النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
[ما وقع من
الحوادث سنة 845]
ثم فى يوم السبت ثالث «1» شهر ربيع الأول من سنة خمس وأربعين
وثمانمائة، خلع السلطان على يار «2» على بن نصر الله الخراسانى العجمى
الطويل باستقراره فى حسبة القاهرة، مضافا لما بيده من حسبة مصر القديمة
«3» عوضا عن قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى بحكم عزله.
ثم فى يوم الخميس ثامن «4» [شهر] «5» ربيع الأول المذكور، كانت مبايعة
الخليفة أمير المؤمنين سليمان بن الخليفة المتوكل على الله أبى عبد
الله محمد بالخلافة، بعد وفاة أخيه المعتضد داؤد، بعهد منه إليه، ولقب
بالمستكفى بالله أبى الربيع سليمان.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، خلع السلطان على الشريف علىّ
ابن حسن بن عجلان، باستقراره فى إمرة مكة، عوضا عن أخيه بركات بن حسن
بحكم عزله، لعدم حضوره إلى الديار المصرية؛ وعين السلطان مع الشريف
علىّ المذكور خمسين مملوكا من المماليك السلطانية، وعليهم الأمير يشبك
الصوفى المؤيدى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، لمساعدة علىّ المذكور على
قتال أخيه الشريف بركات؛ وسافر الشريف علىّ من القاهرة فى يوم الخميس
رابع عشرين جمادى الآخرة.
ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رجب، قدم إلى القاهرة الأمير برسباى
[الناصرى
(15/349)
فرج] «1» نائب طرابلس، ونزل السلطان إلى
مطعم الطيور خارج القاهرة، وتلقاه وخلع عليه على العادة.
ثم فى يوم الثلاثاء سابع [شهر] «2» رجب، أمسك السلطان الأمير قيز طوغان
العلائى الأستادار [الكبير] «3» ، وقبض معه على زين الدين يحيى ناظر
ديوان المفرد، وسلمهما للأمير دولات باى المحمودى المؤيدى الدوادار
الثانى.
ثم خلع السلطان فى يوم الخميس سادس عشره، على الزينى عبد الرحمن ابن
[القاضى علم الدين] «4» الكويز، باستقراره أستادارا، عوضا عن قيز
طوغان، وخلع على زين الدين المذكور باستقراره على وظيفة نظر المفرد على
عادته [126] ، وأنعم السلطان على الأمير قيزطوغان بإمرة مائة وتقدمة
ألف بحلب، وخرج فى يوم السبت خامس عشرينه.
ثم فى يوم الاثنين سابع عشرينه، خلع السلطان على الشهابى أحمد بن
[أمير] «5» على بن إينال اليوسفى، أحد أمراء العشرات، باستقراره فى
نيابة الإسكندرية، بعد عزل الأمير أسنبغا الناصرى الطّيّارى عنها،
وقدومه إلى القاهرة على عادته، أمير مائة ومقدم ألف.
ثم فى يوم السبت أول شهر رمضان، قدم الشيخ شمس الدين محمد الخافى «6»
الحنفى، من مدينة «7» سمرقند، قاصدا الحج، وهو أحد أعيان فقهاء القان
شاه رخ بن تيمور، وولده ألوغ بك صاحب سمرقند، واجتمع بالسلطان، فأكرمه
وأنعم عليه بأشياء كثيرة.
ثم فى يوم الخميس ثامن عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل تغرى برمش
السيفى
(15/350)
يشبك بن أزدمر الزّردكاش، بالمحمل إلى بركة
الحاج [دفعة واحدة، وكانت العادة أن أمير حاجّ المحمل يبرز من القاهرة
إلى الرّيدانية ثم يتوجه فى ثانيه إلى بركة الحاج] «1» ؛ وأمير حاج
الركب الأول، الأمير يونس السيفى آقباى، أحد أمراء العشرات المعروف
بالبواب.
ثم فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال، أمسك السلطان الأمير جانبك
المحمودى المؤيدى؛ أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وحبسه بالبرج من قلعة
الجبل، وكان السلطان قصد مسكه قبل ذلك، فخشى عاقبة خجداشيّته، فلما زاد
جانبك المذكور عن الحد فى التكلم فى الدولة ومداخلة «2» السلطان فى
جميع أموره، بعدم دربة وقلة لباقة «3» ، مع حدة وطيش وخفة وسوء خلق،
أمسكه فى هذا اليوم، وقصد بذلك حركة تظهر من خجداشيّته المؤيدية، فلم
يتحرك ساكن، بل خاف أكثرهم، وحسن حاله مع السلطان، وانكفّ أكثرهم عن
مداخلة السلطان؛ وأنعم السلطان بإمرته على خجداشه خير بك الأشقر
المؤيدى أحد الدوادارية الصغار؛ ولم يكن خير بك المذكور ممن ترشح
للإمرة؛ ومن يومئذ عظم أمر السلطان فى ملكه؛ وهابته الناس وانقطع عن
مداخلته جماعة كبيرة، ثم حمل جانبك المذكور إلى سجن الإسكندرية فسجن
به.
[ما وقع من الحوادث سنة 846]
هذا والسلطان فى اهتمام تجريدة لغزو رودس، وعين عدة كبيرة من المماليك
السلطانية والأمراء، ومقدم الجميع اثنان من مقدمى الألوف: الأمير إينال
العلائى الناصرى، المعزول عن نيابة صفد، والأمير تمرباى رأس نوبة
النوب. وسافروا الجميع من ساحل بولاق، فى محرم سنة ست وأربعين، ومعهم
عدة كبيرة من المطوّعة، بأبهج زى، من العدد والسلاح، وكان لسفرهم بساحل
بولاق يوم
(15/351)
مشهود «1» ، إلا أنهم عادوا فى أثناء
السنة، ولم ينالوا من رودس غرضا «2» ، بعد أن أخربوا قشتيل»
حسبما يأتى ذكره فى الغزوة الثالثة الكبرى.
