النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 525]
السنة الأولى من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة خمس وعشرين
وخمسمائة.
فيها توفّى حمّاد بن مسلم الرّحبىّ الشيخ الإمام الصالح المسّلك، أستاذ
الشيخ عبد القادر فى التصوّف وشيخه. سمع الحديث. وكان على طريق التصوّف
يدّعى «2» المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن. وكان يعطى كلّ من تصيبه
حمّى لوزة وزبيبة فيأكلهما فيبرأ، وصار الناس يتردّدون إليه وينذرون
إليه النذور، فيقبل الأموال ويفرّقها على أصحابه، ثم كره أخذ النذور،
حتّى مات فى شهر رمضان ببغداد، ودفن بالشّونيزيّة «3» . وكان من
الأبدال الصالحين. ويعرف بحمّاد الدّبّاس. رحمة الله عليه.
وفيها توفّى السلطان محمود بن السلطان محمد شاه ابن السلطان ملكشاه ابن
السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق، عضد الدولة
السلجوقىّ. كان ملكا شجاعا. وكان قد عزم على إفساد الأمور على الخليفة
المسترشد
(5/246)
العباسىّ، فعاجله الموت بهمذان فى يوم
الخميس خامس عشر شوّال؛ وعمره ثمان «1» وعشرون سنة؛ ومدّة مملكته أربع
عشرة سنة. وكان قد عهد إلى ابنه داود وهو صغير فى حجر زوج أمّه أحمد
«2» يلى صاحب أذربيجان. فجدّد أبو القاسم وزير محمود على الأمراء
العهود، وكتب إلى أحمديلى بذلك. وكان مسعود أخو محمود المتوفّى ببلاد
أرمينية، فتحرّك لطلب السلطنة، فكتب إلى الخليفة ولم يكتب لعمّه سنجر
شاه السلجوقىّ، فمشى سنجر شاه وولى السلطنة لابن أخيه طغرل (أعنى لعمّ
الصبىّ داود) ورتّب لداود ما يكفيه إلى أن يكبر. ووقع بعد ذلك أمور.
وفيها توفّى محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد أبو عبد الله الرازىّ «3»
ثم المصرىّ المعدّل الشاهد، ويعرف بابن الحطّاب، مسند الديار المصريّة
وشيخ الإسكندريّة، مات فى سادس جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة.
وفيها توفّى هبة «4» الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العبّاس بن
الحصين أبو القاسم الشيبانىّ الهمذانىّ الكاتب البغدادىّ مسند العراق.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وسمع الكثير وحدّث وروى عنه غير
واحد.
وفيها قتل الوزير أبو علىّ أحمد بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر
الجمالىّ الأرمنىّ ثم المصرىّ وزير الحافظ العبيدىّ. قال الحافظ أبو
عبد الله الذهبىّ:
(5/247)
«صاحب مصر وسلطانها الملك الأكمل أبو علىّ
وابن صاحبها ووزيرها» (يعنى الأفضل) . قلت: والحقّ ما نعته به الذهبىّ؛
فإن أحمد هذا ووالده وجدّه هم كانوا أصحاب مصر، والخلفاء معهم كانوا
تحت الحجر والضيق. وتصديق [ذلك «1» ] ما خلفه الأفضل شاهنشاه أبو صاحب
الترجمة من الأموال والمواشى وغير ذلك. وإنما «2» كان يطلق عليهم
بالوزراء إلّا لكون العادة كانت جرت بأن الملك للخليفة لا وهم بلا
مدافعة انهم كانوا أعظم من سلاطين زماننا هذا.
ولمّا قتل أبوه الأفضل فى سنة خمس عشرة وخمسمائة فى خلافة الآمر وأخذ
الآمر أمواله، سجن ابنه أحمد هذا إلى أن مات. فلمّا مات الآمر أخرج من
السجن وجعل أمر مصر إليه، ووزر واستولى على الديار المصريّة. وحجر على
الحافظ الخليفة ومنعه من الظهور، حسب ما ذكرناه فى ترجمة الحافظ. من
أمر قتلته وكيف قتل، فلا يحتاج للتكرار هنا. وبموته صفا الوقت للحافظ
واستولى على الملك، وسكن القصر على عادة الخلفاء إلى أن مات.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة
ستّ عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 526]
السنة الثانية من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ست وعشرين
وخمسمائة.
(5/248)
فيها توفّى أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر
المستوفى المعروف بالعزيز عمّ العماد الكاتب. قبض عليه الأنساباذىّ «1»
وزير طغرل وسلّمه إلى بهروز الخادم، فحمله إلى تكريت «2» فقتل بها.
