النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
[ما وقع من
الحوادث سنة 765]
السنة الأولى من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. وهي سنة
خمس وستين وسبعمائة على أنه حكم في السنة الماضية من شعبان إلى آخرها.
وفيها (أعنى سنة خمس وستين) توفّى الشيخ الإمام العالم ناصر الدين محمد
بن أحمد بن عبد العزيز القونوىّ الحنفىّ الشهير بابن الرّبوة- رحمه
الله- كان إماما عالما بارعا خطيبا فصيحا فقيها مناظرا أفتى ودرّس
وأعاد وشرح «الفرائض «1» السراجيّة» و «كتاب المنار» وله عدّة مصنّفات
أخر ومات بدمشق في هذه السنة وقيل «2» فى الخالية.
(11/83)
وتوفّى قاضى القضاه نجم الدين عبد الرحيم
ابن القاضى شمس الدين إبراهيم بن شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم بن
إبراهيم بن المسلم بن عبد الله بن حسّان المعروف بالبارزىّ الجهنىّ
الحموىّ الشافعىّ قاضى قضاة حماة بها، بعد أن ولى قضاءها ستّا وعشرين
سنة وكان مشكور السّيرة في أحكامه- رحمه الله-.
وتوفّى الأديب عزّ الدين أبو محمد الحسن بن علىّ بن الحسن بن علىّ
العبّاسىّ الشهير بابن البنّاء الحلبىّ الشاعر المشهور؛ قدم إلى حلب
وبها مات، وسنّه زيادة على سبعين سنة. ومن شعره قصيدة أوّلها: [الرجز]
أنفقت عمرى في رجاء وصلكم ... والعصر إنّى بكم في خسر
وتوفّى القاضى شهاب الدين أحمد ابن الصاحب جمال الدين محمد ابن الصاحب
كمال الدين عمر بن أحمد الحنفىّ الحلبىّ الشهير بابن العديم بحلب، عن
بضع وسبعين سنة. وكان فقيها عارفا بالتاريخ والأدب.
وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبغا الأحمدىّ نائب حلب بها عن نيّف
وثلاثين سنة- رحمه الله- وكان أميرا جليلا شجاعا كريما، نشأ في السعادة
وولى نيابة حلب مرّتين.
وتوفّيت خوند «1» طولوبيه الناصريّة التّتريّة، زوجة السلطان الملك
الناصر حسن.
ثم من بعده زوجة مملوكه يلبغا العمرىّ في الرابع والعشرين من شهر ربيع
الآخر.
ودفنت «2» بتربتها التي أنشأتها بجوار تربة خوند طغاى الناصريّة أمّ
آنوك خارج باب البرقيّة بالصحراء، وكانت من أجمل نساء عصرها.
(11/84)
وتوفّى القاضى تاج الدين أبو عبد الله محمد
بن بهاء الدين إسحاق بن إبراهيم السّلمىّ المناوىّ الشافعىّ خليفة
الحكم بالديار المصرية وقاضى العسكر، ووكيل بيت المال والخاصّ بها في
يوم الجمعة سادس شهر ربيع الآخر.
وتوفّى القاضى صلاح الدين عبد الله بن عبد الله بن إبراهيم البرلّسىّ
المالكىّ محتسب القاهرة بها في يوم الخميس خامس عشرين صفر وهذا المحتسب
هو الذي أمر المؤذّنين أن يقولوا في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء
الآخرة، وقبل الفجر: «الصلاة والسلام عليك يا رسول الله» فاستمرّ ذلك
إلى سلطنة الملك الظاهر برقوق، أمر محتسب القاهرة نجم الدّين الطّنبذىّ
أن يقولوا ذلك عقيب كلّ أذان إلّا المغرب، واستمرّ ذلك أيضا إلى يومنا
هذا، على ما سنبيّنه في وقته- إن شاء الله تعالى- ونذكر سببه، ولم يكن
قبل ذلك إلّا الأذان فقط.
وتوفّى قاضى مكّة تقىّ الدين محمد بن أحمد بن قاسم العمرىّ الحرازىّ
«1» الشافعىّ معزولا.
وتوفّى بالمدينة النبويّة- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- الحافظ
عفيف الدين أبو السيادة عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف في سادس عشرين
شهر ربيع الأوّل- رحمه الله- وكان إماما حافظا متقنا سمع الكثير ورحل
البلاد وكتب وحصّل.
وتوفّى السلطان الملك الصالح شمس الدين صالح ابن الملك المنصور نجم
الدين غازى ابن الملك المظفر قرا أرسلان ابن الملك السعيد غازى بن أرتق
بن أرسلان ابن «2» إيل بن غازى بن ألبى بن تمرداش بن إيل بن غازى بن
أرتق الأرتقىّ صاحب
(11/85)
ماردين بها، وقد ناهز السبعين سنة من
العمر، بعد أن دام في سلطنة ماردين أربعا وخمسين سنة. وتولّى ماردين
بعده ابنه الملك المنصور أحمد. وكان الملك الصالح من أجلّ ملوك بنى
أرتق حزما وعزما ورأيا وسؤددا وكرما ودهاء وشجاعة وإقداما، وكان يحبّ
الفقهاء والفضلاء وأهل الخير وكان له فضل وفهم وذوق للشعر والأدب، وكان
يحبّ المديح ويجيز عليه بالجوائز السنيّة. ولصفىّ الدين عبد العزيز
الحلى فيه مدائح وغرر في مخلص بعض قصائده- رحمه الله-.
[الكامل]
لم أشك جور الحادثات ولم أقل ... حالت بى «1» الأيام عن حالاتها
مالى أعدّ لها مساوئ جمة ... والصالح السلطان من حسناتها
ملك تقرّ له الملوك بأنه «2» ... إنسان عينيها وعين حياتها
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وستة أصابع. مبلغ
الزيادة سبعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا. وكان الوفاء ثانى عشرين توت.
والله أعلم.
[ما وقع من الحوادث سنة 766]
السنة الثانية من ولاية الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. وهي سنة
ست وستين وسبعمائة.
فيها توفّى العلّامة قاضى القضاة جمال الدين يوسف بن أحمد بن الحسين بن
سليمان بن فزارة الكفرى (بفتح الكاف) الدّمشقىّ الحنفىّ قاضى قضاة دمشق
بها.
وكان- رحمه الله- إماما بارعا في مذهبه ماهرا في علم العربيّة بصيرا
بالأحكام، باشر مدّة طويلة نيابة عن والده. ثم استقلّ بها إلى أن مات،
وكان مشكور السّيرة وأفتى ودرّس سنين.
(11/86)
وتوفّى قاضى القضاة زين الدين محمد بن سراج
الدين عمر بن محمود الحنفى المعروف بابن السّراج بالقاهرة في ذى القعدة
عن تسع وستين سنة ودفن بتربته «1» خارج باب النصر بالقرب من تربة «2»
الصوفية- رحمه الله. وكان فقيها بارعا عالما مفتيا يحفظ الهداية في
الفقه ودرّس بالجامع «3» الحاكمى وأعاد بجامع «4» أحمد بن طولون
والأشرفية وغيرهما وناب في القضاء عن قاضى القضاة جمال «5» الدين
التّركمانى الحنفى وكان معدودا من الفقهاء العلماء.
وتوفّى الخطيب أبو المعالى تقىّ الدين محمد بن الخطيب محمد بن إسماعيل
بن إبراهيم ابن ناصح الحموى ثم الحلبى الشافعى الشهير بابن القوّاس
بحلب عن نيّف وخمسين سنة- رحمه الله-.
وتوفى الشيخ الإمام العالم العلّامة قطب الدين محمد بن محمد «6» الرازى
الشافعى الشهير بالقطب التحتانى «7» - رحمه الله. بدمشق عن نيف وستين
سنة. كان بحرا في جميع العلوم لا سيما في العلوم العقلية وله تصانيف
مفيدة، منها: شرح الشمسية «8» وشرح
(11/87)
المطالع «1» والحواشى على كشاف الزمخشرى
«2» ، وكانت تصانيفه أحسن من تصانيف شيخه العلّامة شمس الدين الأصفهانى
«3» - رحمه الله.
وتوفّى الأمير سيف الدين أرنبغا بن عبد الله الكاملى نائب غزّة وكان،
أصله من مماليك الملك الكامل شعبان ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون
وكان خصيصا عنده إلى الغاية.
وتوفّى الأمير الشريف أبو على الحسن بن محمد بن الحسن بن علىّ بن الحسن
ابن زهرة الحسنىّ الحلبىّ، ولى نقابة الأشراف بحلب بعد والده- رحمهما
الله تعالى- واستقرّ أمير طبلخاناه بحلب مدّة ثم صرف عن الوظيفتين ومات
بظاهر حلب عن ثلاث وخمسين سنة.
وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الهادى الفوّىّ الفقيه الشافعىّ في
يوم الخميس ثانى عشر جمادى الأولى وقد تصدّر للتدريس والإقراء- رحمه
الله.
