جامع كبير أنفقت الأموال في العمارة له، وكان فيه من المصاحف الثمينة نحو خمسمائة مصحف، من جملتها مصحف ذكر أنه بخط أبيّ بن كعب، واحترقت فيه 80/ أأخشاب/ اعترم عليها زائد على ألف ألف دينار، وورد من أصفهان بعد ذلك القاضي أبو القاسم إِسْمَاعِيل بن أبي العلاء صاعد بن محمد البخاري، ويعرف بابن الدانشمنده مدرس الحنفيين، وجلس في دار السلطان للوعظ في رمضان، وحضر السلطان وكافة أوليائه ثم اجتمع الشافعيون في دار الخلافة شاكين من هذا الوعظ، وذكروا أنه تسمح بذكر أصحابهم وغض منهم.
[قتل العيارين مسلحيا بالمختارة]
وقتل العيارون مسلحيا بالمختارة، فشكا الشحنة سعد الدولة إلى الديوان ما يتم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/194)


منهم، واستأذن في أخذ المتشبهين فأذن له فأخذ [1] من كان مستورا وغير مستور، فغلقت المساجد مع صلاة المغرب ولم يصل بها أحد العشاء.
وتصيد السلطان في شعبان، ثم قدم فمضى إليه القاضي الزينبي وابن الأنباري وإقبال ونظر والأماثل، فحلف السلطان بمحضر منهم للخليفة على الطاعة والمناصحة ثم أنفذ السلطان في عشية ذلك اليوم هدية إلى الخليفة.
فلما كان يوم الاثنين رابع عشرين شعبان جلس المسترشد في الدار الشاطئية المجاورة للمثمنة، وهى من الدور البديعة التي أنشأها المقتدى وتممها المسترشد، فجلس في قبة على سدة وعليه الثوب المصمت الأسود [2] ، والعمامة الرصافية، وعلى كتفه بردة النبي صلى الله علية وسلم، وبين يديه القضيب، وحضر الدار وزيره أبو على بن صدقة ورتب الأمور وأقام في كل باب حاجبا بمنطقة ومعه عشرون غلاما من الدار، وانفرد حاجب المخزن ابن طلحة في مكان ومعه التشريف، وجلس الوزير في كم الحيرتي [3] ، واستدعى له أرباب المناصب، وحضر متقدمو العلماء وأتى وزير السلطان أبو [الحسن على [4] بن] أحمد السميرمي [5] والمستوفي وخواص دولتهم، ثم وقف الوزير أبو علي بن صدقة عن يسار السدة والوزير/ أبو طالب عن يمينه، ثم أقبل السلطان محمود 80/ ب ويده في يد أخيه مسعود وكان قد نفذ إليه الزبزب مع إقبال [ونظر] [6] ، فلما صعد منه قدم مركوبة عند المثمنة فركب إلى باب الدركاه ثم مشى من هناك، فلما قرب استقبله الوزيران ومن معهما وحجبوه إلى بين يدي الخليفة، فلما قاربوا كشفت الستارة لهما ووقف السلطان في الموضع الذي كان وزيره قائما فيه وأخوه مما يليه فخدما ثلاث دفعات، ووقفا والوزير ابن صاعد يذكر له عن الخليفة أنسه به وتقربه وحسن اعتقاده فيه، ثم أمر الخليفة بإفاضة الخلع عليه فحمل إلى مجنب البهو ومعه أخوه وبر نقش وريحان،
__________
[1] في ص، ط: «في أخذ المتشبهين فأخذاه فأخذ من» .
[2] في المطبوعة: «الثوب المصمط» .
[3] في ص، ط، والأصل: «في كم الجاري» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص: «أبو علي أحمد السميرمي» ، وفي ت: «السلطان أبو طالب علي بن السميرمي» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/195)


وتولى إفاضة ذلك عليه صاحب المخزن وإقبال ونظر، وفي الساعة التي كان مشتغلا فيها بلبس الخلع كان الوزيران قائمين بين يدي الخليفة يحضران الأمراء أميرا أميرا فيخدم ويعرف خدمته فيقبل الأرض وينصرف، ثم عاد السلطان وأخوه فمثلا بين يدي الخليفة وعلى محمود الخلع السبعة والطوق والتاج والسواران فخدما وأمر الخليفة بكرسي فجلس عليه السلطان، ووعظه الخليفة وتلا عليه قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 99: 7- 8 [1] ، وأمره بالإحسان إلى الرعية، ثم أذن للوزير أبي طالب في تفسير ذلك عليه، ففسره وأعاد عنه أنه قال: وفقني الله لقبول أوامر مولانا أمير المؤمنين وارتسامها، فالسعادات معها متيسرة. وهي بالخيرات مبشرة، وسلم الخليفة إلى الوزيرين سيفين وأمرهما أن يقلدا بهما السلطان، فلما فعلا قال له: اقمع بهما الكفار والملحدين.
وعقد الخليفة بيده لوائين حملا معه، وخدم، ثم خرج فقدم إليه في صحن الدار 81/ أفرس من مراكب/ الخليفة بمركب حديد صيني وقيد بين يديه أربعة أفراس بمراكب ذهب، وأذن الخليفة بعد ذلك لأرباب الدولة وأهل العلم والأشراف والعدول، وعرفه الوزير رجلا رجلا منهم، والخليفة ملتفت إليه مصغ إلى أدعيتهم، معط لكل واحد ما يصلح من النظر إليه ومن خطابه، ثم صعد ابن صدقة في اليوم الذي يلي هذا اليوم في الزبزب إلى السلطان، فتعرف خبره عن الخليفة، وأفاض عليه الملابس التي كانت على الخليفة وقت جلوسه، وانحدر الوزير إلى دار الوزير أبي طالب فخلع عليه، وأطال مقامه عنده وخلوا في مهمات تجارياها.
[وقوع أمطار عظيمة]
وفي هذه السنة: وقعت أمطار عظيمة، ودامت واتصلت بجميع العراق، وأهلكت ما على رءوس النخل وفي الشجر من الأرطاب والأعناب والفواكه، وما كان في الصحاري من الغلات، فلما كان انتصاف الليل من ليلة السبت وهي ليلة الحادي والعشرين من كانون الثاني سقط الثلج ببغداد ودام سقوطه إلى وقت الظهر من الغد فامتلأت به الشوارع [2] والدروب، وقام نحو ذراع وعمل منه الأحداث صور السباع
__________
[1] سورة: الزلزلة، الآية: 7، 8.
[2] في الأصل: «إلى وقت الغد الظهر وامتلأت به الشوارع» . وفي ص، ط: «إلى وقت سقوطه من الغد الظهر فامتلأت به الشوارع» . وما أوردناه من ت.

(17/196)


والفيلة، وعم سقوطه من بين تكريت إلى البطيحة، ونزل على الحاج بالكوفة.
وقد ذكرنا في كتابنا هذا أن الثلج وقع في سنين كثيرة في أيام الرشيد والمقتدر والمعتمد والطائع والمطيع والقادر والقائم، وما سمع بمثل هذا الواقع في هذه السنة، فإنه بقي خمسة عشر يوما ما ذاب، وهلك شجر الأترج والنارنج والليمون، ولم تهلك البقول والخضر، ولم يعهد سقوط الثلج بالبصرة إلا في هذه السنة.
أنبأنا أبو عبد الله ابن الحراني، قال: لما نزل الوفر ببغداد في سنة/ خمس عشرة، 81/ ب قال بعض شعراء الوقت:
يا صدور الزمان ليس بوفر ... ما رأيناه في نواحي العراق
إنما عم ظلمكم سائر الخلق ... فشابت ذوائب الآفاق
ونفذ من دار الخلافة بالقاضي أبي منصور إبراهيم بن سالم الهيتي نائب الزينبي برسالة من الخليفة ومن السلطان، وكتب من الديوان إلى إيلغازي بسلامته من غزاة غزاها، ويأمرانه بإبعاد دبيس وفسخ النكاح بينه وبين ابنته، وقد كان لها زوج قبل دبيس سلجوقي، وكان قد دخل بها فقبض السلطان عليه واعتقله فورد بغداد شاكيا من إيلغازي ومحتجا عليه بأن نكاحه ثابت، فروسل بالهيتي فقال له: ان النكاح فاسد، فقال إيلغازي: إن النكاح الذي فسخه عامي لا ينفذ فسخه، فأجاب بجواب ارضاه عاجلا وحلف على طاعة الخليفة والسلطان.
وأما سيف الدولة فإنه كاتب الخليفة كتبا يستميل بها قلبه، ويذكر طاعته، فروسل في جواب كتابه بمكتوب [1] يسلك معه فيه الملاطفة، فدخل الحلة وأخرج أهلها فازدحموا على المعابر، فغرق منهم نحو خمسمائة، ودخل أخوه النيل، وأخرج شحنة السلطان منها، وكان السلطان ببغداد فحثه الخليفة على دبيس، فندب السلطان الأمراء لقصد دبيس فلما قصدوه أحرق من دار أبيه، وخرج من الحلة إلى النيل، فأخذ منها من الميرة، ودخل الأزير وهو نهر سنداد الذي يقول فيه الأسود بن يعفر.
والقصر ذي الشرفات من سنداد
__________
[1] في الأصل: «في جواب ذلك بمكتوب» .

(17/197)


فلما وصل العسكر الحلة وجدوها فارغة فقصدوا الأزير، فحاصره فراسله برنقش أن يحذر مخالفة السلطان وينفذ أخاه منصورا إلى الخدمة، فأجاب وخرج دبيس وعسكره ووقف بازاء عسكر برنقش فتحالفا وتعاهدا في حق منصور ونفذ به إليه، وعاد 82/ أالعسكر إلى بغداد ومعهم منصور، فحمله برنقش إلى/ خدمة السلطان، فأكرمه وبعثه مع برنقش إلى خدمة الخليفه.
ودخلت العرب من نبهان فيد فكسروا أبوابها وأخذوا ما كان لأهلها، فتوجع الناس لهم وعلموا أن خراب حصنهم سبب لانقطاع منفعة الناس من الحجيج، فعمل موفق [الخادم] [1] الخاتوني لهم أبوابا من حديد وحملها على اثني عشر جملا وأنفذ الصناع لتنقية العين والمصنع، وكانت العرب طموهما واغترم على ذلك مالا كثيرا، وتولى ذلك نقيب مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأعيدت المكوس والمواصير. وألزم الباعة أن يرفعوا إلى السلطان ثلثي ما يأخذونه من الدلالة في كل ما يباع، وفرض على كل نول من السقلاطون ثمانية أقساط وحبة، ثم قيل للباعة: زنوا خمسة آلاف شكرا للسلطان فقد تقدم بإزالة المكس.
ومرض وزير السلطان محمود فعاده السلطان وهنأه بالعافية فعمل له وليمة بلغت خمسين ألف دينار وكان فيها الأغاني والملاهي.
وفي رجب: أخذ القاضي أبو عبد الله ابن الرطبي شواء من الأعاجم فشهره فمضى وشكا إلى العجم، فأقبل العجم في خمسة غلمان أتراك [2] فأخذوه وسحبوه إلى دار السلطان، وجرت فتنة، وغلقت أبواب الحديد، ورجمهم العامة فعادوا على العامة بالدبابيس، فانهزموا وحملوه، فلما شرح الحال لوزير السلطان أعيد مكرما، وطولب أهل الذمة بلبس الغيار، فانتهى الأمر إلى أن سلموا إلى الخليفة أربعة آلاف، وإلى السلطان عشرين ألف دينار، وأحضر الجالوت فضمنها وجمعها.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «في خمسة غلمان الترك» .

