النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 335]
السنة الأولى من ولاية أنوجور بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة خمس وثلاثين
وثلثمائة- فيها جدّد معزّ الدولة أحمد بن بويه الأمان بينه وبين
الخليفة المطيع لله بعد أن انهزم ناصر الدولة بن حمدان في السنة
الماضية من معزّ الدولة المذكور؛ ثم وقع الصلح بينهما على أن يكون
لناصر الدولة من تكريت الى الشام.
وفيها استولى ركن الدولة الحسن بن بويه على الرىّ. وفيها أقيمت الدعوة
بطرسوس لسيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان، فنفّذ لهم الخلع والذهب
ونفّذ لهم ثمانين
(3/293)
ألف دينار للفداء. وفيها توفّى أحمد بن أبى
أحمد [بن القاصّ «1» ] أبو العباس الطبرىّ القاضى الفقيه صاحب أبى
العباس بن سريج؛ كان إماما فقيها، صنّف في مذهبه كتاب «المفتاح» و «أدب
القاضى» و «المواقيت» و «التلخيص» ، وتفقّه عليه أهل طبرستان.
وكانت وفاته بطرسوس. وفيها لم يحجّ أحد من العراق خوفا من القرامطة.
وفيها توفّى محمد بن أحمد بن الرّبيع بن سليمان أبو رجاء الفقيه
الشافعىّ الشاعر؛ كان فاضلا شاعرا، وله قصيدة ذكر فيها أخبار العالم
وقصص الأنبياء؛ وسئل قبل موته: كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال: ثلاثين
ألفا ومائة «2» بيت. وفيها توفّى هارون ابن محمد بن هارون بن علىّ بن
موسى أبو جعفر الضّبّىّ؛ كان أسلافه ملوك عمان، وكان معظّما عند
السلطان، وانتشرت مكارمه وعطاياه، وقصده الشعراء من كلّ مكان، وأنفق
أموالا عظيمة في [برّ «3» ] العلماء والأشراف و [اقتناء «4» ] الكتب
النفيسة، وكان عارفا بالنحو واللغة والشعر ومعانى القرآن والكلام،
وكانت داره مجمعا لأهل العلم.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو العباس
القاضى صاحب ابن سريج، وأبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمىّ، وأبو بكر
محمد بن جعفر [الصّيرفىّ «5» ] المطيرىّ «6» ، وأبو بكر محمد بن يحيى
الصّولىّ [الشّطرنجىّ «7» ] ، والهيثم بن كليب الشّاشىّ «8» .
(3/294)
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث
أذرع وإحدى عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثمانى أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 336]
السنة الثانية من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ستّ وثلاثين وثلثمائة-
فيها خرج الخليفة المطيع ومعزّ الدولة أحمد بن بويه إلى البصرة لمحاربة
أبى القاسم عبد الله بن البريدىّ وسلكوا البرّيّة «1» اليها؛ فلما
قاربوها استأمن إلى معزّ الدولة جيش البريدىّ، وهرب هو إلى القرامطة؛
وملك معزّ الدولة البصرة، وأقطع المطيع فيها من ضياعها. وفيها قدم عماد
الدولة علىّ بن بويه إلى الأهواز؛ فبادر أخوه معزّ الدولة أحمد إلى
خدمته، وجاء فقبّل الأرض ووقف، وتأدّب معه معزّ الدولة؛ ثم بعد أيّام
ودّعه؛ وعاد معزّ الدولة وقد أخذ واسطا والبصرة. وفيها ظفر المنصور
العبيدىّ بمخلد بن كيداد وقتل قوّاده ومزّق جيشه. وفيها أغارت الروم
على أطراف الشام فسبوا وأسروا، فساق وراءهم سيف الدولة بن حمدان،
ولحقهم فقتل منهم مقتلة عظيمة واستردّ ما أخذوا من المسلمين؛ ثم أخذ
حصن برزوية «2» من الأكراد بعد أن نازلهم مدّة.
وفيها وردت الأخبار أن نوحا صاحب خراسان أكحل أخويه وعمّه إبراهيم.
وفيها توفّى أحمد بن جعفر بن محمد أبو الحسين المعروف بابن المنادىّ
«3» البغدادىّ؛ كان إماما
(3/295)
محدّثا، سمع الكثير وصنّف كتبا كثيرة. قال
أبو يوسف القزوينىّ: صنّف في علوم القرآن أربعمائة ونيّفا وأربعين
كتابا ليس فيها شىء من الحشو، وجمع فيها حسن العبارة وعلوّ الرواية.