وتوفّى الشيخ شرف الدين محمد بن أحمد بن أبى بكر المزّىّ الدمشقىّ
الحريرىّ المحدّث بمصر في شعبان. رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير آسن قجا بن عبد الله من على بك الناصرىّ أحد أمراء
الطبلخانات، بعد ما تنقّل في عدّة أعمال مثل البيرة وطرسوس وغيرهما-
رحمه الله.
(11/88)
وتوفّى الأمير سيف الدين قمارى بن عبد الله
الحموىّ الناصرىّ الحاجب وهو على نيابة طرسوس وكان من أعيان الأمراء
ومن أكابر المماليك الناصريه.
وتوفّى الشيخ المعمّر الرّحلة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن
أبى بكر بن ابراهيم بن يعقوب [بن الياس «1» ] الأنصارىّ الخزرجىّ
المقدسىّ البيانىّ الشاهد، كان أبوه يعرف بابن إمام الصّخرة واشتهر هو
بالبيانى، ولد سنة ستّ وثمانين وستمائة فأحضر على زينب بنت مكى في
الثانية من عمره وعلى الفخر ابن البخارى في الثالثه وأسمع على أبى
الفضل بن عساكر وغيره وأجاز له جماعة وحدّث بالكثير، وعمّر وصار مسند
عصره ورحلة زمانه وخرّج له الحافظ تقىّ الدين بن رافع «2» مشيخة وذيّل
عليها الحافظ زين الدين العراقىّ. وكانت وفاته يوم الاثنين تاسع عشرين
ذى القعدة، وآخر من تأخّر ممن سمع عليه شيخنا الرّحلة زين الدين عبد
الرحمن الزّركشىّ الخيلىّ.
رحمه الله تعالى.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع.
مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. والله أعلم.
[ما وقع من الحوادث سنة 767]
السنة الثالثة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة
سبع وستين وسبعمائة.
فيها توفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة قاضى القضاة عز الدين عبد
العزيز ابن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن
جماعة الكنانىّ الحموى
(11/89)
المصرى الشافعىّ بمكة المشرفة في يوم
الاثنين ثامن «1» عشر جمادى الآخرة، ودفن بباب المعلاة بين الفضيل بن
عياض وأبى القاسم القشيرىّ «2» ونجم الدين الأصبهانىّ.
ومولده بالعادلية بدمشق في سنة أربع وتسعين وستمائة- رحمه الله- وكان
إماما عالما فاضلا ديّنا صالحا، سمع بمصر والشام والحجاز وأخذ عن
الأبرقوهىّ «3» والدّمياطىّ «4» وغيرهما من الحفّاظ وجمع وكتب وحدّث
وخطب وأفتى ودرّس وتولى القضاء تسعا وعشرين سنة. ثم استعفى وتوجّه إلى
مكة مجاورا بها إلى أن مات.
وتوفّى القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ابراهيم أيوب العينتابىّ
الحنفىّ قاضى العسكر بدمشق- رحمه الله تعالى- وبها كانت وفاته وقد جاوز
ستين سنة، وكان إماما بارعا في المذهب وأفتى ودرّس وشرح مجمع البحرين
فى الفقه في المذاهب الثلاثة في عشرة مجلدات وسماه: «المنبع «5» » .
وتوفّى الشيخ الرضىّ شيخ خانقاة «6» بيبرس الجاشنكير في ليلة الجمعة
حادى عشر شهر رجب ودفن بمقابر الصوفية وتولّى مكانه الشيخ ضياء «7»
الدين العفيفى المعروف بقاضى قرم. رحمه الله.
(11/90)
وتوفّى السلطان الملك المجاهد سيف الدين
أبو يحيى على ابن السلطان الملك المؤيد هزير الدين داود ابن السلطان
الملك المظفر يوسف ابن السلطان الملك لمنصور عمر بن نور الدين على رسول
التّركمانىّ الأصل اليمنىّ المولد والمنشأ والوفاة، صاحب اليمن بعدن-
رحمه الله- فى يوم السبت الخامس والعشرين من شهر جمادى الأولى من هذه
السنة وقيل سنة أربع وستين وولى بعده ابنه الملك الأفضل عباس. ومولد
المجاهد هذا في سنة إحدى وسبعمائة بتعز ونشأ بها وحفظ التنبيه في الفقه
وبحثه وتخرّج على المشايخ منهم: الشيخ الإمام العلامة الصاغانىّ،
وتأدّب على الشيخ تاج الدين عبد الباقى وغيرهما، وشارك في علوم وكان
جيّد الفهم- رحمه الله- وله ذوق في الأدب وله نظم ونثر، وهذا المجاهد
الذي ذكرنا في ترجمة الملك الناصر «1» محمد بن قلاوون أنه أرسل إليه
نجدة إلى بلاد اليمن، لما خرج عليه ونازعه الملك الناصر بن الأشرف صاحب
زبيد، وسقنا حكايته هناك مفصلا، وطالت مدّة المجاهد في مملكة اليمن
وفعل الخيرات وله مآثر: عمر مدرسة عظيمة بتعز وزيادة أخرى وغير ذلك
وعمّر مدرسة بمكة المشرفة بالمسجد الحرام بالجانب اليمانىّ مشرفة على
الحرم الشريف. وقد استوعبنا ترجمته في المنهل الصافى بأطول من هذا إذ
هو كتاب تراجم. والله أعلم
وتوفّى الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الظاهر
المعروف بابن الشرف «2» الحنفىّ الفقيه خطيب جامع «3» شيخون وكان من
أعيان الفقهاء وله مشاركة وفضل. رحمه الله تعالى.
(11/91)
وتوفّى الأمير سيف الدين بطا بن عبد الله
أحد أمراء الطبلخانات وقرئ على قبره بعد موته ألف ختمة شريفة بوصيّته
هكذا نقل الشيخ تقىّ الدين المقريزى.
رحمه الله.
وتوفّى الشيخ المحدّث العالم العلّامة شمس الدين أبو الثناء محمود بن
خليفة بن محمد ابن خلف المنبجىّ ثم الدّمشقىّ التاجر. ومولده في سنة
سبع وثمانين وستمائة ومات فى ذى الحجة. رحمه الله.
وتوفّى الشيخ الإمام أحد فقهاء المالكيّة خليل بن إسحاق المعروف بابن
الجندى الفقيه المالكىّ- رحمه الله- فى يوم الخميس ثانى عشر شهر ربيع
الأوّل.
وكان فقيها مصنّفا صنّف المختصر في فقه المالكية وغيره.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وأربعة أصابع.
مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وستة عشر إصبعا. والله سبحانه أعلم.
[ما وقع من الحوادث سنة 768]
السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر. وهي سنة
ثمان وستين وسبعمائه.
وفيها كانت وقعة يلبغا العمرىّ الخاصكى صاحب الكبش «1» ومقتلته وسلطنة
آنوك بجزيرة الوسطى ولم يتم أمره ولا عدّ من السّلاطين وقد تقدم ذكر
ذلك كله مفصلا في ترجمة الملك الأشرف هذا فلينظر هناك.
وفيها توفّى قاضى القضاة أمين الدين أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن
وهبان الدمشقىّ الحنفىّ قاضى قضاة حماة وبها توفّى وهو من أبناء
الأربعين- رحمه الله- وكان فقيها عالما مشكور السيرة.
(11/92)
وتوفّى الشيخ الإمام العالم المسلّك العارف
بالله تعالى عفيف الدين أبو محمد وقيل أبو السيادة عبد الله بن أسعد بن
على بن سليمان بن فلاح اليمانىّ اليافعىّ، نزيل مكة وشيخ الحرم وإمام
المسلّكين وشيخ الصوفية في ليلة الأحد العشرين من جمادى الآخرة بمكة
المشرفة ودفن بالمعلاة بجوار الفضيل بن عياض. ومولده سنة ثمان وستين
وستمائة «1» تقريبا وسمع الكثير وبرع في الفقه والعربية والأصلين
واللغة والفرائض والحساب والتصوّف والتسليك، وغير ذلك. وكان له نظم
جيّد كثير، دوّن منه ديوان وله تصانيف كثيرة منها: «روض «2» الرياحين»
[فى حكايات «3» الصالحين] وتاريخ بدأ فيه من أوّل الهجرة وأشياء غير
ذلك، ذكرناها مستوفاة فى ترجمته في تاريخنا «المنهل الصافى» وما وقع له
مع علماء عصره بسبب قصيدته التى أولها حيث قال في ذلك: [الطويل]
ويا ليلة فيها السعادة والمنى ... لقد صغرت في جنبها ليلة القدر «4»
قال: ومن شعره أيضا قصيدته التي أوّلها: [الطويل]
قفا حدّثانى فآلفؤاد عليل ... عسى منه يشفى بالحديث غليل
أحاديث نجد علّلانى بذكرها ... فقلبى إلى نجد أراه يميل
بتذكار سعدى أسعدانى فليس لى ... إلى الصّبر عنها والسّلوّ سبيل
ولا تذكر الى العامرية إنها ... يولّه عقلى ذكرها ويزيل
(11/93)
ومنها المخلص:
ألا يا رسول الله يا أكرم الورى ... ومن جوده خير النّوال ينبل
ومن كفّه سيحون منها وجيحن «1» ... ودجلة تجرى والفرات ونيل
مدحتك أرجو منك ما أنت أهله ... وأنت الذي في المكرمات أصيل
فياخير ممدوح أئب شرّ مادح ... عطا مانح منه الجزاء جزيل
وتوفّى الشيخ الإمام العالم المسلّك الصوفىّ العارف بالله تعالى
المعتقد جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن عمر بن على بن خضر
[الكردىّ «2» ] الكورانىّ الأصل المصرىّ الدار والوفاة المعروف بالشيخ
يوسف العجمىّ بزاويته بقرافة مصر الصّغرى في يوم الاثنين ثانى عشر شهر
ربيع الأوّل وقيل: جمادى الأولى وقيل:
يوم الأحد النصف من جمادى الأولى ودفن بزاويته المذكوة وقبره يقصد
للزيارة وكان- رحمه الله- شيخا حقيقة ومقتدى طريقة، كان إمام المسلّكين
في عصره وكان على قدم هائل، كان غالب علماء عصره يقتدون به وكان له
أوراد وأذكار هائلة، انتفع بصحبته جماعة من العلماء والصلحاء والفقهاء
وكان لا يأخذه في الله لومة لائم، مع فضيلة غزيرة ومعرفة تامّة
بالتصوّف وله رسالة سمّاها «ريحان القلوب «3» والتوصّل إلى المحبوب» .