(17/198)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3898-/ الحسن بن أحمد بن الحسن بن علي، أبو علي الحداد الأصفهاني:
[1] 82/ ب ولد سنة تسع عشرة [2] وأربعمائة وسمع أبا نعيم وغيره، انتهى إليه الإقراء والحديث بأصبهان.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة، عن ست وتسعين.
3899- خاتون السفرية:
[3] كانت حظية ملك شاه، فولدت له محمدا وسنجر، وكانت تتدين وتبعث حمال السبيل إلى طريق مكة، ولما حصلت في الملك بحثت عن أهلها وأمها وأخواتها حتى عرفت مكانهم، ثم بذلت الأموال لمن يأتيها بهم، فلما وصلوا إليها ودخلت أمها، وكانت قد فارقت أمها منذ أربعين سنة، فجلست البنت بين جوار يقاربنها في الشبه حتى تنظر هل تعرفها أم لا؟ فلما سمعت الأم كلامها نهضت إليها فقبلتها [4] وأسلمت الأم، فلما توفيت خاتون قعد لها السلطان محمود في العزاء على ما سبق ذكره. [5] وهذه المرأة تذكر في نوادر التاريخ [6] ، لأنهم قالوا: لا يعلم امرأه في الإسلام ولدت خليفتين أو ملكين سوى ولادة بنت العباس، لأنها ولدت لعبد الملك الوليد وسليمان ووليا الخلافة، وشاهفرند ولدت للوليد بن عبد الملك يزيد وإبراهيم، وكلاهما ولي الخلافة، والخيزران ولدت الهادي والرشيد، وهذه ولدت محمدا وسنجر، وكلاهما ولي السلطنة، وكان عظيما في ملكه.
3900- عبد الرزاق بن عبد الله، بن علي بن إسحاق الطوسي ابن أخي نظام [7] الملك.
كان [قد] [8] تفقه على الجويني، وأفتى وناظر، ثم وزر لسنجر، فترك طريقة
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 47) .
[2] في ت: «مولده سنة تسع عشرة» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 189، والكامل 9/ 154) .
[4] في ت: «نهضت إليها فقتلتها» .
[5] في الأصل: «في العزاء كما سبق ذكره» .
[6] في الأصل: «تذكر في التواريخ النادرة» .
[7] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 189، والكامل 9/ 210) .
[8] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/199)


الفقهاء واشتغل بالجند وتدبير الممالك، وتوفي في هذه السنة.
3901- عبد الوهاب بن حمزة، [أبو سعد] الفقيه الحنبلي العدل:
[1] سمع ابن النقور، والصريفيني وغيرهما، وتفقه على الشيخ أبي الخطاب وأفتى، وشهد عند أبي الحسن الدامغانيّ، وكان مرضي الطريقة حميد السيرة [2] من أهل السنة، توفي في شعبان، ودفن بباب حرب.
3902-[علي بن يلدرك الكاتب، أبو الثناء [3] الزكي:
كان شاعرا ذكيا ظريفا مترسلا وله شعر مطبوع.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بباب حرب] [4] .
83/ أقال المصنف: نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل، قال: حدثني الرئيس/ أبو الثناء بن يلدرك وهو ممن خبرته بالصدق أنه كان بسوق نهر معلى، وبين يديه رجل على رأسه قفص زجاج، وذاك الرجل مضطرب المشي يظهر منه عدم المعرفة بالحمل، قال:
فما زلت أترقب منه سقطة لما رأيت من اضطراب مشيه، فما لبث أن زلق زلقة طاح منها القفص فتكسر جميع ما كان فيه، فبهت الرجل ثم أخذ عند الإفاقة من البكاء يقول: هذا والله جميع بضاعتي، والله لقد أصابني بمكة مصيبة عظيمة توفي على هذه ما دخل قلبي مثل هذه، واجتمع حوله جماعة يرثون له ويبكون عليه وقالوا: ما الذي أصابك بمكة؟
فقال: دخلت قبة زمزم وتجردت للاغتسال وكان في يدي دملج فيه ثمانون مثقالا فخلعته واغتسلت ولبست وخرجت. فقال رجل [من الجماعة] [5] هذا دملجك له معي سنين، فدهش الناس من إسراع جبر مصيبته.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 47) .
[2] في ط، ص: «مرضي الطريقة جميل السيرة» .
[3] في ص: «أبو البناء الزكي» والترجمة ساقطة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/200)


3903- علي [بن] المدير، الزاهد:
[1] كان يسكن دار البطيخ من الجانب الغربي، وله مسجد معروف اليوم به، وله بيت إلى جانبه، وكان يتعبد، فتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، وصلى عليه بجامع القصر، وكان يوما مشهودا، وحمل ودفن في البيت الذي إلى جانب مسجده.
3904- محمد بن علي بن عبيد الله الدنف، أبو بكر المقرئ:
[2] ولد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وسمع ابن المسلمة، وابن المهتدي، والصريفيني، وابن النقور، ونظراءهم. وتفقه علي الشريف أبي جعفر، وكان من الزهاد الأخيار، ومن أهل السنة، وانتفع به خلق كثير، وحدث بشيء يسير.
وتوفي في شوال، ودفن بباب حرب.
3905- محمد بن محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي [3] ، أبو علي العدل الخطيب:
[4] ولد في جمادي الأولى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وسمع ابن غيلان، / والقزويني، والجوهري، والطبري، ونظراءهم، وحدث عنهم وهو آخر من حدث عن 83/ ب العتيقي وأبي منصور ابن السواق وأبي القاسم بن شاهين، وكان ثقة عدلا دينا صالحا، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، وهو آخر من بقي من شهود القائم بأمر الله، وكان من ظراف البغداديين ومحاسن الهاشميين، ومات عن ثلاث وثمانين سنة.
وتوفي يوم الجمعة خامس عشرين شوال، وحضر قاضي القضاة الزينبي والنقيبان والأعيان، ودفن بباب حرب.
3906- محمد بن محمد بن الجزري، أبو البركات [5] البيع:
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ت. وفي ت: «على المدين الزاهد» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 47، وفيه: «محمد بن علي بن عبيد الدنف البغدادي» ) .
[3] في ت: «ابن عبيد الله بن المهدي» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 48) .
[5] في ت: «الخرزي» .

(17/201)


سمع البرمكي والجوهري، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي في ليلة الأحد خامس عشرين ذي القعدة، ودفن بباب حرب.
3907- نزهة المعروفة بأم السادة [1] ، أم ولد المسترشد:
توفيت وحملت إلى الرصافة، وخرج معها عميد الدولة بن صدقة والجماعة بالنيل.
3908- هزارسب بن عوض بن الحسن الهروي، أبو الخير:
[2] سمع من ابن النظر، وطراد، وأقرانهما الكثير، وكتب الكثير، وأفاد الطلبة من الغرباء والحاضرين، وكان ثقة من أهل السنة، خيرا واخترمته المنية قبل أوان الرواية.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] في ص، ط، ت: «نزهة المعروفة بست السادة» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 48، وفيه: هزاراست» . والكامل 9/ 212،

(17/202)


ثم دخلت سنة ست عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في عشية يوم الأحد خامس عشر المحرم استدعى الوزير أبو طالب علي بن أحمد السميرمي، وخاطبه في معنى دبيس فإن في قربه من مدينة السلام خطرا على أهلها، وإنا نؤثر مقام آقسنقر البرسقي عندنا لأنا لا نشك في نصحه، فوافق السلطان محمود على ذلك، وكوتب البرسقي لينحدر، وأرسل في ذلك سديد الدولة أبو عبد الله ابن الأنباري، فأقبل إلى بغداد فخرج وزير السلطان فتلقاه، ونصبت له الخيم بتولي فراشي الخليفة الخواص.
وفي يوم الأربعاء/ حادي عشر المحرم: قصد برنقش دار الخلافة ومعه منصور 84/ أأخو دبيس، وأنزل عند باب النوبي فقبل الأرض وجلس عند حاجب الباب ليطالع بحاله، ثم مضى برنقش إلى الديوان، وقال: إن السلطان يخاطب في الرضا عن منصور ويشفع في ذلك، فنزل الجواب عرف حضور منصور بالشفاعة المغيثية معتذرا مما جرى من الوهلات، وتقدم من الإساءات وما دام مع الرايات المغيثية فهو مخصوص بالعناية مشمول بالرعاية.
[زيادة الماء حتى خيف على بغداد من الغرق]
وفي هذه السنة: زاد الماء حتى خيف على بغداد من الغرق، وتقدم إلى القاضي أبي العباس ابن الرطبي [1] بالخروج إلى القورج ومشاهدة ما يحتاج إليه، وهذا القورج الذي غرق الناس منه في سنة ست وستين تولى عمارته نوشتكين خادم أبي نصر بن جهير
__________
[1] في الأصل: «أبي العباس الزيني» .

(17/203)


وكتب اسمه عليه وضرب عليه خيمه ولم يفارقه حتى أحكمه، وغرم عليه ألوف دنانير من مال نفسه، وسأله محمد الوكيل أن يأخذ منه ثلاثة آلاف دينار ويشاركه في الثواب فلم يفعل، وقال: إخراج المال عندي أهون، وحاجتي إلى الله تعالى أكثر من حاجتي إلى المال.
وفي يوم الأربعاء رابع عشر [1] صفر: مضى الوزير أبو علي بن صدقة ومعه موكب الخليفة إلى القورج، واجتمع بالوزير أبي طالب، ووقفا على ظهور مراكبهما ساعة ثم انصرفا، فما استقر الناس في منازلهم حتى جاء مطر عظيم أجمع الأشياخ أنهم لم يروا مثله في أعمارهم، ووقع برد عظيم معه ولم يبق بالبلد دار إلا ودخل الماء من حيطانها [2] وأبوابها وخرج من آبار الناس.
وفي هذا الوقت: ورد الحاج شاكرين لطريقهم واصفين نعمة الله تعالى بكثرة الماء والعشب ورخص السعر، وكانت الكسوة نفذت على يدي [القاضي] [3] أبي الفتح 84/ ب ابن البيضاوي، وأقام بالمدينة لعمارة ما تشعث/ من مسجدها.
وفي عشية سلخ صفر: تقدم السلطان بالاستظهار على منصور بن صدقة، ونفذ إلى مكان فوثق عليه.
[خروج السلطان محمود من بغداد]
وفي يوم الأربعاء غرة ربيع الأول: خرج السلطان محمود من بغداد وكان مقامه بها سنة وسبعة أشهر وخمسة عشر يوما، ثم نودي في يوم الجمعة ثالث ربيع الأول بإسقاط المكوس والضرائب وما وضع على الباعة من قبل السلطان، ثم استدعى البرسقي إلى باب الحجرة، وفووض في أمر دبيس، فقابل ذلك بالسمع والطاعة، فخلع عليه وتوجه إلى صرصر، واقترح أن يخرج معه ابن صدقه، فاعتذر الخليفة بأن مهام الخدمة منوطة به، وأخرج عوضه أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم ابن الأنباري سديد الدولة، ونودي في الحريم أنه متى أقام جندي ولم يخرج للقتال فقد برئت منه الذمة، وعبر دبيس ونفذ إلى البرسقي يقول له: قد أغنيتك عن العبور وصرت معك على أرض واحدة، وظفر
__________
[1] في الأصل: «في يوم الأحد رابع عشر» .
[2] في الأصل: «إلا ودخل النار من حيطانها» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/204)


الأتراك بثلاثين رجلا من السواد [ية يريدون أن] [1] يفجروا نهرا فقتلهم الأتراك، ثم تصاف العسكران يوم الخميس سلخ ربيع الأول فأجلت الوقعة عن هزيمة البرسقي، فقد كان في خمسة آلاف فارس نصفهم لابس، وكان عسكر دبيس في خمسة آلاف فارس بأسلحة ناقصة، وعدد مقصرة إلا أن رجالته كانت كثيرة، وكان سبب هزيمة البرسقي أنه رأى في الميسرة خللا، فأمر بحط خيمته لتنصب عندهم ليشجعهم بذلك وكان ذلك ضلة من الرأي، لأنهم لما رأوا الخيمة قد حطت أشفقوا فانهزموا، وكان الحر شديدا فهلكت البراذين والهمالج عطشا وترقب الناس من دبيس بعد هذا [2] ما يؤذي فلم يفعل، وأحسن السيرة فيما يرجع إلى أعمال الوكلاء، وراسل الخليفة بالتلطف [3] ، وتقررت قواعد الصلح واستقر إنفاذ قاضي القضاة الزينبي ليحلف سيف الدولة/ على المستقر 85/ أفعله بعد الصلاح، فاستعفي فأعفي ونص على أبي العباس ابن الرطبي فخرج مع ناصح الدولة أبي عبد الله الحسين ابن جهير وتبعهما إقبال الخادم، وعادوا إلى الحلة، فقصدوا وقت دخولهم دار الوزير ابن صدقة ليوهموه خلاف ما هم عليه من تقرر الأحوال على عزله، فلم يخف عليه ولا على الناس، وعرف أن التقريرات استقرت بينهم عليه وانزعج وكان كل واحد من دبيس وابن صدقة معلنا بعداوة الآخر، فبكر ابن صدقة إلى الديوان على عادته، وجلس في الموكب، وكان يوم الخميس، وخرج جواب ما أنهى ثم استدعي إلى مكان وكل به فيه، ونهبت داره التي كان يسكنها بباب العامة ودور حواشيه وأتباعه، وقبض على حواشيه وعلى عز الدولة أبي المكارم ابن المطلب، ثم أفرح عنه ورد إليه ديوان الزمام بعد ذلك.
[استدعاء علي بن طراد إلى باب الحجرة]
وفي غداة يوم الجمعة الحادي والعشرين من جمادي الأولى: استدعى بأمر الخليفة [4] علي بن طراد إلى [باب] [5] الحجرة، وأخرجت له خلع من ملابس الخاص، ووقع له بنيابة الوزارة، وكان نسخة التوقيع: «محلك يا نقيب النقباء من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وترقب الناس بعد هذا من دبيس ما يؤذي» .
[3] في ص: «وراسل الخليفة بالتلفظ» .
[4] في ص: «من جمادى الأولى تقدم الخليفة باستدعاء» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/205)