وبعد سفرهم وقع حادثة شنعة، وهى أنه لما كان يوم الاثنين سادس عشر صفر،
وثب جماعة كبيرة من مماليك السلطان الأجلاب، من مشترواته الذين
بالأطباق من القلعة، وطلعوا إلى أسطحة «4» أطباقهم، ومنعوا الأمراء
وغيرهم من الأعيان من طلوع الخدمة، وأفحشوا فى ذلك إلى أن خرجوا «5» عن
الحد، ونزلوا إلى الرحبة عند باب النحاس، وكسروا باب الزّردخاناة
السلطانية، وضربوا جماعة من أهل الزردخاناة، وأخذوا منها سلاحا كثيرا،
ووقع منهم أمور قبيحة فى حق أستاذهم الملك الظاهر، ولهجوا بخلعه من
الملك، وهمّ السلطان لقتالهم، ثم فتر عزمه عن ذلك شفقة عليهم، لا خوفا
منهم، ثم سكنت الفتنة بعد أمور وقعت بين السلطان وبينهم.
ثم فى يوم الخميس عاشر [شهر] «6» ربيع الأول، قدم الأمير مازى الظاهرى
برقوق نائب الكرك، وطلع إلى القلعة، وخلع عليه باستمراره.
ثم فى يوم الاثنين حادى عشرين [شهر] «7» ربيع الأول المذكور، خلع
السلطان على مملوكه قراجا الظاهرى الخازندار، باستقراره خازندارا
كبيرا، عوضا عن الأمير قانبك الأبوبكريّ الأشرفى الساقى، بحكم مرضه
بداء الأسد «8» ، نسأل الله [العفو] «9» والعافية.
(15/352)
وفيه أيضا استقر ابن الحاضرى قاضى قضاة
الحنفية بحلب بعد عزل محب الدين محمد بن الشّحنة، لسوء سيرته.
ثم فى يوم الأحد ثانى عشر [شهر] «1» ربيع الآخر، قدم الأمير سودون
المحمدى من مكة المشرفة، إلى القاهرة، وهو مجرّح فى مواضع من بدنه، من
قتال كان بين الشريف علىّ صاحب مكة، وبين أخيه [127] بركات، انتصر فيه
الشريف علىّ، وانهزم بركات إلى البر.
ثم فى يوم الأحد سادس عشرين [شهر] «2» ربيع الآخر [المذكور] «3» ، أمسك
السلطان الزينى عبد الرحمن بن الكويز، وعزله عن الأستادارية، ثم أصبح
من الغد خلع على زين الدين يحيى ناظر الديوان المفرد باستقراره
أستادارا، عوضا عن ابن الكويز المذكور.
وكان من خبر زين الدين هذا، أنه كان كثيرا ما يلى الوظائف بالبذل ثم
يعزل عنها بسرعة، وقد تجمد عليه جمل من الديون؛ وكان خصمه فى وظيفة نظر
الديوان المفرد عبد العظيم بن صدقة الأسلمى، وغريمه فى نظر الإسطبل شمس
الدين الوزّة، ولا زال زين الدين المذكور فى بحبوحة من الفقر والذل
والإفلاس، إلى أن ولى الأمير قيزطوغان الأستادارية، فاختار زين الدين
هذا لنظر الديوان المفرد، وضرب عبد العظيم وأهانه، كونه كان من جملة
أصحاب محمد بن أبى الفرج.
وركن إلى زين الذين هذا، وصار المعول عليه بديوان المفرد؛ فاستفحل
أمره، وقضى ديونه، فحدثته نفسه بالأستادارية، لمصداق المثل السائر: «لا
تموت النفس الخبيثة حتى تسىء «4» لمن أحسن إليها» ، فأخذ زين الدين
يدبر على الأمير طوغان فى الباطن، ويملى له المفسود، بأن يحسّن له
الإقالة من الوظيفة، حتى يعظم أمره، من سؤال السلطان
(15/353)
له باستقراره فى الوظيفة، ويظهر له بذلك
النصح، إلى أن انفعل له طوغان وسأل الإقالة، فأقاله السلطان، وخلع على
الزينى عبد الرحمن بن الكويز بالأستادارية.
واستمر زين الدين على وظيفة نظر ديوان المفرد، وقد تفتحت له أبواب أخذ
الأستادارية، لسهولة ابن الكويز وخروج قيز طوغان من مصر، فإنه كان لا
يحسن به المرافعة فى طوغان ولا السعى عليه بوجه من الوجوه، فسلك فى ذلك
ما هو أقرب لبلوغ قصده، بعزل طوغان وولاية ابن الكويز، حتى تم له ذلك،
ولبس الأستادّاريّة ونعت بالأمير، لكنه لم يتزيّا بزىّ الجند، بل استمر
على لبسه أولا: العمامة والفرجية، فصار فى الوظيفة غير لائق، كونه
أستادارا وهو بزى الكتبة، وأميرا ولا يعرف باللغة التركية، ورئيسا وليس
فيه شيم الرئاسة؛ وكانت ولايته وسعادته غلطة من غلطات الدهر، وذلك لفقد
الأمائل. [الكامل] :
خلت الرّقاع من الرّخاخ ... ففرزنت فيها البياذق «1»
وتصاهلت عرج الحمير ... فقلت: من عدم السّوابق
وفيه خلع السلطان على الأمير أقبردى المظفرى الظاهرى [برقوق] «2» ، أحد
أمراء العشرات ورأس نوبة، وندبه «3» للتوجه إلى مكة المشرفة، وصحبته من
المماليك
(15/354)
السلطانية خمسون مملوكا، ليستعين بهم
الشريف علىّ صاحب مكة على من خالفه، وسافر بعد أيام رجبيّة.
ثم فى يوم الخميس أول جمادى الأولى، أمسك السلطان الصفوى جوهرا
التّمرازى الخازندار، ورسم عليه عند تغرى برمش الجلالى المؤيدى الفقيه
نائب قلعة الجبل، وطالبه السلطان بمال كبير. وخلع السلطان على الطّواشى
فيروز الرومى النّوروزى رأس نوبة الجمدارية، باستقراره خازندارا، عوضا
عن جوهر المذكور، وتأسّف الناس كثيرا على عزل جوهر التّمرازى، فإنه كان
سار فى الوظيفة أحسن سيرة، وترقّب الناس بولاية فيروز هذا أمورا كثيرة.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشرينه، استقر فيروز النّوروزى المذكور زماما،
مضافا للخازندارية بعد عزل هلال الطّواشى عنها «1» .
