النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 435]
السنة الثامنة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس وثلاثين
وأربعمائة.
فيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها.
وفيها توفّى الحسين بن عثمان بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبد العزيز أبى
دلف أبو سعد العجلىّ، كان إماما محدّثا، سافر إلى خراسان ثمّ عاد إلى
بغداد وحدّث بها، ثم انتقل إلى مكّة فتوفّى بها فى شوّال.
(5/36)
وفيها توفّى عبيد الله بن أحمد بن عثمان بن
الفرج بن الأزهر أبو القاسم الصّيرفىّ «1» المحدّث، كان صالحا ثقة
مكثرا فى الحديث.
وفيها توفّى السلطان أبو طاهر جلال الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد
الدولة بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه. ولد سنة ثلاث وثمانين
وثلثمائة.
وكان ملكا محبّبا للرعيّة حسن السيرة، وكان يحبّ الصالحين. ولقى فى
سلطنته من الأتراك شدائد. ومات ليلة الجمعة خامس شعبان، وغسّله أبو
القاسم بن شاهين الواعظ وأبو محمد عبد القادر بن السمّاك، ودفن بداره
فى دار المملكة فى بيت كان دفن فيه عضد الدولة وبهاء الدولة قبل نقلهما
إلى الكوفة، ثم نقل بعد سنة إلى مقابر قريش. وكان عمره لمّا مات إحدى
وخمسين سنة وشهرا؛ ومدّة ولايته على بغداد ستّ عشرة سنة وأحد عشر شهرا.
ولمّا مات كان ابنه الملقّب بالملك العزيز بواسط، فكتب إليه الخليفة
القائم بأمر الله يعزّيه فيه. قلت: وجلال الدولة هذا أحسن بنى بويه
حالا إن لم يكن رافضيّا على قاعدتهم النّجسة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع واثنتان وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وستّ أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 436]
السنة التاسعة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ست وثلاثين
وأربعمائة.
فيها دخل أبو كاليجار بغداد ولم يخرج الخليفة القائم بأمر الله إلى
لقائه، فنزل فى دار المملكة وأخرج منها عيال جلال الدولة، وضرب
الدّبادب على بابه
(5/37)
فى أوقات الصلوات الخمس؛ فروسل بالاقتصار
على ثلاثة أوقات، كما كانت العادة، فلم يلتفت إلى رسول الخليفة،
واستمرّت الدّبادب فى خمسة أوقات.
وفيها توفّى الحسين بن علىّ بن محمد بن جعفر أبو عبد الله الصّيميرىّ
«1» العلّامة.
ولد سنة إحدى وخمسين وثلثمائة، وكان أحد الفقهاء الحنفيّة الأعلام؛ كان
جيّد النظر حسن العبارة وافر العقل صدوقا ثقة، انتهت إليه رياسة
الحنفية ببغداد، وولى القضاء بالمدائن وغيرها؛ وكان فى ولايته نزها
عفيفا ديّنا ورعا. مات ليلة الأحد حادى عشرين شوّال ودفن فى داره بدرب
الزرّادين «2» .
وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن أبو محمد الأصبهانىّ ويعرف
بابن اللبّان، كان صائما قائما صدوقا ثقة أحد أوعية العلم، وله
التصانيف الحسان.
وفيها توفّى علىّ بن الحسن بن إبراهيم أبو الحسن الصوفىّ الوكيل، كان
ديّنا خيّرا، سكن مصر، وبها كانت وفاته فى شعبان.
وفيها توفّى محمد بن أحمد بن بكير أبو بكر التّنوخىّ الخيّاط الدمشقى،
كان يؤمّ بمسجد أبى صالح خارج الباب الشرقىّ بدمشق، وكان صالحا ثقة.
وفيها توفّى محمد بن علىّ بن الطيّب أبو الحسين البصرىّ المتكلم، سكن
بغداد ودرس بها على مذهب المعتزلة، وله تصانيف كثيرة «3» : منها
«المعتمد فى أصول الفقه «4» » لم يصنّف فى فنه مثله.
