النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

*** [ما وقع من الحوادث سنة 595]
السنة الأولى من ولاية الملك المنصور محمد ابن الملك العزيز عثمان ابن الملك الناصر يوسف على مصر، وهى سنة خمس وتسعين وخمسمائة، على أنّ الملك العزيز والده حكم منها نحو العشرين يوما من المحرّم كما تقدّم ذكره.
فيها حجّ بالناس من بغداد مظفّر الدين وجه السّبع.
وفيها كانت وفاة الملك العزيز عثمان حسب ما تقدّم ذكره فى ترجمته.
وفيها توفّى يحيى بن علىّ بن الفضل أبو القاسم بن فضلان مدرّس النّظاميّة، كان فقيها بارعا، قدم بغداد وناظر وأفتى ودرّس، وكان مقطوع اليد، وقع من الجمل فعملت عليه يده فحيف عليه فقطعت. وكانت وفاته فى شعبان. ومن شعره:
- رحمه الله تعالى-:
وإذا أردت منازل الأشراف ... فعليك بالإسعاف والإنصاف
وإذا بغى باغ عليك فخلّه ... والدهر فهو له مكاف كاف
وفيها توفّى يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملك المنصور أبو يوسف صاحب المغرب. كان ملكا مغازيا مجاهدا، وهو الذي كسر ألفنش ملك الفرنج المقدّم ذكره على الزّلّاقة، وهو أعظم ملوك المغرب وأحسنهم سيرة لما كان جمع من المحاسن: الدّين والصلاح والشجاعة والكرم والحزم والعزم، ودام فى ملكه إلى أن مات فى شهر ربيع «1» الأوّل بعد أن أوصى بالملك إلى ولده أبى عبد الله محمد.
وكانت مدّة أيامه خمس عشرة سنة. وفيه يقول شاعره أبو بكر «2» يحيى بن عبد الجليل

(6/153)


ابن عبد الرحمن بن مجير الأندلسىّ المرسىّ قصيدته المطوّلة، وعدّة أبياتها مائة وسبعة أبيات. أوّلها:
أتراه يترك الغزلا ... وعليه شبّ واكتهلا
ومدحه أيضا «1» إبراهيم بن يعقوب الشاعر المشهور بقصيدة طنّانة أوّلها:
أزال حجابه عنى وعينى ... تراه من المهابة فى حجاب
وقرّ بنى تفضّله ولكن ... بعدت مهابة عند اقترابى
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى الملك العزيز عثمان ابن صلاح الدين يوسف بن أيّوب صاحب مصر فى المحرّم، وله ثمان وعشرون سنة.
والحفيد ابن رشد العلّامة أبو الوليد «2» محمد بن أحمد بن أبى الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبىّ المتكلّم. وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطّرسوسىّ بأصبهان فى جمادى الآخرة. وأبو الحسن مسعود بن أبى مسعود «3» الأصبهانىّ الخيّاط الجمّال فى شوّال.
وأبو الفضل منصور بن أبى الحسن الطّبرىّ الصوفىّ الواعظ. والعلّامة جمال الدّين يحيى بن علىّ بن فضلان البغدادىّ الشافعىّ فى شعبان. وصاحب المغرب المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسىّ.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وأربع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.

(6/154)


*** [ما وقع من الحوادث سنة 596]
السنة الثانية من ولاية الملك المنصور محمد ابن الملك العزيز عثمان على مصر، على أنّه حكم فى آخرها من شهر رمضان إلى آخر السنة عمّ أبيه الملك العادل أبو بكر ابن أيّوب، وهى سنة ستّ وتسعين وخمسمائة.
فيها توفّى تكش بن أرسلان شاه بن أتسز «1» الملك علاء الدّين خوارزم شاه، هو من ولد طاهر بن الحسين. كان شجاعا مقداما جودا، ملك الدنيا من الصّين والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى باب بغداد، وكان نوّابه فى حلوان «2» ، وكان فى ديوانه مائة ألف مقاتل، وهو الذي أزال دولة بنى سلجوق، وكان عارفا بعلم الموسيقى؛ ولم يكن فى زمانه أعرف منه بضرب العود، وكان يباشر الحروب بنفسه حتّى ذهبت إحدى عينيه فى الحرب، وكان قد عزم على أخذ بغداد وسار إليها؛ فلمّا وصل إلى دهستان «3» توفّى بها فى شهر رمضان. ووقع له فى مسيره إلى أخذ بغداد فى هذه المرّة طريفة: وهو أنّ الباطنيّة جهّزوا إليه رجلا ليقتله، وكان قوىّ الاحتراس، فجلس تلك الليلة يلعب بالعود، وقد شرّع الخيمة وغنّى بيتا بالعجميّة، وفيه «ببيتم» ومعناه بالعجمىّ: أبصرتك «4» ؛ وكرّر هذه اللفظة؛ فلمّا سمع الباطنىّ ذلك خاف وظنّ أنه رآه فهرب، فأخذ وحمل إليه فعزّره وأمر بقتله. فكان ذلك من الطرائف.

(6/155)


وفيها توفّى إمام عصره ووحيد دهره، القاضى الفاضل عبد الرحيم ابن القاضى الأشرف أبى المجد «1» علىّ [ابن «2» القاضى السعيد أبى محمد محمد] بن الحسن بن الحسين ابن أحمد [بن المفرّج «3» بن أحمد] اللّخمىّ العسقلانىّ المولد، المصعرىّ [الدار «4» ] ، المعروف بالقاضى الفاضل الملقّب محيى الدين «5» ؛ وزير السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.
قال ابن خلّكان- رحمه الله-: [و «6» ] تمكّن منه غاية التمكّن (يعنى من صلاح الدين) وبرز فى صناعة الإنشاء وفاق المتقدّمين، وله فيه الغرائب مع الإكثار. أخبرنى أحد الفضلاء الثّقات المطّلعين على حقيقة أمره: أنّ مسودات رسائله فى المجلّدات، والتعليقات فى الأوراق إذا جمعت ما تقصر عن مائة مجلد، وهو مجيد فى أكثرها.
قال العماد الكاتب الأصبهانىّ فى كتاب الخريدة فى حقّه: «ربّ القلم والبيان، واللّسن واللّسان؛ والقريحة الوقّادة، والبصيرة النقّادة؛ والبديهة المعجزة، والبديعة المطرّزة؛ والفضل الذي ما سمع فى الأوائل ممّن «7» لو عاش فى زمانه لتعلّق فى غباره، أو جرى فى مضماره؛ فهو كالشريعة المحمديّة التى نسخت الشرائع، ورسخت بها الصنائع؛ يخترع الأفكار، ويفترع الأبكار، ويطلع الأنوار، ويبدع الأزهار؛ وهو ضابط الملك بآرائه، ورابط السلك بلألائه «8» ؛ إن شاء أنشأ فى اليوم الواحد بل فى الساعة، ما لو دوّن لكان لأهل الصناعة، [خير] بضاعة «9» » انتهى كلام العماد باختصار.

(6/156)


وقال غيره: وكان مع فضله كثير العبادة تاليا للقرآن العزيز دينّا خيّرا، وكان السلطان صلاح الدين يقول: لا تظنّوا أنّى ملكت البلاد بسيوفكم، بل بقلم الفاضل. وكان بين الفاضل وبين الملك العادل أبى بكر بن أيّوب وحشة «1» ، فلمّا بلغ الفاضل مجىء العادل إلى مصر دعا الله على نفسه بالموت، فمات قبل دخوله.
وقيل: إنّ العادل كان داخلا من باب النصر، وجنازة الفاضل خارجة من باب زويلة «2» . انتهى.
قلت: وفضل الفاضل وبلاغته وفصاحته أشهر من أن يذكر. ومن شعره:
قوله:
وإذا السعادة لاحظتك «3» عيونها ... نم فالمخاوف كلّهنّ أمان
واصطد «4» بها العنقاء فهى حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان
وقد استشهد علماء البديع بكثير من شعره فى أنواع كثيرة، فممّا ذكره الشيخ تقىّ «5» الدين أبو بكر [بن علىّ «6» ] بن حجّة فى شرح بديعيّته فى نوع «تجاهل العارف» قوله من قصيدة:
أهذى كفّه أم غوث غيث ... ولا بلغ السحاب ولا كرامه
وهذا بشره أم لمع برق ... ومن للبرق فينا بالإقامه
وهذا الجيش أم صرف اللّيالى ... ولا سبقت حوادثها زحامه

(6/157)


