المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ثم دخلت سنة احدى وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن جماعة من عسكر السلطان محمود جاءوا ليدخلوا إلى دار الخلافة من باب النوبي فمنعتهم خاتون، فجاءوا إلى باب الغربة يوم الأربعاء رابع المحرم، ومعهم جماعة من الساسة والرعاع، وأخذوا مطارق الحدادين وكسروا باب الغربة، ودخلوا إلى التاج ونهبوا دار الخلافة مما يلي الشط، فخرج الجواري حاسرات يلطمن، فدخلن دار خاتون.
قال المصنف: فرأيتهن وأنا صبي يستشفعن وقد جئن صارخات، وجزن على باب المخزن فدخلن دار خاتون، وضج الناس كأن الدنيا تزلزلت، فأخبر الخليفة بالحال فخرج من السرادق، وأبو علي بن/ صدقه بين يديه وقدموا السفن في دفعة واحدة، 103/ ب ودخل العسكر في السلاح وترسوا في وجوههم وألبسوا الملاحين السلاح، ورماة النشاب من ورائهم، ورمى العيارون أنفسهم في الماء، فعبروا وعسكر السلطان مشغولون بالنهب، قد دخل منهم دار الخلافة نحو ألف في السلاح، فلما رأوا عسكر الخليفة قد عبر وقع عليهم الذلة فانهزموا، ووقع فيهم السيف، واختفوا في السراديب، فدخل عسكر الخليفة فأسروا جماعة وقتلوا جماعة من الأمراء، ونهب العوام دور أصحاب السلطان [ودخلوا [1]] دار وزيره، ودار العزيز بن نصر المستوفي، ودار أبي البركات الطبيب، وكانت عنده ودائع، فأخذ من داره ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار، ودخلوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/241)


رباط بهروز وتعرضوا للمتصوفة، وهرب أصحاب السلطان وقتل منهم عدة وافرة في الدروب والمضايق، وبقي الخليفة والوزير بالجانب الغربي حتى نقلت الحرم والرحل الذي كانوا أودعوه في الحريم الطاهري ودار العميد، ثم عبر الخليفة إلى داره يوم السبت سابع المحرم ومعه العساكر، وحفروا الخنادق ليلا عند أبواب الدروب والمسالك، ورتب على أبواب المحال من يحرسها من ورود أصحاب السلطان، فبقي القتال على هذا أياما، وجاء من عسكر السلطان خلق كثير فخرج إليهم الوزير والنقيب والعسكر، فغدر أبو الفتح ابن ورام في جماعة معه وانتقلوا إلى العسكر السلطاني، فلما كان يوم عاشوراء انقطع القتال وترددت الرسل ولان الأمر، وقال السلطان: أريد أن 104/ أتبعث لي من يحلفني، وأنفذ بعد ذلك وزيري ليستوثق لي، / فمال الخليفة إلى الصلح، فبعث قاضي القضاة الزينبي، وَإِسْمَاعِيل الصوفي ونيفا وثلاثين شاهدا من المعدلين، فاحتبسهم ستة أيام، فقال الناس: قد قبض عليهم، ويئس الناس من الصلاح، وحفرت الخنادق، وسدت العقود، وسلم كل قطر من بغداد إلى شحنة، وأجفل أهل الجانب الغربي خوفا لكونهم سبوا السلطان وشتموه، وكانوا يقولون: يا باطني لما لم تقدر على غزو الروم جئت تغزو الخليفة والمسلمين، ودخل برنقش الزكوي على السلطان فأغراه بالناس فنفر السلطان، وقال: أنت تريد أن أنهب المسلمين وأغير القبلة، ثم تقدم من وقته إلى الوزير، وقال: أحضر الجماعة، فاحضروا وقت المغرب فصلى قاضي القضاة بالسلطان المغرب وسلم عليه، فأذن له في الجلوس، وقرأ عليه مكتوب الخليفة فقام قائما وقبل الأرض وقال: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين، ولم يخالف في شيء مما اقترح عليه وحلف، فعادوا بطيبة القلب وأصبح الناس مطمئنين، وفتحت العقود، وطمت الخنادق، ودخل أصحاب السلطان إلى البلد وهم [1] يقولون:
نحن منذ ثلاثة أيام ما أكلنا الخبز، ولو لم يقع الصلح متنا جوعا، وكان الخبز في معسكرهم كل منا بدانق ولم يوجد، وكانوا يسلقون الطعام في الماء ثم يأكلونه، وكان السعر في الحريم رخيصا، فما رئي سلطان قط حاصر بلدا فكان هو المحاصر إلا هذا، وظهر من السلطان حلم وافر عن العوام.
__________
[1] «وهم» : ساقطة من ص، ط، والمطبوعة.

(17/242)


وحكى أبو المكارم بن رميضاء السقلاطوني، قال: رأيت أبا سعد بن أبي عمامة في المنام حين اختصم المسترشد باللَّه ومحمود وعليه ثياب بياض، فسلمت عليه وقلت له: من أين أقبلت؟ قال: من عند الإمام/ أحمد بن حنبل وها هو ورائي، فالتفت فرأيت 104/ ب أحمد بن حنبل ومعه جماعة من أصحابه، فقلت: إلى أين تقصدون؟ قالوا: إلى أمير المؤمنين المسترشد باللَّه لندعو له بالنصر، فصحبتهم وانتهينا إلى الحربية إلى مسجد ابن القزويني، فقال الإمام أحمد بن حنبل: ندخل نأخذ الشيخ معنا، فدخل باب المسجد، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته [1] ، فإذا الصوت من صدر المسجد: وعليك السلام يا أبا عبد الله، الإمام قد نصر، قال: فانتبهت مرعوبا وكان كما قال الشيخ.
ثم ان أصحاب السلطان طلبوا ما نهب من دورهم، فتقدم الخليفة إلى حاجب الباب وكان ابن الصاحب أن يأخذ العوام الذين نهبوا دور الأتراك، فقبض على عالم كثير لا يحصى، واسترد ما أمكن، وأشهد عليهم أنه متى ظهر مع أحد شيء من النهب أبيح دمه، ثم نفذ الخليفة إقبالًا، وابن الأنباري، وابن الصاحب وفي صحبتهم خيل وبغال وجواشن وتخوت ثياب، ثم أسرج الزبزب للوزير وجلس فيه وحجاب الديوان معه، وركب أرباب الدولة في السفن حول الزبزب، ونزل العوام في السفن وعلى الشط، وكان يوما عظيما، فدخل إلى السلطان وأدى الرسالة، فقام السلطان وقبل الأرض، ثم أذن للوزير في الانكفاء، فنهض فركب في الزبزب إلى أن وصل إلى دار وزير السلطان فصعد، فقعد عنده زمانا يتحادثان، ثم خرج فرحا، وتمكن أصحاب السلطان من بغداد ونودي من قبل السلطان أنه قد فتح دار ضرب، فمن لم يقبل ديناره أبيح دمه، فسمع الوزير بذلك فضمن للسلطان كل شهر ألف دينار، وأزال دار الضرب، ثم أعيد حق البيع، وكثر الانبساط، وجاء وزير السلطان إلى الخليفة في/ رابع صفر، فدخل إليه 105/ أفأكرمه كرامة لم يكرم بها وزير قط، ثم خلع عليه وخلا هو وزير الخليفة فتحادثا طويلا [2] .
ومرض السلطان في المدائن وغشي عليه، ووقع من على الفرس، وكان مريضا
__________
[1] «ورحمة الله وبركاته» : ساقطة من ص، ط، والمطبوعة.
[2] في الأصل: «خلع عليه وجاء هو ووزير السلطان فتحادثا طويلا.

(17/243)


مرضا شديدا، فبعث له الخليفة أدوية وهدايا، وبعث عشرة آلاف رطل خبز وعشرة أرؤس من البقر وتمرا كثيرا تصدق عنه، ثم ركب في حادي عشر صفر، ثم انتكس وأرجف عليه، وكان الخليفة قد هيأ له الخلع ليجيء إليه فيخلع عليه، فمنعه المرض، وأشار عليه الطبيب بالخروج من بغداد، فبعث الخليفة الخلع مع الوزير ابن صدقة فخلعها عليه وهو مطروح على جانبه، وانصرف ثم رحل السلطان في ثاني عشر ربيع الآخر، وأقام في المرج أياما، ورحل يطلب همذان، وفوض شحنكية بغداد إلى زنكي.
وجلس ابن سلمان يدرس في النظامية، ورخصت الأسعار ببغداد، ثم وصل الخبر من همذان في جمادى الآخرة بأن السلطان قبض على العزيز وصادره واعتقله، وعلى الوزير فصادره واعتقله، وكان السبب ان الوزير تكلم على العزيز، وأن يرنقش تكلم على الوزير، وقال للسلطان: هذا أخذ الأموال من الخليفة واتفق هو ووزيره [وتحالفا [1]] على أن يرحلا بك من بغداد [2] ولا تبلغ غرضا، فكل ما جرى عليك منه.
ثم بعث السلطان إلى أنوشروان وهو مقيم بالحريم الطاهري فاستوزر، فلم يكن 105/ ب له ما يتجهز به حتى بعث له/ الوزير جلال الدين من عند الخليفة الخيم والخيل وما يحتاج إليه، فرحل في مستهل رمضان إلى أصبهان، فأقام في الوزارة عشرة أشهر، ثم استعفى وعاد إلى بغداد.
[وصول بهروز الخادم إلى بغداد]
وفي اليوم الثالث من رمضان: وصل بهروز الخادم الملقب مجاهد الدين إلى بغداد وقد فوض السلطان إليه بغداد والحلة، وفوضت ولاية الموصل وما يجري مجراها إلى زنكي، فخرج إليها، وأرسل الخليفة علي بن طراد إلى سنجر لإبعاد دبيس من حضرته ومعه خلع فلبسها وأكرمه وأعطاه كوسات وأعلاما وبوقات، وأذن له في ضرب الطبل على بابه ثلاث صلوات، وأعطاه طوقا وفرسين وسيفين محلاة ولوائين، وبعث معه ابن صاعد خطيب نيسابور.
وجاء الخبر بأن سنجر قتل من الباطنية اثني عشر ألفا.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ص، ط: «على أن يرحل بك من بغداد» .

(17/244)


ومن الحوادث في هذه السنة: أن أبا الفتوح الأسفراييني، وكان لا يعرف الحديث إنما هو في ذلك على عادة القصاص، سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» فقال: هذا ليس بصحيح. والحديث في الصحيح. وقال: يوما على المنبر: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت؟ قال: أعمى بين عميان، ضالا بين ضلال. فنقل ذلك إلى الوزير ابن صدقة فاستحضره فأقر وأخذ يتأول بتأويلات باردة فاسدة، فقال الوزير للفقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرس النظامية [1] : / لو قال هذا الشافعيّ 106/ أما قبلنا منه ويجب على هذا أن يجدد إسلامه وتوبته. فمنع من الجلوس بعد أن استقر أن يجلس ويشد الزنار ويتوب، ثم يرحل من بغداد، فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده، فأعادوه إلى الجلوس، وكان يتكلم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب الناس فافتتن به [2] خلق كثير.
[زيادة الفتن في بغداد]
وزادت الفتن في بغداد، وتعرض أصحاب أبي الفتوح بمسجد ابن جردة فرجموا ورجم معهم أبو الفتوح، وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف المجذبة تحفظه، ثم اجتاز بسوق الثلاثاء فرجم ورميت عليه الميتات. ومع هذا يقول: ليس هذا الذي نتلوه كلام الله إنما هو عبارة ومجاز، والكلام الحقيقي قائم بالنفس. فينفر أهل السنة كلما سمعوا هذا، فلما كان اليوم الذي دفن فيه أبو الحسن ابن الفاعوس انقلبت بغداد لموته، وغلقت الأسواق، وكان الحنابلة يصيحون على عادتهم هذا يوم سنى حنبلي لا قشيري ولا أشعري، ويصرخون بسبب أبي الفتوح، فمنعه المسترشد من الجلوس، وأمر أن لا يقيم ببغداد، وكان ابن صدقة يميل إلى مذهب أهل السنة فنصرهم.
فلما أن كان يوم الأحد العشرين من شوال: ظهر عند انسان وراق كراسة قد اشتراها في جملة كاغذ بذل من عنده فيها مكتوب القرآن، وقد كتب بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر على وزن أواخر لآيات، ففتش على كاتبها، فإذا به رجل/ معلم 106/ ب يقال له: ابن الأديب، فكبس بيته، فوجدوا فيه كراريس على هذا المعنى، فحمل إلى الديوان فسئل عن ذلك فأقر، وكان من أصحاب أبي الفتوح، فحمل على حمار، وشهر
__________
[1] في الأصل: «فقال ابن سليمان مدرس النظامية» .
[2] في ص: «من قلوب العوام فافتتن به» .

(17/245)


في البلد ونودي عليه، وهمت العامة بإحراقه فانتعش أهل السنة، ثم أذن لأبي الفتوح فجلس، وظهر عبد القادر فجلس في الحلبة فتشبث به أهل السنة وانتصروا بحسن اعتقاد الناس به.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3942- أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله [1] بن محمود أبي عيسى بن المتوكل بن المعتصم بْن الرشيد بْن المهدي بْن المَنْصُور [2] ، أبو السعادات المتوكلي
[3] :
سمع أبا الغنائم ابن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، والخطيب وغيرهم، وكان سماعه صحيحا، وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطه، فذكر فيها نسبه الذي ذكرته.
وتوفي ليلة الخميس سابع عشرين رمضان مترديا من سطح داره بالتوثة، ودفن بمقبرة باب الدير، وبلغ ثمانين سنة.
3943-[عبد الجبار بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، أبو نصر، الأصبهاني.
سمعت منه الحديث في سنة عشرين، وروى عن جماعة.
وتوفي في هذه السنة] . [4]
3944- علي بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس، أبو الحسن الدينَوَريّ
[5] :
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا محمد الخلال، والجوهري وغيرهم، وسمعت عليه الحديث.
وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة.
__________
[1] في ت: «أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ» .
[2] في ت: «ابن الرشيد بن المنصور» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64) .
[4] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[5] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64) .

(17/246)


3945- علي بن المبارك أبو الحسن المقرئ الزاهد ويعرف بابن الفاعوس
[1] :
كان من أصحاب الشريف أبي جعفر، وكان زاهدا يقرأ يوم الجمعة على الناس أحاديث قد جمعها بغير أسانيد.
حدثني أبو الحكم الفقيه، قال: كان يجيء ساقي الماء إلى حلقته فيأخذ منه الكوز ويشرب لئلا يظن أنه صائم.
وتوفي ليلة السبت تاسع عشر شوال، وانقلبت بغداد بموته، وغلقت الأسواق، وكان الجمع يفوق الاحصاء، واستغاث العوام بذكر السنة ولعن أهل البدعة [ودفن بقبر أحمد] [2]
3946- فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلويه الرازي
[3] :
كانت واعظة متعبدة لها رباط/ تجتمع فيه الزاهدات، سمعت أبا جعفر ابن 107/ أالمسلمة، وأبا بكر الخطيب وغيرهما، وسمعت منها بقراءة شيخنا أبي الفضل بن ناصر، «كتاب ذم الغيبة» لإبراهيم الحربي، ومن مجالس ابن سمعون روايتها عن ابن النقور عنه، «ومسند الشافعيّ» وغير ذلك.
وتوفيت في ربيع الأول من هذه السنة.
3947- محمد بن الحسين بن بندار، أبو العز القلانسي المصري
[4] :
ولد سنة خمس وثلاثين واربعمائة، وقرأ بالقراءات، وسمع الحديث من ابن المهتدي، وابن المأمون، وابن المسلمة، وغيرهم. وعمر فرحل الناس إليه من الأقطار للقراءات، نسبه شيخنا عبد الوهاب الأنماطي إلى الرفض، وأساء الثناء عليه.
وقال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: ألحق سماعه في جزء.
وتوفي في شوال هذه السنة، ودفن بواسط.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64، والكامل 9/ 245) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط.
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 198) .
[4] في ت: «أبو العز القلانسي المقرئ» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 64) .

(17/247)


3948- محمد بن عبد الملك بن إبراهيم بن أَحْمَد، أَبُو الحسن بن أبي الفضل الهمذاني الفرضي
[1] :
من أصحاب التاريخ من أولاد المحدثين والأئمة، وذكر شيخنا عبد الوهاب ما يوجب الطعن فيه.
وتوفي فجاءة ليلة السبت سادس شوال [هذه السنة] [2] ، ودفن إلى جنب أبيه عند قبر أبي العباس بن سريج.
__________
[1] في ت: «محمد بن عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد الهمذاني الفرضيّ» .
والفرضيّ: نسبة إلى الفريضة والفرض والفرائض، وهو علم المقدرات، ويقال في هذه النسبة: فرضي، وفارضي، وفرائضي.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 198، والكامل 9/ 245) :
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/248)


ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه وصل علي بن طراد من عند سنجر ومعه رسول من عند سنجر وسأل أمير المؤمنين أن يؤذن له فيخطب على المنبر يوم الجمعة في جوامع بغداد فأذن له وخلع عليه [1] ، وخطب على المنابر كل جمعة في جامع.
وفي هذه- أعني السنة: توفي ابن صدقة الوزير وناب نقيب النقباء.
[مضى محمود إلى سنجر فاصطلحا]
وفيها مضى محمود إلى سنجر فاصطلحا بعد خشونة كانت بينهما، فسلم سنجر إليه دبيسا، وقال له: تعزل زنكي عن الموصل والشام وتسلم البلاد إلى دبيس، / وتسأل 107/ ب الخليفة أن يرضى عنه فأخذه ورحل.
وفي صفر: ظهرت ريح شديدة مع غيم كثير ومطر، واحمر الجو ما بين الظهر إلى العصر، وانزعج الناس، واحتملت الريح رملا أحمر ملأت به البراري والسطوح.
قال شيخنا ابن الزاغوني: وتقدم إلى نقيب النقباء ليخرج إلى سنجر فرفع إلى الخزانة ثلاثين ألف دينار ليعفي. وتقدم إلى شيخ الشيوخ فرفع خمسة عشر ألف دينار ليعفي.
وفي ربيع الأول: رتب أبو طاهر ابن الكرخي في قضاء واسط.
وفي جمادى الآخرة: رتب المنبجي في مدرسة خاتون المستظهرية رتبه موفق
__________
[1] في الأصل زيادة: «وخلع عليه فلبس السواد» .

(17/249)


الخادم، وخرج بهروز لعمارة بثق النهروان ورتب الآلات.
وفي هذا الشهر: ظهر الخبر بتوجه دبيس إلى بغداد في عسكر عظيم، فانزعج أهل بغداد، وكوتب محمود فقيل له: إنك إن لم تمنعه من المجيء والا احتجنا أن نخرج إليه وينتقض العهد الذي بيننا وبينك، [فذكر أنه سيصل إلى بغداد] [1] ، وتطاولت للوزارة جماعة منهم عز الدولة بن المطلب، وابن الأنباري، وناصح الدولة ابن المسلمة، وأحمد بن النظام، فمنعوا من الخطاب في ذلك واجلس للنيابة في الديوان نقيب النقباء.
وفي رمضان: خلع على عز الدولة دراعة وعمامة بغير ذؤابة، وفرس ومركب، وجلس للهناء.
وفي شوال: وصل الخبر بأن السلطان محمود عزل أنوشروان من الوزارة، وكان هو قد سأل ذلك، وأخذ منه الدواة التي أعطاه والبغلة وصادر أهل همذان فأخذ منهم سبعين ألف دينار.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3949- الحسن بن على بن صدقة الوزير
[2] :
وزر للمسترشد، وكان ذا رأي، ومدح المسترشد فقال:
وجدت الورى كالماء طعما ورقة ... وإن أمير المؤمنين زلاله
ولولا طريق الدين والشرع والتقى ... لقلت من الإعظام جل جلاله
توفي في ليلة الأحد من هذه السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في ت: «الحسين بن صدقة أبو علي الوزير» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 199، والكامل 9/ 248) .

