النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
[ما وقع من
الحوادث سنة 665]
السنة السابعة من ولايه الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة خمس وستين
وستمائة.
(7/221)
فيها توفّى بركة خان [بن توشى «1» ] بن
چنكز خان ملك التّتار، هو ابن عمّ هولاكو المقدّم ذكره، وكانت مملكته
عظيمة متّسعة جدّا وهى بعيدة عن بلادنا وله عساكر وافرة العدد، وكان
بركة هذا يميل إلى المسلمين ميلا زائدا ويعظّم أهل العلم ويقصد الصلحاء
ويتبرّك بهم. ووقع بينه وبين ابن عمّه هولاكو، وقاتله بسبب قتله
للخليفة المستعصم بالله وغيره من المسلمين؛ وكان بينه وبين الملك
الظاهر مودّة ويعظّم رسله، وكان قد أسلم هو وكثير من جنده وبنى المساجد
وأقيمت الجمعة ببلاده، وكان جوادا عادلا شجاعا، ومات ببلاده فى هذه
السنة وهو فى عشر الستين، وقام مقامه منكوتمر.
وفيها توفّى الأمير ناصر الدين أبو المعالى حسين «2» بن عزيز بن أبى
الفوارس القيمرىّ، كان من أكابر الأمراء وأجلّهم قدرا وأكبرهم شأنا،
وكان شجاعا كريما عادلا، وكان الملك الظاهر قد جعله مقدّم العساكر
بالساحل فتوجّه إليه فمات به مرابطا فى يوم الأحد ثالث عشر شهر ربيع
الأوّل، وهو صاحب المدرسة القيمريّة «3» بدمشق، وكان عالى الهمة يضاهى
السلاطين فى موكبه وخيله ومماليكه وحواشيه.
وفيها توفّى القاضى تاج الدين عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بدر أبو
محمد العلامىّ «4» الفقيه الشافعىّ المعروف بابن بنت الأعزّ، كان إماما
عالما فاضلا وولى
(7/222)
المناصب الجليلة كنظر الدواوين والوزارة
وقضاء القضاة ودرس بالشافعىّ، وكانت له مكانة عند الملك الظاهر، ومولده
سنة أربع عشرة وستمائة، ومات ليلة السابع والعشرين من شهر رجب ودفن من
الغد بسفح المقطّم.
وفيها توفّى الشيخ الإمام المحدّث تاج الدين أبو الحسين علىّ بن أحمد
بن علىّ ابن محمد بن الحسن «1» بن عبد الله بن أحمد بن ميمون القيسى
المصرىّ المالكىّ المعروف بابن القسطلانيّ، ولد سنة ثمان وثمانين
وخمسمائة بمصر، وبها تفقّه وسمع الحديث من جماعة كثيرة وحدّث بالكثير
ودرّس وأفتى وتولّى مشيخة دار الحديث «2» الكامليّة بالقاهرة إلى أن
مات بكرة السابع «3» والعشرين من شوّال ودفن من يومه بسفح المقطّم.
وفيها توفّى الشيخ الإمام الفقيه المحدّث شمس الدين ملكشاه بن عبد
الملك ابن يوسف بن إبراهيم المقدسىّ الأصل المصرىّ المولد الدّمشقىّ
الدار الحنفىّ المعروف بقاضى بيسان «4» ، كان فقيها عالما فاضلا مفتنّا
فى علوم، ولد بحارة زويله «5» بالقاهرة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ومات
فى سادس عشر صفر بدمشق، رحمه الله.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أبو الحجّاج
يوسف ابن مكتوم السّويدىّ «6» الحبّال. والشيخ الصالح الأثرىّ محمود بن
أبى القاسم [اسفنديار «7» ابن بدران بن أيّان] الدّشتىّ «8» بالقاهرة
فى رجب. وقاضى القضاة تاج الدين
(7/223)
عبد الوهاب بن خلف بن بنت الأعزّ فى رجب،
وله إحدى وستون «1» سنة. والعلّامة شهاب الدين أبو شامة أبو القاسم «2»
عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسىّ ثم الدّمشقىّ فى رمضان، وله ستّ وستون
سنة. والإمام تاج الدين علىّ ابن الشيخ أبى العبّاس أحمد بن على
القسطلانيّ بمصر، وله سبع وسبعون سنة. والسلطان بركة خان بن توشى «3»
بن چنكز خان. والأمير الكبير ناصر الدين حسين بن عزيز بن أبى الفوارس
القيمرىّ صاحب القيمريّة «4» .
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا.
[ما وقع من الحوادث سنة 666]
السنة الثامنة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ستّ وستين
وستمائة.
فيها توفّى الرئيس كمال الدين أبو يوسف أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن
عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الله الحلبىّ المعروف بابن العجمىّ، كان
شاعرا رئيسا عالما فاضلا حسن الخط والإنشاء، كتب للملك الناصر صلاح
الدين يوسف، وكان من أعيان الكتّاب وأماثلهم، بلغ من العمر ستّا
وأربعين سنة، ومات بظاهر صور من بلاد الساحل فى العشر «5» الأوّل من ذى
الحجّة وحمل إلى ظاهر دمشق فدفن بها. ومن شعره فى خال مليح، قال:
(7/224)
وما خاله ذاك الذي خاله الورى ... على خده
نقطا من المسك فى ورد
ولكنّ نار الخدّ للقلب أحرقت ... فصار سواد القلب خالا على الخدّ
قلت: يعجبنى قول ابن صابر «1» المنجنيقىّ فى هذا المعنى:
أهلا بوجه كالبدر حسنا ... صيّرنى حبّه هلالا
قد رقّ حتّى لحظت فيه ... سواد عينى فخلت خالا
ومثل هذا أيضا قول القائل فى هذا المعنى، ولم أدر لمن هو غير أنّنى
أحفظه قديما، وهو فى خال تحت العذار.