وفيها توفّى العلّامة أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس ابن
محمد بن صول تكين الصّولىّ، الإمام المفتنّ المعروف بالصولىّ
الشّطرنجىّ الكاتب، وكان صول من ملوك خراسان وجرجان؛ كان أحد علماء
الفنون كالأدب وحسن المعرفة بأيّام الناس وطبقات الشعراء، واسع الرواية
كثيرا لحفظ؛ صنّف كتاب" الأوراق" وكتاب" الوزراء" وغيرهما؛ وانتهى إليه
علم الهندسة [و] الشّطرنج؛ ونادم جماعة من الخلفاء؛ وكان له نظم رائق؛
من ذلك قوله:
أحببت من أجله من كان يشبهه ... وكلّ شىء من المعشوق معشوق
حتّى حكيت بجسمى ما بمقلته ... كأنّ سقمى من جفنيه مسروق
وفيها توفّى محمد بن علىّ بن إسماعيل أبو بكر الشاشىّ القفّال الكبير
أحد أئمة الشافعيّة، كان إماما فاضلا، وهو أوّل من ضنّف في الجدل، مات
في صفر؛ قاله العلامة يوسف بن قزأوغلى. وذكر الذهبىّ وفاته في سنة خمس
وستين وثلثمائة، وهو المشهور.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين
أحمد ابن جعفر المنادىّ، وحاجب بن أحمد الطّوسىّ، وأبو العباس محمد بن
أحمد «1» بن حمّاد الأثرم، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم
الحكيمىّ، وأبو علىّ محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميدانىّ «2» ،
وأبو طاهر محمد بن الحسين المحمّداباذىّ «3» .
(3/296)
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث
أذرع وثلاث عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 337]
السنة الثالثة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة سبع وثلاثين وثلثمائة-
فيها كان الغرق ببغداد، وزادت دجلة إحدى وعشرين ذراعا، وهرب الناس
ووقعت الدّور ومات تحت الرّدم خلق كثير. وفيها دخل بغداد أبو القاسم
عبد الله ابن البريدىّ بأمان من معزّ الدولة، وأقطعه معزّ الدولة قرى
بأعمال بغداد. وفيها اختلف معزّ الدولة أحمد بن بويه وناصر الدولة
الحسن بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ، وسار معزّ الدولة الى الموصل،
فتأخّر ناصر الدولة الى نصيبين خائفا، ثم صالحه ناصر الدولة في كلّ سنة
على ثمانية آلاف ألف درهم. وفيها خرجت الروم، فتلقّاهم سيف الدولة علىّ
بن عبد الله بن حمدان التّغلبىّ على مرعش، فهزموه وملكوا مرعش. وفيها
لم يحجّ أحد في هذه السنة من العراق. وفيها ولى إمرة دمشق أبو المظفّر
الحسن بن طغج بن جفّ نيابة لابن أخيه أنوجور بن الإخشيذ؛ وقد وليها
مرّة أخرى في أيّام القاهر من قبل أخيه الإخشيذ محمد بن طغج. وفيها
توفّى عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم أبو محمد المعروف
بالبيّع والد الحاكم [أبى عبد الله «1» ] النّيسابورىّ، صاحب التصانيف.
أذّن عبد الله هذا بمسجد ثلاثا وثلاثين سنة، وغزا اثنتين وعشرين غزوة،
وأنفق على العلماء والزهّاد مائة ألف درهم، وكان كثير العبادة، وروى عن
مسلم وغيره. وفيها توفّى قدامة
(3/297)
ابن جعفر أبو الفرج «1» الكاتب صاحب
المصنفات: مثل «كتاب البلدان» و «الخراج» و «صناعة الكتابة» وغيرها،
وكان عالما، جالس المبرّد وثعلبا وغيرهما.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو إسحاق
إبراهيم ابن شيبان القرميسينىّ «2» الزاهد، وأبو علىّ محمد بن علىّ بن
عمر المذكّر «3» النّيسابورىّ.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمس عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 338]
السنة الرابعة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ثمان وثلاثين
وثلثمائة- فيها وصلت تقادم «4» أنوجور بن الإخشيذ عامل مصر صاحب
الترجمة، وسأل معزّ الدولة أن يكون أخوه مشاركا له في إمرة مصر، ويكون
من بعده، فأجابه.
وفيها تقلّد أبو السائب عتبة بن عبيد الله «5» الهمذانىّ قضاء القضاة
ببغداد. وفيها تحرّكت القرامطة، ولم يحجّ أحد في هذه السنة من العراق.
وفيها عمّر المنصور «6» العبيدىّ صاحب بلاد المغرب مدينة المنصوريّة.