ثم فى يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة، خلع السلطان على الأمير إينال
العلائى الناصرى باستقراره دوادارا كبيرا، بعد موت الأمير تغرى بردى
المؤذى البكلمشى، وأنعم بتقدمة تغرى بردى المذكور، على الأمير قانى باى
الجركسى، واستمر على وظيفة شدّ الشراب خاناه، مع تقدمة ألف؛ وأنعم
بطبلخانات قانى باى، على جانبك القرمانى الظاهرىّ برقوق رأس نوبة،
وأنعم بإقطاع جانبك، على أيتمش [بن عبد الله] [من أزوباى] «2» أستادار
الصحبة، وهى إمرة عشرة، وأنعم بإقطاع أيتمش على سنجبغا، وكلاهما إمرة
عشرة، والتفاوت فى زيادة المغل.
ثم فى يوم السبت خامس شعبان رسم السلطان بنفى الأمير سودون السّودونى
(15/355)
الظاهرى الحاجب إلى قوص، فشفع فيه فرسم
بتوجهه إلى طرابلس، ثم شفع فيه ثانيا [128] فرسم له بالإقامة بالقاهرة
بطّالا.
ثم فى يوم الاثنين ثالث شوال، خلع السلطان على الشريف أبى القاسم بن
حسن ابن عجلان، باستقراره أمير مكة، عوضا عن أخيه علىّ، بحكم القبض
عليه وعلى أخيه إبراهيم بمكة المشرفة.
[ثم] «1» فى سابع عشره، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير تنبك البردبكى،
حاجب الحجّاب بالمحمل إلى بركة الحاج، وهذه سفرته الثانية، وأمير الركب
الأول الأمير الطّواشى عبد اللطيف المنجكى العثمانى الرومى مقدم
المماليك السلطانية.
ثم فى يوم السبت تاسع عشرين شوال، خلع السلطان على قاضى القضاة بدر
الدين محمود العينى الحنفى، بإعادته إلى حسبة القاهرة بعد عزل يار على
وسفره إلى الحجاز.
ثم فى يوم الاثنين أوّل ذى القعدة، قدم الأمير أركماس الظاهرى
الدّوادار [الكبير] «2» كان، من ثغر دمياط بطلب من السلطان وطلع إلى
القلعة، وخلع عليه السلطان كاملية مخمل بمقلب سمّور، ورسم له أن يقيم
بالقاهرة بطّالا، وأذن له بالركوب حيث شاء.
ثم فى يوم الاثنين تاسع عشرين ذى القعدة المذكور، خلع السلطان على
القاضى بهاء الدين محمد بن القاضى نجم الدين عمر بن حجى ناظر جيش دمشق،
باستقراره ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، مضافا لما بيده من
نظر جيش دمشق، عوضا عن القاضى محب الدين بن الأشقر، بحكم عزله وغيابه
فى الحج، وذلك بسفارة حميّه «3» القاضى كمال الدين بن البارزى كاتب
السر الشريف.
(15/356)
[ما وقع من
الحوادث سنة 847]
ثم فى يوم الثلاثاء ثانى عشر صفر من سنة سبع وأربعين وثمانمائة، أعيد
يار على الخراسانى، إلى حسبة القاهرة، وصرف العينى عن الحسبة.
ثم فى يوم الأربعاء حادى عشر شهر ربيع الأول، عمل السلطان المولد
النبوى على العادة.
ثم فى يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة، قدم الزينى عبد الباسط بن خليل،
وكان توجّه من سنة أربع وأربعين من الحجاز إلى دمشق، بشفاعة الناصرى
محمد بن منجك له، ولما وصل إلى القاهرة طلع إلى القلعة وقبّل الأرض،
ومعه أولاده، ثم تقدم وباس رجل السلطان، فقال له السلطان: «أهلا» بصوت
خفىّ ولم يزده على ذلك، ثم ألبسه كاملية سابورى أبيض بفرو سمور، وألبس
أولاده كل واحد كاملية سمور بطوق عجمى، ثم نزل إلى داره.
وقدّم تقدمته فى يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة [المذكورة] «1» ؛ وكانت
تشتمل على شىء كثير، من ذلك أربعة وأربعون حمالا «2» على الرءوس مردومة
أقمشة من أنواع الفراء والصوف والمخمّل والشّقق الحرير، والسلاح وطبول
بازات مذهبة، وخيول، ونحو مائتى فرس وأربعين فرسا، منها أكاديش خاصّ
بسروج مذهبة، وبدلات مينة وعبىّ حرير عدة كبيرة، ومنها عشرة خيول،
عليها بركستوانات ملونة، وسروج مغرّقة، ومنها ثمانية بسروج سذج، برسم
الكرة، وبغال ثلاثة أقطار، وجمال بخاتى قطار واحد، فقبل السلطان ذلك
كله. وبعد هذا كلّه لم يتحرك حظّ عبد الباسط عند السلطان، ولا تجمّل
معه بوظيفة من الوظائف، بل أمره بالسفر بعد أيام قليلة. قلت: ليس للطمع
فائدة، وأخذ ما يأخذ زمانه وزمان غيره، وما أحسن قول من قال:
[المتدارك]
(15/357)
وترى الدهر [لعبا] «1» لمعتبر ... والناس
به دول دول
كرة وضعت لصوالجة ... فتلقّفها رجل رجل
ثم فى يوم الاثنين عشرينه، قدم الأمير خليل بن شاهين [الشيخى] «2» نائب
ملطية، وخلع عليه السلطان خلعة الاستمرار، وقدم هديته، وأقام بالقاهرة
إلى يوم الاثنين رابع شهر رجب، فخلع «3» السلطان عليه باستقراره أتابك
حلب، عوضا عن الأمير قيز طوغان العلائى المعزول عن الأستادّاريّة، بحكم
استقرار قيزطوغان فى نيابة ملطية عوضا عن خليل المذكور.