(5/38)
وفيها توفّى محسّن بن محمد بن العبّاس
الشريف الحسينىّ، كان نقيب الطالبيّين بدمشق، وولى القضاء بها بعد أخيه
لأمّه فخر الدولة «1» نيابة عن أبى [محمد القاسم «2» بن] النّعمان قاضى
قضاة خليفة مصر. ومات بدمشق فى المحرّم.
وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى الكاظم
بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ
بن أبى طالب رضى الله عنه، الشريف أبو طالب العلوىّ الموسوىّ المعروف
بالشريف المرتضى نقيب الطالبيّين ببغداد، وهو أخو الشريف الرضى. قال
الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وكلّ منهما رافضىّ، وكان المرتضى أيضا
رأسا فى الاعتزال كثير الاطلاع والجدل. ثمّ ذكر كلاما عن ابن حزم فى
هذا المعنى، أنّزه الشريف عن ذكره «3» مراعاة لسلفه الطاهر لا لاعتقاده
القبيح فى الصحابة. وكان الشريف المرتضى عالما فاضلا أديبا شاعرا. ومن
شعره من جملة قصيدة قوله:
[الخفيف]
والتقينا «4» كما اشتهينا ولا عي ... ب سوى أنّ ذاك فى الأحلام
وإذا كانت الملاقاة ليلا ... فالليالى خير من الأيام
وكانت وفاة الشريف فى يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأوّل.
وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الوليد المرسى يعرف بابن
منقذ «5» ، حدّث عن سهل بن إبراهيم وغيره، وكان عالما فاضلا ورعا
محدّثا صدوقا ثقة.
(5/39)
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم
ثمانى أذرع وسبع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 437]
السنة العاشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وثلاثين
وأربعمائة.
فيها مات بواسط نصرانىّ يقال له ابن سهل، وأخرجت جنازته نهارا، فثارت
العامّة بالنّصارى وجزدوا الميّت وأحرقوه، ومضوا إلى الدّير فنهبوه.
وكان الملك العزيز بن جلال الدولة بن بويه بواسطّ، وعمّه الملك أبو
كاليجار ببغداد، ولم يكن له تلك الهيبة، وكانوا قد أحسّوا بانقراض دولة
بنى بويه بظهور طغرلبك السّلجوقىّ صاحب خراسان، فلم ينتطح فى ذلك
شاتان.
وفيها جهّز المستنصر صاحب الترجمة جيشا من مصر إلى حلب، فحصروا ابن
مرداس فيها واستظهروا عليه، فاستنجد بالرّوم فلم ينجدوه. وقد تقدّم ذكر
هذه الواقعة فى ترجمة المستنصر.
وفيها لم يحج أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها.
وفيها توفى الحسن بن محمد بن أحمد أبو محمد الدمشقىّ المعروف بابن «1»
السّكن؛ كان عابدا زاهدا صام الدهر وله اثنتا «2» عشرة سنة من العمر،
وعاش سبعا وثمانين سنة. وكان لا يشرب الماء فى الصيف، وأقأم سنة وخمسة
أشهر لا يشربه.
فقال له طبيب «3» : معدتك تشبه الآبار، فى الصيف باردة وفى الشتاء
حارّة.
(5/40)
وفيها توفّى محمد بن محمد بن علىّ [بن
الحسن بن علىّ بن إبراهيم «1» بن علىّ] بن عبد الله ابن الحسين [الأصغر
«2» ] أبو الحسن العلوىّ الحسينىّ البغدادىّ النسابة شيخ الأشراف.
كان فريدا فى علم الأنساب، وله تصانيف كثيرة، وله شعر.
وفيها توفّى مكّى بن أبى طالب حمّوش «3» بن محمد بن مختار الإمام أبو
محمد القيسىّ القيروانىّ ثم القرطبىّ المقرئ شيخ الأندلس فى زمانه، حجّ
وسمع بمكة وغيرها. وكان إماما عالما محدّثا ورعا، صنّف الكثير فى علوم
القرآن. ومولده بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلثمائة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وسبع أصابع. مبلغ
الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 438]
السنة الحادية عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان
وثلاثين وأربعمائة.