شريف الآباء وموضعك الحالي بالاختصاص والاختيار ما يقتضيه إخلاصك المحمود اختياره، الزاكية آثاره توجب التعويل عليك في تنفيذ المهام، والرجوع إلى استصوابك في النيابة التي يحسن بها القيام، وجماعة الأولياء والأتباع مأمورون بمتابعتك وامتثال ما تصرفهم عليه من الخدم في إبدائك وإعادتك، فاحفظ نظام الدين، وتقدم إلى من جرت عادته بملازمة الخدمة وسائر الأعوان، وتوفر على مراعاة، الأحوال بانشراح [1] صدر وفراغ 85/ ب بال، فإن الإنعام لك شامل، وبنيل آمالك/ كافل إن شاء الله» .
ثم تقدم الخليفة بعد مدة من عزل الوزير بإطلاقه إلى دار يمن، وجمع بينه وبين أهله وولده وفعل معه الجميل.
ثم قدم أقضى القضاة أبو سعد الهروي من العسكر بهدايا من سنجر ومال، وأخبر أن السلطان محمود قد استوزر عثمان بن نظام الملك، وقد [عول] [2] عثمان على القاضي الهروي بأن يخاطب الخليفة في أن يستوزر أخاه أبا نصر أحمد بن نظام الملك، وأنه لا يستقيم له وزارة وابن صدقة بدار الخلافة، وقال: أنا أتقدم إلى من يحاسبه على ما نظر للسلطان فيه من الأعمال ويحاققه. وأن أراد المسالمة فالدنيا بين يديه، فليتخير أي موضع أحب فليقم فيه، فتخير ابن صدقة حديثة الفرات ليكون عند سليمان بن مهارش، فأجيب وأخرج وحقر فوقع عليه يونس الحرمي، وجرت له معه قصص وضمانات حتى وصل الحديثة، ورأى في البرية رجلا فاستراب به، ففتش فإذا معه كتاب من دبيس إلى يونس يحثه على خدمة الوزير أبي علي وكتاب باطن يضمن له إن سلمه إليه ستة آلاف دينار عينا وقرية يستغلها كل سنة ألفي دينار.
واستدعى أبو نصر أحمد بن نظام الملك في نصف رمضان من داره بنقيب النقباء على بن طراد وابن طلحة صاحب المخزن، ودخل إلى الخليفة وحده، وخرج مسرورا، وأفردت له دار ابن جهير بباب العامة، وخلع عليه في شوال، وخرج إلى الديوان وقرئ عهده وكان علي بن طراد بين يديه يأمر وينهى، وأمر بملازمة مجلسه.
فأما حديث دبيس فقد ذكرنا ما تجدد بينه وبين الخليفة من الطمأنينة وأسباب
__________
[1] في الأصل: «مراعاة الأخوان بانشراح صدر» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/206)


الصلح، فلما كان ثاني رمضان بعث طائفة من أصحابه فاستاقوا مواشي نهر الملك، وكانت فيما قيل تزيد على مائة ألف رأس، فبعث الخليفة إليه عفيفا الخادم يقبح له ما فعل، فلما وصل إليه اخرج دبيس ما في نفسه وما عومل به من الأمور/ الممضة منها 86/ أأنهم ضمنوا له هلاك ابن صدقة عدوه، فأخرجوه من الضيق إلى السعة، وأجلسوا ابن النظام في الوزارة شيئا فشيئا ورياء [1] ، ومنها أنه خاطبهم في إخراج البرسقي من بغداد فلم يفعلوا، ومنها أنهم وعدوه في حق أخيه منصور أنهم يخاطبوا في إصلاح حاله وخلاصه من اعتقاله، وأنه كتب إليه من العسكر أن انحراف دار الخلافة هو الموجب لأخذه، ولو أرادوا إخراجه لشفعوا فيه فهم عفيف بمجادلته، فلم يصغ دبيس إليه، وقال له: قد أجلتكم خمسة أيام فإن بلغتم ما أريده وإلا جئت محاربا، وتهدد وتوعد فبادر عفيف بالرحيل وأتت رجالة الحلة [2] ، فنهبوا نهر الملك، وافترشوا النساء في رمضان، وأكلوا وشربوا، فجاء عفيف فحكى للخليفة ما جرى.
وفي ذي الحجة: أخرج المسترشد السرادق، ونودي النفير فأمير المؤمنين خارج إلى القتال عنكم يا مسلمين [3] .
وغلا السعر، فبلغ ثلاثة أرطال بقيراط، وأمر المسترشد أن يتعامل الناس بالدراهم عشرة بدينار والقراضة اثني عشر بدينار.
وخرج الخليفة يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي الحجة من داره وعبر إلى السرادق ومعه الخلق.
قال المصنف: ولنذكر مبتدأ أمر هذا دبيس كما نفعل في ابتداء أمور الدول، وذلك أن أول من نبغ من بيته مزيد، فجعل إليه أبو محمد المهلبي وزير معز الدولة أبي الحسين بن بويه حماية سورا وسادها، فوقع الاختلاف بين بني بويه، وكان يحمي تارة ويغير أخرى، وبعث به فخر الملك أبو غالب إلى بني خفاجة سنة القرعاء، فأخذ الثار
__________
[1] في ت: «في الوزارة سبا شأ ورياء» .
[2] في الأصل: «وأتت رجالته» .
[3] في الأصل: «خارج عن القتال عنكم يا مسلمين» .

(17/207)


منهم ومات، فقام مقامه ابنه أبو الأعز دبيس، وكان عائنا قل أن يعجب بشيء إلّا هلك، 86/ ب حتى إنه نظر إلى ابنه بدران، فاستحسنه/ فمات، وكان يبغض ابن ابنه صدقة، وهو أبو دبيس هذا، فعوتب في هذا، فقال: رأيت في المنام كأنه قد بلغ أعنان السماء وفي يده فأس وهو يقلع الكواكب ويرمي بها إلى الأرض ووقع بعدها ولا شك أنه يبلغ المنزلة الزائدة وينفق في الفتن ويهلك أهل بيته، وتوفي أبو الأعز وخلف ثمانين ألف دينار، فولى مكانه ابنه منصور، ثم مات، فولي ابنه صدقة، فأقام بخدمة السلطان ملك شاه، ويؤدي إليه المال ويقصد بابه كل قليل، فلما قتل النظام استفحل أمره وأظهر الخلاف، وعلم أن حلته لا تدفع عنه فبنى [1] على تل بالبطيحة، وعول على قصده، أن دهمه عدو أو أمر وأن يفتح البثوق ويعتصم بالمياه وأخذ على ابن أبي الخير موثقا على معاضدته، ثم ابتاع من عربه مكانا هو على أيام من الكوفة، فأنفق عليه أربعين ألف دينار، وهو منزل يتعذر السلوك إليه وعمر الحلة، وجعل عليها سورا وخندقا، وأنشأ بساتين وجعل الناس [2] يستجيرون به، فأعطاه المستظهر دار عفيف بدرب فيروز، فغرم عليها بضعة عشر ألف دينار وتقدم الخليفة بمخاطبته بملك العرب، وكان قد عصى السلطان بركيارق، وخطب لمحمد، فلما ولى محمد صار له بذلك جاه عند محمد وقرر مع أخيه بركيارق أن لا يعرض لصدقه، وأقطعه الخليفة الأنبار، ودمما، والفلوجة، وخلع عليه خلعا لم تخلع على أمير قبله، فأعطاه السلطان واسطا، وأذن له في أخذ البصرة وصار يدل على السلطان الإدلال الذي لا يحتمله، وإذا وقع إليه رد التوقيع أو أطال مقام الرسول على مواعيد لا ينجزها، وأوحش أصحاب السلطان أيضا وعادى البرسقي، وكان يظهر بالحلة من سب الصحابة 87/ أما لا يقف عند حد، فأخذ العميد ثقة الملوك أبو جعفر فتاوى/ فيما يجب على من سب الصحابة، وكتب المحاضر فيما يجرى في بلد ابن مزيد من ترك الصلوات، وأنهم لا يعرفون الجمعة والجماعات ويتظاهرون بالمحرمات، فأجاب الفقهاء بأنه لا يجوز الإغضاء عنهم، وأن من قاتلهم فله أجر عظيم، وقصد العميد باب السلطان
__________
[1] في الأصل: «حلته لا تغني عنه فبنى» .
[2] في ص: «وأنشأ بساتين وصار الناس» .

(17/208)


وقال: ان حال ابن مزيد قد عظمت، وقد قلت فكرته في أصحابك، وقد استبد بالأموال، وأهمل الحقوق ولو نفذت بعض أصحابك ملكته، ووصلت إلى أموال كثيرة عظيمة، وطهرت الأرض من أدناسه فإنه لا يسمع ببلده أذان ولا قرآن وهذه المحاضر باعتقاده والفتاوى بما يجب عليه وهذا سرخاب قد لجأ إليه وهو على رأيه في بدعته التي هي مذهب الباطنية، وكان قد اتفقا على قلب الدولة وإظهار مذهب الباطنية، [1] وكان السلطان قد تغير على سرخاب، فهرب منه إلى الحلة فتلقاه بالإكرام فراسله السلطان وطالبه بتسليمه [2] ، فقال: لا أفعل ولا أسلم من لجأ إلى، ثم قال لأولاده وأصحابه بهذا الرجل الّذي قد لجأ إلينا تخرب بيوتنا وتبلغ الأعداء منا المراد، وكان كما قال، فإن السلطان قصده فاستشار أولاده، فقال دبيس: هذا الصواب أن تسلم إلى مائة ألف دينار وتأذن لي في الدخول إلى الاصطبلات، فأختار منها ثلاثمائة فرس وتجرد معي ثلاثمائة فارس فاني أقصد باب السلطان وأعتذر عنك وأزيل ما قد ثبت في نفسه منك، وأخدمه بالمال والخيل، وأقرر معه أن لا يتعرض بأرضك، فقال بعض الخواص: الصواب أن لا تصانع من تغيرت فيك نيته، وإنما ترد بهذه الأموال من يقصدنا، فقال صدقة: هذا هو الرأي، فجمع عشرين ألفا من الفرسان، وثلاثين ألفا من الرجالة، وجرت الوقعة على ما سبق في كتابنا في/ حوادث تلك السنة، وذكرنا أن الخليفة بعث إلى صدقة ليصلح ما 87/ ب بينه وبين السلطان فأذعن ثم بدا له، وقد ذكرنا مقتله.
ثم نشأ له دبيس هذا ففعل القبائح، ولقي الناس منه فنون الأذى، وبشؤمه بطل الحج في هذه السنة لأنه كان قد وقعت وقعة بينه وبين أصحابه وأهل واسط، فأسر فيها مهلهل الكردي، وقتل فيها جماعة، ونفد المسترشد إليه يحذره من إراقة الدماء، [3] ويأمره بالاقتصار على ما كان لجده من البلاد، ويشعره بخروجه إليه إن لم يكف، فزاد في طغيانه وتواعد وأرعد، وأقبلت طلائعه فانزعج أهل بغداد، فلما كانت بكرة الثلاثاء ثالث شوال صلب البرسقي تسعة أنفس، ذكر أنهم من أهل حلب والشام، وأن دبيس بن
__________
[1] «وكان ... وإظهار مذهب الباطنية» : العبارة ساقطة من ص.
[2] في الأصل: «وطالبه التسلم له» .
[3] في ط: «ونفذ المسترشد إليه ينذره من اراقة الدماء» .

(17/209)


صدقة أرسلهم لقتل البرسقي في تاسع ذي القعدة وضرب الخليفة سرادقه عند رقة ابن دحروج، ونصب هناك الجسر، ثم بعث القاضي أبو بكر الشهرزوري إلى دبيس، ينذره، وكان من جملة الكلام: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا 17: 15 [1] فاحتد وغضب، وكانت فرسانه تزيد على ثمانية آلاف، ورجالته عشرة آلاف، فأمر القاضي أبا بكر بمشاهدة العسكر فصلى المسترشد يوم الجمعة رابع عشرين ذي الحجة ونزل راكبا من باب الغربة مما يلي المثمنة، وعبر في الزبزب وعليه القباء والعمامة وبردة النبي صلى الله عليه وسلم على كتفيه، والطرحة على رأسه، وبيده القضيب، ومعه وزيره أحمد بن نظام الملك والنقيبان وقاضي القضاة الزينبي، وجماعة الهاشميين والشهود والقضاة والناس، فنزل بالمخيم وأقام به إلى أن انقضى الشهر، أعني ذا الحجة.
[وصول أبي الحسن علي بن الحسين الغزنوي ووعظ ببغداد]
88/ أوفي هذه السنة: / وصل أبو الحسن علي بن الحسين الغزنوي ووعظ ببغداد وصار له قبول، وورد بعده أبو الفتوح الأسفراييني ونزل برباط أبي سعد الصوفي، وتكلم بمذهب الأشعري، ثم سلم إليه رباط الأرجوانية والدة المقتدي، وورد الشريف أبو القاسم على بن يعلى العلوي، ونزل برباط أبي سعد أيضا، وتكلم على الناس، وأظهر السنة فحصل له نفاق عند أهل السنة، وكان يورد الأحاديث بالأسانيد.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3909- الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، أبو علي الباقرحي
[2] :
ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وسمع أبا القاسم التنوخي، وأبا بكر بن بشران، والقزويني، وابن شيطا، والبرمكي، والجوهري وغيرهم، وكان رجلا مستورا من أولاد المحدثين، فهو محدث وأبوه وجده وأبو جده وجد جده.
وتوفي في هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] سورة: الإسراء، الآية: 15.
[2] الباقرحي: نسبة إلى باقرح، وهي قرية من نواحي بغداد.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1256، وفيه: «الباخرحي» ، وشذرات الذهب 4/ 48) .