وقد شاع ذكر الشيخ يوسف في الدنيا وأثنى عليه العلماء والصلحاء.
حكى أنّ الشيخ يوسف هذا دخل مرة الى الشيخ يحيى بن علىّ بن «4» يحيى
الصنافيرى، فقام إليه الشيخ يحيى وكان لا يلتفت إلى أحد وتلقّاه وهو
ينشد بقوله: [الوافر]
(11/94)
ألم تعلم بأنّى صيرفىّ ... بلوت «1»
العالمين على محكى
فمنهم زائف لا خير فيه ... ومنهم جائز تجويز شكّ
وأنت الخالص الإبريز منهم ... بتزكيتى وحسبك من أزكّى!
فحصل للشيخ يوسف بهذا الكلام غاية السرور والفرح وكان مع الشيخ يوسف
ولده محمد فأقبل عليه الشيخ يحيى وأنشده فقال: [الكامل]
إنّ السّرىّ إذا سرى فبنفسه ... وابن السّرىّ إذا سرى أسراهما
قال: فازداد الشيخ يوسف سرورا على سروره بهذا القول. رحمهما الله تعالى
ونفعنا ببركاتهما.
وتوفّى الشيخ الإمام الأديب البارع المفتن جمال الدين أبو بكر محمد بن
محمد بن محمد بن الحسن بن صالح بن على بن يحيى بن طاهر بن محمد بن
الخطيب أبى يحيى عبد الرحيم بن نباته (بضم النون) الفارقىّ: الأصل
الجذامى المصرىّ المعروف بابن نباتة بالقاهرة- رحمه الله تعالى-
بالبيمارستان «2» المنصورىّ في ثامن شهر صفر من السنة المذكورة. ومولده
في مصر في شهر ربيع الأوّل سنة ست وثمانين وستمائة «بزقاق القناديل «3»
» ونشأ بمصر وبرع في عدّة علوم وفاق أهل زمانه في نظم القريض وله
الشّعر الرائق والنّثر الفائق وهو أحد من حذا حذو القاضى الفاضل وسلك
طريقه وأجاد فيما سلك وكان خطّه في غاية الحسن وديوان شعره مشهور وقد
مدح الملوك والأعيان ورحل إلى البلاد وانقطع إلى السلطان الملك المؤيّد
إسماعيل
(11/95)
صاحب حماة وله فيه غرر مدائح وكان مع ما
اشتمل عليه من المحاسن قليل الحظ ومن شعره في المعنى: [الكامل]
أسفى «1» لشعر بارع نظمته ... تحتاج بهجته لرفد بارع
درّ يتيم قد تضوّع نشره ... يا من يرقّ على اليتيم الضّائع
ومن شعره أيضا قوله: [السريع]
مقبّل «2» الخدّ أدار الطّلا ... فقال لى في حبّها عائبى
عن أحمر المشروب ما تنتهى ... قلت: ولا عن أخضر الشارب
وله أيضا: [السريع]
وتاجر قلت له إذ رنا ... رفقا بقلب صبره خاسر
ومقلة تنهب طيب الكرى ... منها على عينك يا تاجر «3»
وله أيضا: [الكامل]
قبلته عند النّوى فتمرّرت ... تلك الحلاوة [بالتفرّق «4» والجوى]
ولثمته عند القدوم فحبّذا ... رطب الشّفاه السّكّرىّ بلا نوى
وله: أيضا- عفا الله عنه-[البسيط]
أهلا بطيف على الجرعاء مختلس ... والفجر في سحر كالثّغر في لعس
والنّجم في الأفق الغربىّ منحدر ... كشعلة سقطت من كفّ مقتبس
يا حبّذا زمن الجرعاء من زمن ... كلّ الليالى فيه ليلة العرس
(11/96)
وحبّذا العيش مع هيفاء لو ظهرت «1» ...
للبدر لم يزه أو للغصن لم يمس
خود لها مثل ما في الظّبى من ملح «2» ... وليس للظّبى ما فيها من الأنس
محروسة بشعاع البيض ملتمعا ... ونور ذاك المحيّا آية الحرس
يسعى ورا لحظها قلبى ومن عجب ... سعى الطّريدة في آثار مفترس
ليت العذول عنى مر أى محاسنها ... لو كان ثنّى عمى عينيه بالخرس «3»
وقد استوعبنا من شعره وأحواله نبذة كبيرة في المنهل الصافى. انتهى
والله أعلم.
وتوفّى الوزير الصّاحب فخر الدين ماجد بن قروينة القبطىّ المصرى تحت
العقوبة، بعد أن أحرقت أصابعه بالنار، وكان- رحمه الله- وزيرا عارفا
مكينا عفيفا رزينا ذا حرمة ونهضة، لم يل الوزارة في الدولة التركية من
يشابهه؛ عمّر فى أيام وزارته بيوت الأموال بالذهب والفضة، وترك
بالأهراء مغلّ ثلاث سنين وبعض الرابعة، وذلك فوق ثلاثمائة ألف اردبّ.
وبالبلاد مغلّ سنتين، بعد ما كان يقوم بالكلف السلطانية وكلفة الأتابك
يلبغا العمرىّ الخاصّكى وبعد هذا كله كان يحمل إلى الخزانة الشريفة في
كل شهر ستين ألف دينار، وكان فيه محاسن كثيرة، غير أنه كانت نفسه نفسا
شامخة، وفيه تهكّم على الناس مع تكبّر، هذا مع الكرم الزائد والإحسان
للناس وقلّة الظلم بالنسبة إلى غيره، رحمه الله تعالى؛ والله أعلم.
وتوفّى الأمير سيف الدين دروط ابن أخى الحاج آل ملك، كان أحد أمراء
الألوف بالديار المصرية وحاجبا ثانيا بها.
وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله الصّفوى أحد الأمراء
الطبلخانات بالديار المصرية وأمير آخور وكان- رحمه الله- من أعيان
الأمراء.
(11/97)
وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد
الله الأحمدى اليلبغاوى المعروف بالجلب فى أواخر السنة المذكورة وهو
مسجون بثغر الإسكندرية، من جرح أصابه في شهر ذى القعدة؛ وقد تقدّم ذكره
في عدّة مواطن. والله أعلم.
وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله العزّى أحد أمراء
الطبلخانات فى يوم الاثنين رابع شهر ربيع الآخر، وكان مثيرا للفتن.
وتوفّى القاضى بهاء الدين حسن بن سليمان بن أبى الحسن بن سليمان بن
ريّان ناظر الجيش بحلب في دمشق عن ثمان وستين سنة، وكان رئيسا نبيلا
كاتبا بارعا، ولى عدّة وظائف؛ وله نظم ونثر؛ ومن شعره- رحمه الله
تعالى-[الرجز]
نحن الموقّعون في وظائف ... قلوبنا من أجلها في حرق
قسمتنا في الكتب لا في غيرها ... وقطعنا ووصلنا في الورق
وتوفّى القاضى تقىّ الدين محمد بن محمد بن عيسى بن محمود «1» بن عبد
اللطيف «2» البعلبكى الشافعى الشهير بابن المجد- رحمه الله- كان فقيها
فاضلا ولى قضاء طرابلس وغيرها.
وقد تقدم أنّ يلبغا العمرى قتل في هذه السنة؛ انتهى، والله أعلم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع.
مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا وستة أصابع.
[ما وقع من الحوادث سنة 769]
السنة الخامسة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين صاحب الترجمة على
مصر؛ وهي سنة تسع وستين وسبعمائة.
(11/98)
فيها كانت الوقعة بين الملك الأشرف صاحب
الترجمة وبين الأتابك أسندمر الزّينى الناصرى وانتصر الأشرف حسب ما
تقدّم ذكره.