وهذا الدهر أم عبد لديه ... يصرّف عن عزيمته زمامه
وهذا «1» نصل غمد أم هلال ... إذا أمسى كنون أم قلامه
وهذا التّرب أم خدّ لثمنا ... فآثار الشّفاه عليه شامه
ومنها وهو غير تجاهل العارف [ولكنّه من «2» المرقص والمطرب] :
وهذا الدرّ منثور ولكن ... أرونى غير أقلامى نظامه
وهذى روضة تندى وسطرى ... بها غصن وقافيتى حمامه
وهذا الكأس روّق من بنانى ... وذكرك كان من مسك ختامه
وذكر أيضا فى «تجاهل العارف» قوله من قصيدة:
أهذه سير فى المجد أم سور ... وهذه أنجم فى السعد أم غرر
وأنمل أم بحار والسيوف لها ... موج وإفرندها فى لجّها درر
وأنت فى الأرض أم فوق السماء وفى ... يمينك البحر أم فى وجهك القمر
وفيها توفّى علىّ بن نصر بن عقيل المعروف بالهمام البغدادىّ العبدىّ الشاعر المشهور، قدم الشام ومدح الملك العادل، والملك الأمجد صاحب بعلبك. ومن شعره:
وما الناس إلّا كامل الحظّ ناقص ... وآخر منهم ناقص الحظّ كامل
وإنّى لمثر من حياء وعفّة ... وإن لم يكن عندى من المال طائل
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو جعفر أحمد ابن علىّ القرطبىّ المقرئ إمام الكلّاسة. وإسماعيل بن صالح بن يس بمصر فى ذى الحجّة. وأبو سعيد خليل بن أبى الرجاء الرّارانىّ «3» الصوفىّ فى شهر ربيع الآخر،

(6/158)


وله ست وتسعون سنة. والسلطان علاء الدين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن أتسز بن محمد فى رمضان بالخوانيق، وتملّك بعده ابنه علاء الدين محمد. والقاضى الفاضل أبو علىّ عبد الرحيم بن علىّ [بن محمد «1» ] بن حسن اللّخمىّ البيسانىّ «2» الوزير فى شهر ربيع الآخر، وله سبع وستون سنة. وأبو الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل ابن [أبى «3» ] سعد الصّوفىّ فى ذى الحجّة بدمشق. وأبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب [بن سعد «4» بن صدقة بن الحضر] بن كليب فى شهر ربيع الأول، وله ست وتسعون سنة وشهر. والأثير أبو الفضل «5» محمد بن محمد بن بيان الأنبارىّ ثم المصرىّ الكاتب فى شهر ربيع الآخر. والعلّامة شهاب الدين محمد بن محمود الطّوسىّ بمصر.
وأبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد بن زريق الواسطىّ الحدّاد «6» المقرئ.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يذكر لقلّته. وكان مبلغ الزيادة فى هذه السنة اثنتى عشرة ذراعا وإحدى وعشرين إصبعا. وشرقت الأراضى، وعمّ البلاء والغلاء الديار المصريّة وأعمالها.

(6/159)


ذكر ولاية الملك العادل على مصر
هو السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد ابن الأمير أبى الشكر نجم الدين أيّوب بن شادى بن مروان الدّوينىّ التّكريتىّ ثم الدمشقىّ. وقد تقدّم ذكر نسبه وأصله فى ترجمة أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب. وقد ذكرنا أيضا من أحوال العادل هذا نبذة كبيرة فى ترجمة أخيه صلاح الدين المذكور، وأيضا فى ترجمة أولاده، ثم فى ترجمة حفيده الملك المنصور محمد ابن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف، الذي خلعه العادل هذا وتسلطن مكانه فى العشرين من شوّال سنة ستّ وتسعين وخمسمائة. وقد تقدّم ذلك كلّه فى ترجمة المنصور محمد المخلوع عن السلطنة. ولا بدّ من ذكر شىء من أحوال العادل هنا على حدته، وإيراد قطعة جيّدة من أقوال الناس فى ترجمته- إن شاء الله تعالى-.
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبىّ فى تاريخة: «ولد ببعلبكّ فى سنة أربع «1» وثلاثين، وأبوه نائب عليها للأتابك زنكى والد نور الدين محمود، وهو أصغر من أخيه صلاح الدين بسنتين؛ وقيل: ولد فى سنة ثمان «2» وثلاثين؛ وقيل:
ولد فى أوائل سنة أربعين. قال أبو شامة: توفّىّ الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد، وهو بكنيته أشهر. ومولده ببعلبكّ، وعاش ستّا وسبعين سنة.
ونشأ فى خدمة نور الدين مع أبيه وإخوته؛ [وحضر «3» مع أخيه صلاح الدين فتوحاته وقام أحسن قيام فى الهدنة مع الأنكلتير ملك الفرنج بعد أخذهم عكّا] ، وكان

(6/160)


صلاح الدين يعوّل عليه كثيرا، واستنابه بمصر مدّة، ثم أعطاه حلب، ثم أخذها منه وأعطاها لولده الظاهر، وأعطاه الكرك عوضها، ثم حرّان» . انتهى كلام الذهبىّ.
وقال الشيخ شمس الدين أحمد بن خلّكان- رحمه الله- فى وفيات الأعيان:
«كان الملك العادل قد وصل إلى مصر صحبة أخيه وعمّه أسد الدين شيركوه المقدّم ذكره. وكان يقول: لمّا عزمنا على المسير إلى مصر احتجت الى چرمدان «1» فطلبته من والدى فأعطانى، وقال يا أبا بكر: إذا ملكتم مصر أعطونى ملأه ذهبا.
فلمّا جاء إلى مصر، قال يا أبا بكر: [أين «2» ] الجرمدان؟ فرحت وملأته له من الدّراهم السّود، وجعلت على أعلاها شيئا من الذهب وأحضرته إليه، فلمّا رآه اعتقده ذهبا، فقلبه فظهرت الفضّة السوداء، فقال يا أبا بكر: تعلمت زغل المصريّين! قال: ولمّا ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب مصر كان ينوب عنه فى حال غيبته بالشام، ويستدعى منه الأموال للإنفاق فى الجند وغيرهم. قال:
ورأيت فى بعض رسائل القاضى الفاضل أنّ الحمول تأخّرت مدّة فتقدّم السلطان صلاح الدين إلى العماد الأصبهانىّ أن يكتب إلى أخيه العادل يستحثّه على إنفاذها حتّى قال: يسير [لنا «3» ] الحمل من مالنا أو من ماله! فلمّا وصل الكتاب إليه، ووقف على هذا الفصل شقّ عليه، وكتب إلى القاضى الفاضل يشكو من السلطان لأجل ذلك. فكتب القاضى الفاضل جوابه، وفى جملته: «وأمّا ما ذكره المولى من قوله: يسير لنا الحمل من مالنا أو من ماله، فتلك لفظة ما المقصود منها من الملك النّجعة، وإنّما المقصود من الكاتب السّجعة. وكم من لفظة فظّة، وكلمة فيها غلظة؛ حيّرت عيىّ الأقلام، فسدّت خلل الكلام. وعلى المملوك الضمان فى هذه

(6/161)


النّكتة، وقد فات لسان القلم منها أىّ سكتة» . قال: ولمّا ملك السلطان (يعنى صلاح الدين) مدينة حلب فى صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة كما تقدّم ذكره، [أعطاها «1» لولده الملك الظاهر غازى ثم أخذها منه و] أعطاها للملك العادل فانتقل إليها [وقصد «2» قلعتها يوم الجمعة الثانى والعشرين] من شهر رمضان من السنة المذكورة؛ ثم نزل عنها للملك الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين؛ ثم أعطاه السلطان قلعة الكرك، وتنقّل فى الممالك فى حياة السلطان صلاح الدين وبعد وفاته. وقضاياه مشهورة مع الملك الأفضل والملك العزيز والملك المنصور فلا حاجة إلى الإطالة فى شرحها. وآخر الأمر أنّه استقلّ بملكة الديار المصريّة. وكان دخوله إلى القاهرة لثلاث عشرة ليلة خلت «3» من شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة، واستقرّت له القواعد. وقال أبو البركات بن المستوفى فى تاريخ إربل: فى ترجمة ضياء الدين أبى الفتح نصر الله المعروف بابن الأثير [الوزير «4» ] الجزرىّ ما مثاله- وجدت بخطّه-: خطب للملك العادل أبى بكر بن أيّوب بالقاهرة ومصر يوم الجمعة الحادى والعشرين من شوّال سنة ست وتسعين وخمسمائة، وخطب له بحلب يوم الجمعة حادى عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة- والله أعلم بالصواب- هذا ما ذكره ابن خلّكان وهو بخلاف ما ذكرناه من أنّه خطب «5» له فى عاشر شهر رمضان من السنة، ويمكن الجمع بين القولين، لأنّنا قلنا فى شهر رمضان تخمينا، لأنّ الاتّفاق كان فى شهر رمضان، ولعلّ الخطبة كانت فى شوّال- انتهى.
قال: «وملك مع ذلك البلاد الشاميّة والمشرقيّة، وصفت له الدنيا، ثم ملك بلاد اليمن فى سنة اثنتى عشرة وستمائة [و «6» ] سيّر إليها ولد ولده الملك المسعود صلاح الدين