له خال تغشّاه هلال ... يفوت العين إن نظرت إليه
كشحرور تخبّأ فى سياج ... مخافة جارح من مقلتيه
وفى هذا المعنى للعزّ الموصلىّ «2» وأبدع إلى الغاية:
لحظت من وجنتها شامة ... فابتسمت تعجب من حالى
قالت قفوا واستمعوا ما جرى ... قد هام عمّى الشيخ فى خالى
وفى هذا المعنى:
تفاخر الحسن فى انتساب «3» ... لمّا بدا خاله الأنيق
فقالت العين ذا ابن أختى ... وقال لى الخدّ ذا شقيق
وقد استوعبنا هذا النوع وغيره فى كتابنا «حلية الصفات فى الأسماء
والصناعات» فلينظر هناك.
(7/225)
وفيها توفّى عفيف الدين أبو الحسن على بن
عدلان بن حمّاد «1» بن علىّ الموصلىّ النحوىّ المترجم، كان إماما عالما
أديبا مفتنّا شاعرا، مات بمصر فى يوم الجمعة تاسع شوّال. ومن شعره،
رحمه الله:
لا تعجبنّ إذا ما فاتك المطلب ... وعوّد النفس أن تشقى وأن تتعب
إن دام ذا الفقر فى الدنيا فلا تعجب ... مات الكرام وما فيهم فتى أعقب
وفيها توفّى السلطان ركن الدين كيقباد ابن السلطان غياث الدين كيخسرو
ابن السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن
قليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أتسز «2» بن إسرائيل بن سلجوق بن
دقماق السّلجوقىّ صاحب الروم، كان ملكا جليلا شجاعا لكنّه كان غير سديد
الرأى، كان جعل أمره بيد البرواناه فاستفحل أمر البرواناه، فأراد ركن
الدين هذا قتله فعاجله البرواناه وعمل على قتله حتى قتل (وكيقباد بفتح
الكاف وسكون الياء آخر الحروف وضم القاف وفتح الباء ثانية الحروف وبعد
الألف دال مهملة ساكنة) . وكيخسرو مثل ذلك غير أن الخاء المعجمة مضمومة
وبعدها سين مهملة ساكنة وراء مهملة مضمومة. وقليج أرسلان بكسر القاف
واللام وسكون الياء والجيم معا.
وأرسلان معروف.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أيّوب بن أبى
بكر عمر «3» الحمّامى ابن الفقّاعىّ. ومجد الدين أحمد بن عبد الله [بن
أبى الغنائم «4» المسلم بن
(7/226)
حمّاد بن محفوظ] بن ميسرة الأزدىّ ابن
الحلوانيّة فى شهر ربيع الأوّل. والشيخ القدوة إبراهيم بن عبد الله ابن
الشيخ أبى عمر [محمد «1» بن أحمد بن محمد بن قدامة] المقدسىّ فى شهر
ربيع الأوّل، وله ستون سنة. وأبو بكر عبد الله بن أحمد بن ناصر
النّحّاس فى ذى «2» القعدة. وفيها قتلت التّتار السلطان ركن الدين
كيقباد ابن السلطان غياث الدين كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كيقباد
صاحب الروم، وله ثمان وعشرون سنة وأجلسوا ولده كيخسرو على التخت وهو
ابن عشر سنين.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا سواء.
[ما وقع من الحوادث سنة 667]
السنة التاسعة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة سبع وستين
وستمائة.
فيها توفّى الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الحلىّ «3» الصالحىّ
النجمىّ، كان من أكبر أمراء الدولة وأعظمهم محلّا عند الملك الظاهر،
وكان نائب السلطنة عنه بالديار المصرية فى غيبته عنها لوثوقه به
واعتماده عليه، وكان قليل الخبرة لكن رزق السعادة.
قلت: له أسوة بأمثاله. قال: وكان محظوظا «4» من الدنيا له الأموال
الجمّة والمتاجر الكثيرة والأملاك الوافرة. وأمّا ما خلّفه من الأموال
والخيول والجمال والبغال
(7/227)
والعدد فيقصر الوصف عنه. ومات بقلعة دمشق
فى يوم الخميس سابع شعبان ودفن بتربته بجوار مسجد الأمير موسى بن
يغمور. ومات وقد نيّف على الستين.
وفيها توفّى الشيخ المحدّث عماد الدين محمد بن محمد بن علىّ أبو عبد
الله، كان فاضلا سمع الكثير، ومات بدمشق فى شهر ربيع الأوّل؛ ولما كان
بحلب كتب إليه أخوه سعد الدين سعد يقول:
ما للنّوى رقّة ترثى لمكتثب ... حرّان فى قلبه والدمع فى حلب
قد أصبحت حلب ذات العماد بكم ... وجلّق إرما هذا من العجب
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى زين الدين
إسماعيل ابن عبد القوىّ بن عزّون «1» الأنصارىّ فى المحرّم. والإمام
مجد الدين علىّ بن وهب القشيرى [والد «2» ] ابن دقيق العيد. والحافظ
زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد [بن أبى بكر «3» ] الأبيوردىّ
الصوفىّ فى جمادى الأولى. واللغوىّ مجد الدين عبد المجيد بن أبى الفرج
[بن محمد «4» ] الرّوذراورىّ «5» بدمشق فى صفر.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وست عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وسبع أصابع.
[ما وقع من الحوادث سنة 668]
السنة العاشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ثمان
وستين وستمائة.