وفيها توفّى العلّامة قاضى القضاة جمال الدين عبد الله بن قاضى القضاة
علاء الدين علىّ ابن العلامة فخر الدين عثمان بن إبراهيم «1» بن مصطفى
بن سليمان الحنفىّ الماردينىّ، الشهير بابن التّركمانىّ بالقاهرة، فى
ليلة الجمعة حادى عشر شهر شعبان ودفن بتربة والده خارج باب النصر من
القاهرة وتولّى بعده القضاء العلّامة سراج الدين عمر الهندى. ومولده في
سنة تسع عشرة وسبعمائة، وقيل سنة خمس عشرة وسبعمائة. وتفقّه على والده
وغيره، حتى برع في الفقه والأصول والعربية وشارك في فنون كثيرة، وكان
من جملة محفوظاته «الهداية في الفقه» حتى إنه كان يمليها فى دروسه من
صدره، وكمّل شرح أبيه لها، وتولّى القضاء بعد وفاة أبيه وباشر القضاء
بعفّة وحشمة ورئاسة وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين في حياة
والده الى أن مات. وكان له عبادة وأوراد هائلة ومحاسن كثيرة. رحمه الله
تعالى.
وتوفّى قاضى القضاة موفّق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد
الملك ابن عبد الباقى الحجّاوى «2» المقدسىّ الحنبلىّ قاضى قضاة الديار
المصرية بعد أن حكم بها ثلاثين سنة- رحمه الله تعالى- وتولّى بعده
القاضى ناصر الدين نصر الله العسقلانى الحنبلىّ. وكان موفّق الدين
مشكور السّيرة جميل الطريقة.
(11/99)
وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين يوسف «1» بن
محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوى المقدسى الحنبلىّ قاضى
قضاة دمشق بها عن نيّف وسبعين سنة، مصروفا عن القضاء- رحمه الله تعالى-
وتوفّى قاضى «2» قضاة طرابلس شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ
تقي الدين عبد الله الشّبلىّ الدمشقىّ الحنفىّ وهو من أبناء السبعين-
رحمه الله- وكان عالما ديّنا مجاهدا مرابطا يلبس السّلاح في سبيل الله
ويغزو وسمع الكثير وجمع وألّف وأفتى ودرّس وانتفع الناس به وباشر الحكم
خمس عشرة سنة. رحمه الله.
وتوفّى قاضى قضاة حلب «3» صدر الدين أحمد بن عبد الظاهر بن محمد
الدّميرى المالكى- رحمه الله- عن نيّف وسبعين سنة. وكان فقيها فاضلا
مشكور السّيرة.
وتوفّى الشيخ «4» العلّامة قاضى القضاة بهاء الدين أبو محمد عبد الله
بن عبد الرحمن ابن عقيل المصرى الشافعىّ قاضى قضاة الديار المصريّة
وفقيه الشافعية- تغمّده الله برحمته- بالقاهرة في ليلة الأربعاء الثالث
والعشرين من شهر ربيع الأوّل ودفن بالقرافة «5» بالقرب من قبّة الإمام
الشافعىّ- رضى الله عنه- ومولده في المحرّم سنة ثمان وتسعين وستمائة.
ونسبه يتّصل إلى عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه.
(11/100)
ونشأ بالقاهرة. وقرأ على علماء عصره وبرع
في علوم كثيرة وصنّف التصانيف المفيدة فى الفقه والعربيّة والتفسير،
منها «شرح الألفيّة» لابن مالك و «شرح»
التسهيل» أيضا وباشر قضاء الديار المصريّة مدّة يسيرة وباشر التداريس
الجليلة والمناصب الشريفة، وكتب إليه قاضى القضاة بهاء «2» الدين أبو
البقاء السّبكى من دمشق يقول:
[الطويل]
تقضّت شهور بالبعاد وأحوال ... جرت بعدكم فيها أمور وأحوال
فإن يسر الله التّلاقى ذكرتها ... وإلا فلى في هذه الأرض أمثال
وتوفّى الشيخ عزّ الدين أبو يعلى حمزة بن قطب الدين موسى بن ضياء الدين
أحمد بن الحسين «3» الدّمشقى الحنبلى الشهير بابن شيخ السلامية بدمشق
وقد جاوز ستين سنة وكان- رحمه الله- إماما عالما فاضلا كتب على
«المنتقى «4» » .
وتوفّى الإمام العالم شهاب الدين أحمد «5» بن لؤلؤ الشهير بابن النّقيب
المصرى الشافعى في يوم الأربعاء رابع عشر شهر رمضان وكان- رحمه الله-
مفتنّا فى علوم وله مصنّفات ونظم حسن.
وتوفّى الشيخ الإمام المحدّث صلاح الدين عبد الله ابن المحدّث شمس
الدين محمد بن إبراهيم بن غنائم «6» بن أحمد بن سعيد الصالحىّ الحنفى
الشهير بابن المهندس
(11/101)
- رحمه الله تعالى- بحلب عن نيفّ وسبعين
سنة. وكان محدّثا مسندا سمع الكثير بمصر والشام والحجاز والعراق وكتب
وحدّث وحجّ غير مرّة وطاف البلاد ثم استوطن حلب إلى أن مات. رحمه الله.
وتوفّى القاضى «1» علاء الدين علىّ ابن القاضى محيى الدين يحيى بن فضل
الله القرشى العمرى كاتب السّر الشريف بالديار المصريّة بالقاهرة في
ليلة الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان عن سبع وخمسين سنة. وكان قبل موته
نزل عن وظيفة كتابة السّر لولده بدر الدين محمد فتمّ أمره من بعده.
وكان القاضى علاء الدين- رحمه الله تعالى- إماما في فنّه كاتبا عاقلا
طالت أيّامه في السعادة حتّى إنه باشر وظيفة كتابة السّر نيّفا وثلاثين
سنة لأحد عشر سلطانا من بنى قلاوون. استوعبنا ذلك كلّه فى «المنهل
الصافى» .
قلت: ولا أعلم أحدا ولى كتابة السّر هذه المدّة الطويلة من قبله ولا من
بعده سوى العلّامة القاضى كمال الدين محمد بن البارزى- رحمه الله-
فإنّه وليها أيضا نحوا من ثلاث وثلاثين سنة على أنه عزل منها غير مرّة
وتعطّل سنين، كما سيأتى ذكره في ترجمته إذا وصلنا إليه- إن شاء الله
تعالى- وكان للقاضى علاء الدين- رحمه الله- نظم ونثر وترسّل وإنشاء ومن
شعره: [البسيط]
بان الحمى لم يمس من بعد بعدكم ... ولا تغنّت به ورقاؤه طربا
يا جيرة خلّفونى في ديارهم ... أجرى الدموع على آثارهم سحبا
قد كان يحزننى واش يراقبنى ... واليوم يحزننى أن ليس لى رقبا
وتوفى الأمير علاء الدين طيبغا بن عبد الله الناصرى المعروف بالطويل
نائب حلب بها في يوم السبت وقت الظهر سلخ شوّال ودفن خارج باب المقام
وقيل:
(11/102)
إنه سمّ، لأنّه كان أراد الخروج عن الطاعة،
فعاجلته المنيّة، وقد تقدّم ذكره مع خشداشه يلبغا العمرى الخاصّكى وما
وقع له معه في ترجمة الملك الناصر حسن وكيفيّة خروجه من الديار المصرية
والقبض عليه فلا حاجة للإعادة هاهنا.
وتوفّى الأتابك سيف الدين أسندمر بن عبد الله الناصرىّ صاحب الواقعة مع
الملك الأشرف شعبان محبوسا بثغر الإسكندريّة في شهر رمضان وقد تقدّم
أيضا ذكر واقعته مفصّلا في ترجمة الملك الأشرف.
وتوفّى الأمير سيف الدين قنق بن عبد الله العزّى أحد مقدّمى الألوف
بالديار المصرية على هيئة عجيبة؛ نسأل الله تعالى حسن الخاتمة بمحمد
وآله. وخبره أنه كان قد عصى مع أسندمر الناصرى المقدّم ذكره، ركب معه
من جملة اليلبغاويّة، فلما انكسرت اليلبغاويّة ساق قنق هذا فرسه إلى
بركة «1» الحبش ونزل بشاطئ البركة وبقى يشرب الماء ويستفّ الرمل إلى أن
مات، فآنظر إلى هذا الجاهل وما فعل فى نفسه.
وتوفّى السلطان الملك المنصور أحمد ابن الملك الصالح صالح ابن الملك
المنصور غازى بن قرا أرسلان بن أرتق الأرتقى صاحب ماردين «2» بها وقد
جاوز الستين سنة من العمر وكانت مدّة ملكه ثلاث سنن، وكان صاحب همّة
عليّة وحرمة سنية.
رحمه الله تعالى.
وتوفّى الشاب الفاضل تاج الدين محمد بن السّكّرى- رحمه الله- وكان
فاضلا عالما ودرّس وبرع- رحمه الله- وفيه يقول ابن نباتة: [السريع]
سألته في خدّه قبلة ... فقال قولا ليس بالمنكر
عليك بالصبر ومن ذا الذي ... ينفعه الصبر عن السّكّرى
(11/103)
وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد
الله البشتكى نائب غزّة وأستادار السلطان كان في رابع «1» عشر شعبان.