ثم فى يوم السبت ثامن عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير شادبك
الجكمى، أحد مقدّمى الألوف، بالمحمل [إلى بركة الحاج] «4» ، وأمير
الركب الأول الأمير سونجبغا اليونسى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
ثم فى يوم الأربعاء ثانى عشرين شوال، أعيد [129] القاضى محب الدين بن
الأشقر إلى وظيفة نظر الجيش، وصرف عنها القاضى بهاء الدين بن حجى،
واستمر على وظيفته نظر جيش دمشق على عادته أولا، وكانت بيده لم تخرج
عنه.
ثم فى يوم الخميس سلخ شوال، قدّم ابن حجى المذكور إلى السلطان تقدمة
هائلة [تشتمل] «5» على خمسة وأربعين قفصا من أقفاض الحمّالين ما بين
ثياب بعلبكّى، وقسىّ وصوف، وأنواع الفرو، وغير ذلك. ثم فى يوم الاثنين
رابع ذى القعدة، خلع السلطان على بهاء الدين المذكور خلعة السفر، وأضيف
إليه نظر قلعة دمشق.
ثم فى يوم الأحد رابع عشرينه، ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل بخواصه
إلى أن وصل إلى ساحل بولاق، ثم عاد حتى علم الناس بعافيته، لأنه كان
توعك توعكا هينا، فأرجف الناس بقوة مرضه.
(15/358)
ثم فى يوم الاثنين ثانى ذى الحجة، وصل
الأمير جلبان نائب الشام، إلى القاهرة، ونزل السلطان إلى ملاقاته بمطعم
الطيور بالرّيدانيّة خارج القاهرة، وخلع عليه خلعة الاستمرار على نيابة
دمشق، وهذه قدمته الثانية فى الدولة الظاهرية، ثم قدّم جلبان المذكور
تقدمته إلى السلطان من الغد فى يوم الثلاثاء، وكانت تشتمل على عدة
حمّالين كثيرة، منها سمّور خمسة أبدان، ووشق بدنان «1» ، وقاقم خمسة
أبدان، وسنجاب خمسون بدنا، وقرضيات خمسون قرضية، ومخمّل ملون خاصّ
أربعون ثوبا، ومخمل أحمر وأخضر وأزرق حلبى، خمسون ثوبا، وصوف ملوّن
مائة ثوب، وثياب بعلبكى خمسمائة ثوب، وثياب بطائن خمسمائة أيضا، وقسىّ
حلقة ثلثمائة قوس، منها خمسون خاصّا، وطبول بازات مذهبة عشرة، وسيوف
خمسون سيفا، وخيول مائتا رأس، منها واحد بسرج ذهب وكنبوش زركش، وبغال
ثلاثة أقطار، وجمال أربعة أقطار، وعشرون ألف دينار على ما قيل «2» .
[ما وقع من الحوادث سنة 848]
وفى أواخر هذه السنة ظهر الطاعون بمصر، وفشا فى أول المحرم سنة ثمان
وأربعين [وثمانمائة] «3» ، وقد أخذ السلطان فى تجهيز تجريدة عظيمة لغزو
رودس، وأخذ الطاعون يتزايد فى كل يوم، حتى عظم فى صفر، وزاد عدة من
يموت فيه على خمسمائة إنسان «4» .
ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين صفر، نفى السلطان كسباى الششمانى
المؤيدى، أحد الدوادارية الصغار، وعدّ ذلك من الأشياء التى وضعها
[الملك] »
الظاهر فى محلها؛ وقد استوعبنا أمر كسباى هذا، والتعريف بأحواله فى غير
هذا المحل.
ثم فى شهر ربيع الأول أخذ الطاعون يتناقص من القاهرة ويتزايد بضواحيها.
(15/359)
ثم فى يوم السبت سادس عشر [شهر] «1» ربيع
الأول [المذكور] «2» ، نفى السلطان سودون السودونى الحاجب إلى قوص،
وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا المعلّم الظّاهرى برقوق، زيادة على
ما بيده.
ثم فى يوم السبت المذكور، خرجت الغزاة من القاهرة، فنزلت فى المراكب من
ساحل بولاق، وقصدوا الإسكندرية ودمياط، ليركبوا من هناك البحر المالح،
والجميع قصدهم غزو رودس. وكانوا جمعا موفورا، ما بين أمراء وخاصّكية
ومماليك سلطانية ومطوّعة، وكان مقدم الجميع فى هذه السنة أيضا الأمير
إينال العلائى الدّوادار الكبير «3» ، كما كان فى السنة الخالية، وكان
معه من الأمراء الطبلخانات، الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى الرأس
نوبة الثانى، ومن العشرات جماعة كبيرة، منهم، تغرى برمش الزّردكاش،
وتغرى برمش الفقيه نائب القلعة، وهو مستمر على وظيفته؛ ورسم السلطان
للأمير يونس العلائى الناصرى أحد أمراء العشرات أن يسكن بباب المدرج،
إلى أن يعود تغرى برمش المذكور من الجهاد، وسودون الإينالى المؤيدى
قرافاس رأس نوبة، وتمربغا الظاهرى جقمق، ونوكار الناصرى، وتمراز
النّوروزى «4» رأس نوبة المعروف بتعريص «5» ، ويشبك الفقيه المؤيدى.
وفيها تأمّر بعد [130] عوده بعد موت تمراز النّوروزى، من جرح أصابه
وجماعة أخر من أعيان الخاصّكية، كل «6» منهم مقدّم على غراب أو زورق،
ومعه عدة من المماليك السلطانية وغيرهم، وكانت المماليك السلطانية فى
هذه الغزوة تزيد عدتهم على ألف مملوك، هذا خارج عمن سافر من المطوعة،
وأضاف إليهم السلطان أيضا جماعة كبيرة من أمراء البلاد الشامية، كما
فعل [الملك] «7» الأشرف فى غزوة قبرس المقدم
(15/360)
ذكرها، ورسم لهم السلطان أن يتوجه الجميع
إلى طرابلس، ليضاف إليهم العسكر الشامى، ويسير الجميع عسكرا واحدا،
ففعلوا ذلك، وسافر الجميع من ثغر دمياط، وثغر الإسكندرية، فى يوم
الخميس حادى عشر [شهر] «1» ربيع الآخر؛ وكان لخروجهم من ساحل بولاق يوم
عظيم «2» ، لم ير مثله إلا نادرا.