وفيها ولى إمرة دمشق شعلة
(3/298)
ابن بدر الإخشيذىّ من قبل صاحب الترجمة،
وكان أحد الأبطال الموصوفين بالشجاعة، وفيه ظلم. وفيها توفّى أحمد بن
محمد بن علىّ أبو بكر المراغىّ؛ روى عن الربيع بن سليمان أبياتا سمعها
من الشافعىّ رضى الله عنه، وهى «1» :
شهدت بأنّ الله لا ربّ «2» غيره ... وأشهد أنّ البعث حقّ وأخلص
وأنّ عرا الإيمان قول محسّن ... وفعل زكىّ قد يزيد وينقص
وأنّ أبا بكر خليفة ربّه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص
وأشهد ربّى أنّ عثمان فاضل ... وأنّ عليّا فضله متخصّص «3»
[أئمة «4» قوم نهتدى بهداهم ... لحا الله من إيّاهم يتنقّص]
وفيها توفّى أمير المؤمنين المستكفى بالله عبد الله ابن الخليفة
المكتفى بالله علىّ ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد ابن ولىّ العهد
طلحة الموفق ابن الخليفة جعفر المتوكّل الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ،
مات معتقلا بعد أن خلع من الخلافة وسمل قبل تاريخه بسنين في جمادى
الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، حسب ما تقدّم ذكره في محلّه.
ومات برمى الدم، وكان محبوسا بدار معزّ الدولة بن بويه. ومات وله ستّ
وأربعون سنة؛ وكان بويع بالخلافة بعد خلع المتقى بالله وسمله في سنة
ثلاث وثلاثين وثلثمائة. وأمّ المستكفى بالله هذا أمّ ولد تسمّى غصن «5»
. وفيها توفّى السلطان عماد الدولة أبو الحسن علىّ بن بويه بن فنّا
خسرو الديلمىّ- وقد ذكرنا من أمر بنى بويه ومبدأ ملكهم نبذة في حوادث
سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة- وكان قد ملك جميع بلاد
(3/299)
فارس، وكان ملكا عاقلا شجاعا مهيبا، اعتلّ
بقرحة في الكلى أنحلت جسمه، ومات بشيراز وله تسع وخمسون سنة. وأقام
الخليفة المطيع لله مقامه أخاه أبا علىّ الحسن ركن الدولة والد السلطان
عضد الدولة بن بويه. وكان معزّ الدولة أحمد بن بويه صاحب أمر الخلافة
يومئذ يحبّ أخاه عماد الدولة المتوفّى ويحترمه ويكاتبه بالعبوديّة
ويقبّل الأرض بين يديه اذا اجتمعا مع عظم سلطانه، لكونه «1» الأكبر
سنّا. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله الفقيه
الزاهد العدل النّيسابورىّ، وكان صالحا عابدا يحجّ دائما، ومات عند
منصرفه من الحجّ في صفر؛ رضى الله عنه.
وفيها توفّى أحمد بن محمد بن إسماعيل العلّامة أبو جعفر النحاس المصرىّ
النحوىّ، كان من نظراء ابن الأنبارىّ ونفطويه، وله كتاب «إعراب القرآن»
وكتاب «المعانى» وكتاب «اشتقاق الأسماء الحسنى «2» » ، ومصنّفات كثيرة
غير ذلك. وفيها توفّى إبراهيم بن عبد الرزاق بن الحسن أبو إسحاق
الأنطاكىّ الفقيه المقرئ؛ قرأ على هارون بن موسى الأخفش وأحمد بن أبى
رجاء وغيرهما، وصنّف كتابا في القراءات الثمان، وسمع الكثير وحدّث.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن
سليمان ابن زبّان «3» الكندىّ الدّمشقىّ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن
إسماعيل النحّاس، وإبراهيم بن عبد الرزّاق الأنطاكىّ، وأبو إسحاق
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبى ثابت، وأبو علىّ الحسن بن حبيب
الحضائرىّ «4» ، وعماد الدولة علىّ بن بويه الدّيلمىّ صاحب
(3/300)
بلاد فارس، وكانت أيّامه ستّ عشرة سنة،
وأبو الحسن علىّ بن محمد الواعظ المصرىّ، وعلى بن حمشاد «1» العدل.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 339]
السنة الخامسة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة-
فيها غزا سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين
ألفا، ففتح حصونا وقتل وسبى وغنم؛ فأخذ الروم عليه الدرب عند خروجه
فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا، واستردّوا جميع ما أخذ لهم، وأخذوا
جميع خزائن سيف الدولة، [ونجا «2» ] فى عدد يسير. وفيها استولى [منصور
«3» بن] قرا تكين على الرّىّ والجبال ودفع عنها عسكر ركن الدولة. وفيها
ردّ الحجر الأسود الى موضعه، بعث به القرمطىّ مع [أبى] محمد بن سنبر
«4» الى الخليفة المطيع لله، وكان بجكم قد دفع فيه قبل تاريخه خمسين
ألف دينار وما أجابوا، وقالوا: أخذناه بأمر وما نردّه إلا بأمر؛ فلما
ردّوه في هذه السنة قالوا: رددناه بأمر من أخذناه بأمره. وكذبوا؛ فإن
الله تعالى قال: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها
آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها)
. [فكذّبهم «5» الله تعالى بقوله] : (قُلْ إِنَ
(3/301)
اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ)
. وإن عنوا بالأمر القدر فليس ذلك حجّة لهم، فالله تعالى قدّر عليهم
الضلال والمروق من الدين، وقدّر عليهم أن يدخلهم النار، فلا ينفعهم
قولهم: «أخذناه بأمر» . ولما أتوا بالحجر الأسود أعطاهم المطيع مالا له
جرم؛ وكان الحجر الأسود قد بقى اثنتين وعشرين سنة. وقال المسبّحىّ:
وفيها وافى سنبر بن الحسن الى مكّة ومعه الحجر الأسود، وأمير مكّة معه.