فيها أغارت الترك على ما وراء النهر واستولوا على بخارى وسمرقند
وخوارزم، فقطع طغرلبك جيحون. وبعث أخاه إبراهيم إلى العراق فاستولى على
حلوان ثم عاد إلى الرىّ. والتقى طغرلبك مع الترك فهزمهم وعاد إلى
خراسان.
وفيها زلزلت أخلاط وديار بكر زلازل هدمت القلاع والحصون وقتلت خلقا
كثيرا.
(5/41)
وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس
من مصر والشام.
وفيها توفّى عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن حيّويه «1»
الجوينىّ الشافعى والد أبى «2» المعالى الجوينى. وجوين (بضم الجيم) :
بلدة من أعمال نيسابور.
وأصلهم من العرب من بنى سنبس «3» . سمع الحديث، وتفقّه بمرو على
القفّال «4» ، وصنّف التصانيف الكثيرة. ومات بنيسابور.
وفيها توفّى محمد بن يحيى بن محمد أبو بكر. كان أصله من قرية بالعراق
يقال لها الزيديّة. كان عالما بالقرآن والفرائض وسمع الحديث. ومات فى
شهر رمضان.
قال أبو بكر الخطيب: «كتبت عنه، وكان ثقة» .
وفيها توفّى الحسن بن محمد بن إبراهيم أبو علىّ البغدادىّ المالكىّ
المقرئ العالم المشهور، مصنّف «الروضة «5» » . كان عالما بالقراءات
وغيرها، مفتنّا. مات فى هذه السنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وعشر أصابع. مبلغ
الزيادة سبع عشرة ذراعا وتسع عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 439]
السنة الثانية عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسع
وثلاثين وأربعمائة.
(5/42)
فيها وقع الغلاء والوباء بالموصل والجزيرة
وبغداد، ووصل كتاب من الموصل أنهم أكلوا الميتة، وصلّى الجمعة أربعمائة
نفس، ومات الباقون وكانوا زيادة على ثلثمائة «1» إنسان، وبيعت الزمّانة
يقيراطين، واللّينوفرة «2» بقيراطين أيضا، والخيارة بقيراط.
قاله صاحب مرآة الزمان.
وفيها توفّى أحمد [بن أحمد «3» ] بن محمد أبو عبد الله القصرىّ (من قصر
«4» ابن هبيرة) .
ولد سنة ست وأربعين وثلثمائة. وسمع الحديث، وكان من أهل العلم والقرآن،
يختم القرآن فى كلّ يوم مرّة، وكان معروفا بالسنّة. ومات فى شهر رجب،
ودفن بباب حرب. وكان صدوقا صالحا ثقة.
وفيها توفّى أحمد بن عبد العزيز بن الحسن أبو يعلى الطاهرىّ (من ولد
طاهر ابن الحسين الأمير) . ولد سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، وقرأ الأدب
وسمع الحديث.
ومات فى شوّال. وكان فصيحا صدوقا.
وفيها توفّى أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفضل الهاشمىّ
العباسىّ، من ولد هارون الرشيد. ولى النّضاء بسجستان، وسمع الحديث،
وكان له شعر وفضل.
(5/43)
وفيها كان الطاعون العظيم بالموصل والجزيرة
وبغداد، وصلّى بالموصل على أربعمائة نفس دفعة واحدة، وبلغت الموتى
ثلثمائة ألف إنسان.
وفيها توفّى عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيّوب أبو القاسم البغدادىّ
الشاعر المشهور، كان يعرف بالمطرّز «1» . مات ببغداد فى جمادى الآخرة.