(17/210)


3910- عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أبو محمد السمرقندي:
[1] أخو شيخنا أبي القاسم، ولد بدمشق سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ونشأ ببغداد فسمع الكثير من الصريفيني، وابن النقور وغيرهما، وسمع ببيت المقدس، وبنيسابور، وببلخ، وبسرخس، وبمرو، وبأسفرايين، وبالكوفة، وبالبصرة، وغير ذلك من البلاد، وصحب أباه والخطيب وجمع وألف، وكان/ صحيح النقل كثير الضبط، ذا فهم 88/ ب ومعرفة.
أنبأنا أبو زرعة بن محمد بن طاهر، عن أبيه، قال: سمعت أبا إسحاق المقدسي يقول: لما دخل أبو محمد السمرقندي بيت المقدس قصد أبا عثمان بن الورقاء، فطلب منه جزءا فوعده به ونسي أن يخرجه فتقاضاه فوعده مرارا، فقال له: أيها الشيخ لا تنظر إلى بعين [2] الصبوة فإن الله [قد] [3] رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرازي، فقال الشيخ: الحمد للَّه، ثم رجع إليه يطلب الجزء، فقال الشيخ: أيها الشاب إني طلبت البارحة الأجزاء فلم أجد فيها جزءا يصلح لأبي زرعة الرازي، فخجل وقام.
توفي أبو محمد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة.
3911- عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، أبو طالب بن أبي بكر بن أبي القاسم الأصفهاني، الأصل:
[4] ولد سنة ست وثلاثين واربعمائة، وسمع البرمكي، والجوهري، والعشاري، وابن المذهب وغيرهم، وسمع الكثير وحدث بالكثير سنين، وكان الغاية في التحري واتباع الصدق والثقة، وكان صالحا كثير التلاوة للقرآن [كثير الصلاة] [5] وهو آخر من حدث عن أبي القاسم الأزجي، وتوفي يوم السبت ثامن عشر ذي الحجة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 191، وتذكرة الحفاظ 1263، وشذرات الذهب 4/ 49، والكامل 9/ 218) .
[2] في الأصل: «أيها الشيخ لا تنظرني بعين» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1256، شذرات الذهب 4/ 49، والكامل 9/ 218) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/211)


3912- على بن أحمد [1] ، أبو طالب السميرمي:
[2] وسميرم قرية بأصبهان. كان وزير السلطان محمود، وكان مجاهرا بالظلم والفسق، وبنى ببغداد دارا على دجلة فأخرب المحلة المعروفة بالتوثة، ونقل آلاتها إلى [عمارة] [3] داره فاستغاث إليه أهل التوثة فحبسهم ولم يخرجهم إلا بغرم، وهو الذي 89/ أأعاد المكوس بعد عشر سنين من زمان إزالتها، / وكان يقول: لقد سننت على أهل بغداد السنن الجائرة [4] ، فكل ظالم يتبع أفعالي، وما أسلم في الدنيا، وقد فرشت حصيرا في جهنم، وقد استحييت من كثرة التعدي على الناس وظلمي من لا ناصر له، وقال هذا في الليلة التي قتل في صباحها، وكان سرادقه قد ضرب بظاهر البلد، وركب في بكرة ذلك اليوم، وقال: قد عزمت على الركوب والإلمام بالحمام، والعود عاجلا المسير في الوقت الذي اختاره المنجمون، فعاد ودخل الحمام ثم خرج وبين يديه من العدد ما لا يحصى من حملة السلاح والصمصامات والسيوف ولم يمكنه سلوك الجادة التي تلي دجلة لزيادة الماء هناك فقصد سوق المدرسة التي وقفها خمارتكين التتشي [5] واجتاز في المنفذ العتيق [6] الذي فيه حظائر الشوك، فلما خرج أصحابه بأجمعهم منه وبرز عنق بغلته ويداها وثب رجل من دكة في السوق فضربه بسكين فوقعت في البغلة، ثم هرب إلى [دار على] [7] دجلة فأمر بطلبه فتبعه الغلمان وأصحاب السلاح فخلا منهم المكان، فظهر رجل آخر كان متواريا فضربه بسكين في خاصرته ثم جذبه عن البغلة إلى الأرض وجرحه عدة جراحات، فعاد أصحاب الوزير فبرز لهم اثنان لم يريا قبل ذلك فحملا عليهم مع الذي تولى جراحته فانهزم ذلك الجمع من بين يدي هؤلاء الثلاثة ولم يبق من له قدرة على تخليصه، ولحلاوة الروح قام الوزير وقد اشتغلوا عنه بالحملات 89/ ب على أصحابه/ فأراد الارتقاء إلى بعض درج الغرف التي هناك فعاوده الذي جرحه فجره
__________
[1] في ص، والأصل: «علي بن حرب» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 191، وشذرات الذهب 4/ 50) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أهل بغداد سنة الجائزة» .
[5] في ص، ط: «واجتاز في المنفذ الضيق» .
[6] في الأصل النفس. والتصحيح في الكامل 9/ 215.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/212)


برجله وجعل يكرر الضرب في مقاتله والوزير يستعطفه، ويقول له: أنا شيخ، فلم يقلع عنه وبرك على صدره وجعل يكبر، ويقول بأعلى صوته: الله اكبر أنا مسلم أنا موحد، هذا وأصحاب الوزير يضربونه على رأسه وظهره بسيوفهم ويرشقونه بسهامهم، وذلك كله لا يؤلمه، وسقط حين استرخت قوته فوجدوه لم يسقط حتى ذبحه كما يذبح الغنم، وقتل مع الوزير رجلان من أصحابه، وحملت جثة الوزير على بارية أخذت من الطريق إلى دار أخيه النصير، وحز رأس الذي تولى قتله، وقتل الأربعة الذين تولوا قتله وحز رأس القاتل خاصة. فحمل إلى المعسكر وجيء بالضارب الأول فقتل في المكان وألقيت رممهم بدجلة، وكانت زوجة هذا الوزير قد خرجت في بكرة اليوم الذي قتل فيه راكبة بغلة تساوي ثلاثمائة دينار بمركب لا يعرف قيمته وبين يديها خمس عشرة جنيبة بالمراكب الثقال المذهبة، ومعها نحو مائة جارية مزينات بالجواهر والذهب وتحتهن الهماليج بمراكب الذهب والفضة وبين أيديهم الخدم والغلمان والنفاطون بالشموع والمشاعل، فلما استقرت بالخيم المملوءة بالفرش والأموال والحمال جاءها خبر قتل زوجها، فرجعت مع جواريها وهن حواسر حواف، فأشبه الأمر قول أبي العتاهية.
رحن في الوشي وأصبحت ... عليهن المسوح
/ ولقول أبي العتاهية هذا قصة، وهو أن الخيزران قدمت على المهدي وهو بماسبذان في مائة قبة ملبسة وشيا وديباجا فمات فعادت إلى بغداد وعلى القباب المسوح السود مغشاة بها، فقال أبو العتاهية:
رحن فِي الوشي وأصبحن ... عليهن المسوح
كل نطاح من الدهر ... له يوم نطوح
لتموتن ولو عمرت ... مَا عُمَر نوح
فعلى نفسك نح لا ... بد أن كنت تنوح
[1] وكان قتل السميرمي يوم الثلاثاء سلخ صفر، وكانت مدة وزارته ثلاث سنين وعشرة أشهر وعشرين يوما. [2]
__________
[1] في الأصل: «فعلى نفسك نح إن كنت لا بد تنوح» .
[2] «وكانت مدة وزارته ... وعشرين يوما» : ساقطة من ت.

(17/213)


3913- علي بن محمد بن فنين، أبو الحسن البزاز
[1] :
سمع أبا بكر الخياط، وأبا الحسين بن المهتدي، وأبا الحسين، ابن المسلمة، وغيرهم [2] . وحدث عنهم وقرأ بالقراءات، وكان سماعه صحيحا.
وتوفي ليلة الأحد خامس ذي الحجة، ودفن بباب حرب. [3]
3914-[علي بن مُحَمَّد المداري أبو الحسن
[4] :
سمع القاضي أبا يعلى وابن المهتدي وابن المسلمة وغيرهم. وحدث عنهم، وقرأ بالقراءات، وكان سماعه صحيحا، وتوفي ليلة الأحد خامس ذي الحجة، ودفن بباب حرب] .
3915- القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، [5] أبو محمد البصري الحريري صاحب المقامات:
[6] كان يسكن محلة بني حرام بالبصرة، ولد في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث، وقرأ الأدب واللغة، وفاق أهل زمانه بالذكاء والفطنة والفصاحة وحسن العبارة، وأنشأ المقامات التي من تأملها عرف قدر منشئها.
وتوفي في هذه السنة بالبصرة.
__________
[1] في ص: «أبو الحسن البزار» .
[2] في الأصل: «وأبا الحسين بن النقور، وابن المسلمة وغيرهم» .
[3] في ت زيادة: «علي بن محمد المذاري، أبو الحسن: سمع القاضي أبا يعلى وابن المهتدي، وابن المسلمة وغيرهم، وحدث عنهم، وقرأ بالقراءات، وكان سماعه صحيحا، وتوفي ليلة الأحد خامس ذي الحجة، ودفن بباب حرب» .
[4] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[5] في ت: «القاسم بن محمد بن علي بن عثمان» .
[6] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 191، وفيه: «القاسم بن علي بن محمد بن محمد بن عثمان» ، ووفيات الأعيان 1/ 419، ومفتاح السعادة 1/ 179، وطبقات السبكي 4/ 295، وخزانة البغدادي 3/ 117، ومعاهد التنصيص 3/ 272، وآداب اللغة 3/ 38، ومرآة الزمان 8/ 109، ونزهة الجليس 2/ 2، وابن الوردي 2/ 28، ودائرة المعارف الإسلامية 7/ 365، ومطالع البدور 1/ 9، وشذرات الذهب 4/ 50) .

(17/214)


3916- محمد بن علي بن منصور بن عبد الملك، أبو منصور القزويني:
[1] قرأ القرآن على أبي بكر الخياط وغيره، وكان يقرئ الناس، وسمع أباه، وأبا طالب بن غيلان، / وأبا إسحاق البرمكي، وأبا الطيب الطبري، وأبا الحسن الماوردي، 90/ ب والجوهري وغيرهم، وكان صالحا خيرا له معرفة باللغة والعربية.
وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] في ت: «ابن منصور القزويني» .

(17/215)


ثم دخلت سنة سبع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه رحل المسترشد في المحرم، وكان إقبال الأمير الحاجب، ونظر صاحب العسكر فنزل بقرية تعرف بالحديثة من نهر ملك، فاستقبله البرسقي وجماعة من الأمراء الذين معه، ودخلوا عليه وحلفوا على المناصحة والمبالغة في الحرب، وقرأ أبو الفرج محمد بن عمر الأهوازي على المسترشد جزء الحسن بن عرفة وهو سائر، وكان قد ذكر ان جماعة من الباطنية وصلوا بغداد في زي الأتراك يقصدون الفتك، فتقدم أن يبعد كل مستعرب من الأتراك عن السرادق، وأمر بأن تحمل الأعلام الخاصة- وهي أربعة- أربعة من الخدم، وكذلك الشمسة ولا يدنو من المسترشد غير الخدم والمماليك، وسار المسترشد وعسكره يوم الأحد رابع المحرم إلى النيل، فلما تقاربوا رتب سنقر البرسقي بنفسه العسكر صفوفا، وكانوا نحو الفرسخ عرضا، وجعل بين كل صفين محالا للخيل، ووقف موكب الخليفة من ورائهم حيث يراهم ويرونه، ورتب دبيس عسكره صفا واحدا وجعل له ميمنة وميسرة وقلبا، وجعل الرجالة بين يدي/ 91/ أالفرسان بالتراس الكبار، ووقف في القلب من وراء الرجالة وقد منى عسكره ووعدهم نهب بغداد، فلما تراءى الجمعان بادرت رجاله دبيس فحملت وصاحوا: يا أكلة الخبز الحوارى والكعك الأبيض، اليوم نعلمكم الطعان والضرب بالسيف، وكان دبيس قد استصحب معه البغايا والمخانيث بالملاهي والزمور والدفوف يحرضون العسكر ولم يسمع في عسكر الخليفة إلا القرآن والتسبيح والتكبير والدعاء والبكاء.