وكان من رؤساء الأعاجم، ولد بأصبهان، وهو من بيت كتابة وفضل.
وفيها توفّى الملك تاج الملوك بورى بن ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق.
ولى أمر دمشق بعد موت أبيه الأتابك طغتكين فى سنة اثنتين وعشرين
وخمسمائة.
وكان حليما شجاعا شهما. قتل أبا علىّ المزدقانىّ وجماعة كثيرة من
الإسماعيليّة. قال ابن عساكر: بعث إليه الإسماعيليّة برجلين فضرباه
بالسكاكين، وهو قد خرج من الحمام، فأثّر فيه بعض الأثر، وأقام ينتقض
«3» عليه الجرح تارة ويندمل تارة إلى أن مات فى شهر رجب بعد سنين. ولما
احتضر أوصى إلى ولده شمس الملوك إسماعيل فولى بعده. وكانت ولاية بورى
على دمشق ثلاث سنين وشهورا.
وفيها توفّى عبد الكريم بن حمزة بن الخضر المحدّث الفاضل ابن محمد
السلمىّ الدمشقىّ، سمع الكثير، وتوفّى بدمشق. وأنشد لأبى القاسم
العجلىّ قوله:
[البسيط]
الضيف مرتحل والمال عارية ... وإنّما الناس فى الدنيا أحاديث
فلا تغرنّك الدنيا وزهرتها ... فإنّها بعد أيّام مواريث
واعمل لنفسك خيرا تلق نائله ... فالخير والشر بعد الموت مبثوث
(5/249)
وفيها توفّى علىّ بن عبيد «1» الله بن نصر
بن عبيد الله بن سهل «2» ، الإمام أبو الحسن ابن الزاغونىّ «3» شيخ
الحنابلة ببغداد. سمع الكثير بنفسه ونسخ بخطّه. وولد سنة خمس وخمسين
وأربعمائة. وكان إماما فقيها متبحّرا فى الأصول والفروع متقنا واعظا
شاعرا.
وفيها توفّى أحمد بن عبيد «4» الله بن كادش، الإمام المحدّث أبو العز
العكبرىّ، مات فى جمادى الأولى وله تسعون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع. مبلغ
الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 527]
السنة الثالثة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة سبع وعشرين
وخمسمائة.
فيها خطب لمسعود بن محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ ببغداد، ومن بعده
لابن أخيه داود، وخلع عليهما وعلى [آق «5» ] سنقر الأحمديلى.
وفيها فتح شمس الملوك بن تاج الملوك بورى ابن الأتابك طغتكين صاحب دمشق
[حصن «6» ] بانياس من يد الفرنج.
(5/250)
وفيها توفّى أحمد بن عمّار بن أحمد بن
عمّار أبو عبد الله الحسينىّ، العالم الفاضل الفصيح الكوفىّ. قدم بغداد
ومدح الوزير ابن صدقة. ومن شعره:
[السريع]
وشادن فى الشّرب قد أشربت ... وجنته ما مجّ راووقه
ما شبّهت يوما أباريقه ... بريقه إلّا أبى ريقه
قلت: وهذا يشبه قول القائل مواليا، ولم أدر من السابق لهذا المعنى:
قم اسقنى ما تبقىّ فى أباريق ... أما ترى الصبح قد لاحت أباريق
مع شادن قد روّق سقاريق ... يسقى المدام وإن عزّت سقاريق
وقريب من هذا الشخص كان بخدمتى، يسمّى بدر الدين حسن الزركشىّ رحمه
الله:
أفدى مهفهف وقد روّق دواريق ... بالسقم داوى لقلبى من دواريق
داساحر اللحظ قد صفّت نماريق ... مزج المدام بحضرا من نماريق
وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد القاضى أبو سعيد
النيسابورىّ.
ولد بنيسابور وقدم بغداد، وكان رئيس نيسابور وقاضيها، وله دنيا واسعة
ومنزلة تامّة عند الخاص والعامّ. ومات فى ذى الحجة بنيسابور. وكان
فقيها نبيلا ثقة.
وفيها توفّى محمد بن الحسين بن علىّ بن إبراهيم الإمام المحدّث الفرضىّ
أبو بكر المزرفىّ «1» ، سمع الكثير وانفرد بعلم الفرائض فى عصره. ومات
فى سجوده فى المحرّم.
وكان ثقة صالحا.
وفيها توفّى أبو خازم محمد ابن القاضى أبى يعلى بن الفرّاء الحنبلىّ
الفقيه الصالح.
مات فى صفر وهو من بيت علم وفضل.