فلما صار بفناء البيت أظهر الحجر، وعليه ضباب فضّة قد عملت من طوله
وعرضه تضبط شقوقا قد حدثت عليه بعد انقلاعه، وأحضر له صانعا معه جصّ
يشدّه [به] . فوضع سنبر بن الحسن ابن سنبر الحجر الأسود بيده وشدّه
الصانع بالجصّ. وقال لمّا ردّه: أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئته.
وفيها توفّى محمد بن أحمد الصّيمرىّ كاتب معزّ الدولة ووزيره، فقلّد
مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلّبىّ. وفيها في عيد الأضحى قتل
الناصر لدين «1» الله عبد الرّحمن بن محمد الأموىّ صاحب الأندلس ولده
عبد الله، وكان قد خاف من خروجه «2» عليه؛ وكان الناصر من كبار
العلماء، روى عن محمد بن عبد الملك بن أيمن وقاسم بن أصبغ وله تصانيف:
منها مجلّد في" مناقب بقىّ بن مخلد" رواه عنه مسلمة «3» ابن قاسم.
وفيها توفّى عبد الرّحمن بن إسحاق أبو القاسم الزّجّاجىّ النحوىّ من
أهل
(3/302)
بغداد، وسكن طبريّة وأيلة وحدّث بدمشق
وصنّف في النحو" مختصرا". وفيها غزا سيف الدولة في شهر ربيع الأوّل
ووافاه عسكر طرسوس في أربعة آلاف عليهم القاضى أبو الحصين، فسار إلى
قيساريّة وفتح عدّة حصون وسبى وقتل، ثم سار إلى سمندو «1» ثم إلى خرشنة
يقتل ويسبى، ثم الى صارخة «2» بينها وبين قسطنطينيّة سبعة أيّام. فلمّا
نزل عليها واقع الدّمستق مقدّمته فظهرت عليه فلجأ إلى الحصن، وخاف على
نفسه؛ ثم جمع والتقى بسيف الدولة، فهزمه الله أقبح هزيمة وأسرت
بطارقته.
وكانت غزوة مشهورة، وغنم المسلمون مالا يوصف؛ وبقوا في الغزو أشهرا.
وفيها توفّى الخليفة القاهر أبو منصور محمد ابن الخليفة المعتضد بالله
أحمد ابن ولىّ العهد أبى أحمد طلحة الموفّق ابن الخليفة المتوكّل جعفر
العباسى الهاشمىّ البغدادىّ.
استخلف أوّلا بعد خلع المقتدر بالله جعفر، ثم خلع بعد ثلاثة أيّام،
ودام دهرا الى أن بويع ثانيا بالخلافة بعد قتل جعفر المقتدر سنة عشرين
وثلثمائة؛ فأقام في الخلافة الى أن خلعوه من الخلافة في جمادى الأولى
سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة بالراضى بالله أبى العباس محمد «3» ، وسملت
عيناه فسالتا على خدّه، وحبسوه مدّة ثم أهملوه وسيّبوه حتّى
(3/303)
مات في هذه السنة في جمادى الأولى. وكان
ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف؛ وكان قد افتقر وسأل قبل موته. وهو
أوّل خليفة خلع وسمل. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد أبو عبد
الله الصّفّار الأصبهانىّ، كان محدّث عصره بخراسان، وكان مجاب الدعوة،
أقام أربعين سنة لم يرفع رأسه الى السماء حياء من الله تعالى.
وكان يقول: اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كاسمى، واسم أبيه اسم
أبى.
