النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 465]
السنة الثامنة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة خمس
وستين وأربعمائة.
فيها قتل الحسن بن الحسين بن حمدان الأمير أبو محمد ناصر الدولة
التّغلبىّ ذو المجدين المقدّم ذكره فى أوّل ترجمة المستنصر هذا. وقع له
أمور آل أمره بعدها إلى أن تزوج ببنت إلدكز، واتّفق معه. واتفق لهما
أمور كثيرة مع المستنصر صاحب
(5/90)
الترجمة. ولما اتّفقا قوى أمر ناصر الدولة
هذا ودخل إلى مصر واستولى عليها، ولقّب نفسه بسلطان الجيوش، وأمن إلدكز
وناصر الدولة هذا كلّ منهما إلى الآخر.
ووقع لهما أمور، إلى أن دخل ناصر الدولة مصر ثالث مرّة، فغدر إلدكز به
وقتله، حسب ما ذكرناه مفصّلا فى ترجمة المستنصر. ثمّ خرج إلدكز بمن معه
إلى محمود بن ذبيان أمير بنى سنبس فقتلوه، وكان عنده الأمير شاور
فقتلوه أيضا، وخرجوا إلى خيمة تاج المعالى بن حمدان أخى ناصر الدولة
فقتلوه بعد أن هرب منهم. ثم قطع ابن حمدان المذكور قطعا وأنفذ كلّ قطعة
إلى بلد. قلت: وهذا ناصر الدولة آخر من بقى من أولاد بنى حمدان ملوك
حلب وغيرها.
وفيها توفّى عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد أبو
القاسم القشيرىّ النيسابورىّ. ولد سنة ستّ وسبعين وثلثمائة فى شهر ربيع
الأوّل؛ وربّى يتيما فقرأ واشتغل بالأدب والعربية. وكان أوّلا من أبناء
الدنيا، فجذبه أبو علىّ «1» الدّقّاق فصار من الصوفيّة. وتفقّه على بكر
«2» بن محمد الطّوسىّ، وأخذ الكلام عن ابن «3» فورك، وصنّف «التفسير
الكبير» و «الرسالة» . وكان يعظ ويتكلّم بكلام الصوفيّة.
ومات بنيسابور. ومن شعره:
[السريع]
إن نابك الدهر بمكروهه ... فقل بتهوين تخاويفه
فعن قريب ينجلى غمّه ... وتنقضى كلّ تصاريفه
(5/91)
وقد روينا رسالته عن حافظ العصر قاضى
القضاة شهاب الدّين أحمد بن علىّ ابن حجر انا أبو الحسن «1» بن أبى
المجد شفاها انا أبو محمد القاسم «2» بن مظفّر بن عساكر إجازة إن لم
يكن سماعا انا محمد بن على بن محمود العسقلانىّ سماعا انا أمّ المؤيّد
«3» زينب بنت عبد الرحمن الشّعريّة سماعا انا أبو الفتوح عبد الوهاب بن
شاه الكرمانىّ انا المؤلّف رحمه الله.
وفيها توفّى السلطان ألب أرسلان عضد الدولة أبو شجاع محمد الملقّب
بالملك العادل ابن جغرى بك داود بن ميكائيل بن سلجوق السلجوقىّ
التركىّ، ثانى ملوك بنى سلجوق، كان اسمه بالعربىّ محمدا. وبالتركىّ ألب
أرسلان. وأصل هؤلاء السّلجوقية من الأتراك فيما وراء النهر، فى موضع
بينه وبين بخارى مسافة عشرين فرسخا، وكانوا لا يدخلون تحت طاعة سلطان
حتّى صار من أمرهم ما صار. وهو ابن أخى السلطان طغرلبك محمد، وبعده
تولّى السلطنة. وألب أرسلان هذا هو أوّل من أسلم من إخوته، وأوّل من
لقّب بالسلطان من بنى سلجوق، وذكر على منابر بغداد. وكانت سلطنته بعد
عمّه طغرلبك فى سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
ونازعه أخوه قاورد بك فلم يتمّ [له] أمر. وكان ملكا مطاعا شجاعا. مات
وهو أجلّ ملوك بنى سلجوق وأعد لهم فى الرعيّة. وهو الذي أنشأ وزيره
نظام الملك. وتولّى السلطنة من بعده ولده ملكشاه. ومات ألب أرسلان
وعمره أربعون سنة قتلا؛ وكان سبب موته أنه سار فى سنة خمس وستّين
وأربعمائة فى مائتى ألف فارس إلى نحو
(5/92)
بلاد الروم، ثم عاد إلى ديار بكر، ثمّ إلى
جهة حلب وقصد شمس الملك تكين. فلمّا دخل إليه أتاه أعوانه بوالى قلعة
من قلاع شمس الملك، واسم الوالى يوسف الخوارزمى، وقرّبوه إلى سرير
السلطان ألب أرسلان، فأمر ألب أرسلان أن يضرب له أربعة أوتاد وتشدّ
أطرافه الأربعة إليها. فقال يوسف المذكور للسلطان: يا مخنّث، مثلى يقتل
هذه القتلة! فغضب السلطان وأخذ القوس والنّشّاب وقال: خلّوه، فرماه
فأخطأه، ولم يكن يخطئ له سهم قبل ذلك، فأسرع يوسف المذكور وهجم على
السلطان على السرير، فنهض السلطان ونزل فعثر وخرّ على وجهه؛ فوصل يوسف
إليه وبرك عليه وضربه بسكّين فى خاصرته؛ وقتل يوسف فى الحال، وحمل
السلطان فمات بعد أيّام يسيرة- وقيل فى يومه- وكان ذلك فى جمادى الآخرة
من السنة. وألب أرسلان بفتح الهمزة وسكون اللام وبعدها باء موحدة وبقية
الأسم معروف.
