النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

*** [ما وقع من الحوادث سنة 345]
السنة الحادية عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة خمس وأربعين وثلثمائة- فيها أوقع الروم بأهل طرسوس وقتلوا وسبوا وأحرقوا قراها. وفيها زاد السلطان معزّ الدولة في إقطاع الوزير أبى محمد المهلّبىّ وعظم قدره عنده. وفيها خرج روزبهان «3» الدّيلمىّ على معز الدولة، فسيّر معزّ الدولة لقتاله الوزير المهلّبىّ؛ فلمّا كان

(3/314)


المهلّبىّ بقرب الأهواز تسلّل «1» رجال المهلّبىّ إلى روزبهان؛ فانحاز المهلّبىّ بمن معه الى حصن. فخرج معزّ الدولة بنفسه لقتال روزبهان المذكور، وانحدر معه الخليفة المطيع لله، فقاتله حتى ظفر به في المصافّ وفيه ضربات، وأسر قوّاده. وقدم معزّ الدولة بغداد وروزبهان بين يديه على جمل، ثم غرّق. وفيها غزا سيف الدولة بلاد الروم وافتتح حصونا وسبى وغنم وعاد الى حلب؛ ثم أغارت «2» الروم على نواحى ميّافارقين. وفيها توفّيت أمّ المطيع بعلّة الاستسقاء، وخرج المطيع في جنازتها في وجوه دولته وعظم عليه مصابها؛ وكانت تسمّى مشعلة «3» . وفيها توفّى على بن إبراهيم بن سلمة «4» بن بحر أبو الحسن القزوينىّ الحافظ القطّان. قال الخليلىّ: كان عالما بجميع العلوم والتفسير والفقه والنحو واللغة، ارتحل وسمع أبا حاتم الرازىّ، وإبراهيم [بن الحسين «5» بن ديزيل بن سيفنّة] ، ومحمد بن الفرج الأزرق، وخلقا سواهم؛ وانتهت اليه رياسة العلم وعلوّ السند بتلك الديار. ومولده سنة أربع وخمسين ومائتين، وروى عنه خلائق كثيرة. قال ابن فارس في بعض أماليه: سمعت أبا الحسن القطّان يقول: بعد ما علّمت سنة كنت حين رحلت أحفظ مائة ألف حديث، وأنا اليوم لا أقوم على حفظ مائة حديث. وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن على الشيخ الإمام المؤرّخ العلامة أبو الحسن المسعودىّ صاحب التاريخ المسمّى «بمروج الذهب» قيل: إنه من ذريّة ابن مسعود، وكان أصله من بغداد ثم أقام بمصر الى أن مات بها في جمادى الآخرة. قاله المسبّحىّ في تاريخه: وكان أخباريا علّامة صاحب

(3/315)


غرائب وملح ونوادر وله عدّة مصنّفات: التاريخ المقدّم ذكره وهو غاية في معناه، وكتاب «تحف الأشراف والملوك» وكتاب «ذخائر العلوم» و «كتاب الرسائل «1» » ، وكتاب «الاستذكار لما مرّ في سالف الأعصار» وكتاب «المقالات في أصول الديانات» وكتاب «أخبار الخوارج» وغير ذلك؛ ومات قبل أن يطول عمره. قال الذهبىّ وكان معتزليّا، فإنّه ذكر غير واحد من المعتزلة ويقول فيه: «كان من أهل العدل» . وله رحلة الى البصرة التى فيها أبو خليفة «2» . وفيها توفّى محمد بن عبد الواحد ابن أبى هاشم أبو عمر الزاهد الصالح، ولد سنة إحدى وستين ومائتين، وكان بارعا فى العربيّة والنحو واللغة عابدا غزير العلم.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفى أبو بكر أحمد بن سليمان ابن أيّوب العبّادانىّ «3» وله سبع وتسعون سنة، وأبو [بكر «4» ] أحمد بن عثمان بن غلام السبّاك «5» المقرئ، وإسماعيل بن يعقوب بن الجراب البزّاز «6» بمصر، وأبو أحمد «7» بكر بن محمد بن حمدان المروزىّ الصّيرفىّ، وأبو على الحسن بن [الحسين بن «8» ] أبى هريرة شيخ الشافعيّة ببغداد، وأبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد السّمرقندىّ، وأبو الحسن على بن إبراهيم بن سلمة القزوينىّ القطّان الزاهد؛ وله إحدى وتسعون سنة، وأبو عمر

(3/316)


الزاهد غلام ثعلب واسمه محمد بن عبد الواحد اللغوىّ، وأبو بكر محمد بن علىّ بن أحمد بن رستم الماذرائىّ بمصر، وله ثمان وثمانون سنة، وأبو بكر مكرم بن أحمد القاضى، والمسعودىّ صاحب مروج الذهب في جمادى الآخرة.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 346]
السنة الثانية عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ستّ وأربعين وثلثمائة- فيها كان بالرىّ ونواحيها زلازل عظيمة خارجة عن الحدّ، ثم خسف ببلاد الطّالقان في ذى الحجّة فلم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين رجلا، وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الرّىّ؛ واتصل الخسف الى حلوان، فخسف بأكثرها.
وقذفت الأرض عظام الموتى وتفجّرت منها المياه، وتقطّع بالرّىّ جبل، وعلّقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف نهار ثم خسف بها؛ وانخرقت الأرض خروقا عظيمة وخرج منها مياه نتنة ودخان عظيم. هكذا نقل الحافظ أبو الفرج ابن الجوزىّ في تاريخه. وفيها نقص البحر ثمانين ذراعا «1» وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعدّ. قلت: لعلّه البحر المالح، والله أعلم. وفيها توفّى محمد بن يعقوب ابن يوسف بن معقل بن سنان الحافظ أبو العبّاس الأموىّ النّيسابورىّ مولى بنى أمية المعروف بالأصمّ، صمّ بعد أن رحل الى البلاد وسمع الحديث، كان إماما محدّث عصره بلا مدافعة، حدّث ستّا وسبعين سنة، لأنّ مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، ومات في شهر ربيع الاخر وله تسع وتسعون سنة، وقد انتهت إليه رياسة أهل الحديث بخراسان.

(3/317)


الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسن أحمد ابن مهران «1» السّيرافىّ، وأحمد بن جعفر [بن أحمد «2» ] بن معبد السّمسار، وأحمد ابن محمد بن عبدوس، وسعيد بن فحلون «3» البيرىّ الأندلسىّ آخر أصحاب يوسف [بن يحيى «4» ] المغامىّ، وعبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأبو الحسين عبد الصمد ابن على الطّستىّ «5» ، وأبو يعلى عبد المؤمن بن خلف النّسفىّ، وأبو العبّاس محمد [بن أحمد «6» ] ابن محبوب المروزىّ، وأبو بكر محمد بن بكر بن محمد [بن عبد الرّزاق «7» ] بن داسة، وأبو منصور محمد بن القاسم العتكىّ، وأبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن خالد «8» البغدادىّ بما وراء النهر، وأبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصمّ في شهر ربيع الآخر وله تسع وتسعون سنة، وأبو الحزم وهب بن مسرّة التّميمىّ الحجارىّ «9» الأندلسىّ.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.

(3/318)


*** [ما وقع من الحوادث سنة 347]
السنة الثالثة عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة سبع وأربعين وثلثمائة- فيها عادت الزّلازل بحلوان وقمّ والجبال فقتلت «1» خلقا عظيما وهدمت [حصونا «2» ] ، ثم جاء بعد ذلك جراد طبّق الدنيا، فأتى على جميع الغلّات والأشجار. وفيها فى شهر ربيع الأول خرجت الروم إلى آمد وأرزن وميّافارقين «3» ففتحوا حصونا كثيرة وقتلوا خلائق كثيرة وهدموا سميساط. وفيها في شهر ربيع الآخر شغبت الترك والدّيلم بالموصل على ناصر الدولة بن حمدان وأحاطوا بداره؛ فحاربهم بغلمانه والعامّة، فظفر بهم فقتل جماعة وأمسك جماعة، وهرب أكثرهم الى بغداد. وفيها في شعبان كانت وقعة عظيمة بنواحى حلب بين الروم وسيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان، وانكسر سيف الدولة وقتلوا معظم رجاله وغلمانه وأسروا أهله، وهرب في عدد يسير.
وفيها سار معزّ الدولة بن بويه إلى الموصل فدخلها، فنزح عنها ناصر الدولة بن حمدان المقدّم ذكره وتوجّه إلى نصيبين، فسار معزّ الدولة وراءه إلى نصيبين «4» ، وخلّف على الموصل سبكتكين الحاجب ونزل على نصيبين؛ فسار ناصر الدولة بن حمدان إلى ميّافارقين بعد أن استأمن معظم عسكره إلى معزّ الدولة؛ فهرب ناصر الدولة إلى حلب مستجيرا بأخيه سيف الدولة؛ فأكرم سيف الدولة مورده وبالغ في خدمته. وجرت فصول إلى أن قدم في الرسالة أبو محمد القاضى بكتاب سيف الدولة إلى الموصل وتقرّر الأمر على أن يكون الموصل وديار «5» ربيعة والرّحبة «6» لسيف الدولة على مال يحمله في كلّ سنة، لأن معزّ الدولة لم يثق بناصر الدولة، فإنّه غدر به مرارا ومنعه الحمل، فقال معزّ