(5/251)
وفيها توفّى الفقيه العلّامة أسعد بن أبى
نصر الميهنىّ «1» شيخ الشافعيّة فى عصره وعالمهم، مات فى هذه السنة فى
قول الذهبىّ.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وخمس وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 528]
السنة الرابعة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثمان وعشرين
وخمسمائة.
فيها عاد طغرل إلى همذان «2» ومالت العساكر إليه وانحلّ أمر أخيه
مسعود.
ومسعود وطغرل كلاهما ولد محمد شاه بن ملكشاه السلجوقىّ.
وفيها خرج شمس الملوك صاحب دمشق يتصيّد، وانفرد من عسكره؛ فوثب عليه
أحد مماليك جدّه طغتكين يعرف بإيلبا. وضربه بالسيف ضربة هائلة، فآنقلب
السيف من يده، فرمى بنفسه إلى الأرض؛ وضربه أخرى فوقعت فى عنق الفرس،
وحال بينهما الفرس فانهزم إيلبا. وعاد شمس الملوك إلى دمشق سالما،
ورتّب الغلمان فى طلب إيلبا حتى ظفروا به. فلمّا جاءوا به إليه، قال:
ما الذي حملك على قتلى؟ قال: لم أفعله إلّا تقرّبا إلى الله لظلمك
الناس. ثم قرّره فأقرّ على جماعة؛ فجمع شمس الملوك الجميع وقتلهم صبرا
بين يديه. ولم يكفه قتلهم حتّى اتّهم أخاه سونج فجعله فى بيت، وسدّ
عليه الباب حتّى مات. ثم بعد ذلك بالغ فى سفك الدماء والظلم والأفعال
القبيحة إلى أن أخذه الله، حسب ما يأتى ذكره.
(5/252)
وفيها أيضا وقع الخلف بين ولدى الخليفة
الحافظ صاحب الترجمة، وهما أبو علىّ الحسن المقتول بالسمّ المقدّم ذكره
فى ترجمة أبيه، وهو كان ولىّ العهد بعد سليمان، وبين أخيه أبى تراب
حيدرة، وكان ذلك بحضرة والدهم الحافظ بمصر.
وانقسم العسكر فرقتين، أحدهما على مذهب السنّة، والثانى على مذهب
الرافضة، ووقع بينهم القتال، فكان النصر لولىّ العهد؛ وأباد الحسن من
تبع أخاه من السودان والأمراء بالقتل. وبعد هذا كان ركوب الأمراء بين
القصرين على الحافظ لطلب حسن هذا حتّى قتله أبوه الحافظ بالسمّ الذي
صنعه ابن قرقة اليهودىّ، وقد تبيّن ذكر ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة
الحافظ.
وفيها توفّى أحمد بن إبراهيم الشيخ الإمام أبو الوفاء الفيروزآبادي-
وفيروزآباذ:
أحد بلاد فارس- وقد تقدّم الكلام على أنّ كل اسم بلد يكون فيها «باذ»
فهو بالتفخيم- كان إماما محدّثا، سمع الكثير، وخدم مشايخ الصوفيّة،
وكان حافظا لسيرهم وأشعارهم، وكان يسمع الغناء، ويقول لعبد الوهّاب
الأنماطىّ: إنى لأدعولك وقت السماع. وكان الأنماطىّ يتعجّب ويقول: أليس
هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة! وكانت وفاته فى صفر، وحصر جنازته خلق
كثير، وكان صالحا ديّنا.
وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن أبى بكر الشاشىّ، كان فقيها مفتيا
مناظرا ظريف الشمائل حسن العبارة، ويعظ وينشئ الكلام المطابق المجانس.
ومن شعره:
[الدوبيت]
الدمع دما يسيل من أجفاني ... إن عشت مع الفراق ما أجفانى
سجنى شجنى وحالتى «1» سجّانى ... والعاذل بالملام قد سجّانى
(5/253)
والذكر لهم يزيد فى أشجانى ... والنوح مع
الحمام قد أشجانى
ضاقت ببعاد منيتى «1» أعطانى ... والبين به الهموم قد أعطانى
وفيها توفّى علىّ بن محمد الأديب أبو الحسن العنبرىّ، ويقال له: ابن
دوّاس القنّاء. كان شاعرا فصيحا. أصله من البصرة وسكن واسطا وبها مات.