وفيها توفّى قاوردبك بن داود بن ميكائيل السّلجوقىّ أخو السلطان ألب
أرسلان المقدّم ذكره. ولمّا مات أخوه ألب أرسلان نازع ابن أخيه ملكشاه
وقاتله، فظفر به ملكشاه بعد حروب وأسره وأمر بقتله؛ فحنقه رجل أرمنىّ
بوترقوس، وتولّى سعد الدولة كوهرائين «1» على قتله، وكان ذلك فى شعبان
بهمذان. وأمر قاورد بك المذكور من العجائب؛ فإنّه كان يتمنّى موت ألب
أرسلان ويتصوّر أنّه يملك الدنيا بعده، فكان هلاكه مقرونا بهلاكه. قلت:
وكذلك كان أمر قتلمش مع أخيه طغرلبك عمّ ألب أرسلان وقاورد بك؛ فإنّه
كان ينظر فى النجوم ويتحقّق أنه يملك بعده، وكان هلاكه أيضا مقرونا
بهلاكه.
(5/93)
وفيها توفّى محمد بن أحمد بن المسلمة
الحافظ أبو جعفر. كان إماما حافظا محدّثا عالما. مات ببغداد فى جمادى
الأولى من السنة.
وفيها توفّى علىّ بن الحسن «1» بن علىّ بن الفضل الرئيس أبو منصور
الكاتب المعروف بصرّدرّ «2» الشاعر المشهور. كان أحد نجباء الشّعراء فى
عصره، جمع بين جودة السّبك وحسن المعنى. ومن شعره:
[البسيط]
أكلّف القلب أن يهوى وألزمه ... صبرا وذلك جمع بين أضداد
وأكتم الركب أو طارى وأسأله ... حاجات نفسى لقد أتعبت روّادى
وله أيضا:
[الكامل]
لم أبك أن رحل الشباب وإنّما ... أبكى لأن يتقارب الميعاد
شعر الفتى أوراقه فإذا ذوى ... جفّت على آثاره الأعواد
وله أيضا فى جارية سوداء:
[السريع]
علقتها سوداء «3» مصقولة ... سواد قلبى صفة فيها
ما انكسف البدر على تمّه ... ونوره إلا ليحكيها
لأجلها الأزمان أوقاتها ... مؤرّخات بلياليها «4»
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع أصابع.
(5/94)
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 466]
السنة التاسعة والثلاثون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ستّ
وستّين وأربعمائة.
فيها خرج عساكر غزنة وتعرّضوا لبلاد السلطان ملكشاه السّلجوقى؛ فخرج
إليهم إلياس بن ألب أرسلان أخو ملكشاه، فقاتلهم واستأمن إليه سبعمائة
منهم، وانهزم من بقى إلى غزنة، وأوغل خلفهم إلياس. وكان سلطان غزنة يوم
ذاك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين. ثم عاد إلياس من الوقعة وقد
كفى ملكشاه أمر الغزنويّة. ولمّا وصل إلياس إلى بلخ مات بعدها بثلاثة
أيّام، وسرّ أخوه ملكشاه بموته، فإنّه كان منحرفا على ملكشاه. فقال له
وزيره نظام الملك: لا تظهر الشماتة واقعد فى العزاء؛ ففعل وأظهر الجزن
عليه.
وفيها بنى حسّان بن مسمار الكلبىّ قلعة صرخد «1» ، وكتب على بابها: أمر
بعمارة هذا الحصن المبارك الأمير الأجلّ مقدّم العرب عزّ الدّين فخر
الدولة عدّة أمير المؤمنين (يعنى المستنصر صاحب مصر) وذكر عليها اسمه
ونسبه.
وفيها قال ابن الصابئ: ورد إلى مكّة إنسان عجمىّ يعرف بسلار من جهة
جلال الدولة ملكشاه، ودخل وهو على بغلة بمركب ذهب، وعلى رأسه عمامة
سوداء، وبين يديه الطّبول والبوقات، ومعه للبيت كسوة ديباج أصفر،
وعليها اسم محمود بن سبكتكين وهى من استعماله؛ وكانت مودعة بنيسابور من
عهد محمود ابن سبكتكين عند إنسان يعرف بأبى القاسم الدّهقان، فأخذها
الوزير نظام الملك منه وأنفذها مع المذكور.
(5/95)
وفيها توفّى أحمد «1» بن محمد بن عقيل أبو
العباس الشّهرزورىّ. كان محدّثا وسمع الكثير، وكان فاضلا فقيها شاعرا.