وكانت وفاته في ذى القعدة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في السنة، قال: وفيها توفّى علىّ بن عبد الله
بن يزيد ابن أبى مطر الإسكندرىّ القاضى وله مائة سنة، وعمر بن الحسن
أبو الحسين بن الأشنانىّ «1» القاضى، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله
بن أحمد الصفّار الأصبهانىّ، وأبو جعفر محمد بن عمر بن البخترىّ، وأبو
نصر الفارابىّ صاحب الفلسفة محمد بن محمد بن طرخان. قلت: يأتى ذكر
الفارابىّ أيضا في هذا الكتاب في غير هذه السنة على ما ورّخه صاحب
المرآة وغيره.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ
الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإصبعان.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 340]
السنة السادسة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة أربعين وثلثمائة- فيها
قصد صاحب عمان البصرة وساعده أبو يعقوب القرمطىّ، فسار اليهم أبو محمد
[الحسن بن «2» محمد] المهلّبىّ في الدّيلم والجند، فالتقوا فهزمهم
المهلّبىّ واستباح عسكرهم،
(3/304)
وعاد إلى بغداد بالأسارى والغنائم. وفيها
جمع سيف الدولة بن حمدان جيوش الموصل والجزيرة والشام والأعراب ووغل في
بلاد الروم، وقتل وسبى شيئا كثيرا وعاد الى حلب سالما. وفيها قلعت حجبة
الكعبة الحجر الأسود الذي نصبه سنبر ابن الحسن صاحب القرمطىّ وجعلوه في
الكعبة، فأحبّوا أن يجعلوا له طوقا من فضّة فيشدّ به كما كان قديما،
كما عمله عبد الله بن الزبير. وأخذ في إصلاحه صانعان حاذقان فأحكماه.
قال أبو الحسن محمد بن نافع الخزاعىّ: دخلت الكعبة فيمن دخلها فتأمّلت
الحجر فإذا السواد في رأسه دون سائره وسائره أبيض، وكان طوله، فيما
حزرت، مقدار عظم الذراع. قال: ومبلغ ما عليه من الفضّة، فيما قيل،
ثلاثة آلاف وسبعمائة وسبعة وتسعون درهما ونصف. وفيها كثرت الزلازل بحلب
والعواصم ودامت أربعين يوما وهلك خلق كثير تحت الردم؛ وتهدّم حصن رعبان
«1» ودلوك «2» وتلّ حامد «3» ، وسقط من سور دلوك ثلاثة أبرجة. وفيها
توفّى شيخ الحنفيّة
(3/305)
بالعراق عبيد الله «1» بن الحسين «2» الشيخ
أبو الحسن الكرخىّ، سمع ببغداد إسماعيل [بن إسحاق «3» ] القاضى ومحمد
بن عبد الله الحضرمىّ مطيّنا، وروى عنه ابن شاهين «4» وعبد الله «5»
ابن محمد الأكفانىّ القاضى، وكان علّامة كبير الشأن فقيها أديبا بارعا
عارفا بالأصول والفروع، انتهت إليه رياسة السادة الحنفيّة في زمانه
وانتشرت تلامذته في البلاد؛ وكان عظيم العبادة كثير الصلاة والصوم
صبورا على الفقر والحاجة ورعا زاهدا صاحب جلالة. قال أبو بكر الخطيب:
حدّثنى الصّيمرىّ «6» حدّثنى أبو القاسم بن علّان الواسطىّ، قال: لما
أصاب أبا الحسن الكرخىّ الفالج في آخر عمره حضرته وحضر أصحابه أبو بكر
[الرازىّ «7» وأبو عبد الله] الدامغانىّ وأبو علىّ الشاشىّ وأبو عبيد
الله البصرىّ، فقالوا: هذا مريض يحتاج الى نفقة وعلاج، والشيخ مقلّ؛
فكتبوا الى سيف الدولة بن حمدان؛ فأحسّ أبو الحسن فيما هم فيه فبكى
وقال: اللهم لا تجعل رزقى إلّا من حيث عوّدتنى، فمات قبل أن يحمل إليه
شىء؛ ثم ورد من سيف الدولة عشرة آلاف درهم فتصدّق بها. توفّى وله
ثمانون سنة، وأخذ عنه الفقه الذين ذكرناهم: الدّامغانىّ والشاشىّ