ومن شعره من أوّل قصيدة:
[البسيط]
هل أنت منجزة بالوصل ميعادى ... أم أنت مشمتة بالهجر حسّاى
وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن تومرت الأمير أبو عبد الله المنعوت
بالمهدىّ الهرغىّ «2» صاحب دعوة عبد المؤمن بن علىّ. كان ابن تومرت هذا
ينسب إلى الحسن ابن علىّ بن أبى طالب- رضى الله عنهما- وأصله من جبل
السوس من أقصى بلاد المغرب، ونشأ هناك، ثم رحل فى شبيبته إلى العراق
وغيره، وسمع الحديث وتنسّك وهجر لذّات الدنيا؛ ثم عاد إلى المغرب
وانتهى إلى بجاية «3» ، فكسّر بها آلات اللهو وأهرق الخمور. ثمّ خرج
منها إلى قرية يقال لها ملّالة «4» ، فرأى بها عبد المؤمن ابن علىّ
فتفرّس فيه النجابة، وسأله عن نسبه حتى عرّفه عبد المؤمن. فقال له:
أنت بغيّى. وقال ابن تومرت هذا لأصحابه: هذا الذي بشّر به النّبيّ صلى
الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله تعالى ينصر هذا الدين برجل من قيس
سليم» واستبشر به ابن تومرت هذا. ثمّ وقع له مع ملوك المغرب وقائع
وأمور يطول شرحها حتّى ملك عدّة بلاد. وكان ابتداء أمره فى سنة اثنتى
عشرة وخمسمائة- وقيل: سنة
(5/254)
أربع عشرة وخمسمائة- ومولده فى يوم عاشوراء
سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
ومات فى هذه السنة، وقال ابن خلّكان: فى سنة أربع وعشرين. والله أعلم.
ومن شعره:
[المتقارب]
أخذت بأعضادهم إذ نأوا ... وخلّفك القوم إذ ودّعوا
فكم أنت تنهى ولا تنتهى ... وتسمع وعظا ولا تسمع
فيا حجر الشّحذ حتّى متى ... تسنّ الحديد ولا تقطع
وكان كثيرا ما يتمثّل بهذا البيت:
[الطويل]
تجرّد من الدنيا فإنك إنّما ... سقطت «1» على الدنيا وأنت مجرّد
وكان يتمثّل أيضا بقول المتنبى:
[الوافر]
إذا غامرت فى شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت فى أمر حقير ... كطعم الموت فى أمر عظيم
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 529]
السنة الخامسة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
فيها توفّى شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك بورى ابن الأتابك ظهير
الدين طغتكين صاحب دمشق. كانت ساءت سيرته وصادر الناس وأخذ أموالهم
وسفك الدماء، وظهر منه شحّ زائد، وقتل مماليك أبيه وجدّه. وقد ذكرنا من
أخباره فى السنة الماضية تبيين ذلك. وزاد ظلمه حتى كتب أهل دمشق إلى
زنكى بن آق سنقر
(5/255)
بالمسير إليهم. فقيل: إنه مات قبل وصول
زنكى إلى الشام، واستراح أهل دمشق منه.
وفيها توفّى دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علىّ بن مزيد الأمير أبو
الأغرّ الأسدىّ. أصله من بنى أسد- وقيل: من بنى خفاجة- وأوّل من ظهر من
بيته جدّه الأكبر مزيد فى أيّام بنى بويه؛ ومات مزيد فقام علىّ ولده
مقامه؛ وكان عائنا، ما وقعت عينه على شىء إلّا هلك. ثم قام بعده ابنه
دبيس، ثمّ منصور؛ فجرى من منصور فى الخليفة القائم بأمر الله ما جرى.
ثم مات منصور وخلّف ابنه صدقة، فخدم ملكشاه السلجوقىّ ثم خالف ابنه
بركياروق فقتله بركياروق. وقام بعده ابنه دبيس صاحب الترجمة؛ وكان شرّ
أهل بيته، يرتكب الكبائر ويفعل العظائم، ولقى منه الخليفة والمسلون
شرورا كثيرة، وأبطل الحجّ، وأباح الفروج فى شهر رمضان.
وكانت أيّامه سبعا وستين سنة إلى أن قتله السلطان مسعود السلجوقىّ صبرا
فى ذى الحجّة.
وكان دبيس المذكور كثيرا ما ينشد:
[الكامل]
إنّ الليالى للأنام مناهل ... تطوى وتبسط بينها الأعمار
فقصارهنّ مع الهموم طويلة ... وطوالهنّ مع السرور قصار
وكان قتله بالمراغة «1» .