مات ببيت المقدس فى ذى القعدة. ومن شعره من قصيدة طويلة قوله:
[البسيط]
سألت طيفك عن تلفيق «2» إفكهم ... فقال معتذرا لا كان ما قالوا
سعى الوشاة بقطع الودّ بينكما ... وللمودّات بين الناس آجال
وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان أبو محمد الخفاجىّ «3»
الحلبىّ الشاعر المشهور. كان فصيحا فاضلا. أخذ الأدب عن أبى العلاء
المعرّى وغيره، وسمع الحديث وبرع فيه. ومات بقلعة اعزاز من أعمال حلب.
ومن شعره قوله:
[الرمل]
أترى طيفكم لمّا سرى ... أخذ النّوم وأعطى السّهرا
يا عيونا بالغضا «4» راقدة ... حرّم الله عليكن الكرى
ومنها:
سل فروع البان عن قلبى فقد ... وهم البارق فيما ذكرا
قال فى الرّبع وما أحسبه ... فارق الأظعان حتّى انفطرا «5»
وفيها توفّى عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علىّ بن سليمان أبو محمد
الكتّانىّ الصوفىّ الحافظ الدّمشقىّ أحد الرّحّالين فى طلب العلم. كان
من المكثرين فى الحديث كتابة وسماعا مع الصدق والأمانة.
(5/96)
وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن علىّ
الحافظ أبو بكر العطار الأصبهانىّ. كان عظيم الشأن ببلده، عارفا
بالرجال والمتون، وكان إماما ثقة.
وفيها توفّى محمد بن عبيد الله بن أحمد [بن محمد] «1» بن أبى الرّعد
الفقيه الحنفىّ قاضى عكبرا. كان إماما فقيها صادقا ثقة. مات بعكبرا يوم
الجمعة ثالث شهر ربيع الآخر.
وفيها توفّيت الماورديّة البصرية. كانت زاهدة عابدة صالحة، تجتمع إليها
النساء فتعظهنّ وتؤدّبهنّ، قاربت الثمانين سنة، أقامت منها خمسين سنة
لا تفطر النهار ولا تنام الليل، ولا تأكل خبزا ولا رطبا ولا تمرا،
وإنّما يطحن لها الباقلاء فتتقوّت به. وماتت بالبصرة فلم يبق بالبلد
إلّا من شهد جنازتها.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا.
ولمّا كان ليلة النّوروز نقص أصابع، ثم زاد حتى أوفى. ونودى عليه فى
سابع عشرين توت: إصبع من سبع عشرة ذراعا. وانتهت زيادته فى هذه السنة
إلى ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع (أعنى أنه زاد بعد الوفاء إصبعين
لاغير) .
*** [ما وقع من الحوادث سنة 467]
السنة الأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبع وستين
وأربعمائة.
فيها أعيدت الخطبة بمكّة للمستنصر صاحب الترجمة.
وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين القائم بأمر الله عبد الله ابن
الخليفة القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة جعفر المقتدر
ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد
(5/97)
ابن الأمير طلحة الموفّق ابن الخليفة
المتوكّل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة
الرشيد بالله هارون ابن الخليفة المهدى بالله محمد ابن الخليفة أبى
جعفر.
المنصور عبد الله بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن عباس، أمير المؤمنين
أبو جعفر الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ. وأمّه أمّ ولد روميّة تسمّى قطر
النّدى. ماتت فى خلافته، حسب ما ذكرناه فى هذا الكتاب فى محلّه. ومولده
فى سنة إحدى وتسعين وثلثمائة.
وبويع بالخلافة بعد موت أبيه وعمره إحدى وثلاثون سنة فى ذى الحجة سنة
اثنتين وعشرين وأربعمائة. وكان جميلا مليح الوجه أبيض اللّون مشربا
بحمرة أبيض الرأس واللّحية، متديّنا ورعا زاهدا عالما، فى وجهه أثر
صفار من قيام اللّيل، وكان يسرد الصوم، وكان قليل الجماع، ولهذا قلّ
نسله. وكان سبب تركه الجماع أنّه جامع ليلة وبين يديه شمعة فصار صورته
على الحائط صورة شنيعة، فقام عنها وقال:
لاعدت إلى مثلها. وكانت وفاته فى يوم الخميس ثالث عشر شعبان من هذه
السنة، وله خمس وسبعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما، وقيل غير
ذلك.
وأقام فى الخلافة أربعا وأربعين سنة. قلت: ومن الغرائب أن القائم هذا
كان معاصرا للمستنصر العبيدى صاحب الترجمة وهو خليفة مصر، وكلاهما مكث
فى الخلافة ما لم يمكثه غيره من آبائه وأجداده من طول المدّة؛ فالقائم
هذا كانت مدّته أربعا وأربعين سنة، والمستنصر ستّين سنة؛ فما وقع
للقائم لم يقع لأحد من العباسيّين، وما وقع للمستنصر لم يقع لأحد من
الفاطميّين. وبويع بالخلافة بعد القائم حفيده عبد الله بن محمد
الذّخيرة بن القائم المذكور. ومولده بعد وفاة أبيه الذخيرة بستّة أشهر،
وتولّى تربيته جدّه القائم، ولقّب بالمقتدى «1» بالله.