(3/319)


الدولة المذكور: أنت عندى ثقة، غير أنّه يقدّم لى ألف ألف درهم. ثم انحدر معز الدولة إلى بغداد، وتأخّر الوزير المهلّبىّ وسبكتكين الحاجب الموصل إلى أن يحمل ناصر الدولة مال التعجيل. وفيها توفّى قاضى دمشق أبو الحسن أحمد بن سليمان ابن أيّوب بن حذلم «1» الأسدىّ الأوزاعىّ المذهب، كان إماما عالما فقيها على مذهب الأوزاعىّ، وكان له حلقة بالجامع. وفيها توفّى علىّ بن أحمد بن سهل، ويقال:
علىّ بن «2» إبراهيم، أبو الحسن البوشنجىّ الزاهد شيخ الصوفيّة، صحب أبا عمرو الدمشقى وأبا العبّاس «3» بن عطاء، وسمع بهراة من محمد بن عبد الرّحمن الشامىّ والحسين ابن إدريس، وروى عنه أبو عبد الله الحاكم وأبو الحسن العلوىّ وعبد الله بن يوسف الأصبهانىّ. قال السّلمىّ: هو أحد أئمّة خراسان وله معرفة بعلوم عديدة. وكان أكثر الخراسانيّين تلامذته؛ وكان عارفا بعلوم القوم. قال الحاكم: وسمعته يقول وسئل ما التوحيد، قال: ألّا تشبّه «4» الذات، ولا تنفى الصفات. وفيها توفّى محمد بن الحسن «5» بن عبد الله [بن علىّ «6» ] بن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب أبو الحسن القرشىّ الأموىّ القاضى، ولى القضاء بمدينة السلام، ثم ولى أعمالا كثيرة فى أيّام المطيع، ثم صرف عن الجميع؛ وكان جوادا واسع الأخلاق كريما مع قبح سيرة فى الأحكام. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازىّ الحافظ، كان عالما فاضلا زاهدا ثقة صدوقا.

(3/320)


الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى القاضى أبو الحسن أحمد بن سليمان بن أيّوب بن حذلم الأسدىّ الأوزاعىّ المذهب. قلت: وقد تقدّم ذكره. قال: وأبو أحمد حمزة [بن محمد «1» ] بن العبّاس، والزبير بن عبد الواحد الأسداباذىّ «2» ، وعبد الله بن جعفر درستويه النحوىّ، وأبو الميمون عبد الرّحمن ابن عبد الله بن عمر بن راشد البجلىّ، والحافظ المؤرخ أبو سعيد عبد الرّحمن بن أحمد ابن يونس بن عبد الأعلى وله ستّ وستون سنة، وأبو الحسن «3» علىّ بن عبد الرّحمن ابن عيسى بن زيد بن مانى «4» الكوفى الكاتب، ومحمد بن أحمد بن الحسن الكسائىّ «5» الأصبهانىّ، ومحمد بن عبد الله بن جعفر أبو الحسين الرازى بدمشق، وأبو علىّ محمد ابن القاسم بن معروف الدّمشقى.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 348]
السنة الرابعة عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة ثمان وأربعين وثلثمائة- فيها خلع الخليفة المطيع على بختيار بن معزّ الدولة خلعة السلطنة، وعقد له لواء ولقّبه «عزّ الدولة «6» أمير الأمراء» . وفيها خرج محمد بن ناصر الدولة بن حمدان

(3/321)


فى سريّة نحو بلاد الروم، وكانت الروم قد وصلوا إلى الرّها وحران فأسروا أبا الهيثم ابن القاضى أبى الحصين، وسبوا وقتلوا. وفيها في سابع ذى القعدة غرق من الحجّاج الواردين من الموصل إلى بغداد في دجلة بضعة [عشر زورقا «1» ] فيها من الرجال والنساء نحو ستمائة نفس. وفيها مات ملك الروم وطاغيتهم الأكبر بالقسطنطينيّة وأقعد ابنه مكانه، ثم قتل ونصب في الملك غيره. وفيها وصلت الروم الى طرسوس، فقتلوا جماعة وفتحوا حصن الهارونيّة «2» وخرّبوا الحصن المذكور وقتلوا أهله، ثم كرّت الروم الى ديار بكر ووصلوا ميافارقين؛ فعمل في ذلك الخطيب عبد الرّحيم بن نباتة الخطب الجهاديّة. وفيها هرب عبد الواحد ابن الخليفة المطيع لله من بغداد الى دمشق. وفيها توفّى الوزير عبد الرّحمن بن عيسى بن داود بن الجرّاح. وفيها توفّى الشيخ أبو بكر أحمد ابن سليمان الفقيه النّجّاد شيخ الحنابلة؛ كان إماما عالما فقيها، مات في ذى الحجّة وله خمس وتسعون سنة. وفيها توفّى جعفر بن محمد بن نصير الخلدىّ «3» الزاهد المحدّث أبو محمد الخوّاص في شهر رمضان عن خمس وتسعين سنة وله ستّ وخمسون حجّة؛ صحب الجنيد وإليه كان منتميا وكان المرجع إليه في علوم القوم؛ حجّ قريبا من «4» ستّين حجة. قال: ما حججت إلّا على التوكّل «5» ، وكانت الأعطية حولى كثيرة. وفيها توفّى أبو بكر محمد بن جعفر الأدمىّ المحدّث القارئ كان فاضلا محدّثا مقرئا. وفيها توفّى جعفر بن حرب الوزير «6» ، كان جليل القدر يتقلّد كبار الأعمال؛ فاجتاز يوما بموكبه

(3/322)


فسمع قارئا يقرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)
، فصاح: بلى! والله قد آن؛ ونزل عن دابّته ودخل الماء ولم يخرج منه حتّى فرّق جميع أمواله، وبقى في الماء حتّى أعطاه رجل قميصا فلبسه وخرج إلى المسجد ولزم العبادة حتى مات.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثلاث عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 349]
السنة الخامسة عشرة من ولاية أنوجور على مصر، وهى سنة تسع وأربعين وثلثمائة، وهى السنة التى مات فيها أنوجور صاحب الترجمة كما تقدّم ذكره- فيها أوقع نجا غلام سيف الدولة بن حمدان بالروم فقتل وسبى وأسر. وفيها جرت وقعة هائلة ببغداد في شعبان بين السّنيّة والشّيعة، وتعطّلت الصلوات في الجوامع سوى جامع براثا «1» الذي يأوى إليه الرافضة. وكان جماعة بنى هاشم قد أثاروا الفتنة؛ فاعتقلهم معزّ الدولة بن بويه فسكنت الفتنة. وفيها ظهر ابن لعيسى بن المكتفى بالله بناحية أرمينية وتلقّب بالمستجير بالله، يدعو إلى الرّضى من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبس الصوف وأمر بالمعروف، ومضى إلى جبال الديلم فاستنصر بهم؛ فخرج معه جماعة منهم وساروا إلى أذربيجان، فاستولى المستجير بالله على عدّة بلدان؛ وبعض البلاد التى استولى عليها كانت في يد سلار الدّيلمىّ، فسار سلار فهزمه، ويقال: قتله، لأنه لم يظهر له حسّ بعد ذلك. وفيها في شوال عرض «2» للسلطان

(3/323)