(6/162)


أبا المظفر يوسف ابن الملك الكامل محمد الآتى ذكره. وكان ولده الملك الأوحد نجم الدين أيّوب ينوب عنه فى ميّافارقين وتلك النواحى، فاستولى «1» على مدينة خلاط و [بلاد «2» ] أرمينية، واتّسعت مملكته، وذلك فى سنة أربع وستمائة.
ولمّا تمهدت له البلاد قسمها بين أولاده، فأعطى الملك الكامل محمدا الديار المصريّة، وأعطى الملك المعظّم عيسى البلاد الشاميّة، وأعطى الملك الأشرف موسى البلاد الشرقية، والأوحد فى المواضع التى ذكرناها. وكان ملكا عظيما ذا رأى ومعرفة تأمّة قد حنّكته التجارب، حسن السّيرة جميل الطويّة وافر العقل، حازما فى الأمور صالحا محافظا على الصلوات فى أوقاتها، متتبّعا لأرباب السّنّة مائلا إلى العلماء.
صنّف له فخر الدين «3» الرازىّ «كتاب تأسيس التقديس» ، وذكر اسمه فى خطبته، وسيره إليه من بلاد خراسان. وبالجملة فإنّه كان رجلا مسعودا، ومن سعادته أنّه كان خلّف أولادا لم يخلّف أحد من الملوك أمثالهم؛ فى نجابتهم [وبسالتهم «4» ] ومعرفتهم وعلوّ همّتهم، ودان لهم العباد وملكوا البلاد. ولمّا مدحه ابن عنين «5» بقصيدته الرائية ذكر منها فى مديح أولاده المذكورين، فقال:
وله البنون بكلّ أرض منهم ... ملك يقود إلى الأعادى عسكرا
من كلّ وضّاح الجبين تخاله ... بدرا وإن شهد الوغى فغضنفرا

(6/163)


متقدّم حتّى إذا النّقع انجلى ... بالبيض عن سبى الحريم تأخّرا
قوم زكوا أصلا وطابوا محتدا ... وتدفّقوا جودا وراقوا منظرا
قال ومن جملة هذه القصيدة فى مدح الملك العادل هذا قوله، ولقد أحسن فيها،
[العادل «1» الملك الذي أسماؤه ... فى كلّ ناحية تشرّف منبرا]
وبكلّ أرض جنّة من عدله الصّ ... افى أسال [نداه «2» ] فيها كوثرا
عدل يبيت الذئب منه على الطّوى ... غرثان وهو يرى الغزال الأعفرا
ما فى أبى بكر لمعتقد الهدى ... شكّ مريب أنّه خير الورى
سيف صقال المتن أخلص متنه ... وأبان طيب الأصل منه الجوهرا
ما مدحه بالمستعار له ولا ... آيات سؤدده حديث يفترى
بين الملوك الغابرين وبينه ... فى الفضل ما بين الثّريّا والثّرى
نسخت خلائقه الحميدة ما أتى ... فى الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا «3»
ملك إذا خفّت حلوم ذوى النّهى ... فى الرّوع زاد رصانة وتوقّرا
ثبت الجنان تراع من وثباته ... وثباته يوم الوغى أسد الشّرى
يقظ يكاد يقول عمّا فى غد ... ببديهة أغنته أن يتفكّرا
حلم تخفّ له الحلوم وراءه ... رأى وعزم يخفر الإسكندرا
يعفو عن الذنب العظيم تكرّما ... ويصدّ عن قيل الخنا متكبّرا
لا تسمعنّ حديث ملك غيره ... يروى فكلّ الصّيد فى جوف الفرا
قال: ولمّا قسم البلاد بين أولاده كان يتردّد بينهم، ويتنقّل من مملكة إلى أخرى، وكان يصيف بالشام لأجل الفواكه والمياه الباردة، ويشتّى بالديار المصريّة لاعتدال

(6/164)


الوقت فيها وقلّة البرودة؛ وعاش فى أرغد عيش. وكان يأكل كثيرا خارجا عن المعتاد، حتّى يقال إنّه كان يأكل وحده خروفا لطيفا مشويّا، وكان له فى النكاح نصيب وافر. وحاصل الأمر أنّه كان ممتّعا فى دنياه. وكانت ولادته بدمشق فى المحرّم سنة أربعين؛ وقيل: ثمان وثلاثين وخمسمائة.
قلت: وافق الذهبىّ فى مولده فى السنة، مع خلاف ذكره الذهبىّ فيه، وخالفه فى المكان الذي ولد فيه، فإنّ الذهبىّ قال: كانت ولادته ببعلبكّ كما تقدّم ذكره.
قال: وتوفّى فى سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة بعالقين. ونقل إلى دمشق، ودفن بالقلعة ثانى يوم وفاته، ثمّ نقل إلى مدرسته المعروفة به، ودفن بالتّربة التى بها؛ [وقبره «1» ] على الطريق يراه المجتاز من الشّبّاك المركّب هناك. وعالقين (بفتح العين المهملة وبعد الألف لام مكسورة وقاف مكسورة أيضا وياء مثناة من تحتها ساكنة وبعدها نون) وهى قرية بظاهر دمشق» . انتهى كلام ابن خلّكان- رحمه الله تعالى- بتمامه.
وقال غيره: ولمّا افتتح ولده الكامل إقليم أرمينية فرح العادل فرحا شديدا، وسيّر أستاداره [شمس الدين «2» ] إيلدكز وقاضى العسكر نجم الدين خليل إلى الخليفة يطلب التقليد بمصر والشام وخلاط وبلاد الجزيرة، فأكرمهما الخليفة وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين أبا حفص عمر بن محمد السّهروردىّ بالتشريف، ومرّ بحلب ووعظ بها؛ واحترمه الظاهر غازى صاحب حلب، وبعث معه بهاء الدّين ابن شدّاد بثلاثة آلاف دينار لينثرها على عمّه العادل، إذا لبس خلعة الخليفة. ولمّا وصل السّهروردىّ إلى دمشق «3» فرح العادل وتلقّاه من القصير «4» ، وكان يوما مشهودا،

(6/165)


ثمّ من الغد أفيضت عليه الخلع؛ وهى: جبّة سوداء بطراز ذهب، وعمامة سوداء بطراز ذهب، وطوق ذهب فيه جوهر، وقلّد سيفا محلّى جميع قرابه بالذهب، وحصان أشهب بمركب ذهب، وعلم أسود مكتوب فيه بالبياض ألقاب الناصر لدين الله. ثمّ خلع السّهروردىّ على ولدى العادل: المعظّم عيسى والأشرف موسى، لكلّ واحد عمامة سوداء، وثوبا أسود واسع الكمّ؛ وخلع على الصاحب ابن شكر كذلك. ونثر الذهب على رأس العادل من رسل صاحب حلب وحماة وحمص وغيرهم.
وركب الأربعة (أعنى العادل وولديه وابن شكر الوزير) بالخلع، ثمّ عادوا إلى القلعة؛ وقرأ ابن شكر التقليد على كرسىّ، وخوطب العادل: بشاهنشاه «1» ملك الملوك خليل أمير المؤمنين. ثمّ قدم السّهروردىّ إلى مصر وخلع على الملك الكامل بن العادل.
وهو يوم ذاك صاحب مصر نيابة عن أبيه العادل كما تقدّم ذكره.
وقال الموفّق «2» عبد اللّطيف فى سيرة الملك العادل: «كان أصغر الإخوة وأطولهم عمرا وأعمقهم فكرا وأبصرهم فى العواقب وأشدّهم إمساكا وأحبّهم للدرهم؛ وكان فيه حلم «3» وأناة وصبر على الشدائد، وكان سعيد الجدّ عالى الكعب مظفّرا بالأعداء من قبل السماء، وكان نهمّا أكولا يحبّ الطعام واختلاف ألوانه، وكان أكثر أكله باللّيل كالخيل، وله عند ما ينام رضيع، ويأكل رطلا بالدّمشقىّ خبيص السّكّر، يجعل هذا كالجوارش «4» ؛ وكان كثير الصلاة ويصوم الخميس؛ وله صدقات فى كثير من الأوقات، وخاصّة عندما تنزل به الآفات، وكان كريما على الطعام يحب من يؤاكله، وكان قليل الأمراض. قال لى طبيبه بمصر: إنّى آكل خير هذا السلطان

(6/166)