(7/228)
فيها توفّى الشيخ موفّق الدين أبو العبّاس
أحمد بن القاسم بن خليفة الخزرجىّ المعروف بابن أبى أصيبعة الحكيم
الفاضل صاحب المصنّفات منها «طبقات الأطباء» . مات بصرخد فى جمادى
الأولى، وقد نيّف على سبعين سنة، وكان فاضلا عالما فى الطّبّ والأدب
والتاريخ وله شعر كثير، من ذلك ما مدح به الصاحب أمين «1» الدولة، وهى
قصيدة طنّانة أوّلها:
فؤادى فى محبّتهم أسير ... وأنّى «2» سار ركبهم يسير
يحنّ إلى العذيب وساكنيه ... حنينا قد تضمّنه سعير
ويهوى نسمة هبّت سحيرا ... بها من طيب نشرهم عبير
وإنّى قانع بعد التّدانى ... بطيف من خيالهم يزور
ومعسول اللّمى مرّ التجنّى ... يجور على المحبّ ولا يجير
تصدّى للصدود ففى فؤادى ... بوافر هجره أبدا هجير
وقد وصلت جفونى فيه سهدى ... فما هذى القطيعة والنفور
وهى طويلة «3» كلّها على هذا النّمط.
وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الظاهرىّ نائب حمص، كان
فيه صرامه مفرطة، وكان موصوفا بالعسف والظلم وسيرة قبيحة، ومع هذه
المساوئ كان أيضا فيه رفض. مات بحمص وفرح بموته أهل بلده.
(7/229)
وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد
الله المعروف بالزّرّاد، كان نائب قلعة دمشق، وكان من المماليك
الصالحيّة النّجميّة، وكانت حرمته وافرة وسيرته جميلة. ومات فى ذى
القعدة.
وفيها توفّى موسى «1» بن غانم بن علىّ بن إبراهيم بن عساكر بن حسين
الأنصارىّ المقدسىّ، كان كبير القدر صدرا كبيرا شجاعا وافر لحرمة،
تولّى مشيخة الحرم بالقدس الشريف، وكان كريما وله سمعة وصيت. مات
بالقدس فى المحرّم وقد جاوز سبعين سنة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث زين
الدين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسى فى رجب، وله ثلاث وتسعون
سنة. وقاضى القضاة محيى الدين يحيى بن محمد بن الزّكى القرشىّ فى رجب،
وله اثنتان وسبعون سنة.
وأبو حفص عمر بن محمد بن أبى سعد «2» الكرمانىّ الواعظ فى شعبان، وله
ثمان وتسعون سنة. وفيها قتل فى المصافّ صاحب المغرب الملك أبو دبّوس
«3» أبو العلاء [الواثق بالله] إدريس بن «4» عبد الله بن محمد المؤمنى.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع واثنتان وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا.
(7/230)
[ما وقع من
الحوادث سنة 669]
السنة الحادية عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس البندقدارىّ على مصر،
وهى سنة تسع وستين وستمائة.
فيها توفّى الشيخ شمس الدين أبو إسحاق إبراهيم بن المسلم بن هبة الله
[المعروف «1» با] بن البارزىّ الفقيه الحموىّ الشافعىّ، مولده سنة
ثمانين وخمسمائة، وكان فقيها فاضلا ورعا، وله شعر جيّد وأفتى ودرّس
بمعرّة «2» النّعمان وغيرها، ومات فى شعبان بحماة.
ومن شعره، رحمه الله، يصف دمشق:
دمشق لها منظر رائق ... وكلّ إلى وصلها «3» تائق
وأنّى يقاس بها بلدة ... أبى الله والجامع الفارق
وفيها توفّى القاضى كمال الدين أبو السعادات أحمد بن مقدام بن أحمد بن
شكر المعروف بابن القاضى الأعزّ، كان أحد الأكابر بالديار المصريّة
متأهّلا للوزارة وغيرها، وتولّى المناصب الجليلة، وكان له يد فى النظم
ومعرفة بالأدب ومشاركة فى غيره. ومات فى شهر رمضان بالقاهرة.
وفيها توفّى الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الصّيرفىّ، كان من
أعيان الأمراء بالديار المصريّة وممّن يخشى جانبه، فلمّا تمكّن الملك
الظّاهر بيبرس أخرجه إلى دمشق ليأمن غائلته وأقطعه بها خبزا جيّدا،
فدام به إلى أن مات ببعلبكّ وهو فى عشر الستين.
(7/231)
وفيها توفّى الأمير قطب الدين سنجر بن عبد
الله المستنصرىّ البغدادىّ المعروف بالياغز «1» ، كان من مماليك
الخليفة المستنصر بالله، وكان محترما فى الدولة الظاهريّة وعنده معرفة
وحسن عشرة ومحاضرة بالأشعار والحكايات.
وفيها توفّى الملك الأمجد تقىّ الدين عبّاس ابن الملك العادل أبى بكر
محمد بن أيّوب ابن شادى، وكنيته أبو الفضل «2» ، كان محترما عند الملك
الظاهر لا يرتفع عليه أحد فى المجالس، وهو آخر من مات من أولاد الملك
العادل لصلبه، وكان دمث الأخلاق حسن العشرة لا تملّ مجالسته. ومات
بدمشق فى جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها توفّى قطب الدين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن
نصر ابن محمد بن سبعين أبو محمد المرسىّ الرّقوطىّ «3» الصوفىّ المعروف
بابن سبعين.
قال الذهبىّ فى تاريخ الإسلام: كان صوفيّا على قاعدة زهّاد الفلاسفة
وتصوّفهم، وله كلام كثير فى العرفان على طريق الاتّحاد والزّندقة. وقد
ذكرنا محطّ هؤلاء الجنس فى ترجمة ابن الفارض «4» وابن العربىّ «5»
وغيرهما، فيا حسرة على العباد! كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون فى
الذبّ عن معبودهم، تبارك الله وتقدّس فى ذاته عن أن يمتزج بخلقه أو
يحلّ فيهم، وتعالى الله عن أن يكون هو عين السماوات والأرض وما بينهما،
فإنّ هذا الكلام شرّ من مقالة من قال بقدم العالم.