معزّ الدولة أحمد بن بويه مرض كلاه فبال الدم، ثم احتبس بوله، ثم رمى حصى صغارا ورملا وأرجفوا بموته. وفيها جمع سيف الدولة بن حمدان جموعا كثيرة وغزا بلاد الروم فقتل وأسر وسبى، فسارت الروم وكثروا عليه، فعاد في ثلثمائة من خواصّه، وذهب جميع ما كان معه وقتل أعيان قوّاده، وخرج من ناحية طرسوس. وفيها مات أحمد بن محمد بن ثوابة كاتب ديوان الرسائل لمعزّ الدولة؛ فقلّد معزّ الدولة مكانه أبا إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ. وفيها أسلم من الترك مائتا الف خركاه «1» ، كذا ذكر أبو المظفّر سبط بن الجوزىّ. وفيها بذل القاضى الحسين بن محمد الهاشمىّ مائتى ألف درهم على أن يقلّد قضاء البصرة، فأخذ منه المال ولم يقلّد. قلت: يرحم الله من فعل معه ذلك وخاتله «2» ، ويرحم من يقتدى بفعله مع كلّ من يسعى في القضاء بالبذل والبرطيل «3» . وفيها توفّى الإمام أبو الوليد حسّان بن محمد الفقيه شيخ أهل الحديث والفقه بخراسان عن اثنتين وثمانين سنة. وفيها توفّى الحسين بن علىّ بن يزيد «4» ابن داود الحافظ أبو علىّ النيسابورىّ. قال الحاكم: هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف، ومولده في سنة سبع وسبعين ومائتين، وأوّل سماعه سنة أربع وتسعين ومائتين؛ ومات في جمادى الأولى. قال أبو عبد الرّحمن السّلمىّ: سألت الدارقطنىّ عن أبى علىّ النيسابورىّ فقال: إمام مهذّب. وفيها توفّى محمد بن جعفر [بن محمد] بن فضالة الأدمىّ القارئ صاحب الألحان، كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن يسمع صوته من فرسخ. قال محمد [بن عبد الله «5» ]

(3/324)


الأسدىّ، حججت أنا وأبو القاسم البغوىّ «1» وأبو بكر الأدمىّ، فلما صرنا بالمدينة وجدنا ضريرا قائما يروى أحاديث موضوعة؛ فقال بعضنا: ننكر عليه؛ فقال الأدمىّ: تثور علينا العامّة ولكن اصبروا وشرع يقرأ، فما هو إلّا أن أخذ يقرأ فانفضت العامة عن الضرير وجاءوا إليه، وسكت الضرير وكفى أمره.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحسين أحمد ابن عثمان الأدمىّ [العطشىّ «2» ] . وأبو الفوارس الصابونىّ أحمد بن محمد بن الحسين فى شوال وله خمس ومائة سنة، وأبو الوليد حسّان بن محمد الفقيه شيخ خراسان، والحسين بن علىّ بن يزيد النّيسابورىّ الحافظ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراسانىّ، وعبد الله بن محمد بن موسى الكعبىّ النيسابورىّ، وأبو طاهر عبد الواحد ابن عمر [بن محمد «3» ] بن أبى هاشم «4» شيخ القرّاء ببغداد، والقاضى أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسّال في رمضان، وأبو بكر محمد «5» بن عبد الله بن عمرويه الصفّار.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وتسع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء.
ذكر ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر
هو علىّ بن الإخشيذ محمد بن طغج بن جفّ الأمير أبو الحسن الفرغانىّ التركىّ.
ولى سلطنة مصر بعد موت أخيه أنوجور بن الإخشيذ محمد في يوم السبت عشرين «6»

(3/325)


ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. أقامه خادمه كافور «1» الإخشيذىّ الخصىّ في مملكة مصر باتفاق حواشى والده والجند، وأقرّه الخليفة المطيع لله على ذلك. وصار كافور الإخشيذىّ هو القائم بتدبير مملكته والمتصرّف فيها كما كان أيّام أخيه أنوجور. وجمع له الخليفة جميع ما كان لأبيه وأخيه من أعمال الديار المصريّة والممالك الشاميّة والثغور والحرمين الشريفين. وأطلق كافور لعلىّ هذا في السنة ما كان يطلقه لأخيه أنوجور؛ وهو في كلّ سنة أربعمائة ألف دينار. وقويت شوكة كافور بعد موت أنوجور وتولية علىّ هذا أعظم مما كانت أيّام أنوجور. ومولد علىّ المذكور (أعنى صاحب الترجمة) لأربع بقين من صفر سنة ستّ وثلثمائة. ودام علىّ هذا في الملك، وله الاسم فقط والمعنى لكافور، إلى سنة إحدى وخمسين وثلثمائة. [و] وقع بمصر الغلاء واضطربت أمور الديار المصريّة والإسكندرية بسبب المغاربة أعوان الخلفاء الفاطميّين الواردين إليها من المغرب، وتزايد الغلاء [وعزّ «2» وجود القمح] . ثم قدم القرمطىّ الى الشام في سنة اثنتين «3» وخمسين وثلثمائة ووقع له بها أمور، وعجز المصريّون عن دفعه عنها لشغلهم بالغلاء والمغاربة الفاطميّين. ومع هذا قلّ ماء النيل في هذه السنين فارتفعت الأسعار أكثر مما كانت عليه؛ ووهنت ضياع مصر وقراها من عدم زيادة النيل، وعظم الغلاء وكثرت الفتن؛ وسار ملك النوبة إلى أسوان ووصل الى إخميم وقتل ونهب وسبى وأحرق. وعظم اضطراب أعمال الديار المصريّة قبليّها وبحريّها. ثم فسد ما بين علىّ بن الإخشيذ صاحب مصر وبين مدبّر مملكته كافور الإخشيذىّ، ومنع كافور الناس من الاجتماع به، حتّى اعتل علىّ المذكور بعلّة أخيه أنوجور ومات لإحدى عشرة خلت من المحرّم سنة خمس وخمسين وثلثمائة، وحمل الى المقدس ودفن عند أبيه الإخشيذ وأخيه

(3/326)


أنوجور. وبقيت مصر من بعده أيّاما بغير أمير، وكافور يدبّر أمرها على عادته في أيّام أولاد الإخشيذ ومعه أبو الفضل جعفر بن الفرات. ثم ولى كافور إمرة مصر باتفاق أعيان الديار المصريّة وجندها. وكانت مدّة سلطنة علىّ بن الإخشيذ المذكور على مصر خمس سنين وشهرين ويومين.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 350]
السنة الأولى من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة خمسين وثلثمائة.
أعنى بذلك أنّه ولى في ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. وقد ذكرنا تلك السنة في أيّام أخيه أنوجور، فلذلك ذكرنا أن سنة خمسين وثلثمائة أوّل السنين لعلىّ هذا على مصر بهذا المقتضى- فيها (أعنى سنة خمسين وثلثمائة) دخل غلام «1» سيف الدولة بن حمدان الى بلاد الروم وسبى ألف نفس وغنم أموالا كثيرة.
وفيها أخذ ملك الروم أرمانوس «2» بن قسطنطين من المسلمين جزيرة أقريطش من بلاد المغرب. وكان الذي افتتح أقريطش عمر «3» بن شعيب، غزاها وافتتحها «4» فى حدود سنة ثلاثين ومائتين، وصارت في يد أولاده إلى هذا الوقت. وفيها شرع معزّ الدولة بن بويه في بناء دار هائلة عظيمة ببغداد وأخرب لأجلها دورا وقصورا، وقلع أبواب الحديد التى كانت على أبواب مدينة المنصور، وألزم الناس ببيع أملاكهم ليدخلها في البناء، ونزل في الأساسات ستّا وثلاثين ذراعا، فلزمه من الغرامات عليها الى أن مات ثلاثة عشر ألف ألف درهم، وصادر الدواوين وغيرها «5» ، وجعل كلّما حصّل له شىء أخرجه في بنائها. وقد درست هذه الدار من قبل سنة ستمائة،

(3/327)


ولم يبق لها أثر، وبقى مكانها دحلة «1» تأوى اليها الوحوش، وبقي شىء من الأساس يعتبر به من يراه. قلت: دار الظالم خراب ولو بعد حين. وفيها قلّد قضاء القضاة أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبى الشوارب، وركب بالخلع من دار معزّ الدولة وبين يديه الدبادب والبوقات وفي خدمته الجيش؛ وشرط على نفسه أن يحمل كلّ سنة الى خزانة معزّ الدولة مائتى ألف درهم، وكتب عليه بذلك سجلّا. فانظر الى هذه المصيبة!. وامتنع المطيع من تقليده ومن دخوله عليه، وأمر ألا يمكّن من الدخول عليه أبدا. وفيها أيضا ضمّن معزّ الدولة الحسبة والشرطة ببغداد.
وفيها في شعبان توفّى بمصر متولّى خراجها أبو بكر محمد بن على بن مقاتل، فوجدوا فى داره ثلثمائة ألف دينار مدفونة. وفيها توفّى الحسين «2» بن القاسم الإمام أبو علىّ الطبرىّ الشافعىّ الفقيه مصنّف «المحرّر» ، وهو أوّل كتاب صنّف في الخلاف؛ كان إماما عالما بارعا في عدّة فنون. وفيها توفّى الأمير عبد الملك بن نوح السامانىّ صاحب بلاد خراسان وغيرها، تقطّر «3» به فرسه فحمل ميّتا، ونصبوا مكانه أخاه منصور ابن نوح السامانىّ، وأرسل إليه الخليفة المطيع لله بالخلع والتقليد. وفيها توفّى محدّث بغداد الحافظ أبو سهل أحمد بن محمد بن [عبد الله بن «4» ] زياد القطّان في شعبان، كان إماما ورعا صوّاما قوّاما، سمع الحديث وروى الكثير، ومات وله إحدى وتسعون سنة. وفيها توفّى إسماعيل «5» بن علىّ بن إسماعيل الشيخ أبو محمد الخطبىّ، كان إماما