وفيها توفّى محمد بن الحسين بن علىّ بن عبد الرحيم الوزير أبو سعد «2»
وزير جلال الدولة بن بويه. لقى شدائد من المصادرات من الأتراك، حتى آل
أمره أنّه خرج من بغداد مستترا وأقام بجزيرة «3» ابن عمر حتّى مات فى
ذى القعدة.
وفيها توفّى محمد بن علىّ بن محمد بن إبراهيم أبو الخطّاب الشاعر
الجبّلىّ، أصله من قرية جبّل عند النّعمانيّة ببغداد. كان فصيحا شاعرا.
رحل إلى البلاد ثم عاد إلى بغداد، وقد كفّ بصره فمات بها. وكان رافضيّا
خبيثا. ومن شعره:
[المنسرح]
ما حكم الحبّ فهو ممتثل ... وما جناه الحبيب محتمل
تهوى وتشكو الضّنى وكلّ هوّى ... لا ينحل الجسم فهو منتحل
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وثلاث وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 440]
السنة الثالثة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربعين
وربعمائة.
(5/44)
فيها تمت عمارة سور شيراز، ودوره اثنا عشر
ألف ذراع، وارتفاع حائطه عشرون «1» ذراعا، وله عشرة أبواب.
وفيها ولّى المستنصر صاحب الترجمة خليفة مصر القائد طارقا الصّقلبىّ
على دمشق؛ وعزل عنها ناصر الدولة الحسن بن الحسين بن عبد الله بن
حمدان، وقبض عليه واستقدمه إلى مصر؛ ثمّ صرف المستنصر طارقا عن إمرة
دمشق فى سنة إحدى وأربعين، وولّى مكانه عدة الدولة المستنصرىّ؛ ثمّ
صرفه أيضا عنها وبعث به إلى حلب، وولّى دمشق حيدرة بن الحسين بن مفلح،
ويعرف بأبى الكرم «2» المؤيّد؛ فأقام عليها حيدرة تسع سنين.
وفيها فى شعبان ختن الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ ابنه أبا
العبّاس محمدا، ولقبه بذخيرة الدين «3» وذكر اسمه على المنابر.
وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها.
وفيها توفّى محمد بن جعفر [بن] «4» أبى الفرج الوزير أبو الفرج ويلقّب
ذا «5» السعادات.
وزر لأبى كاليجار بفارس وبغداد. وكان وزيرا فاضلا عادلا شاعرا. ومات فى
شهر ربيع الآخر، وقيل: فى جمادى الأولى. ومن شعره: [الوافر]
أودّعكم وإنى ذو اكتئاب ... وأرحل عنكم والقلب آبى
وإنّ فراقكم فى كل حال ... لأوجع من مفارقة الشباب
(5/45)
وفيها توفّى السلطان أبو كاليجار، واسمه
المرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة بويه بن
ركن الدولة الحسن بن بويه بن فنّا خسرو الدّيلمىّ.
ولد بالبصرة سنة تسع وتسعين وثلثمائة فى شوّال، ومات ليلة الخميس منتصف
جمادى الأولى. وكانت ولايته على العراق أربع سنين وشهرين وأياما، ومدّة
ولايته على فارس والأهواز خمسا وعشرين سنة. وكان شجاعا فاتكا مشغولا
بالشرب واللهو.
ولمّا مات كان ولده أبو نصر ببغداد فى دار الملك نيابة عن أبيه، فلقّبه
الخليفة القائم بأمر الله «الملك الرحيم» وخلع عليه خلعة السلطنة.
وكانت الخلع سبع جباب كاملة والتاج والطّوق والسوارين واللواءين كما
كان فعل بعضد الدولة.
وفيها توفّى الفضل- وقيل: فضل الله- بن أبى الخير محمد بن أحمد أبو «1»
سعيد الميهنىّ العارف بالله صاحب الأحوال والكرامات. مات بقرية ميهنة
من خراسان فى شهر رمضان وله تسع وسبعون سنة بعد أن سمع الحديث، وروى
عنه جماعة، وتكلّم فى اعتقاده ابن حزم. والله أعلم بحاله.
وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن زياد أبو
بكر الأصبهانىّ التاجر المعروف بابن ريذة «2» . روى عن الطّبرانىّ
معجميه الكبير والصغير.
وطال عمره، وسار ذكره، وتفرّد بأشياء. ذكره أبو زكريّا بن مندة وقال:
«الفقيه «3» الأمين» . كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل الفضل.
(5/46)
وفيها توفّى محمد بن محمد بن إبراهيم بن
غيلان بن عبد الله بن غيلان بن حكيم أبو طالب الهمذانىّ البغدادىّ
البزّاز أخو غيلان المقدّم «1» ذكره. سمع من أبى بكر الشافعىّ أحد عشر
جزءا معروفة بالغيلانيّات، وتفرّد فى الدنيا عنه. قال أبو بكر الخطيب:
«كتبنا عنه، وكان صدوقا ديّنا صالحا» .
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وثلاث وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 441]
السنة الرابعة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى
وأربعين وأربعمائة.
فيها كانت فتنة بين أهل السنّة والرافضة. قال القاضى أبو القاسم علىّ
بن المحسّن التنوخىّ: «أهل الكرخ طائفة نشأت على سبّ الصحابة، وليس
للخلافة عليها أمر» . قلت: وعدم أمر الخليفة عليهم لميل بنى بويه إليهم
فى الباطن، فإنهم أيضا من كبار الشيعة، وهم يوم ذلك سلاطين بغداد؛ غير
أنهم كانوا لا يظهرون ذلك خوفا على الملك.
وفيها هبّت ريح سوداء ببغداد أظلمت الدنيا وقلعت رواشن دار الخلافة
ودار المملكة ودور الناس، واقتلعت من الشجر والنخل شيئا كثيرا.
وفيها نزل طغرلبك السّلجوقىّ الرّىّ ولم يتحقّق موت أبى كاليجار بن
بويه، ثمّ فحص عن ذلك حتّى تحقّق وفاته.
(5/47)
وفيها دخل السلطان مودود بن مسعود بن محمود
بن سبكتكين بلاد الهند، ووصل إلى الأماكن التى كان وصل إليها جدّه
محمود.
وفيها توفّى أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة أبو إسماعيل
الهروىّ الصوفىّ. كان يعرف بعمّويه وكان شيخ الصوفية بهراة. سمع الكثير
بالعراق والشام.
ومات بهراة فى شهر رجب.
وفيها توفّى محمد بن علىّ بن عبد الله أبو عبد الله الصّورىّ الحافظ.
ولد بصور «1» سنة ست وسبعين وثلثمائة وقدم بغداد، وسمع الحديث على كبر
السنّ وعنى به.
وكان إماما صحيح النقل دقيق الخطّ صائما قائما لا يفطر إلّا فى العيدين
وأيام التشريق. وكان حسن المحاضرة. وله شعر على طريق القوم؛ فمن ذلك من
قصيدة:
[المجتث]
نعم الأنيس كتاب ... إن خانك الأصحاب
تنال منه فنونا ... تحظى بها وتثاب
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع
عشرة ذراعا وتسع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 442]
السنة الخامسة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة اثنتين
وأربعين وأربعمائة.
(5/48)
فيها كان من العجائب أنّه وقع الصلح بين
أهل السّنّة والرافضة وصارت كلمتهم واحدة. وسبب ذلك أنّ أبا محمد
النّسوىّ ولّى شرطة بغداد وكان فاتكا، فاتّفقوا على أنّه متى رحل إليهم
قتلوه، واجتمعوا وتحالفوا، وأذّن بباب البصرة ب «- حىّ على خير العمل»
وقرىء فى الكرخ فضائل الصحابة، ومضى أهل السّنة والشّيعة إلى مقابر
قريش، فعدّ ذلك من العجائب؛ فإنّ الفتنة كانت قائمة والدماء تسكب،
والملوك والخلفاء يعجزون عن ردّهم، حتّى ولىّ هذا الشرطة، فتصالحوا على
هذا الأمر اليسير.