(7/232)
ومن عرف هؤلاء الباطنيّة عذرنى أو هو زنديق
مبطن للاتّحاد يذبّ عن الاتّحاديّة والحلوليّة، ومن لم يعرفهم فالله
يثيبه على حسن قصده. ثم قال بعد كلام طويل:
واشتهر عنه (يعنى عن ابن سبعين هذا) أنّه قال: لقد تحجّر ابن آمنة
واسعا بقوله:
" لا نبىّ بعدى". ثم ساق الذهبىّ أيضا من جنس هذه المقولة أشياء أضربت
عنها إجلالا فى حقّ الله ورسوله لا لأجل هذا النّجس.
قلت: إن صحّ عنه ما نقله الحافظ الذهبىّ وهو حجّة فى نقله فهو كافر
زنديق مارق من الدين مطرود من رحمة الله تعالى. انتهى. والرّقوطىّ نسبة
إلى حصن من عمل مرسية يقال له رقوطة.
وفيها توفى الأمير شرف الدين أبو محمد عيسى بن محمد بن أبى القاسم بن
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كامل الكردىّ الهكّارى، كان أحد أعيان
الأمراء سمع الحديث وحدّث، ومولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالقدس،
وكان أحد الأمراء المشهورين بالشجاعة والإقدام وله وقائع معدودة ومواقف
مشهورة مع العدوّ بأرض الساحل؛ ولى الأعمال الجليلة وقدّمه الملك
الظاهر بيبرس على العساكر فى الحروب غير مرّة، ومات بدمشق فى شهر ربيع
الآخر. ومن شعره مما كتبه للوزير شرف الدين بن المبارك وزير إربل:
أأحبابنا إن غبت عنكم وكان لى ... إلى غير مغناكم مراح وإيسام
فما عن رضا كانت سليمى بديلة ... بليلى ولكن للضرورات أحكام
وفيها توفّى محمد بن عبد المنعم بن نصر [الله «1» ] بن جعفر بن أحمد بن
حوارى الفقيه الأديب أبو المكارم تاج الدين التّنوخى المعرّىّ الأصل
الحنفىّ الدّمشقى المولد
(7/233)
والدار والوفاة المعروف بابن شقير. ولد سنة
ست «1» وستمائة وسمع وحدّث بدمشق والقاهرة، وكان فقيها محدّثا فاضلا
بارعا أديبا وعنده رياسة ومكارم ودماثة أخلاق وحسن محاضرة، وهو معدود
من شعراء الملك الناصر [صلاح «2» الدين يوسف بن العزيز] ومات فى صفر.
ومن شعره:
قد أقبل الصيف وولّى الشّتا ... وعن قريب نشتكى الحرّا
أما ترى البان بأغصانه ... قد قلب الفرو إلى برّا
وقال، رحمه الله:
وا حيرة القمرين منه إذا بدا ... وإذا انثنى وا خجلة الأغصان
كتب الجمال وياله من كاتب ... سطرين فى خدّيه بالرّيحان
قلت: ويعجبنى قول ابن «3» المعتزّ فى هذا المعنى وقد أبدع فى التشبيه
فقال:
كأنّ خطّ عذار شقّ عارضه ... ميدان آس على ورد ونسرين
وخطّ فوق حجاب الدر شاربه ... بنصف صاد ودار الصّدغ كالنون
ولمحمد بن يوسف [بن عبد «4» الله المعروف با] لخيّاط الدّمشقى فى معنى
العذار:
عدار حبّى دقيق معنى ... تجلّ عن حسنه الصفات
حلا لرائيه وهو نبت ... هذا هو السكّر النّبات
(7/234)
ولابن نباتة «1» :
وبمهجتى رشأ يميس قوامه ... فكأنّه نشوان من شفتيه
شغف العذار بخدّه ورآه قد ... نعست لواحظه فدبّ عليه
وللصّفدىّ «2» :
عيناه قد شهدت بأنّى مخطئ ... وأتت تخطّ عذاره تذكارا
يا حاكم الحبّ اتّئد فى قتتى ... فالخطّ زور والشهود سكارى
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ حسن
ابن أبى عبد الله بن صدقة الصّقلّىّ المقرئ فى شهر ربيع الأوّل وقد
نيّف على سبعين.
وشيخ السّبعينيّة «3» قطب الدين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن سبعين
المرسىّ بمكّة فى شوّال، وله خمس وخمسون سنة. ومجد الدين محمد بن
إسماعيل بن عثمان ابن مظفّر «4» بن هبة الله بن عساكر فى ذى القعدة.
وقاضى حماة شمس الدين إبراهيم ابن المسلم بن البارزىّ فى شعبان، وله
تسع «5» وثمانون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ست أذرع وإحدى وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا واثنتا عشرة إصبعا.
[ما وقع من الحوادث سنة 670]
السنة الثانية عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة
سبعين وستمائة.
(7/235)
فيها توفّى الملك الأمجد مجد الدين أبو
محمد الحسن ابن الملك الناصر داود ابن الملك المعظّم عيسى ابن الملك
العادل أبى بكر بن أيّوب، كان الملك الأمجد هذا من الفضلاء وعنده
مشاركة جيّدة فى كثير من العلوم، وله معرفة تامّة بالأدب.
وفيها توفّى الشيخ عماد الدين عبد الرحيم بن عبد الرحيم «1» بن عبد
الرحيم بن عبد الرحمن ابن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن محمد
بن الحسين الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن العجمىّ، كان فاضلا سمع
الحديث وتفقّه وحدّث ودرّس وتولّى الحكم بمدينة الفيّوم «2» من أعمال
مصر وغيرها وناب فى الحكم بدمشق، وكان مشكور السّيرة.
ومات بحلب فى رابع «3» عشر شهر رمضان. ومولده فى سنة خمس وستمائة بحلب.