(3/328)


عالما أخباريّا محدّثا، كان يرتجل الخطب ويخطب بها. وفيها توفّى «1» محمد بن أحمد بن يوسف أبو الطيّب المقرئ، ويعرف بغلام ابن شنّبود- وقد تقدّم ذكر ابن شنبود في محلّه- كان إماما عارفا بالقراءات زاهدا. وفيها توفّى عبد الله «2» ابن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن الخليفة أبى جعفر المنصور الخطيب أبو جعفر الهاشمىّ العباسىّ خطيب جامع المنصور وابن خطيبه؛ كان عالى النسب من بنى العبّاس، كان في طبقة هارون الواثق في علوّ النسب. وفيها توفّى القاضى أبو السائب عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذانى، مولده بهمذان في سنة أربع وستين ومائتين، وكان أبوه تاجرا؛ ولى قضاء أذربيجان ثم قضاء همذان ثم آل به الأمر الى أن تقلّد قضاء القضاة؛ وكان إماما عالما، غلب عليه الزهد وسافر ولقى الجنيد في سفره وأخذ عنه؛ ثم تفقّه بجماعة من العلماء، وكان عالما فاضلا.
وفيها توفّى الأمير فاتك الإخشيذىّ المجنون أبو شجاع، وكان أكبر مماليك الإخشيذ، وولى إمرة دمشق، وكان فارسا شجاعا؛ كان رومىّ الجنس، وكان رفيقا للأستاذ كافور الإخشيذىّ. فلما صار كافور مدبّر مملكة أولاد الإخشيذ وعظم أمره، أنف فاتك هذا من المقام بمصر كيلا يكون كافور أعلى مرتبة منه، فانتقل من مصر الى إقطاعه وهو بلاد الفيّوم؛ وكان كافور يخافه ويكرهه؛ فلم يصحّ مزاج فاتك بالفيّوم ومرض وعاد إلى مصر فمات بها. وكان فاتك المذكور كريما جوادا. ولما قدم المتنبىّ إلى مصر سمع بعظمة فاتك وتكرّمه، فلم يجسر أن يمدحه خوفا من كافور.
وكان فاتك يراسله بالسلام ويسأل عنه. فاتفق اجتماعهما يوما بالصحراء، وجرت بينهما مفاوضات. فلما رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبىّ هديّة قيمتها ألف دينار،

(3/329)


ثم أتبعها بهدايا أخر. فاستأذن المتنبّى كافورا في مدحه فأذن له؛ فمدحه بقصيدته التى أوّلها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
ويأتى شىء من ذكر فاتك أيضا في ترجمة كافور إن شاء الله تعالى. ولما مات فاتك رثاه المتنبى أيضا. وفيها توفّى أبو وهب «1» الزاهد أحد المشهورين بالأندلس.
قال أبو جعفر أحمد [بن «2» ] عون الله [بن حدير «3» ] : سمعت أبا وهب يقول: «والله لا عانق الأبكار في جنّات النعيم والناس في الحساب إلّا من عانق الذلّ، وضاجع الصّبر، وخرج منها كما دخل فيها» . وفيها توفّى الناصر لدين الله أبو المطرّف صاحب الأندلس الملقّب بأمير المؤمنين؛ واسمه عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن الداخل، المقدّم ذكره، ابن معاوية، الأموىّ المروانىّ ثم الأندلسىّ؛ ولى الأمر بعد جدّه؛ وكان ذلك من غرائب الوجود لأنّه كان شابّا وبالحضرة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه؛ وتقدّم هو وهو ابن اثنتين وعشرين سنة. فاستقام له الأمر وبنى مدينة الزّهراء- وقد ذكرنا أمر بنائها في محلّه- ومات في هذه السنة. وكانت مدّة أيّامه خمسين سنة، وكان من أجلّ ملوك الأندلس.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.

(3/330)


*** [ما وقع من الحوادث سنة 351]
السنة الثانية من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة إحدى وخمسين وثلثمائة- فيها نقلت سنة خمسين وثلثمائة [من حيث الغلّات «1» ] إلى سنة إحدى وخمسين الخراجيّة، وكتب بذلك عن المطيع كتاب في هذا المعنى. فمنه أنّ السنة الشمسيّة خمسة وستون وثلثمائة يوم وربع بالتقريب؛ وأنّ السنة الهلاليّة أربعة وخمسون وثلثمائة وكسر؛ وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات «2» السنين على اختلاف مذاهبها، وفي كتاب الله تعالى شهادة «3» بذلك؛ قال الله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)
؛ فكانت هذه الزيادة هى المشار إليها.
وأما الفرس فإنّهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التى شهورها اثنا عشر شهرا وأيّامها ستون وثلثمائة يوم، ولقّبوا الشهور اثنى عشر لقبا، وسمّوا الأيّام بأسامىّ، وأفردوا الأيّام الخمسة الزائدة وسمّوها المشرقة، وكبسوا الرّبع في كلّ مائة وعشرين سنة شهرا؛ فلما انقرض ملكهم بطل ذلك. وفيها دخل الدّمستق ملك الروم عين «4» زربى في مائة وستّين ألفا- وعين زربى في سفح جبل مطلّ عليها- فصعد بعض جيشه الجبل، ونزل هو على بابها وأخذوا في نقب السور «5» ؛ فطلبوا الأمان فأمّنهم وفتحوا له فدخلها، وندم حيث أمّنهم؛ ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع. فلمّا

(3/331)


أصبح بثّ رجاله وكانوا مائة ألف «1» ، وكلّ من وجدوه في منزله قتلوه، فقتلوا عالما لا يحصى؛ ثم فعل في البلد تلك الأفاعيل القبيحة. وفيها عاد الدّمستق الى حلب؛ فخرج إليه سيف الدولة بغير استعداد وحاربه، فحاربه الدّمستق بمائتى ألف مقاتل، فانهزم سيف الدولة في نفر يسير؛ وكانت داره بظاهر حلب، فنزلها الدّمستق وأخذ منها ثلثمائة وتسعين بدرة دراهم، وأخذ منها ألفا وأربعمائة بغل؛ ومن السلاح ما لا يحصى، ثم نهبها الدّمستق وأحرقها ثم أحرق بلاد حلب. وقاتله أهل حلب من وراء السور فقتلوا جماعة من الروم، فسقطت قائمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم؛ فأكبّ الروم على تلك الثّلمة وقاتلوا حتى ملكوا حلب، ووضعوا فيها السيف حتّى كلّوا وملّوا، وأخربوا الجامع وأحرقوا ما عجزوا عن حمله؛ ولم ينج إلا من صعد القلعة؛ فألّح ابن أخت الملك في أخذ القلعة فقتل بحجر. وكان عند الدمستق ألف ومائتا أسير من أهل حلب فضرب أعناقهم. ثم عاد الى الروم ولم يعرض لأهل القرى، وقال لهم: ازرعوا فهذا بلدنا وعن قليل نعود إليكم. وفيها كتبت الشّيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية رضى الله عنه، ولعنة من غصب فاطمة رضى الله عنها حقّها من فدك «2» ، ولعنة من منع الحسن أن يدفن «3» مع جدّه

(3/332)