(17/250)


3950- الحسين بن علي [1] بن أبي القاسم، أبو علي اللامشي
[2] .
من أهل سمرقند، روى الحديث وتفقه، وكان يضرب به المثل في النظر، وكان خيرا دينا على طريق السلف، مطرحا للتكلف أمارا بالمعروف، بعث رسولا من خاقان ملك ما وراء النهر إلى دار الخلافة، فقيل له: لو حججت فقد وصلت بغداد، فقال: لا أجعل الحج تبعا لرسالتهم، فرجع إلى سمرقند.
وتوفي في رمضان هذه السنة، وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
3951- محمد بن أسعد بن الفرج بن أحمد بن علي، أبو نصر الشيباني الحلواني
[3] :
سمع أبا الحسين ابن الغريق، وأبا الغنائم ابن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، وغيرهم. وكان ثقة يسكن نهر القلائين.
وتوفي في رمضان من هذه السنة.
3952- موسى بن أحمد بن محمد، أبو القاسم السامري
[4] :
كان يذكر أنه من أولاد أبي ذر الغفاري، وكان قد سمع [الحديث [5]] الكثير وقرأ بالروايات، وتفقه على شيخنا أبي الحسن ابن الزاغوني، وناظر ورأيته يتكلم كلاما حسنا.
وتوفي في رابع رجب، ودفن بمقبرة أحمد بن حنبل.
__________
[1] في الأصل: «الحسن بن علي» .
[2] في ص: «أبو علي الأمشي» .
واللامشي: نسبة إلى لامش من قرى فرغانة.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 199، وتذكرة الحفاظ 1272) .
[3] في ت: «محمد بن سعد بن الفرج» .
[4] في ت: «البشاوري» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/251)


ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
[دخول السلطان محمود إلى بغداد]
أنه دخل السلطان محمود إلى بغداد يوم تاسع عشر محرم، وأقام دبيس في بعض 108/ ب الطريق واجتهد في أن يمكن دبيس/ من الدخول أو أن يرضى عنه، ونفذ إلى زنكي ليسلم البلاد إلى دبيس فامتنع.
[ختم السلطان على أموال مدرسة الإمام أبي حنيفة]
وفي صفر: تقدم السلطان بالختم على [أموال] [1] مدرسة الإمام أبي حنيفة، ومطالبة وكلائه بالحساب [2] ، ووكل بقاضي القضاة الزينبي لأجل ذلك، وكان قد قيل له أن دخل المكان نحو ثمانين ألف دينار وما ينفق عليه عشرة.
وفي هذا الشهر: درس اسعد الميهني [3] بجامع القصر، لأن الوزير أحمد منعه من النظامية.
وفي الأحد سلخ ربيع الآخر: خلع المسترشد على نقيب النقباء أبي القاسم بن طراد واستوزره وضمن زنكي أن ينفذ للسلطان مائة ألف دينار وخيلا وثيابا على أن لا يغير عليه ساكنا، واستقر على الخليفة مثل ذلك على أن لا يولي دبيس، فباع الخليفة عقارا بالحريم وقرى وما زال يصحح. ثم ان دبيسا دخل بغداد بعد [4] جلوس الوزير في الوزارة
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «ومطالبة الوكلاء بالحساب» .
[3] في ص: «أسعد المهيني» .
[4] في الأصل: «دخل إلى بغداد بعد» .

(17/252)


بثلاثة أيام، ودخل دار السلطان وركب في الميدان وقعد في دجلة في سفينة السلطان وراءه الناس، وجاء زنكي فألقى نفسه بين يدي السلطان وحمل معه هدايا فائقة فأكرمه وخلع عليه بعد ثلاثة أيام وأعاده إلى الموصل، ونفذ الخليفة إلى السلطان خلعا كان قد أعدها [له] [1] مع الوزير أبي القاسم الزينبي يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة، وكان الوزير في الزبزب والموكب في سفن والناس على دجلة، وفي السفن يدعون للخليفة والسلطان ويلعنون دبيسا.
وكان سنجر قد سلم دبيسا إلى ابنته امرأة محمود، فكانت هي التي تمانع عنه.
ورحل السلطان من العراق يطلب همذان يوم السبت رابع جمادى الآخرة وسلمت الحلة إلى بهروز والشحنكية/ أيضا. 109/ أواتفق أنه ماتت بنت سنجر التي كانت تدافع عن دبيس ومرض محمود فأخذ دبيس ولدا صغيرا لمحمود فلم يعلم به حتى قرب من بغداد فدون الخليفة العساكر وخرج بهروز من الحلة هاربا فقصدها دبيس فدخلها في رمضان، وبعث بهروز كاتبه يعلم السلطان بمجيء دبيس فوصلوا وهناك نظر الخادم قد بعث إلى السلطان ليقيمه من العزاء ويخلع عليه، فلما سمع نظر بذلك دخل على السلطان وعظم الأمر وقال [له] [2] : منعت أمير المؤمنين أن يدون وسلطت عليه عدوه وكيف يكون الحال؟ فبعث السلطان فاحضر قزل والأحمد يكي [3] ، وقال: أنتما ضمنتما دبيسا فلا أعرفه إلا منكما، فضمن الأحمد يكي ذلك [4] على نفسه، ورحل يطلب العراق، فبعث دبيس إلى الخليفة: إنك إن رضيت عني رددت أضعاف ما نفذ من الأموال، وأكون المملوك، فقال الناس: هذا لا يؤمن، وباتوا تحت السلاح طول رمضان. هذا ودبيس يجمع الأموال ويبيع الغلة وقسط على القرى حتى إنه حصل على ما قيل خمسمائة ألف دينار [5] ، وأنه قد دون عشرة آلاف
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ط: «الأحمد بيكي» . وفي الأصل: «الأحمد بلي» .
[4] في ص، ط، والأصل: «خمسمائة دينار» وما أوردناه من ت.
[5] وفي ت: «ويقسط على القرى حتى قيل إنه قد حصل خمسمائة ألف دينار» .

(17/253)


فارس بعد أن وصل في ثلاثمائة، ثم إن الأحمد يكي [1] وصل إلى بغداد يوم الخميس تاسع عشر شوال، ودخل إلى الخليفة وأعطاه يده فقبلها، ثم خرج فعبر قاصدا [إلى] [2] الحلة.
ووصل الخبر بأن السلطان قد وصل إلى حلوان، وجاءت العساكر وضاق الوقت على الحاج فأمر عليهم أمير سار بهم في ثمانية عشر يوما فلقوا شدة، فلما سمع دبيس 109/ ب هذه الأخبار بعث إلى السلطان برسالة وخمسة وخمسين مهرا عربية/ قد انتقاها، ونفذ ثلاثة بغال عليها صناديق مال، وذكر بعض أصحاب دبيس أنه قد أعد للسلطان أن أصلح نوبته مع الخليفة ثلاثمائة حصان له وللخليفة مثقلة [بالذهب [3]] ، ومائتي ألف دينار، وإن لم يرض عنه دخل البرية، وأنه قد أعد الجمال والروايا والدقيق، فبلغه أن السلطان غير راض عنه في هذه النوبة فأخذ الصبي وخرج من الحلة لا يدري أين مقصده.
[وفي شعبان خلع على نور الدولة أبي الحسن علي بن طراد، وعقدت له النقابة على النقباء] ، [4] ثم خرج الوزير لاستقبال السلطان يوم الجمعة رابع ذي القعدة فلقيه بما يسره، وأعطاه فرسه ومركبه وكانت قيمتها ثلاثين ألف دينار [5] ، ثم مرض السلطان.
ووصل الخبر أن دبيسا دخل البصرة وأخذ منها أموالا كثيرة وجميع دخل السلطان والخليفة فبعث السلطان إليه عشرة آلاف فارس ومتقدمهم قزل، فلما علم دبيس جاء إلى نواحي الكوفة ثم قصد البرية وانقطع خبره.
وفي هذه السنة: خنق رجل يقال له ابن ناصر نفسه بحبل شده في السقف.
[قتل من كان يرمى بمذهب الباطنية في دمشق]
وفيها: قتل من كان يرمى بمذهب الباطنية في دمشق، وكان عددهم ستة آلاف.
وفيها: وصل الإفرنج إلى باب دمشق فنفذ بعبد الوهاب الواعظ من دمشق ومعه جماعة من التجار وهموا بكسر المنبر فوعدوا بأن ينفذ إلى السلطان ذلك.
__________
[1] في ص، ط: «الأحمد بيكي» . وفي الأصل: «الأحمد بكي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في ص، ط: «منعلة بالذهب» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ط.
[5] في ص، ط: «وكانت قيمته ثلاثين ألف دينار» .

(17/254)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3953- أسعد بن أبي نصر الميهني، أبو الفتح
[1] :
تفقه على أبي المظفر السمعاني وغيره، وبرع في الفقه، وفاق في النظر، وتقدم عند العوام والسلاطين، وحصل له مال كثير، ودخل بغداد، وفوض إليه التدريس في النظامية، وعلق بها جماعة/ تعليقة الخلاف، وأدركه الموت بهمذان في هذه السنة، فحكى بعض من كان يخدمه من الفقهاء قال: كنا معه في بيت وقد دنت وفاته، فقال لنا:
اخرجوا، فخرجنا فوقفنا على الباب وتسمعت فسمعته يلطم وجهه ويردد هذه الكلمات، ويقول: وا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وجعل يبكي ويلطم وجهه ويردد هذه الكلمات حتى مات.
3954- حمزة بن هبة الله بن محمد بن الحسن بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن [2] بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الغنائم بن أبي البركات بن أبي الحسن
[3] .
من أهل نيسابور، ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع الكثير، وحدث بالكثير، وضم إلى شرف النسب شرف التقوى، زيدي المذهب.
توفي في محرم هذه السنة.
3955- منصور بن هبة الله بن محمد، أبو الفوارس الموصلي الفقيه الحنفي:
كان من العدول، ثم ولي القضاء بنواح من سواد بغداد وكان من المجودين في النظر ومعرفة المذهب، وردت إليه الحسبة بالجانب الغربي.
وتوفي في صفر هذه السنة، ودفن بالخيزرانية.
3956- أبو المكارم بن المطلب، الملقب عز الدولة.
كان أستاذ دار الخليفة. فتوفي يوم الجمعة تاسع رجب هذه السنة.
__________
[1] في ص، ط: «الميهني أبو الفتح» . وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 700، وفيه: «المهيني» ، وتذكرة الحفاظ 1288، والكامل 9/ 523) .
[2] في الأصل: «القاسم بن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 252) .

(17/255)


ثم دخلت سنة اربع وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[ولاية ابن النرسي الحسبة]
أنه في خامس المحرم ولي ابن النرسي الحسبة، وعزل أبو عبد الله ابن الرطبي، وظهرت منه زلات كثيرة، وطولب بخمسمائة دينار.
قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر: وكانت زلزلة عظيمة هائلة في [ليلة الجمعة] [1] السادس عشر من ربيع الأول سنة أربع وعشرين، وكان ذلك في آخر شباط، وكنت في 110/ ب المسجد بين العشائين فماجت الأرض مرارا كثيرة/ من اليمين عن القبلة إلى الشمال، فلو دامت هلك الناس، ووقعت دور كثيرة ومساكن في الجانب الشرقي والغربي، ثم حدث موت محمود وفتن وحروب.
ووردت الأخبار في العشر الأخير من جمادى الأولى أنه ارتفع سحاب عظيم ببلد الموصل فأمطر مطرا كثيرا.
[هدم تاج الخليفة على دجلة]
وفي هذه السنة: أمر بهدم تاج الخليفة على دجلة لانه اشرف على الوقوع، فلما نقض وجد في أعلاه في الركن الشمالي مصحف جامع قد جعل في غلاف من ساج ولبس بصحائف الرصاص في رق بخط كوفي، فلم يعلم لذلك معنى إلا ان يكون للتبرك به، ثم أعيد بناء التاج في تمام السنة.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/256)


ووصل الخبر بكسر الإفرنج من دمشق، وأنه قتل في تلك الوقعة عشرة آلاف نفس ولم يفلت منهم سوى [1] أربعين نفرا.
ووصل الخبر بأن خليفة مصر الآمر بأمر الله قتل فوثب عليه غلام له أرمني، فملك القاهرة وفرق على من تبعه من العسكر مالا عظيما، وأراد أن يتأمر على العسكر فخالفوه ومضوا إلى ابن الأفضل الذي كان خليفة قبل المقتول فعاهدوه [2] ، وخرج فقصد القاهرة فقتلوا الغلام الذي في القاهرة، ونهبت ثلاثة أيام وملك ابن الأفضل.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3957- أحمد بن أبي القاسم بن رضوان صهر ابن يوسف:
سمع القاضي أبا يعلى، والجوهري، وكان سماعه صحيحا، وكان رجلا صالحا كثير الصدقة، وتوفي سحرة يوم الأحد غرة جمادى الآخرة، وصلى عليه بجامع القصر فحضر القضاة والفقهاء والشهود وأرباب المناصب والخلق الكثير، ودفن بباب حرب.
3958- إبراهيم بن عثمان بن محمد بن محمد، أبو إسحاق الغزي
[3] :
من أهل غزة بلدة بفلسطين، وبها ولد الشافعي، ولد في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وكان أحد فضلاء الدهر ومن يضرب به المثل في صناعة الشعر، وكان له خاطر/ مستحسن وشعر مليح، ومن أشعاره قوله في قصيدة يصف فيها الأتراك: 111/ أ
في فتنة من جيوش الترك ما تركت ... للرعد كراتهم [4] صوتا ولا صيتا
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة ... حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
__________
[1] في ص، ط: «ولم يسلم منهم سوى» .
[2] على هامش المطبوعة: «وهنا تخليط، وابن الأفضل وأبو لا شأن لهما بالخلافة، وإنما كان الأفضل وزيرا للآمر ولأبيه من قبله حتى قتله الآمر وسجن أولاده، ومنهم أحمد، فلما قتل الآمر أنابوا في الخلافة الحافظ، وهو عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، والآمر هو أبو علي بن المستعلي بن المستنصر، واستوزر الحافظ أحمد بن الأفضل» .
[3] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 67، والكامل 9/ 256) .
[4] في الأصل: «للرعل كراتهم» .

(17/257)


وله:
إنما هذه الدنيا متاع [1] ... والسفيه الغوي من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها
وله من قصيدة:
ليت الذي بالعشق دونك خصني ... يا ظالمي قسم المحبة بيننا
ألقى الهزبر فلا أخاف وثوبه [2] ... ويروعني نظر الغزال إذا رنا
وله:
وقالوا بع فؤادك حين تهوى ... لعلك تشتري قلبا جديدا
إذا كان القديم هو المصافي ... وخان فكيف ائتمن الجديدا
وترك قول الشعر وغسل كثيرا منه، وقال:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ... باب البواعث والدواعي مغلق
خلت البلاد فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق
خرج الغزي من مرو إلى بلخ، فتوفي في الطريق فحمل إلى بلخ فدفن بها، وكان يقول: إني لأرجو أن يعفو الله عني ويرحمني لأني شيخ مسن قد جاوزت السبعين، ولأني من بلد الإمام الشافعي.
وكان موته في هذه السنة حقق الله رجاءه.
3959- الآمر باللَّه خليفة مصر
[3] :
111/ ب هجم عليه عشرة [غلمان] [4] من غلمان/ الأفضل الذي كان من قبله فقتلوه في ثاني ذي القعدة من هذه السنة.
__________
[1] في ص، ط: «إنما هذه الحياة متاع» .
[2] في الأصل: «فلا أخاف نيويه» .
[3] في الأصل: «قال الناسخ: هكذا وجدته ها هنا، وإنما وجدته في غير هذا التاريخ الآمر بأحكام الله، وهو الأليق، والله أعلم» . وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 255) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/258)


3960- الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسين عبيد الله [1] بن القاسم بن سليمان بن وهب أبو عبد الله النحوي الشاعر المعروف بالبارع أخو أبي الكرم المبارك بن فاخر النحوي لأمه
[2] :
ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وقرأ القرآن بالقراءات على أبي بكر الخياط، وأبى على ابن البناء، وغيرهما وأقرأ، وصنف له شيخنا أبو محمد المقرئ كتابا يتضمن الخلاف بما قرأه، وسمع الحديث من القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وابن المسلمة، وأبي بكر الخياط، وغيرهم. وحدث عنهم.
قال المصنف: وسمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة، وكان فاضلا عارفا باللغة والأدب، وله شعر مليح:
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عبد الوهاب البارع أنه قال:
ردي علي الكرى ثم اهجري سكني ... فقد قنعت بطيف منك في الوسن
لا تحسبي النوم مذ أوحشت أطلبه [3] ... إلا رجاء خيال منك يؤنسني
علمت بالهجر جنبي هجر مضجعه ... وبالفراق فؤادي صحبة الحزن
تركتني والهوى فردا أغالبه ... ونام ليلك عن هم يؤرقني
/ سلمت مما عناني فاستهنت به [4] ... لا يعرف الشجو إلا كل ذي شجن 12/ أ
شتان بين خلي مطلق وشج ... في ربقة الحب كالمصفود في قرن
الله في كبدي الحرى عليك وفي ... قلبي المعنّى بما كلفته الضمن
أمسيت يشهد باد من ضنا جسدي ... بداخل من جوى في القلب مكتمن
إن كان يوجب ضري رحمتي فرضا ... بسوء حالي وخلى للضنا بدني
__________
[1] في ص: «ابن محمد بن الحسن بن عبيد الله» .
[2] في ص، ط: «بن وهب الدباس، أبو عبد الله النحويّ» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 201، تذكرة الحفاظ 1274، وشذرات الذهب 4/ 69، والكامل 9/ 256) .
[3] في الأصل: «النوم قد أوحشت أطلبه» .
[4] في ص: «مما عناني فاستبهت» ، وفي ط: «فاشتبهت» . وما أوردناه من الأصل.

(17/259)


يا هم نفسي في قرب وفي بعد ... وضن قلبي في حل وفي ظعن
لو قيل لي نل من الدنيا مناك لما [1] ... جعلت غيرك لي حظا من الزمن
منحتك القلب لا أبغي به ثمنا ... إلّا رضاك ووا فقري إلى الثمن
وله:
ذكر الأحباب والوطنا ... والصبا والألف والسكنا
فبكى شجوا [2] وحق له ... مدنف بالشوق حلف ضنا
أبعدت مرمى به طرحت [3] ... من خراسان به اليمنا
خلست من بين أضلعه ... بالنوى قلبا به ضمنا
من لمشتاق يميله ... ذات سجع [4] ميلت فننا
لم تعرض بالحنين بمن ... مسعد؟ إلا وقلت أنا
لك يا ورقاء أسوة من ... لم تذيقي طرفه الوسنا
11/ ب/ بك أنسى قبل أنسك بي ... فتعالي نبد ما كمنا
نتشاكى ما نجن إذا ... نحت شجوا صحت واحزنا
أنا لا أنت البعيد هوى ... أنا لا أنت الغريب هنا
أنا فرد يا حمام وها ... أنت والإلف القرين ثنا
اسرحا رأد النهار معا ... واسكنا جنح الدجى غصنا
وابكيا يا جارتيّ لما ... لعبت أيدي الفراق بنا
كم ترى أشكو البعاد وكم ... أندب الأطلال والزمنا
أين قلبي ما صنعت به؟ ... ما أرى صدري له سكنا
حان يوم النفر وهو معي ... فأبى أن يصحب البدنا
أبه حادي الرفاق حدا ... أم له داعي الفراق عنا
__________
[1] في ص: «الدنيا مناك فما» .
[2] في ص، ط: «فبكى شجوا.
[3] في الأصل، ص: «أبعدت مرمى به فرحت» .
[4] في ص: «ذات شجع» .

(17/260)


لست يا الله أتهم في ... شأنه إلا ثلاث منا
خلسته لا أبرئها [1] ... عين ريم الخيف حين رنا
رفعت سجف القباب فلا ... الفرض أدينا ولا السننا
رشقتنا عن حواجبها [2] ... بسهام تنفذ الجننا
كم أخي نسك وذي ورع [3] ... جاء يبغي الحج فافتتنا
انصفوا يا موحشين لنا ... ليس هذا منكم حسنا
نحن وفد الله عندكم ... ما لكم جيرانه [4] ولنا
توفي البارع الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن بباب حرب، وكان قد ضر في آخر عمره، وكان شيخنا ابن ناصر يقول: فيه تساهل وضعف.
3961-/ سهل بن محمود بن محمد بن إِسْمَاعِيل أبو المعالي البراني
[5] : 113/ أوالبرّانية من قرى بخارى، سمع الحديث الكثير [وحدث [6]] وتفقه، خرج إلى مكة فأغارت العرب على الحاج فبقي هو ورفقاؤه حفاة عراة، ثم تنقلوا إلى مكة، وقد فاتت الرفقة فجاور مكة، ثم خرج إلى اليمن فركب البحر ثم مضى إلى كرمان ثم خراسان. وكان إماما فاضلا مناظرا واعظا متشاغلا بالتعبد.
وتوفي ببخارى في هذه السنة.
3962-[عباد بن حميد بن طاهر بن عبد الله الحسنابادي الأصفهاني:
سمع من جماعة، وروى لنا الحديث، وتوفي بعد العشرين والخمسمائة] [7] .
3963- محمد بن سعدون بن مرجا العبدري القرشي، أبو عامر الحافظ
[8] :
أصله من برقة من بلاد المغرب، ودخل إلى بغداد في سنة أربع وثمانين
__________
[1] في ص: «خلسة لا أثر بها» ، وكذا الأصل.
[2] في ص، والأصل: «رشقنا عن خواضبها» .
[3] في ص: «كم أخا سنك وذي ورع» .
[4] في الأصل، ص: «ما له جيرانه» .
[5] في الأصل: «سهل بن محمد بن محمود بن إسماعيل، أبو المعالي» .
[6] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[7] هذه الترجمة ساقطة من جميع النسخ، وأوردناها من ت.
[8] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 102، وتذكرة الحفاظ 1272، وشذرات الذهب 4/ 70) .