وفيها توفّى الخليفة أمير المؤمنين المسترشد بالله أبو منصور الفضل ابن
الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بالله عبد الله ابن
الأمير محمد الذخيرة ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله العباسىّ
الهاشمى البغدادىّ. بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى شهر ربيع الآخر سنة
اثنتى عشرة وخمسمائة. ومولده فى حدود
(5/256)
سنه خمس وثمانين وأربعمائة. وأمّه أمّ ولد
تسمّى لبابة «1» . وكان شهما شجاعا ذا همّة ومعرفة وعقل، وكان مشتغلا
بالعبادة، سالكا فى الخلافة سيرة القادر. قرأ القرآن وسمع الحديث وقال
الشعر، ومن شعره:
[الطويل]
أنا الأشقر الموعود بى فى الملاحم ... ومن يملك الدنيا بغير مزاحم
ومات قتيلا. وكان سبب ذلك أنّه خرج لقتال مسعود بن محمد شاه بن ملكشاه
السلجوقىّ فخالف عليه عسكره فانكسر وأسر. فراسل سنجر شاه عمّ مسعود
يلوم مسعودا؛ فرجع مسعود عن قتاله وضرب له السّرادق، فنزل المسترشد هذا
فيه. ثمّ وصل رسول سنجر شاه إلى الخليفة ومعه سبعة عشر نفرا من
الباطنيّة؛ فركب مسعودا لتلقّى رسول عمّه سنجر شاه ومعه العسكر، فسبقت
الباطنيّة فى زىّ الغلمان ودخلوا على الخليفة وضربوه بالسكاكين حتّى
قتلوه وقتلوا من كان عنده؛ وعادت العساكر فأحدقت بالسرادق، وخرج
الباطنيّة والسكاكين بأيديهم فيها الدم؛ فمالت العساكر عليهم فقتلوهم
وأحرقوهم. وغطّى الخليفة بسندسة خضراء لفّوه فيها، ودفن على حاله بباب
مراغة. وكان قتله فى سابع عشر ذى القعدة، وعمره خمس وأربعون سنة،
وخلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأيام. وبويع بالخلافة بعده ابنه
أبو جعفر منصور، ولقب بالراشد، وكان ببغداد.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثلاث أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 530]
السنة السادسة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثلاثين
وخمسمائة.
(5/257)
فيها خلع الخليفة الراشد بالله أبو جعفر
منصور بن المسترشد المقدّم ذكره، لأمور وقعت بينه وبين السلطان سنجر
شاه وابن أخيه السلطان مسعود وقطع خطبته. وكاتب الخليفة زنكى بن آق
سنقر وأطمعه فى الملك، وقال: يكون السلطان ألب أرسلان بن محمود بن محمد
شاه بن ملكشاه، وأنت تكون أتابكه؛ فكان هذا أوّل سبب الفتنة، وخرج
الخليفة من بغداد، ووقع له أمور آلت إلى خلعه.
قال صدقة الحدّاد الحنبلىّ فى تاريخه: إن الوزير أبا القاسم بن طرّاد
صدّر محضرا على الراشد فيه أنواع من الكبائر ارتكبها من الفسق والفجور
ونكاح أمّهات أولاد أبيه وأخذ أموال الناس وسفك الدماء، وأنّه فعل
أشياء لا يجوز أن يكون معها إماما. فتوقّف الشهود؛ فهدّدهم ابن طرّاد
وقال: علمتم صحّة هذا، فما المانع من إقامة الشهادة! فشهدوا. وكان
السلطان مسعود قد جمع القضاة والشهود والأعيان وأخرج لهم نسخة يمين
كانت بينه وبين الراشد، أخذها عليه بخطّه: «متى حشدت «1» أو حاذيت
وجذبت سيفا فى وجه مسعود فقد خلعت نفسى من هذا الأمر» ، وفيها خطوط
القضاة والشهود بذلك. فحكم القضاة حينئذ بخلعه؛ فخلع فى يوم الاثنين
ثامن عشر ذى القعدة. وولّوا المقتفى محمد ابن المستظهر أخ المسترشد عمّ
الراشد هذا، وحبس الراشد إلى أن مات، حسب ما يأتى ذكره إن شاء الله فى
محله.
وفيها توفّى القاسم بن عبد الله بن القاسم القاضى شمس الدين
الشّهرزورىّ أخو القاضى كمال الدّين الشهرزورىّ، ولى قضاء الموصل، وكان
يعظ وله قبول حسن، وللناس فيه اعتقاد.
(5/258)
وفيها توفّى يوسف بن فيروز حاجب شمس الملوك
إسماعيل. كان [من «1» ] مماليك طغتكين. حقدوا عليه لأنّه هو الذي أشار
على شمس الملوك بقتل إيلبا الذي ضرب شمس الملوك بالسيف، حسب ما ذكرناه؛
فاتّفقوا على قتله؛ فالتقاه بزاوش «2» الأتابكىّ عند المسجد الجديد
فضربه بالسيف على وجهه فقتله فى جمادى الآخرة.