والبصرىّ والإمام أبو بكر أحمد بن على الرازىّ وأبو القاسم علىّ بن
محمد التّنوخىّ. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن زيّاد الغنوىّ «8»
البصرىّ
(3/306)
الإمام أبو سعيد بن الأعرابىّ نزيل مكّة،
كان إماما حافظا ثبتا، سمع الكثير، وروى عنه عالم كثير، وكان كثير
العبادة، شيخ الحرم في وقته علما وزهدا وتسليكا وكان صحب الجنيد وعمرو
بن عثمان المكىّ وأبا أحمد القلانسىّ وغيرهم.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو سعيد
أحمد ابن محمد بن زياد بن بشر البصرىّ ابن الأعرابىّ، وإبراهيم بن أحمد
أبو إسحاق المروزىّ الشافعىّ، وأبو علىّ الحسين «1» بن صفوان البردعىّ،
والكلاباذىّ المعروف بالأستاذ «2» أحد أئمة الخليفة، والزجاجىّ صاحب
«الجمل» أبو القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق، وأبو محمد قاسم بن أصبغ
القرطبىّ، وأبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علىّ ابن حرب، وأبو الحسن
الكرخىّ شيخ حنفيّة العراق عبيد الله بن الحسين.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 341]
السنة السابعة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة إحدى وأربعين
وثلثمائة- فيها ظفر الوزير المهلّبىّ بقوم التناسخيّة، وفيهم شاب يزعم
أن روح علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه انتقلت فيه، وفيهم امرأة تزعم أن
روح فاطمة رضى الله عنها انتقلت اليها، وفيهم آخر يزعم أنّه جبريل؛
فضربوا، فتعزّوا «3» بالانتماء لأهل البيت؛ فأمر معزّ الدولة بإطلاقهم
لتشيّع كان فيه. قلت: والمشهور عن بنى بويه
(3/307)
التشيّع والرّفض. وفيها أخذت الروم سروج
«1» فقتلوا وسبوا وأحرقوا البلد. وفيها حجّ بالناس أحمد بن عمر بن يحيى
العلوىّ. وفيها في آخر شوال توفّى المنصور أبو طاهر إسماعيل بن القائم
بأمر الله محمد بن عبيد الله المهدىّ العبيدىّ الفاطمىّ صاحب المغرب،
مات بالمنصورة التى بناها ومصرها، وصلّى عليه ابنه ولىّ عهده أبو تميم
معذ الملقّب بالمعزّ لدين الله؛ وهو الذي تولّى الخلافة بعده. وكان
ملكا حادّ الذهن سريع الجواب فصيحا مفوّها يخترع الخطب، عادلا في
الرعيّة، أبطل كثيرا من المظالم مما أحدثه آباؤه؛ ومات وله أربعون سنة،
وكانت مدّة مملكته سبعة أعوام وأيّاما؛ وخلّف خمسة بنين وخمس بنات.
وقام بعده ابنه المعزّ لدين الله فأحسن السّيرة وصفت له المغرب. ثم
افتتح المعزّ لدين الله مصر وبنى القاهرة؛ على ما يأتى ذكره إن شاء
الله تعالى بأطول من هذا في ترجمة المعزّ المذكور. وفيها توفّى أحمد بن
محمد أبو العبّاس الدّينورىّ، كان من أجلّ المشايخ وأحسنهم طريقة، وكان
يتكلّم على لسان أهل المعرفة بأحسن كلام. تكلّم يوما فصاحت عجوز في
مجلسه؛ فقال لها: موتى؛ فقامت وخطت خطوات، ثم التفتت إليه وقالت: هأنا
قد متّ، ووقعت ميّتة. وكان يقول:
مكاشفات الأعيان بالأبصار، ومكاشفات القلوب بالاتصال. وفيها توفّى
الشيخ العابد القدوة أبو الخير التّيناتىّ «2» الأقطع صاحب الكرامات-
وتينات «3» : قرية من قرى أنطاكية، وقيل: هى على أميال من المصّيصة-
أقام بتينات مدّة سنين، وكان يسمّى الأقطع لأن يده كانت قطعت ظلما في
واقعة جرت له يطول الشرح فى ذكرها. ومن كراماته [أن] كانت الوحوش تأنس
به رضى الله عنه.