وفيها توفّى الأديب أمين الدين «4» علىّ بن عثمان «5» بن علىّ بن
سليمان بن علىّ بن سليمان ابن علىّ أبو الحسن «6» المعروف بأمين الدين
السّليمانىّ الصوفى الإربلىّ الشاعر المشهور، ولد سنة اثنتين «7»
وستمائة. ومات بمدينة الفيّوم من أعمال مصر فى جمادى الأولى، وكان
فاضلا مقتدرا على النظم، وهو من أعيان شعراء الملك الناصر صلاح الدين
يوسف صاحب الشام، وكان أوّلا جنديّا ثم ترك ذلك وتزهّد. ومن شعره وقد
أرسل إلى بعض الرؤساء هديّة فقال:
(7/236)
هديّة عبد مخلص فى ولائه ... لها شاهد منها
على عدم المال
وليست على قدرى ولا قدر مالكى ... ولكنّها جاءت على قدر الحال
وقال رحمه الله:
ألا فاحفظ لسانك فهو خير ... وطرفك واستمع نصحى ووعظى
فربّ عداوة حصلت بلفظ ... وربّ صبابة حصلت بلحظ
وفيها توفّى الرئيس الصدر عماد الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن
الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد «1» بن
الحسين بن صصرّى التّغلبىّ «2» ، البلدىّ «3» الأصل الدّمشقى المولد
والدار والوفاة العدل الكبير، مولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع
الكثير وحدّث، وكان شيخا جليلا من بيت العلم والحديث، وقد حدّث هو
وأبوه وجدّه وجدّ أبيه وجدّ جدّه وغير واحد من بيته.
ومات فى ذى القعدة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى العلّامة
الكمال سلّار بن الحسن الإربلىّ الشافعىّ فى جمادى الآخرة، ومعين الدين
أحمد ابن القاضى زين الدين علىّ بن يوسف الدمشقىّ العدل بمصر فى رجب.
والإمام جمال «4» الدين عبد الرحمن بن سلمان «5» الحرّانىّ البغدادىّ
«6» الحنبلىّ فى شعبان، وله خمس وثمانون سنة.
والقاضى عماد الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله
الدّمشقى ابن
(7/237)
صصرىّ فى ذى القعدة. والملك الأمجد السيد
الجليل حسن ابن الناصر داود صاحب الكرك فى جمادى الأولى كهلا. والصدر
وجيه الدين محمد بن علىّ [بن «1» أبى طالب] ابن سويد التّكريتىّ التاجر
فى ذى القعدة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة
ثمانى عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا.
[ما وقع من الحوادث سنة 671]
السنة الثالثة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة إحدى
وسبعين وستمائة.
فيها توفّى الأديب الفاضل مخلص الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هبة
الله ابن أحمد بن قرناص الخزاعى «2» الحموىّ الشاعر المشهور، كان أديبا
فاضلا وله اليد الطّولى فى النظم، ومات بحماة يوم الأحد رابع شوّال.
ومن شعره:
ليلى وليلك يا سؤلى ويا أملى ... ضدان هذا به طول وذا قصر
وذاك أنّ جفونى لا يلمّ بها ... نوم وجفنك لا يحظى به السّهر
قلت: وهذا يشبه قول «3» القائل وما أدرى أيهما أسبق إلى هذا المعنى
وهو:
ليلى وليلى نفى نومى اختلافهما ... بالطّول والطّول يا طوبى لو اعتدلا
يجود بالطّول ليلى كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا
(7/238)
وفيها توفّى الشريف شرف الدين أبو عبد الله
محمد بن رضوان بن علىّ بن أبى المظفّر بن أبى العتاهية المعروف بالشريف
الناسخ. مات بدمشق فى شهر ربيع الآخر، وكان من الفضلاء وله مشاركة فى
كثير من العلوم وله اليد الطّولى فى النظم والنثر. ومن شعره:
عانقته عند الوداع وقد جرت ... عينى دموعا كالنّجيع القانى
ورجعت عنه وطرفه فى فترة ... يملى علىّ مقاتل الفرسان
قلت: وما أحسن قول القاضى ناصح «1» الدين الأرّجانىّ فى هذا المعنى:
إذا رأيت الوداع فاصبر ... ولا يهمّنك البعاد
وانتظر العود عن قريب ... فإنّ قلب الوداع عادوا
وأجاد أيضا من قال فى هذا المعنى:
فإن سرت بالجثمان عنكم فإنّنى ... أخلّف قلبى عندكم وأسير
فكونوا عليه مشفقين فإنّه ... رهين لديكم فى الهوى وأسير
وفيها توفّى المحدّث شرف الدين أبو المظفّر يوسف بن الحسن بن بدر بن
الحسن ابن مفرّج بن بكّار النّابلسى الأصل الدّمشقىّ المولد والدار
والمنشأ والوفاة المحدّث المشهور، كان فاضلا وسمع الكثير وحدّث، وكانت
لديه فضيلة ومشاركة ومعرفة بالأدب. ومن شعره:
عرّج بعيسك واحبس أيّها الحادى ... عند الكثيب وعرّس يمنة الوادى
(7/239)
واقر السّلام على سكّان كاظمة ... منّى
وعرّض بتهيامى وتسهادى
وقل محبّ بنار الشّوق محترق ... أودى به الوجد خلّفناه بالنّادى «1»
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الحافظ شرف
الدين أبو المظفّر يوسف بن الحسن بن النابلسى الدّمشقىّ فى المحرّم.
وخطيب المقياس «2» أبو الفتح عبد الهادى بن عبد الكريم القيسىّ المقرئ،
وله أربع وتسعون سنة فى شعبان. والمحدّث شمس الدين محمد بن عبد المنعم
بن عمّار بن هامل «3» الحرّانىّ فى رمضان. وأبو العبّاس أحمد بن هبة
الله بن أحمد السّلمىّ الكهفى «4» فى رجب.