صلّى الله عليه وسلم؛ ثم محى في الليل. فأراد معز الدّولة إعادته؛ فأشار عليه الوزير المهلّبىّ أن يكتب مكان ما محى: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وصرّحوا بلعنة معاوية رضى الله عنه فقط. وفيها أسرت الروم أبا فراس بن سعيد ابن حمدان من مدينة منبج «1» ، وكان واليها. وفيها وقع بالعراق برد وزن البعض منه رطل ونصف بالعراقىّ. وفيها توفّى الوزير أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلّبىّ، أصله من بنى المهلّب بن أبى صفرة، أقام [فى «2» ] وزارة معزّ الدولة ثلاث عشرة سنة.
وكان فاضلا شاعرا فصيحا نبيلا سمحا جوادا ذا مروءة وكرم، وعاش أربعا وستيّن سنة. واستوزر معزّ الدولة عوضه أبا الفضل العبّاس «3» بن الحسن الشّيرازىّ. ثم صادر معزّ الدولة أولاد المهلّبىّ من بعد موته. وفيها توفى دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السّجزىّ «4» الفقيه العدل؛ ولد سنة ستّين ومائتين أو قبلها، وسمع الكثير. قال الحاكم «5» :
أخذ عن ابن خزيمة «6» المصنّفات، وكان يفتى بمذهبه، وكان شيخ الحديث، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكّة والعراق؛ مات في جمادى الآخرة وله نيّف وتسعون سنة.
وفيها توفّى عبد الباقى بن قانع بن مرزوق بن واثق أبو الحسين «7» الأموىّ مولاهم البغدادىّ الحافظ، سمع الكثير وروى عنه الدارقطنى وغيره، وصنّف معجم الصحابة، ومات في شوّال.

(3/333)


الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى إبراهيم بن علىّ أبو إسحاق الهجيمى، والحسن بن محمد الوزير أبو محمد المهلّبىّ، ودعلج بن أحمد السّجزىّ، وعبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد البغدادىّ بمصر، وعبد الباقى بن قانع أبو الحسين فى شوّال، وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقّاش في شوّال، وله خمس وثمانون سنة، وأبو جعفر محمد بن علىّ بن دحيم «1» الشّيبانىّ، وأبو محمد يحيى بن منصور قاضى نيسابور.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 352]
السنة الثالثة من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة- فيها في يوم عاشوراء ألزم معزّ الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطبّاخين من الطبخ، ونصبوا القباب في الأسواق وعلّقوا عليها المسوح، وأخرجوا النساء منشورات الشعور يقمن المأتم على الحسين بن علىّ رضى الله عنه. قلت: وهذا أوّل يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشّيعيّة ببغداد. وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه؛ ثم اقتدى به من جاء بعده من بنى بويه، وكلّ منهم رافضىّ خبيث.
نذكر ذلك كلّه فيما يأتى في الحوادث إن شاء الله تعالى. وفيها أصاب سيف الدولة علىّ بن عبد الله بن حمدان فالج في يده ورجله. وفيها قال ثابت بن سنان: أرسل بعض بطارقة الأرمن الى ناصر الدولة الحسن بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما

(3/334)


خمس وعشرون سنة ومعهما أبوهما؛ والالتصاق كان في الجنب، ولهما بطنان وسرّتان ومعدتان، وتختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما، وكلّ واحد منهما يكمل الخلق، وكان أحدهما يميل الى النساء والآخر الى المرد. وقال القاضى [علىّ بن الحسن «1» التنوخىّ] : ومات أحدهما وبقى أيّاما وأنتن وأخوه حىّ. فجمع ناصر الدولة الأطباء على أن يقدروا على فصلهما فلم يقدروا؛ ومات الآخر من رائحة الميّت بعد أيّام. وفيها قتل ملك الروم وصار الدّمستق هو الملك واسمه تقفور. وفيها توفّيت خولة أخت سيف الدولة بن حمدان بحلب؛ وهى التى رثاها المتنبى بقوله:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... كناية بهما عن أشرف النّسب
وفيها انتصرت الرّوم على الإسلام بكائنة «2» حلب وضعف أمر سيف الدولة بعد تلك الملاحم الكبار التى طيّر فيها لبّ العدوّ ومزّقهم. ولله الأمر.
وفيها خرج أيضا سيف الدولة غازيا، فسار الى حرّان «3» وعطف على ملطية، وقتل من الروم خلائق وملأ يده سبيا وغنائم، ولله الحمد. وفيها في شعبان ورد غزاة خراسان نحو ستمائة رجل الى الموصل يريدون الجهاد نجدة لأهل الموصل.
وفيها عبرت الروم الفرات لقصد الجزيرة؛ فتهيّأ ناصر الدولة بن حمدان لقتالهم. وفيها اجتمع أهل بغداد ووبّخوا الخليفة المطيع لله بكائنة حلب، وطلبوا منه أن يخرج بنفسه الى الغزو ويأخذ بثأر أهل حلب. وبينما هم في ذلك ورد الخبر بموت طاغية الرّوم وأن الخلف وقع بينهم فيمن يملّكونه عليهم، وأن أهل طرسوس غزوهم وانتصروا

(3/335)


عليهم وعادوا بغنائم «1» لم يرفى دهر مثلها؛ فآنتدب المسلمون لغزو الروم من كلّ جانب.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد «2» [بن عبيد بن أحمد] أبو بكر الحمصّىّ الصفار، وأبو الحسين أحمد بن محمود البيهقىّ، وأبو بكر محمد [بن محمد «3» ] بن أحمد بن مالك الإسكافىّ.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 353]
السنة الرابعة من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة- فيها عمل يوم عاشوراء كعام أوّل من المأتم والنّوح الى الضّحا، فوقعت فتنة عظيمة بين أهل السنّة والرافضة، وجرح جماعة ونهب الناس. وفيها نزل ملك الروم الدّمستق المصّيصة في جيش ضخم، فأقام أسبوعا ونقب السور من أماكن؛ وقاتله أهلها الى أن رحل عنها بعد أن أهلك الضّياع. وكان رحيله لشدّة الغلاء؛ فإنّ القحط كان بالشام والثغور. وفيها بعث القرامطة الى سيف الدولة يستهدونه حديدا؛ فسيّر اليهم شيئا كثيرا، وحمل ذلك إليهم في الفرات ثم في البرّية الى هجر.
وفيها خرج معزّ الدولة ابن بويه إلى الموصل لقتال ناصر الدولة بن حمدان، فلحقه ذرب شديد؛ وسار ناصر الدولة أمامه الى ميّا فارقين ثم عاد الى الموصل، واقتتل مع أعوان معزّ الدولة فاستأمن إليه الدّيلم واستأسر جميع الترك، وأخذ

(3/336)


حواصل معزّ الدولة وثقله. فعاد معزّ الدولة يريد الموصل فوقع له مع ناصر الدولة فصول ثم اصطلحوا؛ وعاد معزّ الدولة الى بغداد خائبا. وفيها عمل سيف الدولة ابن حمدان خيمة عظيمة ارتفاع عمودها خمسون ذراعا. وفيها ورد الخبر أنّ الروم يريدون [أذنة و «1» ] المصّيصة؛ فاستنجد أهل أذنة بأهل طرسوس فجاءوهم بخمسة عشر ألفا من فارس وراجل، فالتقوا واشتدّ القتال وانهزم المشركون، فركب المسلمون أقفية الروم واتبعوهم؛ فخرج للروم كمين نحو أربعة آلاف مقاتل، فتحيّز المسلمون الى تلّ هناك فقاتلوهم يومين؛ ثم كثر عليهم جموع الروم فاستأصلوهم، وحاصروا أهل المصّيصة ونقبوا سورها من مواضع، فقاتلهم المسلمون أشدّ قتال الى أن ترحّلوا عنها مخذولين. وفيها ملك المسلمون حصن «2» اليمانيّة وهو على ثلاثة فراسخ من آمد. وفيها جاء عسكر من الروم وكادوا أن يملكوا حصنا من نواحى حلب، فسار لحربهم عسكر سيف الدولة وقاتلوهم فلم يفلت من الروم أحد، وقتل منهم خمسمائة نفر، وتجرّح «3» المسلمون وخيولهم. ثم جاء الخبر بنزول الروم أيضا الى المصّيصة [والى طرسوس «4» ] مع تقفور ملك الروم، وأنهم في ثلثمائة ألف وعاثوا وأفسدوا؛ ثم ساروا لعظم القحط كما وقع لهم أوّلا؛ فتبعهم أهل المصّيصة وطرسوس فقتلوا وأسروا طائفة كثيرة من الروم. وفيها توفّى إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة الحافظ أبو إسحاق ابن حمزة الأصبهانىّ. قال أبو نعيم: كان أوحد زمانه في الحفظ لم ير بعد عبد الله ابن مظاهر «5» فى الحفظ مثله، جمع الشيوخ والسند؛ وتوفّى في سابع رمضان. وعمارة

(3/337)