(17/216)


وفي هذه الليلة اجتمع أهل بغداد على الدعاء في المساجد وختام الختمات والابتهال في النصر فحمل عنتر بن أبي العسكر الكردي على صف الخليفة [فتراجعوا وتأخروا، وكان الخليفة] [1] ووزيره من وراء الصف خلف نهر عتيق، فلما رأى هزيمة الرجالة قال الخليفة لوزيره أحمد: يا نظام الدين ما ترى؟ قال: نصعد العتيق يا أمير المؤمنين، فصعد الخليفة والمهد والأعلام وجرد الخليفة سيفه وسأل الله تعالى النصر، وقال جماعة من عسكر دبيس: أن عنترا غدر فلم يصدق، قالوا: فلما رأوا المهد والعلم والموكب قد صعد على العتيق تيقن غدر عنتر فحمل [زنكي مع] [2] جماعة كانوا قد كمنوا في عسكر دبيس فكسروهم وأسروا عنتر بن أبي العسكر، ووقعت الهزيمة، وهرب دبيس ومن معه من خواصه إلى الفرات، فعبر بفرسه وسلاحه وقد أدركته الخيل ففاتهم، وذكر أن امرأة عجوزا كانت على الفرات قالت لدبيس دبير جئت فقال دبير من لم يجئ، وقتل الرجالة وأسر خلق كثير من عسكر دبيس، وكان الواحد منهم إذا قدم ليقتل قال:
فداك يا دبيس ثم يمد عنقه، ولم يقتل من عسكر الخليفة سوى عشرين فارسا، وعاد الخليفة منصورا فدخل بغداد يوم عاشوراء، وكانت غيبته من خروجه/ ستة عشر يوما، 91/ ب ولما عاد الخليفة من حرب دبيس ثار العوام ببغداد فقصدوا مشهد مقابر قريش ونهبوا ما فيه وقلعوا شبائكه وأخذوا ما فيه من الودائع والذخائر، وجاء العلويون يشكون هذا الحال إلى الديوان فأنهى ذلك، فخرج توقيع الخليفة بعد أن أطلق في النهب بإنكار ما جرى وتقدم إلى نظر الخادم بالركوب إلى المشهد وتأديب الجناة، ففعل ذلك ورد [بعض] [3] ما أخذ فظهر في النهب كتب فيها سب الصحابة وأشياء قبيحة.
[نقض دار علي بن أفلح]
وفي محرم هذه السنة: نقضت دار علي بن أفلح وكان المسترشد قد أكرمه ولقبه جمال الملك [4] ، فظهر أنه عين لدبيس فتقدم بنقض داره فهرب، وسنذكر حاله عند وفاته في زمان المقتفي إن شاء الله تعالى.
وفي صفر: عزم الخليفة على عمل السور فأشير عليه بالجباية من العقار، وتقدم
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «ولقبه جمال الملوك» .

(17/217)


من الديوان إلى ابن الرطبي فأحضر أبو الفرج قاضي باب الأزج، وأمر أن يجبى العقار لبناء السور، وابتدئ بأصحاب الدكاكين فقلق الناس لذلك فجمع من ذلك مال كثير ثم أعيد على الناس، فكثر الدعاء للخليفة وأنفق عليه من ماله، وكان قد كتب القاضي أبو العباس ابن الرطبي إلى المسترشد قصة يقول فيها: «الخادم أدام الله ظل المواقف المقدسة طالع بما يعتقد إن أداه أدى حق النعمة عليه، وإن كتمه كان مقصرا في تأديه ما يجب عليه وعالما أن الله يسأله عنه، فلو فرض في وقته قضاء شخص يقول له يا أحمد بن سلامة قد خدمت العلم منذ الصبى حتى انتهيت إلى سن الشيوخ، وطول العمر في خدمة العلم نعمة مقرونة بنعمة وخدمت إمام العصر خدمة زال عنها الارتياب عنده فيما تنهيه، وعرفت بحكم مخالطتك لأبناء الزمان أن الناصح قليل والمشفق نادر، [1] وهو أدام الله أيامه بنجوة عما تتحدث به الرعية لا تصل إليه حقائق الأحوال إلّا من جانب/ 92/ أمخصوص، فما عذرك عند الله في كتمانك ولست ممن يراد وأمثالك إلا لقول حق وإيراد صدق لا لعمارة ولا لجمع مال، فلم يجد لنفسه جوابا يقوم عذره عنده فكيف عند الله تعالى، وهذا الوقت الذي قد تجدد فيه من يتوهم أنه على شيء في خدمه وإثارة مال من جباية يغرر بنفسه مع الله تعالى وبمجد مولانا وأولى الأوقات باستمالة القلوب وإذاعة الصدقات وأعمال الصالحات هذا الوقت وحق الله يا مولانا أن الّذي تتحدث به الناس فيما بينهم [2] من أن أحدهم كان يعود من معيشته ويأوي إلى منزله فيدعو بالنصر والحفظ للدولة قد صاروا يجتمعون في المساجد والأماكن شاكين مما قد التمس منهم، ويقولون كنا نسمع أن في البلد الفلاني مصادرة فنعجب ونحن الآن في كنف الإمامة المعظمة نشاهد ونرى، والناس بين محسن الظن ومسيء، والمحسن يقول: ما يجوز أن يطلع أمير المؤمنين على ما يجري فيقر عليه، والمسيء الظن يقول: الفاعل لهذا أقل أن يقدم عليه إلا عن علم ورضا، وقد كاد كل ذي ولاء وشفقة يضل ويتبلد، وفي يومنا هذا حضر عند الخادم شيخ فقيه يعرف بإسماعيل الأرموي والخادم يذكر الدرس، فقال:
ليبك على الإسلام من كان باكيا
__________
[1] في ص، ط: «الناصح قليل والشفق فأكثر» .
[2] في ص، ط: «الّذي تتحدث به العوام» .

(17/218)


وحكي أن له دويرات بالجعفرية أجرتها دينار قد طولب بسبعة دنانير، فيا مولانا الله الله في الدين والدولة اللذين بهما الاعتصام، فما هذا الأمر مما يهمل، وكيف يجوز أن يشاع عنا هذا الفعل الذي لا مساغ له في الشرع ويجعل الخلق شهودا وما يخلو في أعداء الدولة من يكون له مكاتب ومخبر يرفع هذا اليهم، فما يبلع الأعداء في القدح/ إلى مثل هذا وما المال ولماذا يراد إلا لإنجاد الأنصار والأولياء، وهل تنصرف الحقوق 92/ ب المشروعة إلا في مثل هذا، وليس إلا عزمة من العزمات الشريفة يصلح بها ضمائر الناس ويؤمر بإعادة ما أخذ من الضعفاء، وإن كان ما أخذ من الأغنياء باقيا أعيد، وإن مست حاجة إليه عوملوا فيه، وكتب قرضا على الخزائن المعمورة وجعل ذلك مضاهيا لما جرت به العوائد الشريفة عند النهضات التي سبقت واقترن بها النظر في تقديم الصدقات، وختام الختمات والخادم وإن أطال فإنه يعد ما ذكره ذمرا بالعرض لكثرة ما على قلبه منه والأمر أعلى» .
وكان الابتداء بعمارة السور يوم السبت النصف من صفر، وكان كل أسبوع تعمل أهل محلة ويخرجون بالطبول والجنكات [1] ، وعزم الخليفة على ختان أولاده وأولاد إخوته، وكانوا اثني عشر، فأذن للناس أن يعلقوا ببغداد فعلقت، وعمل الناس القباب، وعملت خاتون قبة بباب النوبي، وعلقت عليها من الثياب الديباج والجواهر ما أدهش الناس، وعملت قبة في درب الدواب على باب السيد العلوي، وعليها غرائب الحلي والحلل [2] ونصب عليها ستران من الديباج الرومي، ومقدار كل واحد منهما عشرين ذراعا في عشرين، وعلى أحدهما اسم المتقى للَّه، وعلى الآخر المعتز باللَّه، وأظهر الناس مخبئاتهم من الثياب والجوهر سبعة أيام بلياليهن.
ثم وصل الخبر بان دبيسا حين هرب مضى إلى غزية، فأضافوه وسألهم أن يحالفوه، فقالوا: ما يمكننا معاداة الملوك ونحن بطريق مكة وأنت بعيد النسب منا وبنو المنتفق أقرب إليك نسبا، فمضى إليهم وحالفوه وقصد البصرة في ربيع الأول وكبس
__________
[1] في الأصل: «ويخرجون بالطبول والحكايات» .
[2] في ص، ط: «وعليها غرائب منحوتة والحلل» .

(17/219)


مشهد طلحة والزبير فنهب ما هناك، [1] وقتل خلقا كثيرا، وعزم على قطع النخل فصانعه 93/ أأصحابها/ عن كل رأس شيئا معلوما.
ووصل الخبر أن السلطان محمود قبض على وزيره شمس الدين عثمان بن نظام الملك، وتركه في القلعة لان سنجر كان أمره بإبعاده فحبسه، فقال أبو نصر المستوفي للسلطان: متى مضى هذا إلى سنجر لم نأمنه والصواب قتله هاهنا وإنفاذ رأسه، فبعث السلطان من ذبحه، وأرسل السلطان [2] محمود إلى الخليفة ليعزل أخا عثمان، وهو أحمد بن نظام الملك، فبلغ ذلك أحمد فانقطع في داره وبعث إلى الخليفة يسأله أن يعفي من الحضور بالديوان لئلا يعزل من هناك، فأجابه ولم يؤذ بشيء.
وناب أبو القاسم ابن طراد في الوزارة ثم بعث إلى عميد الدولة ابن صدقة وهو بالحديثة فاستحضر فأقام بالحريم الطاهري أياما، ثم نفذ له الزبزب وجميع أرباب الدولة ومع سديد الدولة خط الخليفة، فقرأه عليه وهو: «اجب يا جلال الدين داعي التوفيق مع من حضر من الأصحاب لتعود في هذه الساعة إلى مستقر عزك مكرما» ، فأقبل معهم من الحريم الطاهري، وجلس في الوزارة يوم الاثنين سادس ربيع الآخر.
وفي جمادى الآخرة: وصل ابن الباقرحي [3] ومعه كتب من سنجر ومحمود بتسليم النظامية إليه ليدرس فيها، فمنعه الفقهاء فالزمهم الديوان متابعته.
وفي آخر شعبان: وصل أسعد الميهني بأخذ المدرسة والنظر فيها، وفي نواحيها، وأزاله ابن الباقرحي عنها، ففعل واتفق الميهني والوزير أحمد بن النظام على ان دخل المدرسة قليل لا يمكن إجراء الأمر على النظام المتقدم، وأنهم يقنعون ببعض المتفقهة 93/ ب ويقطعون/ من بقي، فاختل بذلك أمر المدرس فدرس يوما واحدا، وامتنع الفقهاء من الحضور، وترك التدريس ثم مضى إلى المعسكر ليصلح حاله فأقام خواجا أحمد أبا الفتح بن برهان ليدرس نائبا إلى أن يأتى أسعد الميهني، فألقى الدرس يوما، فأحضره الوزير ابن صدقة، وأسمعه المكروه، وقال: كيف أقدمت على مكان قد رتب فيه
__________
[1] في الأصل: «في ربيع الأول وقصد مشهد طلحة فكبسه فنهب ما هناك» .
[2] «من ذبحه وأرسل السلطان» : ساقطة من ص، ط.
[3] في الأصل: «وصل ابن الباخرزي» .

(17/220)


مدرس؟ ثم ألزمه بيته وتقدم إلى قاضى القضاة فصرفه عن الشهادة، وأمر أبا منصور ابن الرزاز بالنيابة في المدرسة.
واشتد الغلاء فبلغت كارة الدقيق الخشكار ستة دنانير ونصف.
ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر
3917- أحمد بن عبد الجبار بن أحمد، أبو سعد الصيرفي أخو أبى [1] الحسين:
سمع من جماعة ولا نعرف فيه إلا الخير، توفي في هذه السنة.
3918- عبيد الله بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن مهرة، أبو نعيم بن مهرة، أبو نعيم بن أبي على [2] الحداد.
ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وسمع بنيسابور وبهراة وبأصبهان وبغداد وغيرها الكثير، ورحل في الطلب، وعنى بالجمع للحديث، وقرأ الأدب، وحصل من الكتب ما لم يحصله غيره، وكان أديبا حميد الطريقة غزير الدمعة.
3919- عيسى بن إسماعيل بن عيسى بن إسماعيل، أبو زيد العلوي:
[3] من أولاد الحسن بن على بن أبي طالب من أهل أبهر، بلد عند زنجان، رحل إلى البلاد وسمع الحديث من جماعة، وكان يميل إلى طريقة التصوف ويغلب في السماع والوجد على زعمه، توفي في شوال هذه السنة، وصلى عليه بباب الطاق، ودفن في قبر قد حفره لنفسه/ في حياته.
94/ أ
3920- عثمان بن نظام الملك
[4] :
وزير السلطان محمود، كان قد طلبه سنجر فقبض عليه السلطان وحبسه، فقال أبو
__________
[1] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1265، وشذرات الذهب 4/ 53) .
[2] في ت: «عبد الله بن الحسن» ، وفي ص، ط: «عبيد الله بن الحسن» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 56، والكامل 9/ 225) .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1265، وفيه: «أبو نعيم عبيد الله بن الشيخ أبى علي الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني» ) .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 223) .