(3/308)
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة،
قال: وفيها توفّى أبو طاهر أحمد بن أحمد «1» بن عمرو المدينىّ، وأبو
علىّ إسماعيل بن محمد الصفّار في المحرّم، والمنصور إسماعيل ابن القائم
العبيدىّ الرافضىّ صاحب المغرب، وأبو الطيب محمد بن حميد الحورانىّ،
وأبو الحسن محمد «2» بن النّضر الرّبعىّ المقرئ ابن الأخرم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وعشر أصابع سواء.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 342]
السنة الثامنة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة اثنتين وأربعين
وثلثمائة- فيها جاء صاحب خراسان ابن محتاج إلى الرىّ محاربا لابن بويه
وجرت بينهما حروب وعاد إلى خراسان. وفيها عاد سيف الدولة بن حمدان من
الروم سالما غانما مؤيّدا، وقد أسر قسطنطين «3» بن الدّمستق ملك الروم،
ودخل سيف الدولة حلب وابن الدمستق بين يديه، وكان مليح الصورة، فبقى
عنده مكرما حتّى مات. وفيها توفّى القاسم بن [القاسم «4» بن] مهدىّ أبو
العباس السيّارىّ «5» ، كان من أهل مرو، كتب الحديث وتفقّه، وكان شيخ
أهل مرو وأوّل من تكلّم عندهم
(3/309)
فى حقائق الأحوال. ومن كلامه: من حفظ قلبه
مع الله بالصدق أجرى الله الحكمة على لسانه. وفيها توفّى أحمد بن إسحاق
بن أيّوب بن يزيد أبو بكر النّيسابورىّ الفقيه الشافعىّ المعروف
بالصّبغىّ، «1» سمع الحديث وروى عنه جماعة، وكان إماما فقيها عالما
عابدا؛ ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، وله تصانيف كثيرة في عدّة علوم،
منها: كتاب «الأسماء والصفات» وكتاب «الإيمان والقدر» وكتاب «فضائل
الخلفاء الأربعة» وعدّة تصانيف أخر. وفيها توفّى الحسن بن طغج بن جفّ
الأمير أبو المظفّر الفرغانىّ التركىّ أخو الإخشيذ. ولى إمرة دمشق من
قبل أخيه الإخشيذ مدّة، ثم عزله أخوه الإخشيذ وولّى أخاه عبيد الله بن
طغج مكانه. ثم ولى الحسن هذا إمرة دمشق مرّة أخرى من قبل ابن أخيه
أنوجور صاحب الترجمة، ثم ردّ الى الرملة فمات بها ودفن بالقدس. وكان
أميرا جليلا شجاعا مقداما، باشر الحروب وولى الأعمال الجليلة إلى أن
مات. وفيها توفّى عثمان بن محمد بن علىّ أبو الحسين الذهبىّ البغدادىّ،
سكن مصر وحدّث بها وبدمشق. وفيها توفّى علىّ بن محمد بن أبى الفهم داود
بن إبراهيم بن تميم أبو القاسم التّنوخىّ، أصله من ملوك تنوخ الأقدمين
من ولد قضاعة، ولد بأنطاكية في سنة ثمان وسبعين ومائتين، وهو صاحب كتاب
«الفرج بعد الشدّة» ؛ كان فقيها حنفيّا بارعا في الفقه والأصول والنحو،
وكان شاعرا فصيحا، وله ديوان شعر. وكانت وفاته بالبصرة في شهر ربيع
الأول. ومن شعره فى مليح دخل الحمّام:
رأيت في الحمّام بدر الدّجى ... وشعره الأسود محلول
قد عمّموه بدجى شعره ... ونقّطوا الفضّة باللول «2»
(3/310)
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة،
قال: وفيها توفّى أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيّوب الصبغىّ الشافعىّ،
وأحمد بن عبد الأسد الجذامىّ، وإبراهيم بن المولد «1» الزاهد، والحسن
بن يعقوب أبو الفضل البخارىّ، وعبد الرّحمن بن حمدان الهمذانىّ
الجلّاب، وأبو الحسن «2» محمد بن أحمد الأسوارىّ الأصبهانىّ، ومحمد بن
داود بن سليمان النّيسابورىّ الحافظ الزاهد.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 343]
السنة التاسعة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ثلاث وأربعين
وثلثمائة- فيها خطب أبو علىّ بن محتاج الى المطيع بخراسان ولم يكن خطب
له قبل ذلك، فبعث إليه المطيع بالخلع واللواء. وفيها مرض معزّ الدولة
أحمد بن بويه بعلّة الإنطاظ «3» الدائم وأرجف بموته واضطربت بغداد،
فركب معزّ الدولة بكلفة لتسكين الناس. وفيها كانت وقعة عظيمة بين سيف
الدولة بن حمدان وبين الدّمستق، وكان الدمستق قد جمع أمما من الترك
والروس والخزر، فكانت الدائرة عليه ولله الحمد، وقتل معظم بطارقته،
وهرب هو وأسر صهره وجماعة من بطارقته؛ وأمّا القتلى فلا يحصون؛ وغنم