ولما ساروا من ثغر الإسكندرية ودمياط إلى طرابلس، ثم من طرابلس إلى
رودس، حتى نزلوا على برّها بالقرب من مدينتها فى الخيم، وقد استعد
أهلها للقتال، فأخذوا فى حصار المدينة، ونصبوا عليها المناجيق «3»
والمكاحل، وأرموا على أبراجها بالمكاحل [والمدافع] «4» ، واستمروا على
قتال أهل رودس فى كل يوم. هذا ومنهم فرقة كبيرة «5» قد تفرقت فى قرى
رودس وبساتينها ينهبون ويسبون، واستمروا على ذلك أياما، ومدينة رودس لا
تزداد إلا قوة، لشدة مقاتليها ولعظم عمارتها، وقد تأهبوا للقتال
وحصّنوا رودس، بالآلات والسلاح والمقاتلة، وصار القتال مستمرا «6»
بينهم فى كل يوم، وقتل من الطائفتين خلائق كثيرة، هذا وقد استقر الأمير
يلخجا الناصرى فى المراكب، ومعه جماعة كبيرة من المماليك السلطانية
وغيرهم، لحفظ المراكب من طارق يطرقهم من الفرنج فى البحر، وكان فى ذلك
غاية المصلحة، وصار يلخجا مقدم العساكر فى البحر، كما كان إينال مقدم
العساكر فى البر، وبينما يلخجا ورفقته ذات يوم، إذ هجم عليهم الفرنج فى
عدة كبيرة من المراكب، فبرز إليهم يلخجا ومن معه، وقاتلوهم قتالا
عظيما، حتى نصر الله المسلمين، وانهزم الفرنج وغنم المسلمون منهم.
كل ذلك وقتال رودس مستمر فى كل يوم، والعساكر فى غاية ما يكون من
الاجتهاد
(15/361)
فى قتال رودس، غير أن رودس لا يزداد أمرها
إلا قوة، لعظم استعداد أهلها للقتال.
ولما كان بعض الأيام، وقع للمسلمين محنة عظيمة، قتل فيها جماعة كبيرة
من أعيان الغزاة من الخاصّكية وغيرهم، وهو أنّ جماعة من المسلمين
الأعيان، نزلوا فى كنيسة تجاه رودس، وبينهم وبين العسكر الإسلامى
رفقتهم مخاضة من البحر المالح، وبينهم أيضا وبين مدينة رودس طريق
سالكة.
فاتفق أهل رودس على «1» تبييت هؤلاء المسلمين الذين بالكنيسة المذكورة،
إلى أن أمكنهم ذلك، فخرجوا إليهم على حين غفلة وطرقوهم بالسيوف
والسلاح.
وكان المسلمون فى أمن من جهتهم، وغالبهم جالس بغير سلاح، وهم أيضا فى
قلة والفرنج فى كثرة.
فلما هجموا على المسلمين، ووقعت «2» العين فى العين، قام المسلمون إلى
سلاحهم، فمنهم «3» من وصل إلى أخذ سلاحه، وقاتلهم حتى قتل، ومنهم من
قتل دون أخذ سلاحه، ومنهم من ألقى بنفسه إلى الماء ونجا، وهم القليل.
على أنه قتل من الفرنج جماعة كبيرة، قتلتهم فرسان المسلمين قبل أن
يقتلوا لما عاينوا الهلاك، أثابهم الله الجنة.
ولما وقعت الهجّة، قام كل واحد من المسلمين إلى نجدة هؤلاء المذكورين،
فلم يصل إليهم أحد حتى فرغ القتال، إلا أن بعض أعيان الخاصّكية مع
رفقته، لحق جماعة من الفرنج قبل دخولهم إلى رودس، ووضعوا فيهم السيف.
وقد استوعبنا واقعتهم بأطول من هذا، فى غير هذا الكتاب.
وكان عدة من قتل فى هذه الكائنة نيفا «4» على عشرين نفسا، ودام القتال
بعد
(15/362)
ذلك فى كل يوم بين عساكر الإسلام وبين فرنج
رودس أياما كثيرة، ومدينة رودس لا تزداد إلا قوة. فعند ذلك أجمع
المسلمون على العود، وركبوا مراكبهم، وعادوا إلى أن وصلوا إلى ثغر
الإسكندرية ودمياط، ثم قدموا إلى القاهرة. فكانت غزوة العام الماضى،
أعنى غزوة قشتيل التى أخربوها وسبوا أهلها، أبهج من هذه الغزوة [131] ،
فلله «1» الأمر من قبل ومن بعد. وكان وصول الغزاة المذكورين إلى
القاهرة، فى يوم الخميس ثانى عشر شهر رجب من سنة ثمان وأربعين
المذكورة.
ثم فى يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير سودون
المحمدى أحد أمراء العشرات، باستقراره فى نيابة قلعة دمشق، بعد نقل
الأمير جانبك الناصرى دوادار برسباى الحاجب منها، إلى حجوبية الحجاب
بدمشق، بعد موت الأمير سودون النّوروزى.
وفيه استقر الأمير قنصوه النّوروزى الخارج على السلطان، فى نوبة
الجكمى، فى نيابة ملطية، بعد عزل الأمير قيزطوغان العلائى، وقدومه إلى
حلب، أتابكا بها، عوضا عن الصاحب خليل بن شاهين بحكم عزله ونفيه.
ثم فى يوم السبت رابع شهر رجب، وصل إلى القاهرة الأمير بردبك العجمى
الجكمى، نائب حماة، وطلع إلى القلعة وقبّل الأرض، فنهره السلطان، وأمر
بالقبض عليه، فأمسك وحبس بالقلعة، ثم سفّر إلى ثغر الإسكندرية فسجن
بها؛ وسبب ذلك واقعة كانت بينه وبين أهل حماة، قتل فيها جماعة كبيرة من
الحمويين، استوعبناها فى الحوادث «2» [من غير هذا الكتاب] «3» ، ورسم
السلطان للأمير قانى باى
(15/363)
الأبوبكريّ البهلوان، نائب صفد بنيابة
حماة، ونقل الأمير بيغوت المؤيدى الأعرج نائب حمص إلى نيابة صفد.