سنين كثيرة ولم يحتج إلىّ سوى يوم واحد، أحضر إليه من البطّيخ أربعون حملا فكسر الجميع بيده، وبالغ فى الأكل منه ومن الفواكه والأطعمة، فعرض له تخمة فأصبح، فأشرت عليه بشرب الماء الحارّ، وأن يركب طويلا ففعل، وآخر النهار تعشّى وعاد إلى صحّته. وكان نكّاحا يكثر من اقتناء السّرارىّ، وكان غيورا لا يدخل فى داره خصىّ إلّا دون البلوغ، وكان يحبّ أن يطبخ لنفسه مع أنّ فى كلّ دار من دور حظاياه مطبخا [دائرا «1» ] ، وكان عفيف الفرج لا يعرف له نظر إلى غير حلائله.
نجب له أولاد من الذكور والإناث، سلطن الذكور وزوّج البنات بملوك الأطراف.
وكان العادل قد أوقع الله تعالى بغضته فى قلوب رعاياه، والمخامرة عليه فى قلوب جنده؛ وعملوا فى قتله أصنافا من الحيل الدقيقة مرّات كثيرة، وعند ما يقال إنّ الحيلة تمّت تنفسخ وتنكشف وتحسم موادّها، ولولا أولاده يتولّون بلاده لما ثبت ملكه؛ بخلاف أخيه صلاح الدين فإنّه إنّما «2» حفظ ملكه بالمحبّة له وحسن الطاعة، ولم يكن- رحمه الله- بالمنزلة المكروهة؛ وإنّما كان الناس قد ألفوا دولة صلاح الدين وأولاده، فتغيرت عليهم العادة دفعة واحدة. ثم إن وزيره ابن شكر بالغ فى الظّلم. قال: وكان العادل يواظب على خدمة أخيه صلاح الدين، يكون أوّل داخل وآخر خارج، وبهذا جلبه، وكان يشاوره فى أمور الدولة، لما جرّب من نفوذ رأيه. ولمّا تسلطن الأفضل بدمشق والعزيز بمصر قصد العزيز دمشق، ووقع له ما حكيناه إلى أن ملكها. قال: ثم أخذ العادل يدبّر الحيلة حتى يستنيبه «3» العزيز على مصر، ويقيم العزيز بدمشق، ففطن بعض أصحاب العزيز فرمى قلنسوتا

(6/167)


بين يديه، وقال: ألم يكفك أنّك أعطيته دمشق حتّى تعطيه مصر! فنهض العزيز لوقته على غرّة ولحق بمصر.
قال الموفّق: ومات الملك الظاهر غازى قبله بسنتين فلم يتهنّ العادل بالملك من بعده، وكان كلّ واحد منهما ينتظر موت الآخر، فلم يصف للعادل العيش بعد موته، لأمراض لزمته بعد طول الصّحّة، والخوف من الفرنج بعد طول الأمن.
وخرجوا (يعنى الفرنج) إلى عكّا وتجمّعوا على الغور «1» ، فنزل العادل قبالتهم على بيسان «2» ، وخفى عليه أن ينزل على عقبة أفيق «3» ، وكانوا قد هدموا قلعة كوكب، وكانت ظهرهم، ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عليه الفرنج من الغارة، فاغترّ بما عوّدته المقادير من طول السلامة، فغشيت الفرنج عسكره على غرّة، وكان قد آوى إليه خلق من البلاد يعتصمون به، فركب مجدّا؛ وماج الفرنج فى أثره حتّى وصل دمشق على شفا وهمّ؛ فدخل إليها فمنعه المعتمد وشجّعه، وقال له: المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق. وأمّا الفرنج فاعتقدوا أنّ هزيمته مكيدة فرجعوا من قرب دمشق بعد ما عاثوا فى البلاد قتلا وأسرا وعادوا إلى بلادهم، وقصدوا دمياط فى البحر فنازلوها.
وكان قد عرض له قبل ذلك ضعف وصار يعتريه ورم الأنثيين. فلمّا هزّته «4» الحيل على خلاف العادة ودخله الرّعب، لم يبق إلّا مدّة يسيرة ومات بظاهر دمشق.
وكان مع حرصه يهين المال عند الشدائد غاية الإهانة ببذله. وشرع فى بناء قلعة

(6/168)


دمشق فقسم أرضها على أمرائه وأولاده، وكان الحفّارون يحفرون الخندق ويقطعون الحجارة، فخرج من تحته خرزة بئر فيها ماء معين. قال: ودعا مرة فقال: اللهمّ حاسبنى حسابا يسيرا؛ فقال له رجل ماجن من خواصّة: يا مولانا، إنّ الله قد يسّر حسابك؛ قال: ويلك! وكيف ذلك؟ قال: إذا حاسبك قل له: المال كلّه فى قلعة جعبر لم أفرّط فيه فى قليل ولا كثير. وكانت خزائنه بالكرك ثمّ نقلها إلى قلعة جعبر وبها ولده الملك الحافظ، فسوّل له بعض أصحابه الطمع فيها، فأتاها الملك العادل ونقل ما فيها إلى قلعة دمشق، فحصلت فى قبضة ولده الملك المعظّم عيسى، فلم ينازعه فيها إخوته؛ وقيل: إنّ الذي سوّل للحافظ الطمع والعصيان هو المعظّم ففعل ذلك الحافظ، وكانت مكيدة من المعظّم حتّى رجع إليه المال» . انتهى كلام الموفّق باختصار.
وقال أبو المظفّر شمس الدين يوسف بن قزاوغلى فى تاريخه: «سألته عن مولده فقال: فتوح الرّها (يعنى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة) - وهذا نقل آخر فى مولده- قال: وقد ذكرنا أحواله «1» فى السنين إلى أن استقرّ له الملك وامتدّ من بلاد الكرخ «2» إلى همذان والجزيرة والشام ومصر والحجاز ومكّة والمدينة واليمن إلى حضر موت، وكان ثبتا خليقا بالملك حسن «3» التدبير، حليما صفوحا مدبّرا للملك على وجه الرضا، عادلا مجاهدا دينا عفيفا متصدّقا، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، طهّر جميع ولاياته من الخمور والخواطىء والقمار والمكوس والمظالم. وكان الحاصل من هذه الجهات بدمشق على الخصوص مائة ألف دينار، فأبطل الجميع لله تعالى.

(6/169)


وكان واليه على دمشق المبارز والمعتمد «1» ، أعانه المبارز على ذلك، أقام رجالا على عقاب قاسيون «2» وجبل الثّلج وحوالى دمشق بالجامكيّة «3» والجراية يحرمون أحدا يدخل دمشق بمنكر. بلغنى أنّ بعض المغانى دخلت على العادل فى عرس فقال لها:
أين كنت؟ فقالت: ما قدرت أجىء حتّى وفيت ما علىّ للضامن. فقال:
وأىّ ضامن؟ قالت ضامن القيان، فقامت عليه القيامة، وطلب المعتمد [وعمل «4» به ما لا يليق] ، وقال: والله لئن عاد بلغنى مثل هذا لأفعلنّ ولأصنعنّ.
ولقد فعل العادل فى غلاء مصر عقيب موت العزيز ما لم يفعله غيره؛ كان يخرج فى الليل بنفسه ويفرّق الأموال فى ذوى البيوتات والمساكين، وكفّن تلك الأيام من ماله ثلثمائة ألف من الغرباء، وكان إذا مرض أو تشوّش مزاجه خلع جميع ما عليه وباعه حتى فرسه وتصدّق به.
قال أبو المظفّر: وقد ذكرنا وصول شيخ الشيوخ إليه بخبر برج دمياط «5» ، وأنّه انزعج وأقام مريضا إلى يوم الجمعة سابع أو ثامن جمادى الآخرة وتوفّى بعالقين.
وكان المعظّم قد كسر الفرنج على القيمون «6» يوم الخميس خامس جمادى الآخرة، وقيل يوم الأربعاء. ولمّا توفّى العادل لم يعلم بموته غير كريم الدّين الخلاطىّ، فأرسل الطير إلى نابلس إلى المعظم، فجاء يوم السبت إلى عالقين فاحتاط على الخزائن،

(6/170)


وصبّر العادل وجعله فى محفّة وعنده خادم يروّح عليه وقد رفع طرف سجافها وأظهر أنّه مريض، ودخلوا به دمشق يوم الأحد والناس يسلّمون على الخادم، وهو يومئ إلى ناحية العادل ويردّ السلام؛ ودخلوا به القلعة وكتموا موته؛ و [من «1» العجائب أنهم] طلبوا له كفنا فلم يقدروا عليه، فأخذوا عمامة الفقيه ابن فارس فكفّنوه بها، وأخرجوا قطنا من مخدّة فلفّوه به، وصلّى عليه [وزيره «2» ] ابن فارس ودفنوه فى القلعة.
قال أبو المظفّر: وكنت قاعدا إلى جانب المعظّم عند باب الدار التى فيها الإيوان وهو واجم ولم أعلم بحاله؛ فلمّا دفن أبوه قام قائما وشقّ ثيابه ولطم رأسه ووجهه، وكان يوما عظيما، وعمل له العزاء ثلاثة أيام بالإيوان الشمالى، وعمل له العزاء فى الدنيا كلّها، ونودى ببغداد من أراد الصلاة على الملك العادل الغازى المجاهد فى سبيل الله فليحضر إلى جامع القصر، فحضر الناس ولم يتخلّف سوى الخليفة، وصلّوا عليه صلاة الغائب وترحّموا عليه، وتقدّموا إلى خطباء الجوامع بأسرهم، ففعلوا ذلك بعد صلاة الجمعة. وبقى العادل بالقلعة إلى سنة تسع عشرة وستمائة، [ثم] نقل إلى تربته التى أنشأها عند دار العقيقىّ «3» ومدرسته.
- قلت: لا أعلم ما كان السبب فى عدم وجود الكفن القطن للملك العادل مع همة ولده الملك المعظّم عيسى وأخذه من عالقين ميتا فى محفّة ولم يفطن به أحد.
وهذا أعظم وأكثر كلفة وأصعب من شراء ثوب بعلبكّىّ، وما يحتاج إليه الميت من الحنوط والقطن وغيره فلعلّ لها «4» عذرا وأنت تلوم-.