وتوفّى الأمير سيف الدين باكيش بن عبد الله اليلبغاوىّ الحاجب في صفر،
وكان من رءوس الفتن وممن قام على أستاذه يلبغا.
وتوفّى الأمير سيف الدين بيليك بن عبد الله الفقيه الزرّاق، أحد مقدّمى
الألوف بالديار المصرية- رحمه الله تعالى- كان فاضلا فقيها ويكتب
المنسوب وعنده مشاركة في فنون.
وتوفى الأمير سيف الدين تلكتمر بن عبد الله المحمدى الخازندار أحد
أمراء الألوف بالديار المصرية مسجونا بثغر الإسكندرية. وكان ممن قام مع
أسندمر الناصرى.
وتوفّى الأمير سيف الدين جرجى بن عبد الله الإدريسىّ الأمير آخور ثم
نائب حلب وهو بدمشق. وكان من أجلّ الأمراء وتنقّل في عدّة وظائف
وولايات- رحمه الله تعالى-.
وتوفّى الأمير سيف الدين جرقطلو «2» بن عبد الله أمير جاندار في صفر
وكان من الأشرار.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا سواء. والله أعلم.
[ما وقع من الحوادث سنة 770]
السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة
سبعين وسبعمائة.
(11/104)
وفيها توفّى الشيخ بدر الدين محمد بن جمال
الدين محمد بن كمال الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن أحمد الشّريشىّ
البكرىّ الوائلىّ الدّمشقى الشافعى بدمشق عن ستّ وأربعين سنة- رحمه
الله- وكان عالما فاضلا فقيّها درّس بالإقبالية «1» بدمشق إلى أن مات.
وفيها توفّى قاضى القضاة «2» جمال الذين محمود بن أحمد بن مسعود
القونوىّ الحنفى قاضى قضاة دمشق بها عن ستّ وسبعين سنة وكان- رحمه
الله- من العلماء الأماثل، كان رأسا فى الفقهاء الحنفية، بارعا في
الأصول والفروع ودرّس بدمشق بعدّة مدارس وأفتى وجمع وألّف- رحمه الله
تعالى-.
وتوفّى القاضى شمس «3» الدين محمد بن خلف بن كامل الغزّى الشافعىّ
بدمشق عن بضع وخمسين سنة. وكان عالما، درّس بدمشق وأفتى وباشر بها
نيابة الحكم إلى أن مات- رحمه الله تعالى-.
وتوفّى الطواشى ناصر الدين شفيع بن عبد الله الفوّىّ نائب مقدّم
المماليك السلطانيّة في يوم الأحد ثامن شعبان وكان من أعيان الخدّام
وطالت أيامه فى السعادة.
(11/105)
وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون «1» بن عبد
الله بن غلبك الأزقى رأس نوبة النّوب بالديار المصريّة في العشر «2»
الأوّل من جمادى الآخرة. وكان من أعيان الأمراء وهو أحد من ثار على
يلبغا.
وتوفّى الأمير صلاح «3» الدين خليل بن أمير على ابن الأمير الكبير
سلّار المنصورى وكان أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصريّة وهو أحد من
ركب مع الأتابك أسندمر.
وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد بن طقبغا الناصرى أحد أمراء الطبلخانات
أيضا.
وتوفّى الأمير صارم الدين إبراهيم ابن الأمير سيف الدين صرغتمش الناصرى
وكان أيضا من أمراء الطبلخانات وله وجاهة في الدولة، وفيه شجاعة وإقدام
ودفن بمدرسة «4» أبيه. رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأديب الموّال شهاب الدين أحمد بن محمد «5» بن أحمد المعروف
بالفار الشّطرنجىّ العالية، وكان بارعا في المواليا وله شعر جيّد وكان
ماهرا في الشّطرنج.
وتوفّى الأمير سيف الدين قشتمر بن عبد الله المنصورى نائب حلب بها
مقتولا بيد العرب في وقعة كانت بينه وبينهم على تلّ «6» السلطان وقتل
معه ولده، وقد تقدّم
(11/106)
أنّ قشتمر هذا ولى نيابة طرابلس ونيابة
دمشق ونيابة السلطنة بالديار المصريّة.
ثم أخرج من مصر إلى نيابة حلب فلم تطل مدّته على نيابة حلب وقتل- رحمه
الله- وكان شجاعا مقداما عارفا عاقلا مدبّرا سيوسا دبّر أمر السلطنة
سنين وحمدت سيرته.
وتوفّى القاضى عماد الدين محمد بن شرف الدين موسى بن سليمان الشهير
بالشيرجى بدمشق. كان ولى حسبة دمشق ونظر خزانتها وكان له ثروة ولديه
فضيلة وعنده سياسة.
وتوفّى الأمير سيف الدين آقتمر بن عبد الله من عبد الغنى الصغير في شهر
رمضان، وآقتمر هذا غير الأمير الكبير آقتمر عبد الغنى وكان آقتمر هذا
من جملة أمراء الطبلخانات. والله أعلم.
وتوفّى السلطان صاحب تونس وما والاها من بلاد الغرب أبو إسحاق إبراهيم
ابن أبى بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى في العشرين من شهر رجب بعد ما
ملك تسع عشرة سنة- رحمه الله- وكان من أجلّ ملوك الغرب، كان شجاعا وله
مواقف وفتوحات هائلة.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة اذرع وعشرون إصبعا. مبلغ
لزيادة سبعة عشر ذراعا وستة أصابع. والله أعلم.
[ما وقع من الحوادث سنة 771]
السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة
إحدى وسبعين وسبعمائة.
(11/107)
وفيها توفّى «1» قاضى القضاة شرف الدين أبو
العبّاس أحمد ابن الشيخ شرف الدين حسن بن الخطيب شرف الدين أبى بكر عبد
الله ابن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد ابن محمد بن قدامة الشهير بابن
قاضى الجبل الحنبلىّ المقدسىّ الصالحىّ قاضى قضاة دمشق بها في ثالث عشر
شهر رجب عن ثمان وسبعين سنة- رحمه الله- وكان إماما عظيم القدر انتهت
إليه رياسة مذهبه، وكان صحب ابن تيميّة وسمع منه وتفقّه به وبغيره، وفي
هذا المعنى يقول: [الوافر]
نبيّي أحمد وكذا إمامى ... وشيخى أحمد «2» كالبحر طامى
واسمى أحمد أرجو «3» بهذا ... شفاعة سيّد الرسل الكرام
وتوفى قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضى القضاة تقىّ الدين
علىّ ابن عبد الكافى بن علىّ بن تمّام بن يوسف بن موسى بن تمّام
الأنصارىّ السلمىّ السّبكىّ الشافعىّ قاضى قضاة دمشق بها، فى عصر يوم
«4» الثلاثاء سابع شهر ذى الحجّة ودفن بسفح قاسيون «5» . تغمّده الله
برحمته عن أربع وأربعين سنة. وكان إماما بارعا مفتنّا في سائر العلوم
وله تصانيف شتّى: منها «شرح المنهاج «6» » فى الفقه للنّووىّ
(11/108)
«وشرح مختصر ابن الحاجب» ومنهاج «1»
البيضاوىّ، وغير ذلك ودرّس «بالعادليّة «2» » و «والغزاليّة «3» » و
«الأمينيّة «4» » و «الناصريّة «5» » و «دار الحديث «6» الأشرفيّة»
«والشامية»
البرانيّة» وباشر قضاء دمشق أربع مرّات وخطب بالجامع الأموىّ، وقدم
القاهرة وتولّى مكانه أخوه أبو حامد بهاء الدين واستقرّ تاج الدين هذا
مكان أخيه أبى حامد المذكور في تدريس «الشّيخونية «8» » بمصر، وقيل:
إنه كان أفقه من أخيه أبى حامد المذكور.
وتوفّى قاضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد ابن الشيخ زين الدين
عبد الرحيم بن على بن عبد الملك المسلّاقى السّلمى قاضى قضاة دمشق
بالقاهرة
(11/109)
وهو من أبناء السبعين سنة وكان- رحمه الله-
عالما فاضلا سمع بالإسكندرية «1» ومصر والشام وأخذ عن القونوىّ وأبى
«2» حيّان وغيرهما وولى نيابة الحكم بدمشق.
ثم استقلّ بالقضاء أكثر من عشرين سنة.
وتوفّى الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الماردينى
الشهير بابن خطيب الموصل- رحمه الله- مات بحماة وهو من أبناء الستين
سنة.
وكان أديبا فاضلا، كان يتنقّل في البلاد وكان يكتب المنسوب وله مشاركة.
ومن شعره: [المتقارب]
ليهنك ما نلت من منصب ... شريف له كنت مستوجبا
وما حسن أن تهنّى به ... ولكن نهنّى بك المنصبا
وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير تنكز الحسامى الناصرىّ نائب
الشام، كان أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية وله وجاهة في الدولة.
رحمه الله.