(17/221)


نصر المستوفي: متى مضى هذا إلى سنجر لم تأمنه والصواب قتله وإنفاذ رأسه، فبعث السلطان إليه عنتر الخادم، فلما أتاه وعرفه ما جاء فيه قال: أمهلني حتى أصلي ركعتين، فقام واغتسل وصلى ركعتين وصبر لقضاء الله، وأخذ السيف من السياف فنظر فيه ثم قال: سيفي أمضى من هذا فاضرب به ولا تعذبني، فقتله بسيفه وبعث برأسه، فلما كان بعد قليل فعل بابى نصر المستوفي مثل ذلك.
3921- عثمان بن على بن المعمر بن أبي عمامة البقال، أبو المعالى أخو أبى سعد [1] الواعظ.
سمع من ابن غيلان وغيره، وقال شيخنا عبد الوهاب: جهدنا به أن نقرأ عليه فأبى، وقال: اشهدوا أنى كذاب، وكان شاعرا خبيث اللسان، ويقال: أنه كان قليل الدين يخل بالصلوات. مات في ربيع الآخر من هذه السنة.
3922- محمد بن أحمد بن محمد بن المهتدى، أبو الغنائم الخطيب العدل:
[2] سمع القزويني، والبرمكي، والجوهري، والتنوخي، والعشاري، والطبري، وغيرهم، وكان شيخا ذا هيئة جميلة وصلاح ظاهر، وسماعه صحيح، وكان شيخنا عبد الوهاب يثنى عليه ويصفه بالصدق والصلاح، وعاش مائة وثلاثين سنة وكسرا، ممتعا بجميع جوارحه [3] ، وكتب المستظهر في حقه هو شيخ الأسرة.
94/ ب توفي يوم الأحد ثاني عشر ربيع الأول، ودفن بباب/ حرب قريبا من بشر الحافي.
3923- محمد بن أحمد بن عمر القزاز، أبو غالب الحريري يعرف بابن الطيوري:
[4] أخو أبى القاسم شيخنا، وخال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي سمع أبا الحسن زوج الحرة، والعشاري، وأبا الطيب الطبري، حدث وكان سماعه صحيحا، وكان خيرا صالحا، روى عنه شيخنا عبد الوهاب.
توفي ليلة الجمعة سابع عشر صفر، ودفن بباب حرب عند أبيه.
__________
[1] في ص: «أخو أبي سعيد» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 57، وفيه: «محمد بن محمد بن أحمد» ) .
[3] في ت: «وعاش بضعا وثمانين سنة ممتعا بجميع جوارحه» .
[4] في ت: «بعرف بابن الطبري» .

(17/222)


3924- محمد بن على بن محمد، أبو جعفر:
من أهل همذان، يلقب بمقدم الحاج، حج كثيرا، وكان يقرأ القرآن بصوت طيب ويختم في مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ختمة] [1] في كل سنة في ليلة واحدة قائما في الروضة، وسمع الحديث.
وتوفي في محرم هذه السنة بهمذان وهو ابن ست وستين سنة.
3925- محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد، أبو الحسن الزعفراني الجلاب.
[2] .
ولد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وسمع القاضي أبا يعلى، وأبا الحسين ابن المهتدي، وابن المسلمة، والصريفيني وغيرهم، وتفقه على أبى إسحاق، ورحل في طلب العلم والحديث، وسمع بالبصرة وخوزستان وأصبهان والشام ومصر، وكان سماعه صحيحا، وكان ثقة له فهم جيد، وكتب تصانيف الخطيب وسمعها منه.
وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر، ودفن بالوردية.
3926- المبارك بن محمد بن الحسن، أبو العز الواسطي:
سمع وحدث ووعظ، إلا أنه كان يحكي عنه تخليط في وعظه وتفسيره للقرآن، توفي في رجب هذه السنة، رحمه اللَّه وإيانا وسائر المسلمين [3] .
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] الجلاب: نسبة لمن يجلب الرقيق والدواب من موضع إلى موضع.
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1265، وشذرات الذهب 4/ 57) .
[3] «رحمه الله وإيانا وسائر المسلمين» : ساقطة من ص، ت، ط.

(17/223)


95/ أ/
ثم دخلت سنة ثماني عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[ورود الأخبار بظهور الباطنية بآمد]
أنه وردت الأخبار [1] بأن الباطنية ظهروا بآمد وكثروا فنفر عليهم أهل البلد، فقتلوا منهم سبعمائة رجل.
وردت شحنكية بغداد إلى سعد الدولة برنقش الزكوي، وتقدم إلى البرسقي بالعود إلى الموصل، وسلم منصور بن صدقة إلى سعد الدولة ليوصله إلى دار الخلافة [2] ، [فوصل سعد الدولة وسلم منصور إلى دار الخلافة] [3] ، ووصل الخبر بوصول دبيس ملتجئا إلى الملك طغرل بن محمد بن ملك شاه، وأنهما على قصد بغداد، فتقدم الخليفة إلى ابن صدقة بالتأهب لمحاربتهما وجمع الجيوش، وتقدم إلى برنقش الزكوي بالتأهب أيضا، واستجاش الأجناد من كل جانب، فلم يزالوا يتأهبون إلى أن خرجت هذه السنة.
وفي ربيع الأول: وقع جرف وأمراض وعمت من بغداد إلى البصرة.
[تكامل عمارة المثمنة]
وفي جمادي الأولى: تكاملت عمارة المثمنة، وشرع المسترشد في أخذ الدور المشرفة على دجلة إلى مقابل مشرعة الرباط ليبني ذلك كله مسناة واحدة، ونقض الدار التي بنى في المشرعة، وذكر أن المسترشد تزوج ببنت سنجر، وأنه يريد أن يبني هذا المكان.
__________
[1] في ص، ط: «سعد الدولة ليسلمه إلى دار الخلافة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «أن المسترشد يتزوج ببنت سنجر» .

(17/224)


وفي رجب: تقدم إلى نظر وابن الأنباري، فمضيا إلى سنجر لاستحضار ابنته زوجة المسترشد، وكان المتولى للعقد والخطاب/ في ذلك القاضي الهروي. 95/ ب وفي شعبان: وصلت كتب إلى الديوان، بأن قافلة واردة من دمشق فيها باطنية قد انتدبوا لقتل أعيان الدولة مثل الوزير، ونظر فقبض على جماعة منهم وصلب بعضهم في البلد، اثنان عند عقد المأمونية واثنان بسوق الثلاثاء وواحد بعقد الجديد، وغرق جماعة، ونودي أي متشبه من الشاميين وجد ببغداد أخذ وقتل وأخذ في الجملة ابن أيوب قاضي عكبرا، ونهبت داره، وقيل أنه وجد عنده مدارج من كتب الباطنية، وأخذ آخر كان يعينهم بالمال، واخذ رجل من الكرخ.
وفي شوال: قبض على ناصح الدولة أبي عبد الله بن جهير أستاذ الدار، وقبض ماله ووكل به داره، وذكر أنه قرر عليه أربعون ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3927- أحمد بن محمد بن أحمد بن سلم، أبو العباس بن أبي الفتوح الخراساني.
من أهل أصبهان، سمع بها من أبي عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار الصوفي [1] ، وأبي عمر عَبْد الوهاب بْن أبي عَبْد اللَّه بْن منده، وبمكة من سعد الزنجاني وغيره، وحج خمس حجات وجاور بمكة سنين، وكان واعظا متصوفا، ووعظ ببغداد فنفق عليهم.
وتوفي بأصبهان في ربيع الآخر من هذه السنة، وكانت ولادته سنة ست وأربعين.
3928- أحمد بن علي بن تركان، أبو الفتح، ويعرف بابن [2] الحمامي:
لأن أباه كان حماميا، وكان على مذهب أحمد بن حنبل، وصحب أبا الوفاء ابن 96/ أعقيل، وكان بارعا في الفقه وأصوله، شديد الذكاء والفطنة، فنقم عليه أصحابنا أشياء لم
__________
[1] في ص: «ابن سعيد القزاز الصوفي» .
[2] في ت: «ويعرف بالحمامي» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 194، والكامل 9/ 231، وفيه: «أحمد بن علي بن برهان ... » ) .

(17/225)


تحتملها أخلاقهم الخشنة فانتقل وتفقه على الشاشي والغزالي، ووجد أصحاب الشافعي على أوفي ما يريده من الإكرام، ثم ترقى وجعلوه مدرسا للنظامية فوليها نحو شهر، وشهد عند الزينبي.
وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى، ودفن بباب أبرز.
3929- إبراهيم بن سمقايا، أبو إسحاق الزاهد:
كان من أعيان الصالحين، توفي في ربيع الأول من هذه السنة [1] .
3930- عبد الله بن محمد [2] بن على بن محمد، أبو جعفر الدامغاني:
[3] سمع الصريفيني، وابن المسلمة، وابن النقور، وشهد عند أبيه قاضى القضاة أبى عبد الله و [جعل قاضيا على ربع الكرخ من قبل أخيه قاضى القضاة] [4] أبى الحسن، ثم ترك ذلك وخلع الطيلسان وولى حجابة باب النوبي ثم عزل، وكان دمث الأخلاق عتيدا بالرياسة [5] .
وتوفي ليله الثلاثاء ثاني جمادى الأولى، ودفن بالشونيزية عند قبر ابن أخيه أبى الفتح السامري.
3931- عبيد الله بن عبد الملك بن أحمد الشهرزوري، أبو غالب البقال المقرئ:
[6] سمع من ابن المذهب، والجوهري وغيرهما، وحدث، وسماعه صحيح، وكان شيخا فيه سلامة.
3932- قاسم بن أبي هاشم:
أمير مكة، توفي في العشر الأوسط من صفر، وخلفه ابنه أبو فليتة فأحسن السياسة، [7] وأسقط المكس.
__________
[1] في ص: «توفي في هذه السنة» .
[2] في الأصل: «عبيد الله بن محمد» .
[3] في الدامغانيّ: بلدة من بلاد قومس.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في الأصل: «وكان دمث الأخلاق عبقا بالرياسة» .
[6] في ت: «ابن أحمد السهرودي» .
[7] في الأصل: «فأحسن النيابة» .

(17/226)


3933- محمد بن على بن سعدون، أبو ياسر:
[1] سمع ابن المسلمة، وأبا القاسم الدجاجي، [2] وحدث، وتوفي بالمارستان.
3934- محمد بن الحسن بن كردي، أبو السعادات المعدل، ثم/ القاضي ببعقوبا.
96/ ب سمع ابن المسلمة، والصريفيني، وحدث، وشهد عند القاضي أبى عبد الله الدامغاني، وكان كثير الصدقة مشهودا له بالخير، وبلغ ثمانين سنة.
وتوفي ليله السبت غرة رمضان، ودفن بباب حرب.
3935- المبارك بن جعفر بن مسلم، أبو الكرم الهاشمي:
سمع الحديث الكثير من أبي محمد التميمي، وطراد وغيرهما، وكتب الكثير، وتفقه على أبى القاسم يوسف بن محمد الزنجاني، وعلى شيخنا أبى الحسن الزاغوني، وكان صالحا خيرا، وهو أول من لقنني القرآن وأنا طفل.
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة عن أربعين سنة، ودفن بباب حرب.
__________
[1] في ص: «محمد بن علي بن سعد» .
[2] في الأصل، ص: «وأبا الغنائم الدجاجيّ» .

(17/227)


ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما التجأ دبيس بن صدقة إلى الملك طغرل بن محمد بن ملك شاه وحسن له أن يطلب السلطنة والخطبة، وقصد بغداد، وتقدم الخليفة بالاستعداد لمحاربتهما، وأمر بفتح باب من ميدان خالص في سور الدار مقابل الحلبة، وسماه باب النصر، وجعل عليه بابا من حديد، وبرز في يوم الجمعة خامس صفر وخرج سحرة يوم الاثنين ثامن صفر من باب النصر بالسواد وعليه البردة وبيده القضيب وعلية الطرحة والشمسة على رأسه، وبين يديه أبو على بن صدقة وزيره ونقيب النقباء أبو القاسم، وقاضي القضاة وإقبال الخادم، وأرباب الدولة يمشون في ركابه إلى أن وصلوا باب الحلبة، ثم ركب 97/ أالجماعة إلى أن وصلوا إلى صحن الشماسية، / فلما قربوا من السرادق ترجلوا كلهم ومشوا بين يدية إلى السرادق، ورحل يوم التاسع من صفر فنزل بالخالص ونزل طغرل ودبيس براذان، فلما عرفا خروج الخليفة عدلا عن طريق خراسان ونزلا برباط جلولاء، فخرج الوزير أبو على بن صدقة في عسكر كثير إلى الدسكرة، وتوجه الملك طغرل إلى الهارونية ورحل الخليفة فنزل الدسكرة فدبر الملك ودبيس ان يعبرا ديالى وتامرا ويكبسوا بغداد ليلا ويقطعوا الجسر بالنهروان ويحفظ دبيس المعابر ويشتغل طغرل بنهب بغداد، فعبرا تامرا فنزل طغرل بين ديالي وتامرا وعبر دبيس ديالي على أن يتبعه الملك، فمرض الملك تلك الليلة وتوالى مجيء المطر وزاد الماء في ديالى والخليفة نازل بالدسكرة لا يعلم بمكر دبيس فقصد دبيس مشرعة النهروان في مائتي فارس جريدة، فنزل هناك وقد

(17/228)