سيف الدولة عسكرهم بما فيه. وفيها توفّى الأمير نوح بن نصر السامانىّ
عامل بخارى في جمادى الأولى. وأظنّ أن نوحا هذا من ذريّة نوح عامل
بخارى في زمن المأمون، الذي أهدى إليه طولون والد أحمد، وهذا أهداه
(3/311)
الى الخليفة عبد الله المأمون. وفيها توفّى
خيثمة بن سليمان بن حيدرة الحافظ أبو الحسن «1» القرشىّ الأطرابلسىّ
أحد الحفّاظ الثّقات المشهورين، ومولده سنة خمسين ومائتين، وقيل غير
ذلك؛ ومات في ذى القعدة من هذه السنة. وفيها توفّى محمد بن العبّاس بن
الوليد القاضى أبو الحسين البغدادىّ، كان فاضلا بارعا، مات ببغداد في
شوّال، وكان ثقة صدوقا.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد ابن
الزاهد أبى عثمان سعيد بن إسماعيل الحيرىّ، وخيثمة بن سليمان
الأطرابلسىّ، وعلىّ بن الفضل [بن إدريس «2» ] السامرىّ، وأبو الحسن
علىّ بن محمد [بن محمد «3» ] بن عقبة الشّيبانىّ.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ
الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 344]
السنة العاشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة أربع وأربعين
وثلثمائة- فيها تحرّك ابن محتاج صاحب خراسان على ركن الدولة الحسن بن
بويه، فنجده أخوه معزّ الدولة بجيش من العراق. وفيها في المحرّم عقد
معزّ الدولة بن بويه إمرة الأمراء لابنه أبى منصور بختيار. وفيها دخل
[محمد] بن ما كان «4» الديلمىّ أحد قوّاد صاحب خراسان الى أصبهان، فخرج
عن أصبهان أبو منصور بن ركن الدولة، فتبعه ابن ما كان، فأخذ خزائنه؛
وعارضه أبو الفضل بن العميد وزير ركن الدولة ومعه
(3/312)
القرامطة، فأوقعوا به وأثخنوه بالجراح
وأسروا قوّاده، وسار ابن العميد الى أصبهان.
وفيها وقع وباء عظيم بالرّىّ، وكان الأمير أبو علىّ بن محتاج صاحب
خراسان قد نزلها فمات في الوباء. وفيها فلج أبو الحسين علىّ بن أبى
علىّ بن مقلة وأسكت وله تسع وثلاثون سنة. وفيها زلزلت مصر زلزلة عظيمة
هدمت البيوت ودامت مقدار ثلاث ساعات زمانيّة، وفزع الناس الى الله
تعالى بالدعاء. وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو بكر بن
الحدّاد الكنانىّ المصرىّ الفقيه الشافعىّ شيخ المصريّين، ولد يوم وفاة
المزنىّ، وكان إماما فقيها له وجه في مذهب الشافعىّ رضى الله عنه.
وفيها توفّى شعلة بن بدر الأمير أبو العباس الإخشيذىّ، ولى إمرة دمشق
من قبل أبى القاسم أنوجو بن الإخشيذ، وكان شجاعا بطلا «1» قتل في
طبريّة في حرب كان بينه وبين مهلهل العقيلى. وفيها توفى محمد «2» بن
يعقوب بن يوسف الحافظ أبو عبد الله الشّيبانىّ النّيسابورىّ ابن الأخرم
«3» ، ويعرف أبوه بابن الكرمانىّ. قال الحاكم: كان أبو عبد الله صدرا
من أهل الحديث ببلادنا بعد أبى حامد بن الشّرقىّ، وكان يحفظ ويفهم،
وصنّف على صحيح البخارىّ ومسلم، وصنّف المسند الكبير؛ وسأله أبو العباس
بن السراج أن يخرّج له على صحيح مسلم ففعل ذلك. وفيها حجّ الناس من غير
أمير. وفيها توفّى محمد بن محمد بن يوسف بن الحجّاج الشيخ أبو النّضر
«4» الطّوسىّ الزاهد العابد، كان يصوم النهار ويقوم الليل ويتصدّق
بالفاضل من قوته،
(3/313)
ورحل [الى] البلاد في طلب الحديث وسمع الكثير، وكان يجزّئ الليل ثلاثة
أجزاء: جزءا لقراءة القرآن، وجزءا للتصنيف، وجزءا يستريح فيه.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين
أحمد ابن عثمان بن بويان «1» المقرئ، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن
هاشم الأذرعىّ «2» ، وأبو عمرو عثمان بن أحمد الدقّاق بن السّماك في
[شهر] ربيع الأول، وأبو بكر بن الحدّاد الكنانىّ محمد بن أحمد شيخ
الشافعيّة بمصر وله نحو ثمانين سنة، وأبو النّضر محمد بن محمد بن يوسف
الطّوسىّ الفقيه في شعبان، وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم
الحافظ، وأبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبرىّ الحافظ المفسّر
الأديب.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ أصابع. |