(5/98)
وفيها توفّى عبد الرحمن بن محمد بن المظفّر
بن محمد بن داود أبو الحسن بن أبى طلحة الداوودىّ الحافظ. ولد سنة أربع
وسبعين وثلثمائة، وسمع الحديث وقرأ الفقه ودرس وأفتى، ووعظ وصنّف، وكان
له حظّ من النظم والنثر. ومن شعره:
[الخفيف]
كان فى الاجتماع للناس نور ... فمضى النّور وادلهمّ الظلام
فسد الناس والزمان جميعا ... فعلى الناس والزمان السلام
وفيها توفّى أبو الحسن علىّ بن الحسن بن علىّ بن أبى الطيّب الباخرزىّ
«1» . كان إماما فاضلا شاعرا، صنّف «دمية القصر فى شعراء «2» أهل
العصر» . والعماد «3» الكاتب حذا حذوه. وكان الباخرزىّ فريد عصره،
وديوان شعره مشهور بأيدى الناس.
ومن شعره قوله:
[الطويل]
زكاة رءوس الناس فى عيد فطرهم ... بقول رسول الله صاع من البرّ
ورأسك أغلى قيمة فتصدّقى ... بفيك علينا فهو صاع من الدّرّ
(5/99)
وفيها توفّى علىّ بن الحسين بن أحمد بن
الحسين أبو الحسن الثّعلبى، ويعرف بابن صصرى. ذكره الحافظ ابن عساكر
وأثنى عليه. حدّث عن تمّام بن محمد وغيره، وكان ثقة. وأصل بنى صصرى من
قرية بالموصل. ومات بدمشق.
وفيها توفّيت كوهر خاتون عمّة السلطان ملكشاه السّلجوقىّ أخت السلطان
ألب أرسلان. كانت ديّنة عفيفة، صادرها نظام الملك لمّا مات أخوها ألب
أرسلان وأخذ منها أموالا عظيمة. فخرجت إلى الرىّ لتمضى إلى المباركيّة
«1» تستنجدهم على قتال الوزير نظام الملك، فأشار نظام الملك على ملكشاه
بقتلها فقتلها. فلما وصل خبر قتلها إلى بغداد ذمّ الناس نظام الملك
وقالوا: ما كفاه بناء هذه المدرسة النظاميّة وغصبه لأراضى الناس وأخذ
أنقاضهم حتى دخل فى الدماء من قتله هذه المرأة! وأيضا أنّه أشار على
ملكشاه بقتل عمّه قاورد بك المقدّم ذكره، ثم أشار على ملكشاه بكحل
أولاد عمّه. وهجا نظام الملك جماعة من أهل العراق؛ فلمّا بلغ نظام
الملك قال: ما أقام هذه الشناعة علىّ إلّا فخر الدولة بن جهير «2» .
وفيها توفّى محمود بن نصر بن صالح صاحب حلب ويعرف بابن الروقليّة. كان
عمّه عطيّة قد أخذ حلب منه، فتجهّز محمود هذا وأتاه وحصره حتّى
استعادها منه.
ومات بها فى ليلة الخميس ثالث عشر شعبان، وهى الليلة التى مات فيها
الخليفة القائم بأمر الله العباسىّ. وسبب موته أنه عشق جارية لزوجته،
وكانت تمنعه منها، فماتت الجارية فحزن عليها حتّى مات بعد يومين. ولمّا
مات وقع بين العسكر الخلاف.
وكان محمود هذا قد أوصى إلى ولده أبى المعالى شبل وأسكنه القلعة
والخزائن عنده؛
(5/100)
وأسكن ولده نصرا البلد، وكان يكره نصرا
ويحبّ شبلا، والعساكر تحب نصرا؛ فلا زالوا حتّى ملك نصر وخلع شبل.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وتسع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 468]
السنة الحادية والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثمان
وستين وأربعمائة.
فيها خرج مؤيّد الملك بن نظام الملك الوزير من بغداد يريد والده، وكان
أبوه قد مرض، وخرج معه أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البيضاوىّ
«1» الشاهد رسولا من الديوان إلى السلطان إبراهيم بن مسعود بن محمود بن
سبكتكين صاحب غزنة، يخبره بوفاة الخليفة القائم بأمر الله وإقامة ولده
المقتدى بعده فى الخلافة.
وفيها لبس بدر الجمالىّ أمير الجيوش من المستنصر خلعة الوزارة بمصر،
وكانت منزلته قبل ذلك أجلّ من الوزارة، ولكن لبسها حتّى لا يترتّب أحد
فى الوزارة فينازعه فى الأمر.
وفيها أيضا قبض بدر الجمالىّ على قاضى الإسكندرية ابن المحيرق وعلى
جماعة من فقهائها وأعيانها، وأخذ منهم أموالا عظيمة.
وفيها استولى أتسز التّركمانىّ على دمشق وخطب بها للمقتدى العباسىّ،
وكتب إلى المقتدى يذكر له تسليمها إليه وغلوّ الأسعار بها وموت أهلها،
وأنّ الكارة
(5/101)
الطعام بلغت فى دمشق نيّفا وثمانين دينارا
مغربيّة، وبقيت على ذلك أربع سنين «1» .