جدّهم، هو ابن «1» حمزة بن يسار بن عبد الرّحمن بن حفص؛ وحفص هو أخو أبى مسلم الخراسانىّ صاحب الدولة العباسيّة. وفيها توفّى سعيد بن عثمان بن سعيد بن السّكن الحافظ أبو علىّ البغدادىّ ثم المصرىّ البزّاز؛ ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، وسمع بمصر والشام والجزيرة والعراق وخراسان وما وراء النهر، وكان كبير الشأن مكثرا متقنا مصنّفا بعيد الصيت، له تجارة في البريّة، ومات في المحرّم. وقد روى عنه صحيح البخارىّ [عبد الله «2» بن محمد] بن أسد الجهمىّ وأبو عبد الله محمد بن أحمد «3» ابن محمد بن يحيى بن مفرّج وأبو جعفر بن عون «4» الله. وفيها توفّى بندار «5» بن الحسين محمد بن المهلّب أبو الحسين الشّيرازىّ؛ كان يسكن بمدينة أرّجان، كان عالما بالأصول وله لسان في علوم الحقائق، وكان الشّبلىّ يعظّمه.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن حمزة الأصبهانىّ الحافظ في رمضان، وأبو عيسى بكّار بن أحمد [بن بكّار ابن بنان «6» ] المقرئ، وأبو علىّ سعيد بن عثمان [بن سعيد] بن السكن الحافظ بمصر،

(3/338)


وابن أبى «1» الفوارس شجاع بن جعفر الورّاق الواعظ في عشر والمائة، وعبد الله بن الحسن بن بندار الأصبهانىّ، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن العبّاس الفاكهىّ، وأبو القاسم علىّ بن يعقوب الهمذانىّ بن أبى العقب «2» فى ذى الحجّة عن اثنتين وتسعين سنة، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن خروف بمصر، وأبو علىّ محمد بن هارون ابن شعيب الأنصارىّ.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وأربع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 354]
السنة الخامسة من ولاية علىّ بن الإخشيذ على مصر، وهى سنة أربع وخمسين وثلثمائة- فيها عمل في يوم عاشوراء المأتم ببغداد كالسنة الماضية، ولم يتحرّك لهم السّنيّة خوفا من معزّ الدولة بن بويه. وفيها وثب غلمان سيف الدولة بن حمدان على غلامه نجا الكبير وضربوه بالسيوف، وكان أكبر غلمانه [و] مقدّم جيشه وغلمانه (أعنى مماليكه) . وفيها توفّيت أخت معزّ الدولة بن بويه ببغداد، فنزل الخليفة المطيع في طيّارة الى دار معزّ الدولة يعزّيه؛ فخرج إليه معزّ الدولة ولم يكلّفه الصعود من الطيّارة وقبّل الأرض مرّات، ورجع الخليفة الى داره. وفيها حجّ الركب من بغداد. وفيها بنى تقفور ملك الروم قيساريّة قريبا من بلاد المسلمين وسكنها. وكان الناس في هذه السنة الماضية «3» فى شغل بالغلاء والقحط بسائر بلاد حلب وديار بكر.

(3/339)


وفيها توفّى أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد أبو الطيب المتنبىّ الجعفىّ الكوفىّ الشاعر المشهور حامل لواء الشعر في عصره، ولد سنة ثلاث وثلثمائة وأكثر المقام بالبادية لاقتباس اللغة، ونظر في فنون الأدب، وتعاطى قول الشعر من صغره حتّى بلغ فيه الغاية، وفاق أهل زمانه؛ ومدح الملوك وسار شعره في الدنيا، ومدح سيف الدولة بن حمدان وكافورا الإخشيدىّ وغيرهما. وقال أبو القاسم التنوخىّ:
وقد كان خرج المتنبىّ الى كلب «1» وأقام فيهم وادّعى أنه علوىّ، ثم ادّعى بعد ذلك النبوّة، الى أن شهد عليه بالكذب في الدعويين وحبس دهرا وأشرف على القتل، ثم استتابوه وأطلقوه. وقال: وحدّثنى أبى الى أن قال: وكان المتنبّى قرأ على البوادى «2» كلاما ذكر أنّه قرآن أنزل عليه، نسخت منه سورة فصاحته، وبقى أوّلها فى حفظى، وهو:" والنجم السيّار، والفلك الدوّار، والليل والنهار، [إنّ «3» ] الكافر لفى أخطار؛ امض على سننك واقف أثر من كان قبلك من المسلمين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في الدين، وضلّ عن السبيل". قال: وكان المتنبىّ ينكر ذلك ويجحده.
وقال له ابن خالويه «4» النحوىّ يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضى أن يدعى المتنبّى، لأن المتنبّى معناه كاذب؛ [ومن رضى أن يدعى «5» بالكاذب فهو جاهل] . فقال: إنى لم أرض أن أدعى به. انتهى. ومن شعر المتنبىّ- وهو أشهر من أن يذكر- قوله:

(3/340)


وما أنا بالباغى على الحبّ رشوة ... قبيح «1» هوى يرجى عليه ثواب
إذا نلت منك الودّ فالمال هيّن ... وكلّ الذي فوق التراب تراب
ومن [شعره «2» ]- وهو البيت الذي ذكروا أنه ادّعى النبوّة فيه-:
ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ
ومن [شعره «3» ] قصيدته التى أوّلها:
لك يا منازل في القلوب منازل
ومنها:
جمح الزمان فلا لذيذ خالص ... مما يشوب ولا سرور كامل
فإذا أتتك مذمّتى من ناقص ... فهى الشهادة لى بأنّى فاضل
وهذا البيت الأخير الذي وقع لأبى العلاء المعرىّ مع الشريف المرتضى «4» الموسوىّ ما وقع بسببه.

(3/341)


ومن شعر المتنبىّ قصيدته التى أولها:
أجاب دمعى وما الداعى سوى طلل ... [دعا فلبّاه قبل الركب «1» والإبل]
فمنها قوله:
والهجر أقتل لى ممّا «2» أراقبه ... أنا الغريق فما خوفى من البلل
ومنها:
لعلّ عتبك محمود عواقبه ... فربّما صحّت الأجسام بالعلل
ويعجبنى قوله «3» من شعره:
خير أعضائنا الرءوس ولكن ... فضلتها بقصدك الأقدام
وما أحسن مطلع قصيدته:
إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
ومنها:
فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم
ومنها:
وكلّ شجاعة في المرء تغنى ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والعلوم
مات المتنبىّ قتيلا بالنّعمانيّة «4» . وفيها توفّى محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان الحافظ العلامة أبو حاتم التّميمى البستىّ صاحب التصانيف المشهورة، كان عالما بالفقه

(3/342)


والحديث والطبّ والنجوم وفنون من العلوم، وألّف «المسند الصحيح» و «التاريخ» و «الضعفاء» . قال الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ. وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه «1» أبو بكر البزّاز «2» الشافعىّ المحدّث، ولد سنة ستين ومائتين وسكن بغداد، وسمع الكثير وحدّث، روى عنه الدارقطنىّ وجماعة.
الذين ذكر الذهبى وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفىّ المتنبّى وله إحدى وخمسون سنة، وأبو حاتم محمد بن حبّان ابن أحمد التّميمىّ البستىّ في شوّال، وأبو بكر محمد بن الحسن «3» بن يعقوب بن مقسّم العطّار المقرئ، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعىّ البزّاز في ذى الحجّة وله خمس وتسعون سنة.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وخمس أصابع. مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا.
انتهى الجزء الثالث من النجوم الزاهرة ويليه الجزء الرابع وأوّله ذكر ولاية كافور الإخشيذى على مصر

(3/343)


[الجزء الرابع]
بسم الله الرّحمن الرّحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحابته والمسلمين الجزء الرابع من كتاب النجوم الزاهرة
[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 354]
ذكر ولاية كافور الإخشيذىّ على مصر
الأستاذ أبو المسك كافور بن عبد الله الإخشيذىّ الخادم الأسود الخصىّ صاحب مصر والشام والثغور، اشتراه سيّده أبو بكر محمد الإخشيذ بثمانية عشر دينارا من الزيّاتين، وقيل: من بعض رؤساء مصر، وربّاه وأعتقه؛ ثم رقّاه حتّى جعله من كبار القوّاد لمّا رأى منه الحزم والعقل وحسن التدبير. ولمّا مات الإخشيذ فى سنة خمس وثلاثين وثلثمائة، أقام كافور هذا أبناءه واحدا بعد واحد. وكان الذي ولّى أوّلا أبا القاسم أنوجور بن الإخشيذ- ومعنى أنوجور بالعربية محمود- وقد تقدّم ذلك كلّه. فدام أنوجور في الملك إلى أن مات في يوم السبت لثمان خلون من ذى القعدة سنة تسع وأربعين وثلثمائة. ثم بعد موت أنوجور أقام أخاه أبا الحسن علىّ بن الإخشيذ كما تقدّم ذكر ذلك كلّه في ترجمتهما. وكان كافور هذا هو مدبّر ملكهما. ودخل كافور في أيّام ولايتهما في ضمان البلاد مع الخليفة، ووفّى بما ضمنه.
ولمّا مات الإخشيذ اضطربت أحوال الديار المصريّة، فخرج كافور منها بآبنى الإخشيذ وتوجّه بهما إلى الخليفة المطيع لله، وأصلح أمرهما معه، والتزم كافور