(17/261)


وأربعمائة، فسمع من طراد، وابن النظر، ومالك البانياسي، والحميدي، ونظرائهم، حتى سمع من مشايخنا أبا بكر بن عبد الباقي، وابن السمرقندي، وكان يذهب مذهب داود. وكانت له معرفة بالحديث حسنة وفهم جيد، وكان متعففا في فقره، ومرض يومين.
وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن في مقبرة غلام الخلال.
3964- هبة الله بن القاسم بن عطاء بن محمد أبو سعد المهرواني
[1] [كان [2]] حافظا لكتاب الله عز وجل، نبيلا من بيت العلم والورع والزهد والحديث، وكانت سيرته مرضية، انزوى في آخر عمره وترك مخالطة الناس [وأقبل على العبادة [3]] .
وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة.
__________
[1] في الأصل، ص، ط: «ابن عطاء بن محمد بن سعد» .
وانظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1275، وفيه: «المهراني» ، شذرات الذهب 4/ 73، والكامل 9/ 257) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/262)


ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها.
أن دبيس بن صدقة ضل في طريقه فقبض عليه بحلة حسان بن مكتوم الكلبي من أعمال دمشق وانقطع أصحابه فلم يكن له منجى من العرب. فحمل إلى دمشق فحمله أميرها ابن طغتكين وباعه من زنكي [1] بن آقسنقر [صاحب الموصل والشام [2]] بخمسين ألف دينار، وكان زنكي عدوه فظن أنه سيهلكه، فلما حصل في قبضته أكرمه وخوله المال والسلاح وقدمه على نفسه.
فلما ورد الخبر بذلك خلع على الرسول وأخرج ابن الأنباري إلى جانب دمشق ليتوصل في أخذه وحمله إلى دار الخلافة، فلما وصل إلى الرحبة قبض عليه أمير الرحبة بتقدم زنكي إليه، وحمل إلى قلعة الموصل.
[وصول الخبر أن مسعودا أخا محمود قد انفصل عن سنجر]
ووصل الخبر في ربيع الأول أن مسعودا أخا محمود قد انفصل عن سنجر وجاء يطلب السلطنة، وقد اجتمع إليه جماعة من الأمراء والعساكر فاختلط أمر محمود وعزم أن يرحل إليه، فبعث إلى المسترشد يستأذنه، فأجابه: إنك تعلم ما بيني وبينك من العهد واليمين وإني لا أخرج ولا أدون عسكرا، وإذا خرجت عاد العدو وملك [3] الحلة وربما تجدد منه ما تعلم. فقال له: متى رحلت عن العراق وجدت له حركة وخفت على
__________
[1] في ص: «إلى دمشق فباعه أميرها ابن طغتكين من زنكي» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «وإذا خرجت عاد العهد وملك» .

(17/263)


نفسك وعلى المسلمين وتجدد لي أمر مع أخي فلم أقدر على المجيء فقد نزلت عن اليمين التي بيننا، فمهما رأيت من المصلحة فافعله.
فخلع عليه الخلع السنية، وخرج ثم أرسل مسعود بما يطيب القلب فالتقيا وتحالفا [1] واعتنقا، وحمل مسعود الغاشية بين يديه، وبعث وزير محمود من الآلات ما 114/ أقوم مائة وخمسين ألف دينار، وأعطاه السلطان/ العساكر والأجناد ورحل
. وتوفي ولد المسترشد بالجدري، وكان ابن إحدى وعشرين سنة فقعدوا للعزاء به يومين، وقطع ضرب الطبل لأجله.
وفي رجب: أعيد الغيار على أهل الذمة.
وتوفي السلطان محمود، فأقاموا مكانه ابنه داود، وأقيمت له الخطبة ببلاد الجبل وآذربيجان، وكان أحمد بكى أتابكه، والوزير أبو القاسم الملقب قوام الدين وزيره، وقصد حرب عمه مسعود [وتقدم [2]] بقطع الجسر من رأس نهر عيسى ونصبه بباب الغربة يوم الأحد ثالث عشرين ذي القعدة فكثرت الأراجيف [لنقله] [3] وصار مستنزها مليحا يجتمع الناس بعد العصر تحت الرقة كما كانوا يجتمعون في الرحبة.
وفي يوم الاثنين الثاني عشر من شوال: أحضر كثير بن شماليق، وأبو المعالي بن شافع، وأبو المظفر ابن الصباغ وقد شهدوا شهادة زور [4] اعتمدوها، وأخذوا عليها رشوة كبيرة في دار مرهونة بكتاب دين ورهن، واعتمد الراهن وهي امرأة [5] أقرت بها بعد ذلك لابنتها تقصد بذلك إخراجها عن الرهن فأقروا على ذلك، فلما ثبت أنهم [6] شهدوا بالزور في القضية، أخرجوا إلى باب النوبي مع حاجب الباب وابن النرسي المحتسب [وأقيموا على الدكة [7]] ودرروا ثلاثتهم وحضر ذلك الخاص والعام، وأعيدوا إلى حجرة حاجب الباب.
__________
[1] في الأصل: «ثم أرسل معه بما يطيب قبله فالتقيا وتحالفا» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ابن الصباغ وقرروا في شهادة الزور» .
[5] في الأصل: «واعتمد الراهن وهو امرأة» .
[6] تقصد بذلك ... فلما ثبت أنهم» : ساقطة من ص، ط.
[7] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/264)


ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3965- أحمد بن علي بن محمد، أبو السعود ابن المحلى [1] البزاز:
ولد/ سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا الحسين بن المهتدي، وأبا جعفر 114/ ب ابن المسلمة، وابن النقور، والخطيب، وغيرهم. وحدث عنهم، وكان سماعه صحيحا، وكان شيخا صالحا ذا هيبة وستر، سمعت منه الحديث، ورأيته يذكر بجامع المنصور في يوم عرفة.
وتوفي الاثنين ثامن ربيع الأول، ودفن بمقبرة جامع المنصور.
3966- أحمد بن محمد بن عبد القاهر، أبو نصر الطوسي
[2] :
سمع المهتدي، وابن المسلمة، وابن النقور، وكان سماعه صحيحا، وتفقه على أبي إسحاق، وكان شيخا لطيفا عليه نور.
قال المصنف: وسمعت منه الحديث، وأجاز لي جميع رواياته. وأنشدني أشعارا حسنة، فمنها أنه أنشدني:
على كل حال فاجعل الحزم عدة ... تقدمه بين النوائب والدهر
فإن نلت خيرا نلته بعزيمة ... وإن قصرت عنك الخطوب فعن عذر
وأنشدني:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا ... وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
وقلت يا عدتي في كل نائبة ... ومن عليه لكشف الضر أعتمد
وقد [مددت] [3] يدي بالذل صاغرة ... إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يا رب خائبة ... فبحر جودك يروي كل من يرد
/ وكان أبو نصر الطوسي يصلي بمسجد في درب الشاكرية من نهر معلى، 115/ أ
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 73) .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 202، وفيه: «الصوفي» بدلا من «الطوسي» ، شذرات الذهب 4/ 73) .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/265)


ويروي الحديث، ثم سافر إلى الموصل.
فتوفي بها يوم السبت لحادي عشرين ربيع الأول من هذه السنة.
3967- الحسن بن سلمان بن عبد الله ابن الفتى، أبو علي الفقيه
[1] :
ورد بغداد ودرس بالنظامية ووعظ في جامع القصر، وكان له علم بالأدب ولم يكن قائما بشروط الوعظ، فكان يقول: أنا في الوعظ مبتدى، وأنا في الفقه منتهي. غير أنه أنشأ خطبا كان يذكرها في مجالس الوعظ [2] ينظم فيها مذهب الأشعري، فنفقت على أهل بغداد، ومال على أصحاب الحديث والحنابلة فاستلب عاجلا.
فتوفي في شوال هذه السنة، وغسله القاضي أبو العباس ابن الرطبي وصلى عليه في جامع القصر، ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق.
3968- حماد بن مسلم، الرحبي الدباس
[3] :
سمع الحديث من أبي الفضل وغيره إلا أنه كان على طريقة التصوف، يدعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن، وكان عاريا من علوم الشريعة [4] ، ولم ينفق إلا على الجهال، وكان ابن عقيل ينفر الناس عنه حتى إنَّه بلغه أنه يعطي كل من يشكو إليه الحصى [5] لوزة وزبيبة ليأكلها فيبرا، فبعث إليه ابن عقيل إن عدت إلى مثل هذا ضربت عنقك، وكان يقول: ابن عقيل عدوى وكان الناس ينذرون [6] له النذور فيقبل الأموال، 115/ ب ويفرقها على أصحابه، ثم كره قبول النذر لقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ «إِنَّ النذر يستخرج من البخيل» ، فصار يأكل بالمنامات، كان يجيء الرجل فيقول قد رأيت في المنام أعط حمادا كذا، فاجتمع له أصحاب ينفق عليهم ما يفتح له.
ومات في رمضان من هذه السنة، ودفن بالشونيزية.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 202، وفيه: «الحسن بن سليمان» ، والكامل 9/ 259) .
[2] في الأصل: «كان يذكرها في مجلس الوعظ» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 202، شذرات الذهب 4/ 73، والكامل 9/ 259) .
[4] في ص: «وكان عارية من علوم الشريعة» .
[5] في ص، ط: «يشكو إليه الحمى» .
[6] في المطبوعة: «فبعث إليه ابن عقيل عدوى، وصار الناس ينذرون» .

(17/266)


3969- علي بن المستظهر، الأمير، أبو الحسن
[1] :
توفي في رجب هذه السنة، وحمل في الزبزب، وقعدوا للعزاء به.
3970- محمد بن أحمد بن الفضل [2] الماهياني:
وماهيان قرية من قرى مرو، تفقه بمرو على أبي الفضل التميمي، ثم مضى إلى نيسابور فأقام مدة عند أبي المعالي الجويني، وتفقه عليه، وسمع بها الحديث منه، ومن أبي صالح المؤذن، ومن أبي بكر الشيرازي، وأبي الحسن الواحدي، ثم سافر إلى بغداد، فأقام عند أبي سعد المتولي [3] يتفقه عليه، وسمع بها أبا نصر الزينبي وغيره، وتوفي في رجب هذه السنة، وقد قارب التسعين، ودفن بقريته ماهيان.
3971- محمد بن الحسن بن علي بن الحسن، أبو غالب الماوردي
[4] :
ولد سنة خمسين واربعمائة بالبصرة، وسمع الحديث الكثير [بالبصرة وبغداد وأصبهان وكتب بخطه الكثير [5]] ، وكان يورق للناس، وكان شيخا صالحا وسمعت عليه الحديث، وتوفي في رمضان هذه السنة، ودفن على باب مسجد الجنائز بقرب قبر معروف على الطريق، ورئي في المنام فقال: غفر الله لي ببركات حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاني جميع ما أملته.
3972- محمد بن الحسين بن محمد بن علي، أبو تمام بن أبي طالب الزينبي
[6] :
بيته معروف، [7] ولد سنة ست وأربعين، وسمع من القاضيين ابن المهتدي، وابن الفراء وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة، وصلى عليه في جامع الخليفة ابن عمه علي بن طراد، ودفن في تربة أبي الحسن القزويني بالحربية.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203) .
[2] في ت: «ابن أبي الفضل المباهياني» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203، وفيه: «الماهاني» ) .
[3] في الأصل: «عند أبي سعيد» .
[4] انظر ترجمته في: (الكامل 9/ 260) .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «محمد بن الحسن بن محمد» .
[7] في ت: «بكنيته معروف» .

(17/267)


3973- محمد بن عمر بن عبد العزيز بن طاهر، أبو بكر الحنفي المقرئ يعرف بكاك
[1] :
من أهل بخارى سافر البلاد فسمع بنيسابور وبخارى وسمرقند [وهمذان] [2] وبغداد، وأقام بها مدة، ثم عاد إلى ما وراء النهر، وسكن سمرقند ثم عاد إلى الحجاز وحدث بالحرمين وغيرهما، وكان أديبا فاضلا صالحا مكثرا من الحديث.
وتوفي [بالأجفر] [3] في محرم هذه السنة.
3974- محمود [بن محمد] ، بن ملك شاه
[4] :
توفي يوم الخميس خامس عشر شوال من هذه السنة، وجلس الناس للعزاء به ثلاثة أيام.
3975- هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بن أحمد بن العباس بن الحصين، أبو القاسم الشيباني الكاتب
[5] :
ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وبكر به أبوه وبأخيه أبي غالب عبد الواحد، فأسمعهما من أبي علي ابن المذهب، وأبي طالب بن غيلان، والتنوخي وغيرهم، وعمر حتى صار سيد أهل عصره، فرحل إليه الطلبة وازدحموا عليه، وكان ثقة صحيح السماع، وسمعت منه مسند الإمام أحمد جميعه، والغيلانيات جميعها، وأجزاء المزكي، وهو آخر من حدث بذاك، وسمعت منه غير ذلك بقراءة شيخنا ابن ناصر، وكنت/ ممن كتبها عنه، وتوفي بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء رابع عشر شوال، وترك إلى يوم الجمعة، وأشرف على غسله شيخنا أبو الفضل بن ناصر وصلى عليه أيضا بوصية منه في جامع القصر، ثم حمل إلى جامع المنصور فصلى عليه شيخنا عبد الوهاب ابن المبارك الأنماطي، ودفن يومئذ بباب حرب عند بشر الحافي.
__________
[1] في ت: «المعروف بكاك» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203، وشذرات الذهب 4/ 76، والكامل 9/ 259) .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 203، وشذرات الذهب 4/ 77) .

(17/268)


ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه كان قد جرى في أواخر السنة الماضية كلام يتعلق بدار الضرب وشكا العمال [1] أنهم يخسرون، فنهض ابن حريقا وكذبهم، وقال: بل يربحون كثيرا، وعرض هذا الكلام على صاحب المخزن ابن طلحة فأراه عن ذلك [2] ومنعه من الكلام فيه، فبلغ الخبر إلى المسترشد فأمر بحسابهم، فإذا ربحهم كثير، فظهر أن صاحب المخزن يعاونهم، وذكر أنه كان يأخذ منهم كل شهر سبعين دينارا فثبت ذلك عليه، فأمر المسترشد بنقل النظر في ذلك إلى الديوان فانكسر صاحب المخزن بذلك كسرة عظيمة، وكان تمام ذلك في أول المحرم هذه السنة فصار صاحب المخزن يجلس ساعة في المخزن بعد أن كان يكون فيه معظم النهار، ولا يحضر باب الحجرة لما ظهر من ذلك عليه.
وخرج التوقيع إلى شرف الدين الوزير بأنك المعتمد عليه، والأمر ما تأمر به وأنت المختص بالثقة، فقوي جأشه بذلك.
وفي المحرم: تقدم الخليفة بحراسة الغلات وأوجب ذلك الغلاء، فصار كر الشعير باثني عشر دينارا.
__________
[1] في ت: وشكا للعمال» .
[2] في المطبوعة فلولاه عن ذلك.

(17/269)


ووصل مسعود بن محمود إلى بغداد في عشرة آلاف، وورد قراجا الساقي ومعه سلجوق شاه بن محمد، وكلاهما يطلب السلطنة، وانحدر زنكي بن آقسنقر الموصلي لينضم إلى مسعود، فلما بلغ تكريت خلف قراجا الملك سلجوق شاه في عدد يسير وأمرهم بمدافعة مسعود إلى أن يعود، وأسرى في يوم وليلة إلى تكريت فواقع زنكي فهزمه وأسر جماعة من أصحابه وعاد بهم، ثم دخل السفراء بينهم فوقع الاتفاق واجتمع مسعود وسلجوق وقراجا، وأحلفهم المسترشد على التوافق والطاعة والاجتماع، وكان قراجا يتحكم على مسعود [1] وسلجوق جميعا.
[أرجف الناس بمجيء سنجر]
وأرجف الناس بمجيء سنجر، فعمل السور [2] ، وجبي العقار، وظهر على كتاب كتبه الغزنوي إلى وزير سنجر فأهين، وخرجوا متوجهين لحرب السلطان سنجر بعد أن أفرد العراق جميعه للوكلاء ووقع الاتفاق واستظهر بالأيمان وألزم المسترشد قراجا بالخروج فكرهه ولم يجد بدا من الموافقة، فإنه تهدد وتوعد حتى قيل له: إن الذي تخاف من سنجر في الآجل نحن نعجله لك الآن.
وبعث سنجر يقول: أنا العبد، فما أردت مني فعلت، فلم يقبل منه وسار الجماعة وخرج المسترشد بعدهم بأيام من باب النصر في سادس جمادى الآخرة والكل مشاة بين 117/ ب يديه إلى ان خرج [من [3]] عقد السور، ثم تقدم [4] / بأن يركب الوزير وحده إلى ان خرجوا [من [5]] عقد السور، فركبوا وضج الناس بالدعاء، وباتوا يختمون الختمات ويدعون. 116/ ب ثم رحل في ثاني رجب، وقطعت خطبة سنجر في ثالث رجب وسار على تثبط إلى خانقين، فأقام بها، وورد سنجر إلى همذان فكانت الواقعة قريبا من الدينور، وكان مع سنجر مائة ألف وستون ألفا، وكان مع قراجا ومسعود ثلاثون ألفا فأحصى القتلى، فكانوا
__________
[1] في ص: «وكان قراجا متحكم على مسعود» .
[2] في ص: «فعمل السوء» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أن خرج عقد الحلبة» .
[5] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/270)


أربعين ألفا، فقتل قراجا وأجلس طغرل بن محمد على سرير الملك، وعاد سنجر إلى بلاده وكاتب دبيسا وزنكي بقصد بغداد وفتحها، فتوجها إليها من الموصل بالعدة التامة في سبعة آلاف فارس، فبلغ المسترشد اختلاط بغداد وكسرة العسكر، فخرج من السرادق بيده سيف مجذوب، وسكن العسكر وخاف على نفسه وعلى الخزانة وعاد من خانقين وزنكي ودبيس قد شارفا بغداد من غربيها، فعبر الخليفة إلى الجانب الغربي في ألفي فارس وضعف عنهما فطلب المقاربة فاشتطا وكرست ميسرته فكشف الطرحة ولبس البردة وجذب السيف وحمل العسكر فانهزما وقتلت من القوم مقتلة عظيمة، وطلب زنكي تكريت ودبيس الفرات.
[الوقعة بين طغرل بن محمد وداود بن محمود]
وفي هذه السنة: كانت الوقعة بين طغرل [1] بن محمد وبين داود بن محمود وآقسنقر الأحمد يكي، وكان الظفر فيها لطغرل بهمذان.
/ وفيها: وزر أنوشروان بن خالد للمسترشد، بعث إليه صاحب المخزن ابن 118/ أطلحة يقول له: ان أمير المؤمنين قد عول عليك في الوزارة، فينبغي أن تسارع إلى ذلك، فأخذ يعتذر ويقول قد عرف حالي، وإني لما وزرت للسلطان محمود طلبت الإقالة وقد رضيت من الدنيا بمكاني هذا، فقبل عني الأرض، وسل لي الإعفاء، فلم يعف، فأجاب فعرضت عليه دار ابن صدقة فامتنع، وقال: كإن له على حق، وذلك أنه كان يصله كل سنة بمال كثير فاقتصر على دار ابن ودعة فعمرت، وعاد دبيس بعد الهزيمة يلوذ ببلاده، وجمع جميعا وكانت الحلة وأعمالها في يد إقبال المسترشدي، وأمد بعسكر بغداد فهزم دبيس وحصل في أجمة فيها ماء وقصب ثلاثة أيام لا يطعم حتى أخرجه جماس على ظهره وخلصه، ووصل الملك داود والأحمد يكي إلى بغداد [2] ، ووصل ولد منصور بن سيف الدولة يوم السبت ثالث عشرين شعبان في خمسين فارسا، فلم يعلم به أحد حتى نزل، وقبل عتبة باب النوبي وتمور على الصخرة [3] ، وقال: أنا فلان بن فلان جئت إلى أمير المؤمنين فإما أن يلحقني بأبي فأستريح، وإما أن يعفو عني،
__________
[1] في الأصل: «كانت وقعة بين طغرل» .
[2] في الأصل: «والأحمد بلي» .
[3] في الأصل، ص، ط: «وتحرر على الصخرة» وما أوردناه من ت.