وتوفّى الوزير الصاحب شمس الدين موسى بن أبى إسحاق عبد الوهاب بن عبد
الكريم القبطى المصرىّ، أسلم أبوه وتولّى نظر الجيش والخاصّ بعد كريم
الدين الكبير واستناب ابنه هذا وكان يوم ذاك ناظر الخزانة الشريفة.
فلمّا مات أبوه في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة استقرّ مكانه في نظر
الخاصّ، فباشر فيه مدّة وصرف بالنشو واستقرّ في نظر الجيش عوضا عن
الفخر، فلم تطل مدّته وأمسك بسعى النّشو وسلّم هو وأخوه علم الدين ناظر
الدولة إلى النّشو،
(11/110)
فأوقع الحوطة على موجودهما، فوجد لهما ما
لا يوصف: من ذلك أربعمائة سراويل لزوجته واستقرّ عوضه في نظر الجيش
مكين الدين إبراهيم بن قروينة واستمرّ موسى في المصادرة وأجرى عليه
العذاب ألوانا، وأمره أعجب من العجب وهو أنه كان قبل مصادرته نحيف
البدن قليل الأكل، لا يزال سقيما بالرّبو وضيق النّفس، لزمه «1» الحمّى
الصّالبة «2» ، فلا يبرح محتميا ويلبس الفراء شتاء وصيفا، فبنى له أبوه
بيتا فى الروضة ووكّل به الأطباء، يدبّرون له الأغذية الصالحة
ويعالجونه وهو على ما هو عليه إلى أن قبض عليه وصودر وسلّم لوالى
القاهرة ناصر الدين محمد بن المحسنى.
ثم نقل إلى لؤلؤ شادّ الدواوين وكان النّشو يغريهما على قتله، فضمن
لؤلؤ للنشو قتله، فضربه أوّل يوم مائتى شيب «3» وسعطه «4» بالماء
والملح وبالخل والجير حتى قوى عنده أنه مات فأصبح سويّا، فضربه بعد ذلك
حتى أعياه أمره، وعقّد «5» له المقرعة التى يضربه بها، فكانت إذا نزلت
على جنبه تثقبه، فكان يضربه بتلك المقرعة حتى يقولوا: مات فيصبح
فيعيدون عليه العذاب والتّسعيط، فصار يقيم اليوم واليومين والثلاثة لا
يمكّن فيها من أكل ولا شرب. وكانوا إذا عاقبوه وفرغوا رموه عريانا فى
قوّة الشتاء على البلاط فيتمرّغ عليه بجسده وهو لا يعى من شدّة الضرب
والعقوبة، كل ذلك والنّشو يستحثّ على قتله. ثم عصروه في كعبيه وصدغيه،
حتى لهجوا بموته وبشّروا النشر بموته غير مرة. ثم يتحرّك فيجدوه حيّا،
واستمرّ على ذلك أشهرا ثم ترك نحو الشهر لمّا أعياهم أمره وأعادوا عليه
العقوبة وعلى زوجته بنت الشمس غبريال وكانت كحاله في ضعف البدن
والنّحافة وكانت حاملا، فولدت وهي تعصر،
(11/111)
فعاش ولدها حتى كبر، وما زالا في العقوبة
حتى هلك النّشو وهو يقول: أموت وفي قلبى حسرة من موسى بن التاج، فمات
النشو ولم ينل فيه غرضه. قيل: إنّ مجموع ما ضرب موسى هذا ستة عشر ألف
شيب، حتى إنه ضرب مرة فوقع من ظهره قطعة لحم بقدر الرّغيف، وأعجب من
هذا كلّه أنه لمّا أطلق تعافى مما كان به من الأمراض المزمنة القديمة.
وصار صحيح البدن. ثم أفرج عنه الملك الناصر محمد وأكرمه وأنعم عليه
ببغلة النشو وردّ عليه أشياء كثيرة وولّاه نظر جيش دمشق، ثم ولى نظر
الخاصّ ثانيا وأضيف إليه نظر الخزانة الشريفة وساءت سيرته واستعفى
وأعيد إلى دمشق وزيرا، ولم يزل يتنقّل في الوظائف إلى أن مات في هذا
التاريخ.
وقد أطلنا فى ذكره لما أوردناه من الغرائب. انتهى.
وتوفّى الأمير علاء الدين طيبغا المحمدىّ في شهر صفر وكان أحد مقدّمى
الألوف بالديار المصرية.
وتوفّى الأمير سيف الدين بكتمر بن عبد الله المؤمنى الأمير آخور الكبير
بالديار المصرية- رحمه الله- وكان من أجل الأمراء فضلا ومعرفة ودينا
وعفّة عن الأموال، وتولّى عدّة وظائف وتنقّل في الولايات، مثل نيابة
حلب والإسكندرية، ثم استقرّ أمير آخور إلى أن مات، وهو صاحب المصلّاة
«1» بالرّميلة، والسبيل المعروف بسبيل المؤمنىّ. رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين، أسندمر بن عبد الله الكاملىّ زوج خوند
القردمية «2» بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان أحد مقدّمى الألوف
بالديار المصرية ومات بالقاهرة.
(11/112)
وتوفّى الأمير سيف الدين آروس بغا بن عبد
الله الخليلىّ أحد أمراء الطبلخانات بالقاهرة في شهر رجب وهو أحد من
قام على يلبغا.
وتوفّى الأمير سيف الدين أسن بن عبد الله الصرغتمشىّ أحد أمراء
الطبلخانات بالديار المصريّة بدمشق بعد ما نفى إليها وكان من الأشرار.
وتوفّى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله العلائىّ المعروف
«فرفور» كان أحد أمراء الطبلخانات بمصر وكان خصيصا عند الملك الأشرف.
رحمه الله.
وتوفّى الأمير علاء الدين آقبغا بن عبد الله اليوسفىّ الناصرىّ الحاجب
في شعبان بمدينة منفلوط «1» ، وقد توجّه إلى لقاء هدية صاحب اليمن إلى
السلطان الملك الأشرف.
وتوفّى الأمير سيف الدين أينبك بن عبد الله الأزقىّ أحد أمراء
الطبلخانات ورأس نوبة ثانى بها وكان من الشجعان.
وتوفّى الأمير الأكز بن عبد الله الكشلاوىّ وهو منفىّ بحلب في شهر ربيع
الأوّل وكان من أعظم الأمراء وأوجهم، ولى الوزر والأستدارية بمصر
ونالته السعادة وعظم في الدّول إلى أن تغيّر عليه الملك الأشرف شعبان
وعزله ثم نفاه إلى حلب لأمر اقتضى ذلك.
وفيها كان بدمشق طاعون عظيم وانتشر إلى عدّة بلاد ومات فيه خلائق لا
تحصى كثرة. والله أعلم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا-
مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية عشر إصبعا.
(11/113)
[ما وقع من
الحوادث سنة 772]
السنة الثامنة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر، وهي سنة
اثنتين وسبعين وسبعمائة.
وفيها توفّى الشيخ العالم المفتّن جمال «1» الدين أبو محمد عبد الرحيم
الحسن بن علىّ ابن عمر القرشىّ الأموىّ الإسنائىّ «2» الشافعىّ شيخ
الشافعية بالديار المصرية. مات فجأة في ليلة الأحد ثامن «3» عشرين
جمادى الأولى عن سبع وستين سنة، رحمه الله تعالى.
وكان إماما عالما مصنّفا بارعا، درّس بالأقبغاوية «4» والفاضلية «5»
والفارسية «6» ،
(11/114)
ودرّس التفسير بجامع أحمد بن طولون وتصدّر
بالملكية «1» وأعاد «بالناصرية «2» » والمنصورية وغيرهما. وله مصنّفات
كثيرة مفيدة: منها «كتاب المهمّات على الرافعىّ» و «شرح المنهاج في
الفقه» و «شرح منهاج البيضاوىّ في الأصول» وله «كتاب طبقات الفقهاء
الشافعية» و «كتاب تخريج الفروع على الأصول» وسمّاه «التمهيد» و «كتاب
تخريج الفروع على العربية» وسماه «الكوكب» و «شرح عروض ابن الحاجب» و
«مختصر الإمام الرافعىّ» و «كتاب الجمع والفرق» . وكان له نظم ليس
بذاك، من ذلك ما قاله يمدح كتاب الرافعىّ فى الفقه: [الكامل]
يا من سما نفسا إلى نيل العلا ... ونحا الى العلم الغزير الرافع
قلّد سمىّ المصطفى ونسيبه ... والزم مطالعة العزيز الرافعى
وتوفّى القاضى شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ الصالح برهان
الدين إبراهيم [بن عمر بن أحمد «3» ] العمرىّ الصالحىّ الحنفى، قاضى
قضاة الإسكندرية
(11/115)
وبها توفى- رحمه الله- وقد قارب سبعين سنة
وكان فاضلا عالما أفتى ودرّس وخطب وأفاد وأعاد وأقام بحلب مدّة، يقرئ
ويفتى. ثم قدم إلى مصر وأقام بها أيضا إلى أن ولى قضاء الإسكندرية
مسئولا في ذلك.