وصاحب «التعجيز «5» » الإمام تاج الدين أبو القاسم عبد الرحيم بن محمد
بن محمد ابن يونس «6» الموصلىّ فى جمادى الأولى ببغداد، وله ثلاث
وسبعون سنة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وإحدى عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا.
[ما وقع من الحوادث سنة 672]
السنة الرابعة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة
اثنتين وسبعين وستمائة.
(7/240)
فيها ملك الملك الظاهر بيبرس برقة «1» بعد
حروب كثيرة.
وفيها توفّى الصاحب محيى الدين أحمد بن علىّ بن محمد بن سليم الصاحب
محيى الدين أبو العباس ابن الصاحب بهاء «2» الدين بن حنّا فى ثامن
شعبان بمصر ودفن بسفح المقطّم، ووجد عليه والده وجدا شديدا، وعملت له
الأعزية والختم، وكان فاضلا وسمع من جماعة وحدّث ودرّس بمدرسة «3»
والده التى أنشأها بزقاق القناديل بمصر إلى حين وفاته.
وفيها توفى المحدّث مؤيّد الدين أبو المعالى أسعد بن المظفر بن أسعد بن
حمزة بن أسد بن علىّ بن محمد التّميمىّ المعروف بابن القلانسىّ، مولده
بدمشق سنة ثمان أو تسع وتسعين وخمسمائة، وسمع الكثير وحدّث بدمشق ومصر،
وهو من البيوتات
(7/241)
المشهورة بالحديث والعدالة والتقدّم. ومات
فى ثالث [عشر «1» ] المحرّم ببستانه ظاهر دمشق، وكان وافر الحرمة
متأهّلا للوزارة كثير الأملاك واسع الصدر
وفيها توفّى الأمير فارس الدين أقطاى بن عبد الله الأتابكىّ المعروف
بالمستعرب الصالحىّ النجمىّ، كان من أكابر الأمراء وأعيانهم، وكان
الملك المظفّر قطز قرّبه وجعله أتابكا وعلّق جميع أمور المملكة به.
فلمّا تسلطن الملك الظاهر قام معه وحلف له وسلطنه فلم يسع الملك الظاهر
إلّا أن أبقاه على حاله، وصار الظاهر فى الباطن يتبرّم منه ولا يسعه
إلّا تعظيمه لعدم وجود من يقوم مقامه، فإنّه كان من رجال الدهر حزما
وعزما ورأيا، فلمّا أنشأ الملك الظاهر بيليك الخازندار أمره بملازمته
والاقتباس منه فلازمه مدّة، فلمّا علم الظاهر منه الاستقلال جعله
مشاركا له فى الجيش، وقطع الرواتب التى كانت لأقطاى المذكور؛ فجمع
أقطاى نفسه وتعلّل قريب السنة وصار يتداوى إلى أن مات، وكان أظهر أن به
طرف «2» جذام ولم يكن به شىء من ذلك، رحمه الله تعالى.
وفيها توفّى مجاهد «3» بن سليمان بن مرهف بن أبى الفتح التّميمىّ
المصرىّ الخياط الشاعر المشهور، وكان يعرف بابن أبى الربيع. مات فى
جمادى الآخرة بالقرافة الكبرى، وكان بها سكنه وبها دفن، وكان فاضلا
أديبا. ومن شعره فى أبى الحسين الجزّار وكان بينهما مهاجاة:
(7/242)
أبا الحسين تأدّب ... ما الفخر بالشّعر فخر
وما ترشّحت «1» منه ... بقطرة وهو بحر
وفيه يقول أيضا:
إن تاه جزاركم عليكم ... بفطنة عنده وكيس
فليس يرجوه غير كلب ... وليس يخشاه عير تيس
ومن شعره قوله: لغز فى إبرة وكستبان:
ثلاثة فى أمر خصمين ... إلفين لكن غير إلفين
هما قريبان وإن فرّقت ... بينهما الأيام فرقين
فواحد يعضده «2» واحد ... ويعضد الآخر باثنين
تراهما بينهما وقعة ... إذ تقع العين على العين
وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن سليمان [بن محمد «3» بن
سليمان] بن عبد الملك بن علىّ المعافرىّ الشاطبىّ المقرئ الزاهد نزيل
الإسكندرية، قرأ بالسّبع فى الأندلس وبرع فى القراءات والتفسير وله
تفسير صغير. ومات فى العشرين من شهر رمضان، وله سبع وثمانون سنة.
وفيها توفّى الشيخ الإمام العلّامة فريد عصره جمال الدين أبو عبد الله
محمد بن عبد الله [بن «4» عبد الله] بن مالك النحوىّ الجيّانىّ «5»
الشافعىّ الطائىّ العالم المشهور
(7/243)
صاحب التصانيف فى النحو والعربيّة نزيل
دمشق مولده سنة إحدى وستمائة، وسمع الحديث وتصدّر بحلب لإقراء
العربيّة، وصرف همّته إلى النحو حتى بلغ فيه الغاية، وصنّف التصانيف
المفيدة، وكان إماما فى القراءات، وصنّف فيها أيضا قصيدة مرموزة فى
مقدار الشاطبيّة، وكان إماما فى اللّغة.