ثم فى يوم الاثنين سادس شهر رجب المذكور، خلع السلطان على الأمير تنم
من عبد الرزاق المؤيدى، الذي كان ولى حسبة القاهرة، باستقراره فى نيابة
الإسكندرية، بعد عزل الأمير ألطنبغا المعلم اللّفّاف الظاهرى برقوق،
وقدومه إلى القاهرة على إقطاعه، وقد زاده «1» السلطان عدّة زيادات.
ثم فى يوم الخميس خامس عشر شعبان، قدم إلى القاهرة قاصد القان معين
الدين شاه رخ بن تيمور لنك وفى خدمته نحو المائة نفر، وأتباع كثيرة «2»
، وكان معه أيضا امرأة عجوز من نساء تيمور لنك، قدمت برسم الحج إلى بيت
الله الحرام؛ أقامت بدمشق لتتوجه فى الموسم صحبة الركب الشامى، ومع
القاصد المذكور كسوة الكعبة التى أرسلها شاه رخ، وكان القاصد الذي قدم
فى العام الماضى، استأذن السلطان فى ذلك، واعتذر أن شاه رخ نذر أنه
يكسو الكعبة، كما كان ذكر «3» ذلك للملك «4» الأشرف برسباى؛ وكان ذلك
سببا لضرب الأشرف لقصّاده والإخراق بهم.
فلما استأذن القاصد الملك الظاهر جقمق، أذن له وعاد القاصد بالجواب إلى
شاه رخ، فأرسلها فى هذه السنة، صحبة هذا القاصد المذكور، واعتذر الملك
الظاهر بقوله: «إن هذه قربة، ويجوز أن يكسو الكعبة كائن من كان» ؛ وعظم
ذلك على أمراء الدولة والمصريين إلى الغاية، ونزل القاصد المذكور فى
بيت جمال الدين الأستادّار بين القصرين.
(15/364)
فلما كان يوم الاثنين حادى عشر شهر رمضان،
طلع قاصد شاه رخ المذكور ورفقته إلى القلعة، وكان السلطان قد احتفل إلى
طلوعهم، ونادى أن أحدا من أجناد الحلقة والمماليك السلطانية، لا يتأخر
عن طلوع القلعة فى هذا اليوم، وعمل السلطان الخدمة بالحوش من القلعة،
ولم تكن العادة بعمل الخدمة إلا فى إيوان القلعة، فأبطل السلطان ذلك
وعملها فى الحوش، وطلعوا القصّاد ومعهم التقدمة والكسوة، فأمر السلطان
بإدخال ما معهم إلى البحرة لئلا يفطن أحد بالكسوة المذكورة «1» ،
وترحّب السلطان بالقصّاد وأكرمهم وقرئ ما على يدهم من المكاتبة، وعادوا
إلى جهة منزلهم، إلى أن وصلوا إلى بيت جمال الدين حيث سكنهم، وقد أطلقت
الألسن فى حقهم بالوقيعة من العوام «2» والرجم المتتابع إلى البيت
المذكور.
وحال دخولهم إلى البيت، نزل خلفهم فى الوقت من المماليك السلطانية
الذين «3» بأطباق القلعة، مقدار ثلاثمائة مملوك، وانضاف «4» إليهم
جماعة كبيرة من المماليك البطّالين والعوام، وكبسوا على القصّاد
المذكورين، ونهبوا جميع ما كان لهم، وكان شيئا كثيرا إلى الغاية،
وأفحشوا فى النهب حتى أخذوا خيولهم، وكان قيمة ما نهب لهم من الفصوص
الفيروزج الكرمانى والشقق الحرير والمخمّل والمسك وأنواع الفرو وغير
ذلك نيّف «5» على عشرين ألف [132] دينار وأكثر، ولولا أن الأمير يلخجا
الرأس نوبة الثانى، كان سكنه بالقرب منهم، فركب فى الحال بمماليكه
ونجدهم، ومنع الناس من نهبهم، ثم وصل إليهم الأمير إينال العلائى
الدوادار الكبير، ثم الأمير تنبك حاجب الحجاب، وأمسكوا جماعة من
العامة، وأخذوا ما كان معهم مما نهبوه، وإلا كان الأمر أعظم من ذلك.
ولما بلغ السلطان الخبر، غضب غضبا شديدا، وأمسك جماعة من العامة،
وضربهم
(15/365)
بالمقارع، وأبدع فيهم، وقطع أرزاق بعض
المماليك السلطانية من الخدامة وأولاد الناس، ثم أعطى السلطان القصّاد
شيئا كثيرا، وطيّب خواطرهم- انتهى.
ثم فى أواخر شهر رمضان المذكور، نفى السلطان الأمير أقطوه الموساوى
الظاهرى [برقوق] «1» ، أحد أمراء الطبلخاناة إلى طرسوس، ثم شفع فيه
فتوجّه إلى دمشق بطالا.
ثم [فى شوال] «2» ورد الخبر على السلطان بنصرة مراد بك بن عثمان متملّك
بلاد الروم على بنى الأصفر «3» .
وفى هذه السنة، أبطل السلطان الرمّاحة الذين يلعبون بالرمح يوم دوران
المحمل فى شهر رجب.
ثم فى يوم الاثنين، استقر محبّ الدين محمد بن الشّحنة الحنفى «4» قاضى
قضاة حلب وكاتب سرها، وناظر الجيش بها، بسفارة الصاحب جمال الدين يوسف
ناظر الخاص [الشريف] «5» .
(15/366)
ثم فى يوم الخميس خامس عشرين ذى القعدة،
قدم الزينى عبد الباسط من دمشق إلى القاهرة، وهذه قدمته الثانية من يوم
عزل وصودر، وطلع إلى السلطان فى يوم السبت سابع عشرينه، [و] «1» خلع
عليه كاملية بفرو سمّور، ثم قدم هديته إلى السلطان فى يوم الاثنين تاسع
عشرينه، وكانت تشتمل على شىء كثير مع مبلغ «2» كبير من الذهب.