فلله الأمر من قبل ومن بعد.
وفيها توفّى علىّ بن عمر بن محمد بن الحسن أبو الحسن الزاهد المعروف
بابن «1» القزوينىّ. ولد بالحربيّة»
ببغداد فى المحرّم سنة ستّين وثلثمائة؛ وكان إماما فاضلا زاهدا، قرأ
النّحو وسمع الحديث الكثير؛ وكان صاحب كرامات وصلاح، يقصد للزيارة.
ومات فى شعبان.
وفيها توفّى الأمير قرواش بن المقلّد أبو المنيع صاحب الموصل والكوفة
والأنبار.
وقرواش بفتح «3» القاف والراء المهملة والواو وبعد الألف شين معجمة
ساكنة.
ومعناه باللغة التركية عبد أسود. وكان قرواش هذا قد خلع عليه الخليفة
القادر بالله ولقّبه معتمد الدولة. وكان قد جمع بين أختين، فلامه
النّاس على ذلك؛ فقال لهم: خبّرونى، ما الذي نستعمله مما تبيحه
الشريعة! فهذا من ذاك. وكان الحاكم بأمر الله استماله فحطب له ببلاده
ثمّ رجع عن ذلك. ولمّا مات قرواش ولى مكانه
(5/49)
ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلّد المقدّم
ذكره فى ترجمة المستنصر أنّه كان مع البساسيرىّ. ويأتى ذلك أيضا فى
محلّه مختصرا.
وفيها توفّى السلطان مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة،
وغيرها من بلاد الهند وغيره. ومات بغزنة، وقام مقامه عمّه عبد الرشيد
بن محمود بن سبكتكين؛ اختاره أهل المملكة فأقاموه.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع
عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 443]
السنة السادسة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث
وأربعين وأربعمائة.
فيها فى صفر عادت الفتنة بين أهل السّنّة والرافضة ببغداد، وكتب أهل
الكرخ على برج الباب: «محمد وعلىّ خير البشر، فمن رضى فقد شكر، ومن أبى
فقد كفر» .
وثارت الفتنة بينهم، ولم يقدر على منعهم الخليفة ولا السلطان. واستنجد
الخليفة بعيّار من أهل درب ريحان، فأحضر إلى الديوان واستتيب عن
الحرام، وسلّط على أهل الكرخ فقتل منهم جماعة كثيرة.
وفيها أقام ابن المعزّ «1» بن باديس الصنهاجىّ ملك الغرب الدعوة
بالمغرب للقائم بأمر الله العباسىّ، وأبطل دعوة بنى عبيد خلفاء مصر من
الغرب. وكان المعزّ لدين
(5/50)
الله معدّ لمّا خرج من المغرب وقصد الديار
المصريّة سلّمها إلى المعزّ بن باديس.
فأقام بها سنين إلى أن توفّى، وملكها ابنه من بعده؛ فأقام مدّة سنين
يخطب لبنى عبيد إلى هذه السنة؛ فأبطل الدعوة لهم وخطب لبنى العبّاس،
ودعا للقائم بأمر الله وهو ببغداد. فلم تزل دعوة العباسية بعد ذلك
بالمغرب حتى ظهر محمد بن تومرت «1» بالمغرب وتلقّب بالمهدىّ، وقام بعده
عبد المؤمن بن علىّ فقطع الدعوة لبنى العبّاس فى أيام المقتفى
العبّاسىّ، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها لم يحجّ أحد من العراق. وحجّ الناس من مصر وغيرها.
وفيها توفّى أحمد بن عثمان بن عيسى أبو نصر الجلّاب «2» ، كان محدّثا
ثقة؛ وأخرج له أبو بكر الخطيب حديثا عن ابن عمر: أنّ النّبيّ صلّى الله
عليه وسلم قرئت عنده سورة الرحمن فقال: «مالى أرى «3» الجنّ أحسن جوابا
لردّها منكم» . قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ما أتيت على قول
الله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
إلّا قالت الجنّ ولا بشىء من نعمك يا ربنّا نكذّب» .