(17/271)


فأنهى ذلك فعفي عنه [1] ، وأعطي دارا وإصطبلا ودنانير.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شعبان: قبض الخليفة على الوزير شرف الدين، وقبض معه على الحسين بن محمد ابن الوزان كاتب الزمام، ووكل بالوزير بباب الغربة 118/ ب وأخذ من بيته خمسا/ وسبعين قطعة فضة سوى المراكب، ونيفا وثلاثين قطعة ذهب سوى المراكب، ووجد في داره البدنة [2] الحب التي أخذها دبيس من الأمير أبي الحسن لما أسره ومعضدة قيمتها مائة ألف دينار، ونقل من الرحل والأثاث ثلاثة أيام، ونحو خمسمائة رأس من خيل وإبل وبغال سوى ما ظهر من المال.
وفي آخر ذي القعدة: أخرج الوزير من الحبس وأخذ خطه بثلاثين ألفا.
قال شيخنا أبو الحسن: وأحضر نازح خادم خاتون المستظهرية فقيل له: أنت حافظ خاتون، وقد قذفت بابن المهير [3] ، فصفع وأخذت خيله وقريته، وقتل ابن المهير، وأظهر أنه هرب وأظهر أمرهما خدم، فكوتب سنجر بذلك وحل المسترشد إقطاعها وأقام معها في دارها من يحفظها إلى أن يأتي جواب سنجر، وأخذ إصطبل خيلها فبيع وعمر آدر وتألمت من ذلك وكتبت إلى سنجر، فقيل أنه كتب إليها يعلمها بما يريد أن يفتك بالدولة، فبعث المسترشد فأخذ الكتاب منها وهيجه ذلك على الخروج إلى القتال.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3976- أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر المستوفي المعروف بالعزيز:
قبض عليه الأنسابازي وزير طغرل [4] ، وسلم إلى بهروز الخادم فحمله إلى قلعة تكريت فقتل فيها هذه السنة، وكان من رؤساء الأعاجم.
__________
[1] في الأصل: «فأنهى ذلك فاعفى عنه» .
[2] في الأصل: «وقد قذفت بابن المهر» .
[3] في ت: «أحمد بن حامد بن محمود» . وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 267) .
[4] في الأصل، ت: «قبض عليه النسابادي» .

(17/272)


3977- أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم/ بن سعد بن عتبة بن فرقد السلمي صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويعرف بابن كادش العكبريّ 119/ أويكنى أبا العز
[1] :
قال المصنف نقلت هذا النسب من خطه، سمع أقضى القضاة أبا الحسن الماوردي، وكان آخر من روى عنه، وأبا الطيب الطبري، والعشاري والجوهري وغيرهم، وكان مكثرا ويفهم الحديث، وأجاز لي جميع مسموعاته، قد أثنى عليه جماعة منهم أبو محمد ابن الخشاب.
وقد أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: سمعت إبراهيم بن سليمان الورديسي، يقول: سمعت أبا العز ابن كادش يقول: وضعت أنا حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقر عندي بذلك.
وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر سيئ الرأي فيه. وقال شيخنا عبد الوهاب: ما كان إلا مخلصا.
توفي في جمادى الأولى من هذه السنة.
3978- الحسين بن إبراهيم الدينَوَريّ، أبو عبد الله
[2] :
سمع طرادا والتميمي وغيرهما، وحدث وكان سماعه صحيحا.
وتوفي في يوم الأحد تاسع رمضان، ودفن بباب حرب.
3979- عبيد الله بن المظفر
[3] :
ابن رئيس الرؤساء توفي في هذه السنة، وكان أديبا فاضلا.
__________
[1] في ت: «ويعرف بابن الكادش العكبريّ ويكنا أبا العز» .
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 78، والكامل 9/ 267،.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 204) .
[3] في ص، ط: «عبد الله بن المظفر» .
وانظر ترجمته في: (الكامل 9/ 267) .

(17/273)


3980- محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن الفراء، أبو الحسين بن أبي يعلى
[1] :
ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وسمع أباه، والخطيب، وأبا الغنائم ابن المأمون، وأبا الحسين ابن المهتدي، وابن النقور وغيرهم، وتفقه وناظر، وكان متشددا في السنة، وكان يبيت في داره بباب المراتب وحده فعلم بعض من كان 119/ ب يخدمه/ ويتردد إليه بأن له مالا، فدخلوا عليه ليلا فأخذوا المال وقتلوه في ليلة الجمعة عاشر محرم هذه السنة، وقدر الله أنهم وقعوا كلهم وقتلوا.
__________
[1] في الأصل: «أبو الحسن بن أبي يعلى» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 204، وشذرات الذهب 4/ 79، والكامل 9/ 267) .

(17/274)


ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه دخل مسعود بن محمود في صفر، فمضى الوزير في الموكب إلى داره ليهنئه ثم خطب له بالسلطنة، ومن بعده لداود ابن أخيه، ونثرت الدنانير بجامع القصر حين الخطبة وخلع عليهما وعلى الأمير آقسنقر الأحمد يكي بباب الحجرة، وعادوا في السفن وذلك في خامس ربيع الأول.
وفي آخر ذلك اليوم، خرج رحل المسترشد إلى الرملة، وخرج في صبيحة الاثنين سادس الشهر في شبارة مصعدا إلى مشرعة التستريين [1] ، وكان على صدر السفينة يرنقش البازدار قائما بيده سيف مشهور وآقسنقر الأحمد يكي قائما بين يديه، وفي الشبارة صاحب المخزن ونظر ومرتجى الخادم وركب من هناك إلى المضارب، ومشى الملكان بين يديه مسافة يسيرة، ثم أمرهما بالركوب فسيرهما إلى آذربيجان بعد أن خلع عليهما، وعاد هو وضم إليهما نظر الخادم ومعه خيمة سوداء ومهد ولواء لحرب طغرل فلقوه وهزموه واستقر مسعود بهمذان، وقتل آقسنقر الأحمد يكي، وظهر أنه قتله باطنية، واتهم مسعود بقتله، وضربت [2] الطبول ببغداد للبشارة.
/ وفي صفر: خلع على القاضيين ابن الكرجي، وابن يعيش، وولي ابن الكرجي 120/ أ
__________
[1] في ص، ط: «مشرعة البستريين» .
[2] في ص، ط: «واتهم مسعود بأنه وضع عليه وضربت» .

(17/275)


القضاء والحسبة بنهر معلى، وولي ابن يعيش القضاء بباب الأزج، وسلم إليه النظر في الوقوف والتركات والترب.
وجمع دبيس جمعا بواسط، وانضم إليه الواسطيون، وابن أبي الخير، وبختيار، وشاق، فنفذ إليه البازدار وإقبال الخادم فهزموه وأسر بختيار.
وعزم المسترشد على المسير إلى الموصل، فعبرت الكوسات والأعلام من الجانب الشرقي إلى الغربي يوم السبت ثاني عشر شعبان، ونودي بالجانب الشرقي من تخلف من الجند بعد يومنا هذا ولم يعبر أبيح دمه.
ونزل أمير المؤمنين في الدار الزكوية التي على الصراة، ثم رحل عنها إلى الرملة، ثم إلى المزرفة ومعه نيف وثلاثون أميرا واثنا عشر ألف فارس، ونفذ إلى بهروز يقول له:
تنزل عن القلعة وتسلمها وتسلم الأموال وتدخل تحت الطاعة حتى نسلم إليك البلاد، فأجاب بالطاعة وقال: أنا رجل كبير عاجز عن الخدمة بل أنا أنفذ الإقامة وأنفذ مالا برسم الخدمة ففعل [1] وأعفي، ثم وصل المسترشد إلى الموصل في العشرين من رمضان فحاصرها ثمانين يوما وكان القتال كل يوم، ووصل إليه أبو الهيج الكردي المقيم بالجبل ومعه عساكر كثيرة، ثم ان زنكي كاتب الخليفة بأني أعطيك الأموال [2] وأرحل عنا، فلم يجبه ثم رحل، وقيل: كان السبب في رحيله أنه بلغه أن مسعودا غدر وقتل الأحمد يكي وخلع 120/ ب على دبيس. وتقدم الخليفة بنقض بستان العميد/ بقصر عيسى وأخذ آجره إلى السور [3] .
وتوفي شيخنا أبو الحسن ابن الزاغوني، وكانت له حلقه في جامع المنصور يناظر فيها قبل الصلاة ثم يعظ بعدها، وكان يجلس يوم السبت عند قبر معروف وفي باب البصرة وبمسجد ابن الفاعوس، فأخذ أماكنه أبو علي بن الراذاني، ولم أعطها أنا لصغر سني، فحضرت بين يدي الوزير أنوشروان، وأوردت فصلا من المواعظ فأذن لي في الجلوس في جامع المنصور، فتكلمت فيه فحضر مجلسي أول يوم جماعة أصحابنا
__________
[1] في الأصل: «مالا بحكم الخدمة ففعل» .
[2] في ص: «بأنى نعطيك» . وفي الأصل: «بالي عليك» . وما أردناه من ت.
[3] في الأصل: «وأخذ آجره إلى السرير» .

(17/276)


الكبار من الفقهاء، منهم عبد الواحد بن شنيف، وأبو علي ابن القاضي، وأبو بكر بن عيسى، وابن قسامي وغيرهم، ثم تكلمت في مسجد عند قبر معروف وفي باب البصرة وبنهر معلى، واتصلت المجالس وكثر الزحام، وقوي اشتغالي بفنون العلوم، وسمعت من أبي بكر الدينَوَريّ الفقه، وعلى أبي منصور الجواليقي اللغة، وتتبعت مشايخ الحديث، وانقطعت مجالس أبي علي ابن الراذاني، واتصلت مجالسي لكثرة اشتغالي بالعلم.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3981- أحمد بن سلامة، بن عبيد الله بن مخلد بن إبراهيم، أبو العباس ابن الرطبي الكرخي
[1] :
من كرخ جدان، تفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وأبي نصر ابن الصباغ، ثم خرج إلى أصبهان فتفقه على محمد بن ثابت الخجندي، وسمع الحديث من أبي القاسم ابن البسري، وأبي نصر الزينبي، وغيرهما وولي القضاء بالحريم والحسبة أيضا/ وكان له قرب إلى خدمة الخليفة، وكان يؤدب أولاده، وتوفي ليلة [الاثنين مستهل] [2] 121/ أرجب من هذه السنة، وصلى عليه بجامع القصر، ودفن عند قبر الشيخ أبي إسحاق بباب ابرز، وقال رفيقنا موسى بن غريب بن شبابة التبريزي، وكان صاحب القاضي أبي العباس: دخلت عليه وهو في الموت وهو يأمر بتجهيزه وتكفينه وموضع دفنه وما على قلبه من مزعج كأنه ينتقل من دار إلى دار.
3982- أحمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله ابن البناء، أبو غالب
[3] .
ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وسمع أبا محمد الجوهري [4] ، وأبا
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، وتذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 80، والكامل 9/ 272) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1288، وفيه: «أحمد بن أبي علي الحسن بن أحمد ... » ) .
[4] في الأصل: «وجمع أبا محمد الجوهري» .

(17/277)


الحسين بن حسنون، وأبا يعلى القاضي، وأبا الحسين ابن المهتدي، وأبا الغنائم ابن المأمون، وغيرهم، وسمعت منه الحديث، وكان ثقة.
وتوفي فِي ربيع الأول من هذه السنة، وقيل في صفر.
3983- أسعد بن صاعد بن إِسْمَاعِيل أبو المعالي الحنفي
[1] :
خطيب جامع نيسابور، سمع أباه، وجده، وأبا بكر الشيرازي وغيرهم، وكان من بيت العلم والقضاء والخطابة والتدريس والتذاكير، واشتغل بالعلم حتى أربى على أقرانه، وكانت إليه الخطابة والتذاكير والتدريس ببلده، وكان مقبولا عند السلاطين، ورد بغداد فسمع من شيخنا أبي القاسم بن الحصين.
وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة بنيسابور.
3984- الحسن بن محمد بن إبراهيم [بن أحمد] بن علي [أبو نصر] اليونارتي:
[2] ويونارت قرية من قرى أصبهان، ولد سنة ست وستين وأربعمائة، ورحل وسمع/ 121/ ب وجمع وكتب وخرج التاريخ، وكان مليح الخط حسن القراءة، وتوفي في شوال هذه السنة بأصبهان.
3985- علي بن عبيد الله [3] بن نصر بن السري الزاغوني، أبو الحسن
[4] :
قرأ القرآن بالقراءات، وسمع الحديث الكثير من الصريفيني، وابن النقور، وابن المأمون، وغيرهم. وقرأ من كتب اللغة والنحو، وتفقه على يعقوب البرزباني، وكان
__________
[1] في ت: «أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ط، وأردناه من ت، وفي الأصل: «التورتاني، وتورتان قرية من قرى أصبهان، وهو خطأ، والتصحيح من تذكرة الحفاظ.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، وفيه: «البوباري» ، وتذكرة الحفاظ 1286، وشذرات الذهب 4/ 80) .
[3] في الأصل: «الحسن بن عبيد الله» .
[4] الزاغوني: «نسبة إلى قرية زاغونى من أعمال بغداد» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، وتذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 80، والكامل 9/ 272) .

(17/278)


متفننا في علوم، مصنفا في الأصول والفروع، وأنشأ الخطب والوعظ، ووعظ، وصحبته زمانا فسمعت منه الحديث وعلقت عنه من الفقه والوعظ، وتوفي في يوم الأحد سابع عشر محرم هذه السنة وصلي عليه بجامع المنصور وجامع القصر، [1] ودفن بباب حرب، وكان جمع جنازته يفوق الإحصاء.
3986- علي بن يعلى بن عوض أبو القاسم العلوي الهروي
[2] :
سمع من أبي عامر الأزدي جامع الترمذي [3] ، وسمع كثيرا من الحديث ووعظ، وكان له القبول بنيسابور [وغيرها [4]] ، وورد بغداد فوعظ، وسمع فيها مسند الإمام أحمد على شيخنا أبي القاسم بن الحصين، وكان يورد الأحاديث بأسانيدها ويظهر السنة، فحصل له ببغداد مال، وحملت إليه وأنا صغير السن وحفظني مجلسا من الوعظ، فتكلمت بين يديه يوم ودع الناس عند سور بغداد، ثم خرج وورد مرو.
فتوفي بمروالروذ في هذه السنة، ودفن بها.
3987- محمد بن أحمد بن يحيى، أبو عبد الله العثماني الديباجي
[5] :
من أولاد محمد بن عبد الله بن عمرو [6] بن عثمان بن عفان، أصل أبي عبد الله العثماني من مكة، وهو من أهل نابلس، ويقال له: القدسي، وسمع الحديث وتفقه، وكان غاليا/ في مذهب الأشعري، وكان يعظ بجامع القصر، وأنشد يوما في 122/ أمجلسه:
دع جفوني يحق لي أن أنوحا ... لم تدع لي الذنوب قلبا صحيحا
أخلقت بهجتي أكف المعاصي [7] ... ونعاني المشيب نعيا فصيحا
__________
[1] «وجامع القصر» : ساقط من ص، ط.
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، والكامل 9/ 272) .
[3] في الأصل: «أبي علي الأزدي جامع التوجدي» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 205، والكامل 9/ 272، وفيه: «محمد بن أحمد بن علي، أبو عبد الله العثماني» ) .
[6] في ت: «من أولاد محمد بن بن الديباجي بن عبد الله بن عمر» .
[7] في ص ط: «أخلقت مهجتي أكف المعاصي» .

(17/279)


كلما قلت قد برا جرح قلبي ... عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... جاء في الحشر آمنا مستريحا
توفي العثماني يوم الأحد سابع عشرين صفر من هذه السنة [1] ، ودفن في الوردية.
3988- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عبيد اللَّه بْن الحسين بن دحروج أبو بكر
[2] :
سمع أبا الحسين ابن النقور والصريفيني، وحدث وروى عنه أشياخنا.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب.
3989- محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد، أبو سعيد النيسابوري الصاعدي
[3] :
ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة، وسمع عبد الغافر بن محمد، وأبا القاسم القشيري، وأبا حفص عمر بن أحمد بن مسرور، وغيرهم. وقدم بغداد في سنة ثلاث وخمسمائة، حدث فسمع منه شيخنا عبد الوهاب، وشيخنا ابن ناصر، وخلق كثير، وكان رئيس بلدته وقاضيها، وكانت له دنيا واسعة ومنزلة عظيمة عند الخواص والعوام.
وتوفي بنيسابور يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة.
3990- محمد بن الحسين [4] بن علي بن إبراهيم بن عبد الله، أبو بكر ويعرف بالمزرفي
[5] :
ولم يكن من المزرفة وإنما كان انتقل إلى المزرفة أيام [6] الفتنة، فأقام بها مدة، فلما رجع قيل له المزرفي، ولد أبو بكر في سلخ سنة تسع وثمانين وأربعمائة، قرأ القرآن بالقراءات، وسمع الحديث الكثير من ابن المهتدي، وابن الصريفيني، وأقرأ
__________
[1] في الأصل: «الأحد سابع عشر صفر من هذه السنة» .
[2] في الأصل: «بن عبد الله بن الحسين» .
[3] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 82، والكامل 9/ 272) .
[4] في الأصل: «محمد بن الحسن» .
[5] انظر ترجمته في: (تذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 81، وفيه: «المزرقي» ) .
[6] في الأصل: «انتقل أبوه إلى المزرفة أيام» .

(17/280)


وروى وتفرد بعلم الفرائض، وسمعت منه الحديث، وكان ثقة ثبتا عالما حسن العقيدة.
وتوفي يوم السبت من محرم هذه السنة، ودفن بمقبرة باب حرب، وقيل أنه مات في سجوده.
3991- محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف، أبو خازم بن أبي يعلى ابن الفراء
[1] :
ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسمع من ابن المسلمة [2] ، وابن المأمون، وجابر بن ياسين، وغيرهم، وكان من الفقهاء الزاهدين ومن الأخيار الصالحين.
توفي يوم الاثنين تاسع عشر صفر ودفن بداره بباب الأزج، ثم نقل في سنة أربع وثلاثين إلى مقبرة باب حرب، فدفن عند أبيه.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 206، تذكرة الحفاظ 1288، وشذرات الذهب 4/ 82) .
[2] في الأصل: «وسمع من ابن المنذر» .

(17/281)


ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في المحرم قتل رجل يقال (له) علي الحمامي زوجته لأمر اتهمها به وهرب.
وخلع على إقبال الخادم خلع الملوك، ولقب ملك العرب سيف الدولة، فركب بالخلع فحضر الديوان فقرئ عليه منشور ونثر عليه دنانير.
ووقع الاتفاق مع زنكي بن آقسنقر، ووصلت رسله بالحمل والهدايا.
123/ أوعزل أنوشروان/ بن خالد عن الوزارة من غير أن يؤذي بسبب بل نزل في سفينة بعد العتمة وصعد إلى داره بالحريم، وأعيد إليها أبو القاسم بن طراد.
وقبض على نظر الخادم وحبس في سرداب واستصفيت أمواله [1] .
وفي ربيع الأول من هذه السنة: [2] خلع على الوزير ابن طراد خلع الوزارة وزيد في مركب الفرس طوقا وأعطى ثلاثة عشر عملا كوسات وأعماما ومهدا وركب إلى الديوان.
وفي جمادى الأولى: بعث القاضي الهيتي رسولا [3] إلى زنكي إلى الموصل، وعاد في جمادى الآخرة وبين يديه فرس ومركب ذهب خلعه عليه زنكي.
__________
[1] في الأصل: «وعزل أبو غزوان بن خالد» .
[2] في الأصل: «واستوقنت أمواله» .
[3] في الأصل: «بعث القاضي الهاتي رسولا» .

(17/282)


وقدم رسول سنجر فخلع عليه وهيئت خلع لسنجر بمائة ألف ونيف وعشرين ألف دينار، فرحل بها ابن الأنباري مع رسول سنجر في جمادى الآخرة، ثم بعث المسترشد إلى بهروز الخادم إلى القلعة يقول له: أنت مقيم ومعك الأموال، فينبغي أن تعطينا منها شيئا نفرقه على العسكر [1] ، فأبى، فبعث إليه عسكرا فحاصره [2] ووقع القتال في أول شعبان، ثم صانع بإنفاذ مال.
وفي هذه الأيام حبس محمود المولد في ممطورة [3] ، واتهم بأنه يكتب ملطفات [4] .
وقدم البقش السلاحي طالبا للخدمة [5] مع المسترشد، وهو من أكابر الأتراك، وخلع الخليفة على جميع الأمراء ثم عرض العسكر يوم عيد الفطر ونودي: لا يختلط بالعساكر أحد من العوام، ومن ركب بغلا أو حمارا في هذا اليوم أبيح دمه فما تجاسر/ أحد أن يفعل ذلك، وخرج الوزير شرف الدين وصاحب المخزن وقاضي القضاة 123/ ب ونقيب النقباء وأرباب الدولة في زي لم ير مثله من الخيل المجفجفة [6] ، والعسكر اللابس والعدة الحسنة، وكل أمير يقبل في أصحابه بخلعة الخليفة فكان العسكر خمسة عشر ألف فارس سوى من كان غائبا عن البلد، ولم ير عيد خرج فيه [7] أرباب المناصب إلا هذا.
وفي حادي عشر شوال: وقع حريق في خان السلسلة الذي عند باب دار الخليفة، فتلف مال لا يحصى، وسببه أن الخاني طبخ فعلقت النار بشيء وهو لا يعلم، فلما علم ظن أنه لا يقدر على إطفائه فلم يفتح الباب لأحد فاستوعب النار الكل.
__________
[1] في الأصل: «تفرقه على العسكر» .
[2] في الأصل: «فبعث اليه عسكر الخاصة» .
[3] في الأصل: «في مطمورة» .
[4] في الأصل: «يكبت مطالعات» .
[5] في الأصل: «الصلاحي طالبا للخدمة» .
[6] في الأصل: «من الخيل المخففة» .
[7] في الأصل: «ولم يركب خرج فيه» .