وتوفّى الأمير الكبير «1» علاء الدين علىّ الماردينىّ، ثمّ الناصرى
نائب السلطنة بدمشق، ثم بالديار المصرية في العشر الأوّل من المحرّم عن
بضع وستين سنة وكان أميرا جليلا دينا خيرا عفيفا عاقلا، تنقل في
الأعمال الجليلة سنين عديدة وطالت أيامه في السعادة، وكان- رحمه الله-
منقادا إلى الشريعة في أحكامه وأفعاله، مشتغلا بالفقه على مذهب الإمام
الأعظم أبى حنيفة- رضى الله عنه- مستحضرا له وكان قريبا من الناس
محببّا للرعية. وأجلّ أعمال وليها نيابة حلب ثمّ دمشق ثلاث مرّات فيما
أظنّ. والله أعلم. ثم نيابة السلطنة بالديار المصرية. وأمّا الولايات
التي دون هؤلاء فكثير.
وتوفّى الأمير سيف الدين جرجى بن عبد الله الإدريسىّ الناصرىّ بدمشق عن
بضع وخمسين سنة. وكان أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون،
وترقّى إلى أن ولى نيابة حلب. ثمّ عزل بعد مدّة وأنعم عليه بإمرة
بدمشق، فتوجّه إليها وأقام بها إلى أن مات- رحمه الله- وكان عالى
الهمّة، غزير النعمة، وله سعادة وافرة، وقد تقدّم وفاته، والأصحّ أنه
توفّى في هذه السنة.
وتوفّى قاضى «2» قضاة المدينة النبوية- على الحالّ بها أفضل الصلاة
والسلام- نور الدين أبو الحسن علىّ بن عز الدين أبى المحاسن يوسف بن
الحسن [بن محمد
(11/116)
ابن «1» محمود] الزّرندىّ «2» الحنفىّ
المدنىّ- رحمه الله- كان عالما فاضلا ولى قضاء المدينة سنين.
وتوفّى الأمير سيف الدين أرغون بن عبد الله من قيران السّلّارىّ أحد
أمراء الطبلخانات ونقيب الجيوش المنصورة في شهر جمادى الأولى، وكان
قديم هجرة وله كلمة في الدولة وحرمة وقرب من الملوك.
وتوفّى الأمير سيف الدين أسندمر بن عبد الله العلائىّ الحاجب المعروف
«حرفوش» بعد ما أنعم عليه يإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق على هيئة
النّفى، فإنه كان من أكابر أمراء الألوف بالديار المصرية وكان ممن يخاف
شرّه.
وتوفّى القاضى بدر الدين أبو علىّ الحسن بن محمد بن صالح [بن محمد بن
محمد «3» ] النابلسىّ «4» الفقيه الحنبلىّ- رحمه الله- مفتى دار العدل
«5» فى شهر جمادى الآخرة.
وتوفّى الشيخ علاء الدين أبو الحسن علىّ بن عماد الدين إسماعيل بن
برهان الدين إبراهيم [بن «6» موسى] الفقيه المالكىّ، المعروف بابن
الظريف في أربع عشر شهر جمادى الأولى. رحمه الله.
وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد الزّركشى الحنبلىّ في
رابع عشرين جمادى الأولى أيضا- رحمه الله تعالى- وكان من أعيان الفقهاء
الحنابلة.
(11/117)
وتوفّى الأمير سيف الدين منكوتمر «1» بن
عبد الله من عبد الغنى الأشرفى الدّوادار فى شهر جمادى الأولى وكان من
خواصّ السلطان الأشرف شعبان ومن مماليكه.
وتوفّى القاضى تاج الدين أبو عبد الله محمد بن البها المالكى المعروف
بابن شاهد الجمالى- تغمده الله تعالى- كان فقيها وتولّى إفتاء دار
العدل وشاهد الجيش وناظر البيمارستان «2» المنصورى ووكيل الخاصّ وتوجّه
إلى الحجاز فمات في عوده بمنزلة العقبة «3» .
وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح صاحب الكرامات الخارقة أبو زكرياء يحيى بن
على ابن يحيى المغربى الأصل الصّنافيرى الضرير المجذوب، قدم جدّه يحيى
من الغرب ونزل عند الشيخ أبى العباس البصير بزاويته «4» بجوار باب
الخرق وولد له على أبو يحيى هذا وكانت له أيضا كرامات، وقدم في التجريد
وكان الغالب عليه الوله، وذكر له الموفّق «5» كرامات جمّة. ثم ولد له
يحيى هذا صاحب الترجمة مكفوفا مجذوبا، إلا أنه له كلام خارق وأحوال
عجيبة، وكان الغالب عليه الوله، كما كان أبوه، وكان لا يفيق من سكرته،
لا يزال مغمورا في نشأته، لا يفرّق بين من هو
(11/118)
فى حضرته من سلطان ولا أمير ولا غنىّ ولا
فقير، والناس كلّهم عنده سواء، وكان يقيم أوّلا بالقرافة عند ضريح «1»
أبى العباس البصير، وبنى له هناك قبّة وجعل لها بابين:
بابا ظاهرا وبابا في الأرض نازلا، وكان إذا أحسّ بالناس هرب من ذلك
الباب الذي في الأرض، فلمّا كثر ترداد الناس إليه للزيارة من كلّ فجّ،
صار يرجمهم بالحجارة، فلم يردّهم ذلك عنه رغبة في التماس بركته، ففرّ
منهم وساح في الجبال مدّة طويلة. ثم نزل صنافير «2» بالقليوبية من قرى
القاهرة، فكان كل يوم في أيام الشتاء يغطس في الماء البارد صبيحة نهاره
وفي شدّة الحرّ يجلس عريانا مكشوف الرأس فى الشمس، وليس عليه سوى ما
يستر عورته، فكان يقيم على سقيفة طابونة سوداء، أقام على ذلك ثلاث
سنين، لا ينزل عنها وبنى له بعض الأمراء زاوية، فلم يسكنها ولا التفت
اليها وكان الناس يتردّدون اليه فوجا فوجا ما بين قاض وعالم وأمير
ورئيس وهو لا يلتفت إلى أحد منهم.
ومن كراماته- نفعنا الله به- أنه أتى مرة بمنسف «3» خشب فيه طعام أرز،
فقال لهم: سخّنوه، فلم يسعهم إلا موافقته، ووضعوا المنسف الخشب على
النار، حتى اشتدّت سخونة الطعام ولم تؤثّر النار في الخشب، ثم عاد إلى
القرافة فمات بها في يوم الأحد سابع عشرين شهر شعبان وصلّى عليه
بمصلّاة «4» خولان فحرز عدّة من صلّى عليه من الناس، فكانوا زيادة على
خمسين ألفا. والله أعلم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأربعة أصابع.
(11/119)
[ما وقع من
الحوادث سنة 773]
السنة التاسعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة
ثلاث وسبعين وسبعمائة.
فيها رسم السلطان الملك الأشرف للأشراف بسائر الأقطار أن يسموا عمائمهم
بعلائم خضر، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه في ترجمة الأشرف. والله أعلم.
وفيها توفّى القاضى كمال الدين أبو الغيث محمد ابن القاضى تقىّ الدين
عبد الله ابن قاضى القضاة نور الدين أبى عبد الله محمد بن محمد بن محمد
بن [عبد الخالق «1» بن] عبد القادر الأنصارىّ الدمشقىّ الشافعىّ الشهير
بابن الصائغ بدمشق عن بضع وأربعين سنة. رحمه الله. وكان ولى قضاء حلب
مرتين ثم ولى قضاء حمص، ثم عاد إلى دمشق، وبها كانت وفاته.
وتوفّى الشيخ العالم العلّامة قاضى القضاة «2» سراج الدين أبو حفص عمر
ابن الشيخ نجم الدين إسحاق بن شهاب الدين أحمد الغزنوىّ الهندىّ
الحنفىّ قاضى قضاة الديار المصرية بها في ليلة الخميس سابع شهر رجب،
بعد أن ولى القضاء نحو خمس عشرة سنة- رحمه الله- وتولّى بعده القضاء
صدر الدين «3» محمد بن جمال الدين التّركمانىّ؛ ومولد السراج هذا في
سنة أربع أو خمس وسبعمائة تخمينا، وقدم القاهرة قبل سنة أربعين
[وسبعمائة]- رحمه الله- وكان إماما عالما بارعا مفتنّا في الفقه
والأصلين والنحو وعلمى المعانى والبيان وغيرهم، وناب في الحكم بالقاهرة
وتصدّى للإفتاء والتدريس والإقراء سنين، ثمّ تولّى عدّة وظائف دينيّة،
وهو أحد من قام
(11/120)
مع ابن النقّاش في قضية الهرماس حتى وغّرا
خاطر السلطان عليه ووقع له معه ما وقع.
وكان السراج- رحمه الله تعالى- إماما مصنّفا: منها «شرح المغنى» فى
مجلدين و «شرح البديع» لابن السّاعاتىّ وغير ذلك، وقد ذكرنا من علوّ
همّته وغزير فضله فى «المنهل الصافى» نبذة كبيرة جيّدة تنظر هناك.