[ما وقع من الحوادث سنة 849]
ثم فى يوم الخميس سادس عشر ذى الحجة خرجت تجريدة إلى البحيرة، ومقدم
العسكر الأمير قراخجا الحسنى، الأمير آخور الكبير ومعه ستة من الأمراء.
ثم فى يوم الخميس رابع عشر محرم سنة تسع وأربعين وثمانمائة استقر الشيخ
شمس الدين محمد القاياتى قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، وصرف
الحافظ شهاب الدين أحمد «3» بن حجر، ونزل «4» القاياتى بغير خلعة
تورعا، وعليه طيلسانه، وبين يديه أعيان الدولة، ولما نزل إلى الصالحية
«5» لم يسمع الدعوى التى يدعيها بعض الرسل، وقال هذه حيلة، ثم قام
وتوجّه إلى داره، وفى ظن كل أحد أنه سيسير فى القضاء على قاعدة السلف،
لما عهدوا من تقشفه وتعففه، فوقع بخلاف ما كان فى الظن «6» ، ومال إلى
المنصب، وراعى «7» الأكابر، وأكثر من النواب، وظهر منه الميل الكلى إلى
الوظيفة، حتى [لعله] «8» لو عزل منها لمات أسفا عليها.
(15/367)
ثم فى يوم الاثنين ثامن عشر المحرم المذكور
خلع السلطان على الأمير يلخجا من مامش الساقى الناصرى الرأس نوبة
الثانى، باستقراره فى نيابة غزة، بعد موت الأمير طوخ الأبوبكريّ
المؤيّدى قتيلا بيد العشير.
ثم فى يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على الأمير
شادبك الجكمى، أحد مقدمى الألوف، باستقراره فى نيابة حماة، عوضا عن
قانى باى البهلوان بحكم انتقاله إلى نيابة حلب، بحكم عزل قانى باى
الحمزاوى عنها، وقدومه إلى مصر، على إقطاع شاد بك المذكور.
ثم فى يوم الخميس خامس عشر جماد الأول من سنة تسع وأربعين المذكورة،
رسم السلطان بنفى الأمير على باى العجمى المؤيدى أحد أمراء العشرات
ورأس نوبة، إلى صفد ثم حوّل إلى دمشق بطالا، وأنعم بإمرته على الأمير
جانبك اليشبكى الساقى والى القاهرة، وأنعم بإقطاع جانبك المذكور على
جماعة من الخاصكية الأشرفية، ممن كان نفى فى أول الدولة بدمشق وغيرها.
ثم فى يوم الاثنين رابع عشرين جماد الآخر؛ وصل الأمير قانى باى
الحمزاوى نائب حلب، إلى القاهرة، وقبّل الأرض، واستقر من جملة مقدمى
الألوف بها، وكان الكلام قد كثر فى أمره، وأشيع بعصيانه.
وفى هذا الشهر ندب السلطان مملوكه جانبك الظاهرى، الخاصّكى، إلى التكلم
على بندر جدّة، وهذه أول سفرة سافرها جانبك المذكور، ومبدأ أمره فى
التكلم على بند جدّة إلى يومنا هذا. وكان من خبر استمراره على التكلم
فى البندر المذكور، أن السلطان كان فى كل سنة يندب للتكلم على البندر
أحدا من الأمراء أو أعيان الخاصّكية، فيتوجه المذكور ثم يعود إلى
القاهرة، وقد تغير خاطر السلطان عليه لأمور شتى «1» ، فيعزله السلطان
على أقبح وجه، ومنهم من يصادره ويأخذ «2» منه الأموال
(15/368)
الكثيرة، ومنهم من ينفى، ومنهم من يرسم
عليه ويبهدل، وقلّ من يسلم «1» [133] من ذلك. وقد وقع ذلك لجماعة كثيرة
من الدولة الأشرفية [برسباى] «2» إلى يوم تاريخه.
فلما ولى جانبك هذا، باشر البندر المذكور بمعرفة وحذق مع المهابة ووفور
العقل «3» والحرمة ونفوذ الكلمة، ونهض بما لم ينهض به غيره ممن تقدمه.
وأنا أقول:
ولا ممن تأخر عنه إلى يوم القيامة، على ما سيأتى بيان ذلك فى مواطن
كثيرة من هذه الترجمة وغيرها؛ وقد استوعبنا حاله فى تاريخنا «المنهل
الصافى» بأوسع من «4» هذا، وأيضا ذكرنا أموره مفصّلا، فى تاريخنا
«الحوادث» عند ذهابه إلى جدة وإيابه، وما يقع له بها فى الغالب- انتهى.
ثم فى يوم الخميس ثالث شعبان، خلع السلطان على الأمير إينال العلائى
الدّوادار الكبير، باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد موت
الأمير الكبير يشبك السودونى المشدّ؛ قلت: وفى تولية إينال هذا
للأتابكية فى يوم ثالث الشهر، رد على من يتشاءم بالحركة فى يوم ثالث
الشهر، فإنه نقل من هذه الوظيفة إلى السلطنة، فأى شؤم وقع له فى
ولايته؟ - انتهى.
ثم خلع السلطان على الأمير قانى باى الجاركسى شادّ الشّراب خاناه
باستقراره دوادارا كبيرا، عوضا عن إينال المذكور، وأنعم بإقطاع الأمير
إينال المذكور على الشهابى أحمد بن على بن إينال اليوسفى، وصار أمير
مائة ومقدم ألف بالديار المصرية.