(17/283)


وفي هذه السنة: عاد طغرل إلى همذان، ومالت العساكر إليه، وتوطد له الملك وانحل أمر أخيه مسعود، وكان السبب أن الخليفة بعث بخلع إلى خوارزم شاه فأشار دبيس على طغرل فقال: الصواب أن تأخذ هذه الخلع وتظهر أن الخليفة قد نفذها لنا فلا يبقى مع مسعود أحد، وبعث الخليفة: إلى مسعود يستحثه على المجيء ليرفع منه، فدخل أصبهان في زي التركمان، وخاطر إلى أن دخل بغداد في نحو ثلاثين فارسا، فبعث إليه التحف الكثيرة، ووجدت ملطفات مع قوم إلى طغرل فاستكشف الوزير الحال، فإذا هي جواب مكتوب قد كتبه طغرل إلى الأمراء الذين مع الخليفة، وقد نفذ لهم خاتمه، فلما وقف على ذلك الخليفة قبض على أحد الأمراء فهرب البقية 124/ أإلى السلطان مسعود ورموا أنفسهم بين يديه [1] ، وقالوا: نحن عبيدك، / فإذا خذلتنا قتلنا الخليفة، فبعث الخليفة يطلبهم فقال: قد اجتمعوا بي فلا أسلمهم، فقال أمير المؤمنين: إنما أفعل هذا لأجلك وأنصبك نوبة بعد نوبة [2] . ووقع الاختلاف بينهما واختلط العسكر ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين، وتعذر المشي في الحال، فبعث إليه الخليفة يقول له: تنصرف إلى بعض الجهات وتأخذ العسكر الذين صاروا إليك، فرحل يوم الاثنين رابع عشرين ذي الحجة والقلوب غير طيبة، فأقام بدار الغربة.
وتواترت الأخبار بتوجه طغرل إلى العراق، فلما كان يوم السبت سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة إلى مسعود الخلع والطوق والتاج وتخوت ثياب وتحف بثلاثين ألف دينار، وصحبها النقيبان ومرتجى الخادم، فلما وصلت الخلع إليه أقام ولم يرحل.
وفي هذا الشهر: نقضت دار خواجا بزرك على شاطئ دجلة في مشرعة درب زاخل، ونقلت آلتها إلى دار الخليفة.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
3992- أحمد بن إبراهيم، أبو الوفاء الفيروزآبادي
[3] :
__________
[1] في الأصل: «ورموا أنفسهم بين يديه» .
[2] في الأصل: «لأجلك وأنصرك نوبة بعد نوبة» .
[3] في ت: «أحمد بن علي بن إبراهيم» .

(17/284)


وفيروزآباد أحد بلاد فارس، سمع الحديث من أبي طاهر الباقلاوي، وأبي الحسن الهكاري، وخدم المشايخ المتصوفين، وسكن رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور، وكانت أخلاقه لطيفة، وكلامه مستحلى، كان يحفظ من سير الصالحين وأخبارهم [1] وأشعارهم الكثير، وكان على طرائقهم في سماع الغناء والرقص وغير ذلك، وكان يقول لشيخنا عبد الوهاب: إني لأدعو لك وقت السماع، وكان شيخنا يتعجب، ويقول: أليس هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة.
توفي أبو الوفاء ليلة الاثنين حادي عشر صفر هذه السنة، وصلى عليه من الغد بجامع المنصور خلق كثير، منهم أرباب الدولة، وقاضي القضاة. ودفن على باب الرباط، وعمل له يوم السبت ثالث عشر صفر دعوة عظيمة أنفق فيها مال بين جامع المنصور والرباط على عادة الصوفية إذا مات لهم ميت، فاجتمع من المتصوفة والجند والعوام خلق كثير.
3993- الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون، أبو علي الفارقيّ
[2] :
من أهل ميافارقين، ولد بها في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني، وكان صاحب المحاملي، فلما توفي الكازروني قصد أبا إسحاق الشيرازي في سنة ست وخمسين، فتفقه عليه، قال:
فنزلت في خان حذاء مسجد أبي إسحاق بباب المراتب، وكان يسكنه أصحاب الشيخ ومن يتفقه عليه، فإذا كثرنا كنا حوالي العشرين، وإذا قل عددنا كنا حوالي العشرة، وكان الشيخ أبو إسحاق يذكر التعليقة في أربع سنين فيصير المتفقه في هذه الأربع سنين فيها مستغنيا عن الجلوس بين يدي أحد، وكان يذكر درسا بالغداء ودرسا بالعشي، فلما كانت سنة ستين عبرت إلى الجانب الغربي إلى الشيخ أبي نصر بن وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 206، وفيه: «أحمد بن علي بن إبراهيم» ، وشذرات الذهب 4/ 82، وفيه: «أحمد بن علي الشيرازي» ) .
__________
[1] في الأصل، وت: «من سير الصوفية وأخبارهم» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 206، وفيه: «الحسن بن إبراهيم بن مرهون» ، وشذرات الذهب 4/ 85، والكامل 9/ 277) .

(17/285)


الصباغ/ قرأت عليه الشامل، ثم عدت إلى الشيخ أبي إسحاق فلازمته إلى حين وفاته.
سمع أبو علي الحديث من أبي الغنائم ابن المأمون، وأبي جعفر ابن المسلمة، وأبي إسحاق، وولي القضاء بواسط وأعمالها وسكنها إلى حين وفاته، وكان زاهدا ورعا مهيبا، لا يحابي أحدا في الحكومات، وكان يتشاغل بإعادة العلم مع كبره، وكان 125/ أفي آخره عمره يقول لأصحابه إذا حضروا الدرس: كررت البارحة/ الربع الفلاني من المهذب، وكررت بارحة الأولى الربع الفلاني من الشامل، وكانت حواسه صحاحا وعقله كاملا.
وتوفي بواسط في محرم هذه السنة، وهو ابن ست وتسعين.
3994- عبد الله بن محمد [بن أحمد بن الحسين، أبو محمد] بن أبي بكر الشاشي
[1] :
ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع أبا عبد الله بن طلحة النعالي وغيره، وتفقه على أبيه وناظر وأفتى، وكان فاضلا ظريف [الشمائل] [2] مليح المحاورة حسن العبارة، وحضرت مجلس وعظه، وكان ينشئ الكلام المطابق المجانس ويقوله في المجلس، سمعته يقول في مجلس وعظه: أين القدود العالية والخدود الوردية، امتلأت بها العالية والوردية. وهذا اسم مقبرتين في نهر معلى. وحضر يوما آخر النهار في التاجية للوعظ، وكان في السماء غير فارتجل في الطريق أبياتا وأنشدها في آخر المجلس، وهي:
قضية أعجب بها قضيه ... جلوسنا الليلة في التاجيه
والجو في حلته الفضيه ... صقالها قعقعة رعديه
__________
[1] في ت: «عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الحسين، أبو محمد» . وما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، ص، ط.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، والكامل 9/ 277) .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/286)


أعلامها شعشعة برقيه ... تنثر من أردانها العطريه
ذائب در ينشر البريه ... والشمس تبدو تارة جليه
ثم تراها مرة خفيه ... كأنها جارية حييه
حتى إذا كانت لنا العشيه ... نضت لباس الغيم بالكليه
وأسفرت في الجهة الغربيه ... صفراء في ملحفة ورسيه
كرامة أعرفها شاشية
ومن أشعاره:
الدمع دما يسيل من أجفاني ... إن عشت مع البكاء ما أجفاني
سجني شجني وهمتي سجاني ... والعاذل بالملام قد شجاني
والذكر لهم يزيد في أشجاني ... والنوح مع الحمام قد أشجاني
ضاقت ببعاد مهجتي أعطاني ... والبين يد الهموم قد أعطاني
توفي أبو محمد ثاني المحرم وصلى عليه بجامع مع القصر، ودفن عند قبر أبيه في تربة الشيخ أبي إسحاق.
3995- عبد الله بن المبارك [1] بن الحسن العكبري، أبو محمد المقرئ، ويعرف بابن نبال
[2] :
سمع أبا نصر الزينبي، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وعاصما وغيرهم، وحدث وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل، وابي سعد البرداني، وكان صحيح السماع من أهل السنة، وباع ملكا له واشترى كتاب الفنون وكتاب الفصول لابن عقيل، ووقفهما على المسلمين.
وتوفي ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الأولى، ودفن بباب حرب.
3996- عبد الخالق بن عبد الواسع [3] ، بن عبد الهادي بن عبد الله، أبو الفتوح ابن أبي رفاعة الأنصاري:
[4]
__________
[1] في ت: «عبيد الله بن المبارك» .
[2] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 85) .
[3] في ت: «عبد الخلاق بن عبد الواسع» .
[4] «الأنصاري» : ساقطة من ص.

(17/287)


جمع وحدث وكان جوادا، حسن الأخلاق، لطيف الشمائل، روى عنه أشياخنا.
وتوفي في شعبان هذه السنة.
3997- عبد الواحد بن شنيف، أبو الفرج
[1] :
126/ أتفقه على أبي علي البرداني، وكان مناظرا مجودا/ وأمينا من قبل القضاة ومشرفا على خزانة السلطان [2] ، وكانت له فطنة عظيمة وشجاعة وقوة قلب.
حدثني أبو الحسن بن عربية قال: كان تحت يده مال لصبي، وكان قد قبض المال وللصبي فهم وفطنة فكتب الصبي جملة التركة عنده وأثبت ما يأخذه من الشيخ، فلما مرض الشيخ أحضر الصبي، وقال له: أي شيء لك عندي؟ فقال: والله ما لي عندك شيء لأن تركتي وصلت إلي بحساب محسوب، وأخرج سبعين دينارا، وقال: خذ هذه لك فإني كنت أشتري لك بشيء من مالك، وأعود فأبيعه فحصل لك هذا المال.
وحدثني أبو الحسن قال: توفي رجل حشوي بدار القز، وكان أبو العباس الرطبي يتولى التركات، فكتب إليه الشيخ عبد الواحد: تتولى تركة فلان، فحضر وأعطى زوجته حقها وأعطى الباقي ذوي أرحامه، وكتب بذلك، فكتب ابن الرطبي مع مكتوبه إليه إلى المسترشد يخبره بما صنع، وأنه ورث ذوي الأرحام، فكتب المسترشد: نعم ما فعل إذ عمل بمذهبه، وإنما الذنب [3] لمن استعمل في هذا حنبليا، وقد علم مذهبه في ذلك.
وتوفي عبد الواحد في شعبان هذه السنة، وخلف مالا كثيرا.
3998- محمد بن أحمد بن علي القطان، ويعرف بابن الحلاج
[4] :
قرأ القراءات، وحدث عن أبي الغنائم ابن أبي عثمان، وكان خيرا زاهدا، كثير العبادة، دائم التلاوة، حسن الخلق، يسكن التوثة من الجانب الغربي، وكان الناس يزورونه ويتبركون به، كنت أزوره كل سبت وأنا صبي، فيدعو لي ويقرأ على صدري.
وتوفي ليلة الاثنين العشرين من جمادى الآخرة [5] ، وصلى عليه شيخنا عبد الوهاب الحافظ، ودفن بالشونيزية، وكان جمعه متوفرا.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 85) .
[2] في ص، ط: «ومشرفا على خزانة السقلاطون» .
[3] تكررت هنا العبارة: «وإنما الذنب لمن استعمل في هذا حنبليا» . في الأصل.
[4] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207) .
[5] في ص، ط: «الاثنين العشرين من جمادى الأولى» .

(17/288)


3999- محمد بن عبد الله بن أحمد، أبو نصر الأرغياني
[1] :
ولد سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وسمع أبا الحسن الواحدي، وأبا بكر بن خلف، وأبا علي بن نبهان [2] ، / وأبا المعالي الجويني، وعليه تفقه، وكان متنسكا 126/ ب ورعا، كثير العبادة، وتوفي بنيسابور في هذه السنة.
4000- محمد بن علي بن عبد الواحد الشافعي، أبو رشيد
[3] :
من أهل طبرستان، ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وحج وأقام بمكة مدة، وجمع الحديث، وحدث بشيء يسير، وكان زاهدا منقطعا مشتغلا بنفسه وكان قد ركب البحر، فلما وصل إلى بعض الجزائر خرج من السفينة وودع أصحابه، وقال: أريد أن أقيم ها هنا، فسألوه أن لا يقيم فلم يفعل، فتركوه وذهبوا في البحر فهاجت ريح فردتهم إليه، فسألوه أن يمضي معهم فما أجاب، فمضوا فهبت الريح مرة أخرى فردتهم إليه كذلك عدة نوب، ويسألونه فيأبى. فاجتمع التجار إليه وقالوا: تسعى في إتلاف نفوسنا وأموالنا فإنا كلما دفعنا ومضينا ردتنا الريح إليك فاصحبنا في دربند فإذا رجعنا فأقم هاهنا، فأجابهم وأقام معهم في دربند أياما ورجع إلى الجزيرة، وأقام بها سنتين، وكان في الجزيرة عين ماء [فكان] [4] يشرب منها ويتوضأ، ثم رجع إلى آمل فسكنها إلى أن توفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة، وقبره بآمل معروف يتبرك به.
قال بعض أصحابه: ذهبت إلى الجزيرة التي كان انقطع فيها فرأيت ثعبانا يبتلع ابن آدم كما هو، فزرت موضع سجوده ورجعت [5] .
__________
[1] الأرغياني: نسبة إلى أرغيان، اسم لناحية من نواحي نيسابور بها عدة قرى مثل نسع وبان وراونير وغيرها.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 89) .
[2] في الأصل: «وأبا علي بن شهاب» .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، وفيه: «محمد بن عبد الواحد الشافعيّ» ، والكامل 9/ 277) .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[5] في ص، ط: «فزرت مع سجوده ورجعت» .

(17/289)


4001- هبة الله بن عبد الله بن أحمد عبد الله، أبو القاسم الواسطي الشروطي
[1] :
من أهل الكرخ، ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، سمع أبا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وكان ثقة صالحا فاضلا عالما مكثرا مقبلا على ما يعنيه.
توفي في ذي الحجة من هذه السنة.
4002- أم المسترشد باللَّه
[2] :
توفيت وقت العتمة ليلة الاثنين تاسع عشر شوال هذه السنة، وأخرجت ليلا فدفنت في الرصافة [3] .
127/ أومن العجائب أنه نفذ تلك الليلة/ إلى أبي القاسم بن السياف في معنى حاجة لأجل الميتة فنفذ معهم ابنا له صغيرا ليعطيهم حاجتهم، فدخلوا ومعهم نقاط فوقع من النفط في أعدال قطن فاحترقت، وحصل الصبي في الخزانة وحده، وأحاطت به النار فلم يجد محيصا فاحترق.
__________
[1] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 86، وفيه: «هبة الله بن أحمد الواسطي الشروطي» ) .
[2] في ت: «ومن العجائب باللَّه» وكتب فوق كلمة العجائب (ح) .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، والكامل 9/ 279) .
[3] في ت: «في الرصافة. أم المسترشد أنه نفذ» . وكتب فوق «المسترشد» (م) .

(17/290)


ثم دخلت سنة تسع وعشرين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
قد ذكرنا أن أمير المؤمنين قال للسلطان مسعود ارحل عنا بأصحابك، وأنه أقام على دار الغربة متلوما فنفذ إليه الجاولي شحنة بغداد مصانعا له على الخروج، وأمر أن هو دافع أن يحط خيمه، ثم بعث إليه الخلع في سلخ ذي الحجة [1] ، ثم أحسن منه أنه قد باطن الأتراك واطلع منه سوء نية، فأخرج أمير المؤمنين سرادقه [2] ، وضربه عند رءوس الحيطان، وأخرج أرباب الدولة خيمهم، فوصل الخبر بأن طغرل مات يوم الأربعاء ثالث المحرم، فرحل مسعود جريدة فتلاحقه العسكر، وأعاد الخليفة سرادقه فوصل مسعود إلى همذان واختلف عليه العسكر وانفرد عنه قزل وسنقر وغيرهما، وأسرى إليهم ففرق شملهم، فورد منهم إلى بغداد جماعة، وأخبروا بسوء ضميره منهم البازدار وقزل وسنقر، وخرج أنوشروان في أصحابه وأهله إلى خراسان لوزارة السلطان مسعود فالتقى به الأمراء الداودية فأخذوا جميع ما معه.
وفي خامس عشر المحرم: لقي القاضي الهيتي في طريق مشهد أبي حنيفة، فأخذت ثيابه ونعليه [3] وطيلسانه [4] ، ووقع من البلغة فوهنت يده، وقيل: أنه ضرب بالسيف مرات فلم يعمل فيه، بل تقطع كتاب كان في كمه، وقيل: ان الذي فعل ذلك 127/ ب
__________
[1] في ص، ط: «في سلخ ذي القعدة» .
[2] «واطلع منه ... أمير المؤمنين سرادقه» : ساقطة من ص، ط.
[3] كذا بالأصل ولعله «وبغلته» .
[4] في ت: «ثيابه وطيلسانه» .

(17/291)


جماعة من العسكر الخارجين، وقيل: بل حكم على زنكي فحقد عليه/ ففعل به ذلك.
وفي آخر المحرم: وصل ابن زنكي، وخرج الموكب فاستقبله ومعهم قاضي القضاة والنقيبان، ودخل من باب الحلبة في موكب عظيم، ونزل فقبل العتبة، وقال: أنا وأبي عبيد هذه الدولة، وما زالت العبيد تجني والموالي تصفح ونحن بحكم الخدمة في أي شيء صرفنا تصرفنا، وبذل أن يسلم مفاتيح الموصل وغيرها إلى الخليفة وأن يأتي أي وقت أمر، وبذل الأموال، وقيل: أنه قال: هذه والدتي وجماعة من النساء رهائن على ذلك، فبعث إليه الإقامة، وأنزل في الجانب الغربي في دار ابن الحاذوري الملاح.
وفي غرة صفر: وصل رسول دبيس يقول: أنا الخاطئ المقر بذنبه، فمهما تقدم إلى امتثلته، فمات رسوله فمضى إلى مسعود.
ووصل سديد الدولة ابن الأنباري من عند سنجر، وكان قد تلقى لما مضى من أربعة فراسخ، فلما أراد ابن الأنباري أن يخلع على سنجر وعلى أولاد أخيه، قال: ما أريد أن يكون الخلع إلا في يوم واحد وتبدأ بالأصحاب، وأكون أنا في الأخير وضرب نوبتية عظيمة خارج البلد، وضرب فيها تخت المملكة، وجلس وخلع على الأمراء والملوك، ثم صعد ابن الأنباري على التخت فأدى إليه رسالة الخليفة وسلم إليه المكتوب وهو في خريطة، فقام قائما ونزل وقبل الأرض وأعاد فصعد وترك الخريطة على ركبته، وألبس الخلع والتاج والطوق، ثم نزل سديد الدولة فقدم الفرس بالمركب وهو منعل بالذهب، وقدم مركب أمير المؤمنين بالسيور الفرس الذي يركبه، فنزل سنجر وقبل حافر الفرس، وعاد فصعد وجرى ذكر [1] طغرل فقال: أنا أعلم أنه أعقل من مسعود وأصلح لأمير المؤمنين، ولكني قد وليته ولا أرضى لنفسي أن أتغير، ثم كتب جواب الكتاب، وقال: أنا العبد المملوك.
وفي ربيع الأول: وصلت هدايا من بكبه من البصرة [2] فيها القنا، وناب الفيل، 128/ أ/ وآبنوس، وميس وفي قفصين، طاووسان ذكران وانثيان [3] .
__________
[1] في الأصل: «وعاد فركب وجرى ذكر» .
[2] في ص: «وصلت هدايا من نكية من البصرة» .
[3] في الأصل: «طاووس ذكران وانثيان» .