تعب، وجاء المطر عليهم طول ليلتهم وليس معهم خيمة ولا زاد ولا عليف، فوصلت جمال قد نفذت من بغداد إلى الخليفة عليها الزاد والثياب فأخذها دبيس ففرقها على عسكره، فاكتسوا وشبعوا وغنموا.
وبلغ الخبر إلى بغداد بمجيء دبيس فانزعج الناس ودخلوا تحت السلاح، والتجأ النساء والمشايخ إلى المساجد وأعلنوا بالدعاء والاستغاثة إلى الله تعالى، وتأدى الخبر إلى الخليفة وأرجف في عسكره بأن دبيسا قد دخل بغداد وملكها، فرحل مجدا إلى النهروان، فلم يشعر دبيس إلا برايات الخليفة قد طلعت، فلما رآها قبل الأرض في مكانه، وقال: أنا العبد المطرود ما أن يعفي عن العبد المذنب فلم يجبه أحد، فعاود القول والتضرع، فرق له الخليفة، وهم بالعفو عنه أو مصالحته [1] فصرفه الوزير ابن صدقة [2] عن هذا الرأي، وبعث الخليفة نظر الخادم إلى بغداد/ بتطييب قلوب الناس 97/ ب ونادى في البلد بخروج العسكر بطلب دبيس والإسراع مع الوزير أبي علي بن صدقة، ودخل الخليفة داره، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوما، ومضى دبيس والملك إلى سنجر فاستجارا به هذا من أخيه، وهذا من أخيه، وهذا من أمير المؤمنين فأجارهما ولبسا عليه، فقالا:
قد طردنا الخليفة، وقال: هذه البلاد لي، فقبض سنجر على دبيس واعتقله في قلعة يتقرب بذلك إلى المسترشد، وخرج سعد الدولة برنقش الزكوي في تاسع رجب إلى السلطان، واجتمع به خاليا، وأكثر الشكوى من الخليفة، وحقق في نفسه أن الخليفة يطلب الملك، وأنه خرج من داره مرتين [3] ، وكسر من قصده وان لم يدبر الأمر في حسم ذلك اتسع الخرق وصعب الأمر، وسيتضح لك حقيقة ذلك إذا أردت دخول بغداد والذي يحمله على ذلك وزيره أبو علي بن صدقة، وقد كاتب أمراء الأطراف وجميع العرب والأكراد فحصل في نفس السلطان من ذلك ما دعاه إلى دخول بغداد.
وفي هذه الأيام دخل أبو العباس ابن الرطبي يعلم الأمراء بدار الخليفة.
__________
[1] في الأصل: «وهم بالعفو عنه ومصالحته» .
[2] في الأصل: «فصرفه الوزير أبو علي» .
[3] في ص، ط: «وأنه خرج من داره نوبتين» .

(17/229)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3936- آقسنقر البرسقي:
[1] صاحب الموصل، قتله الباطنية في مقصورة الجامع.
3937- هلال بن عبد الرحمن بن سريج بن عمر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن سليمان بن بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، كنيته أبو سعيد
[2] :
جال في بلاد الجبل وخراسان، ووصل إلى سمرقند، وجال في ما وراء النهر، ودخل بغداد، وكان شيخا جهوري الصوت [3] بالقرآن، حسن النغمة.
وتوفي في هذه السنة بسمرقند.
3938- هبة الله بن محمد بن علي، أبو البركات ابن البخاري:
[4] 98/ أولد سنة أربع وثلاثين، / وسمع من ابن غيلان، وابن المذهب، والجوهري، والعشاري، والتنوخي، وحدث عنهم، وكان سماعه صحيحا، وشهد عند أبي الحسن الدامغانيّ.
وتوفي في يوم الاثنين ثاني عشرين رجب، ودفن بمقبرة باب حرب.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 195، وفيه: «آقسنقر البرشقي» ، والكامل 9/ 36، وذكر وفاته سنة 520) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 195، وفيه: «بلال بن عبد الرحمن» ، والكامل 9/ 234) .
[3] في الأصل: «وكان شيخا جوهري الصوت» .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 60) .

(17/230)


ثم دخلت سنة عشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما قاتل المسترشد طغرل بن محمد فرح بذلك محمود وكاتب الخليفة، فقال: قد علمت ما فعلت لأجلي وأنا خادمك وصائر إليك وتراسلا بالأيمان والعهود على أنهما يتفقان على سنجر، ويمضيان إلى قتاله، ويكون محمود في السلطنة وحده فلما علم سنجر، بذلك بعث إلى محمود، يقول له: أنت يميني والخليفة قد عزم على أن يمكر بي وبك، فإذا اتفقتما على فرغ منى وعاد إليك فلا تلتفت إليه وأنت تعلم أنه ليس لي ولد وذكر، وأنك ضربت معي مصافا، وظفرت بك، فلم أسئ إليك، وقتلت من كان سببا لقتالنا، وأعدتك إلى السلطنة، وجعلتك ولي عهدي، وزوجتك ابنتي، فلما مضت إلى الله تعالى زوجتك الأخرى، ورأيي فيك رأي الوالد فاللَّه الله ان تعول على ما قال لك، ويجب بعد هذا أن تمضي إلى بغداد ومعك العساكر فتقبض على وزير الخليفة ابن صدقة وتقتل الأكراد الذين قد دونهم وتأخذ النزل الذي قد عمله وجميع آلة السفر، وتقول: أنا سيفك وخادمك وأنت تعود إلى دارك على ما جرت به عادة آبائك، وأنا لا أحوجك إلى تعسف فإن فعل وإلا أخذته بالشدة وإلا لم يبق لك ولا لي معه حكم، ونفذ إليه رجلا، وقال: هذا يكون وزيرك، فلما وصل الرجل والرسالة انثنى عزمه عما كان عول عليه والتفت إلى قول عمه، وكتب صاحب الخبر إلى الخليفة/ بذلك فنفذ الخليفة 98/ ب إليه سديد الدولة ابن الأنباري يقول له: تقنع أن تتأخر في هذه السنة عن بغداد لقلة الميرة والناس في عقب الغلاء، فقال: لا بد لي من المجيء، واتفق أنه خرج شحنة بغداد

(17/231)


برنقش الخادم إلى السلطان محمود يشكو من استيلاء الخليفة على ما ذكرنا في السنة قبلها فأوغر صدره على دخول بغداد وحقق في نفسه أن الخليفة مع خروجه ومباشرته الحرب بنفسه لا يقعد ولا يمكن أحدا من دخول بغداد من أصحاب السلطان من شحنة وعميد، فتوجه السلطان إلى بغداد، فلما سمع الخليفة نفذ إليه رسولا وكتابا إلى وزيره يأمر برد السلطان عن التوجه، فأبى وأجاب بجواب ثقل سماعه على الخليفة، فشرع الخليفة في عمل المضارب واعتداد السلاح وجمع العساكر، ونودي ببغداد يوم السبت عاشر ذي القعدة بعبور الناس إلى الجانب الغربي، وتقدم بإخراج سرادقه إلى ظاهر الحلبة [1] ، وانزعج الناس وعبروا إلى الجانب الغربي فكثر الزحام على المعابر والسفن، وبلغ أجرة الدار بالجانب الغربي ستة دنانير وخمسة، وتأذوا غاية التأذي [2] ، فلما اطمأن الناس وسكنوا بدار الخليفة من القتال، وقال: أخلى البلد عليه [3] ، وأخرج وأحقن دماء المسلمين، فنودي بالعبور إلى الجانب الشرقي فعبروا وحمل سرادق الخليفة إلى الجانب الغربي، فضرب تحت الرقة.
وتواتر مجيء الأمطار ودام الرعد والبرق ثلاثة أيام، وكادت الدور تغرق، وانهدم بعضها وعبرت الرايات والأعلام.
ثم خرج المسترشد من داره رابع عشرين ذي القعدة من باب الغربة وعبر في 99/ أالزبزب، وصعد إلى مضاربه، فلما عرف السلطان ذلك بعث برنقش الزكوي، / وأسعد الطغرائي فدخلا بغداد ومضيا إلى السرادق فجلسا على بابه زمانا إلى أن أذن لهما، وقد جلس لهما الخليفة على سريره فقبلا الأرض، وأديا رسالة السلطان وامتعاضه من انزعاج أمير المؤمنين، ثم خشنا في آخر الرسالة، وقال الخليفة: أنا أقول له يجب أن تتأخر في هذه السنة عن العراق فلا تقبل ما بيني وبينك إلّا السيف، ثم قال لبرنقش: أنت كنت السبب في مجيئه، وأنت فسدت قلبه، ثم هم بقتله فمنعه الوزير وقال: هو رسول، وكتب الجواب وبعثه معهما فخرجا إلى السلطان وهو بقر ميسين، وقد توجه إلى المرج
__________
[1] في الأصل: «بإخراج سرادقه إلى دار الحلبة» .
[2] في الأصل: «وتأذوا غاية الأذية» .
[3] في الأصل: «وقال: أخلى الدار عليه» .

(17/232)


فأوصلا الكتاب إليه وعرفا الجواب، وأخبراه بما شاهداه من خروج الخليفة عن داره وكونه في مضاربه بالجانب الغربي، فامتلأ غيظا واستشاط، وأمر بالرحيل إلى بغداد.
وفي عاشر ذي الحجة: وهو يوم النحر أمر أمير المؤمنين بنصب خيمة كبيرة وبين يديها خيمة أخرى ومد شقتين من شقاق السرادق من غير دهليز، [1] ونصبوا في صدر الخيمة منبرا عاليا، وحضر خواص الخليفة ووزيره والنقباء وأرباب المناصب والأشراف والهاشميون والطالبيون، وخلق من الوجوه، وأقبل الخليفة ومعه ولده الراشد وهو ولى عهده، فوقف إلى جانب المنبر، وصلى بالناس صلاة العيد، وكان المكبرون خطباء الجوامع ابن الغريق وابن المهتدى وابن التريكي وغيرهم، فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر، ووقف ولى العهد دونه بيده سيف مشهور فابتدأ فقال: «الله أكبر ما سحت الأنواء، وأشرق الضياء، وطلعت ذكاء، وعلت على الأرض السماء، الله أكبر ما همع سحاب، ولمع سراب، وأنجح طلاب وسر قادم بإياب، الله أكبر/ ما نبت نجم وأزهر، 99/ ب وأينع غصن، وأثمر، وطلع فجر وأسفر وأضاء هلال وأقمر، سبحان الذي جل عن الأشباه والنظير، وعجز عن تكييف ذاته الفكر والضمير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، الحمد للَّه ناصر أوليائه وخاذل أعدائه الذي لا يخلو من علمه مكان ولا يشغله شأن عن شأن، أحمده على تزايد نعمه، وأسأله الزيادة من بره وكرمه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، شهادة أجعلها لنفسي الوقاء، وأعدها ذخرا ليوم اللقاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه والكفر ممتد الرواق وقد ضرب بجرانه في الآفاق، فشمر فيه عن ساق وقوم أهل الزيغ والنفاق، صلى الله عليه وعلى إله الأخيار وأهل بيته الأطهار، وعلى عمه وصنو أبيه العباس ذي الشرف الشامخ والمجد الباذخ جد أمير المؤمنين أبي الخلفاء الراشدين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وسلم، صلاة يزكيهم بها يوم الدين، وتجعلهم في جواره أعلى عليين.
عباد الله قد وضح السبيل لطالبيه ونطق الدليل للراغب فيه واستظهر الحق لظهور معانيه، فما للنفوس راغبة عن رشادها مشمرة عن فسادها مفرطة في إصدارها وإيرادها،
__________
[1] في الأصل: «شقاق السرادق من غير دهليز» .

(17/233)


جاهلة بمعادها أو هي عصية [1] عن استعدادها، هيهات هيهات كم اخترمت المنية قبلكم، وساقت إلى الأرماس من كان أشد منكم ومثلكم، سلبتهم أرواحهم وقطعتهم أفراحهم ولم تخف جيوشهم ولا سلاحهم طالما أفنت أمما واستزلت قدما، وأمطرت 100/ أعليهم من الفناء ديما، ورمتهم من البلاء أسهما/ وحرمتهم من الآمال مغنما، وحملتهم من الأثقال مغرما، [2] ولم تراع فيهم محرما ذلوا بعد أن عزوا في دنياهم، وسادوا وجروا الجيوش إلى الأعداء وقادوا فعاد مطلقهم مأسورا وقائدهم بالشقاوة مقهورا، [3] قد عدموا نورا وسرورا فيا أسفا لهم ضيعوا زمنا وما اكتسبوا حسنا، كيف بهم إذا نشرت الأمم وأعيدت إلى الحياة الرمم، ونزل بذي الذنوب الألم، وظهر من أهل التقصير الأسف والندم، ذلك يوم لا يرحم فيه من شكا، ولا يعذر من بكى، ولا يجد الظالم لنفسه مسلكا، يوم يشتد فيه الفراق ويتزايد فيه القلق، وتثقل على أهلها الأوزار، وتلفح وجوه العصاة النار، وتذهل المرضعات، وتعظم التبعات، وتظهر الآيات، وتكاشف البليات، ولا يقال فيه من ندم، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم، واعلموا عباد الله أن يومكم هذا يوم شرفه الله بتشريفه القديم، وابتلى فيه خليله إبراهيم بذبح ولده إِسْمَاعِيل، [وفداه بذبح عظيم] [4] ، وسن فيه النحر وجعله شعارا للسنة إلى آخر الدهر: «لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ» 22: 37 [5] البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، والجذع من الضأن، والثني من المعز عن واحد «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 22: 36 [6] .
ثم جلس بين الخطبتين، ثم قام إلى الثانية فحمد الله وكبر، وصلى [7] على النبي صلى الله عليه وآله
__________
[1] في ص، ط: «بمعادها أو هي عفية» .
[2] في ص، ط: «وحملتهم من الأنفال مغرما» .
[3] في ط: «وقائدهم بالشقاوة مشهورا» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] سورة: الحج، الآية: 37.
[6] سورة: الحج، الآية: 36.
[7] في الأصل: فحمد الله وكبر بين الخطبتين» .