(6/171)


قال: وكان له عدّة أولاد: منهم شمس الدين مودود «1» والد الملك الجواد [يونس «2» ] .
والكامل «3» محمد. والأشرف «4» موسى. والمعظّم «5» عيسى. والأوحد «6» أيّوب. والفائز إبراهيم [ويلقّب «7» بسابق الدين] . وشهاب «8» الدّين غازى. والعزيز «9» عثمان. والأمجد «10» حسن.
والحافظ «11» أرسلان. والصالح «12» إسماعيل. والمغيث «13» عمر. ومجير «14» الدين يعقوب.
وتقىّ «15» الدين عبّاس. وقطب «16» الدين أحمد. والقاهر «17» إسحاق. وخليل «18» أصغرهم «19» .

(6/172)


وكان له عدّة بنات أفضلهنّ صفيّة خاتون صاحبة حلب أم الملك العزيز «1» » . انتهت ترجمة الملك العادل- رحمه الله تعالى-.
ولمّا مات العادل استقرّ كلّ واحد من أولاده فى مملكته، فإنه كان قسم ممالكه فى أولاده حسب ما تقدّم ذكر ذلك كلّه فى صدر هذه الترجمة، فالذى كان بمصر الملك الكامل محمد، وبالشام المعظّم عيسى، وبالشرق الأشرف شاه أرمن، وباقى أولاده كلّ واحد فى مملكة، أو فى خدمة أخ من إخوته. انتهى.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 597]
السنة الأولى من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة سبع وتسعين وخمسمائة.
فيها كان هبوط النيل، ولم يعهد ذلك فى الإسلام إلّا مرّة واحدة فى دولة الفاطميّين، ولم يبق منه إلّا شىء يسير؛ واشتدّ الغلاء والوباء بمصر، فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام وتفرّقوا وتمزّقوا كلّ ممزّق.
قال أبو المظفّر: «كان الرجل يذبح ولده الصغير وتساعده أمّه على طبخه وشيّه؛ وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا. وكان الرجل يدعو صديقه وأحبّ الناس إليه إلى منزله ليضيفه فيذبحه ويأكله، وفعلوا بالأطبّاء كذلك، [فكانوا «2» يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم] وفقدت الميتات والجيف [من كثرة «3» ما أكلوها] . وكانوا يختطفون الصّبيان من الشوارع فيأكلونهم. وكفّن السلطان فى مدّة يسيرة مائتى ألف وعشرين ألفا؛ وامتلأت طرقات المغرب والمشرق والحجاز

(6/173)


والشام برمم الناس، وصلّى إمام جامع الإسكندريّة فى يوم على سبعمائة جنازة.
وقال العماد الكاتب الأصبهانىّ: « [و «1» ] فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة: اشتدّ الغلاء، وامتدّ البلاء؛ وتحقّقت المجاعة، وتفرّقت الجماعة؛ وهلك القوىّ فكيف الضعيف! ونحف السمين فكيف العجيف! وخرج الناس حذر الموت من الديار، وتفرّق فريق مصر فى الأمصار؛ ولقد رأيت الأرامل على الرمال، والجمال باركة تحت الأحمال، ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللّقم «2» ، تسترقّ الجياع باللّقم» . انتهى.
قال: وجاءت [فى شعبان «3» ] زلزلة هائلة من الصّعيد هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدم خلق كثير، ثم امتدّت إلى الشام والساحل فهدمت مدينة نابلس، فلم تبق فيها جدارا قائما إلّا حارة السّمرة «4» ؛ ومات تحت الهدم ثلاثون ألفا، وهدمت عكّا وصور وجميع قلاع الساحل؛ وامتدّت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقيّة بجامع دمشق، وأكثر الكلّاسة والبيمارستان النّورىّ، وعامّة دور دمشق إلّا القليل؛ فهرب الناس إلى الميادين، وسقط من الجامع ستّ عشرة شرفة، وتشقّقت قبّة النّسر «5» » . انتهى كلام صاحب المرآة باختصار، فإنّه أمعن وذكر أشياء مهولة من هذا النّموذج.
وفيها توفّى عبد الرحمن بن علىّ بن محمد بن علىّ بن عبيد الله بن عبد الله بن حمّادى ابن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزىّ بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم

(6/174)


ابن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق عبد الله ابن أبى قحافة، الشيخ الإمام الحافظ الواعظ المفسّر العلّامة جمال الدين أبو الفرج القرشى «1» التّيمى البكرىّ البغدادىّ الحنبلىّ المعروف بابن الجوزىّ «2» ؛ صاحب التصانيف المشهورة فى أنواع العلوم: كالتفسير والحديث والفقه والوعظ والزّهد والتاريخ والطبّ وغير ذلك. مولده ببغداد سنة عشر وخمسمائة تقريبا بدرب حبيب. وتوفى أبوه وله ثلاث سنين.
قلت: وفضل الشيخ جمال الدين وحفظه وغزير علمه أشهر من أن يذكر هنا، والمقصود أنّ وفاته كانت فى ليلة الجمعة بين العشاءين فى داره «3» بقطفتا»
ودفن من الغد، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه، ولم يخلّف بعده مثله.
قال ابن خلّكان: «وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعدّ، وكتب بخطّه كثيرا، والناس يغالون فى ذلك حتّى يقولوا إنّه جمعت الكراريس الّتى كتبها، وحسبت مدّة عمره وقسمت الكراريس على المدّة، فكان ما خصّ كلّ يوم تسع كراريس؛ وهذا شىء عظيم لا يكاد يقبله العقل. ويقال: إنّه جمعت براية أقلامه التى كتب بها حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحصل منها شىء كثير، وأوصى أن يسخّن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك [فكفت «5» ] » . انتهى كلام ابن خلّكان باختصار.

(6/175)


ومن شعره:
يا صاحبى إن كنت لى أو معى ... فعج إلى وادى الحمى «1» نرتع
وسل عن الوادى وسكّانه ... وانشد فؤادى فى ربا المجمع
حىّ كثيب الرّمل رمل الحمى ... وقف وسلّم لى على لعلع «2»
واسمع حديثا قد روته الصّبا ... تسنده عن بانة الأجرع
وابك فما فى العين من فضلة ... ونب فدتك النفس عن مدمعى
وله:
رأيت خيال الظّلّ أعظم عبرة ... لمن كان فى أوج الحقيقة راق
شخوص وأشكال تمرّ وتنقضى ... وتفنى جميعا والمحرّك باق
وفيها توفّى الأمير بهاء الدين قراقوش «3» [بن عبد الله «4» ] الأسدىّ الخادم الخصىّ المنسوب إليه حارة «5» بهاء الدّين بالقاهرة داخل باب الفتوح، وهو الذي بنى قلعة «6» الجبل بالقاهرة، والسّور [على «7» مصر والقاهرة]

(6/176)


والقنطرة «1» التى عند الأهرام وغير ذلك؛ وكان من أكابر الخدّام، من خدّام القصر، وقيل إنّ أصله من خدّام العاضد، وقيل إنّه من خدّام أسد الدين شيركوه وهو الأصحّ. واتّصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وكان صلاح الدّين يثق به ويعوّل

(6/177)