قلت: وشهرته تغنى عن الإطناب فى ذكره. ومات فى ثانى عشر شعبان وقد نيّف
على السبعين، رحمه الله تعالى.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى مؤيّد الدين
أسعد ابن المظفّر التّميمىّ ابن القلانسىّ عن ثلاث وسبعين سنة فى
المحرّم، والسيد تجيب الدين عبد اللطيف بن أبى محمد عبد المنعم [بن
علىّ «1» بن نصر بن منصور بن هبة الله أبو الفرج ابن الإمام الواعظ أبى
محمد] بن الصّيقل الحرانىّ فى صفر، وله خمس وثمانون سنة. والمسند تقىّ
الدين إسماعيل بن إبراهيم بن أبى اليسر [شاكر «2» بن عبد الله]
التّنوخىّ الكاتب فى صفر، وله ثلاث وثمانون سنة. وأبو عيسى عبد الله بن
عبد الواحد ابن محمد [بن «3» عبد الواحد] بن علّاق الأنصارىّ الرزاز
«4» فى شهر ربيع الأوّل عن ستّ وثمانين سنة. والقاضى كمال الدين عمر بن
بندار التّفليسىّ بمصر فى شهر ربيع الأوّل وقد جاوز السبعين. والمحدّث
نجم الدين علىّ بن عبد الكافى الرّبعىّ الشافعىّ فى شهر ربيع الآخر
شابّا. والشيخ كمال الدين عبد العزيز بن عبد المنعم فى شعبان عن ثلاث
وثمانين سنة. والعلّامة جمال الدين محمد بن عبد الله [بن عبد الله] بن
مالك الطائى الجيّانىّ فى شعبان عن نحو سبعين سنة. والأمير الكبير
أتابك المستعرب، واسمه
(7/244)
فارس الدين أقطاى الصالحىّ، وقد ولى نيابة
المظفر قطز؛ توفى فى جمادى الأولى، والزاهد الكبير الشيخ محمد بن
سليمان [بن محمد بن سليمان] الشاطبىّ بالإسكندريّة وخواجا [محمد بن
محمد بن الحسن «1» أبو عبد الله] نصير [الدين «2» ] الطّوسىّ فى ذى
الحجة.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وإحدى وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست أصابع.
[ما وقع من الحوادث سنة 673]
السنة الخامسة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة ثلاث
وسبعين وستمائة.
فيها كانت أعجوبة فى السابع والعشرين من شعبان وهو أنّه وقع رمل بمدينة
الموصل ظهر من القبلة وانتشر يمينا وشمالا حتى ملأ الآفاق وعمّيت
الطّرق، فخرج العالم إلى ظاهر البلد، ولم يزالوا يبتهلون إلى الله
تعالى بالدعاء إلى أن كشف الله ذلك عنهم.
وفيها توفّى الأمير شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن موسى بن يغمور بن
جلدك.
وقد تقدّم ذكر والده الأمير جمال الدين موسى، كان شهاب «3» الدين هذا،
مروفا بالشجاعة والشهامة والصّرامة والحرمة، ولّاه الملك الطاهر
المحلّة «4» وأعمالها من الغربيّة من إقليم مصر، فهذّبها ومهّد قواعدها
وأباد المفسدين بها بحيث إنّه قطع من الأيدى والأرجل ما لا يحصى كثرة،
وشنق ووسّط فخافه البرىء والسقيم. ومات بالمجلّة فى الرابع والعشرين
«5»
(7/245)
من جمادى الأولى، وكان عنده رياسة وحشمة
وبرّ لمن يقصده؛ وله نظم وعنده فضيلة.
ومن شعره يخاطب الأمير «1» علم الدين الدّوادارى:
إن صددتم عن منزلى فلكم في ... هـ ثناء كنشر روض بهىّ
أو رددتم فأنا المحبّ الذي من ... آل موسى فى الجانب الغربىّ
وله:
خطب أتى مسرعا فآذى ... أصبح جسمى به جداذا
خضّد «2» قلبى وعمّ غيرى ... يا ليتنى متّ قبل هذا
وله فى مليح نحوىّ:
ومليح تعلّم النحو يحكى ... مشكلات له بلفظ وجيز
ما تميزت حسنه قطّ إلّا ... قام أيرى نصبا على التمييز
وفيها هلك بيمند الفرنجىّ متملّك طرابلس بها فى العشر الأوّل من شهر
رمضان ودفن فى كنيسة بها، ونملّك بعده ابنه، وكان حسن الشكل مليح
الصورة.
وفيها توفّى الشيخ الإمام أبو محمد شمس الدين عبد الله ابن شرف الدين
محمد بن عطاء الأذرعىّ «3» الأصل الدّمشقىّ الوفاة الحنفىّ، كان إماما
فقيها مفتيا عالما مفتّنا، أفتى ودرّس بعدّة مدارس، وهو أوّل قاض ولى
القضاء استقلالا بدمشق من الحنفيّة فى العصر الثانى. وأمّا أوّل الزمان
فوليها جماعة كثيرة من العلماء فى أوائل الدولة العبّاسيّة. وحسنت
سيرته فى القضاء إلى الغاية؛ وقصّته مع الملك الظاهر بيبرس مشهورة لمّا
أوقع الظاهر الحوطة على الأملاك والبساتين بدمشق، وقعد
(7/246)
الظاهر فى دار العدل بدمشق وجرى الحديث فى
هذا المعنى بحضور القضاة الأربعة والعلماء وغيرهم، فكلّ من القضاة ألان
له القول وخشى سطوة الملك الظاهر إلّا شمس الدين هذا، فإنّه صدع بالحقّ
وقال: ما يحلّ لمسلم أن يتعرّض لهذه الأملاك والبساتين! فإنّها بيد
أربابها ويدهم ثابتة عليها. فغضب الملك الظاهر من هذا القول وقام من
دار العدل وقال: إذا كنّا ما نحن مسلمون إيش قعودنا! فشرع الأمراء
يتألّفوه ولا «1» زالوا به حتى سكن غضبه؛ فلمّا رأى الظاهر صلابة دينه
حظى عنده وقال: أثبتوا كتبنا عند هذا القاضى الحنفىّ وعظم فى عينه
وهابه.
وكان من العلماء الأعيان تامّ الفضيلة وافر الديانة كريم الأخلاق حسن
العشرة كثير التواضع عديم النظير، وانتفع بعلمه جمّ غفير، رحمه الله
تعالى.