والكارتان ونصف غرارة بالشامىّ. فتكون الغرارة بمائتى دينار. وهذا شىء
لم يعهد مثله فى سالف الأعصار. قلت «2» : ولا بعده. وقد تقدّم ذكر هذا
الغلاء بمصر والشام فى ترجمة المستنصر هذا.
وفيها توفّى أحمد بن علىّ بن محمد القاضى أبو الحسين جلال الدولة
الشريف العلوىّ، كان ولى قضاء دمشق للمستنصر، وهو آخر قضاة المصريّين
الرافضة، وهو الذي أجار الخطيب البغدادىّ لمّا أمر أمير دمشق بقتله.
قال يوما وعنده [أبو] الفتيان بن حيّوس: وددت أنّى فى الشجاعة مثل جدّى
علىّ، وفى السخاء مثل حاتم. فقال له [أبو] الفتيان بن حيّوس: وفى الصدق
مثل أبى ذرّ-[الغفارىّ «3» ] .
فخجل الشريف، فإنّه كان يتزيّد فى كلامه.
وفيها توفّى إسماعيل بن علىّ أبو محمد «4» العين زربىّ الشاعر الفصيح.
كان يسكن دمّشق وبها مات. ومن شعره:
[الطويل]
وحقّكم لا زرتكم فى دجنّة ... من الليل تخفينى كأنّى سارق
ولا زرت إلّا والسيوف شواهر «5» ... علىّ وأطراف الرماح لواحق
(5/102)
وله أيضا:
[الطويل]
ألا يا حمام الأيك «1» عيشك آهل ... وغصنك ميّال وإلفك حاضر
أتبكى وما امتدّت اليك يد النّوى ... ببين «2» ولم يذعر جناحك ذاعر
قلت: وهذا يشبه قول القائل فى أحد معانيه:
[الخفيف]
نسب الناس للحمامة حزنا ... وأراها فى الحزن ليست هنالك
خضبت كفّها وطوّقت الجي ... د وغنّت وما الحزين كذلك
وفيها توفّى مسعود [بن عبد العزيز] «3» بن المحسن بن الحسن بن عبد
الرزاق أبو جعفر البياضىّ الشاعر البغدادىّ. كان أديبا فاضلا شاعرا.
مات ببغداد فى ذى القعدة. ومن شعره:
[الخفيف]
ليس لى صاحب معين سوى اللّي ... ل إذا طال بالصدود عليّا
أنا أشكو همّ الحبيب إليه ... وهو يشكو بعد الصّباح إليّا
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة
ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا. وأوفى يوم نصف توت.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 469]
السنة الثانية والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة تسغ
وستّين وأربعمائة.
(5/103)
فيها فى صفر غلب على المدينة النبويّة محيط
العلوىّ وأعاد خطبة المستنصر هذا بها، وطرد عنها أميرها الحسين بن
مهنّا فقصد الحسين ملكشاه السّلجوقىّ.
وفيها توفّى- والصحيح فى التى قبلها- علىّ بن أحمد بن محمد بن علىّ أبو
الحسن الواحدىّ النيسابورىّ. كان من أولاد التجار من ساوة، وكان «1»
أوحد عصره فى التفسير. كان إماما عالما بارعا محدّثا، صنف التفاسير
الثلاثة: «البسيط» و «الوجيز» و «الوسيط» . والغزالىّ أخذ هذه الأسماء
برمّتها وسمّى بها تصانيفه.
وصنّف الواحدىّ أيضا «أسباب النزول» فى مجلّد و «شرح الأسماء الحسنى»
وكتبا كثيرة غير ذلك. وكان له أخ اسمه عبد الرحمن قد تفقّه وحدّث أيضا.
وفيها توفّى إسفهدوست «2» بن محمد بن الحسن أبو منصور الدّيلمىّ
الشاعر. كان أوّلا يهجو الصحابة- رضى الله عنهم- والناس، ثم تاب وحسنت
توبته.
وقال فى ذلك قصيدة طنّانة أولها:
[الكامل]
لاح الهدى فجلا عن الأبصار ... كاللّيل يجلوه ضياء نهار
ورات سبيل الرشد عينى بعد ما ... غطّى عليها الجهل بالأستار
ومنها:
وعدلت عما كنت معتقدا له ... فى الصحب صحب نبيّك «3» المختار
السيد الصدّيق والعدل الرّضى ... عمر وعثمان شهيد الدار
وهى طويلة جدّا.
(5/104)
وفيها توفّى طاهر بن أحمد بن باب شاذ «1»
أبو الحسن النحوىّ المصرىّ صاحب «المقدّمة «2» » المشهورة. كان عالما
فاضلا وله تصانيف فى النحو. سمع الحديث ورواه، وقرىء عليه الأدب بجامع
«3» مصر سنين. تردّى من سطح جامع مصر فى شهر رجب فمات من ساعته.
وفيها توفّى عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة-
واسم مندة إبراهيم بن الوليد- الحافظ أبو القاسم ابن الحافظ أبى عبد
الله العبدىّ الأصبهانىّ. كان كبير الشأن، جليل القدر، حسن الخطّ واسع
الرّواية. ولد سنة إحدى «4» وثمانين وثلثمائة، وهو أكبر إخوته- رحمه
الله- ومات فى شوّال.