وخلع السلطان على الأمير يونس السيفى آقباى، باستقراره شادّ الشراب
خاناة، عوضا عن قانى باى الجاركسى، واستمر على إقطاعه إمرة عشرة، ووقع
بسبب تولية الأمير إينال المذكور للأتابكية، كلام كثير فى الباطن، لكون
السلطان قدّمه على الأمير
(15/369)
تمراز القرمشى أمير سلاح، وجرباش الكريمى
أمير مجلس، وقراخجا الحسنى الأمير آخور الكبير؛ وهؤلاء الثلاثة من
أكابر المماليك البرقوقية، ووظائفهم أيضا تقتضى الانتقال منها إلى
الأتابكية، بخلاف وظيفة الدوادارية. وبلغ السلطان ذلك، أو فطن به، فلما
كان يوم السبت خامسه، نزل من قلعة الجبل إلى خليج الزعفران، وصحبته
جميع الأمراء إلى مخيم ضرب له به، وجلس فيه وأكل السماط، ودام هناك إلى
قريب الظهر، ثم ركب وعاد إلى القلعة. وكان قصد [الملك] «1» الظاهر
بالنزول إلى خليج الزعفران فى هذا اليوم، استخفافا بالقوم، لأنهم
أشاعوا أن جماعة تريد الركوب، فكأنه قال لهم بلسان حاله: «ها قد نزلت
من القلعة بخليج الزعفران، من كان له غرض فى شىء فليفعله» ، فلم يتحرك
ساكن وانقمع كل أحد، فكانت هذه الفعلة من أحسن أفعاله وأعظمها.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر شهر شعبان «2» المذكور، خلع السلطان على
الأمير الكبير إينال المذكور، خلعة نظر البيمارستان المنصورى، وخلع على
قانى باى الجاركسى خلعة الأنظار «3» المتعلقة بالدّوادارية «4» .
ثم فى يوم السبت سابع عشر شوال «5» برز أمير حاجّ المحمل، الأمير دولات
باى المحمودى المؤيدى الدوادار الثانى، بالمحمل إلى بركة الحاج «6» على
العادة، وأمير الركب الأول تمربغا الظاهرى «7» .
(15/370)
[ما وقع من
الحوادث سنة 850]
ثم فى يوم الخميس ثالث المحرم سنة خمسين وثمانمائة، خلع السلطان على
الصاحب خليل بن شاهين، المعزول عن نيابة ملطية قبل تاريخه، باستقراره
فى نيابة القدس، عوضا عن طوغان العثمانى، بحكم توجهه حاجب حجاب حلب،
بعد موت قانى باى الجكمى. وفيه استقر القاضى برهان الدين إبراهيم بن
الديرى، فى نظر الجوالى مضافا لما بيده من نظر الإسطبلات السلطانية،
عوضا عن ابن المحرّقى، بعد عزله.
ثم فى يوم الاثنين خامس صفر، أعيد قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر،
للقضاء، بعد موت قاضى القضاة شمس الدين القاياتى.
ثم فى يوم الثلاثاء سادس صفر أيضا، استقر القاضى ولىّ الدين السفطى، فى
تدريس المدرسة الصلاحية بقبة الشافعى عوضا عن القاياتى.
ثم فى يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول من سنة خمسين المذكورة، قدم إلى
القاهرة الشريف محمد بن الشريف بركات بن حسن بن عجلان، ومعه تقدمة من
عند أبيه، ما بين خيول وغيرها؛ وأقام بالقاهرة إلى سلخ الشهر المذكور،
وعاد إلى مكة، وقد أعطاه السلطان أمانا لأبيه بركات، ووعده بكل خير من
ولاية مكة وغير ذلك.
ثم فى يوم الاثنين أول شهر ربيع الآخر، خلع السلطان على ولى الدين
السفطى، باستقراره [134] فى نظر البيمارستان المنصورى، عوضا عن القاضى
محب الدين بن الأشقر ناظر الجيش، بحكم عزله عنها؛ وسار السفطى فى النظر
المذكور، سيرة سيئة، وهو أنه صار يأخذ مالا يستحقه، ويدفعه لمن لا
يستحقه، وحسابه على الله.
وفيه استقر أسنبغا مملوك ابن كلبك شادّ الشّون السلطانية، فى نيابة
بعلبك، ولم يقع ذلك «1» [فيما تقدم] «2» . والعادة أن نائب دمشق، هو
الذي يستقر بمن يختاره من
(15/371)
مماليكه فى نيابة بعلبك، هذا فى هذا
الزمان، وأما الوالد فإنه ولى فى نيابته على دمشق، نيابة القدس
والرملة.
ثم فى أواخر جمادى الأولى، توغر خاطر السلطان على الأمير شاد بك الجكمى
نائب حماة، وعزله عن نيابة حماة، وولّى عوضه الأمير يشبك من جانبك
المؤيدى الصوفى أحد أمراء الألوف بحلب، وكان السلطان نفى يشبك المذكور
من مصر، ثم أنعم عليه بإمرة بحلب، وأنعم بإقطاع يشبك المذكور على
خجداشه الأمير على باى العجمى المنفى أيضا، قبل تاريخه إلى دمشق؛ ورسم
لشادّ بك المذكور، أن يتوجه إلى القدس بطّالا، وحمل تقليد يشبك المذكور
بنيابة حماة، وتشريفه، الأمير تمربغا الظاهرى أحد أمراء العشرات.
وفى هذا الشهر، رسم السلطان بإطلاق جماعة من المماليك الأشرفية، ممن
كان حبسهم فى أول دولته بالبلاد الشامية «1» ؛ ورسم بقدومهم إلى
القاهرة.
ثم فى يوم الخميس سابع عشر شوال، برز أمير حاجّ المحمل، الأمير سونجبغا
اليونسى الناصرى [فرج] «2» أحد أمراء العشرات «3» ورأس نوبة، بالمحمل
إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول الأمير سمام الحسنى الظاهرى برقوق
أحد أمراء العشرات، وسافرت فى هذه السنة إلى الحجاز، زوجة السلطان
الملك الظاهر جقمق، خوند مغل بنت [القاضى ناصر الدين بن] «4» البارزى،
ومعها أيضا زوجة السلطان بنت ابن دلغادر، وحجّ فى هذه السنة أيضا
القاضى كمال الدين بن البارزى كاتب السر [الشريف] «5» ، صحبة أخته خوند
المذكورة «6» ، فى الركب الأول، وسافر كمال الدين [المذكور] بتجمل
كبير، وفعل فى سفرته من الخيرات والإحسان لأهل مكة ما سيذكر إلى الأبد.
(15/372)
|