(4/1)


للخليفة بأمر الديار المصريّة، ثم عاد كافور بهما إلى الديار المصريّة. وكان غلبون قد تغلّب على مصر بعد موت الإخشيذ في غيبة كافور لمّا توجّه إلى العراق؛ فقدم كافور إلى مصر وتهيّأ لحرب غلبون المذكور وحاربه وظفر به وقتله، وأصلح أحوال الديار المصريّة؛ واستمر مدبّرها إلى أن مات أنوجور وتولّى أخوه علىّ؛ ثم مات علىّ أيضا في سنة خمس وخمسين وثلثمائة؛ واستقل كافور بالأمر وخطب له على المنابر وتمّ أمره.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ في تاريخ الإسلام: كافور الإخشيذىّ الحبشىّ الأستاذ السلطان أبو المسك اشتراه الإخشيذ من بعض رؤساء مصر، كان أسود بصّاصا «1» . ثم ساق الذهبىّ نحو ما حكيناه، إلى أن قال: تقدّم عند الإخشيذ صاحب مصر لعقله ورأيه وسعده إلى أن صار من كبار القوّاد، وجهّزه الإخشيذ فيّ جيش لحرب سيف الدولة بن حمدان. ثم إنه لمّا مات أستاذه صار أتابك «2» ولده أبى القاسم أنوجور وكان صبيّا؛ فغلب كافور على الأمر، وبقى الاسم لأبى القاسم والدّست «3» لكافور، حتّى قال وكيله: خدمت كافورا وراتبه في اليوم ثلاث عشرة جراية، وتوفّى وقد بلغت جرايته على يدى في كلّ يوم ثلاثة عشر ألف جراية. قلت: وهو أتابك السلطان أنوجور، أمّا لمّا استقلّ بالملك فكان أكثر من ذلك.
وقال أبو المظفّر في تاريخه مرآة الزمان: كان كافور شجاعا مقداما جوادا يفضل على الفحول. وقصده المتنبىّ ومدحه فأعطاه أموالا كثيرة، ثم فارقه إلى

(4/2)


العراق. وقال أبو الحسن بن أذين «1» النحوىّ: حضرت مع أبى مجلس كافور وهو غاصّ بالناس، فقام رجل «2» فدعا له، وقال في دعائه: أدام الله أيّام مولانا (بكسر الميم من أيّام) فأنكر كافور والحاضرون ذلك؛ فقام رجل «3» من أوساط الناس فقال:
لا غرو إن لحن الداعى لسيّدنا ... أو غصّ من دهش «4» بالريق أو بهر
ومثل سيّدنا حالت مهابته ... بين البليغ وبين القول بالحصر
فإن يكن خفض الأيام من غلط ... فى موضع النصب لا من قلّة البصر
فقد تفاءلت من هذا لسيّدنا ... والفأل مأثورة عن سيّد البشر
بأنّ أيامه خفض بلا نصب ... وأنّ أوقاته صفو بلا كدر
فعجب الحاضرون من ذلك، وأمر له كافور بجائزة.
وقال أبو جعفر مسلم بن عبيد الله بن طاهر العلوىّ النّسابة: ما رأيت أكرم من كافور! كنت أسايره يوما وهو في موكب «5» خفيف يريد التنزّه وبين يديه عدّة جنائب بمراكب ذهب وفضة وخلفه بغال المراكب؛ فسقطت مقرعته من يده ولم يرها ركابيّته «6» ، فنزلت عن دابّتى وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه؛ فقال:
أيّها الشريف، أعوذ بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت أن الزمان يبلّغنى حتى تفعل بى أنت هذا! وكاد يبكى؛ فقلت: أنا صنيعة الأستاذ ووليّه. فلما بلغ باب داره ودّعنى؛ فلما سرت التفتّ فإذا بالجنائب والبغال كلّها خلفى؛ فقلت: ما هذا؟

(4/3)


قالوا: أمر الأستاذ أن يحمل مركبه كلّه إليك، فأدخلته دارى؛ وكانت قيمته تزيد على خمسة عشر ألف دينار. وراوى هذه الحكاية مسلم بن عبيد الله المذكور من صالحى الأشراف.
ووقع له حكاية غريبة نذكرها في ضمن هذه الترجمة، ثمّ نعود إلى ما نحن فيه من ترجمة كافور، وهى «1» أنّه كان لمسلم بن عبيد الله المذكور غلام قد ربّاه من أحسن الغلمان، فرآه بعض القوّاد فبعث إليه ألف دينار مع رجل، وقال له: اشتر لى منه هذا الغلام؛ قال الرجل: فوافيته- يعنى الشريف مسلم ابن عبيد الله- فى الحمّام ورأيت الغلام عريانا فرأيت منظرا حسنا؛ فقلت فى نفسى: لا شكّ أنّ الشريف لا يفوته هذا الغلام، وأدّيت الرسالة؛ فقال الشريف ما دفع فيه «2» هذا الثمن إلّا وهو يريد [أن «3» ] يعصى الله فيه، ارجع إليه بماله فلا أبيعه.
فعدت إليه وأخبرته ونمت تلك الليلة، فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام، فسلّمت عليه فما ردّ علىّ، وقال: ظننت في ولدى مسلم الخنا مع الغلام امض إليه واسأله أن يجعلك في حلّ. فلما طلع الفجر مضيت إليه وأخبرته وبكيت وقبّلت يديه ورجليه وسألته أن يجعلنى في حلّ؛ فبكى وقال: أنت في حلّ والغلام حرّ لوجه الله تعالى.
وأمّا كافور فإنّه لمّا صار قبل سلطنته مدبّر الممالك المصرية وعظم أمره أنف من ذلك خشداشه «4» الأمير أبو شجاع فاتك الرومىّ الإخشيذىّ المقدّم ذكره في سنة نيّف وخمسين وثلثمائة. وكان فاتك يعرف بالمجنون، وكان الإخشيذ قد اشترى

(4/4)


فاتكا هذا من أستاذه بالرملة كرها وأعتقه، وحظى عند الإخشيذ، وكان رفيقا لكافور هذا، وهو الأعظم مع طيش وخفّة وحبورة، وكان كافور عاقلا سيوسا؛ فكان كلّما تزايد أمر كافور وعظم يزيد جنون فاتك وحسده، فلا يلتفت كافور إليه بل يدرّ عليه الإحسان ويراعيه إلى الغاية. وكان الفيّوم إقطاع فاتك المجنون، فاستأذن فاتك كافورا أن يتوجّه إلى إقطاعه بالفيّوم ويسكن هناك حتى لا يرى عظمة كافور؛ فأذن له كافور في ذلك وودّعه؛ فخرج فاتك إلى الفيّوم، فلم يصحّ مزاجه بها لو خامتها «1» فعاد بعد مدّة مريضا إلى مصر ليتداوى بها. وكان المتنبىّ الشاعر بمصر قد مدح كافورا بغرر القصائد، فسمع المتنبىّ بكرم المجنون فأحبّ أن يمدحه ولم يجسر خوفا من كافور. وكان كافور يكره فاتّكا في الباطن ويخافه، وصار فاتك يراسل المتنبىّ ويسأل عنه إلى أن اتّفق اجتماعهما يوما بالصحراء وجرت بينهما مفاوضات. فلمّا رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبىّ بهديّة قيمتها ألف دينار، ثم أتبعها بهدايا أخر.
فاستأذن المتنبىّ كافورا في مدح فاتك فأذن له خوفا من فاتك وفي النفس شىء من ذلك؛ فمدحه المتنبىّ بقصيدته التى أوّلها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
إلى أن قال:
كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس قلت وما للشمس أمثال
فحقد كافور على المتنبّى لذلك، وفطن المتنبىّ بعدوانه. فخرج من مصر هاربا، وكان هذا سببا لهجو المتنبىّ كافورا بعد أن كان مدحه بعدّة مدائح، على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.