وقال الذهبىّ: مات فى سبعين وأربعمائة.
وفيها كان الطاعون العظيم بالشام، ومات خلائق لا تحصر.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وسبع أصابع. مبلغ
الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا. وأوفى بأواخر توت.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 470]
السنة الثالثة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة سبعين
وأربعمائة.
(5/105)
فيها ورد كتاب أرتق «1» بك على الخليفة
المقتدى العباسىّ بأخذه بلاد القرامطة.
وفيها توفّيت بنت الوزير نظام الملك وزوجة الوزير عميد الدولة «2» ،
وجلس الوزير وولده للعزاء. ونظام الملك وزير السلطان ملكشاه، وعميد
الدولة وزير الخليفة المقتدى بالله؛ وكان عميد الدولة فى المحلّ أعظم،
ونظام الملك فى المال أكثر.
وفيها توفّى أحمد بن عبد الملك بن علىّ الحافظ أبو صالح النيسابورىّ
المؤذّن.
ولد سنة ثمان وثمانين وثلثمائة، وسمع الحديث الكثير، وصنّف الأبواب
والشيوخ؛ وكان يؤذّن ويعظ، وكان شيخ الصوفيّة فى وقته علما وعملا وصدقا
وثقة وأمانة.
وفيها توفّى عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد أبو
جعفر ابن أبى موسى، الشريف الهاشمى، إمام الحنابلة وعالمهم فى زمانه.
ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة. وكان عالما ورعا فاضلا، تفقّه على القاضى
أبى يعلى.
وكان يشهد ثمّ ترك الشهادة. وكان صدوقا ثقة زاهدا عابدا مصنّفا. مات
بنيسابور فى شهر رمضان.
وفيها توفّى أحمد بن محمد [بن أحمد «3» ] بن عبد الله بن النفور «4»
الحافظ أبو الحسن «5» البزّاز. مات ببغداد فى شهر رجب وله تسعون سنة.
وكان إماما محدّثا فاضلا بارعا.
(5/106)
وفيها توفّى الحسين «1» بن محمد [بن أحمد
«2» ] بن طلّاب أبو نصر خطيب دمشق فى صفر بها وله إحدى وتسعون سنة.
وكان إماما بارعا محدّثا فصيحا خطيبا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا.
وفتح الخليج فى سابع عشر مسرى، والماء على اثنتى عشرة إصبعا من ست عشرة
ذراعا. وأوفى فى رابع أيام النسىء، وبلغ سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع.
ونقص فى ثالث عشر بابة.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 471]
السنة الرابعة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة إحدى
وسبعين وأربعمائة.
فيما توفّى إبراهيم بن علىّ بن الحسين أبو إسحاق شيخ الصوفيّة بالشام.
سمع الحديث، وكان صاحب رياضات ومجاهدات. أقام بصور «3» أربعين سنة،
ومات بدمشق.
وفيها توفّى الحسن بن أحمد بن عبد الله أبو علىّ بن البنّاء الحنبلىّ.
ولد سنة سبع وتسعين وثلثمائة. وبرع فى الفقه وغيره، وصنّف فى كلّ فنّ.
وكان يقول: صنّفت خمسين ومائة مصنّف. وكانت وفاته فى شهر رجب هذه
السنة.
وفيها توفّى الحسين «4» بن أحمد بن عقيل بن محمد أبو علىّ بن ريش
الدمشقىّ. مات بدمشق فى جمادى الاخرة. وكان ثقة صدوقا فاضلا أديبا.
(5/107)
وفيها توفّى سعد بن علىّ بن محمد بن علىّ
بن الحسين الحافظ أبو القاسم الزّنجانىّ «1» الصّوفىّ. ولد سنة ثمانين
وثلثمائة، وطاف البلاد وسمع الكثير. وانقطع فى آخر عمره بمكّة وصار شيخ
الحرم.
وفيها توفّى عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر الجرجانىّ النحوىّ
اللغوىّ شيخ العربيّة فى زمانه. كان إماما بارعا مفتنّا. انتهت إليه
رياسة النّحاة فى زمانه.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع وعشرون «2» إصبعا.
وفتح الخليج فى سابع عشرين مسرى والماء على ثمانى عشرة إصبعا من ست
عشرة ذراعا. وكان الوفاء فى ثالث توت بعد ما توقّف ولم يزد إلى عاشر
مسرى. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة سبع عشرة ذراعا وعشرين إصبعا،
ونقص فى خامس بابة.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 472]
السنة الخامسة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة
اثنتين وسبعين وأربعمائة.
فيها توفّى منصور «3» بن بهرام الأمير نظام الملك صاحب ميّافارقين من
ديار بكر، وملك بعده ابنه ناصر الدولة.
(5/108)
وفيها توفّى هيّاج بن عبيد بن الحسين أبو
محمد الحطّينىّ الزاهد- وحطّين: قرية غربىّ طبريّة. ويقال: إن قبر شعيب
عليه السلام بها، وبنته صفوراء زوجة موسى عليه السلام أيضا بها. وحطّين
بكسر الحاء المهملة وفتحها-. وكان هيّاج المذكور إماما زاهدا. سمع
الحديث وبرع، وجاور بمكّة وصار فقيه الحرم ومفتى مكّة.
وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويأكل فى كلّ ثلاثة أيام مرّة، ويعتمر فى
كلّ يوم ثلاث مرّات على قدميه. وأقام بالحرم «1» أربعين سنة لم يحدث
فيه، وكان يخرج إلى الحلّ ويقضى حاجته. وكان يزور النّبيّ صلّى الله
عليه وسلّم فى كلّ سنة ماشيا، وكان يزور عبد الله بن عبّاس فى كلّ سنة
مرّة بالطائف؛ ويأكل أكلة بالطائف وأخرى بمكة، وما كان يدّخر شيئا، ولم
يكن له غير ثوب واحد. وفيه قال بعضهم:
[الوفر]
أقول لمكّة ابتهجى وتيهى ... على الدنيا بهيّاج الفقيه
إمام طلقّ الدنيا ثلاثا ... فلا طمع لها من بعد فيه
وكان سبب موته أنّ بعض الرافضة شكا إلى صاحب مكّة محمد بن أبى هاشم،
قال: إنّ أهل السّنة يستطيلون علينا بهيّاج، وكان صاحب مكّة المذكور
رافضيا خبيثا، فأخذه وضربه ضربا عظيما على كبر سنّة، فبقى أيّاما ومات،
وقد نيّف على الثمانين سنة، ودفن إلى جانب الفضيل بن عياض، رحمة الله
عليهما. ولمّا مات قال بعض العلماء: لو ظفرت النصارى بهيّاج لما فعلوا
فيه ما فعله به صاحب مكة هذا الخبيث!. قلت: وهم الآن على هذا المذهب
سوى أنّ الله تعالى قمعهم بالدولة التركيّة ونصر أهل السنّة عليهم،
وجعلهم رعايا ليس لهم بمكّة الآن غير مجرّد الاسم.
(5/109)
وفيها توفّى الحسن بن عبد الرحمن أبو علىّ
الفقيه المكىّ الشافعىّ فى ذى القعدة، وكان من الفضلاء.
وفيها توفّى أبو عبد الله يحيى بن أبى مسعود عبد العزيز بن محمد
الفارسىّ بهراة فى شوّال، وكان إماما فقيها نحويّا محدّثا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يتحرّر، «1» فإنّه زاد فى
بؤونة خمس أذرع، ثم نقص ثلاث أذرع؛ ولم يزد إلى ثانى عشرين أبيب. وفتح
الخليج فى عشرين مسرى والماء على تسع عشرة إصبعا من ستّ عشرة ذراعا.
وكثرت زيادته فى توت، وانتهى إلى خمس عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا، ثم
نقص فى ثانى بابة.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 473]
السنة السادسة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة ثلاث
وسبعين وأربعمائة.
فيها وصل السلطان ملكشاه السّلجوقىّ إلى الرّىّ لقتال ابن عمّه سلطان
شاه بن قاورد بك؛ فخرج إليه سلطان شاه مستأمنا وقبّل الأرض بين يديه.
فقام السلطان ملكشاه له وأجلسه بجانبه وتحالفا وزوّجه ابنته، وعاد
السلطان ملكشاه إلى أصبهان.
(5/110)
وفيها ملك جلال الملك أبو الحسن بن عمّار
قاضى طرابلس وصاحبها حصنّ جبلة «1» ، وكان ابن عمّار هذا قاضى طرابلس
وصاحبها، غلب على تلك البلاد سنين، وعجز بدر الجمالىّ أمير الجيوش عن
مقاومته.
وفيها عزل المقتدى بالله العباسىّ وزيره عميد الدولة واستوزر أبا شجاع
«2» محمد ابن الحسين الرّوذراورىّ «3» ، وكان صالحا عفيفا دينا. فهجاه
الموصلىّ فقال:
[الكامل]
ما استبدلوا ابن جهير «4» فى ديوانهم ... بأبى شجاع لرفعة وجلال
لكن رأوه أشحّ أهل زمانه ... فاستوزروه لحفظ بيت المال
وفيها توفّى محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن يوسف بن الشّبلى
أبو علىّ الشاعر البغدادىّ، كان شاعرا مجيدا؛ ومات فى المحرّم. ومن
شعره:
[الكامل]
لا تظهرنّ لعاذل أو عاذر ... حاليك فى السرّاء والضرّاء
فلرحمة المتوجّعين مرارة ... فى القلب مثل شماته الأعداء
(5/111)
وفيها توفّى محمد بن سلطان بن محمد بن
حيّوس الأمير الشاعر. كان أحد شعراء الشاميّين وفحولهم المجيدين، وكان
له ديوان شعر. ومات بدمشق فى شعبان وقد جاوز الثمانين سنة. وأنشد له
ابن عساكر قصيدة أولها:
[الطويل]
أسكّان نعمان الأراك تيقّنوا ... بأنكم فى ربع قلبى سكّان
وفيها توفّى علىّ بن محمد بن علىّ أبو كامل «1» الصّليحىّ الخارج
باليمن. قال ابن خلّكان: كان أبوه قاضيا باليمن سنّىّ المذهب، ثمّ ذكر
عنه فضيلة وأشياء أخر تدلّ على أنّه كان رافضيا خبيثا، إلى أن قال: ثمّ
إنه صار يحجّ بالناس على طريق السّراة «2» والطائف خمس عشرة سنة. انتهى
كلام ابن خلّكان. قلت: وتغلّب على اليمن حتّى ملكه، وجعل كرسىّ ملكه
بصنعاء، وبنى عدّة قصور، وطالت أيامه، ودخل سنة خمس وخمسين وأربعمائة
إلى مكّة واستعمل الجميل مع أهلها، ورخصت الأسعار، وأحبّه الناس لتواضع
كان فيه. ودخل معه مكّة زوجته «3» الحرّة التى كان خطب لها على منابر
اليمن؛ وأقام بمكّة شهرا ثمّ رحل. وكان يركب فرسا بألف دينار، وعلى
رأسه العصائب. وإذا ركبت زوجته الحرّة ركبت فى مائتى جارية بالحلىّ
والجواهر، وبين يديها الجنائب بالسروج الذهب.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا.