عليه فى مهمّاته. ولمّا افتتح عكّا من الفرنج سلّمها إليه؛ ثم لمّا استولوا عليها أخذ أسيرا، ففداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار؛ وقيل: بستين ألف دينار.
قال ابن خلّكان: «والناس ينسبون إليه أحكاما عجيبة فى ولايته نيابة مصر عن صلاح الدين، حتّى إنّ الأسعد «1» بن ممّاتى له فيه كتاب لطيف سماه: «الفاشوش فى أحكام قراقوش» . وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنّها موضوعة؛ فإنّ صلاح الدين كان يعتمد فى أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوّضها إليه. وكانت وفاته فى مستهلّ رجب» .
وفيها توفّى محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن علىّ بن محمود بن هبة الله أبو عبد الله الإمام العلّامة عماد الدّين الأصبهانىّ المنشئ المعروف بالعماد الكاتب، وبآبن أخى العزيز. ولد بأصبهان سنة تسع عشرة وخمسمائة وبها نشأ.
وقدم بغداد مع أبيه وبها تفقّه، واشتغل بالأدب وبرع فى الإنشاء، وخدم الوزير يحيى [بن محمد «2» ] بن هبيرة، وكان أحد كتّابه. ثم قدم دمشق أيّام نور الدين الشهيد واتّصل به وخدمه. وكان فاضلا حافظا لدواوين العرب، وله عدّة مصنّفات، منها:
«خريدة القصر فى شعراء «3» العصر» وغير ذلك وكان القاضى الفاضل يقول: العماد الكاتب. كالزناد الوقّاد (يعنى أنّ النّار فى باطنه كامنة، وظاهره فيه فترة) . وكانت وفاة العماد بدمشق فى يوم الاثنين غرّة شهر رمضان. ودفن عند مقابر الصوفية

(6/178)


عند المنيبع «1» . وقيل إنّ العماد اجتمع بالقاضى الفاضل يوما فى موكب السلطان فسارا جميعا، وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان ما سدّ الفضاء فتعجّبا من ذلك، فأنشد العماد فى الحال:
أمّا الغبار فإنّه ... ممّا أثارته السّنابك
والجوّ منه مظلم ... لكن أنار به السّنابك
يا دهر لى عبد الرح ... يم فلست أخشى مسّ نابك
ومن شعره:
دار غير اللّبيب إن كنت ذا لبّ ... ولا طفه حين يأتى بحذق
فأخو السّكر لا يخاطبه الصّا ... حى إلى أن يفيق إلّا برفق
وفيها توفّى محمد «2» بن المبارك بن محمد الطّهير أبو غالب المصرىّ، كان فاضلا أديبا. ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة؛ ومن شعره- رحمه الله تعالى- قوله:
تقنّع بالقليل وعش عزيزا ... خفيف الظّهر من كلف وإثم
وإلّا هىّ نفسك للبلايا ... وهمّ وارد فى إثر همّ
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى القاضى أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التّميمىّ «3» الأصبهانىّ المعروف بابن اللّبان العدل فى ذى الحجّة.

(6/179)


ومفيد بغداد تميم بن أحمد البندنيجىّ «1» فى جمادى الآخرة، أدرك ابن الزّاغونىّ «2» . والإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علىّ بن الجوزىّ، وقد ناهز التسعين. وأبو محمد عبد المنعم ابن محمد المالكىّ فقيه الأندلس. والأمير بهاء الدين قراقوش الأسدىّ الخادم الأبيض. ومحمد بن أبى زيد الكرّانىّ «3» الخبّاز بأصبهان فى شوّال، وقد كمّل المائة.
والعماد الكاتب العلّامة محمد بن محمد بن حامد الأصبهانىّ فى [شهر] رمضان، وله سبع وسبعون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 598]
السنة الثانية من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
فيها برز العادل المذكور من ديار مصر طالبا حلب، وكان الملك الأفضل بحمص عند شيركوه، فجاء إلى العادل فأكرمه العادل وعوّضه عن ميّافارقين سميساط «4» وسروج «5» ، ثم سار العادل ونزل على حماة، وصالحه الملك الظاهر صاحب حلب، وعاد الملك العادل إلى حمص.

(6/180)


وفيها توفّى عبد الملك بن زيد بن يس التّغلبىّ الدّولعىّ خطيب دمشق؛ والدّولعيّة: قرية من قرى الموصل. قدم دمشق واستوطنها وصار خطيبها، ودرّس بالزاوية «1» الغربيّة من جامع دمشق؛ وكان منزّها حسن الأثر حميد الطريقة.
مات فى شهر ربيع الأوّل.
وفيها توفّى هبة الله بن الحسن بن المظفّر الهمذانىّ، محدّث ابن محدّث ابن محدّث. كانت وفاته بباب المراتب «2» ببغداد فى المحرّم. قال أبو المظفّر أنشدنا لغيره:
إذا الفتى ذمّ عيشا فى شبيبته ... فما يقول إذا عصر الشباب مضى
وقد تعوّضت عن كلّ بمشبهه ... فما وجدت لأيّام الصّبا عوضا
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الملك المعزّ إسماعيل ابن سيف الإسلام [طغتكين «3» ] صاحب اليمن. وأبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعىّ.
والمحدّث حمّاد بن هبة الله الحرّانىّ التاجر فى ذى الحجّة. وعبد الله [بن أحمد «4» ] بن أبى المجد الحربىّ الإسكاف فى المحرّم بالموصل. وزين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان ابن يحيى القرشىّ الزّكوىّ «5» فى ذى الحجّة، سمع من جدّه. وأبو الحسن عبد الرحيم ابن أبى القاسم [عبد الرحمن «6» ] الشّعرى، أخو زينب «7» فى المحرّم. وخطيب دمشق الضّياء عبد الملك بن زيد بن يس الدّولعىّ فى شهر ربيع الأول، وله إحدى وتسعون سنة. وقاضى القضاة محيى الدين أبو المعالى محمد ابن القاضى الزّكى علىّ بن محمد القرشىّ «8» ،

(6/181)


وله ثمان وأربعون سنة، توفّى فى شعبان. وأبو القاسم «1» هبة الله بن علىّ بن مسعود الأنصارىّ البوصيرىّ فى صفر، وله اثنتان وتسعون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراع واحدة وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 599]
السنة الثالثة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة تسع وتسعين وخمسمائة.
فيها فى ليلة السبت سلخ المحرّم ماجت النجوم فى السماء شرقا وغربا، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا؛ ولم ير هذا إلّا عند مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ وفى سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكانت هذه السنة أعظم.
وفيها توفّى إبراهيم بن أحمد «2» بن محمد أبو إسحاق الموفّق الفقيه بن الصّقال الحنبلى.
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وتفقّه على أبى يعلى «3» الفرّاء، وسمع الحديث الكثير، وكان شيخا ظريفا صالحا زاهدا. مات فى ذى الحجّة، ودفن بباب حرب ببغداد.
وفيها توفّيت زمرّد خاتون امّ الخليفة الناصر لدين الله العباسىّ ببغداد. كانت صالحة كثيرة البرّ والصدقات، وحجّت مرّة فأنفقت ثلثمائة ألف دينار، وكان معها نحو ألفى جمل، وتصدّقت على أهل الحرمين، وأصلحت البرك والمصانع؛ وعمرّت التّربة عند قبر معروف الكرخىّ والمدرسة إلى جانبها. وماتت فى جمادى الأولى.

(6/182)


وفيها توفّى علىّ بن الحسن بن إسماعيل أبو الحسن [العبدىّ «1» ] من عبد القيس، كان فاضلا بارعا فى الأذب وغيره، وله شعر جيّد؛ من ذلك قوله- رحمه الله تعالى-:
لا تسلك الطّرق إذا أخطرت ... لو أنها تفضى إلى المملكه
قد أنزل الله تعالى ولا ... تلقوا بأيديكم إلى التّهلكه
وفيها توفّى القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم أبو الفضائل ضياء الدين الشّهرزورىّ، وهو ابن أخى القاضى كمال الدين [محمد «2» ] الشّهرزورىّ. كان فقيها فاضلا جوادا كريما أديبا شاعرا. ومن شعره أوّل قصيدة:
فى كلّ يوم ترى للبين آثار ... وماله فى التئام الشّمل آثار
يسطو علينا بتفريق فواعجبا ... هل كان للبين فيما بيننا ثار
وفيها توفّى «3» يحيى بن طاهر بن محمد أبو زكرياء الواعظ، ويعرف بابن النجار البغدادىّ. كان فاضلا فصيحا. وكان ينشد فى مجلسه- رحمه الله تعالى-
عاشر من الناس من تبقى مودّته ... فأكثر الناس جمع غير مؤتلف
منهم صديق بلا قاف ومعرفة ... بغير فاء وإخوان بلا ألف
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى السنة، قال: وفيها توفّى أبو القاسم عبد الرحمن ابن مكّىّ بن حمزة بن «4» موقا الأنصارىّ الإسكندرانىّ التاجر فى شهر ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. وزين الدين أبو الحسن علىّ بن إبراهيم بن نجا «5» الدمشقىّ

(6/183)