(4/5)


قال الذهبىّ: وكان كافور يدنى الشعراء ويجيزهم، وكان تقرأ عنده في كلّ ليلة السّير وأخبار الدولة الأموية والعباسيّة وله ندماء، وكان عظيم الحرمة وله حجاب يمتنع «1» عن الأمراء، وله جوار مغنّيات، وله من الغلمان الروم والسّود ما يتجاوز الوصف؛ زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيذ؛ وكان كريما كثير الخلع والهبات خبيرا بالسياسة فطنا ذكيّا جيّد العقل داهية؛ كان يهادى المعزّ صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبنى العبّاس ويدارى ويخدع هؤلاء وهؤلاء وتمّ له الأمر.
وكان وزيره أبو الفضل جعفر بن الفرات راغبا في الخير وأهله. ولم يبلغ أحد من الخدّام ما بلغ كافور؛ وكان له نظر في العربيّة والأدب والعلم. وممّن كان في خدمته أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله النّجيرمىّ «2» النحوىّ صاحب الزّجاج. وقال إبراهيم بن إسماعيل إمام مسجد الزبير: كان كافور شديد الساعد لا يكاد أحد يمدّ قوسه، فإذا جاءوه برام دعا بقوسه [وقال: ارم عليه «3» ] ؛ فإن أظهر الرجل العجز ضحك وقدّمه وأثبته؛ وإن قوى على مدّها واستهان بها عبس وسقطت منزلته من عنده. ثم ذكر له حكايات تدلّ على أنه كان مغرى بالرمى. قال: وكان يداوم الجلوس غدوة وعشيّة لقضاء حوائج الناس، وكان يتهجّد ويمرّغ وجهه ساجدا ويقول: اللهمّ لا تسلّط علىّ مخلوقا. انتهى.

(4/6)


قلت: ونذكر حينئذ «1» أحوال المتنبىّ معه وما مدحه به من القصائد. لما فارق المتنبىّ سيف الدولة بن حمدان مغاضبا له، قصد كافورا الإخشيذىّ ودخل مصر ومدحه بقصيدته التى منها:
قواصد كافور توارك غيره ... ومن ورد «2» البحر استقلّ السواقيا
فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... وخلّت بياضا خلفها ومآقيا
وهو أوّل مديح قاله فيه، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلثمائة.
وقال ابن خلّكان: وأنشده أيضا في شوّال سنة سبع وأربعين وثلثمائة قصيدته البائية «3» التى يقول فيها:
وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملى علىّ فأكتب «4»
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه ... ويممّ كافورا فما يتغرّب
ومنها أيضا:
فإن لم يكن إلّا أبو المسك أوهم ... فإنّك أحلى في فؤادى وأعذب
وكلّ امرئ يولى الجميل محبّب ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيّب
وآخر شىء أنشده في شوّال سنة تسع وأربعين وثلثمائة- ولم يلقه بعدها- قصيدته البائيّة:
أرى لى بقربى منك عينا قريرة ... وإن كان قربا بالبعاد يشاب

(4/7)


وهل نافعى أن ترفع الحجب بيننا ... ودون الذي أمّلت منك حجاب
أقلّ سلامى حبّ ما خفّ عنكم ... وأسكت كيما لا يكون جواب
ومنها:
وما أنا بالباغى على الحبّ رشوة ... ضعيف هوى يبغى عليه ثواب
وما شئت ألا أن أدلّ عواذلى ... على أنّ رأيى في هواك صواب
وأعلم قوما خالفونى فشّرقوا ... وغرّبت أنى قد ظفرت وخابوا
ومنها:
وإنّ مديح الناس حقّ وباطل ... ومدحك حقّ ليس فيه كذاب
إذا نلت منك الودّ فالمال هيّن ... وكلّ الذي فوق التراب تراب
وما كنت لولا أنت إلّا مهاجرا ... له كلّ يوم بلدة وصحاب
ولكنّك الدنيا إلىّ حبيبة ... فما عنك لى إلّا إليك ذهاب
وأقام المتنبىّ بعد إنشاد هذه القصيدة سنة لا يلقى كافورا غضبا عليه، لكنه يركب في خدمته [خوفا منه «1» ] ولا يجتمع به؛ واستعدّ للرحيل في الباطن وجهّز جميع ما يحتاج إليه. وقال في يوم عرفة قبل مفارقته مصر بيوم واحد قصيدتّه الداليّة التى هجا كافورا فيها. وفي آخر هذه القصيدة المذكورة يقول:
من علّم الأسود المخصىّ مكرمة ... أقومه البيض أم آباؤه الصّيد
أم أذنه في يد النخّاس دامية ... أم قدره وهو بالفلسين مردود
ومنها:
وذاك أنّ الفحول البيض عاجزة ... عن الجميل فكيف الخصية السّود

(4/8)


وله فيه أهاج كثيرة تضمّنها ديوان شعره. ورحل المتنبىّ من مصر إلى عضد الدّولة بن بويه.
وقال ابن زولاق: أقام كافور الإخشيذىّ الأستاذ إحدى وعشرين سنة وشهرين وعشرين يوما- يعنى أقام مدبّر مملكة مصر- من قبل ولدى أستاذه، وهما أنوجور وعلىّ ابنا الإخشيذ محمد بن طغج، وأقام هو فيها سنتين وأربعة أشهر وسبعة أيّام ملكا مستقلّا بنفسه. قلت: ونذكر ذلك محرّرا بعد ذلك. قال ابن زولاق: وكان كافور ديّنا كريما. وسماطه، على ما ذكره صاحب كنز الدّرر «1» ، فى اليوم: مائتا خروف كبار، ومائة خروف رميس، ومائتان وخمسون إوزّة، وخمسمائة دجاجة، وألف طير من الحمام، ومائة صحن حلوى كلّ صحن عشرة أرطال، ومائتان وخمسون قرابة أقسما «2» .
قال: ولما توفّى كافور اجتمع الأولياء وتعاقدوا وتعاهدوا ألّا يختلفوا، وكتبوا بذلك كتابا ساعة توفّى كافور وعقدوا الولاية لأحمد بن علىّ الإخشيذ، وكان إذ ذاك صبيّا ابن إحدى عشرة سنة- وكافور بعد في داره لم يدفن- ودعى له على المنابر بمصر وأعمالها والشامات والحرمين، ثم من بعده للحسن

(4/9)


ابن عبيد الله. ثم عقد للحسن بن عبيد الله المذكور على بنت عمّه فاطمة بنت الإخشيذ بوكيل سيّره من الشام؛ وجعل التدبير بمصر فيما يتعلّق بالأموال إلى الوزير أبى الفضل جعفر بن الفرات، وما يتعلّق بالرجال والعساكر لسمول «1» الإخشيذىّ صاحب الحمّام بمصر. وكلّ ذلك كان في يوم الثلاثاء لعشر بقين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلثمائة. انتهى كلام ابن زولاق رضى الله عنه.
وأمّا وفاة كافور المذكور فإنّه توفّى بمصر في جمادى الأولى سنة ستّ وخمسين وثلثمائة، وقيل: سنة سبع وخمسين وثلثمائة، وقيل: سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، والأصحّ سنة سبع وخمسين وثلثمائة، قبل دخول القائد جوهر المعزّىّ إلى مصر. وقيل:
إنّه لمّا دخل جوهر القائد إلى مصر خرج منها كافور هذا؛ وليس بشىء، والأوّل أصحّ. وملك بعده أحمد بن علىّ بن الإخشيذ الآتى ذكره. وعاش كافور بضعا وستين سنة، وكانت إمارته على مصر اثنتين وعشرين سنة، منها استقلالا بالملك سنتان وأربعة أشهر، خطب له فيها على منابر مصر والشام والحجاز والثغور، مثل طرسوس والمصّيصة وغيرهما، وحمل تابوته إلى القدس فدفن به؛ وكتب على قبره:
ما بلل قبرك يا كافور منفردا ... بالصحصح المرت «2» بعد العسكر اللّجب
يدوس قبرك آحاد الرجال وقد ... كانت أسود الشّرى تخشاك في الكتب
وقال الوليد بن بكر العمرىّ وجدت على قبر كافور مكتوبا:
انظر إلى عبر الأيّام ما صنعت ... أفنت أناسا بها كانوا وما فنيت «3»
دنياهم ضحكت أيّام دولتهم ... حتّى إذا فنيت ناخت لهم وبكت

(4/10)