وفتح الخليج فى خامس توت والماء على خمس عشرة إصبعا من ستّ عشرة ذراعا.
وكان الوفاء فى خامس عشرين توت. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة ست «4»
عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. ونقص فى ثالث بابة.
(5/112)
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 474]
السنة السابعة والأربعون من ولاية المستنصر معدّ على مصر وهى سنة أربع
وسبعين وأربعمائة.
فيها توفّى داود ولد السلطان ملكشاه السّلجوقىّ فى يوم الخميس حادى
عشرين ذى الحجة بأصبهان، وحزن عليه والده ملكشاه حزنا جاوز الحدّ، وفعل
فى مصابه ما لم يسمع بمثله، ورام قتل نفسه دفعات وخواصّه تمنعه من ذلك،
ولم يمكّن من أخذه وغسله لقلّة صبره على فراقه، حتّى تغيّر وكادت
رائحته تظهر، فحينئذ مكّن منه.
وامتنع عن الطعام والشراب. واجتمع الأتراك والتّركمان فى دار المملكة
وجزّوا شعورهم، واقتدى بهم نساء الحواشى والحشم والأتباع والخدم، وجزّت
نواصى الخيول وقلبت السروج، وأقيمت الخيول مسوّدات، وكذا النساء
المذكورات؛ وأقام أهل البلد المأتم فى منازلهم وأسواقهم. وبقيت الحال
على هذا سبعة أيام، حتى كلّمه أرباب الدولة فى منع ذلك؛ وأرسل إليه
الخليفة يحثّه على الجلوس بالديوان.
وفيها سار تنش صاحب دمشق فافتتح أنطرطوس «1» وغيرها.
وفيها أخذ شرف الدولة صاحب الموصل حرّان «2» من بنى وثّاب النّميريين،
وصالحه صاحب الرّهاء وخطب له بها.
وفيها تملّك الأمير سديد الملك «3» أبو الحسن علىّ بن مقلّد بن نصر بن
منقذ الكنانىّ حصن شيزر، وانتزعه من الفرنج، بعد أن نازلها وتسلّمها
بالأمان وبمال
(5/113)
للأسقف. فلم تزل شيزر بيده وبيد أولاده إلى
أن هدمتها الزلزلة وقتلت أكثر من كان بها؛ فعند ذلك أخذها السلطان
الملك العادل نور الدين محمود الشهيد وأصلحها وجدّدها. وأمّا سديد
الملك فلم يحيى بعد أن تملّكها إلّا نحو السنة ومات. وكان شجاعا فارسا
شاعرا. وملكها بعده ابنه أبو المرهف نصر.
وفيها توفّى سليمان بن خلف بن سعد بن أيّوب بن وارث الإمام أبو الوليد
التّجيبيّ القرطبىّ الباجىّ صاحب التصانيف. أصله بطليوسىّ، «1» وانتقل
آباؤه إلى باجة، وهى مدينة قريبة من إشبيلية. وولد فى ذى القعدة سنة
ثلاث وأربعمائة.
ورحل البلاد وحجّ وسافر إلى الشام وبغداد، وسمع بهما الكثير. قال
القاضى عياض: وولى قضاء مواضع من الأندلس، وذكر مصنّفاته وأثنى على
علمه وفضله.
وفيها توفّى نور الدولة دبيس بن علىّ بن مزيد أبو الأغرّ صاحب الحلّة
«2» . عاش ثمانين سنة، كان فيها أميرا نيّفا وستّين سنة؛ وكان الطبول
تضرب على بابه فى أوقات الصلوات، وكان جوادا ممدّحا، كان محطّ رحال
الرافضة- أخزاهم الله- وملك بعده ابنه أبو كامل بهاء الدولة منصور.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى عشرة إصبعا.
وفتح الخليج فى خامس عشرين مسرى، والماء على ثمانى عشرة إصبعا من ستّ
عشرة ذراعا. وكان الوفاء أوّل أيّام النسىء. وبلغ ثمانى عشرة ذراعا
وثلاث عشرة إصبعا. ونقص فى ثالث بابة.
(5/114)
|