وفيها توفّى الإمام العلّامة أبو الحسن علىّ بن أحمد بن منصور بن قيس
الغسّانىّ المالكىّ النحوىّ. كان إماما فقيها عالما نحويّا، حلّق ودرّس
سنين وأقرأ النحو وقصده الناس وانتفع به خلق كثير.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثمانى أصابع. مبلغ
الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 531]
السنة السابعة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.
فيها أرسل السلطان مسعود طالب الخليفة المقتفى لأمر الله العبّاسىّ
وحواشيه بمائة ألف دينار. فبعث إليه المقتفى يقول: ما رأيت أعجب من
أمرك! أنت تعلم أنّ أخى المسترشد سار من بغداد إليك بأمواله، فوصل
الكلّ إليك ورجع أصحابه بعد قتله عراة، وولى ابن أخى الراشد ففعل ما
فعل، ثمّ رحل وأبقى أمواله وخزائنه فى الدار، فأخذت الجميع. وأمّا
الناس فإنّى عاهدت الله أنّى لا آخذ لأحد شيئا، وقد أخذت أنت أيضا
الجوالى «3» والتركات «4» ؛ فمن أىّ وجه أقيم لك هذا المال!.
(5/259)
وفيها تتبّع المقتفى القوم الذين أفتوا
بفسق الراشد وكتبوا المحضر، وعاقب من استحقّ العقوبة، وعزل من يستحقّ
العزل، ونكب الوزير شرف الدّين علىّ بن طرّاد. وقال المقتفى: إذا فعلوا
هذا مع غيرى فهم يفعلونه معى؛ واستصفى أموال الزينبى، واستوزر عوضه
سديد الدولة بن الأنبارىّ «1» ، وكان كاتب الإنشاء.
وفيها توفى مرشد بن علىّ بن المقلد بن نصر بن منقذ الأمير أبو سلامة
صاحب شيزر. كان عارفا بفنون العلوم والآداب، صالحا كثير العبادة
والتلاوة. وكان أخوه نصر ولّاه شيزر فتركها وقال: لا أدخل فى الدنيا!
وولّاها أخاه سلطان بن علىّ.
وسافر البلاد، وكان له يد طولى فى العربيّة والمكاتبة والشعر. كان كثير
الصوم شديد البأس والنجدة فى الحرب حسن الخطّ، كتب بخطّه سبعين ختمة،
وكان له شعر.
وفيها توفّى بدران بن صدقة بن منصور، وهو من بنى مزيد، ولقبه شمس «2»
الدولة.
ولمّا فعل أخوه دبيس ما فعل بالعراق وتغيّرت أحواله، خرج إلى مصر،
فأكرمه صاحبها الحافظ صاحب الترجمة. وكان أديبا فاضلا، مات فى هذه
السنة.
وفيها توفّى إسماعيل بن أبى القاسم بن أبى بكر النيسابورىّ الإمام
القارئ، مات فى شهر رمضان. وكان رأسا فى علم القرآن وغيره.
وفيها توفى الحافظ أبو جعفر محمد بن أبى علىّ الهمذانىّ الحافظ المحدّث
المشهور، سمع الكثير وكتب وصنّف وحدّث، وروى عنه غير واحد.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع
عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.
(5/260)
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 522]
السنة الثامنة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة اثنتين
وثلاثين وخمسمائة.
فيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد «1» الشيخ أبو بكر الدّينورىّ
الحنبلىّ، تفقّه على أبى الخطّاب الكاوذانىّ، وبرع فى الفقه والمناظرة.
ومات فى جمادى الأولى، ودفن قريبا من الإمام أحمد بن محمد بن حنبل. رضى
الله عنه.
وفيها توفّى الوزير أنوشروان [بن محمد «2» ] بن خالد بن محمد أبو نصر
القاشانىّ القينىّ (وقين: قرية من قرى قاشان «3» ) وزر المسترشد
الخليفة وللسلطان مسعود «4» السلجوقىّ.
وكان مهيبا عاقلا فاضلا. وهو كان السبب فى عمل الحريرىّ المقامات التى
أنشأها.
حكى أنّ الحريرىّ كان جالسا بمسجد ببنى حرام، وهى محلّة من محال
البصرة، إذ دخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر رثّ الثياب. فاستنطقه
الحريرىّ فإذا هو فصيح اللهجة حسن العبارة. فسأله من أين الشيخ؟ فقال:
من «5» سروج.
قال: فما كنيته؟ قال: أبو زيد. فعمل الحريرىّ المقامة الحراميّة بعد
قيامه من ذلك المجلس. هكذا قال صاحب مرآة الزمان.