وفيها توفّى الشيخ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود بن
أحمد ابن محمد التّكريتىّ الجدّ، الموصلىّ الأب، الدمشقىّ المولد،
المحلىّ الوفاة المعروف- بابن الطحّان الشهير بالحافظ اليغمورىّ، كان
فاضلا سمع الكثير بعدّة بلاد، وكان له مشاركة فى فنون، وكان أديبا
شاعرا. ومن شعره:
رجع الودّ على رغم الأعادى ... وأتى الوصل على وفق مرادى
ما على الأيام ذنب بعد ما ... كفّر القرب إساءات البعاد
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى الحافظ وجيه
الدين أبو المظفّر منصور بن سليم الهمدانى «2» بالإسكندريّة فى شوّال.
وقاضى القضاة
(7/247)
شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء
الحنفىّ فى جمادى الأولى وهو فى عشر الثمانين.
وأبو الفتح عمر بن يعقوب الإربلىّ الصوفىّ فى يوم النحر.
أمر النيل فى هذه السنة المباركة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع.
[ما وقع من الحوادث سنة 674]
السنة السادسة عشرة من ولاية الملك الظاهر بيبرس على مصر، وهى سنة أربع
وسبعين وستمائة.
فيها توفّى الأمير عزّ الدين أبو محمد أيبك بن عبد الله الإسكندرانىّ
الصالحىّ النجمىّ، كان أستاذه الملك الصالح نجم أيّوب يبق به ويعتمد
عليه وولّاه الشّوبك، وجعل عنده جماعة كثيرة من خواصّه: منهم الأمير
عزّ الدين أيدمر الحلّىّ، والأمير سنجر الحصنىّ «1» ، والأمير أيبك
الزرّاد؛ وكان عنده كفاية وخبرة تامّة وصرامة شديدة ومهابة عظيمة يقيم
الحدود على ما تجب، ثم نقل فى عدّة وظائف إلى أن مات فى شهر رمضان
بقلعة الرّحبة «2» ودفن بظاهرها.
وفيها توفّى الحسن بن علىّ بن الحسن بن ماهك «3» بن طاهر أبو محمد فخر
الدين الحسينى نقيب الأشراف وابن نقيبهم، مولده سنة ثمان وستمائة، ومات
يوم الأحد تاسع شهر ربيع الأوّل ببعلبكّ، وكان عنده فضيلة ومعرفة
بأنساب العلويّين ونظم نظما متوسّطا وكان مبذّرا للأموال.
(7/248)
وفيها توفّى الأمير الكبير ركن الدين خاص
ترك بن عبد الله الصالحىّ النجمىّ، وكان شجاعا مقداما مقدّما عند
الملوك. مات فى شهر ربيع الأوّل بدمشق.
وفيها توفى الشيخ زين الدين أبو المظفّر عبد الملك بن عبد الله بن عبد
الرحمن ابن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر الحلبىّ الشافعىّ المعروف بابن
العجمىّ، مولده بحلب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وسمع الحديث وحدّث وكان
شيخا فاضلا.
مات فى ذى القعدة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم وهو خال قاضى القضاة
كمال الدين «1» أحمد بن الأستاذ.
وفيها توفّى الشيخ بهاء «2» الدين أبو عبد الله محمد بن عبيد الله [بن
جبريل] كان صدرا كبيرا عالما فاضلا شاعرا. مات بالقاهرة ودفن بالفرافة
وهو فى عشر الستين، ومن شعره، رحمه الله تعالى: «3»
ولقد شكوت لمتلفى ... حالى ولطّفت العباره
فكأنّنى أشكو إلى ... حجر وإنّ من الحجارة
وله:
يا راحلا قد كدت أقضى بعده ... أسفا وأحشائى عليه تقطّع
شطّ المزار فما القلوب سواكن ... لكنّ دمع العين بعدك ينبع
وفيها توفّى الشيخ الإمام تاج الدين أبو الثناء محمود بن عابد «4» بن
الحسين بن محمد [بن «5» ] الحسين بن جعفر بن عمارة بن عيسى بن علىّ بن
عمارة التميمى الصّرخدىّ
(7/249)
الحنفىّ، مولده سنة ثمان وسبعين «1»
وخمسمائة بصرخد. ومات ليلة الجمعة السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر
بدمشق، ودفن بمقابر الصوفيّة عند قبر شيخه جمال الدين الحصيرىّ «2» ،
كان من الصلحاء العلماء العاملين، كان كثير التواضع قنوعا من الدنيا
معرضا عنها، وكانت له وجاهة عظيمة عند الملوك وانتفع به جم غفير من
الطلبة، وكانت له اليد الطّولى فى النظم والنثر. ومن شعره قوله:
ما «3» نلت من حبّ من كلفت به ... إلّا غراما عليه أو ولها
و «4» محنتى فى هواه دائرة ... آخرها ما يزال أوّلها
قلت: وأرشق من هذا من قال:
محبّتى ما تنقضى ... لجفوة تبطلها
كأنّها دائرة ... آخرها أوّلها
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى المحدّث مكين
الدين أبو الحسن بن عبد العظيم الحصنىّ المصرىّ فى رجب، وله أربع
وسبعون سنة.
وسعد الدين أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصارىّ الجبتى «5»
المصرى سمع الأرتاحىّ «6» . وتوفى تاج الدين محمود بن عابد التميمىّ
الصّرخدى الحنفى الشاعر المشهور
(7/250)
فى شهر ربيع الآخر عن نيّف وتسعين سنة. وسعد الدين الخضر «1» بن شيخ
الشيوخ تاج الدين عبد الله [بن شيخ الشيوخ أبى الفتح «2» عمر] بن
حمّويه الجوينى فى ذى الحجّة عن ثلاث وثمانين سنة. وأبو الفتح عثمان بن
هبة الله بن عبد الرحمن [بن مكّى ابن إسماعيل «3» ] بن عوف الزهرى آخر
أصحاب ابن موقا «4» فى شهر ربيع الآخر بالإسكندرية.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم القاعدة «5» لم تحرّر لاختلاف
المؤرّخين.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا. |