وفيها توفّى إسماعيل بن علىّ بن الحسين زنجويه أبو سعد الحافظ الرازىّ
«4» الحنفىّ؛ كان إماما فاضلا طاف الدنيا ولقى الشيوخ وأثنى عليه
العلماء؛ وكان ورعا زاهدا فاضلا، إمام أهل زمانه [بغير مدافعة «5» ] ،
[و] ما رأى مثل نفسه [فى كلّ فنّ «6» ] ،
(5/51)
وكان يقال له: شيخ العدليّة «1» ومات
بالرّىّ، ودفن بجنب الإمام محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة. وكان قرأ على
ألف وثلثمائة شيخ، وقرأ عليه ثلاثة آلاف.
قال ابن عساكر: سمع نحوا من أربعة آلاف «2» شيخ، ومات وله أربع وتسعون
سنة.
وفيها توفّى محمد بن محمد بن أحمد أبو الحسن البصروىّ «3» ؛ كان شاعرا
فصيحا فاضلا ظريفا صاحب نوادر. ومن شعره:
[الوافر]
ترى الدنيا وزهرتها فتصبو ... وما يخلو من الشّبهات قلب
فضول العيش أكثرها هموم ... وأكثر ما يضرّك ما تحبّ
وفيها توفّى المفضّل بن محمد بن مسعود «4» أبو المحاسن التّنوخىّ
المعزى الفقيه الحنفى. تفقّه على القدورىّ، وأخذ الأدب عن أبى عيسى
الرّبعىّ وبرع فى فنون، وناب فى القضاء بدمشق، وولى قضاء بعلبكّ؛ وصنّف
تاريخ النحاة وأهل اللغة.
ومات بدمشق، ولم يخلف بعده مثله.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع
عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 444]
السنة السابعة عشرة من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع
وأربعين وأربعمائة.
(5/52)
فيها برز محضر من ديوان الخليفة القائم
بأمر الله العبّاسىّ بالقدح فى أنساب خلفاء مصر وأنّهم ديصانيّة «1»
خارجون عن الإسلام، من جنس المحضر الذي برز فى أيام للقادر بالله، وقد
ذكرناه فى وقته، وأخذ فيه خطوط القضاة والشهود والأشراف وغيرهم.
وفيها كانت فى مدينة أرّجان والأهواز زلازل عظيمة ارتجّت منها الأرض،
وقلّعت الجبال وخرّبت القلاع، وامتدّت هذه الزلازل إلى بلاد كثيرة.
وفيها استولى طغرلبك محمد بن ميكائيل السّلجوقىّ على همذان ونواحيها،
وطمع فى قصد العراق.
وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن محمد بن علىّ أبو علىّ التميمىّ الواعظ،
سمع الحديث الكثير وروى عنه مسند الإمام أحمد عن القطيعىّ «2» .
وفيها توفّى سهل بن محمد بن الحسن أبو الحسن الفاسىّ «3» الصوفىّ، سمع
الكثير وحدّث بالعراق ودمشق وصور، وتوجه إلى مصر فمات بها. وكان أديبا
شاعرا على طريق القوم. فمن ذلك قوله:
[الطويل]
إذا كنت فى دار يهنيك أهلها ... ولم تك محبوبا بها فتحوّل
وأيقن بأن الرّزق يأتيك أينما ... تكون ولو فى قعر بيت مقفّل
(5/53)
وفيها توفّى عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الإمام أبو عمرو
الأموى مولاهم القرطبىّ المقرئ الحافظ المعروف بآبن الصيرفىّ «1»
أوّلا، ثم بأبى عمرو الدّانى «2» ؛ صاحب التصانيف. كان أحد الأئمة فى
علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه، وجمع فى ذلك كلّه تواليف
حسانا مفيدة يطول تعدادها. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وبلغنى أن
مصنّفاته مائة وعشرون مصنفا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع. |