قلت: ولعلّ الحريرىّ كان سمع به قبل ذلك وما اجتمع به؛ فإنّ الذهبىّ
قال عن أبى زيد السّروجىّ: إنّه رجل مكد لحوح فصيح العبارة يسمى
المطهّر «6»
(5/261)
ابن سلّار. وكان الوزير أنوشروان كريما
جوادا ذا همّة عالية وإقدام. ومات فى شهر رمضان. رحمه الله.
وفيها توفّى المسند بدر بن عبد الله أبو النجم، سمع الحديث الكثير،
ومات فى شهر رمضان عن ثمانين سنة ببغداد. وكان سليم الباطن. طلب منه
أصحاب الحديث إجازة، فقال: كم تستجيزون! ما بقى عندى إجازة.
وفيها توفّى الأمير البقش «1» السّلاحىّ. كان أميرا كبيرا، ناب عن
السلطان فى ممالك؛ ثم توهّم السلطان منه وقبض عليه وحبسه بقلعة تكريت،
ثم أمر بقتله، فغرّق نفسه فى دجلة، فأخرج من الماء وقطع رأسه وحمل إلى
السلطان.
وفيها توفّى الحسين بن تلمش «2» بن يزدمر أبو الفوارس التركىّ الصوفىّ
البغدادىّ.
كان شاعرا. ومن شعره:
[الخفيف]
أتمنّى أنّى أكون مريضا ... علّها أن تعود فى العوّاد
فتراها عينى فيذهب عنّى ... ما أقاسيه من جوى فى فؤادى
وفيها توفّى محمد بن عبد الملك بن محمد الشيخ أبو الحسن الكرجىّ «3» .
كان محدّثا فقيها شاعرا شافعىّ المذهب، وصنّف فى مذهبه. وكان كريما
جوادا. ومن شعره:
[الوافر]
تناءت داره عنّى ولكن ... خيال جماله فى القلب ساكن
إذا امتلأ الفؤاد به فماذا ... يضرّ إذا خلت منه المساكن
(5/262)
وفيها توفّى الخليفة الراشد بالله أبو جعفر
منصور ابن الخليفة المسترشد بالله أبى منصور الفضل ابن الخليفة
المستظهر بالله أحمد ابن الخليفة المقتدى بأمر الله عبد الله ابن
الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله،
العباسىّ الهاشمى. بويع بالخلافة بعد قتل أبيه المسترشد فى ذى القعدة
سنة تسع وعشرين وخمسمائة. ومولده فى سنة اثنتين وخمسمائة. وخرج بعد
خلافته بمدّة إلى الموصل لقتال مسعود وغيره، فخذله أصحابه؛ فقبض
السلطان مسعود عليه، وخلعه من الخلافة، حسب ما ذكرناه فى سنة ثلاثين
وخمسمائة، وحبسه إلى أن قتله فى هذه السنة. وأمّه أمّ ولد حبشية يقال
لها [أمّ السادة «1» ] . ويقال: إنّ الراشد هذا ولد مسدودا، فأحضر أبوه
المسترشد الأطبّاء، فأشاروا أن يفتح له مخرج بالة من ذهب، ففعل به ذلك
فنفع. وحكى عن الراشد هذا أيضا أن والده أعطى له عدّة جوار وعمره أقلّ
من تسع سنين، وأمرهنّ أن يلاعبنه؛ وكانت فيهنّ جارية حبشية فحملت من
الراشد فلمّا ظهر الحمل وبلغ المسترشد أنكره لصغر سنّ ولده الراشد؛
وسألها فقالت:
والله ما تقدّم إلىّ غيره، وإنّه احتلم. فسأل باقى الجوارى فقلن كذلك.
ووضعت الجارية صبيا وسمّى أمير الجيش. وقيل لأبيه: إنّ صبيان تهامة
يحتلمون لتسع، وكذلك نساؤهم. وكانت قتلة الراشد هذا فى شهر رمضان من
هذه السنة بظاهر أصبهان. وقال الذهبىّ: إنّ قتلته كانت فى الخالية.
والله أعلم.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وإصبع واحدة.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.
(5/263)
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 523]
السنة التاسعة من ولاية الحافظ عبد المجيد على مصر وهى سنة ثلاث
وثلاثين وخمسمائة.
فيها كانت زلزلة عظيمة أهلكت مائتى ألف وثلاثين ألف إنسان، قاله صاحب
مرآة الزمان. وقال ابن القلانسىّ: إنّها كانت بالدنيا كلّها، وإنما
كانت يحلب أعظم، جاءت ثمانين مرّة، ورمت أسوار البلد وأبراج القلعة،
وهرب أهل البلد إلى ظاهرها.