(17/234)


يمينا وشمالا ثم قال: اللَّهمّ أصلحني وأصلح لي ذريتي وأعنى على ما وليتني وأوزعني شكر نعمتك، ووفقني لما أهلتني له، وانصرني على ما استخلفتني/ فيه، واحفظني 100/ ب فيما استرعيتني ولا تخلني من خفايا لطفك التي عودتني «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي من تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 12: 101 [1] «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» 16: 90 [2] قال المصنف رحمه الله: نقلت هذه الخطبة من خط أبي عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن العباس الحراني الشاهد، وقد أجاز لي رواية ما يروى عنه، قال: حضرت هذه الخطبة مع قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي، وجماعة العدول، وكان خطباء الجوامع قياما تحت المنبر وهم المكبرون في أثناء الخطبة.
قال: فلما أنهى الخطبة وتخفز للنزول بادره الشريف أبو المظفر أحمد بن علي بن عبد العزيز الهاشمي فأنشده:
عليك سلام الله يا خير من علا ... على منبر قد حف أعلامه النصر
وأفضل من أم الأنام وعمهم ... بسيرته الحسنى وكان له الأمر
وأشرف أهل الأرض شرقا ومغربا ... ومن جده من أجله نزل القطر
لقد شرفت أسماعنا منك خطبة ... وموعظة فضل يلين لها الصخر
ملأت بها كل القلوب مهابة ... فقد رجفت من خوف تخويفها مصر
سما لفظها فضلا على كل قائل ... وجل [3] علاها أن يلم بها حصر
/ أشدت بها سامي المنابر رفعة ... تقاصر عن إدراكها الأنجم الزهر 101/ أ
وزدت بها عدنان مجدا مؤثلا ... فأضحى لها بين الأنام بك الفخر
وسدت بني العباس حتى لقد غدا ... يباهي بك السجاد والعالم الحبر
فلله عصر أنت فيه إمامه ... وللَّه دين أنت فيه لنا الصدر
__________
[1] سورة: يوسف، الآية: 101.
[2] سورة: النحل، الآية: 90.
[3] في الأصل: «كل قائل وجلت» .

(17/235)


بقيت على الإسلام والملك كلما ... تقادم عصر أنت فيه أتى عصر
وأصبحت بالعيد السعيد مهنأ ... يشرفنا فيه صلاتك والنحر
ونزل فنحر بدنه بيده، ثم دخل السرادق ووقع البكاء على الناس ودعوا له بالتوفيق والنصر، وأمر بجمع السفن كلها فعبر بها إلى الجانب الغربي، وانقطع عبور الناس بالكلية.
وأما السلطان فإنه بلغ إلى حلوان، فبعث من هنالك الأمير زنكي إلى واسط، فأزاح عنها عفيف الخادم فهرب حتى لحق بالخليفة، وأمر الخليفة بسد أبواب داره جميعها سوى باب النوبي، ورسم لحاجب الباب القعود عليه لحفظ الدار، ولم يبق من أصحاب الخليفة وحواشيه في الجانب الشرقي سواه.
وأقبل السلطان في يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي الحجة إلى بغداد، فنزل بالشماسية ودخل بعض عسكره إلى بغداد فنزلوا في دور الناس وانبثوا في الحريم وغيره، وأمر/ 101/ ب الخليفة بنقل الحرم والجواري إلى الحريم الطاهري من الجانب الغربي ونقل بعض رحله إلى دار العميد التي بقصر المأمون، ولم يزل السلطان يبعث الرسل إلى الخليفة ويتلطف به ويدعوه إلى الصلح والعود إلى داره، وهو لا يجيب، ثم وقف عسكر السلطان بالجانب الشرقي والعامة بالجانب الغربي [1] يسبون الأتراك، ويقولون: يا باطنية يا ملاحدة عصيتم أمير المؤمنين فعقودكم باطلة، وأنكحتكم فاسدة ثم تراموا بالنشاب.
قال المصنف رحمه الله: وفي هذه السنة حملت [2] إلى أبي القاسم على بن يعلى العلوي وأنا صغير السن فلقنني كلمات من الوعظ، وألبسني قميصا من الفوط، ثم جلس لوداع أهل بغداد عند السور مستندا إلى الرباط الذي في آخر الحلبة، ورقاني إلى المنبر فأوردت الكلمات وحزر الجمع يومئذ فكانوا [نحو] [3] خمسين ألفا، وكان يورد الأحاديث بأسانيدها، وينصر أهل السنة، ويقول: أنا علوي بلخي ما أنا علوي كرخي،
__________
[1] في ص، ط: «بالجانب الشرقي والعامي بالجانب الغربي» .
[2] في ص، ط: «وفي هذه السنة يقول المصنف حملت» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/236)


وسمعت منه الحديث وأجاز لي جميع مسموعاته ومجموعاته، وأنشدنا يوم وداعه، وذكر أنها لأبي القاسم الجميل النيسابوري، وأنه سمعها منه:
سروري من الدهر لقياكم ... ودار سلامي مغناكم
وأنتم مدى أملي ما أعيش ... وما طاب عيشي لولاكم
جنابكم الرحب مرعى الكرام ... فلا صوح الدهر مرعاكم
كأن بأيديكم جنة ... ونارا فأرجو وأخشاكم
فحياكم الله كم حسرة ... أراني فراق محياكم
حشا البين يوم ارتحلتم حشاي ... بنار الهموم وحاشاكم
فيا ليت شعري ومن لي بأن ... أعيش إلى يوم ألقاكم
إذا ازدحمت في فؤادي الهموم ... أعلل قلبي بذكراكم
تود جفوني لو أنها ... مناخ لبعض مطاياكم
/ وأستنشق الريح من أرضكم ... لعلي أحظى برياكم
فلا تنسوا العهد ما بيننا ... فلسنا مدى الدهر ننساكم
فها أنتم أولياء النعيم ... وها أنا بالرق مولاكم
وخرج العلوي من بغداد في ربيع الآخر من هذه السنة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3939- أَحْمَد بن مُحَمَّد بن محمد، أبو الفتوح الغزالي الطوسي
[1] :
أخو أبى حامد، كان متصوفا متزهدا في أول أمره، ثم وعظ فكان متفوها وقبله العوام. وجلس في بغداد في التاجية ورباط بهروز، وجلس في دار السلطان محمود فأعطاه ألف دينار، فلما خرج رأى فرس الوزير في دهليز الدار بمركب ذهب وقلائد وطوق فركبه ومضى فأخبر الوزير، فقال: لا يتبعه أحد ولا يعاد إلى الفرس، وخرج يوما
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 196، وفيه: «أبو الفتح الطوسي» ، وشذرات الذهب 4/ 60، والكامل 9/ 240) .

(17/237)


إلى ناعورة فسمعها تئن، فرمى طيلسانه عليها، وكان له نكت لطيفة إلا أن الغالب على كلامه التخليط ورواية الأحاديث الموضوعة والحكايات الفارغة والمعاني الفاسدة، وقد علق عنه كثير من ذلك، وقد رأينا من كلامه الذي علق عنه وعليه خطه إقرار بأنه كلامه.
فمن ذلك أنه قال: قال موسى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، 7: 143 قيل له: لَنْ تَرانِي 7: 143، فقال [1] :
هذا شأنك تصطفي آدم ثم تسود وجهه وتخرجه من الجنة، وتدعوني إلى الطور ثم تشمت بي الأعداء، هذا عملك بالأخيار، كيف تصنع بالأعداء.
وقال: نزل إسرافيل بمفاتيح الكنوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم [2] وجبريل جالس عنده فاصفر وجه جبريل، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يا إسرافيل [3]] هل نقص مما عنده شيئا، 102/ ب قال: لا، قال: ما لا ينقص الواهب/ ما أريده. وقال: دخل يهودي إلى الشيخ أبي سعيد، فقال أريد أن أسلم، فقال له: لا ترد، فقال الناس: يا شيخ تمنعه من الإسلام، فقال له: تريد ولا بد، قال: نعم، قال:
برئت من نفسك ومالك، قال: نعم، قال: هذا الإسلام عندي احملوه الآن إلى الشيخ أبي حامد حتى يعلمه لا- لا المنافقين يعني لا إله إلا الله- قال أحمد الغزالي: الذي يقول لا إله إلا الله غير مقبول ظنوا أن قول لا إله إلا الله منشور ولايته أفنسوا عزله [4] .
وحكى عنه القاضي أبو يعلى أنه صعد المنبر يوما، فقال: معاشر المسلمين كنت دائما أدعوكم إلى الله فأنا اليوم أحذركم منه، والله ما شدت الزنانير إلا من حبه، ولا أديت الجزية إلا في عشقه.
[وأنبأنا مُحَمَّد بن ناصر الحافظ، عن مُحَمَّد بن طاهر المقدسي قال: كان أحمد الغزالي آية من أيات الله تعالى في الكذب، توصل إلى الدنيا بالوعظ، سمعته يومًا بهمذان يقول: رأيت إبليس في وسط هذا الرباط يسجد لي فقال له: ويحك، إنه الله
__________
[1] في ص، ط: «قال موسى أرني قيل له لن، فقال» .
[2] في الأصل: «بمفاتيح الكنوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص: «ولايته أمنشوا عزله» . وفي ت: «ولايته ذا منشور عزله» .

(17/238)


عز وجل أمره بالسجود لآدم فأبى. فقال: والله لقد سجد لي أكثر من سبعين مرة. فعلمت أنه لا يرجع إلى دين ومعتقد. قال: وكان يزعم أنه يَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيانًا في يقظته لا في نومه، وكان يذكر على المنبر أنه كلما أشكل عليه أمر رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله على ذلك المشكل فدله على الصواب.
قال: وسمعته يومًا يحكي عن بعض المشايخ، فلما نزل سألته عنها فقال: أنا وضعتها في الوقت.
قال: وله من هذه الجهالات والحماقات ما لا يحصى.
قال مؤلف الكتاب:] [1] وكان أحمد الغزالي يتعصب لإبليس ويعذره، حتى قال يوما: لم يدر ذاك المسكين أن أظافر القضاء إذا حكت أدمت وقسى القدر إذا رمت أصمت ثم انشد.
وكنا وليلى في صعود من الهوى ... فلما توافينا ثبت وزلت
وقال: التقي موسى وإبليس عند عقبة الطور، فقال: يا إبليس لم لم تسجد لآدم؟ فقال كلاما كنت لأسجد لبشر يا موسى ادعيت التوحيد وأنا موحد، ثم التفت إلى غيره وأنت قلت أرني فنظرت إلى الجبل فأنا أصدق منك في التوحيد، قال: أسجد للغير ما سجدت من لم يتعلم التوحيد من إبليس فهو زنديق، يا موسى كلما ازداد محبة لغيري ازددت له عشقا.
قال المصنف [2] : لقد عجبت من هذا الهذيان الذي قد صار عن جاهل بالحال، فإنه لو كان إبليس [غار [3]] للَّه محبة ما حرض الناس على المعاصي، ولقد أدهشني نفاق هذا الهذيان في بغداد وهي دار العلم، ولقد حضر مجلسه يوسف الهمذاني، فقال: مدد كلام هذا شيطاني لا رباني ذهب دينه والدنيا لا تبقى له.
وشاع عن أحمد الغزالي [4] أنه كان يقول بالشاهد، وينظر إلى/ المردان 103/ أ
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من ص، ط، والأصل. وأوردناها من ت.
[2] في ت: «قال مؤلف الكتاب» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في ص، ط: «وشاع عند أحمد الغزالي» .

(17/239)


ويجالسهم، حتى حدثني أبو الحسين بن يوسف أنه كتب إليه في حق مملوك له تركي، فقرأ الرقعة ثم صاح باسمه، فقام إليه وصعد المنبر فقبل بين عينيه، وقال: هذا جواب الرقعة.
توفي أبو الفتوح في هذه السنة.
3940- بهرام بن بهرام، أبو شجاع البيع
[1] .
سمع الجوهري، والتنوخي، وكان سماعه صحيحا، وكان كريما، بنى مدرسة لأصحاب أحمد بباب الأزج عند باب كلواذى، ودفن فيها، ووقف قطعة من أملاكه على الفقهاء وسبل الخبر.
وكانت وفاته يوم الجمعة سادس عشر محرم.
3941- صاعد بن سيار بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، أبو العلاء الإسحاقي
[2] :
من أهل هراة، سمع الحديث الكثير، وكان حافظا متقنا. روى عنه أشياخنا.
وتوفي بغورج، وغورج قرية على باب هراة [3] .
__________
[1] البيّع: نسبة لمن يتولى البياعة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 197)
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 197، وتذكرة الحفاظ 1270، وشذرات الذهب 4/ 61) .
[3] في ص: «نجز الجزء الرابع من كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا دائما وأبدأ. ويتلوه في الّذي يليه إن شاء الله تعالى ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة» .

(17/240)