الحنبلىّ الواعظ بمصر فى رمضان، وله إحدى وتسعون سنة. وأبو الحسن علىّ بن حمزة بن علىّ بن طلحة البغدادىّ الكاتب بمصر فى شعبان. وسلطان غزنة غياث «1» الدين.
وقاضى القضاة ضياء الدين القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم الشّهرزورى [أبو الفضائل «2» ] الشافعىّ، وله خمس وستون سنة، ولى القضاء بدمشق بعد عمّه «3» ، ثم استعفى لأمر ما، ثمّ بعد مدّة ولى قضاء العراق، ثم استعفى وخاف [العواقب «4» ] ثمّ سكن حماة؛ وولى قضاءها؛ وبها مات فى رجب. والزاهد أبو عبد الله محمد بن أحمد القرشىّ الهاشمىّ الأندلسىّ ببيت المقدس. والشهاب أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوىّ الحنفىّ المقرئ بمصر. وأبو طاهر المبارك بن المبارك [بن هبة الله «5» ] ابن المعطوش فى جمادى الأولى عن اثنتين وتسعين سنة ببغداد.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ذراعان وست وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 600]
السنة الرابعة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ستمائة.
فيها وصل إلى بغداد أبو الفتح «6» بن أبى نصر الغزنوىّ رسولا من صاحب غزنة وجلس بباب بدر «7» ، وقال: هنيئا لكم يأهل بغداد، أنتم تحظون بأمير المؤمنين، ونحن محرومون! وأنشد- رحمه الله-:

(6/184)


ألا قل لسكّان وادى العقيق ... هنيئا لكم [فى «1» ] الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا ... فنحن عطاش وأنتم ورود
وفيها توفّى الحافظ عبد الغنىّ بن عبد الواحد [بن «2» علىّ] بن سرور أبو محمد المقدسىّ. ولد بجمّاعيل، وهى قرية من أعمال نابلس فى شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وكان أكبر من الشيخ موفّق «3» الدين بأربعة أشهر [وهما «4» ابنا خالة] وكان إماما حافظا متقنا مصنّفا ثقة، سمع الكثير ورحل إلى البلاد وكتب الكثير، وهو أحد أكابر أهل الحديث وأعيان حفّاظهم، ووقع له محن ذكرها صاحب مرآة الزمان، ونجّاه الله منها. ومات فى يوم الاثنين ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، ودفن بالقرافة «5» عند الشيخ أبى عمرو بن مرزوق، وكان إماما عابدا زاهدا ورعا.
قال تاج الدين الكندىّ: هو أعلم من الدّارقطنىّ «6» والحافظ أبى «7» موسى.
قال أبو المظفّر: وفى هذه السنة سافرت من بغداد إلى الشام، وهى أوّل رحلتى، فاجتزت بدقوقا «8» وجلست بها (يعنى للموعظة) ثم قدمت إربل واجتمعت بمحيى الدين الساعاتىّ «9» ، وأنشدنى مقطعات لغيره. منها- رحمه الله-:

(6/185)


رحمت أسود هذا الخال حين بدا ... فى جمرة الخدّ مرميّا بأبصار
كأنّه بعض عبّاد المجوس وقد ... ألقى بمهجته فى لجّة النار
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى منتخب «1» الدين أبو الفتح «2» أسعد بن أبى الفضائل محمود بن خلف العجلىّ الأصبهانىّ شيخ الشافعيّة ببلده فى صفر، وله خمس وثمانون سنة. وأبو سعد عبد الله بن عمر بن أحمد النيسابورىّ الصفّار فى رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. والحافظ تقىّ الدين عبد الغنى بن عبد الواحد بن علىّ الجمّاعيلىّ المقدسىّ فى شهر ربيع الأوّل، وله تسع وخمسون سنة. وفاطمة بنت سعد الخير الأنصاريّة فى شهر ربيع الأوّل، ولها ثمان وسبعون سنة. وبهاء الدين أبو محمد القاسم ابن الحافظ علىّ بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر فى صفر، وله ثلاث وسبعون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وإحدى وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 601]
السنة الخامسة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة إحدى وستمائة.
فيها جاءت الفرنج حماة بغتة وأخذوا النساء الغسّالات من باب البلد على العاصى «3» ، وخرج إليهم الملك المنصور «4» بن تقىّ الدين وقاتلهم وثبت وأبلى بلاء حسناء

(6/186)


وكسر الفرنج عسكره، فوقف على الساقة «1» ، ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا.
وفيها حجّ بالناس من العراق وجه السبع، ومن الشام صارم الدين برغش العادلى وزين الدين قراجا صاحب صرخد.
وفيها توفّى عبد المنعم بن علىّ [بن نصر «2» ] بن الصّيقلىّ أبو محمد نجم الدين الحرّانىّ، قدم بغداد وتفقّه بها؛ وسمع الحديث؛ ثم عاد إلى حرّان ووعظ بها وحصل له القبول التام، ثم عاد إلى بغداد واستوطنها. قال أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ فى تاريخه: سمعته ينشد:
وأشتاقكم يا أهل ودّى وبيننا ... كما زعم «3» البين المشتّ فراسخ
فأمّا الكرى عن ناظرى فمشرّد ... وأما هواكم فى فؤادى فراسخ
وفيها توفّى محمد بن سعد «4» الله بن نصر أبو نصر بن الدّجاجىّ الواعظ الحنبلىّ.
ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ومات فى شهر ربيع الأوّل، ودفن بباب حرب.
ومن شعره- رحمه الله-:
نفس الفتى إن أصلحت أحوالها ... كان إلى نيل المنى «5» أحوى لها
وإن تراها سدّدت أقوالها ... كان على حمل العلا أقوى لها

(6/187)


وفيها توفّى ملك خلاط سيف الدين بكتمر «1» . كان من أحسن الشباب؛ ولم يبلغ عشرين سنة من العمر، قتله الهزار «2» دينارى؛ قيل: إنّه غرّقه فى بحر خلاط، وقتل الهزار دينارى بعده بمدّة يسيرة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث أحمد بن سليمان «3» الحربىّ الملقب بالسّكّر. وأبو الفضل «4» محمد بن الحسين «5» بن الخصيب «6» بدمشق.
ويوسف بن المبارك بن كامل الخفّاف. وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيّوب الحربى البقلىّ. وشميم الحلّىّ أبو الحسن علىّ بن الحسن بن عنتر «7» الأديب. ومحمد بن أحمد بن حامد أبو عبد الله الأرتاحىّ «8» الحنبلىّ بمصر، وله بضع وتسعون سنة.

(6/188)


أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وست أصابع. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وثمانى أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 602]
السنة السادسة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنه اثنتين وستمائة.
فيها توجّه ناصر «1» الدين صاحب ماردين إلى خلاط بمكاتبة أهلها وملكها «2» ، فجاء الملك الأشرف موسى شاه أرمن ابن الملك العادل هذا فنزل على دنيسر، وأقطع بلاد ماردين؛ فلمّا بلغ ذلك ناصر الدين عاد إلى ماردين بعد أن غرم مائة ألف دينار، ولم تسلّم له خلاط.
وفيها أغار [ابن «3» ] لاون على حلب وأخذ الجشار «4» من نواحى حارم، فبعث إليه الملك الظاهر غازى ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب- وهو يوم ذاك صاحب حلب- فارس الدين ميمونا القصرىّ، وأيبك فطيس، والأمير حسام الدين [بن أمير تركمان «5» ] فتقاتلا قتالا شديدا، وكان ميمون تقدّم ولولا هما لأخذ ميمون؛ فلمّا بلغ ذلك الملك الظاهر خرج من حلب ونزل مرج «6» دابق، ثمّ جاء إلى حارم،

(6/189)


فهرب ابن لاون إلى بلاده. وكان ابن لاون قد بنى قلعة فوق دربساك، فأخذها الظاهر وأخربها، ثم عاد الملك الظاهر إلى حلب.
وفيها حجّ بالناس من العراق وجه السّبع، ومن الشام الشّجاع علىّ بن السّلّار.
وفيها توفّى الأمير طاشتكين بن عبد الله المقتفوىّ «1» مجير الدين أمير الحاجّ، حجّ بالناس ستّا وعشرين حجّة، وكان يسير فى طريق الحجّ مثل الملوك. شكاه ابن يونس [الوزير «2» ] إلى الخليفة أنّه يكاتب السلطان صلاح الدين صاحب مصر [وزوّر «3» عليه كتابة] ، فحبسه الخليفة مدّة، ثم تبيّن له أنّه برىء، فأطلقه وأعطاه خوزستان «4» ؛ ثم أعاده إلى إمرة الحاجّ؛ وكانت الحلّة «5» إقطاعه. وكان شجاعا جوادا سمحا قليل الكلام يمضى عليه الأسبوع ولا يتكلّم. استغاث إليه رجل يوما فلم يكلّمه، فقال الرجل: الله كلّم موسى، فقال: وأنت موسى! [فقال «6» الرجل: وأنت الله! فقضى حاجته. وكان حليما، التقاه رجل فآستغاث إليه من نوّابه فلم يجبه] فقال الرجل: أنت حمار؟ فقال طاشتكين: لا. وفى قلّة كلامه يقول ابن التّعاويذىّ «7» الشاعر المشهور:
وأمير على البلاد مولّى ... لا يجيب الشاكى بغير السكوت
كلّما زاد رفعة حطّنا اللّ ... هـ بتغفيله إلى البهموت
وفيها توفّى مسعود بن سعد الدين صاحب صفد. وأخوه «8» بدر الدين ممدود شحنة دمشق، وهما ابنا الحاجب مبارك بن عبد الله، وأمّهما أمّ فرخشاه