وفيها توفى إسماعيل بن محمد بن أحمد الشيخ الأديب أبو طاهر الوثّابىّ
«1» . كان شاعرا فصيحا مترسّلا.
وفيها توفّى علىّ بن أفلح الرئيس أبو القاسم الكاتب البغدادىّ. كان
عالما فاضلا كاتبا شاعرا. تقدّم عند الخليفة المسترشد حتّى إنّه لقّبه
جمال الملك وأعطاه الذهب ورتّب له الرواتب. ثمّ بلغه عنه أنّه كاتب
دبيسا، فأراد القبض عليه، فهرب إلى تكريت واستجار ببهروز «2» الخادم؛
فشفع فيه فعفا عنه الخليفة. ومن شعره:
[البسيط]
دع الهوى لأناس يعرفون به ... قد ما رسوا الحبّ حتّى لان أصعبه
بلوت نفسك فيما لست تخبره ... والشيء صعب على من لا يجرّ به
وفيها توفّى الأمير محمود بن تاج الملوك بورى بن الأتابك ظهير الدين
طغتكين، الملك شهاب الدين صاحب دمشق. ولى دمشق مكان أبيه- قلت: ولعلّه
(5/264)
ولى بعد أخيه شمس الملوك إسماعيل. والله
أعلم- ولمّا ولى إمرة دمشق ساءت سيرته، فاستوحش منه جماعة من أمرائه
واتّفقوا على قتله مع يوسف الخادم والتّفش «1» الأرمنىّ. وكانا ينامان
حول سريره وساعدهما عنبر الفرّاش الخركاوىّ على ذلك. فلمّا كان ليلة
الجمعة ثالث عشرين شوّال ذبحوه على فراشه وخرجوا هاربين؛ فظفروا بهم
وأخذوا يوسف وعنبرا فصلبا، وهرب التّغش. وكتب الأمراء إلى أخى محمود
هذا، وهو محمد بن بورى بن طغتكين وكان ببعلبكّ، وكان صبيّا لم يبلغ
الحلم، فجاء مسرعا ودخل دمشق، فملّكوه ولقّبوه جمال الدين. وانتهى
الخبر إلى خاتون صفوة الملك والدة محمود المقتول؛ فراسلت الأمير عماد
الدين زنكى بن آق سنقر تعرّفه الحال وتطلب منه أخذ الثأر؛ فجاء إلى
دمشق وملكها بالأمان، ثم غذر بهم وأمر بقتلهم وصلبهم.
قلت: وعماد الدين زنكى هذا هو والد السلطان نور الدين محمود بن زنكى
المعروف بالشهيد.
وفيها توفّى الشيخ الإمام المقرئ أبو العبّاس أحمد بن عبد الملك بن أبى
جمرة «2» .
كان عالما فاضلا سمع الحديث وروى عنه غير واحد، وهو آخر من روى
بالإجازة عن أبى عمرو الدانى «3» .
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس أصابع.
(5/265)
*** [ما وقع من الحوادث سنة 534]
السنة العاشرة من ولاية الحافظ على مصر وهى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
فيها قتل الأمير جوهر خادم السلطان سنجر شاه بن ملكشاه السلجوقىّ.
كان خادما حبشيّا حاكما فى الدّول. قتله باطنىّ جاءه فى صورة امرأة
فاستغاث به؛ فوقف له جوهر لأخذ ظلامته؛ فرمى الإزار ووثب عليه وقتله؛
فقتلته خدم جوهر فى الوقت. وعزّ على سنجر شاه قتله وحزن عليه.
وفيها توفّى يحيى بن علىّ بن عبد العزيز القاضى الزّكىّ أبو الفضل قاضى
دمشق، وهو جدّ ابن عساكر لأمّه. تفقّه على أبى بكر الشاشىّ ببغداد،
وتفقّه بدمشق على القاضى المروزىّ، ومات بدمشق فى هذه السنة. وقال
الذهبىّ: فى الآتية، وكان إماما فاضلا عالما. رحمه الله.
وفيها توفّى الأمير جمال الدين محمد ابن الأمير تاج الملوك بورى ابن
الأتابك ظهير الدين طغتكين صاحب دمشق. كان ملك دمشق بعد قتل أخيه
محمود، فلم تطل مدّته، وحضر الأمير زنكى بن آق سنقر وأخذ دمشق منه
واستولى عليها، حسب ما ذكرناه. ومات فى شعبان ولم أدر مات قتيلا أم حتف
أنفه.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وثمانى عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعا، وشرقت البلاد. |