وتوفّى الشيخ الأديب أبو زكرياء يحيى بن محمد بن زكرياء بن محمد بن
يحيى العامرىّ الحموىّ الشهير بالخبّاز بدمشق وهو من أبناء الثمانين
وكان بارعا فى النّظم، نظم سائر فنون الأدب وكان فيه تشبّع كبير ومن
شعره: [الوافر]
بعيشك هاتها صفراء صرفا ... صباحا واطّرح قول النّصوح
فإنّ الشّمس قد بزغت «1» بعين ... تغامزنا على شرب الصّبوح
وله أيضا: [السريع]
باكر عروس الرّوض واستجلها ... وطلّق الحزن «2» ثلاثا بتات
بقهوة حلّت لنا كلّما ... حلّت لآلى القطر جيد النبات
وتوفّى العلّامة «3» قاضى القضاة بهاء الدين أبو حامد أحمد ابن قاضى
القضاة تقىّ الدين أبى الحسن علىّ ابن الشيخ زين الدين عبد الكافى بن
علىّ بن تمّام بن يوسف ابن موسى بن تمام الأنصارىّ السّبكى الشافعىّ.
بمكة المشرفة عن ست وخمسين سنة- رحمه الله- وكان إماما عالما بارعا فى
عدّة من الفنون وسمع من الحفّاظ، وأخذ من والده وعن أبى حيّان «4» -
وهو أسنّ من أخيه تاج الدين المقدّم ذكره-
(11/121)
ودرّس بقبّة الشافعىّ والجامع «1»
الطولونىّ والمنصورية «2» والشّيخونية «3» ، وباشر قضاء العسكر وإفتاء
دار العدل بمصر وخطب وألّف وصنّف وتولّى قضاء الشام عوضا عن أخيه تاج
الدين وتولّى أخوه تاج الدين وظائفه بمصر، وقد تقدّم ذلك.
ثم ترك قضاء دمشق عفّة ورجع إلى مصر يدرّس ويفتى ثم جاور بمكّة وبها
مات- رحمه الله-.
وتوفّى الأمير سيف الدين أيدمر بن عبد الله الشّيخى أحد أمراء الألوف
بالديار المصريّة. ثم نائب حماة وكان من أعيان الأمراء، وقد تقدّم ذكره
فى عدّة أماكن.
وتوفّى الشيخ الفقير المعتقد عبد الله درويش- رحمه الله- فى سابع عشر
«4» شهر رجب. وكان فقيرا مباركا وللناس فيه محبة واعتقاد حسن.
وتوفّى الأديب الشاعر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان بن
شيخان «5» المعروف بابن المجد البكرى التّيمىّ القرشىّ البغدادىّ في
عاشر شهر رمضان بمنية «6» ابن خصيب من صعيد مصر ومن شعره: [الوافر]
أتى المحبوب في السّنجاب يسعى ... وطلعته لناظره تروق
فتبصر طوقه السّنجاب سحبا ... وفيها من تبسّمه بروق
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وخمسة وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وأربعة أصابع.
(11/122)
[ما وقع من
الحوادث سنة 774]
السنة العاشرة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين على مصر وهي سنة
أربع وسبعين وسبعمائة.
وفيها استقرّ الأمير ألجاى اليوسفىّ أتابك العساكر بديار مصر بعد موت
منكلى بغا الشّمسى.
وفيها توفّى الشيخ الإمام الحافظ المؤرّخ عماد الدين أبو الفداء
إسماعيل ابن الخطيب شهاب الدين أبى حفص عمر بن كثير القرشىّ الشافعىّ
صاحب «التاريخ» و «التفسير» فى يوم الخميس سادس عشرين شعبان بدمشق.
ومولده بقرية شرقىّ بصرى «1» من أعمال دمشق في سنة إحدى وسبعمائة- رحمه
الله تعالى- قال العبنىّ رحمه الله: كان قدوة العلماء والحفّاظ، وعمدة
أهل المعانى والألفاظ. وسمع وجمع وصنّف ودرّس وحدّث وألّف. وكان له
اطّلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ واشتهر بالضبط والتحرير،
وانتهى إليه علم التاريخ والحديث والتفسير، وله مصنّفات عديدة مفيدة.
انتهى كلام العينى- رحمه الله.
قلت: ومن مصنّفاته «تفسير القرآن «2» الكريم» فى عشر مجلدات، وكتاب
«طبقات الفقهاء» و «مناقب الإمام الشافعى» رضى الله عنه والتاريخ
المسمّى «بالبداية والنّهاية» حذا فيه حذو ابن الأثير- رحمه الله- فى
«الكامل» والتاريخ أيضا في عشرة مجلدات، وخرّج أحاديث «مختصر ابن
الحاجب» وكتب
(11/123)
على «البخارى» ولم يكمّله- رحمه الله
تعالى- ولما مات رثاه بعض طلبته رحمه الله بقوله: [الطويل]
لفقدك طلّاب العلوم تأسّفوا ... وجادوا بدمع لا يبيد غزير
ولو مزجوا ماء المدامع بالدّما ... لكان قليلا فيك يا ابن كثير
وتوفّى الشيخ الحافظ تقىّ الدين محمد بن جمال الدين رافع بن هجرس بن
محمد ابن شافع بن السّلّامىّ «1» المصرىّ الشافعىّ بدمشق عن ستين سنة،
وكان- رحمه الله- إماما في الحديث، رحل البلاد وسمع بمصر والشام وحلب
والحجاز وكتب لنفسه مشيخة و «ذيّل على تاريخ البخارى» رحمه الله.
وتوفّى الأديب زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الخضر بن عبد الرحمن
بن إبراهيم بن يوسف بن عثمان السّنجارىّ، قدم حلب وباشر بها توقيع
الدّرج إلى أن مات بها عن نيّف وخمسين سنة. ومن شعره في مغنّ ورأيته
لغيره: [الكامل]
أضحى يخرّ لوجهه قمر السّما ... وغدا يلين لصوته الجلمود
فإذا بدا فكأنّما هو يوسف ... وإذا شدا فكأنّه داود
وتوفّى الأمير مظفّر الدين موسى ابن الحاج أرقطاى الناصرىّ نائب صفد
بها، وتولّى عوضه نيابة صفد الأمير علم دار المحمدىّ، وكان مظفّر الدين
من الأماثل، وله وجاهة في الدّول وثروة.
وتوفّى الأمير الكبير سيف منكلى بغا بن عبد الله الشمسىّ أتابك العساكر
بالديار المصرية بها في شهر جمادى الأولى عن بضع وخمسين سنة، كان من
أجلّ الأمراء وأعظمهم حرمة وهيبة ووقارا، وكان فيه ديانة، وله معرفة
بالأمور، وله اشتغال جيّد
(11/124)
فى علوم متعدّدة، ولى نيابة صفد وطرابلس
وحلب ودمشق ثم أعيد إلى حلب لإصلاح البلاد الحلبيّة، فعاد إليها ومهّد
أمورها، ثم طلبه الملك الأشرف إلى الديار المصرية وسأله أن يلى النيابة
بها فامتنع من ذلك، فأخلع عليه باستقراره أتابك العساكر الديار المصرية
وزوّجه الأشرف بأخته: «خوند سارة» فاستمرّ على ذلك إلى أن مات في
التاريخ المذكور- رحمه الله-.
وتوفّيت خوند بركة خاتون والدة السلطان الملك الأشرف هذا وزوجة الأمير
ألجاى اليوسفى في شهر ذى القعدة، ودفنت بمدرستها «1» التى أنشأتها بخط
«2» التّبّانة، وبسبب ميراثها كانت الوقعة بين ابنها الملك الأشرف
وزوجها ألجاى اليوسفى، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه مفصّلا في أوائل هذه
الترجمة، وكانت خيّرة ديّنة عفيفة جميلة الصورة. ماتت في أوائل
الكهولية. رحمها الله تعالى.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة ولىّ الدين أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن إبراهيم الملّوىّ «3» الدّيباجىّ الشافعىّ- رحمه الله- ذو
الفنون بالقاهرة في ليلة الخميس خامس عشرين شهر ربيع الأوّل عن بضع
وستين سنة. وكان من أعيان فقهاء الديار المصرية.
وتوفّى الشيخ العارف بالله تعالى المعتقد المسلّك بهاء الدين محمد بن
الكازرونىّ فى ليلة الأحد خامس شهر ذى الحجّة بزاويته «4» بالمشتهى
بالرّوضة وكان- رحمه الله تعالى رجلا صالحا معتقدا وللناس فيه محبّة
زائدة واعتقاد حسن.
(11/125)
وتوفّى القاضى بدر الدين محمد بن محمد ابن العلامة شهاب الدين محمود بن
سليمان ابن فهد الحلبىّ ثمّ الدّمشقى الحنبلىّ ناظر جيش حلب بها- رحمه
الله- وكان رئيسا كاتبا فاضلا من بيت كتابة وفضل- رحمه الله تعالى-
والله أعلم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر لأجل التحويل، حوّلت
هذه السنة إلى سنة خمس وسبعين. |