(6/190)


ابن «1» شاهنشاه بن أيّوب [ففرخشاه «2» أخوهما لأمّهما] ، وأختهما لأمّهما أيضا الستّ عذراء صاحبة المدرسة العذراويّة المجاورة لقلعة دمشق. وكانا أميرين كبيرين (أعنى ممدودا ومسعودا) صاحبى الترجمة، ولهما مواقف مع السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب، وتقدّمت وفاة ممدود على أخيه مسعود، فإنّه مات بدمشق فى يوم الأحد خامس شهر رمضان من هذه السنة. وتوفّى مسعود هذا بصفد فى يوم الاثنين خامس شوّال- رحمهما الله تعالى-.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى سلطان غزنة شهاب الدين [أبو المظفر «3» محمد بن سام] الغورى قتلته الباطنيّة. وأبو علىّ ضياء الدين ابن أبى القاسم [أحمد «4» بن الحسن أبى علىّ] بن الخريف. والمفتى أبو المفاخر خلف بن أحمد الأصبهانىّ الفرّاء، وله أربع وثمانون سنة. وأبو يعلى حمزة بن علىّ [بن «5» حمزة بن فارس] بن القبّيطىّ، قرأ القرآن على سبط الخيّاط وجماعة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 603]
السنة السابعة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة ثلاث وستمائة.
فيها فارق وجه السّبع الحاجّ، وقصد الشام مغضبا، وكان فى الحجّ جماعة من الأعيان، فبكوا وسألوه العود معهم على العادة، فقال: مولاى أمير المؤمنين محسن

(6/191)


إلىّ، وما أشكو إلّا من الوزير ابن مهدى «1» ، وما عن التوجّه بدّ؛ ففارقهم وسار إلى الشام، فتلقّاه الملك العادل صاحب الترجمة وأولاده، وأحسن العادل إليه وأكرم نزله، وحزن الخليفة على فراقه.
وفيها ولّى الخليفة عماد الدين أبا القاسم عبد الله بن الدّامغانىّ الحنفىّ قاضى قضاة بغداد.
وفيها قبض الخليفة على عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلىّ، واستأصله حتّى احتاج إلى الطلب من الناس.
وفيها نزلت الفرنج على حمص، وكان الملك الظاهر غازى صاحب حلب قد بعث المبارز يوسف بن خطلخ الحلبىّ إليها نجدة لأسد الدين صاحبها، وحصل القتال بينهم وبين الفرنج وأسر الصّمصام بن العلائىّ، وخادم صاحب حمص.
ورجع الفرنج إلى بلادهم.
وفيها توفّى عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلىّ المعروف بالكيلانى- رضى الله عنه- وكان عبد الرزاق هذا زاهدا ورعا عابدا مقتنعا من الدنيا باليسير صالحا ثقة، لم يدخل فى الدنيا كما دخل فيها غيره من إخوته. وكان مولده سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ومات فى شوّال ببغداد ودفن بباب حرب.
وفيها توفّى أبو القاسم [أحمد «2» ] ابن المقرئ صاحب ديوان الخليفة ببغداد، كان شابا حسنا يعاشر ابن الأمير أصبه، وكان ابن أصبه شابّا جميلا، جلسا يوما فداعب ابن المقرئ ابن أصبه فرماه بسكّين صغيرة، فوقعت فى فؤاده فقتلته، فسلّم الخليفة ابن المقرئ إلى أولاد أصبه، فلمّا خرجوا به ليقتلوه أنشد.

(6/192)


قدمت على الإله بغير زاد ... من الأعمال بالقلب السليم
وسوء الظن أن تعتدّ زادا ... إذا كان القدوم على كريم
فقتلوه- رحمه الله تعالى-.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصّيدلانىّ، وله أربع وتسعون سنة. وأبو عبد الله محمد بن معمّر [بن عبد الواحد «1» بن رجاء] بن الفاخر القرشىّ. وأبو بكر عبد الرزّاق بن عبد القادر ابن أبى صالح الجيلىّ الحافظ فى شوّال، وله خمس وسبعون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة، الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 604]
السنة الثامنة من ولاية الملك العادل أبى بكر بن أيّوب على مصر، وهى سنة أربع وستمائة.
فيها ملك الأوحد ابن الملك العادل صاحب الترجمة خلاط بمكاتبة أهلها بعد قتل ابن بكتمر «2» والهزار دينارى المقدّم ذكرهما؛ وكانت بنت بكتمر مع صاحب «3» أرزن «4» الروم،- فقالت بعد قتل أخيها-: لا أرضى حتّى تقتل قاتل أخى، وهو الهزار

(6/193)


دينارى وتأخذ بثأره؛ فسار صاحب أرزن إلى خلاط، وخرج الهزار دينارى للقائه، فضربه صاحب أرزن فأبان رأسه، وعاد إلى أرزن الروم. وبقيت خلاط بغير ملك، وكان الأوحد بن العادل صاحب ميّافارقين، فكاتبوه أهل خلاط فجاء إليهم واستولى عليها.
وفيها حجّ بالناس من العراق ياقوت «1» .
وفيها توفّى محمود «2» بن هبة الله بن أبى القاسم الحلبىّ أبو الثناء البزّاز. كان فاضلا قرأ القرآن، وسمع الحديث على إسماعيل بن موهوب بن الجواليقىّ، وحكى عنه قال:
كنت فى حلقة والدى بجامع القصر، فوقف عليه شابّ وقال: ما معنى قول القائل:
وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النار يصلينى به النارا
فالشمس بالقوس أضحت «3» وهى نازلة ... إن لم يزرنى وبالجوزاء إن زارا
فقال له والدى: يا بنىّ، هذا شىء يتعلّق بعلم النجوم لا بعلم الأدب. ثم قام والدى وآلى على نفسه ألّا يعود إلى مكانه حتّى ينظر فى علم النجوم، ويعرف مسير الشمس والقمر، فنظر فيه وعلمه. ومعنى الشعر: أنّ الشمس إذا نزلت القوس يكون الليل فى غاية الطول، وإذا كانت فى الجوزاء كان فى غاية القصر.
قلت: ومحصول البيتين: أنّه إذا لم يزره محبوبه كان الليل عليه أطول الليالى، وإذا زاره كان عليه أقصر الليالى، فقصد القوس للطّول، والجوزاء للقصر.
وهذا يشبه قول القائل، وقد تقدّم ذلك فى غير هذا المحلّ من هذا الكتاب،:

(6/194)


ليلى «1» وليلى نفى نومى اختلافهما ... بالطّول والطّول يا طوبى لو اعتدلا
يجود بالطّول ليلى كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا
ومثل هذا قول شرف الدين أحمد بن نصر بن كامل- وقيل هما لغيره-:
عهدى بهم ورداء الوصل يجمعنا ... والليل أطوله كاللّمح بالبصر
فاليوم ليلى مذ غابوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحى غير منتظر
ويعجبنى قول من قال- وهو قريب من هذا المعنى إن لم يكن هو بعينه-:
هجم السّهاد على عيونى فى الدّجى ... سرق الرقاد ودمع عينى سافح
وغدا يسامح للدجى فى بيعه ... واللّصّ كيف يبيع فهو الرابح
وقد استوعبنا هذا النوع (أعنى ما قيل فى طول الليل وقصره فى كتابنا المسمّى:
ب «حلية الصفات فى الأسماء والصناعات» ) فلينظر هناك فى حرف الطاء المهملة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى حنبل بن عبد الله ابن الفرج بن سعادة أبو «2» علىّ الرّصافىّ المكبّر [بجامع المهدى «3» ] الدلّال فى المحرّم.
وعبد المجيب بن عبد الله بن زهير الحربىّ بحماة. وأبو الفضل عبد الواحد ابن عبد السلام بن سلطان المقرئ. وستّ الكتبة نعمة بنت علىّ بن يحيى [بن «4» محمد] ابن الطراح بدمشق.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا سواء.

(6/195)