(17/292)


[خلع على اثنين وعشرين أميرا من السلاحية]
وفي ربيع الآخر: خلع على اثنين وعشرين أميرا من السلاحية، ثم تواترت الأخبار بتغير مسعود التغير الكلي، وجمع العساكر وأن قصده بغداد فبعث الخليفة إلى بكبه فوعد بالمجيء، وصل دبيس إلى حلوان ومعه عسكر قد تقدمهم مسعود في المقدمة، وجمع مسعود العساكر وأقطعهم البلاد والعراق وعزم على المجيء إلى بغداد وتجهز، فلما سمع الخليفة ذلك بعث مقدمته إلى المرج، وهم الجاولي شحنة بغداد وكجبه وأرغش [1] ، وجماعة من السلاحية في ألفين وخمسمائة فارس، وقال: تقيمون هناك وتحفظون الطريق إلى أن أصل إليكم، وبعث إلى زنكي وكان على باب دمشق قد حاصرها لما قتل تاج الملوك وولي أخوه وكان صغيرا فطمع فيهم زنكي، فبعثوا إلى الخليفة حملا كثيرا، وخطا بخمسين ألف دينار، وقالوا: ادفع عنا زنكي ونحن نحمل هذا في كل عام، فبعث إليه تنح عنهم واخطب للصبي وتعال معه إلى العراق حتى اخطب له ونتساعد على مسعود، فقال: السمع والطاعة، وخطب للصبي.
وأما حديث مسعود: فإن عمه سنجر بعث بخادم يقول له: هؤلاء الأمراء الذين معك، وهم: البازدار، وابن برسق، وقزل، ويرنقش ما يتركونك تبلغ غرضا لأنهم عليك لا معك، وهم الذين أفسدوا أمر أخيك طغرل، فإذا وقفت على المكتوب فابعث إلى رءوسهم، فأطلعهم على المكاتبة، وقال: لو أردت بكم سوءا لفعلت، فقبلوا الأرض، وقالوا الآن علمنا أنك صافي القلب لنا، فابعث دبيسا في المقدمة فلما انفصلوا عنه قالوا ما وراء هذا خير فيجب أن نمضي إلى أمير المؤمنين فإن له في رقابنا عهدا، وهذا عقد به الغدر، فكتبوا إلى أمير المؤمنين إنا قد انفصلنا عن مسعود، ونحن في بلاد ابن برسق، فإن كان لك نية في الخروج فاخرج فنحن في يديك، وإلا فاخطب لبعض أولاد/ السلاطين، ونفذ به حتى نكون معه فأجابهم: كونوا على ما أنتم عليه فأنا صائر إليكم [2] 128/ ب وتجهز للخروج وبعث سديد الدولة اليهم يطيب قلوبهم ويعدهم بالإقطاع ويخبرهم أنه في أثره، فلما سمع مسعود بذلك رحل في جريدة ليكبسهم فانهزموا من بين يديه يطلبون العراق، فأخذ أموالهم ونهب البلاد وسبقهم سديد الدولة إلى بغداد مخبرا بالحال، فاعتد بالإقامة والتحف والأموال ليتلقاهم.
__________
[1] في ص: «وكجية وأرغش» .
[2] في ص: «ما أنتم عليه فاصابر إليكم» .

(17/293)


ووقعت زلزلة شديدة ثلاث مرات ببغداد في جمادى الآخرة وقت الضحى حتى تحركت الجدران.
فلما كان يوم السبت حادي عشر رجب تقدم أمير المؤمنين إلى أصحابه بالخروج، وأخرج نوبتيته فضربها عند الثريا وأخرج أصحاب المراتب خيمهم وأنزعج أهل بغداد.
وعاد دبيس إلى مسعود فأخبره بخروج المقدمة وبما الناس عليه، فبعث معه خمسة آلاف فارس لينكبسوا على المقدمة فاتوا على غفلة فأخذوا خيلهم وأموالهم فأقبلوا عراة ودخلوا بغداد يوم الخميس سادس عشر رجب [1] ، فعرج بهم إلى دار السلطان وحملت لهم الفروش والأواني والإقامة، وبكر الأمراء الكبار فجاءوا في دجلة إلى بيت النوبة فأكرموا وخلع عليهم الخلع السنية، واطلق لهم ثمانون ألف دينار والبرك التام، ووعد بإعادة ما مضى منهم.
وفي هذا اليوم: قطعت خطبة مسعود، وخطب لسنجر، وداود، واستفتى الفقهاء فيما يقابل به مسعود على أفعاله فأفتوا بعزله وقتاله [فلما كان يوم الأحد أخرج الكوس والعلم والرحل] [2] ، فلما كان يوم الاثنين خرج أمير المؤمنين من باب البشرى [3] ، وركب في الماء ونزل الناس بالسفن وأحاط بالسفينة التي فيها أمير المؤمنين الأمراء والخدم بالسيوف المجذبة، وكان في سفينة البازدار على صدر السفينة بيده سيف مجذوب وقزل بين يديه بسيف مجذوب والجاولي وإقبال والخواص، وصعد عند الدكة 129/ أفركب/ ومشى الناس كلهم بين يديه إلى أن دخل السرادق، وكان قريبا من فرسخ لأنه كان عند رءوس الحيطان، وكان العوام يضجون بالدعاء ويقربون منه، فإذا هم الغلمان بمنعهم نهاهم أمير المؤمنين عن المنع، ثم رحل يوم الخميس ثامن شعبان في سبعة آلاف فارس، وكان مسعود بهمذان في نحو ألف وخمسمائة فارس، وكان أصحاب الأطراف يكاتبون أمير المؤمنين ويبذلون له طاعتهم فتريث في طريقه فاستصلح مسعود أكثرهم حتى صار في نحو خمسة عشر ألفا، وتسلل جماعة من أصحاب المسترشد فبقي في نحو من خمسة آلاف، ونفذ إليه زنكي نجدة فلم تلحق، وأرسل داود بن محمود [4]
__________
[1] في ص، ط: «يوم الجمعة سادس عشر رجب» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل: «من باب السري» .
[4] في ص: «داود بن محمد» .

(17/294)


وهو بأذربيجان رسلا يشير بالميل إلى دينور ليوافي داود وابن محمد الخدمة، فلم يفعل المسترشد.
وضرب المصاف يوم الاثنين عاشر رمضان، فلما التقى الجمعان هرب جميع العسكر الذين كانوا مع المسترشد، وكان ميمنته البازدار، وقزل، ونور الدولة شحنة همذان، فحملوا على عسكر مسعود فهزمهم ثلاث فراسخ [1] ، ثم عادوا فرأوا الميسرة قد غدرت، فأخذ كل واحد منهم طريقا وأسر المسترشد وأصحابه، وأخذ ما كان معه من الأموال، وكانت صناديق المال على سبعين بغلا أربعة آلاف ألف دينار، وكان الرحل على خمسة آلاف جمل وأربعمائة بغل، وكان معه عشرة آلاف عمامة وبركان وعشرة آلاف قباء وجبة ودراعة، وعشرة آلاف قلنسوة مذهبة، وثلاثة آلاف ثوب رومي وممزوج ومعنبر [2] ودبيقي ومضى من الناس ما قدروه بعشرة آلاف دينار سوى الخيل والأثاث، ونادى مسعود في عسكره المال لكم والدم لي فمن قتل أقدته، ولم يقتل بين الصفين سوى خمسة أنفس غلطا، ونادى من أقام بعد/ الوقعة من أصحاب الخليفة ضربت 129/ ب عنقه، فهرب الناس فأخذوا بين الجبال أخذتهم التركمان والأكراد، ومنهم من أفلت عريانا، فوصلوا إلى بغداد وقد تشققت أرجلهم من الجبال والصخور، وبقي الخليفة في الأسر، فأما وزيره ابن طراد وصاحب مخزنه ابن طلحة، وقاضي القضاة الزينبي ونقيب الطالبيين وابن الأنباري فإنه بعث بهم إلى القلعة وبعث ببكبه شحنة إلى بغداد ومعه كتاب الخليفة إلى أستاذ الدار، يقول فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد للَّه رب العالمين ليعتمد الحسن [3] بن جهير مراعاة الرعية والاشتمال عليهم وحمايتهم وكف الأذى عنهم، فقد ظهر من الولد غياث الدنيا والدين متع الله به في الخدمة ما صدق به الخدمة فليجتمع، وكاتب الزمام وكاتب المخزن على إخراج العمال إلى نواحي الخاص لحراستها فقد ندب من الجناب الغياثي هذا شحنة لذلك وليهتم بكسوة الكعبة فنحن في أثر هذا المكتوب إن شاء الله.
__________
[1] في ص: «عسكر محمود فهزمهم ثلاث فراسخ» .
[2] في ص: «وممزوج وتغيير» .
[3] في الأصل: «ليعتمد الحسين» .

(17/295)


فلما كان يوم عيد الفطر نفر أهل بغداد ووثبوا على الخطيب وكسروا المنبر والشباك ومنعوا من الخطبة، وخرجوا إلى الأسواق يحثون على رءوسهم التراب ويبكون ويصرخون، فاقتتل أصحاب الشحنة والعوام، وخرج النساء حاسرات يندبن في الأسواق وتحت التاج، وكان الشحنة قد عزم أن يجوز في الأسواق، فاجتمع العوام على رجمه وهاشوا فاقتتل أصحاب الشحنة والعوام، فقتل من العوام مائة وثلاثة وخمسون، وهرب أبو الكرم الوالي، وحاجب الباب إلى دار خاتون، ورمى أصحاب الشحنة الأبواب الحديد التي على السور، وفتحوا فيه فتحات، وأشرفت بغداد على النهب، فنادى 130/ أالشحنة: لا ينزل أحد في دار أحد ولا يؤخذ من أحد شيء، / وإنما جئنا لنصلح، وأن السلطان سائر إلى العراق بين يدي أمير المؤمنين وعلى كتفه الغاشية، فسكن الناس وطلب السلطان من أمير المؤمنين نظر الخادم فانفذ فأطلقه وبعثه إليه، واختلف الأراجيف، فقوم يقولون: إن السلطان ينتظر جواب عمه سنجر، وقوم يقولون: يصل عن قليل، وقوم يقولون: ان داود قد عزم على قتال مسعود واستنقاذ الخليفة منه فسار مسعود إلى داود إلى باب مراغة واخذ الخليفة معه.
وزلزلت بغداد مرارا لا أحصيها، وكان مبتدأ الزلازل يوم الخميس حادي عشر شوال، فزلزلت يومئذ ست مرات ودامت كل يوم خمس مرات أو ست مرات إلى ليلة الجمعة سابع عشرين شوال، ثم ارتجت يوم الثلاثاء النصف من الليل حتى تفرقعت السقوف، وانتثرت الحيطان، وكنت في ذلك الزمان صبيا، وكان نومي ثقيلا لا انتبه إلا بعد الانتباه الكثير فارتج السقف تحتي وكنت نائما في السطح رجة شديدة حتى انتبهت منزعجا، ولم تزل الأرض تميد من نصف الليل إلى الفجر والناس يستغيثون.
ثم إن الشحنة والعميد عطلا دار الضرب وعملا دار ضرب عندهم بسوق العميد ودار الشحنة، وقبضوا على ابن طوق عامل الجاولي ونفذوا إلى ابن الحاجب ضامن [1] العقار، فقالوا: تجبي العقار وتسلمه إلينا، وقبضوا على ابن الصائغ متولي التركات الحشرية، وقالوا: نريد ما حصل عندك من التركات، وعوقوا قرى ولي العهد وختموا على غلاتها. فأفتك ذلك منهم بستمائة دينار حتى أطلقوها، وجاء تمر كثير للخليفة فبيع
__________
[1] في الأصل: «إلى ابن الحاسب ضامن» .

(17/296)


فأخذ العميد والشحنة الثمن، وتفاقم الأمر واستسلم الناس وانقطع خبر العسكر.
فلما كان يوم الثلاثاء مستهل/ ذي القعدة وصل خمسمائة وعشرون ركابيا 130/ ب معهم [1] خط أمير المؤمنين إلى ولي العهد بوصول رسول سنجر إلى مسعود يقول فيه:
«ساعة وقوف الولد العزيز غياث الدنيا والدين مسعود على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين أعز الله أنصاره ويقبل الأرض بين يديه ويقف ويسأله العفو عنه والصفح عن جرمه وإقدامه ويتنصل غاية التنصل، فإنه قد ظهرت عندنا من الآثار السمائية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها دون المشاهد من الرياح العواصف والبروق الخواطف وتزلزل الأرض ودوام ذلك عشرين يوما، وتشويش العساكر وانقلاب البلدان، ولقد خفت على نفسي من جانب الله تعالى وظهور آياته وجانب المخلوقين والعساكر وتغيرهم علي، وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع، وكسر المنابر، ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحملها، فاللَّه الله تتلافي أمرك وتحقن دم المسلمين، وتعيد أمير المؤمنين إلى مستقر عزه، وتسلم إليه دبيسا ليرى فيه رأيه، فإنه هو الذي أحوج أمير المؤمنين إلى هذا وأحوجنا أيضا نحن إلى مثل هذا، وعجل ولا تتأخر وتعمل له البرك وتنصب له السرادق وتضرب له التخت وتحمل له الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء كما جرت عادتنا وعادة آبائنا في خدمة هذا البيت» .
فلما وقف على هذا المكتوب نفذ بالوزير شرف الدين أنوشروان ومعه نظر، فاستأذنا له فأذن له فدخل وقبل الأرض بين يديه [ووقف [2]] معتذرا متنصلا يسأل العفو والصفح عن جرمه، وأمير المؤمنين مطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: قد عفي عن ذنبك فاسكن إلى ذلك وطب نفسا، وكان قد ضرب له السرادق فضرب له فيه سدة عالية/ ليجلس عليها، فقدم له فرسا لم يكن عند مسعود من خيل أمير المؤمنين اللاتي أخذت 131/ أسواه، وأقسم أنني لم يصل عندي [3] من خيل أمير المؤمنين سواه، وسأله الركوب إلى السرادق الذي قد ضرب له، فنهض وركب وسار وبين الموضعين نصف فرسخ ومسعود
__________
[1] في الأصل: «وعشرون ركابي معهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل» .
[3] في الأصل: «وأقسم إنني لم يحصل عندي» .

(17/297)


بين يديه على كتفه الغاشية يحملها ويده في يازكة اللجام [1] ، وجميع الأمراء يمشون بين يديه إلى أن دخل السرداق وجلس على التخت الذي ضرب له، ووقف السلطان بين يديه والأمراء زمنا طويلا، ثم أنه تقدم بالجلوس فأبى، ثم سأل أمير المؤمنين أن يشفعه في دبيس فأجابه إلى ذلك، فجاءوا به مكتوفا بين أربعة أمراء اثنان من جانب واثنان من جانب واثنان من جانب ويداه مكتوفتان، ومع أحد الموكلين سيف مجذوب، وبيد الآخر شقة بيضاء فرموا به بين يدي السرير، وألقى السيف والشقة البيضاء عليه، وقالوا: كذا أمرنا ان نفعل به.
فقال مسعود: يا أمير المؤمنين هذا هو السبب الموجب لما جرى بيننا، فإذا زال السبب زال الخلاف، وهو الآن بين يديك فمهما تأمر يفعل به. وهو يتضرع ويبكي بين يدي السرير، ويقول: العفو عند المقدرة، وأنا أقل من هذه الحال، فعفا عنه، وقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ 12: 92 وتقدم بحل يديه وسأل دبيس السلطان [أن [2]] ينعم عليه أمير المؤمنين بتقبيل يده فأخذها وقبلها وأمرها على صدره ووجهه ونحره، وقال: يا أمير المؤمنين بقرابتك من رسول الله إلا ما عفوت عني وتركتني أعيش في الدنيا عيشا هنيئا فإن الذل والخوف منك قد أخذ مني بالحظ الأوفر، فأجابه إلى ذلك.
وأما بكبه الشحنة فإنه أقام رجالا لنقض سور بغداد، وقال: قد ورد منشور بذلك [3] فنقضت مواضع كثيرة، وكلف أهل الجانب الغربي الاجتماع على نقضه، وقال: أنتم عمرتموه بفرح فانقضوه كذلك، وضربت لهم الدبادب وجعلوه طريقا لهم، 131/ ب وأعادوا الباب الحديد/ الذي أخذ من جامع المنصور إلى مكانه.
فلما أهل هلال ذي القعدة وصل رسول من سنجر يستحث مسعودا على إعادة الخليفة إلى بغداد ووصل معه عسكر عظيم ووصل معه سبعة عشر من الباطنية، فذكر بعض الناس أنه ما علم أنهم معه، والظاهر خلاف ذلك وأنهم دبروا في قتله وأفردوا خيمة من خيمهم، فخرج السلطان ومعه العسكر ليلقى الرسول [4] فهجمت الباطنية على أمير
__________
[1] في الأصل: «في يازكة الجمام» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل» .
[3] في الأصل: «لنقض صور بغداد، وقال: قد ورد مرسوم بذلك» .
[4] في الأصل: «ومعه العسكر ليلقى العسكر» .

(17/298)


المؤمنين فضربوه بالسكاكين إلى أن قتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه، منهم أبو عبد الله بن سكينة، وذلك في يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة فركب العسكر وأحاط بالسرادق [1] ، وخرج القوم وقد فرغوا فقتلوا، وقيل إنهم احرقوا، وجلس السلطان [2] ، للعزاء ووقع النحيب والبكاء، وكان ذلك على باب مراغة، وغطى بسندسه إلى أن دفن بمراغة.
ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين من الشهر فاحترس الراشد وقبض على جماعة من أهله وإخوته، فوقع البكاء والنحيب وأغلق البلد، وكشطت البواري التي على باب النوبي، ونقض بعض دكة حاجب الباب، وأحضر الناس طول الليلة للمبايعة، وبات أستاذ الدار ابن جهير وصاحب الديوان أبو الرضا وحاجب الباب ابن الحاجب في صحن السلام، وكان الانزعاج في الدار طول الليل، فلما أصبحوا وقع البكاء والنحيب في البلد، وخرج الرجال حفاة مخرقين الثياب والنساء منشرات الشعور يلطمن، وينظمن الأشعار [3] التي من عادتهن قول مثلها في أحيان اللطم، وأشعار النساء البغداديات اللاتي ينظمنها في وقت اللطم طريفة المعنى [4] ، وأن كانت على غير صواب اللفظ، وكان مما لطمن به أن قلن:
يا صاحب القضيب ونور الخاتم ... صار الحريم بعد قتلك مأتم
اهتزت الدنيا ومن عليها ... بعد النبي ومن ولي عليها
قد صاحت البومة على السرادق ... يا سيدي ذا كان في السوابق
ترى تراك العين في حريمك ... والطرحة السودا على كريمك
وقعد الناس للعزاء في الديوان ثلاثة أيام، وتولى ذلك ناصح الدولة/ ابن جهير/ 132/ أوأبو الرضا صاحب الديوان، وحاجب الباب ابن الصاحب.
فلما كان في اليوم الثالث تقدم إلى الناس أن يعبروا بباب المسنية ويلبسوا ثياب الهناء ويحضروا البيعة بباب الحجرة، فحضروا يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة [5] .
__________
[1] في ص، ط: «واحتاط بالسرادق» .
[2] في الأصل: «وقعد السلطان للعزاء» .
[3] في الأصل: «ويتلفظن الأشعار» .
[4] في ص، ط: «في وقت اللطم طريقة الغناء» .
[5] في ص: «يوم الاثنين ثامن عشرين ذي القعدة» .

(17/299)


باب ذكر خلافة الراشد باللَّه
واسمه منصور، ويكنى أبا جعفر بن المسترشد، عهد إليه أبوه، وقيل أنه هم بخلعه فلم يقدر ذلك، وكان ببغداد حين قتل المسترشد بباب مراغة فكتب السلطان مسعود إلى الشحنة الذي من قبله ببغداد واسمه بكبه أن يبايع الراشد، فجاء أصحابه كالعميد والضامن، وجرت مراسلات ليدخل إلى الدار فاستقر أن يقوم من وراء الشباك مما يلي الشط، وجلس الراشد في المثمنة التي بناها المقتدي في الشباك الذي يلي الشط، وبايعه الشحنة من خارج الشباك، وذلك يوم الاثنين سابع عشرين [1] [من هذا الشهر بعد الظهر، وحضر الخلق من العلماء والقضاة والشهود والجند وغيرهم وظهر للناس] [2] ، وكان ابيض جسيما يشوبه حمرة مستحسنا، وكان يومئذ بين يديه أولاده وإخوته، وسكن الناس ونودي في الناس ان لا يظلم أحد أحدا، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن كانت له مظلمة فليشكها إلى الديوان النبوي، وفتح باب المخزن الذي سد، وسكن الناس إلا أن النقض في السور واستيفاء الارتفاع من البلدان والتصرف القبيح من غير معترض.
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشرين من ذي القعدة نادى أصحاب الشحنة أن يدعى الناس من المظالم إليهم فارتابت قلوب الناس لذلك، وانزعجوا في ثاني ذي الحجة، وأقيمت الدعوة والخطبة بالجوامع، ومضى إلى كل جامع حاجب وخادم 132/ ب وأتراك، وأقاموا الخطبة للراشد، ونثرت الدنانير وجلس ابن المطلب وابن الهاروني في المخزن ينظران نيابة، وجلس أبو الرضا بن صدقة في الديوان نيابة، / وكان حاجب الباب ابن الصاحب في الباب لم يتغير.
__________
[1] في الأصل: «سابع عشرين من هذه السنة» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/300)


فلما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة حضر الناس ببيت النوبة، وجلس الراشد وسلم إلى حاجب الباب إنهاء فأخذه ونهض قائما فقرأه، وكان فيه: «بسم الرحمن الرحيم لما أجل الله محل أنبيائه وجعله نائبا عنه في أرضه آمرا في سمائه وارتضاه خليفة على عباده وعاملا بالحق في بلاده تقدم بتصفح ما كان يجري على أيدي النواب في الأيام المسترشدية سقاها الله رحمة مستهلة السحاب وما عساه كان يتم من أفعالهم الذميمة فوقف من ذلك على سهم المطالبة بغير حق فاقتضى رأيه الشريف التقدم برفع المطالبة عنهم، وأبرز كل ما وجد وأوعز برده على أربابه [1] ليحظى الإمام الشهيد بزلفي ثوابه [2] ، وليعلم الخاصة والعامة من رأي أمير المؤمنين إيثاره رضا الله سبحانه» .
وأخرج من باب الحجرة أكياس فيها حجج الناس ووثائقهم وما كتب عليهم وما أخذ منهم فأعيد على أربابه، وشهد الشهود على كل منهم أنه قد أبرأ أمير المؤمنين مما يستحقه في ذمته، وتقدموا إلى خازن المخزن بإخراج ما عنده من الوثائق، فانصرف الناس يدعون لأمير المؤمنين ويترحمون على الماضي، وكان المتولي لقراءة الكتب وتسليمها إلى أربابها كثير بن شماليق.
ثم حضر الناس يوم الخميس وجرت الحال كذلك، وحضر يومئذ القاضي ابن كردي قاضي بعقوبا فتظلم، وكانت له هناك وثائق وقال: ما ظلمني إلا ابن الهاروني، وان أمير المؤمنين لم يأخذ مني شيئا، فكتب صاحب الخبر بذلك، فخرج الإنهاء بعزله، وقال الراشد: هذا القاضي قد كذب وفسق فإن المسترشد كان يأمر ابن الهاروني.
فلما كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة صلى على المسترشد في بيت النوبة، ونودي في بغداد بالصلاة عليه، فحضر الناس فلم يسعهم المكان، وأم الناس الراشد، وخرج الناس في العيد على العادة وتكاثر البكاء على المسترشد عند رؤية [3] الأعلام/ والموكب. 133/ أ
__________
[1] فب ص: «كاما وجودوا وأعوز برده على أربابه» .
[2] في الأصل: «الإمام الشهيد بلقيا توابه» .
[3] في المطبوعة: «وتكاثر الناس على المسترشد» وما أوردناه. من ت.

(17/301)


وفي يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة [1] : قلد ابن جهير الوكالة وصاحب المخزن، وجعل ابنه أستاذ الدار.
ووصل يوم الاثنين ابن أخت دبيس في جمع، ودخل على الخليفة مبايعا ومعزيا، وقعد ابن النرسي في المخزن يفرق على الناس الذهب عوضا عن مشاهراتهم من الطعام، لأنه لم يكن في الخزائن طعام، وفي هذه الأيام مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لا يحصون وظهر التشيع.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4003- أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر، أبو المظفر بن أبي بكر الفقيه الشاشي
[2] :
تفقه على أبيه، وسمع واخترمته المنية قبل زمان الرواية.
وتوفي في رجب هذه السنة، ودفن في داره برحبة الجامع.
4004- إِسْمَاعِيل بن عبد الملك بن علي، أبو القاسم الحاكمي
[3] :
سمع بنيسابور من أبي حامد الأزهري، وأبي صالح المؤذن وغيرهما. وتفقه على أبي المعالي الجويني، وبرع في الفقه، وكان ورعا، وكان رفيق أبي حامد الغزالي، وكان أكبر سنا من الغزالي، وكان الغزالي يكرمه ويخدمه.
وتوفي بطرسوس في هذه السنة، فدفن إلى جانب الغزالي.
4005- ثابت بن منصور بن المبارك، أبو العز الكيلي
[4] :
سمع الكثير وكتب الكثير، وروى عن أبي محمد التميمي، وأبي الغنائم بن أبي
__________
[1] في ص، ط: «في يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة» .
[2] «الفقيه» : ساقطة من ص، ط.
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209) .
[3] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209) .
[4] انظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 93) .

(17/302)


عثمان، وعاصم. ووقف كتبه قبل موته.
وتوفي في هذه السنة، وقيل في السنة التي قبلها.
4006- دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، أبو الأغر الأسدي
[1] :
كان أبوه يحفظ الذمام، فلما ولي المسترشد مضى إليه الأمير أبو الحسن ظنا أنه على طريقة أبيه فأسلمه [2] . وجرت له وقائع مع المسترشد باللَّه، وكان ينهب القرى ويزعج البلاد، وقد سبق ذكر أفعاله، فلما قتل المسترشد عزم دبيس على الهرب ووجد له ملطفة قد بعثها إلى زنكي يقول له: لا تجيء واحتفظ نفسك، فبعث إليه السلطان/ غلاما أرمنيا من سلاحيته [3] ، فوقف على رأسه وهو ينكت الأرض بإصبعه فما أحس به 133/ ب حتى ضربه ضربة أبان بها رأسه، وقيل: بل قتل بين يدي السلطان، وذلك في حادي عشرين ذي الحجة، وكان بين قتل المسترشد وقتله ثمانية وعشرون يوما [4] .
4007- طغرل بن محمد بن ملك شاه
[5] :
توفي بباب همذان يوم الأربعاء ثالث محرم هذه السنة.
4008- علي بن الحسن بن الدرزيجاني
[6] :
كان شديد الورع كثير التعبد، وجرت مسألة المستحيل هل يدخل تحت القدرة، فقال: يدخل، فأنكره شيخنا أبو الحسن الزاغوني عليه، وجرت [7] بينهما ملاعنات، وبلغ الأمر إلى الديوان وكان لقلة علمه يظن أن المستحيل يتصور، وأن القدر يعجز عنه، والعجب ممن يدخل نفسه في شيء ليس من شغله.
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209، وشذرات الذهب 4/ 90، والكامل 9/ 285) .
[2] في الأصل: «على طريقة والده فأسلمه» .
[3] في الأصل تكررت «يقول لا تجيء» هنا.
[4] في ت: «أربعة وثلاثين يوما» .
[5] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209، والكامل 9/ 278) .
[6] في ص، ط: «الدرزنجاني» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 209، وفيه: «علي بن محمد النروجاني» ) .
[7] في الأصل: «فأنكره شيخنا الزغواني عليه أبو الحسن، وجرت» .

(17/303)


توفي يوم الأحد حادي عشر ربيع الآخر، وصلي عليه في جامع المنصور [1] ، وتبعه خلق كثير إلى مقبرة باب حرب، فدفن هناك.
4009- الفضل أبو منصور المسترشد باللَّه، أمير المؤمنين
[2] :
كان له همة عالية وشجاعة وإقدام، وكان يباشر الحروب، وقد ذكرنا حروبه وما يدل على شجاعته وما آل أمره إليه من هجوم الباطنية عليه وقتلهم إياه في يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة، وهناك دفن، ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين هذا الشهر فقعد له للعزاء به ثلاثة أيام، وكان عمره خمسة وأربعين سنة وشهورا، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما.
4010- محمد بن محمد بن يوسف، أبو نصر القاساني
[3] :
من أهل مرو، وقاسان بالسين المهملة قرية من قرى مرو، ولد سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وسمع الحديث من جماعة وتفقه وأفتى وحدث، وكان غزير الفضل عفيفا ورعا، ورد بغداد حاجا بعد الخمسمائة.
وتوفي في محرم هذه السنة.
__________
[1] في ص: «في جامع القصر» .
[2] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 207، 208، 209، وشذرات الذهب 4/ 86، والكامل 9/ 283) .
[3] في الأصل: «أبو نصر القلشاني» . وفي ت: «أبو نصر القاشاني» .

(17/304)


ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أن الراشد خلع على بكبه الشحنة خلعة تامة وعلى العميد/ وذلك [1] يوم السبت 134/ أغرة المحرم
[وصول الخبر بقتل دبيس]
ووصل الخبر بقتل دبيس فتعجب من تقارب موت المسترشد وقتل دبيس، وتفكروا في ان قتل المسترشد كان سبب قتله، لأنهم إنما كانوا يتركونه ليكون في وجه المسترشد.
وفي ثامن عشر المحرم وصل عفيف بجند، ووصل يرنقش الزكوي بجند، وقال لأمير المؤمنين: اعلم أنه قد جاء في أمور صعبة منها أنه مطالب [2] بخط كتبه المسترشد لمسعود ليتخلص بمبلغ هو سبعمائة ألف دينار، ومطالب لأولاده صاحب المخزن بثلاثمائة ألف، ومقسط على أهل بغداد خمسمائة ألف، وذلك من الأمور الصعبة. فلما سمع الراشد بذلك استشار أرباب الدولة فأشاروا عليه بالتجنيد، فكتب الخليفة إلى يرنقش: أما الأموال المضمونة فإنما كانت لإعادة الخليفة إلى داره سالما وذلك لم يكن، وأنا مطالب بالثأر، وأما مال البيعة فلعمري إلا أنه ينبغي أن تعاد إلى أملاكي وإقطاعي حتى يتصور ذلك، وأما ما تطلبونه من العامة فلا سبيل إليه وما بيننا إلا السيف.
ثم أحضر الشحنة وخلع عليه وأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: دون بهذه عسكرا
__________
[1] في الأصل: «وعلى العميد وولده» .
[2] في الأصل: «صعبة فيها أنه مطالب» .

(17/305)


وجمع العساكر وبعث إلى يرنقش يقول له: قد علمنا في أي أمر جئت، وقد كنا تركنا البلد مع الشحنة والعميد ولم نعارضهما فلما جئت أنت بهذه الأمور الصعبة فما بيننا وبينك إلا الممانعة، وانزعج أهل بغداد وباتوا تحت السلاح، وحفظ [أهل] البلد [1] ، ونقل الناس إلى دار الخليفة ودار خاتون، وقيل للخليفة: إنهم قد عزموا على كبس البلد [وقت الصلاة فركب العسكر، وحفظ الناس البلد] [2] ، وقطع الجسر وحمل إلى باب الغربة وجرى في أطراف البلد قتال شديد ثم أصبح العسكر قد انقشعوا عن البلد [3] ، وأصبح الناس يتشاغلون بعمارة السور.
134/ ب وفي مستهل صفر: / وصل زنكي ويرنقش البازدار وإقبال وإياز صاحب محمود وعليهم ثياب العزاء، وحسنوا للراشد الخروج فأجابهم، واستوزر أبا الرضا ابن صدقة واجتمعوا على حرب مسعود، وجاء داود بن محمود بن محمد وأقام بالمزرفة.
فلما كان يوم الثلاثاء رابع صفر دخل داود دار المملكة، وأظهر العدل فبعث الراشد أرباب الدولة إليه ومعهم هدية، فقام ثلاث مرات يقبل الأرض.
ووصل صدقة بن دبيس في ثاني عشر صفر، وقبل الأرض بازاء التاج، وقال: أنا العبد ابن العبد قد جئت طائعا لأمير المؤمنين، وكان ابن خمس عشرة سنة.
فلما كان يوم الجمعة رابع عشر صفر: قطعت خطبة مسعود وخطب لداود، وقبض على إقبال الخادم ونهب ماله وانزعج العسكر لإجله ونفذ زنكي، وقال: هذا جاء في صحبتي وبقولي ولا بد من الإفراج عنه. ووافقه على ذلك البازدار، وغضب كجبه فمضى إلى زنكي فرتب مكانه غيره واستشعر كله وخافوا، وجاء أصحاب البازدار فخربوا عقد السور وأشرف البلد على النهب وغلا السعر، وجاء زنكي فضرب بازاء التاج، وسأل في إقبال سؤالا تحته إلزام، فأطلق فخرج يوم الاثنين من باب العامة وعلى رأسه قلنسوة كبيرة سوداء وعليه فروة في زي المكارية، فمضى إلى زنكي فوقعت
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] في الأصل تكررت هنا: «وجرى في أطراف البلد قتال شديد ثم» .

(17/306)


الصيحة في الدار، وأخذ أستاذ الدار والبوابون ووكل بهم، وقيل: كيف جرى هذا.
وكان السلطان مسعود قد افرج عن أرباب الدولة، وهم: الوزير علي بن طراد، وابن طلحة، وقاضي القضاة، ونقيب الطالبيين أبو الحسن بن المعمر، وسديد الدولة ابن الأنباري، فأما النقيب فتوفي حين حط من القلعة، وأما قاضي القضاة فانحدر إلى بغداد، فدخل على غفلة وأقام الباقون حتى وردوا مع مسعود إلى العراق.
وكان قبض الراشد على أستاذ داره أبي عبد الله/ بن جهير، وقيل إنه وجدت له 135/ أمكاتبات إلى دبيس، فقوى استشعار الناس وخافوا من الراشد.
وفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الأول مضى الموكب إلى زنكي، وعاد سوى الوزير وصاحب الديوان، فمن الناس من يقول: قبض عليهما، ومنهم من يقول: أنه خلا بهما وعنفهما، وقال: ما هذا الرأي؟ فقال أبو الرضا ما يقبل مني والآن فقد استجرت بك فما لي رأي في العود، فقال اجلس فأنت آمن على نفسك ومالك، ثم نفذ زنكي إلى الراشد يقول: أريد المال الذي أخذ من إقبال، وهو دخل الحلة، وذاك مال السلطان ونحن نحتاج إلى نفقة، وتردد القول في ذلك ثم نفذ الراشد إلى ابن صدقة: «كل ما أشير به يفعل ضده، وقد كان هذا الخادم إقبال بازاء جميع العسكر وأشرت أن لا يقبض عليه، فما قبل وأنا لا أوثر أن تتغير الدولة وينسب إلي فإن هذا الملعون ابن الهاروني قصده إساءة السمعة [وهلاك المسلمين [1]] وهو السبب في جميع ما جرى» .
فقبض على ابن الهاروني يوم الخميس ثامن عشر ربيع الأول، وجاء رسول زنكي فلقي الخليفة [وشكا [2]] مما جرى من ابن الهاروني وتأثيراته في المكوس والمواصير، وقال: الخادم يسأل أن يسلم إليه ليتقرب إلى الله بدمه، فقال له: ندبر في ذلك، ثم تقدم في بكرة الأحد حادي عشرين الشهر إلى أبي الكرم الوالي بقتله، فقتل في الرحبة وصلب على خشبة قصيرة ومثل به العوام، فلما جن الليل أخذه أهله وعفوا أثره، وظهرت له من الأموال والأثاث وأواني الذهب والفضة أمر عظيم، ووصل إلى الخليفة من ماله مائتا ألف وكانت له ودائع عند القضاة والتجار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/307)


135/ ب وفي ثاني ربيع الآخر: قطعت جميع أموال الوكلاء، / وكان السبب أن زنكي طلب من الخليفة مالا يجهز به العسكر ليحدرهم إلى واسط، فقال الخليفة: البلاد معكم وليس معي شيء فاقطعوا البلاد، ثم استقر أن يدفع إلى زنكي ثلاثين ألفا مصانعة عن البلاد ويرد إليهم.
وفي سادس عشر هذا الشهر: بات الحرس تحت التاج يحفظونه استشعارا من زنكي، ثم إن زنكي أشار على ابن صدقة أن يكون وزير داود، فأجاب فخلع عليه وولى أبو العباس بن بختيار الماندائي قضاء واسط، واستوثق زنكي باليمين من الراشد، ثم جاء فعاهده وقبل يده وبعث الخليفة إلى أبي الرضا بن صدقة، فأشار عليه بالعود فجاء ففوض الأمور كلها إليه، ثم تقدم إلى السلطان داود والأمراء إلى قتال مسعود، وهم:
ألبقش، وزنكي، والبازدار، وبكبه، فساروا فوصلهم الخبر أن مسعودًا رحل يطلب العراق، فبعث الراشد فرد الأمراء والسلطان وضرب نوبتيته واستحلفهم، وقال: أريد أن أخرج معكم، وكان ذلك في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شعبان، فلما كان يوم الأربعاء سلخ شعبان خرج الراشد فركب في الماء وصعد مما يلي باب المراتب، وسار الناس بين يديه حتى نزل السرادق ثم جدد اليمين على الأمراء، فلما كان بعد يومين أشار عليه زنكي بأن يضرب [1] عند جامع السلطان على دجلة ففعل، فلما كان عشية الأحد رابع رمضان جاء جاسوس لزنكي [2] ، فقال: قد عزم القوم على الكبسة، فرحل هو وأصحابه والخليفة، وضربوا داخل السور، وخرج هو في الليل جريدة سبعة آلاف ليضرب عليهم، فرحلوا عن ذلك المنزل وأصبح الناس على الخوف وتسلح العامة وعملوا في السور، وكان الأمراء ينقلون اللبن على الخيل منهم البازدار وبكبه وهما 136/ أنقضاه، وجاءت ملطفات إلى جميع الأمراء من مسعود فأحضروها/ جميعا وجحد ذلك شحنة بغداد [3] ، وكتب جوابها إلى مسعود فأخذه زنكي فغرقه [4] .
__________
[1] في ص: «أشار عليه ابن زنكي بأيضرب» .
[2] في الأصل: «جاسوس من لزنكي» .
[3] في الأصل: «وجحدها لك شحنة بغداد» .
[4] في الأصل: «فأخذه زنكي فغرقه» .

(17/308)


وفي يوم الخميس ثامن رمضان: أخرجوا من دار الخليفة مصراعين حديدا، فحملت على العجل إلى هناك ونصبت على باب الظفرية في السور، فلما كان عشية الأحد حادي عشرين رمضان مضى من أصحاب مسعود جماعة فنزلوا قريبا من المزرفة، فعبر إليهم زنكي فهربوا.
فلما كان يوم الأربعاء جاء عسكر كثير إلى باب السور، فخرج إليهم رجالة وخيل ووقع القتال وجاء جماعة من الأمراء من عند مسعود [1] إلى الخليفة يستأمنون فقبلهم وخلع عليهم، وكان زنكي لا يستخدمهم، ويقول: استريحوا من تعبكم حتى ينقضي هذا البيكار.
وفي عشرين رمضان: وصل رسول من عند مسعود يطلب الصلح، يقول: أنا الخادم، فقرئت الرسالة على الأمراء فأبوا إلا المحاربة، وكثر العيارون وأخذوا المال قهرا، وجلسوا في المحال يأخذون من البزازين.
وبكر الناس لصلاة العيد مستهل شوال إلى جامع القصر، ولم يخرج موكب كما جرت العادة بل عيدوا داخل السور موضع المخيم بلى ان الطبول ضربت كما جرت العادة داخل الدار وعلى باب الدار ليلة العيد، وعيد كل إنسان في مخيمه، وعيد الخليفة على باب السرادق، وكان الخطيب ابن التريكي، ونفذ إلى كل أمير ما يخصه من المأكول من غير أن يمدوا سماطا.
ووصل في هذا اليوم أصحاب مسعود إلى الرصافة فدخلوها ودخلوا الجامع فكسروا أبوابه ونهبوا ما كان فيه من رحل المجاورين وكسروا شبابيك الترب وبالغوا في الفساد.
وفي يوم السبت ثاني شوال: وقع بين أهل باب الأزج والمأمونية/ وقتل منهم 136/ ب ثلاثة، ثم كثر فساد العيارين ففتكوا وقتلوا حتى في الظفرية، ودخلوا إلى دكاكين البزازين يطالبونهم بالذهب ويتهددونهم بالقتل فرتب شحنة بغداد، ونصبت شحنات
__________
[1] هنا في الأصل تكررت العبارة: «ووقع القتال وجاء جماعة من الأمراء من عند مسعود من الأمراء» .

(17/309)


بالمحال، [1] ورتب على كل محلة شحنة، وأقيم له نزل على أهل المحلة فضجوا وقالوا:
ما برحنا من العيارين.
[وفي يوم الأثنين رابع شوال: جاء مسعود في خمسة آلاف فارس على غفلة، وخرج الناس للقتال] [2] .
[صلب اثنين من العيارين في درب الدواب]
وفي ثاني عشر شوال: صلب اثنان في درب الدواب من العيارين بسبب أنهما جبيا الدرب.
وفي ثامن عشرة: سد على باب السور الذي على باب السلطان بآجر وطين، وكان السبب أن العسكر خرجوا يطاردون فغدر منهم جماعة ومضوا إلى مسعود.
وفي تاسع عشره: قبض على ابن كسبرة، وأخذ أخذة هائلة، ووكل به، وكبس بيته وأثبت جميع ما فيه، فلما كانت ليلة الأربعاء أخرج وقت ضرب الطبل، ونصبت له خشبة في الرحبة، وأخذ مع امرأة مسلمة كان يتهم بها وكانت مستحسنة، فجيء بحلة من قصب وجعلت المرأة فيها وضربها النفاط بالنار فاحترقت الحلة، وخرجت المرأة هاربة عريانة، فعفي عنها وقد نالها بعض الحريق، وقدم هو ليقتل وقيل للقاتل: اعرض عليه الإسلام، فقال: أخشى أن اقتل بعد ذلك، فأسلم فآمنوه.
وجاء ركابي لزنكي فأخذه العيارون فقتلوه فشكا ذلك زنكي، وقال: أريد أن أكبس الشارع والحريم على العيارين فأطلق في ذلك فنهب الشارع والحريم وأخذ ما قيمته خمسمائة ألف دينار من الأبريسم والثياب والذهب والفضة والمصاغ، وكان فيه ودائع أهل حنيفة والرصافة والمحال والقرى.
وفي غرة ذي القعدة: أحضر الغزنوي فنصب له منبر فتكلم عند السرادق وكان السبب ضيق صدر وجده أمير المؤمنين، [واستغاث الناس ليطلقوا في الخروج، فقيل لهم ينبغي أن تصرفوا نفقاتكم إلى الجهاد بين يدي أمير المؤمنين] [3] ، ونفذ مسعود
__________
[1] في ص: «شحنة وست شحنات بالمحال» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/310)


عسكرا إلى واسط/ فأخذها والنعمانية فنهبها وضرب بقاع جازر، فمضى البازدار 137/ أفجلس بإزائه ونفذ الراشد العساكر، ومضى سيف الدولة يطلب الحلة، ونودي لا يبقى ببغداد من العسكر أحد، فرحل الناس وخرج الراشد فضرب بصرصر واستشعر بعض العسكر من بعض، فخشي زنكي من ألبقش والبازدار فعاد إلى ورائه، فرجع أكثر العسكر منهزمين، ودخل الراشد بغداد وقيل إن السلطان مسعودا كاتب زنكي سرا وحلف له أنه يقاره على بلاده وعلى الشام جميعه، وكاتب الأمراء، وقال: من منكم قبض على زنكي وقتله أعطيته بلاده فعرف زنكي ذلك فأشار على الراشد أن يرحل صحبته.
وفي ثاني ذي القعدة: قبض على أستاذ الدار ابن جهير، وعلى صاحب المخزن، وعلى خليفة الدويتي وعلى ابن فيه الناظر [1] في نفقة المخزن، وخلع على منكوبرس [2] ، ثم جلس أبو الفتوح بباب السرادق، فاستغاث إليه الحاج فأجيبوا بمثل ما قيل لهم قبل ذلك.
فلما كانت ليلة السبت رابع عشر ذي القعدة خرج الخليفة من باب البشرى وسار ليلا وزنكي قائم ينتظره [فدخل دار يرنقش [3]] ولم ينم الناس وأصبحوا على خوف شديد، فأخرجت خاتون أصحابها فحفظت باب النوبي، وظهر أبو الكرم الوالي [وحاجب الباب، فسكنوا الناس، وخرج أبو الكرم [4]] يطلب الخليفة فأخذ وحمل إلى مسعود، فأطلقه وسلم إليه البلد.
ورحل الراشد يوم السبت حين طلعت عليه الشمس ولم يصحبه شيء من آلة السفر لأنه لما بات في دار يرنقش أصبحوا، فقال لهم: اليوم مقام فأقضوا أشغالكم، فعبر ريحان الخادم ليحمل له طعاما، وعبر ابن الملقب ليفصل له ثيابا واهتم السفارون والمكارية بما يصلحهم، فرحل على غفلة فهموا بالعبور ولم يقدروا.
ودخل مسعود إلى/ بغداد يوم الأحد خامس عشر الشهر ونهبت دواب الجند، 137/ ب
__________
[1] كذا في جميع المخطوطات.
[2] في الأصل: «وخلع على المنكورس» .
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/311)


وكان الخليفة قد سلم الدار ومفاتيحها إلى خاتون، ووصل صافي الخادم فقال إن الخليفة لم يفعل صوابا بذهابه، وان السلطان له على نية صالحة، وسكن الناس ولم ينقطع ضرب الطبل، وإيقاد المنار [1] ، وكان أصحاب خاتون يقصدون باب النوبي للخدمة، ولما دخل السلطان بغداد أظهر العدل وشحن المحال ومنع النزل والنهب، واستمال قلوب الناس، وجمع القضاة والشهود [2] عند السلطان مسعود وقدحوا في الراشد وتولى ذلك الزينبي، وقيل: لم يقدحوا فيه إنما أخرج السلطان خطه، وكان قد كتب مع بكبه [3] : إنني متى جندت أو خرجت فقد خلعت نفسي من الأمر، فشهد الشهود أن هذا خط الخليفة، والأول أظهر.
وأحكم الوزير علي بن طراد النوبة، واحضر الفقهاء والقضاة وخوفهم وهددهم إن لم يخلعوه، وكتب محضر فيه أن أبا جعفر بن المسترشد بدا من أفعاله وقبح سيرته وسفكه الدماء المعصومة وفعل ما لا يجوز معه ان يكون إماما، وشهد بذلك ابن الكرجي، والهيتي، وابن البيضاوي، ونقيب الطالبيين، وابن الرزاز، وابن شافع، وروح ابن الحديثي، وقالوا: إن ابن البيضاوي شهد مكرها، وحكم ابن الكرجي قاضي البلد بخلعه يوم الاثنين سادس عشر الشهر بحكم الحاكم وولي المقتفي.
__________
[1] فس ص: «وإيقاد المنيار» .
[2] في الأصل: «واجتمع القضاة والشهود» .
[3] في الأصل: «قد كتاب مع نكية» .

(17/312)


باب ذكر خلافة المقتفي باللَّه
واسمه محمد بن المستظهر باللَّه، ويكنى أبا عبد الله، وولي من أولاد المستظهر المسترشد والمقتفي وهما أخوان، وكذلك السفاح والمنصور أخوان، والهادي والرشيد أخوان، والواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان، وأما ثلاثة إخوة/ فالأمين والمأمون 138/ أوالمعتصم بنو الرشيد [والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل] [1] ، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر، فأما أربعة أخوة فلم يكن إلا الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك.
ولد المقتفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأمه ام ولد اسمها نسيم، وكانت جارية صفراء يقال لها: ست السادة، وكان يضرب بها المثل في الكرم، وسمع الحديث من مؤدبه أبي الفرج عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي.
وحدثنا الوزير أبو الفضل يحيى بن هبيرة، [قال:] [2] بويع المقتفي بعد أن خلع القاهر الراشد ووزر له علي بن طراد، ثم أبو نصر المظفر بن علي بن جهير، ثم أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة، ثم أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، وكان قاضي القضاة في زمانه أبو القاسم الزينبي، ثم أبو الحسن الدامغاني، وكانت بيعة المقتفي العامة يوم الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة، وجمع القضاة والشهود بعد ذلك فأطلعوهم على شيء من المنكر ونسبوه إلى الراشد، وخطب يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة للمقتفي ومسعود ولم ينثر كما جرت العادة وإنما لقب المقتفي لسبب، فإنه وجد بخط أبي الفرج بن الحسين الحداد، قال: حكى بعض من أثق به أن المقتفي رأى
__________
[1] «والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل» : ساقطة من ص، ط.
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.

(17/313)


في منامه قبل أن يلي بستة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم و [هو] [1] يقول له: سيصل هذا الأمر إليك فاقتف بي فتلقب المقتفي لأمر الله.
ثم ان السلطان مسعودا بعد أن أظهر العدل ونادى بإزالة النزل من دور الناس ونهى 138/ ب عن النهب بعث فأخذ جميع ما كان في دار الخلافة من خيل وبغال/ وأثاث وذهب وفضة وزلالي وستور وسرادق وحصر ومساند، وطالب الناس بالخراج والبرات [2] ، ولم يترك في إصطبل الخاص سوى أربعة أرؤس من الخيل، وثلاثة من البغال برسم الماء، فقيل إنهم أخذوا ذلك ليحسبوا [3] مما تقرر على الخليفة [وكان قد تقرر عليه مائة وعشرين ألف دينار] [4] ، وقيل بل بايعوا على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر وأخذوا جواري خادمات وغلمان، وكان ابن الداريج ينوب عن العميد، فضمن أطيان سلاحية [5] الخليفة بمائة ألف دينار، فأخذت أموالهم ومضت خاتون إلى السلطان تستعطفه، فاجتازت بالسوق وبين يديها القراء والأتراك، وكان عندها جهات الراشد وأولاده، فعادت وقد تحرر جميع ما كان للخليفة من بلاده.
وفي خامس ذي الحجة قدم ابن دبيس فتلقى من عند صرصر بكاس من عند السلطان فشربه وهو يبكي ويرتعد، فبعث إليه فرس ومركب ودخل إلى السلطان وخرج سالما، وفي تلك الليلة جاءت أصحاب السلطان إلى صاحب المخزن يطالبونه بما استقر عليهم فأدخلهم إلى دار الخلافة، ودخل إلى حجر المسترشد والراشد وأظهر نساءهما وسراريهما وأمرهن بالكلام [6] ، وإظهار ما عندهن من المال وقال لأصحاب السلطان: خوفوهن، وأمر بكشف وجوههن، فأخذوا تلك الليلة ما قدروا عليه من حلي ومصاغ [7] ثم إن السلطان ركب سفينة ودخل على أمير المؤمنين المقتفي في تاسع ذي الحجة فبايعه، وقلد الوزير شرف الدين ديوان الخليفة، وكان قد قرر عليه مائة ألف وعشرين ألف دينار.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[2] في الأصل: «وطالب الناس بالخراج والترات» .
[3] في ت: «أخذوا ذلك ليحتسبونه» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أثبتناه من ت.
[5] في الأصل: «فضمن أعيان سلاحية» .
[6] في ص، ط: «وأمرهما بالكلام» .
[7] في ص، ط: «من حلي ومتاع» .

(17/314)


وفي يوم الجمعة حادي عشرين ذي الحجة وصلت الأخبار بأن الراشد دخل إلى الموصل.
وفي رابع عشر الشهر أذن المقتفي/ في بيع عقاره وتوفية السلطان ما استقر عليه 139/ أمن الأموال، ورفع المصادرة [1] عن الناس، وكانت قد كثرت فلم يتجاسر أحد يشتري، وتقلد صاحب المخزن وزارة خاتون ومضى إلى خدمتها، وقلد الطاهر أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر نقابة الطالبيين مكان أبيه.
ونهب عسكر زنكي في طريقهم بأوانا.
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
4011- أحمد بن هبة الله بن الحسين، أبو الفضل الإسكاف المقرئ ويعرف بابن العالمة بنت الداري
[2] :
ولد سنة ثمان وخمسين، وتلقن القرآن على الشيخ أبي منصور الخياط، وقرأ بالقراءات على أبي الوفاء بن القواس، وغيره. وسمع أبا الحسين ابن النقور، والصريفيني وغيرهما، وسمعت منه الحديث، وكان ثقة أمينا.
وتوفي في شوال هذه السنة.
4012-[جوهرة بنت عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري:
سمعت جدنا وحدثت، وتوفيت في هذه السنة] [3] .
4013- علي بن أحمد بن الحسن بن عبد الباقي، أبو الحسن الموحد المعروف بابن البقشلان:
كذا رأيته بخط شيخنا ابن ناصر الحافظ، وقال غيره: البقشلام بالميم، قال أبو
__________
[1] في الأصل: «من المال ودفع المصادرة» .
[2] في ت: «الرازيّ» .
[3] هذه الترجمة ساقطة من الأصل، ط، ص.

(17/315)


زكريا بن كامل: إنما قيل له ابن البقشلام لأن أباه وجده مضيا إلى قرية يقال لها شلام، فبات بها وكانت كثيره البق فكان طول الليل يقول: بق شلام، ورجع إلى بغداد يحكي ذلك ويذكره فبقي عليه الاسم.
ولد أبو الحسن في شعبان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وسمع من القضاة أبي الحسين بن المهتدي [1] ، وأبي يعلى بن الفراء، وهناد النسقي، ومن أبي جعفر ابن المسلمة، وأبي الحسين ابن النقور، وأبي بكر بن سياووس [2] ، وغيرهم، وحدثنا عنهم، وكان سماعه صحيحا، وظاهره الثقة.
139/ ب قال شيخنا أبو الفضل ابن ناصر: كان في خدمة السلطان، وكان يظلم/ جماعة من أهل السواد وغيرهم، وكان في أيام الفتن مع أهل البدع، ولم يكن من أهل السنة ولا العارفين بالحديث، فلا يحتج بروايته.
وتوفي ليلة السبت خامس رمضان، ودفن بباب أبرز عند الظفرية.
4014- علي بن الخضر بن أسا أبو محمد الفرضي:
سمع أبا القاسم ابن البسري، وأبا الحسين [3] ابن النقور، وكان سماعه صحيحا، وحدث، وقرأ الفرائض على أبي حكيم الخبري، وأبي الفضل الهمذاني. وكان قيما بعلم الفرائض والحساب.
وتوفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول، ودفن بباب أبرز.
4015- محمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن سعدويه، [أبو الحسن] الأصفهاني
[4] .
ولد سنة ست وأربعين واربعمائة، سمع الكثير وحدث وكان حسن السيرة ثقة ثبتا.
ذكره شيخنا أبو الفضل ابن ناصر، وأثنى عليه.
__________
[1] في الأصل: «أبي الحسين بن المهتدي» .
[2] في ص: «وأبي بكر بن سناووس» .
[3] في الأصل: «وأبا الحسن» .
[4] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
وانظر ترجمته في: (شذرات الذهب 4/ 95) .

(17/316)


4016- محمد بن حمويه بن محمد بن حمويه، أبو عبد الله الجويني
[1] :
وجوين من نواحي نيسابور، روى الحديث وكان صدوقا، وكان من المشهورين بالعلم والزهد، وله كرامات، ودخل إلى بعض البلدان، فلما أراد الخروج ودعهم ببيتين فقال:
لئن كان لي من بعد عود إليكم ... قضيت لبانات الفؤاد لديكم
وإن تكن الأخرى وفي الغيب عبرة ... وحال قضاء فالسلام عليكم
توفي في هذه السنة، ودفن في بعض قرى جوين.
4017- محمد بن أحمد بن أفريغون، أبو بكر الأفراني النسفي
[2] :
وأفران من قرى نخشب [3] .
ورد إلى بغداد حاجا، ثم عاد إلى بلده، سمع الحديث ببلده وحدث، وكان فقيها صالحا، فتوفي يوم الأربعاء سادس عشرين شوال.
4018- محمد بن موهوب، أبو نصر الفرضي الحاسب الضرير
[4] :
كان على غاية في علمه.
4019- محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب، أبو بكر العامري المعروف بابن الجنازة
[5] :
سمع ببغداد أبا محمد التميمي، وأبا الفوارس طراد، / وأبا الخطاب بن النظر، 140/ أوأبا عبد الله بن طلحة، وسمع بنيسابور من جماعة وببلخ وهراة، ودخل مرو، وجال في خرسان، وشرح كتاب «الشهاب» وكانت له معرفة بالحديث والفقه، وكان يتدين ويعظ ويتكلم على طريقة التصوف والمعرفة من غير تكلف الوعاظ، فكم من يوم صعد المنبر
__________
[1] انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، وشذرات الذهب 4/ 95، والكامل 9/ 294) .
[2] في ص: «الأقراني» .
[3] في ص: «وأقران من قرى نخشب» .
[4] في ت: «محمد بن مواهب» .
[5] في ت: «بن الحبارة» .
وانظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، والكامل 9/ 294) .

(17/317)


وفي يده مروحة يتروح بها وليس عنده أحد يقرأ كما تفعل القصاص، وقرأت عليه كثيرا من الحديث والتفسير، وكان نعم المؤدب، يأمر بالإخلاص وحسن القصد، وكان ينشد:
كيف احتيالي وهذا في الهوى حالي ... والشوق أملك بي من عذل عذالي
وكيف أسلو وفي حبي له شغل ... يحول بين مهماتي وأشغالي
وبنى رباطا بقراح ظفر، فاجتمع جماعة من المتزهدين فلما احتضر قال له أصحابه: أوصنا، فقال: أوصيكم بثلاث: بتقوى الله، ومراقبته في الخلوة، واحذروا مصرعي هذا عشت إحدى وستين سنة، وما كأني رأيت الدنيا. ثم قال لبعض أصحابه:
انظر هل ترى جبيني يعرق؟ قال: نعم فقال: الحمد للَّه هذه علامة المؤمن. يريد بذلك قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المؤمن يموت بعرق الجبين [1] » ثم بسط يده عند الموت، وقال:
ها قد مددت يدي إليك [2] فردها ... بالفضل لا بشماتة الأعداء
وهذا البيت لأبي نصر القشيري تمثل به شيخنا هذا، وقال: أرى المشايخ بين أيديهم أطباق وهم ينتظرونني، ثم مات ليلة الأربعاء منتصف رمضان هذه السنة، ودفن في رباطه وجاء الغرق في سنة أربع وخمسين فهدم تلك المحلة والرباط وعفي أثر القبر.
4020- محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس، أبو عبد الله الصاعدي الفراوي
[3] :
من أهل نيسابور، وأبوه من أهل ثغر فراوة، سكن نيسابور فولد محمد بها على 140/ ب سبيل التقدير/ في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، سمع صحيح البخاري من أبي عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار، وسمع صحيح مسلم من أبي الحسين عبد الغافر الفارسيّ،
__________
[1] الحديث: أخرجه النسائي في الجنائز، الباب 5، حديث 2، والترمذي في الجنائز، الباب 10، وقال:
حسن، وابن ماجة في الجنائز، الباب 5، حديث 2.
[2] في الأصل: «ها قد بسطت يدي إليك» .
[3] في الأصل: «محمد بن الفضل بن محمد بن أحمد بن أبي العباس» . وفي ت: «محمد بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن أبي العباس» .
انظر ترجمته في: (البداية والنهاية 12/ 211، والكامل 9/ 295) .

(17/318)


وسمع بنيسابور من أبي عثمان الصابوني [1] ، وأبي بكر البيهقي، وأبي القاسم القشيري، وأبي المعالي الجويني وغيرهم، وورد بغداد حاجا فسمع بها من أبي نصر الزينبي وعاصم، وسمع بالمدينة وغيرها من البلدان، وكان فقيها مفتيا مناظرا محدثا واعظا ظريفا حسن المعاشرة طلق الوجه كثير التبسم [جوادا] [2] يخدم الغرباء بنفسه مع كبر السن وأملى أكثر من ألف مجلس وما ترك الإملاء إلى حين وفاته.
وقال عبد الرشيد بن علي الطبري: «الفراوي ألف راوي» .
وحدثني أبو محمد ابن الشاطر التاجر: أن ذلك كان مكتوبا على خاتمه «الفراوي ألف راوي» وحمل في رمضان هذه السنة إلى قبر مسلم بن الحجاج بنصراباذ فتمم عليه قراءة الصحيح عند قبر المصنف، فلما فرغ من القراءة بكى وأبكى الحاضرين، وقال:
لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا.
فتوفي في شوال هذه السنة، وما قرئ عليه الكتاب بعد ذلك، وكان قد قرأ عليه الكتاب صاحبه عبد الرزاق بن أبي نصر الطبسي سبع عشرة مرة [ودفن عند قبر محمد بن إسحاق ابن خزيمة] [3] .
4021- المظفر بن الحسين، بن علي بن أبي نزار المردوسي، أبو الفتح بن أبي عبد الله
[4] :
ولد سنة ست وخمسين وأربعمائة، وكان أحد الحجاب ثم ترك ما كان فيه وغير لباسه ولبس الفوط وتزهد، وقد سمع أبا القاسم بن البسري، وأبا منصور بن عبد العزيز وغيرها.
__________
[1] في الأصل: «أبي بكر الصابوني» .
[2] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[3] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[4] في الأصل: «أبي نزار المردوس» .

(17/319)